جواهر الكلام - ج ٣٣

الشيخ محمّد حسن النّجفي

مع أنك قد عرفت اقتضاء عموم الأدلة وإطلاقها صحته كغيره من أفراد المجهول الذي يؤول إلى العلم ، نحو ما في الصندوق وما في كمي ونحوهما بعد العلم بوجود ما يصلح فيهما للبذل ، وليس في شي‌ء من أدلة المقام ما يقتضي كونه كالمهر بالنسبة إلى ذلك على فرض اشتراطه به ، خصوصا بعد كون المهر أدخل في العوضية من المقام.

وكيف كان فلا خلاف كما لا إشكال في أنه ينصرف الإطلاق فيما لو قالت مثلا : « مائة دينار ـ أو ـ درهم » إلى غالب نقد البلد وإن تعدد ، سواء كان ناقصا عن الدراهم الشرعية أو زائدا ، مغشوشا أو جيدا ، ومع فرض عدم الغلبة التي ينصرف الإطلاق إليها لم يصح البذل ، لما عرفت من كون مثل ذلك جهالة لا تؤول إلى العلم ، ومثار النزاع ، فلم تثبت شرعية التعاوض حتى في مثل معاوضة المقام التي هي وإن كانت كما عرفت لكن لا ريب في اشتراك حق المعاوضة بين المتعاوضين ، وليس هو من قبيل الوصية ونحوها مما يراد منه تحقق الامتثال ، فمع فرض التعدد الذي لا يتسامح فيه لا ترجيح لأحدهما على الآخر في ولاية التعيين ، والرجوع إلى معين آخر من قرعة ونحوها مناف لقاعدة الشارع فيما شرعه من المعاوضات المبنية على عدم احتياج أمر آخر غيرها في استحقاق كل من عوضيها ، كل ذلك مع الإطلاق أما مع التعيين فلا إشكال في الرجوع إلى ما عين بينهما وإن كان غير الغالب كما هو واضح.

وعلى كل حال فقد ظهر لك أنه لو خالعها على ألف ولم يذكر المراد ولا قصده ولا قرينة تصرف الإطلاق إليه فسد الخلع للجهالة المضرة بالمعاوضة كما عرفت ، أما لو قصدا معينا صح ولزمها ، لوجود المقتضي وارتفاع المانع ، بل لا يبعد صحته في غيره من المعاوضات كالبيع وغيره للعمومات ، خلافا للمسالك وبعض من تبعها ، بل أرسله إرسال المسلمات ، وأبعد من ذلك احتماله الفساد في المقام أيضا قياسا على غيره من المعاوضات ، وقد عرفت الصحة في المقيس عليه فضلا عن المقيس ، لعدم الدليل على اشتراط ذكر العوض ، بل ظاهر الأدلة خلافه.

٢١

بل لا يبعد الصحة في المقام لو كان القصد من أحدهما خاصة إلى معين وقبل الآخر على ذلك القصد وإن كان مجهولا عنده ، لما عرفت من عموم الأدلة وإطلاقها السالمين عن قدح مثل هذه الجهالة في مثل هذه المعاوضة ، بل أقصاه كونه كبذل ما في الصندوق ، نعم لا تجوز في البيع ونحوه مما يشترط فيه العلم للمتعاقدين.

بل لا يبعد الصحة في المقام أيضا مع قصد المعين من كل منهما واتفقا في اتحاد قصديهما على غير تواط ، لعموم الأدلة وإطلاقها وإن كان لا يخلو من تأمل.

ولو كان الفداء مما لا يملكه المسلم عالمين به كالخمر والخنزير فسد البذل بلا إشكال ولا خلاف ، لاشتراط المالية فيه ، بل قيل فسد الخلع لفساد المعاوضة حينئذ وقيل والقائل الشيخ يكون الطلاق رجعيا لما عرفت من عدم اعتبار العوض في مفهومه ، وأن إنشاء الطلاق مستقل وإن كان الباعث له عليه البذل المزبور ، إلا أن أقصاه عدم كونه بائنا ، لفحوى ما تسمعه من النصوص (١) المتضمنة لكون الطلاق رجعيا لو رجعت بالبذل.

ولكن قال المصنف هو حق إن أتبع بالطلاق ، وإلا كان البطلان أحق ولعله لأنه مع الاقتصار على الخلع لا يتحقق صحة الطلاق مع فساد العوض ، لأن الخلع الذي يقوم مقام الطلاق أو هو الطلاق ليس إلا اللفظ الدال على الإبانة بالعوض ، فبدونه لا يكون خلعا ، فلا يتحقق رفع الزوجية بائنا ولا رجعيا ، وإنما يتم إذا أتبعه بالطلاق ليكونا أمرين متغايرين لا يلزم من فساد أحدهما فساد الآخر فيفسد حينئذ الخلع لفوات العوض ، ويبقى الطلاق المتعقب له رجعيا لبطلان العوض الموجب لكونه بائنا ، وفي المسالك هو الأقوى.

وفيه ( أولا ) أن الشيخ قد عرفت أنه ممن يوجب اتباع الخلع الطلاق ،

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من كتاب الخلع والمبارأة.

٢٢

فلا وجه للتفصيل في كلامه. و ( ثانيا ) أن الطلاق المتبع به الخلع لا يراد به إلا الطلاق بالعوض ، وليس هو إنشاء مستقلا ، وقد سمعت سابقا من المسالك أنه هو المملك للعوض ، وأن تقدم الخلع عليه قليل الفائدة ، بل يمكن فرض مسألة المقام في كون الخلع بلفظ « أنت طالق بكذا من الخمر » من دون سبق الخلع ، ولا وجه للصحة فيه رجعيا إلا بناء على ما ذكرناه من عدم المعاوضة في ذلك حقيقة.

ومنه ينقدح وجه الصحة رجعيا لو كانت الصيغة بلفظ « خلعت » أيضا وإن لم نجوز وقوع غير الطلاق بعوض بها ، لما عرفت من كون الخلع طلاقا وإن كان مورده خاصا ، فتارة يصح واخرى يبطل لفقد شرط من شرائطه ، ولكنه لا يبطل أصل الطلاق الحاصل به كما يومئ إليه ما تسمعه من النص (١) والفتوى في صيرورة الطلاق رجعيا لو فسخت البذل ورجعت به ، من غير فرق بين كون الخلع قد كان بلفظ « خلعتك على كذا » وبين « أنت طالق بكذا » وما ذاك إلا لصحة وقوع الطلاق به في مورده وإن لم يسلم بفسخ للبذل أو بفقد شرط من شرائطه ، واحتمال الجمود على خصوص مورد النص مناف لقاعدة الاستنباط المستفادة من فحاوي الأدلة المشار إليها بقولهم عليهم‌السلام (٢) : « لا يكون الفقيه فقيها حتى تلحن له بالقول فيعرف ما تلحن له » ‌وغيره ، هذا كله مع العلم.

وأما مع الجهل كما لو خالعها على خل بزعمهما فبان خمرا صح وكان له بقدره خلا بلا خلاف أجده فيه ، قيل : لأن تراضيهما على المقدار من الجزئي المعين الذي يظنان كونه متمولا يقتضي الرضا بالكلي المنطبق عليه ، لأن الجزئي مستلزم له ، فالرضا به مستلزم الرضا بالكلي ، فإذا فات الجزئي لمانع صلاحيته للملك بقي الكلي ، ولأنه أقرب إلى المعقود عليه.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من كتاب الخلع والمبارأة.

(٢) المستدرك الباب ـ ١٥ ـ من أبواب صفات القاضي الحديث ٥ من كتاب القضاء والبحار ـ ج ٢ ص ١٣٧ ط الحديث.

٢٣

بل في المسالك « لم ينقلوا هنا قولا بفساده ، ولا وجوب قيمته عند مستحليه كما ذكروه في المهر ، مع أن الاحتمال قائم فيه ، أما الأول فلفقد شرط صحته ، وهو كونه مملوكا ، والجهل به لا يقتضي الصحة ، كما لو تبين فقد شرط في بعض أركان العقد ، وأما الثاني فلأن قيمة الشي‌ء أقرب إليه عند تعذره ، ولأن المقصود من المعين ماليته ، فمع تعذرها يصار إلى القيمة ، لأنه لا مثل له في شرع الإسلام فكان كتعذر المثل في المثلي حيث يجب ، فإنه ينتقل إلى قيمته ـ ثم قال ـ : ولو ظهر مستحقا لغيره فالحكم فيه مع العلم والجهل كما فصل ».

قلت : كأن ذلك مؤيد لما ذكرناه من عدم المعاوضة حقيقة هنا ، وإلا كان مقتضاها الانتفاء من رأس بانتفاء العوض ، كما هو واضح ، ولكن لما كان إنشاء الطلاق مستقلا أثر أثره ، والفداء لم ينتف بانتفاء ذلك المعين عرفا بعد الإتيان بقدره خلا.

بل يمكن دعوى ذلك فيما لو كان الفداء خنزيرا بزعم أنه بقر مثلا فبان خنزيرا أبدل بما ينطبق عليه من البقر وصح ، لأنه قسم من الفداء ، والقيمة بعيدة عن مماثلة المبذول فداء ، كما هو واضح. ولا يرد ذلك في صورة العلم المنحلة إلى عدم إرادة الفدائية حقيقة ، لعلمهما بعدم صلاحيته فداء ، اللهم إلا أن يفرض في صورة الجهل بالحكم شرعا ، وحينئذ يأتي احتمال مثله ، وعلم أحدهما كاف في فساد البذل إجراء لحكم المعاوضة ، فتأمل جيدا.

ولو خالع على حمل الدابة أو الجارية لم يصح مع عدم وجوده ، لعدم كونه متمولا عرفا وشرعا ، نعم قد يقال بصحة بذل الثمرة قبل وجودها للطمأنينة بحصولها ، وكونها مالا ولو شرعا بدليل جواز بيعها.

أما مع وجوده ففي المسالك كذلك أيضا للجهالة ، بل لعله ظاهر المتن وغيره أيضا ، بل ظاهر المسالك انصحار المخالف في بعض العامة.

ولكن لا يخفى عليك أن المتجه الصحة بناء على ما ذكرناه واحتملها في‌

٢٤

المسالك في المقام ، ثم قال : « ومثله ما لو خالعها على ما في كفها ، فإنه لا يصح عندنا ، سواء علم أن في كفئها شيئا متمولا وجهل مقداره أو عينه أو لم يعلم ، ومن أجاز الأول صححه هنا مع العلم بوجود شي‌ء في كفها يصلح للعوض ، أو ظهور وجوده فيه ، فان لم يظهر فيه شي‌ء ففي وجوب مهر المثل ـ كما لو ظهر فساد العوض ـ أو وقوع الطلاق رجعيا أو لزوم ثلاثة دراهم ، لأن المقبوض في الكف ثلاثة أصابع ، وهي ما عدا الإبهام والمسبحة ، فيجب قدره من النقد؟ أوجه ، أبعدها الأخير ».

قلت : لا ريب في فساده ، بل وفساد الأول ، لعدم الدليل ، كما أن الوجه الصحة مع العلم بأن في كفها ما يصلح للبذل ، لما عرفت ، فلو فرض ظهور عدمه انقلب الطلاق رجعيا على البحث السابق.

ويصح بذل الفداء منها بلا خلاف ولا إشكال ، لأنه هو المنطبق على نسبته إليها كتابا (١) وسنة (٢) وكذا من وكيلها القائم مقامها بعموم الوكالة وإطلاقها.

بل في المسالك في تفسير عبارة المتن وكذا ممن يضمنه في ذمته باذنها فيقول للزوج : « طلق زوجتك على مأة وعلي ضمانها » والفرق بينه وبين الوكيل أن الوكيل يبذل من مالها باذنها وهذا يبذل من ماله باذنها ليرجع عليها بما يبذله بعد ذلك ، فهو في معنى الوكيل الذي يدفع العوض عن الموكل من ماله ليرجع به عليه ، فدفعه له بمنزلة إقراضه لها وإن كان بصورة الضمان ، قلت : هو جيد لو دفع عينا عنها ، أما لو بذل كليا في ذمته فلا يتصور قرضه لها ، كما أنه لا يتصور شغل ذمته به للخالع وشغل ذمتها له بإيقاع الخلع كما هو واضح.

بل هو إن صح يكون من مسألة المتبرع التي ذكرها بقوله وهل يصح من المتبرع وإن كان العقد إيجابا وقبولا من الزوج والزوجة؟ فيه تردد ،

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٢٩.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ و ٤ ـ من كتاب الخلع والمبارأة.

٢٥

والأشبه المنع عند المصنف والشيخ وغيره من الأصحاب ، بل في المسالك « لم يعرف القائل بالجواز منا » قلت : لا لأن الخلع من عقود المعاوضة ، فلا يجوز لزوم العوض لغير صاحب المعوض ـ كالبيع لو قال : « بعتك كذا بمأة في ذمة فلان » ـ لإمكان الجواب عنه بما عرفت من عدم كون المقام منها ، خصوصا والمعوض هنا فكها من قيد النكاح ، فهو من قبيل الصلح الإسقاطي الذي يصح وقوعه من المتبرع ، بل لأن المستفاد من الكتاب (١) والسنة (٢) مشروعية الفدية منها ولو بواسطة وكيلها ، أما المتبرع فيبقى على أصل المنع ، إذ قد عرفت أنه لا إطلاق ولا عموم يقتضي مشروعية هذا القسم من طلاق الفدية المسمى بالخلع وطلاق العوض على وجه تجري عليه أحكامه ، من كونه طلاقا بائنا إلا مع رجوعها بالبذل وغيره من أحكامه ، ومن هنا كان فرض المقام على وجه الجعالة من الأجنبي خروجا عن البحث ، ضرورة عدم جريان أحكام الخلع على ذلك على فرض صحته.

ولا فرق فيما ذكرنا بين القول بكون المقام من الفداء أو المعاوضة أو الطلاق أو الفسخ ، إذ على كل حال مبنى المشروعية على الأدلة الخاصة التي لا شمول فيها للأجنبي ، بل ولا للضامن باذنها على الوجه المزبور ، فالمتجه منعه حينئذ إن لم يكن إجماعا ، إلا أن يرجع إلى الوكالة في القرض في صورة الدفع ونحوه مما يمكن إجراؤه على القواعد الشرعية.

نعم قد يقال فيهما : إن الآية (٣) وما شابهها من السنة (٤) تقتضي جواز فدائها نفسها بمال الغير مع الإذن على وجه لا رجوع به عليها ، وربما يدعى ظهور اتفاقهم فيما يأتي على جواز فداء الأمة نفسها بمال سيدها مع إذنه ، بناء على مساواته لذلك ، إذ كونه سيدا لا يقتضي كونه وكيلا أو وليا ، وكون البضع له لا ينافي كون مشروعية الفداء بشي‌ء يتبعها بعد العتق.

__________________

(١) و (٣) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٢٩.

(٢) و (٤) الوسائل الباب ـ ١ و ٤ ـ من كتاب الخلع والمبارأة.

٢٦

وبالجملة الفداء بمال الغير مع الاذن على وجه لا رجوع به عليها قد يقال بشمول الآية وما شابهها من الرواية له ، فان كانت مسألة التبرع المجوز عنها من هذا القبيل أشكل القول بعدم الجواز إن لم يكن إجماعا ، فإن ما فرضناه متحقق فيه نسبة الفداء إليها وإن لم يكن المال قد أبيح لها افتداؤها به كالأمة ، وما في بعض النصوص (١) من ذكر « مالها » لا يقتضي التقييد أو التخصيص ، لعدم المعارضة ، كما هو واضح ، فتأمل جيدا.

وعلى كل حال فبناء على عدم جواز البذل من المتبرع لا وقع لكثير من الفروع المذكورة هنا على بذل الأجنبي ، مع أن بعضها لا يخلو من نظر ، كدعوى جواز رجوعه به دون المرأة التي لا تملكه ، نعم لها الرجوع بالبذل من الضامن الذي يرجع عليها ، لكونه كمالها ، بخلاف بذل المتبرع ، إذ قد يناقش بإمكان منع جواز رجوعه به ، لأصالة اللزوم بعد حرمة القياس على جواز رجوعها ، وبإمكان عدم جواز رجوعها بالبذل من الضامن ، إذ هو أيضا ليس مالا لها ، فلا يشمله ما دل (٢) على جواز رجوعها بما بذلت الظاهر في غير الفرض بناء على ما عرفت.

ثم لا يخفى عليك أنه بناء على الصحة لا فرق بين تقدم سؤاله وبين قول الزوج :

« هي طالق بألف في ذمتك » فيقبل بلا تراخ.

كما لا فرق بين كونه وكيلا عنها وعدمه ، إذ له دفع البذل بعنوان التبرع لا الوكالة التي على فرض إيقاعه بها يتجه مطالبة الزوج به لها مع التصريح بها وإلا تعلق به الفداء ظاهرا ورجع به على الزوجة ، لأنه في الواقع في ذمتها مع فرض الوكالة كالمعاوضة ، بل على فرض الجواز يجوز للأجنبي أن يوكل أجنبيا آخر على ذلك ، بل له توكيل الزوجة وإن تخيرت بين بذلها نفسها وبعنوان الوكالة عن الأجنبي ، كما لو كان هو وكيلا.

ولا ريب في أن قول الزوجة للأجنبي : « اسأل زوجي يطلقني بكذا » توكيل ،

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من كتاب الخلع والمبارأة الحديث ٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من كتاب الخلع والمبارأة.

٢٧

سواء قالت : « على » أو لم تقل ، أما قول الأجنبي لها : « سلي زوجك يطلقك على كذا » فلا ظهور فيه في التوكيل ، بل في المسالك « إن لم يقل : « علي » لم يكن توكيلا فلو اختلعت كان المال عليها ، وإن قال : « علي » كان توكيلا فإن أضافت إليه أو نؤته ثبت على الأجنبي ، ولو قال أجنبي لأجنبي : « سل فلانا يطلق زوجته بكذا » كقوله للزوجة : « سلي زوجك » فيفرق بين أن يقول : « على » أو لا يقول ».

ولو اختلع الأجنبي وأضاف العقد إليها مصرحا بالوكالة ثم بان أنه كاذب لم يقع البذل ، وفي وقوعه طلاقا البحث السابق ، إلى غير ذلك مما لا يخفى عليك إجراؤه على القواعد العامة ، هذا كله في بذل المتبرع من ماله.

أما لو قال : « طلقها على ألف من مالها وعلي ضمانها » أو « على عبدها هذا وعلي ضمانه » صح ، فان رضيت بذلك فذاك وإن لم ترض بدفع البذل صح الخلع وضمن المتبرع كما صرح به بعضهم ولكن فيه تردد بل منع ، لأن مرجعه ضمان الأجنبي أيضا الذي قد عرفت عدم ثبوت شرعيته ، بل هو من ضمان ما لم يجب ، وورود صحة ضمان ألق متاعك في البحر وعلي ضمانه لو قلنا به لا يقتضي صحة الفرض بعد حرمة القياس عندنا ، نعم المتجه في الفرض كونه من الفضولي الذي يتوقف على إجازتها الكاشفة عن الصحة وقت البذل وعدمها ، لما سمعته في بحث الفضولي وأنه جار على الضوابط ، وأما ضمانه ذلك فلا أثر له ، اللهم إلا أن يكون بعنوان الشرطية والتوسعة في أمر الفداء ، لكن بعد البناء على صحته من المتبرع ، فتأمل جيدا.

ولو خالعت في مرض الموت صح وإن بذلت أكثر من الثلث وكان من الأصل‌ لعموم (١) « الناس مسلطون على أموالهم » ‌المقتصر في الخروج منها على التبرعات المحضة ، كالصدقة والهبة ونحوهما.

وفيه قول آخر بل في المسالك أنه المشهور بين الأصحاب والمعمول به‌

__________________

(١) البحار ج ٢ ص ٢٧٢ ط الحديث.

٢٨

بينهم وهو أن الزائد عن مهر المثل من الثلث لكونه كالمحاباة في المعاوضات وهو أشبه عند المصنف بأصول المذهب وقواعده التي منها ما عرفت سابقا من أن تصرف المريض مقصور على ثلث ماله حيث يكون متبرعا به ، وكان مهر المثل هو عوض البضع شرعا ، كالقيمة في المتقومات ، ومن ثمة لو تصرف فيه متصرف على وجه يضمنه كوطء الشبهة والمكره يجب عليه مهر المثل ، فبذلها فدية للطلاق يتقدر نفوذها من الأصل بمهر المثل ، لأن العائد إليها البضع ، فيعتبر قيمته شرعا ، كما لو اشترت شيئا بثمن مثله فان بذلت من ذلك كان مقدار مهر المثل من الأصل والزائد من الثلث ، كالمحاباة في المعاوضات ، وحينئذ فلو كان مهر مثلها أربعين دينارا مثلا فبذلت مأة ولم يكن عندها غيرها صح للزوج ستون : أربعون في مقابلة مهر المثل ، وعشرون بالمحاباة ، هي ثلث باقي التركة ، ويرجع إلى الورثة أربعون ضعف ما نفذت فيه المحاباة.

وربما قيل : إن الجميع يعتبر من الثلث ، لأن العائد إليها غير متمول بالنسبة إلى الورثة ، والحجر على المريض إنما هو لحق الورثة ، وفي المسالك « هو قول موجه » وفيه أن الخروج من الثلث مخالف للعمومات التي ينبغي الاقتصار في الخروج منها على المتيقن الذي هو غير الفرض ، بل يكفي الشك في بقائه على مقتضاها ، بل لو لا الشهرة لكان الأول في غاية القوة ، وإن قال في المسالك ، « إنه قول نادر غير موجه » ضرورة عدم صدق المحاباة فيه ، لعدم مقدر عرفا وشرعا في البذل حتى يكون الزائد عليه محاباة ، وكون مهر المثل قيمة للبضع في بعض الأحوال لا يقتضي كونه قيمة للبذل ، لا أقل من الشك ، فيبقى على العمومات هذا كله إذا لم تبرأ من مرضها ، ولو برئت لزم الجميع كسائر المنجزات.

وأما مرض الزوج فلا يؤثر في الخلع ، بل يصح خلعه في مرض الموت وإن كان بدون مهر المثل ، لأن البضع لا يبقى للوارث ، وإن لم يجر خلع فلا وجه للاعتبار من الثلث ، ولأنه لو طلقها بغير عوض في مرض الموت لا يعتبر فيه الوضع من الثلث ، فكذا إذا نقص عن مهر المثل ، والله العالم.

٢٩

ولو كان الفداء إرضاع ولده منها أو من غيرها أو حضانته صح عندنا للعمومات (١) لكن مشروطا بتعيين المدة رفعا للجهالة القادحة في أصل المعاوضة وإن كانت مثل المقام ، نعم قد يقال بالاكتفاء بأوان فطامه للتسامح في مثل هذه المعاوضات ، ولعموم الأدلة التي عرفتها سابقا.

وكذا يصح لو طلقها على نفقته بعد الرضاع مثلا أو مضافة إليه ، لكن في المتن وغيره بشرط تعيين القدر الذي يحتاج إليه من المأكل والكسوة والمدة بل في المسالك وغيرها يعتبر تعيين ما ينفق عليه كل يوم من الإدام والطعام والكسوة في كل فصل أو سنة ، أو بضبط المئونة في جملة السنة ، ويوصف بالأوصاف المشروطة في السلم.

ولا يخفى عليك ما في ذلك بعد الإحاطة بما أسلفناه من العمومات التي مقتضاها بعد ضبط المدة الاكتفاء بالمتعارف له أكلا وشربا وكسوة في كل فصل ، كنفقة الزوجة وغيرها ، وحينئذ يسقط تفريع إن خرج زهيدا وفضل من المقدار شي‌ء فهو للزوج وإن كان رغيبا واحتاج إلى الزيادة فهو على أبيه إن كان الولد فقيرا.

وعلى كل حال ف لو مات قبل المدة كان للمطلق استيفاء ما بقي ، فإن كان رضاعا رجع بأجرة مثله ، وإن كان إنفاقا رجع بمثل ما كان يحتاج إليه في تلك المدة مثلا أو قيمة بناء على ما ذكرناه ، وبالمقدر على ما ذكروه ، لأن العوض له ، والولد إنما هو محل البذل ، وعن العامة قول بانفساخ العقد ، لتعذر الوصول إلى ما عين عوضا ، فهو كالخلع على عين خرجت مستحقة أو كعوض تلف قبل القبض ، وهو كما ترى. نعم يمكن القول بجواز الفداء إرضاعا ونفقة في المدة ما دام حيا على وجه يسقط استحقاقه بموته ، لعموم قوله تعالى (٢) ( فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ )‌ و « تراضيا عليه » (٣) ‌وغيرهما من الأدلة السابقة.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ وغيره ـ من كتاب الخلع والمبارأة.

(٢) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٢٩.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من كتاب الخلع والمبارأة الحديث ٥.

٣٠

وكيف كان ف لا يجب عليها دفعه أى العوض من الأجرة والنفقة دفعة معجلا ، لأن موت الولد لا مدخل له في حلول الدين بل إنما يجب إدرارا في المدة كما كان يستحق عليها لو بقي للأصل وغيره ، خلافا لما عن العامة من القول بالحلول.

ولو تلف العوض المبذول قبل القبض لم يبطل الخلع بلا خلاف ولا إشكال ، للأصل والعمومات التي خرجنا عنها بالبيع لدليله ، بل في المتن وغيره أنه باق على استحقاقه ، ولزمها مثله أو قيمته إن لم يكن مثليا بل ظاهر كشف اللثام اتفاقنا عليه ، نعم فيه للعامة قول بالانصراف إلى مهر المثل ، واحتج له في المسالك‌ بعموم « على اليد » (١) ‌قال : « ويدها أخذت العين ولم تؤدها إلى مالكها ، فتكون ضامنة لها ـ إلى أن قال ـ : ولا فرق في ذلك بين تلفه باختيارها أو بآفة من الله تعالى شأنه أو بإتلاف أجنبي ، لكن في الثالث يتخير الزوج بين الرجوع عليها وعلى الأجنبي ، فإن رجع عليها رجعت على الأجنبي إن أتلفه على وجه مضمون ».

ولا يخفى عليك ما في التعليل المزبور ، نعم قد يقال بعد الاتفاق ظاهرا على ذلك : إن مقتضى المعاوضة وما شابهها وجوب التسليم ، ولذا اعتبر في صحتها القدرة عليه ، بل ربما ظهر من بعض المحققين في كتاب الإجارة اقتضاء التلف قبل القبض الانفساخ كالبيع ، لفوات معنى المعاوضة التي مقتضاها تبديل ملك بملك ويد بيد ، وإن كان فيه ما لا يخفى ، لكن لا ريب في اقتضائها وجوب التسليم المستصحب بقاؤه إلى ما بعد التلف المعلوم قيام المثل أو القيمة معه ، وهو معنى الضمان.

ولو خالعها بعوض موصوف فان وجد الزوج ما دفعته على الوصف المشترط فذاك وإلا كان له رده والمطالبة بما وصف الذي هو حقه ، وله الرضا بالمدفوع وفاء عن حقه مع التراضي منهما بلا خلاف ولا إشكال ، وإن كان ما دفعته معيبا تخير بين قبوله والمطالبة بأرشه وبين رده والمطالبة بفرد آخر كما تقدم ذلك في السلم.

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٦ ص ٩٥ وكنز العمال ج ٥ ص ٣٢٧ الرقم ٥٧١٣.

٣١

ولو كان ما خالعها عليه شيئا معينا فبان معيبا رده إن شاء وطالب بمثله أو قيمته ، وإن شاء أمسك مع الأرش ، وكذا لو خالعها على عبد على أنه حبشي فبان زنجيا أو على ثوب على أنه نقي فبان أسمر وعلله في المسالك بأن فوات الجزء الموجب للعيب أو للوصف (١) كتبعيض الصفقة ، فيتخير بين رده وأخذ عوضه وبين إبقائه مع أرشه ، ثم قال : « وهذا بخلاف البيع فإنه مع رده لا يرجع إلى عوضه ، بل يوجب انفساخ البيع ، والفرق أن الطلاق المترتب على العوض قد وقع قبل الرد ، والأصل فيه اللزوم ، وليس هو كغيره من عقود المعاوضات القابلة للتفاسخ مطلقا ، بل يقف فسخه على أمور خاصة بدليل خاص لا مطلقا ، فلا وسيلة إلا إلى تحصيل المطلوب من العوض بما ذكر » وكذا ذكر في تخلف الوصف مع اتحاد الجنس.

إلا أنه كما ترى ، ضرورة اقتضاء تسلطه على الرد فسخ الملك الحاصل بسبب البذل ومقتضاه حينئذ عود الطلاق إلى الطلاق المجرد عن العوض ـ كما لو رجعت هي بالبذل ، وليس هذا فسخا للطلاق ـ لا المطالبة بالمثل أو القيمة المحتاجين إلى مملك جديد ، خصوصا في تخلف الوصف المسلط في باب البيع وغيره من المعاوضات على الفسخ خاصة ، ومن هنا قال في آخر كلامه : « وللنظر في هذه المطالب مجال إن لم تكن إجماعية ، إذ لا نص فيها ، وإنما هي أحكام اجتهادية ، ولو قيل في فوات الوصف بتعين أخذه بالأرش كان حسنا ».

والذي أوقعه في هذا الإشكال هنا وغيره من المقامات بناؤه على أنها معاوضة حقيقية ، والمتجه على ذلك في تخلف الوصف الرد ، وانقلاب الطلاق إلى المجرد عن العوض ، وفي العيب التخيير بين الرد ـ ويكون الحكم كذلك ـ وبين الأرش ، بناء على أن ذلك مقتضى قاعدة لا ضرر ولا ضرار في البيع وغيره من المعاوضات ، نعم يتجه‌

__________________

(١) هكذا في النسخة الأصلية ، وفي المسالك « فوات الجزء الموجب للعيب أو الوصف. » وهو الصحيح.

٣٢

كلامهم هنا بناء على ما ذكرناه من أنه لا معاوضة حقيقية أو اصطلاحية وإن كانت معاوضة بالمعنى الأعم التي هي كالباعث والداعي ، والمراد الفداء ، ولا ريب في تحققه عرفا بالمثل والقيمة في المعيب وتخلف الوصف ، وبالأرش في المعيب ، وتفاوت القيمة في تخلف الوصف ، بل لعل ذلك هو المتعارف في تدارك الفداء.

ومن ذلك يظهر الوجه في قول المصنف وغيره أيضا أما لو خالعها على أنه أي الثوب إبريسم فبان كتانا صح الخلع ، وله قيمة الإبريسم ، وليس له إمساك الكتان لاختلاف الجنس وإن كان قد يناقش في خصوص المثال بأنه من نحو تخلف الوصف بعد الاشتراك في الثوبية التي هي جنس لهما ، كالاشتراك في العبدية بالنسبة للزنجى والحبشي ، إلا أنه يمكن التمثيل بما لو خالعها بمعين على أنه ثوب مثلا فبان حيوانا مثلا ، كان له المطالبة بالقيمة أو الثوبية ، وليس له إمساك الحيوان إلا مع التراضي بينهما ، وبالجملة قد عرفت أن المدار على تدارك الفداء مع فرض فواته بما يتدارك به عرفا ، وهو معنى آخر غير معنى المعاوضة المصطلحة ، ومن هنا أثبتوا له أحكاما غير أحكام المعاوضة ، كما نبهنا عليه غير مرة ، والله العالم.

ولو دفعت ألفا وقالت : « طلقني بها متى شئت » لم يصح البذل وإن قال الزوج بعدها بلا فاصل : « أنت طالق عليها » لعدم إنشاء فعلي ، إذ المفهوم من هذه العبارة الإعلام بأنها باذلة ذلك ، وليس هو إنشاء بذل نحو قول المشتري : « بعني مالك هذا بدرهم متى شئت » ولو فرض دلالة القرينة على إرادة إنشاء بذل فعلي لذلك وقال الزوج : « أنت طالق » لم يكن إشكال في الصحة.

واحتمال البطلان للفصل بين إنشائها وقوله بقولها : « متى شئت » لا ينبغي أن يذكر ، ضرورة عدم قدح مثل ذلك في فورية المعاوضات فضلا عن المقام.

بل ربما يرجع إلى ما ذكرنا ما يحكى من تعليل الشيخ البطلان بأنه سلف في طلاق ، وبأنه عوض على مجهول ، أي للجهل بالطلاق الواقع ، وإلا أمكن النظر فيه بأن هذه الصيغة كما تناولت الطلاق الباطل مع التراخي تناولت الفوري بعد هذه‌

٣٣

الصيغة ، ولا يلزم من بطلان التراخي بطلان مدلولها أجمع ، وليس هو حينئذ سلفا في طلاق بعد فرض شمولها للحال ، وكذا القول في كونه عوضا على مجهول ، خصوصا بعد عدم الدليل على البطلان بمثل هذه الجهالة.

ومن هنا عدل في المسالك إلى تعليل البطلان بأن المعتبر في البذل الصحيح كونه في مقابلة الطلاق الواقع على الفور ، فإذا جعلته في مقابلة الواقع مطلقا فكأنه قد جعلته في مقابلة طلاق باطل ، وإن كان هو كما ترى أيضا إن لم يرد ما ذكرناه ، وعلله في كشف اللثام بالتعليق المانع من القبول كالإيجاب ، ولعله يرجع إلى ما قلناه أيضا.

وعلى كل حال ف لو طلق كان رجعيا والألف لها مع فرض كون مورده كذلك ، وإلا كان بائنا على البحث السابق وإن جاء به على الفور لما عرفت.

ولو خالع اثنتين فصاعدا بفدية واحدة صح بلا خلاف أجده فيه ، وإن كان لولاه لأمكن المناقشة فيه بخروجه عن أدلة المشروعية التي لا إطلاق فيها ولا عموم يشمل الفرض ، وقد عرفت أنه على خلاف الأصل ، اللهم إلا أن يدعى معلومية إلغاء الوحدة التي هي مورد تلك الأدلة ، كما ألغيت في أصل الطلاق الذي من أدلته ما عرفت من الحصر بقول : « أنت طالق » بل قد يدعى صدق ( افْتَدَتْ ) (١) على كل واحد منهما.

وعلى كل حال كانت الفدية المبذولة بينهما بالسوية كما عن الشيخ والأكثر ، لظهور أمثال ذلك فيها ، ولا يقدح الجهل بالتقسيط كما لا يقدح في غير المقام من المعاوضات المعتبر فيها المعلومية فضلا عن المقام.

وربما احتمل كون التقسيط على مهر المثل الذي هو الملحوظ في قيمة البضع وعن القاضي أن التقسيط على المسمى في النكاح ، ولعله يريد مهر المثل الذي قد يؤيد‌

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٢٩.

٣٤

التقسيط عليه أنه المتعارف في قيمة البضع ، مع منع ظهور العبارة في التسوية ، على أن التقسيط في البيع ونحوه إنما هو لكون المبيع المجموع الذي يتقسط الثمن عليه بحسب قيمة المبيع ، ولو أن العبارة ظاهرة في التسوية لكان من الواجب الحكم بها لو كان المبيع لشخصين وإن اختلفت قيمة أحدهما ، كما أنه لو كان المختلع في المقام المجموع على حسب البيع لم يصح خلع أحدهما خاصة عند قولهما أو قول وكيلهما : « اخلعهما بألف » كما تسمعه ، إذ ليس ذاك إلا لكون كل منهما مقصودة بنفسها لا منضمة مع الآخرى ، على أن المسألة في كلامهم مطلقة على وجه يشمل فرضها مع عدم قصد التسوية من الخالع والباذل ، ودعوى أن الأصل في خلع المتعدد التسوية ممنوعة فليس حينئذ إلا التوزيع على نسبة مهر المثل ، فتأمل جيدا ، وكذا الكلام فيما لو ابتدأهما بطلاقهما على ألف وقبلا ( قبلتا ظ ) على الفور.

ولو قالتا طلقنا بألف فطلق واحدة كان له النصف بناء على التسوية ، وما يقتضيه التوزيع على مهر المثل أو المسمى لها في النكاح على القولين الآخرين ، ولا يقدح في الصحة اختلاف السؤال والإيقاع ، لأن كل واحدة مقصودة بنفسها منفردة ، كما لو قال رجلان : « رد عبدينا بكذا » فرد أحدهما دون الآخر ، وربما احتمل في المقام إرادة كل واحدة منهما طلاقهما معا ، فيختلف السؤال والإيقاع حينئذ ، ولعله لذا استشكل في محكي التحرير في ثبوت النصف ، لكنه في غير محله ، كما أن فرق بعضهم بين الصورة المزبورة وبين ما لو ابتدأهما فقال : « خالعتكما بألف » فقبلت إحداهما خاصة ـ لأن القبول لم يوافق الجواب ، كما لو قال : « بعتكما هذا العبد بألف » فقال أحدهما : « قبلت » ـ كذلك أيضا ، ضرورة ظهور كون كل منهما مقصودة بنفسها في المقام بخلاف المثال الظاهر في عدمه ، وإلا لجاء الاحتمال في الصورة الاولى.

وكيف كان ف لو عقب بطلاق الآخرى كان رجعيا إن كان مورده كذلك ولا عوض له لتأخر الجواب عن الاستدعاء المقتضي للتعجيل الذي قد عرفت اعتباره.

٣٥

ولو خالعها على عين فبانت مستحقة قيل والقائل الشيخ وتبعه غيره : يبطل الخلع الذي هو معاوضة ، لبطلان أحد العوضين ، لكن قد عرفت المناقشة في ذلك غير مرة ومن هنا قال المصنف لو قيل يصح الخلع ويكون له القيمة أو المثل إن كانت مثليا كان حسنا لكون ذلك هو المتعارف في تدارك الفدائية ، وأولى من تداركه بمثل العين على نحو الفداء في الإحرام.

وظاهر قول المصنف : « فبانت » أن مفروض المسألة الجهل لا مع العلم الذي ينحل إلى عدم إرادة الخلع عليه ، للعلم بعدم سلامته كما تقدم الكلام فيه سابقا ، وإن كان قد يناقش فيه بأن العلم بكونه مستحقا لا ينافي قصد الخلع عليه كباقي المعاوضة ، نعم هو مؤيد لما ذكرنا من أنه لا معاوضة في القصد ، وإنما هو من الباعث وإن أعطى بعض أحكام المعاوضة لإجماع إن كان أو غيره ، وقد تقدم سابقا بعض الكلام فيما لو كان الفداء الخمر ، وظاهر ثاني الشهيدين هنا أن حكم المغصوب حكمه في حالي الجهل والعلم ، ولكن جزم في المقام بالفساد ، كما أن المصنف قد جزم هناك بالصحة فيما لو خالعها على خل فبان خمرا بخلاف المقام ، وقد يتخيل الفرق بين المقامين ، لكنه غير تام ، والتحقيق ما عرفت.

ويصح البذل من الأمة بلا خلاف أجده فيه ، بل لعله إجماع ، ولولاه لأمكن المناقشة ـ في أصل جواز ذلك منها على أن تتبع به بعد العتق ـ بأنه مناف لما دل على عدم قدرة العبد على شي‌ء (١) خصوصا المعاوضات ، والضمان بالإتلاف ليس قدرة منه على شي‌ء ، ولا يوجب وجود ذمة له على وجه يصح منه إيجاد شي‌ء فيها ، كما تقدم نظير ذلك في الضمان ، ومن السيد بما عرفت من كونه كالفداء من المتبرع في عدم تناوله أدلة المشروعية إلا على الوجه الذي ذكرناه وأيدناه بكلامهم في المقام.

وعلى كل حال فلو أذن لها مولاها بالافتداء انصرف الإطلاق‌

__________________

(١) سورة النحل : ١٦ ـ الآية ٧٥.

٣٦

إلى الافتداء بمهر المثل كانصراف إطلاق الأمر بالشراء إلى قيمة المثل ، ويكون في ذمة السيد لا في كسبها إن كانت ذات كسب ، ولا في خصوص ما في يدها من مال السيد ، كما تقدم تحقيق ذلك في محله.

ولو بذلت زيادة عنه قيل : يصح الخلع ولكن تكون الزيادة لازمة لذمتها تتبع بها بعد العتق واليسار وأما مقدار مهر المثل فعلى السيد للاذن ، ولكن قد يناقش بمنع حصول الاذن بمهر المثل في الفرض ، لظهور إذنه بكونه الفدية لا بعضها ، ولعله لذا نسبه المصنف إلى القيل مشعرا بتمريضه ، لأن المتجه حينئذ كون الجميع في ذمتها ، وذلك لأنه لا خلاف ولا إشكال عندهم في أنها تتبع بأصل البذل مع عدم الاذن بعد العتق واليسار ، وهذا منه ، فتأمل جيدا.

ولو بذلت عينا من أعيان سيدها فأجاز المولى صح الخلع والبذل كما لو أذن ابتداء وإلا صح الخلع دون البذل ، ولزمها قيمته أو مثله تتبع به بعد العتق واليسار ، لكونه حينئذ كما لو ظهر مستحقا ، وهو مؤيد لما قلناه من أن المقام ليس من المعاوضات وإلا كان المتجه الفساد لعدم الإجازة.

وظاهر المصنف وغيره هنا عدم الفرق بين علمه بالحال وجهله ، وهو كذلك لما عرفت من إمكان تدارك الفدائية بالإبدال ، كما ذكرناه غير مرة.

ولو بذل سيدها رقبتها ففي صحة الخلع والالتزام بالمثل أو القيمة أو بطلان الخلع وجهان ، اختار ثانيهما في المسالك ، وأما احتمال الصحة فلم أجد من احتمله ، ولعله لمنافاة الطلاق والملكية اللذين هما أثر الخلع على وجه لا يتحد زمانهما ، مثل الزوجية والملكية فيما لو تزوجها في أن شراء وكيله لها مثلا بخلاف شراء الزوجة المسبب للملك المزيل للزوجية.

ونحوه بذل رقبة زوجته في خلع زوجته الآخرى ، فإنه جائز ، ولكن بناء على ما ذكرنا من عدم المعاوضة في المقام وعدم التقييد في قصد الطلاق يتجه حينئذ الصحة والالتزام بتدارك الفداء لا البطلان ، كما سمعته في نظائره ، إذ أقصاه تعذر‌

٣٧

الفداء ، فيتدارك بما عرفت.

وكيف كان ف يصح ال بذل من المكاتبة المطلقة ولو من المال الذي في يدها ولا اعتراض للمولى عليها بلا خلاف أجده ، نعم أشكله في المسالك وتبعه غيره بما يأتي في بحث المكاتبة من عدم جواز التصرف المنافي للاكتساب ومسوغ فيه ، من غير فرق بين المكاتب المطلق والمشروط.

ويدفعه بعد تسليمه أنه يمكن فرض المقام كذلك ولو بإرادة التكسب بالعقد المنقطع مثلا وفرضه أيضا بأن المبذول مهر المثل فأقل بناء على عدم جواز تكسبها بالأزيد ، إذ المراد أن المكاتبة غير الأمة بالنسبة إلى ذلك. فمن الغريب قوله بعد ذلك : « ولو قيل بأن اختلاع المكاتبة مطلقا كاختلاع الأمة كان وجها ، لكن لا أعلم به قائلا من أصحابنا ، فينبغي التوقف إلى أن يظهر الحال أو وجه الفرق الذي ادعوه » ضرورة كفاية ما ذكرناه فرقا.

نعم قد يناقش فيما جعله واضحا ـ من قوله وأما المشروطة فكالقن معللا بأنها لا تخلص من محض الرق إلا بأداء جميع المال ، فهي قبله بحكم القن ـ بأن ذلك إذا كان منها للتكسب على الوجه الذي فرضناه يتجه جوازه أيضا وستعرف تحقيق الحال في ذلك في بحث المكاتبة إنشاء الله.

٣٨

( النظر الثالث )

( في الشرائط )

ولا خلاف كما لا إشكال في أنه يعتبر في الخالع شروط أربعة : البلوغ وكمال العقل والاختيار والقصد سواء قلنا بأنه طلاق أو فسخ ف إنه على كل حال لا يقع مع الصغر والجنون اللذين قد عرفت الإجماع على سلب عبارة معهما في مثل ذلك. وكذا لا يقع مع الإكراه الذي قد عرفت تحقيق الحال فيه في البيع ، بل وفي الطلاق وفي الفروع المتعلقة به. ولا مع السكر ولا مع الغضب الرافع للقصد كغيره من الإيقاع والمعاوضة ، ولا مع الغفلة والسهو والعبث ونحو ذلك مما سمعته في الطلاق الذي قد مر البحث في ذلك فيه وفي الرجوع إليه بدعوى عدم القصد وغيره من المباحث ، كدعوى الإكراه ونحوه ، فلاحظ وتأمل.

ولو خالع ولي الطفل بعوض صح إن لم يكن طلاقا مع المصلحة أو مع عدم المفسدة وبطل مع القول بكونه طلاقا لما عرفته سابقا من عدم صحته من ولي الطفل ، بل قد يقال بعدم صحته منه وإن لم نقل : إنه طلاق ، باعتبار النصوص (١) التي إن لم نقل أنها لبيان فرديته فلا ريب في أن المراد منها تنزيله منزلته ، فيثبت له أحكامه الظاهرة بناء على أن ذلك منها على وجه يشمله إطلاق المنزلة ، ولكن قد عرفت أنه من أفراده وإن لم يندرج في تعريفه المعتبر فيه صيغة « أنت طالق » المنزل على أنه للطلاق المقابل للخلع لا له بالمعنى الأعم الشامل له ، وحينئذ‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من كتاب الخلع والمبارأة.

٣٩

فكل شرط يثبت للطلاق يثبت له ، ويزيد بما ستعرفه من اعتبار الكراهة.

وكيف كان ف يعتبر في المختلعة البلوغ والعقل في محكي المبسوط والجامع ، واختاره في كشف اللثام ، لانتفاء الكراهة منها ، وعن التحرير لأنه لاحظ لها في إسقاط مالها ، وفيه مالا يخفى ، وفي صريح القواعد ومحكي النهاية الجواز ، والظاهر فرضه في حال تحقق الكراهة منهما ، ضرورة عدم منافاة حصولها للصغيرة المميز والمجنون الذي يمكن فرض سبق الكراهة منه في حال العقل ثم استمرت إلى حال الجنون ، ودعوى عدم اعتبار كراهتهما يدفعها أنه لا دليل على العدم ، بل ظاهر الأدلة الشرطية التي هي من أحكام الوضع الشاملة للمكلف وغيره ، كالضمان والحدث ونحوهما ، ولعل ذلك هو الظاهر من المصنف ، حيث لم يذكرهما في الشرائط ، وقد عثرنا على نسخة لكشف اللثام قد غير فيها ما حكيناه عنه أولا ، قال : « وهو الوجه في صغيرة لا يتصور الكراهة منها » وهذا منطبق على ما ذكرناه.

وعلى كل حال فقد ذكر هو وغيره بل لا أجد فيه خلافا بل الإجماع بقسميه عليه أنه لا بد ( يعتبر خ ل ) في المختلعة أن تكون طاهرا طهرا لم يجامعها فيه إذا كانت مدخولا بها غير صغيرة ولا يائسة وكان حاضرا معها على حسب ما سمعته في الطلاق الذي قد عرفت كون الخلع فردا منه ، فكل ما دل على اشتراطه فيه يشترط في الخلع ، مضافا إلى‌ قول الصادق عليه‌السلام في خبر حمران (١) : « لا يكون خلع ولا تخيير ولا مباراة إلا على طهر من المرأة من غير جماع وشاهدين يعرفان الرجل ويريان المرأة ويحضران التخيير وإقرار المرأة أنها على طهر من غير جماع يوم خيرها » وقول الباقر (٢) عليه‌السلام : « لا طلاق ولا خلع ولا مباراة ولا خيار إلا على طهر من غير جماع » ‌وغيرهما من النصوص (٣) الدالة على اعتبار ذلك فيه.

ولعله لذا كان المحكي عن الخلاف الاتفاق على اعتبار ذلك فيه ، سواء قلنا : إنه طلاق أو فسخ ، ولعله كذلك ، نعم عن المراسم « وشروط الخلع والمبارأة شروط‌

__________________

(١) و (٢) و (٣) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من كتاب الخلع والمبارأة الحديث ٤ ـ ٣ ـ ٠ ـ.

٤٠