جواهر الكلام - ج ٣٣

الشيخ محمّد حسن النّجفي

موضع النزاع ، لأن المرأة المذكورة ليست من هذا الباب ، ولا عضلها زوجها ، وإنما كان يريدها لو رضيت عنه ، وإنما هي الكارهة له على أصل قاعدة الخلع ، وتقييده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالحديقة لكون الزوج طلبها ، وإلا لجازت الزيادة إجماعا ، وأما حمله لكلام الأصحاب على غير صورة العضل ففيه أنهم أطلقوا فيها ، على أنك قد عرفت عدم الدليل على التقييد بقدر ما أخذت منه لا من الآية ولا من الخبر ، وليس ذلك من باب الخلع والمبارأة ليبحث عن تقييده بذلك وشبهه ، وأما حديث الإضرار فحسن ، لكنه غير مقيد بكون البذل بمقدار ما وصل إليها ، بل بما يحصل معه الإضرار وعدمه ، والأظهر الاقتصار في تقدير العضل على بعض ما وصل إليها مطلقا ، عملا بظاهر الآية ووقوفا فيما خالف الأصل على محل اليقين » ونحو ذلك قد ذكر في الروضة أيضا.

قلت : صريح كلامه أن المقام ليس من الخلع والمبارأة بعد أن اعترف سابقا أنهم قد عدوه في بابه ، وظاهرهم كون المقام منه ، وإلا فقد صرحت النصوص (١) المستفيضة أو المتواترة بعدم حل أخذ شي‌ء منها بدون كراهتها الظاهرة بالأقوال المزبورة ، وقد عرفت أن الطلاق بالعوض لا مصداق له غير مورد الخلع.

بل لعل التأمل في كلامهم في المقام وذكرهم الفدية ونحوها يشرف الفقيه على القطع بكون الفرض من مقام الخلع ، وإلا لذكروا له أحكاما مستقلة من كونه طلاقا بائنا حينئذ أو رجعيا ، وأنه يجوز له الرجوع بما أفدته أو لا ، إلى غير ذلك من الأحكام.

على أنه بناء على إرادة كل معصية من الفاحشة ينبغي القول بجواز إكراه المرأة على إفدائها بكل ما يقترحه عليها أو بمقدار ما وصل إليها منه أو بعضه بمجرد غيبة أو كذبه أو غير ذلك من المعاصي وإن كانت المرأة كارهة للفراق ومحبة لزوجها ، وهو حكم غريب لم يذكره فقيه ، ولا بحثوا عنه ، ولا ذكروا له‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من كتاب الخلع والمبارأة.

٦١

أحكاما.

وكذا لو قلنا بأن المراد منها الزنا أو ما يوجب الحد ، بل لعل القول بجواز الإكراه لها بما لا يجوز له قبل الفاحشة من سائر أفراد الظلم حتى تفدي نفسها من المستنكرات.

فالأولى أن يقال : إن المراد جواز إكراه المرأة الكارهة لزوجها التي هي موضوع الخلع إذا جاءت بالفاحشة ، وهي نشوزها وخروجها عن طاعته ، لكراهتها له بالتضييق عليها من الهجر وقطع النفقة وغير ذلك مما هو جائز لها حتى تفدي نفسها منه بما يشاء منها ، وهو في الحقيقة ليس إكراها بما لا يجوز له ، بل هو إكراه بحق فتأمل جيدا ، فان المقام غير محرر في كلماتهم ، والله العالم.

المسألة ( الرابعة : )

إذا صح الخلع فلا رجعة له بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، وهو الحجة بعد الأصل والنصوص المستفيضة أو المتواترة التي منها‌ قول الرضا عليه‌السلام في صحيح ابن بزيع (١) « تبين منه ، وإن شاءت أن يرد إليها ما أخذ منها وتكون امرأته فعلت » ‌وفي ذيل صحيح ابن سنان المروي في المحكي عن تفسير علي بن إبراهيم (٢) « لا رجعة للزوج على المختلعة ، ولا على المبارأة إلا أن يبدو للمرأة ، فيرد عليها ما أخذ منها » ‌بل ومفهوم‌ موثق أبي العباس (٣) عن الصادق عليه‌السلام « المختلعة إن رجعت في شي‌ء من الصلح يقول : لأرجعن في بضعك » ‌وغيرها من النصوص (٤) الصريحة والظاهرة ، وإنما ذكرنا هذه خاصة منها لجمعها بين‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من كتاب الخلع والمبارأة الحديث ٩.

(٢) و (٣) و (٤) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من كتاب الخلع والمبارأة الحديث ٤ ـ ٣ ـ ٠ ـ.

٦٢

الدلالة على ذلك وعلى أن لها الرجوع في الفدية ما دامت في العدة وإن لم يرض الزوج بذلك.

نعم مع رجوعها يرجع إن شاء الذي لا أجد فيه خلافا ، أيضا إلا من ابن حمزة ، فاعتبر التراضي منهما مع إطلاقهما ، أما إذا قيدا أو أحدهما كان للمرأة الرجوع بما بذلت ، وله الرجوع بها إن شاء ، ولا ريب في ضعفه وإن نفى عنه البأس في المختلف ، ضرورة كونه كالاجتهاد في مقابلة النص الحاكم على قاعدة كون ذلك مقتضى المعاوضة بعد تسليم كونها كذلك حقيقة.

إنما الكلام في اشتراط جواز رجوعها بإمكان صحة رجوعه وعدمه ، صريح جماعة كما عن ظاهر الشيخ الأول ، بل ربما نسب إلى الشهرة ، وظاهر غير واحد ممن أطلق جواز الرجوع بها حتى المصنف الثاني.

ولعل الأقوى الأول ، لقاعدة « لا ضرر ولا ضرار » ‌وغيرها ، مضافا إلى ظاهر النصوص المزبورة ، حتى الأول (١) منها الذي مقتضاه اشتراط الجواز المستفاد من قوله عليه‌السلام « فعلت » برد ما أخذت منه ، وكونها امرأة له المنزل على إرادة بحكم امرأته ، باعتبار جواز الرجوع له حينئذ ، للإجماع على عدم رجوعها زوجة له بمجرد رجوعها بالبذل ، فلا يجوز لها رد ما أخذت منه ، ولا تكون امرأة له كما في المطلقة ثلاثا.

وأما الموثق (٢) فدلالته ظاهرة وإلا لبقي الشرط بلا جزاء ، بل لعل اتفاق الأصحاب على تقييد جواز رجوعها بالبذل بما إذا كان في العدة مع خلو النصوص عنه مبني على التلازم المزبور ، للعلم بعدم جواز الرجوع له بعدها ، لصيرورة المرأة أجنبية حينئذ كالصغيرة واليائسة اللتين لا عدة لهما اللتين قد استفاضت النصوص (٣) بكون طلاقهما حيث يقع بائنا ، فتقيد جواز رجوعها بالعدة مقدمة لجواز رجوعه‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من كتاب الخلع والمبارأة الحديث ٩.

(٢) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من كتاب الخلع والمبارأة الحديث ٣.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢ و ٣ ـ من أبواب العدد من كتاب الطلاق.

٦٣

حينئذ ، كما أن الإجماع وإطلاق النصوص (١) على جواز الخلع لمن لا عدة لها أو كانت عدتها عدة بائن كالمطلقة ثلاثا ، فلا يتوهم اقتضاء النصوص المزبورة اختصاص مورد الخلع بالرجعية باعتبار ما فيها من أنه إن رجعت رجع ، بدعوى كون ذلك كاللازم لماهيته ، إذ هو كما ترى.

فتحقق حينئذ أنه لا رجوع لها حيث لا رجوع له لعدم عدة أو لانقضائها أو لغير ذلك ، لا أقل من أن يكون ذلك هو المستفاد من النصوص (٢) المزبورة ، فيبقى عدم جواز رجوعها في غيره على أصالة عدم الجواز.

بل قد يقوى بملاحظة الأخير عدم صحة رجوعها مع فرض عدم علمه بذلك إلى انقضاء محله ، لأن الثابت من الأدلة المزبورة رجوعها في حال العلم بذلك ، أما الصحيح الأول (٣) الذي قد اعتبر في شرطه كونها امرأة له فأقرب مجازاته حال علمه الذي يكون فيه حينئذ أحق ببضعها ، وأما الموثق (٤) فجواب الشرط فيه الخطاب بقول : « لأرجعن ببضعك » الذي لا ينطبق إلا على حال العلم ، وأما الثالث (٥) فاختصاص دلالته في حال العلم واضح ، ولم نقف على غيرها ، فيبقى في غير مفادها على أصالة المنع ، مؤيدا‌ بقاعدة « لا ضرر ولا ضرار ».

ودعوى ظهورها في أن الشرط ثبوت رجوعه شرعا أعم من أن يرجع أم لا ـ ومتى كانت العدة رجعية كان رجوعه جائزا سواء علم أم لم يعلم ، كما لو طلق رجعيا ولم يعلم بجواز الرجوع فيها فترك إلى انقضاء العدة ، فإن ذلك لا يخرج العدة عن كونها رجعية ـ واضحة المنع بعد الإحاطة بما ذكرنا من انحصار الدليل في النصوص المزبورة التي لا ينكر عدم استفادة حكم غير الفرد المزبور منها ، لعدم‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من كتاب الخلع والمبارأة.

(٢) و (٤) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من كتاب الخلع والمبارأة.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من كتاب الخلع والمبارأة الحديث ٩.

(٥) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من كتاب الخلع والمبارأة الحديث ٤.

٦٤

تعرض فيها لغيره ، فيبقى على أصل المنع بعد فرض عدم إطلاق يندرج فيه.

وكذا دعوى كون المحصل من الأدلة كون رجعتها شرطا في جواز رجوعه ، والشرط لا يتوقف وجوده على وجود المشروط بالفعل وإلا دار.

بل هي أوضح من الأولى منعا ، خصوصا ما ذكر من الدور فيه المعلوم عدمه في المقام الذي حاصله عدم صحة رجوعها إلا في حال علمه بذلك.

وحينئذ فما في القواعد وغيرها من الحكم بالصحة لا يخلو من نظر ، وكان منشأ الاشتباه استفادة الحكم الوضعي من النصوص (١) المزبورة ، وهو غير مقيد ، وهو كذلك لو أن الأدلة أفادته على الوجه المفروض ، وإنما إفادته على النحو الذي ذكرناه ، ولا شمول فيه قطعا.

وعلى كل حال فبناء على عدم اعتبار العلم في جواز رجوعها لو أنشأ الرجوع جاهلا برجوعها فصادف سبق رجوعها فالظاهر الصحة ، من غير فرق بين الذاهل وغيره ، لإطلاق ما دل على سببيته ، كما تقدم البحث في نظائر ذلك غير مرة.

ثم إنه حيث ترجع المرأة بالبذل ويكون للزوج حق الرجوع فهل تكون بذلك مطلقة رجعية يثبت لها جميع أحكامها من النفقة والتوارث وغيرهما كما هو أحد الوجهين أو القولين ، لعدم كون الرجعية إلا من جاز الرجوع فيها ، وإيماء الخبرين (٢) المزبورين إلى ذلك أم لا ، لأنها ابتدأت على البينونة وسقوط هذه الأحكام ، فعودها بعد ذلك يحتاج إلى دليل ، والأصل بقاء الأحكام السابقة ، ولا يلزم من جواز رجوعه على الوجه المزبور كونها رجعية مطلقا ، لجواز أن يراد بالرجعية ما يجوز للزوج الرجوع فيها مطلقا ، بل في المسالك هو الظاهر.

قلت : قد يقال ـ بعد تسليم عدم دلالة الخبرين المزبورين على صيرورتها حينئذ‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من كتاب الخلع والمبارأة.

(٢) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من كتاب الخلع والمبارأة الحديث ٣ و ٤.

٦٥

رجعية ولو باتحاد التعبير عنهما أو ما يقاربه ، وعدم ظهور الأدلة في كون الخلع طلاقا ، وأن بينونته إنما هي من جهة الفداء الذي هو كالشراء أو الصلح ، فمع فرض رجوع البذل عاد الطلاق إلى أصله كما لو فسد ، بل قد يدعى ظهور الأدلة حتى آية ( وَبُعُولَتُهُنَّ ) (١) في أن الأصل في الطلاق أن يكون رجعيا ـ : إن‌ الصحيح الأول (٢) باعتبار قوله عليه‌السلام فيه : « وتكون امرأته » ‌دال على أن المختلعة كالزوجة ، نحو ما ورد (٣) في الرجعية ، فان لم نقل باندراجها فيها أمكن استفادة أحكامها من ذلك ، نحو ما استفيد أحكام الرجعية.

ولعله لذلك وغيره أطلق الأصحاب في كل مقام يبطل الخلع فيه صيرورة الطلاق رجعيا ، وحينئذ فلا يجوز له نكاح الأخت ولا الرابعة بعد رجوعها بالبذل ، أما قبله فلا إشكال في الجواز ، وإن ذكر بعض وجها للعدم ، باعتبار تزلزله ، لإمكان رجوعها ، لكنه في غير محله ، إذ هو حينئذ كالاجتهاد في مقابلة إطلاق النصوص (٤) أنه تطليقة بائنة ، وخصوص‌ صحيح أبي بصير (٥) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سألته عن رجل اختلعت منه امرأته أيحل له أن يخطب أختها من قبل أن تنقضي عدة المختلعة؟ قال : نعم قد برئت عصمتها منه ، وليس له عليها رجعة » ‌الظاهر ـ ولو بقرينة ما في ذيله الذي هو كالتعليل ـ في جواز التزويج بها ، مضافا إلى صدق عدم الجمع بين الأختين وتزوج الخمسة في الفرض ، وغير ذلك.

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٢٨.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من كتاب الخلع والمبارأة الحديث ٩.

(٣) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب أقسام الطلاق والباب ـ ١٣ ـ منها الحديث ٦ والباب ـ ٢٠ ـ منها الحديث ١١ والباب ـ ١٨ و ٢٠ و ٢١ ـ من أبواب العدد من كتاب الطلاق.

(٤) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من كتاب الخلع والمبارأة.

(٥) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من كتاب الخلع والمبارأة.

٦٦

وهل لها الرجوع بالبذل حينئذ وإن لم يجز له الرجوع باعتبار كون المانع من قبله ، مع أنه يتمكن منه أيضا ولو بتطليق الأخت مثلا بائنا ـ كما مال إليه بعض الناس ـ أو لا يجوز الرجوع ، لعدم تناول النصوص (١) المزبورة المنحصر فيها دليل جواز رجوعها للفرض خصوصا الأول (٢) منها بل والثاني (٣) والثالث (٤)؟ ولعله الأقوى ، ولا ينافي شيئا مما ذكرنا ما في شرح الإرشاد وغيره من نفي الخلاف أو الاتفاق على كون البذل جائزا من جهتها المعلوم إرادة ذلك في الجملة منه خصوصا بعد عدم ذكرهم له في سياق المسألة ، وإنما ذكر في أثناء كلام لهم في غير المقام ، كما هو واضح بأدنى ملاحظة.

ثم إنه لا يخفى عليك ظهور الموثق (٥) المزبور ، وقوله عليه‌السلام في صحيح ابن سنان (٦) : « ينبغي » ‌إلى آخره المعلوم منه إرادة استحباب اشتراط مقتضى الخلع فيه جواز (٧) رجوعها ببعض البذل ، وأنه يثبت له حق الرجوع بذلك ولا ينافي ذلك‌ قوله عليه‌السلام في الصحيحين (٨) : « ما أخذ منها » ‌الظاهر في جميعه بعد أن لم يكن ظاهرا في الشرطية ، وأقصاه أن ذلك أحد أفراد الرد ، فلا ينافي استفادة جواز الفرد الأخر له وهو رد البعض من الموثق والصحيح ، مؤيدا ذلك بأنه إذا صح لها الرجوع بالجميع صح لها الرجوع بالبعض ، لأن الحق لها ، فلها إسقاط بعضه ، كما لها إسقاط جميعه ، فان عدم الرجوع في قوة الإسقاط ، إذ لا يلزم منه رجوع العوض الأخر.

ومن ذلك بان لك ضعف احتمال عدم جواز رجوعها بالبعض ، لأن ذلك يقتضي‌

__________________

(١) و (٣) و (٤) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من كتاب الخلع والمبارأة ـ ٠ ـ ٤ ـ ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من كتاب الخلع والمبارأة الحديث ٩.

(٥) و (٦) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من كتاب الخلع والمبارأة الحديث ٣ ـ ٤.

(٧) هكذا في النسختين الأصليتين والصحيح « في جواز ».

(٨) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من كتاب الخلع والمبارأة الحديث ٣ و ٤.

٦٧

صيرورة الطلاق رجعيا ، وهو مشروط بعدم الاشتمال على العوض ، والفرض بقاء البعض عوضا ، إذ لا فرق بين القليل والكثير ، ومن ثم لو جعل ابتداء ذلك القدر الباقي أو أقل منه كفى في البينونة ، والجمع بين كون الطلاق رجعيا وبقاء العوض في مقابلته جمع بين متنافيين ، إذ هو كالاجتهاد في مقابلة النص ، على أن العوض هنا المجموع دون البعض الباقي وإن كان صالحا لأن يكون عوضا لو وقع الخلع عليه ، فيصدق حينئذ بانتفاء البعض انتفاء العوض ، ويثبت حكم الرجوع.

ومن الغريب ميلة إلى ذلك في المسالك مستدلا له بما سمعت قال : « وفي صحيح ابن بزيع (١) ما يرشد إليه ، لظهوره في اعتبار رد الجميع ، لأن « ما » من صيغ العموم ، فلا يترتب عليها الحكم بالبعض ، وهو العمدة في الباب لصحته » وفيه مالا يخفى بعد الإحاطة بما ذكرناه.

وأضعف منه احتمال جواز رجوعها بالبعض ، لأن البذل جائز من جهتها ، ولكن لا يجوز له الرجوع ، لأن بقاء شي‌ء من العوض مانع من رجوعه وهو حاصل ، إذ هو مع ما فيه مناف لقاعدة الإضرار ، والتحقيق ما عرفت.

نعم الظاهر وجوب رد الجميع عليه إذا اختار الرجوع ، لظهور ذيل صحيح ابن سنان (٢) في ذلك ، بل هو مقتضى المعاوضة.

بقي شي‌ء ، وهو أن ظاهر النص (٣) والفتوى في المقام عدم الفرق في صيرورتها بحكم الرجعية في جواز الرجوع بها بين فراقها بصيغة الخلع أو الطلاق كما ذكرناه سابقا ، وهو مؤيد لما ذكرناه سابقا من احتمال صيرورتها مطلقة رجعية لو بان فساد البذل وإن كان بصيغة « خلعت » ولو لم يكن إجماعا منهم لأمكن القول هنا أيضا بأنه إن كانت الصيغة هنا بلفظ « خلعت » ورجعت بالبذل فسد الخلع من أصله وعادت الامرأة امرأة له بلا رجوع منه ، بل ربما أمكن تنزيل صحيح ابن‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من كتاب الخلع والمبارأة الحديث ٢.

(٢) و (٣) الوسائل الباب ـ ١ ـ من كتاب الخلع والمبارأة الحديث ٤ ـ ٠ ـ.

٦٨

بزيع (١) عليه ، بخلاف ما إذا كان الخلع بلفظ الطلاق ، فإنه حينئذ يبطل الخلع ، ويبقى الطلاق رجعيا أو غيره على حسب مورده ، كما عرفته سابقا ، وبذلك حينئذ تنتظم كلماتهم التي منها قوله :

المسألة ( الخامسة : )

لو خالعها وشرط الرجوع ( الرجعة خ ل ) لم يصح الشرط ، لكونه مخالفا للسنة (٢) المقتضية كون الخلع طلاقا بائنا ، بل يبطل الخلع أيضا ، كما صرح به في المسالك ، لكنه شبه المعاوضة التي قد عرفت بطلانها ببطلان الشرط فيها في محله ، خلافا لابن إدريس كما تقدم تحقيق الحال فيه في كتاب البيع ، ولا يكون الخلع ببطلان الشرط طلاقا ، لما عرفت من عدم انعقاد الطلاق به عندهم ، وأن العوض عندهم جزء مفهومه ومنه الشرط ، فمع فرض بطلانه يبطل أصل الخلع.

وكذا يبطل الشرط لو طلق بعوض لأنه شرط باطل على كل حال ، من غير فرق بين كون الخلع بصيغة « خلعت » أو صيغة الطلاق بعوض ، نعم في المسالك هنا أنه ينبغي أن يقع الطلاق رجعيا إن خلا من موجبات البينونة ، وإلا اتجه بطلانه ، وهو مبني على مذاقه الذي قد تقدم النظر فيه ، ضرورة عدم الفرق في القصد بين كون مورد الطلاق رجعيا وغيره ، فمع فرض عدم اقتضاء فساد العوض أو الشرط فساد أصل الطلاق لكونهما قصدين متباينين يتجه صحة الطلاق كيفما كان مورده ، وإلا بطل فيهما ، وظاهر الأصحاب عدم مدخلية العوض في صحة قصد الطلاق ، فيتجه في المقام المفروض فيه بطلان الشرط صحة الطلاق وإن بطل المعنى المعاوضي الذي به صار خلعا على طريقة المعاوضة التي تبطل ببطلان‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من كتاب الخلع والمبارأة الحديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من كتاب الخلع والمبارأة.

٦٩

الشرط فيها وإن كان للنظر في أصل دعوى تمايز قصدي الطلاق والعوض وعدم الارتباط بينهما على نحو المعاوضة لا في العوض ولا في الشرط مجال.

المسألة ( السادسة : )

المختلعة لا يلحقها طلاق بعد الخلع عندنا بلا خلاف ولا إشكال لأن وقوع الثاني بها مشروط بالرجعة والفرض انتفاؤها ، وكذا الظهار والإيلاء المعتبر في موردهما كونها زوجة ، وهي بالخلع الذي هو تطليقة بائنة صارت كالأجنبية. نعم لو رجعت في الفدية فرجع هو بها جاز استئناف الطلاق لصيرورتها زوجة حينئذ ، كما هو واضح.

المسألة ( السابعة : )

إذا قالت : « طلقني ثلاثا بألف » فطلقها قال الشيخ فيما حكاه المصنف والفاضل في محكي التحرير عنه لا يصح عندنا لأنه طلاق بشرط وفيه ما لا يخفى من أنه لا شرط في الفرض. ولذا قال المصنف مشيرا إلى النظر فيه الوجه أنه طلاق في مقابلة بذل ، فلا يعد شرطا لكن في المسالك « الذي رأيناه في كلام الشيخ خلاف ذلك ، وأنه نقل البطلان معللا بالشرط في كلام آخر يخالف ما نقله المصنف في اللفظ والمعنى ، وهو أنه جعل مورد الشرط ما لو قالت : « طلقني على أن لك علي ألفا » وهذا اللفظ هو المحتمل للشرط دون ما عبر به المصنف ، لأن الباء صريحة في العوض ، قال في موضع من المبسوط : إذا قالت لزوجها : « طلقني ثلاثا بألف درهم » فقال لها : « قد طلقتك ثلاثا بألف درهم » صح عند المخالف ، وعندنا لا يصح ، لأن الطلاق الثلاث لا يقع عندنا بلفظ واحد ، ولا يجب أن نقول هنا أنها تقع واحدة ، لأنها إنما بذلت العوض في الثلاث ، فإذا لم يصح‌

٧٠

الثلاث وجب أن يبطل من أصله ، ثم قال : إذا قالت له : « طلقني ثلاثا على أن لك علي ألفا » فطلقها صح الخلع ، ولزمها الألف ، وانقطعت الرجعة ، وعندنا لا يصح ، لما قلناه ، ولأنه طلاق بشرط ، وقال في موضع آخر إن قالت له : « طلقني ثلاثا بألف » فطلقها ثلاثا فعليها الألف ، وإن طلقها واحدة أو اثنتين فعليها بالحصة ، وعندنا أنه لا يصح أصلا ، وقد مضى. وإن قالت له : « طلقني ثلاثا على ألف » فالحكم فيه كما لو قالت بألف ، وقال قوم في هذه : « إن طلقها ثلاثا فله ألف ، وإن طلقها أقل من ثلاث وقع الطلاق ، ولم يجب عليها ما سمى ، وفصل بينهما بأن قال : إذا قالت بألف فهذه باء البذل ، والبذل يقتضي أن يقسط على المبذل ، كما لو باعه ثلاثة أعبد بألف ، وإذا قال : « علي ألف » علق الطلاق الثلاث بشرط هي الألف ، فإذا لم يوقع الثلاث لم يوجد الشرط ، فلم يستحق شيئا ».

قلت : لا ريب في أن تعليل البطلان في العبارة المزبورة بصورة التعبير بعلى لا الباء ، مع أن مختاره كونها كالباء في إفادة العوضية وإن حكي عن بعضهم الشرطية ، لظهور قوله تعالى (١) ( أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ ) في العوض ، بل هو المراد من قوله تعالى (٢) ( أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمّا عُلِّمْتَ رُشْداً ) الآية ، وأوضح منه ( فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ ) (٣) إلى آخرها.

مضافا إلى إمكان دعوى فهم العرف منها ذلك من سائر استعمالاتها في أمثال المقام ، خصوصا بعد أن لم يذكر أحد أنها من أدوات الشرط وإن كان لا مانع من قصد معناه فيها في بعض المقامات بضرب من التجوز أو غيره.

على أن الأمر في ذلك سهل ، لأنها مسألة لفظية ، فلا وجه للإطناب فيها كما في المسالك ، على أن المصنف لم يسند ذلك إلى الشيخ في المبسوط ، ولعله في‌

__________________

(١) سورة القصص : ٢٨ ـ الآية ٢٧.

(٢) و (٣) سورة الكهف : ١٨ ـ الآية ٦٦ ـ ٩٤.

٧١

الخلاف ، بل لعله في المبسوط في موضع غير ما نقله ، فان من لاحظ المبسوط يعلم تشويشه وكثرة تفريعه على مذاهب العامة والخاصة على وجه يشتبه الحال في كثير من مقاماته ، بل لا تنقيح في كثير من عباراته ، ولعله لذا هجر استعماله في هذه الأزمنة ، واقتصر علي المنقول عنه في الكتب المعروفة.

وكيف كان ف تحقيق الحال في مفروض المسألة على أصولنا أنها إن قصدت الثلاث ولاء من دون تخلل رجعة بزعم صحتها مفيدة للبينونة سواء كان التثليث مترتبا أو مرسلا لم يصح البذل لكونه بذلا على أمر باطل ، ضرورة معلومية عدم وقوع الثلاث عندنا بذلك وإن طلقها ثلاثا مرسلا بأن قال : « أنت طالق ثلاثا » فضلا عن المترتب الذي يقع فيه الثاني والثالث على المطلقة ، لما عرفت من عدم وقوعه بذلك ثلاثا عندنا على كل حال ، بل هو في المرسل إما باطل أو يقع واحدة على الخلاف السابق ، فلا يملك البذل حينئذ بذلك. لأنه لم يفعل ما سألته من الطلاق الثلاث المقتضي للبينونة ، اللهم إلا أن تريد التلفظ بذلك ، وهو خروج عما نحن فيه.

وقيل كما عن موضع من المبسوط بناء على وقوع الواحدة بالأخير يكون له الثلث من الألف ، وكذا المترتب لأنه هو بعد أن جعل عوضا كان موزعا على الثلاث والفرض وقوع الواحدة قطعا في المترتبة ، وفي قول في المرسلة ، فيكون لها ثلث الألف ، وفيه أن الظاهر جعل البذل في مقابلة المجموع الذي ينتفي بانتفاء بعضه ، فلا يستحق شيئا ، ولذا كان المحكي عن موضعين آخرين من المبسوط عدم استحقاق شي‌ء.

أما لو قصدت الثلاث التي يتخللها رجعتان ففي القواعد وغيرها صح وظاهرها صحة ذلك خلعا ، لكونه حينئذ بذلا على شي‌ء صحيح له فائدة فقصد ، وفيه منع عموم أو إطلاق في أدلة الخلع على وجه يتناول الفرض بحيث تجري عليه أحكام الخلع التي قد عرفت مخالفتها للأصل.

٧٢

نعم قد يقال بصحته جعالة على إشكال تقدمت الإشارة إليه ، ويأتي تحقيقه في محلها ، بل وكذا الإشكال في صحته صلحا كما أشرنا إليه سابقا.

بل ربما أشكل كونه خلعا أيضا بأن وقوع الثلاث على هذا الوجه يستدعي تأخر الطلقتين الآخرتين عن استدعائها بتخلل الأول بينهما وبتخلل الرجعتين ، وذلك مناف لعقد الخلع كما سلف ، وبأن البذل في مقابل الطلقات الثلاث ورجوعه في كل واحدة متوقف على رجوعها قبله بالبذل ، فان لم يحصل لم تصح الطلقات ، لكونها بائنة يتوقف على رجوعها ثم رجوعه ليصح الطلاق المتعقب ، وإن حصل لم يتحقق استحقاقه الألف ، لأن رجوعها بالبذل يرفع استحقاقه له ، فلا يكمل له الألف في الثالثة ، ولو قيل بأن البذل في مقابلة الثالثة خاصة ليسلم من توقفه على رجوعها لم يحصل الفورية بين طلبها وجوابه أصلا.

وعن بعض الجواب عن الأخيرين باعتبار الفورية في الطلاق الأول خاصة ، وجعل الباقي من تتمة المقصود ، واعتبر رجوعها في البذل بين الطلقات ، لتوقف ما طلبته عليه ، والتزم توقف ملكه للألف على الثالثة ، لأن بها حصل ما طلبته فاستحق ما بذلته ، فيكون الأولتان شرطا في استحقاق البذل على الثالثة لا جزء من المطلوب.

وعن بعض آخر الجواب بأن شرطها ذلك إذن منها له وتوكيل في الرجوع عنها في البذل ، لاستلزام وقوع الثلاث على هذا الوجه تخلل الرجوع ، فإذا بذلت عليه العوض فقد أذنت له في فعل ما يتوقف عليه صحتها ، فإذا طلق واحدة جاز له الرجوع عنها في البذل لتصير رجعية ، ثم يرجع ويطلق ، ثم يرجع في البذل كذلك ثم يرجع هو ويطلق.

وقد يناقش في الأول بأن رجوعها يمنع من تملكه للعوض المفروض في مقابلة الطلقة المرجوع في عوضها ، فلا يمكن الجمع بين كون الألف مبذولة في مقابلة الثلاث وبين ثبوتها في مقابلة الأخيرة ، لأن ثبوتها في مقابلة الأخيرة خاصة يقتضي كون الأولتين رجعيتين ، فلا يفتقر إلى رجوعها في العوض ، وأيضا فإن مقتضى‌

٧٣

لفظها كون العوض في مقابلة المجموع لا الثالثة خاصة.

وفي الثاني بأن صريح لفظها إنما هو بذل الألف في مقابلة طلاقه لها أما فعل ما يتوقف عليه من رجوعها فلا ، ولا يلزم من عدم صحة طلاقه بدون رجعتها إذنها له في الرجعة ، لجواز أن يوقع هو الطلاق ثم يتوقف على رجوعها بنفسها في العوض ، وأيضا فالمحذور السابق من جعل البذل في مقابلة الجميع وسقوط ما قابل المرجوع فيه آت هنا.

وربما ظهر من بعضهم أنه لا حاجة إلى دعوى التوكيل منها ، بل يجوز له الرجوع بالأولتين وإن كانتا متقابلتين ، لعدم تمام الخلع الذي يتوقف رجوعه على رجوعها بالبذل ، وهو كما ترى أيضا ، ولعل الأولى منه جعل البذل في مقابلة الثالثة التي بها يتحقق الخلع ، والأولتان مقدمة لتحقيق كونها ثالثة ، وهما رجعيتان ، إلا أن فيه أيضا أنه خلاف ظاهر اللفظ ، ومناف لترتيب صيغة الخلع بالفصل بطلقتين ورجعتين ، والفرض عدم كونهما من متعلقات صيغة الخلع.

ومن هنا جعل في المسالك « الحق في الجواب عنهما أن يقال : البذل إنما دفع في مقابلة المجموع من حيث هو مجموع ، لا في مقابلة كل واحد من الثلاث على وجه التوزيع ، ولا في مقابلة الثالثة خاصة ، وحينئذ فلا يتحقق استحقاقه العوض إلا بتمام الطلقات الثلاث ، فالأوليان تقعان رجعيتين محضا ، فله الرجوع فيهما من غير أن يتخلل رجوعها في العوض ، فإذا تمت الثلاث استحق العوض بتمامه ، لا في مقابلة الثالثة كما قيل ، بل في مقابلة المجموع من حيث هو مجموع ، وكانت حينئذ بائنة بوجهين : كونها في مقابلة عوض ، وكونها ثالثة ، والأوليان رجعيتان ، لعدم بذل عوض في مقابلتهما من حيث إنهما مفردتان ، بل من حيث إنهما جزء من المجموع ، وذلك لا يقتضي استحقاق شي‌ء في مقابلتهما ، فارتفع الإشكال الثاني. وأما الأول فيرتفع بفورية الطلاق الأول لاستدعائها واتباعه بالباقي مع تخلل الرجعتين على الفور ، لأن مجموع ذلك مطلوب واحد وعقد واحد ، فيكفي ترتب‌

٧٤

أوله على استدعائها وإن بعد الجزء الأخير ، كما لا يقدح بعد الجزء الأخير من الطلاق الواحد عن الاستدعاء ، وهما مشتركان هنا في الوحدة من حيث اتحاد المطلوب ، وكون البذل في مقابله ، وإن افترقا بتعدد أحدهما في نفسه فان ذلك أمر آخر ».

قلت : لكن فيه ما ذكرناه من الاشكال ، وهو عدم صلاحية تناول أدلة الخلع لمثل المفروض ، خصوصا بعد تخلل الرجعة المقتضية لعودها زوجة المنافية لكونها جزء الخلع كما هو واضح ، بل قد يقال بعدم معقولية ما ذكره ، ضرورة كون حاصله أن المجموع من حيث هو كذلك هو المقابل بالعوض ، فينبغي أن يكون هو الخلع ، ولا يتعقل كون مجموع طلقات مستقلات طلاقا واحدا خلعيا ، إذ هو كدعوى كون مجموع بيوع مثلا بيعا واحدا ، كما أنه لا يتعقل أيضا كون كل من الثلاث طلاقا خلعيا ، ولذا يتوقف رجوعه على رجوعها في الأولتين ، وأنه بالتمام يكون الطلاق طلاقا واحدا خلعيا ، إذ هو كما ترى ، خصوصا مع ملاحظة ما ورد من النصوص (١) بأن الخلع تطليقة بائنة ، بل ظاهر جميع النصوص كون الخلع تطليقة واحدة بائنة ، فلا تتناول المركب من الطلقات المتعددة بل المركب منها ليس طلاقا شرعيا ، بل هو نحو المركب من البيوع المتعددة ، أقصى ما هنا جعل الشارع الطلاق الثالث محرما لنكاحه لها حتى تنكح زوجا غيره ، كما أنه جعل التاسع في بعض الوجوه محرما أبدا ، فالمتجه حينئذ دعوى الصحة في الفرض لا على جهة الخلع ، نعم يصح جعالة على البحث السابق.

وحينئذ فإن طلق ثلاثا فله الألف ، وإن طلق واحدة كما عن المبسوط قيل له : ثلث الألف ، لأنه جعلته في مقابلة الثلاث ، فاقتضى تقسيط المقدار على الطلقات بالسوية ، وفيه تردد ، منشأه جعل الجملة في مقابلة الثلاث بما هي فلا يقتضي التقسيط مع الانفراد خصوصا والطلقة ليست متقومة ، والعمدة هنا الثالثة إن لم يختص بها البذل.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من كتاب الخلع والمبارأة.

٧٥

ولو كانت معه على طلقة مثلا فقالت طلقني ثلاثا بألف فطلق واحدة لا بنية الأقل منه كان له ثلث الألف لقاعدة التوزيع.

وقيل والقائل الشيخ في محكي المبسوط له الألف إن كانت عالمة بعدم بقاء غير الواحدة وأنها تبين منه بها ، لأن ذلك يكون قرينة على إرادة بذلها في مقابلتها وأن غرضها الحرمة الكبرى ، على معنى كمل لي الثلاث بألف والثلث إن كانت جاهلة لقاعدة التوزيع وفيه الاشكال السابق.

وقيل : يستحق الألف على كل حال لحصول المراد بالثلاث بالواحدة ، وهي الحرمة الكبرى ، وقيل : لا يستحق شيئا ، لعدم حصول ما استدعته ، بل هو لا يملكه فلا يمكنه ، والتوزيع قد عرفت ما فيه ، ودعوى كون علمها بالحال قرينة على ما عرفت ممنوعة ، ومع فرضها يكون خروجا عن محل النزاع ، وهو الذي اختاره في المسالك.

ولو سألت الثلاث على هذا الوجه وكان يملك طلقتين فطلقها واحدة فله ثلث الألف على الأول ، وكذا على الثاني مع جهلها ، ومع علمها فالنصف توزيعا للألف على الطلقتين ، ولا شي‌ء له على الرابع ، والثالث منتف هنا ، نعم لو طلقها تطليقتين استحق تمام الألف عليه ، وثلثيه على الأول ، بل وعلى الثاني مع الجهل ، وتمام الألف مع العلم ، ولا شي‌ء على الرابع.

٧٦

المسألة ( الثامنة : )

لو قالت : « طلقني واحدة بألف » فطلق ثلاثا ولاء بأن قال : « أنت طالق ثلاثا » وقعت واحدة بناء على حصولها بذلك وحينئذ يكون له الألف لإتيانه بما سألت إلا مع احتمال إرادتها الواحدة التي تحصل بغير التركيب المزبور لغرض من الأغراض لها ، فان المتجه حينئذ صحته طلاقا لا خلعا ، لعدم كونه جوابا لما سألت ، كما هو واضح. ولا فرق في الأول بين العالم بالحال والجاهل.

لكن في المسالك « لو قيل بالفرق وتخصيص الحكم المذكور بالعالم كان وجها ، ويبقى الكلام في الجاهل الذي يجوز وقوع الثلاث ، فان قصد الألف في مقابلة الأولى فكذلك ، وإن قصدها في مقابلة غيرها أو مقابلة الجمع توجه عدم لزوم الألف ، لأنه لم يقصد تملكها في مقابلة الطلاق الصحيح ، بل علق تملكها على أمر لم يتم له كما لو طلقها ثلاثا ولاء وقصدها في مقابلة غير الأولى » وفيه أن المفروض كون الوقوع بالإرسال الذي لا يتصور فيه اولى وثانية وثالثة ، اللهم إلا أن يريد التقدير.

وحينئذ يتجه فيه ما تسمعه فيما لو قالت : طلقني واحدة بألف فقال : أنت طالق فطالق فطالق فإنه لا خلاف عندنا ولا إشكال في أنها متى قالت : ذلك طلقت بالأولى ولغا الباقي ، فإن قال : الألف في مقابلة الأولى فالألف له ، وكانت الطلقة بائنة لتحقق الخلع بها ، ولغت الثانية والثالثة ، لوقوعهما على بائنة.

ولو قال في مقابلة الثانية كانت الأولى رجعية لأنها لم يقصد مقابلتها بعوض وإن سألته هي ، فإن المدار على قصده وبطلت الثانية والفدية فضلا عن الثالثة ، لعدم صحة الطلاق عندنا على المطلقة وإن كانت رجعية ، وكذا لو قصد في مقابلة الثالثة.

٧٧

ولو قال : في مقابلة الكل قال الشيخ : وقعت الأولى وله ثلث الألف بناء على التوزيع ، وتبطل الثانية والثالثة وما خصهما من التقسيط ، لوقوعهما على مطلقة.

وفيه إشكال من حيث إيقاعه ما التمسته وهو الطلقة الصحيحة ، فينبغي استحقاقه الجميع إن نوى كون الفداء في مقابل الكل ، لأن الخلع ليس معاوضة محضة حتى يبطل باختلاف الإيجاب والقبول في العوض ، كما لو قال : « بعتك هذه العبيد الثلاثة بألف » فقال : « قبلت واحدا معينا منها » فإنه لا يصح قولا واحدا ، وقد يدفع بأنه وإن لم يكن معاوضة محضة لكنه لما قصد كون الألف في مقابلة الجميع فقد نوى فعل الأول بثلث الألف فلا يستحق الجميع ، لأن هذا الاستدعاء شبه الجعالة ، ومع بذل الجاعل عوضا ـ فقبل القابل بنية التبرع أو بنية الأقل ـ لا يستحق الجميع ، فكذا هنا.

نعم هذا يتم لو لم ينو شيئا ، فإنه حينئذ يكون قد فعل ما التمسته ، فيستحق ما بذلته ، ويجعل جوابه بقوله : « أنت طالق » أولا مطابقا لما التمسته أما مع جعله في مقابل الكل فلا.

ولا يشكل ذلك بأن المتجه حينئذ عدم استحقاقه شيئا ، لعدم مطابقة الجواب السؤال ، إذ هو حينئذ كما لو قالت : « طلقني بألف » فقال : « أنت طالق بخمسمأة » لأنا نقول : الظاهر الصحة في المشبه به أيضا ، كما عن الشيخ ، لأنه زاد جزاء خيرا ، ولأنه قادر على إيقاعه بغير عوض ، فأولى أن يقدر على إيقاعه ببعض العوض المبذول الذي قد حصل إنشاؤه في ضمن إنشاء بذل الجميع ، وقد عرفت أن المقام ليس كالمعاوضات المحضة ، بل هو من قبيل الداعي.

وكذا لا يشكل ما هنا بأنه مناف عدم الحكم بالتوزيع في المسألة السابقة لوضوح الفرق بين المقامين ، فإنه في الأول قد أتى ببعض ما التمسته من الطلقات وهو غير موافق لغرضها ، بخلاف المقام الذي قد أتى فيه بملتمسها بأنقص م‌

٧٨

العوض الذي بذلته ، فان مرجعه إلى التبرع بالزائد عن الثلث ، وليس كل ما فعل ما التمسته يستحق عليه ما بذلته ، فإنه لو نوى التبرع بالطلاق الملتمس بغير عوض لا على وجه الجواب المطابق لم يستحق شيئا فكذا هنا بالنسبة إلى بعض العوض.

المسألة ( التاسعة : )

إذا قال أبوها : طلقها وأنت بري‌ء من صداقها أو بعضه بمعنى أنه بذل له مالها في ذمته على طلاقها فطلق صح الطلاق رجعيا إن كان مورده كذلك ولم يلزمها الإبراء ، ولا يضمنه الأب الذي هو أجنبي بالنسبة إلى ذلك مع بلوغ البنت ورشدها ، والفرض عدم وكالته ، فلا ضمان عليه للزوج ولا للبنت بعد عدم حصول الخلع والبراءة ، نعم لو أجازت هي ذلك وقلنا بصحة الفضولي في ذلك صح البذل وكان خلعا.

بل في المسالك « إن كان ولى عليها بصغر أو جنون أو سفه لم يصح أيضا ، لأنه إنما يملك التصرف فيما له فيه غبطة وحظ ، ولا حظ لها في هذا ، كما لو كان لها دين فأسقطه ـ بل قال ـ : لا فرق في ذلك بين إبرائه من الجميع أو البعض وإن جوزنا له العفو عن بعضه ، لأن العفو أمر آخر غير جعله عوضا عن الطلاق ، وأيضا فإن العفو عن البعض مشروط بوقوعه بعد الطلاق ، كما تشعر به الآية ، والبراءة هنا تكون بنفس الطلاق فلا يقع » وإن كان فيه لا ما يخفى ، ضرورة كون هذا التصرف بمالها كغيره من أموالها يتبع فيه عدم المفسدة أو المصلحة على القولين ، بل أقواهما الأول في الولي الإجباري ، ولا خصوصية للمقام ، فينبغي بناء صحته وفساده على ذلك لا الجزم بعدمه مطلقا ، ولعل كلام المصنف وغيره منزل على الكبيرة الرشيدة لا غيرها من المولى عليها التي يدور الحكم فيها على ما عرفت ، من غير فرق بين الولي الإجباري وغيره.

ثم إن ذكره السفيهة هنا مع الصغيرة والمجنونة لا يخلو من شي‌ء ، لأن السفيه‌

٧٩

محجر عليه في التصرف فيما له ، وليس عبارته مسلوبة ليقوم الولي مقامه في البذل ، كما تقدم تحرير الكلام فيه في محله.

المسألة ( العاشرة : )

إذا وكلت في خلعها مطلقا صح ، لمعلومية عدم اعتبار المباشرة في البذل ، فتشمله عمومات الوكالة واقتضى إطلاق الوكالة الذي هو بمعنى الاقتصار على التوكيل من غير ذكر المقدار لا عموما ولا خصوصا خلعها بمهر المثل فما دون نقدا بنقد البلد بناء على انصرافه من الإطلاق المزبور على نحو التوكيل في البيع والشراء وإن كان لا يخلو من نظر.

وكذا الكلام في الزوج إذا وكل في الخلع وأطلق على الوجه المزبور اقتضى أيضا الخلع بمهر المثل فما فوق نقدا بنقد البلد فان بذل وكيلها المزبور ال زيادة على مهر المثل بطل البذل أو كان موقوفا على الإجازة ، فان لم تحصل بطل ووقع الطلاق رجعيا إن كان مورده كذلك ، وكان الخلع بصيغة الطلاق ولا يضمن الوكيل للأصل وغيره.

ولو خلعها وكيل الزوج بأقل من مهر المثل بطل الخلع إن لم تحصل الإجازة ولو طلق بذلك البذل لم يقع الطلاق فضلا عن الخلع مع فرض عدم الإجازة لأنه فعل غير مأذون فيه فيكون طلاق أجنبي ، بخلاف ما لو طلق الزوج بعوض بذله الوكيل فبان غير وكيل مثلا ، فإنه يبطل الخلع ويصح طلاقا كما هو واضح.

ويلحق بفصل الأحكام مسائل النزاع وهي كثيرة لا يخفى حكمها المبني على قواعد التداعي ، ومن هنا اقتصر المصنف منها على ثلاث :

٨٠