جواهر الكلام - ج ٣٣

الشيخ محمّد حسن النّجفي

الزم بحكمه خاصة ، فترافعه ويوقف بعد انقضاء مدت ه‍ أي الظهار ، فان طلق فقد وفي الحق وخرج من حكمي الإيلاء والظهار وإن أبى ألزم بالتكفير وال عود لل وطء لأنه أسقط حقه من التربص إلى الأربعة بالظهار وكان عليه كفارة الإيلاء إذا وطأ وإن توقفت كفارة الظهار على مدة تزيد عن مدة الإيلاء أو كان الظهار متأخرا عنه بحيث انقضت مدته قبل التخلص منه طولب بالأمرين معا ولزمه حكمها ، ولكن قد يختلف حكمها فيما لو انقضت مدة الإيلاء ولما يكمل الكفارة للظهار ، فان حكم الإيلاء إذا لم يختر الطلاق إلزامه بالفئة وتعجيل الوطء ، وحكم الظهار تحريمه إلى أن يكفر ، وطريق الجمع حينئذ إلزامه للإيلاء بفئة العاجز ، لأن الظهار مانع شرعي من الوطء قبل التكفير ، فتجتمع الكفارتان بالعزم على الوطء إحداهما للفئة والآخرى للعزم عليه ، ولو أراد الوطء في هذه الحالة قبل التكفير للظهار حرم عليه ذلك ، بل يحرم عليها أيضا تمكينه منه ، كما سبق وإن أبيح له ولها من حيث الإيلاء ، ولو فعل حراما ووطأ حصلت الفئة ولزمه كفارتا الظهار والإيلاء.

٣٢١

( السادس : )

إذا آلى ثم ارتد عن غير فطرة مثلا قال الشيخ : لا تحتسب عليه مدة الردة ، لأن المنع بسبب الارتداد الذي هو فاسخ للنكاح كالطلاق لا بسبب الإيلاء فلا تحتسب مدته من مدة الإيلاء المقتضية لاستحقاق المطالبة بعدها بالوطء ، لتضاد المؤثرين المقتضي لتضاد الأثرين كما لا يحتسب زمان العدة.

والوجه عند المصنف بل في المسالك نسبته إلى الأكثر الاحتساب ، لتمكنه من الوطء بإزالة المانع فلا يكون عذرا ، ويفارق العدة بأن المرتد إذا عاد إلى الإسلام تبين أن النكاح لم ينفسخ والطلاق الماضي مع لحوق الرجعة لا ينفسخ ، ولهذا ظهر أثره بتحريمها بالثلاث وإن رجع في الأولين ، ولكن ذلك كما ترى. ولعله لذا قال الكركي في الحاشية : « وفي الفرق بحث ».

٣٢٢

( المسألة الثالثة : )

إذا وطأ في مدة التربص لزمته الكفارة إجماعا بقسميه ، ولا طلاق ما دل على كفارة اليمين من الكتاب (١) والسنة (٢) ضرورة كون المفروض منه ، ولا إثم عليه في الكف عنها في المدة المزبورة التي لا حق لها فيها.

ولو وطأ بعد المدة قال في المبسوط : لا كفارة للأصل بعد الشك أو الظن بخروج الفرض عن إطلاق ما دل على وجوبها بالحنث بسبب وجوب الوطء عليه شرعا ، لأنها مطالبة بعد مضي الأربعة ، فلا حنث حينئذ ، وبذلك يظهر لك الفرق بين ما بعد المدة وأثنائها ، على أن خروج الثاني في صورة جواز الوطء أو رجحانه بالإجماع لا يقتضي خروج الأول عن مقتضى أصالة البراءة عن التكفير.

ولكن مع ذلك قال في الخلاف ومحكي النهاية والتبيان : تلزمه الكفارة كما عن مجمع البيان وروض الجنان وأحكام القرآن ، بل هو ظاهر الأكثر ، بل عن الخلاف الإجماع عليه ، مضافا إلى‌ خبر منصور بن حازم (٣) المنجبر بما عرفت عن الصادق عليه‌السلام قال : « سألته عن رجل آلى من امرأته فمرت به أربعة أشهر ، قال : يوقف فان عزم الطلاق بانت منه ، وعليها عدة المطلقة ، وإلا كفر عن يمينه ، وأمسكها » ‌معتضدا بما عن العياشي من إرساله عنه عليه‌السلام (٤) « أنه سئل إذا بانت المرأة من الرجل هل يخطبها مع الخطاب؟ قال : يخطبها على تطليقتين ، ولا يقربها حتى يكفر عن يمينه » ‌وكذا‌ ما أرسله‌

__________________

(١) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٩٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الكفارات.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الإيلاء الحديث ٣.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الإيلاء الحديث ٤.

٣٢٣

عنه عليه‌السلام أيضا في المحكي عن بعض الكتب (١) أنه قال : « إذا فاء المؤلي فعليه الكفارة ».

ولعله لذا قال المصنف وهو أشبه وتبعه الفاضل وغيره ، مؤيدا ذلك بأن يمين الإيلاء يخالف مطلق اليمين في أمور هذا منها ، ومنها انعقاده وإن كان تركه أرجح ، بل ربما وجب ، كما لو آلى في وقت يجب فيه الوطء ، فما في المسالك ـ من الوسوسة في الحكم المذكور لأمور لا توافق أصولنا ـ في غير محله ، على أنه هو في آخر كلامه أعاذه الله تعالى وإيانا من الوسواس قال : « ومع ذلك فاعتمادنا على المذهب المشهور من وجوب الكفارة على المؤلي مطلقا ».

المسألة ( الرابعة : )

إذا وطأ المؤلي ساهيا أو مجنونا ، أو اشتبهت بغيرها من حلائله أو في نحو ذلك من الأحوال التي لا يكون بها عامدا قال الشيخ : بطل حكم الإيلاء الذي هو ترك وطئها في المدة المزبورة بحيث يكون لها المطالبة ، لأن المفروض تحقق الإصابة ولو في الأحوال المزبورة نعم لم تجب الكفارة بلا خلاف ولا إشكال وإن انحل حكم الإيلاء لعدم الحنث إذ الفرض عدم عمده ، فيندرج فيمن رفع عنه الخطأ أو النسيان من الأمة ، بل من المعلوم أن المراد من اليمين الالتزام بمقتضاها ، ولا يكون ذلك إلا حال التذكر ، فليس الفرض حينئذ متعلقا لليمين ، لكن قد ينقدح من ذلك حينئذ عدم الانحلال ، لأنه ليس من أفراد المحلوف عليه ، وكذا مطلق اليمين.

اللهم إلا أن يقال : إن متعلق اليمين عدم وجود الحقيقة من الحالف أصلا ، إلا أن الكفارة على اليمين يتبع التكليف المتوقف على حصول التذكر ، فالانحلال‌

__________________

(١) المستدرك الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الإيلاء الحديث ٢.

٣٢٤

يحصل بكونه منافيا للمحلوف عليه من عدم وجود الحقيقة أصلا ولا تجب الكفارة ، لأن عنوانها حال التكليف ، فتأمل جيدا.

ثم إن الحكم على تقدير انحلال الإيلاء واضح ، أما إذا لم نقل بالانحلال ففي المسالك « وجهان أحدهما أنه لا تحصل الفئة وتبقى المطالبة ، لأن اليمين باقية ، والثاني تحصل بوصولها إلى حقها واندفاع الضرر ، ولا فرق في إبقاء الحق بين وصوله إلى صاحبه حال الجنون والعقل كما لو رد المجنون وديعة إلى صاحبها ، ولأن وطء المجنون كوطء العاقل في التحليل وتقرير المهر وتحريم الربيبة وسائر الأحكام فكذلك هنا ، ولا يلزم من عدم وجوب الكفارة عدم ثبوت الفئة ، لأنها حق لله تعالى ، والفئة حق للمرأة ، ويعتبر في حق الله تعالى من القصد الصحيح ما لا يعتبر في حق الآدمي ، والأصح الأول ».

قلت : لا يخفى عليك ما في دعوى الوجهين ، ضرورة أنه يتعين مع عدم انحلاله عدم كون ذلك فئة ، وإن حصل بسببه سقوط المطالبة من المرأة في تلك الأربعة ولكن يبقى لها حكم المطالبة في أربعة أخرى ، لبقاء حكم الإيلاء فيها ، وقد عرفت أن الأقوى عندنا الانحلال ، فيسقط هذا التفريع من أصله.

٣٢٥

المسألة ( الخامسة : )

إذا ادعى الإصابة فأنكرت فالقول قوله مع يمينه بلا خلاف أجده فيه لتعذر إقامة البينة أو تعسرها ، فلو لم يقبل قوله فيه مع إمكان صدقه لزم الحرج ، ولأنه من فعله الذي لا يعلم إلا من قبله ، وأصالة بقاء النكاح ، وعدم التسلط على الإجبار على الطلاق ، و‌

قول الباقر عليه‌السلام في خبر إسحاق بن عمار (١) : « إن عليا عليه‌السلام سئل عن المرأة تزعم أن زوجها لا يمسها ويزعم أنه يمسها ، قال : يحلف ويترك » وقول الصادق عليه‌السلام فيما أرسل عنه في بعض الكتب (٢) « في فئة المؤلي إذا قال : قد فعلت وأنكرت المرأة فالقول قول الرجل ولا إيلاء » ‌ومثله في تقديم قوله في الإصابة المخالف للأصل ما لو ادعى العنين اصابتها في المدة أو بعدها.

ثم إذا حلف على الإصابة وطلق وأراد الرجعة بدعوى الوطء الذي حلف عليه قال في التحرير : « الأقرب أنه لا يمكن ، وكان القول قولها في نفي العدة والوطء على قياس الخصومات من أن البينة على المدعى واليمين على من أنكر ، وإنما خالفناه على دعوى الإصابة لما ذكر من العلة ، وهي منتفية هنا ، كما لو اختلفا في الرجعة ابتداء ».

وفي المسالك « هذا التفريع لابن الحداد من الشافعية ، ووافقه الأكثر ، واستقر به العلامة في التحرير ، وهو مع اشتماله على الجمع بين المتناقضين لا يتم على أصولنا من اشتراط الدخول في صحة الإيلاء ، قال الشهيد ره : ما سمعنا فيه خلافا ، وإنما فرعوه على أصولهم من عدم اشتراطه ، ومع ذلك فلهم وجه آخر‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الإيلاء الحديث ١.

(٢) المستدرك الباب ـ ١١ ـ من أبواب الإيلاء الحديث ١.

٣٢٦

بأنه يمكن من الرجعة ، ويصدق في الإصابة من الرجعة كما يصدق فيها لدفع التفريق ، لأن في الرجعة استيفاء ذلك النكاح أيضا ، وهذا أوجه ».

قلت : لا يخفى عليك ما فيه من دعوى التناقض ، وإنما هو اختلاف الأحكام الظاهرية ، واشتراط الدخول في الإيلاء لا ينافي ثبوته بطريق شرعي ، كتصديق المرأة في دعوى الحيض ونحوها.

المسألة ( السادسة )

قال في المبسوط ومحكي الغنية والسرائر والجامع وظاهر غيرها : المدة المضروبة بعد الترافع لا من حين الإيلاء ، بل في المسالك هو المشهور ، بل عن الأول دعوى الإجماع على ذلك ، لأن ضرب المدة إلى الحاكم ، ولما‌ عن تفسير العياشي عن العباس بن هلال (١) عن الرضا عليه‌السلام « ذكر لنا أن أجل الإيلاء أربعة أشهر بعد ما يأتيان السلطان » وحسن أبي بصير (٢) المروي عن تفسير علي ابن إبراهيم عن الصادق عليه‌السلام « وإن رفعته إلى الامام أنظره أربعة أشهر ، ثم يقول له بعد ذلك : إما أن ترجع إلى المناكحة وإما أن تطلق ، فان أبى حبسه أبدا » وللمروي عن قرب الاسناد عن البزنطي (٣) عن الرضا عليه‌السلام « أنه سأله صفوان وأنا حاضر عن الإيلاء ، فقال : إنما يوقف إذا قدمته إلى السلطان ، فيوقفه السلطان أربعة أشهر ثم يقول له : إما أن تطلق وإما أن تمسك » وخبر أبي مريم (٤) المتقدم سابقا عن أبي عبد الله عليه‌السلام « عن رجل آلي من امرأته ، قال : يوقف قبل الأربعة أشهر وبعدها ».

__________________

(١) و (٢) و (٣) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب الإيلاء الحديث ٧ ـ ٦ ـ ٥ ٠

(٤) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب الإيلاء الحديث ٣ راجع التعليقة (٥) من ص ٣١١.

٣٢٧

ولكن مع ذلك فيه تردد مما سمعت ومن عموم الآية (١) والأخبار (٢) والأصل والحكمة ، لأن الأربعة غاية صبرها ، وانسياق ابتدائه من الإيلاء وغير ذلك ، بل عن القديمين التصريح بأنه من الإيلاء ، بل هو خيرة الفاضل في المختلف وولده في الشرح ، بل جزم به في المسالك ، لترتيب التربص في الآية (٣) على الإيلاء ، فلا يشترط بغيره ، ولقول الصادق عليه‌السلام فيما تقدم من حسن يزيد بن معاوية (٤) : « لا يكون إيلاء إلا إذا آلى الرجل ألا يقرب امرأته ولا يمسها ولا يجمع رأسه ورأسها ، فهو في سعة ما لم تمض الأربعة أشهر ، فإذا مضت الأربعة أشهر وقف ، فاما أن يفي‌ء وإما أن يعزم على الطلاق » ‌ونحوه حسن الحلبي (٥) وأبي بصير (٦) عنه عليه‌السلام.

مضافا إلى منع احتياج المدة إلى الضرب ، بل هو مقتضى الحكم الشرعي الثابت بالاية (٧) والرواية (٨) المرتب على مضي المدة المذكورة من حين الإيلاء ، وإثبات توقفها على المرافعة يحتاج إلى دليل ، وهو منتف وهذا الدليل أخرجه عن حكم العدم الأصلي ، كما أن أصالة عدم التسلط قد انقطعت بالإيلاء المقتضى له بالاية (٩) والرواية (١٠) والإجماع.

إلا أن ذلك كله كما ترى مناف لأصول المذهب وقواعده التي منها العمل‌

__________________

(١) و (٣) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٢٦.

(٢) الوسائل الباب ـ ٨ و ٩ ـ من أبواب الإيلاء.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الإيلاء الحديث ١ عن بريد بن معاوية.

(٥) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب الإيلاء الحديث ١.

(٦) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب الإيلاء الحديث ١.

(٧) و (٩) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٢٦.

(٨) و (١٠) الوسائل الباب ـ ٨ و ٩ ـ من أبواب الإيلاء.

٣٢٨

بالنصوص (١) المزبورة المعتضدة والمنجبرة بما سمعت ، بل قد يدعى انسياق كون ذلك من أعمال السلطان ، والآية والرواية تعليم لذلك ، نحو‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) : « البينة على المدعي واليمين على من أنكر » ‌ونحوها مما هو ميزان للحكم وكيفية لعمل الحاكم.

المسألة ( السابعة : )

الذميان إذا ترافعا إلينا كان الحاكم بالخيار بين أن يحكم بينهما بمقتضى شرعنا ، لعموم الأدلة ، ولأنهم مكلفون بالفروع ، ولقوله تعالى (٣) ( لِتَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ بِما أَراكَ اللهُ ) وبين ردهما إلى أهل نحلتهما لإقرارهم عليها المقتضي لجواز الإعراض عنهم في ذلك ، لقوله تعالى (٤) ( فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ ) ودعوى أنها منسوخة بقوله تعالى (٥) : ( وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ ) كما عن بعض العامة لم نقف على شاهد لها ، مع أن النسخ خلاف الأصل والاعراض عنهم من الحكم بينهم بما أنزل الله ، نعم قد يقال : إن الاعراض عنهم غير الأمر لهما بالرجوع إلى أهل نحلتهما الذي هو من الباطل ، فلا يؤمر به ، وإقرارهم عليه غير الأمر بالرجوع إليه.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٨ و ٩ ـ من أبواب الإيلاء.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب كيفية الحكم الحديث ١ من كتاب القضاء وفيه « البينة على من ادعى واليمين على من ادعى عليه ».

(٣) سورة النساء : ٤ ـ الآية ١٠٥.

(٤) و (٥) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٤٢ ـ ٤٩.

٣٢٩

المسألة ( الثامنة : )

فئة القادر على الجماع عقلا وشرعا غيبوبة الحشفة في القبل الذي هو المحلوف عليه بلا خلاف أجده فيه ، بل في السرائر والغنية ومتشابه القرآن لابن شهراشوب أن المراد بالفي‌ء في الكتاب العزيز (١) العود إلى الجماع بالإجماع ، مضافا إلى ظاهر النصوص (٢).

وأما فئة العاجز عقلا وشرعا كما عرفت ف إظهار العزم على الوطء مع القدرة بأن يقول أو يكتب أو يشير إشارة مفهمة ، ويمهل إلى زوال عذره. ولو طلب الإمهال مع القدرة أمهل ما جرت العادة به ، كتوقع خفة المأكول منه إن كان شبعانا أو الأكل إن كان جائعا أو الراحة إن كان متعبا والسهر والانتباه إن كان نائما وما قضى الشرع بإمهاله ، كالفراغ من الصوم والصلاة والإحرام ، ولا يتقدر ذلك ونحوه بيوم أو ثلاثة عندنا ، خلافا لبعض العامة ، فقدر بثلاثة ، ولا دليل عليه ، فالمتجه فيه الرجوع إلى العرف والعادة في أمثاله.

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٢٦.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب الإيلاء والباب ـ ٨ ـ منها الحديث ٧ والباب ـ ١٠ ـ منها الحديث ١.

٣٣٠

المسألة ( التاسعة )

إذا آلى الحر من الأمة ثم اشتراها وأعتقها وتزوجها لم يعد الإيلاء ، وكذا لو آلى العبد من الحرة ثم اشترته وأعتقته وتزوج بها بلا خلاف ولا إشكال ، ضرورة كون العنوان تحريم ما حل بالزوجية ، فمع فرض انتفائها ينتفي موضوع الحكم وإن عاد بعد ذلك بسبب جديد ، وعوده بالرجعة بالطلاق إنما هو لبقاء الحل حينئذ بالتزويج السابق.

ومن ذلك يعلم الحل في المثال الأول بمجرد الشراء ، لأن الوطء بالملك حينئذ ، وهو بسبب جديد غير التزويج ، فلا يتوقف على العتق والتزويج ، نعم هو كذلك في المثال الأخير ، لأنها لا تباح له بالعقد وهو مملوك لها وإن كان التحريم قد زال بالشراء ، لزوال العقد كما زال بالطلاق وإن لم يفرض تزويجه لها ، وتظهر الفائدة لو وطأها قبل العقد بشبهة أو حراما ، فإنه لا كفارة ، لزوال حكم الإيلاء لزوال الزوجية ، كما هو واضح.

٣٣١

المسألة ( العاشرة :)

التي قال في المسالك : « إنها مسألة شريفة كثر اعتناء الفضلاء ببحثها والخلاف فيها وفي أقسامها » وهي إذا قال لأربع : والله لا وطأتكن مريدا بذلك مجموعهن لا كل واحدة منكن ولو بالقرينة لم يكن مؤليا في الحال عندنا ، بمعنى عدم ظهور ترتب اليمين في الحال ، لعدم الحنث بوطء الثلاث الذي هو ليس مصداقا لوطئهن أجمع ، نعم يظهر بوطء الرابعة باعتبار تحقق الصدق حينئذ ولكن ليس عليه إلا كفارة واحدة ، لأنها يمين واحدة متعلقها المجموع الذي كل واحدة جزء مفهومه ، لأن المراد من المفروض سلب العموم لا عموم السلب ، وتقريب الوطء بالواحدة والثنتين إلى الحنث لا يوجب حصول الإيلاء الذي هو الحلف على ترك وطء الزوجة.

فما عن بعض العامة ـ من أنه يكون مؤليا منهن كلهن من حيث إن وطء كل واحدة مقرب للحنث ، وقد منع نفسه من وطئهن باليمين بالله تعالى ، فكان مؤليا ، كما لو قال : لا أطأ واحدة منكن ـ واضح الضعف ، لا لما قيل من أن تمكنه من وطء كل واحدة منهن بغير حنث يدل على عدم تأثير يمينه قبل وطء الثلاث ، وهو معنى قولنا : غير مؤل في الحال ، لا أن المراد به تأخر انعقاد الإيلاء حتى يكون منافيا لقاعدة اقتران الأثر للمؤثر والسبب للمسبب ، بل هو قد انعقد من حين وقوعه إلا أنه كان كيفية انعقاده على الوجه المزبور ، إذ قد يناقش بأن وطء الرابعة من حيث إنها رابعة ليست مصداقا لوطء جماعتهن قطعا فليس تحقق الحنث بها إلا باعتبار ضم وطء من سبق منهن إلى وطئها حتى يصدق وطؤهن أجمع ، فيكون متعلق الإيلاء وطء الجميع ، وعدم الحكم عليه قبل وطء الرابعة باعتبار عدم العلم بانضمام ما يتحقق به متعلقا للإيلاء لا ينافي الحكم بتعلقه به بعد حصول ما ينكشف به‌

٣٣٢

أنه متعلق الإيلاء ، بل أقصاه أنه مراعى بوطء الرابعة وعدمه ، ودعوى أن وطء الثلاث شرط لتحقق متعلق اليمين بوطء الرابعة لا أنه من متعلقة ممنوعة ، ضرورة عدم كونها مصداقا ، بل لا فرق بين وطئها ووطء الأولى في ذلك ، وإنما تحقق بها المصداق الذي هو وطؤها ووطء غيرها ، فتأمل فإنه دقيق.

بل لأن ذلك وإن انكشف به الإثم في وطء الأولى إلا أنه لا يترتب عليه حكم الإيلاء ، ضرورة أن الإثم المزبور قد كان من جهة أن وطء الأولى جزء من مفهوم وطء المجموع الذي هو متعلق الإيلاء ، لا أنه من حيث كونه نفسه متعلقا للإيلاء ، والمتيقن من الأدلة أن الإيلاء الثاني لا الأول ، ضرورة مخالفته الأصل ، فينبغي الاقتصار فيه على المتيقن ، بل إن لم يكن إجماعا أمكن منع ترتب حكم الإيلاء إذا كان متعلقة المجموع بالمعنى المزبور ، فان المجموع من حيث كونه كذلك ليس زوجة وليس من النساء اللذين هما ونحوهما عنوان حكم الإيلاء ، كما تقدم نظير ذلك في الطلاق والظهار ، حيث يكون متعلقهما المجموع بالمعنى المزبور ، فلاحظ وتأمل ، فإني لم أجده محررا في كلام أحد من الأصحاب.

بل منه ينقدح النظر في كلامهم حتى قول المصنف وغيره جاز له وطء ثلاث منهن ، ويتعلق التحريم في الرابعة ، ويثبت الإيلاء ، ولها المرافعة ، ويضرب لها المدة ، ثم تقفه بعد المدة إذ قد عرفت أن الرابعة وغيرها سواء في مصداق المجموعية ، وجواز وطء الثلاث إنما هو مع عدم وطء الرابعة ، وإلا انكشف تعلق التحريم بالجميع ، وإلا فالرابعة من حيث نفسها لم يتعلق بوطئها يمين فكيف يثبت لها الإيلاء والمرافعة والضرب والإيقاف ، إذ هي جزء من مصداق المجموع الذي هو متعلق اليمين ، وكون انكشاف تحقق المصداق يحصل بوطئها لا يقتضي ترتب الأحكام المزبورة لها.

وكيف كان ف لو ماتت واحدة منهن قبل الوطء انحلت اليمين بناء على توقف انعقادها على إمكان حصول الحنث بها والفرض تعذره هنا ،

٣٣٣

لأن الحنث لا يتحقق إلا مع وطء الجميع وقد تعذر في حق الميتة ، إذ لا حكم لوطئها حتى في المصاهرة ونحوها إلحاقا لها بالجمادات أو لانسياق وطء الحية في المقام.

وليس كذلك إذا طلق واحدة أو اثنتين أو ثلاثا ولو بائنا لأن حكم اليمين هنا باق فيمن بقي ، لإمكان الوطء في المطلقات زنا أو حلالا ولو بالشبهة لأن الاسم يشمل الحلال والحرام ، فتثبت الكفارة حينئذ في هذه الحالة على تقدير وطء الباقية في النكاح مع وطئهن ، لتحقق الحنث وهو الحلف على وطء الزوجة ، فوطء المطلقات شرط في حصول الحنث في وطء الزوجة لا لأن الإيلاء متعلق بهن ، لما تقدم من أن الطلاق البائن يبطل اليمين ، كذا قرره في المسالك في شرح عبارة المتن ، وتبعه غيره في شرح عبارة الفاضل ، وسبقهما إلى ذلك وإلى كثير مما ذكر هنا الفخر في شرح القواعد.

ولكن قد يناقش بأن الحلف قد وقع على ترك وطء جماعة الزوجات لا خصوص الباقية ، ولا ريب في انتفاء الموضوع ، بل تعذره في طلاق الواحدة فضلا عن الزيادة ، ضرورة تعذر الحنث حينئذ كما في الميتة ، خصوصا بعد ما عرفت سابقا من اعتبار تعلق الإيلاء بالزوجة من حيث كونها كذلك ، ولذا لو طلقها بائنا انحل الإيلاء ، ولا يعود بعقدها جديدا ، إذ هو سبب آخر غير الذي حرم عليه مقتضاه بالحلف.

ومن الغريب قوله : « لتحقق الحنث » إلى آخره ، إذ المحلوف عليه ليس ترك وطء الزوجة الباقية ، بل مجموع الزوجات الذي قد تعذر بانتفاء الموضوع ولو في إحداهن ، ولو كان المراد ما يشمل المطلقة لتحقق بوطئهن زنا أو شبهة مع طلاقهن أجمع ، كما هو واضح. هذا كله في الصورة الأولى.

وأما الثانية وهي لو قال : لا وطأت واحدة منكن مريدا فيها العموم البدلي تعلق الإيلاء بالجميع ، وضرب لهن المدة عاجلا ، لأن كل‌

٣٣٤

واحدة مصداق لمفهوم متعلق الإيلاء الذي هو مطلق الواحدة ، نعم لو وطأ واحدة منهن حنث وانحلت اليمين في البواقي لتحقق مفهوم الواحدة التي تعلق بها الإيلاء.

ولو طلق واحدة أو اثنتين أو ثلاثا كان الإيلاء ثابتا فيمن بقي لأنه مصداق للمفهوم الذي تعلق به الإيلاء.

ولو قال في هذه أردت واحدة معينة قبل قوله ، لأنه أبصر بنيته مع قبول اللفظ لما ذكره وإن كان ظاهره خلافه ، فاحتمال عدم القبول لاتهامه في إخراج بعضهن عن موجب ظاهر اللفظ واضح الضعف ، نعم تؤمر بالبيان ، فان صدقته الباقيات فذاك ، وإن ادعت غيرها أنه عناها وأنكر فهو المصدق بيمينه ، فان نكل حلفت المدعية ، وحكم بكونه مؤليا عنها أيضا ، وإن أقر في جواب الثانية أنه عناها أخذ بموجب إقراره ، وطولب بالفئة أو الطلاق ، ولا يقبل رجوعه عن الأولى.

بل في المسالك « وإذا وطأهما في صورة إقراره تعددت الكفارة وإن وطأهما في صورة نكوله ويمين المدعية لم يتعدد ، لأن يمينها لا يصلح لإلزام الكفارة عليه » وإن كان قد يناقش بالمنع مع تعدد الكفارة بعد العلم ببطلان أحد إقراريه ، لأن المفروض إرادة واحدة فقط وإن اختلف كلامه في تعيينها ، وملاحظة الحكم في الظاهر يقتضي عدم الفرق بين الإقرارين وأحدهما مع اليمين المردودة ، وإن كان هو لا معنى له باعتبار أنه تكليف شرعي يخصه وهو أعلم بتكليفه ، ولا مدخلية لإلزام الحاكم له بذلك.

ودعوى تسلطه عليه باعتبار تعلق حق الفقراء يدفعها ـ مع أن من خصالها ما لا تعلق للفقراء فيه ، كالصوم والتحرير ـ أنه لا وجه لتسلطه عليه بعد العلم بأن عليه كفارة واحدة ، كما هو واضح ، مع إمكان القول بأن الإنكار بعد الإقرار يقوم مقام الفئة ، فلا يبقى للإيلاء فيها حينئذ حكم.

ولو ادعت واحدة أولا أنك عينتني فقال : « ما عينتك » أو « ما آليت عليك » ‌

٣٣٥

وبمثله أجاب ثانية وثالثة تعينت الرابعة للإيلاء.

ولو قال : « أردت واحدة غير معينة » لا على جهة العموم البدلي ففي المسالك « في كونه مؤليا وجهان مثلهما في طلاق المبهمة ، فإن قلنا به أمر بالتعيين ، ويكون مؤليا قبله عن إحداهن لا على التعيين ، وإذا عين واحدة لم يكن لغيرها المنازعة ، وفي كون المدة من وقت التعيين أو من وقت اليمين إذا جعلنا مدة الإيلاء من حينه وجهان مبنيان على أن الطلاق المبهم إذا عينه يقع عند التعيين أو يستند إلى اللفظ ، فان لم يعين ومضت أربعة أشهر فإن أوقعنا الإيلاء من حينه وطالبته أمر بالتعيين ثم الفئة أو الطلاق ، ولوفاء إلى واحدة أو اثنتين أو ثلاث أو طلق لم يخرج عن موجب الإيلاء ، لاحتمال أن المؤلي عنها الرابعة ، وإن قال : طلقت التي أوليت عنها خرج عن موجب الإيلاء ، لكن المطلقة مبهمة ، فعليه التعيين ».

قلت : قد يقال بصحة الإيلاء عن المبهمة هنا وإن منعناه في الطلاق لما سمعته من أن الإيلاء من اليمين الباقي على كيفية الخطابات التي لا مانع من تعلقها بالواحد المطلق ، لكن استظهر الكركي في حاشيته عدم كونه مؤليا أصلا ، لعدم المضارة لزوجة خاصة ، إذ كل واحدة تحتمل غيرها ، وفيه أن المضارة تنكشف حينئذ بتعينها ولو بالقرعة ، وعلى القول بصحته وعدم التعيين يحنث بوطء الجميع وتترتب عليه الكفارة.

ولو طلق واحدة بائنة أو ماتت انحل الإيلاء ، ولو ترك وطء هن أجمع حتى مضت المدة كان الحق لواحدة منها ، فتستخرج حينئذ بالقرعة أو يرجع فيها إلى تعيينه.

ولو وطأ بعضهن وترك الآخر حتى مضت المدة أمكن القول بجعل الحق لمن ترك وطءهن ، فان كانت واحدة تعينت للإيلاء وإلا استخرجت بالقرعة أو بتعيينه ، وأمكن القول ببقاء الحق شائعا بين الجميع ، فيقرع حينئذ ، فإن خرجت القرعة‌

٣٣٦

لمن وطأها في أثناء المدة انحل الإيلاء ، ولم يكن للأخرى إيقافه من حيث الإيلاء ، بل وكذا لو قلنا بأن مرجع التعيين إليه ، فيعين من وطئها في أثناء المدة ، فتأمل جيدا ، فإن المسألة غير محررة ، وربما كان فيما تقدم في طلاق المبهمة إشارة لبعض أحكامها ، فلاحظ وتأمل.

وإن أراد الاستغراق اللغوي من المفروض لا العموم البدلي ـ بدعوى أنه معنى عرفي للفظ المزبور ، بمعنى إرادة التعميم فيه بغير طريق البدل ـ كان الحكم فيه ما تسمعه في الصورة الثالثة.

ولو أطلق اللفظ المزبور ولم يعلم إرادته منه ففي حمله على الواحدة المبهمة أو العموم البدلي أو الشمولي أوجه ، ولعل أوسطها أوسطها.

وأما الصورة الثالثة التي هي لو قال : والله لا وطأت كل واحدة منكن مريدا منها العموم الشمولي الملحوظ فيه كل واحدة واحدة بطريق العموم ففي المتن وغيره كان مؤليا من كل واحدة كما لو آلى من كل واحدة منفردة لتعلق المحذور بوطء كل واحدة منهن ، وهو الحنث ولزوم الكفارة وتضرب المدة في الحال ، فإذا مضت كان لكل واحدة منهن مطالبته بالفئة أو الطلاق وكل من طلقها منهن فقد وفاها حقها ولم ينحل اليمين في البواقي ، وكذا لو وطأها قبل الطلاق لزمته الكفارة وكان الإيلاء في البواقي باقيا لأنك قد عرفت انحلال الفرض إلى اليمين على كل واحدة بخصوصها على وجه لا تعلق له باليمين على اخرى. وكذا الكلام في كل يمين تعلق على الوجه المزبور.

وقد يقال بالفرق بين ملاحظة الأفراد بجهة العموم وبين ملاحظة كل واحد واحد منها بالخصوص ، فإن الأول يعد في العرف يمين واحدة على وجه متى حنث في بعضها انحل في الباقي بخلاف الحلف على كل واحد بالخصوص ، ولعلك تسمع لهذا تتمة إنشاء الله في الأيمان والنذور إذا كان متعلقها مثل ذلك.

هذا وفي المسالك هنا أنه « يمكن أن يقال هنا كما قيل في السابقة من أنه‌

٣٣٧

إن قصد بقوله : لا أجامع كل واحدة المعنى الذي قرروه اتجه بقاء الإيلاء في حق الباقيات ، وإلا كان الحكم فيها كالحكم فيما لو قال : والله لا اجامعكن ، فلا يحصل الحنث ولا يلزم الكفارة إلا بوطء الجميع ، ولا يكون مؤليا في الحال على ما قرر هناك ، لوجهين : أحدهما أنه إذا وطأ بعضهن كالواحدة مثلا صدق أنه لم يطأ كل واحدة منهن ، وإنما وطأ واحدة منهن ، كما يصدق أنه لم يطأهن وإنما وطأ إحداهن ، وذلك يدل على أن مفهوم اللفظ واحد ، والثاني أن قول القائل : طلقت نسائي وقوله : طلقت كل واحدة من نسائي يؤديان معنى واحدا وإذا اتحد معناهما في طرف الإثبات فكذلك في طرف النفي ، فيكون معنى قوله : « لا أجامع كل واحدة منكن » معنى قوله :

« لا اجامعكن » خصوصا على ما ذكره الشيخ عبد القاهر ومن تبعه من أن كلمة « كل » في النفي إذا دخلت في حيزه بأن قدم عليها لفظا كقوله : « ما كل ما يتمنى المرء يدركه » وقوله : « ما جاء القوم كلهم » ، أو « ما جاء كل القوم » أو تقديرا بأن قدمت على الفعل المنفي وأعمل فيها ، لأن العامل رتبته التقديم على المعمول ، كقولك : « كل الدراهم لم آخذ » توجه النفي إلى الشمول خاصة لا ( دون خ ل ) إلى أصل الفعل ، وأفاد الكلام ثبوته لبعض أو تعلقه ببعض ، وفي هذا المقام بحث ، وله جواب لا يليق بهذا المحل ».

قلت : هو على طوله لا حاصل له ، ضرورة رجوعه إلى بحث لفظي ، والمراد هنا بيان الحكم على فرض كون المراد العموم الشمولي على أن إرجاع قوله : « لا اجامعكن » إلى إرادة العموم الشمولي أولى من العكس عرفا ، وبالجملة ذلك بحث آخر خارج عما نحن فيه ، وهو حكم الإيلاء على تقدير إرادة المعنى المفروض ، والله العالم بحقائق أحكامه ، ونسأله التأييد والتسديد.

٣٣٨

المسألة ( الحادية عشرة : )

إذا آلى من المطلقة الرجعية صح بلا خلاف ولا إشكال ، لما تكرر من أنها بحكم الزوجة ويحتسب زمان العدة من المدة بناء على أن مبدأها من حين الإيلاء ، أما على القول بأنها من حين المرافعة فلا ، ضرورة أنه ليس لها المرافعة ، لأنها لا تستحق عليه الاستمتاع ، فلا يحتسب منها شي‌ء من العدة ، بل إن راجعها فرافعته ضربت لها المدة حينئذ.

وكذا لو طلقها طلاقا رجعيا بعد الإيلاء وراجع في احتساب العدة من المدة ، وحينئذ يطالب مع فرض رجوعه وانقضائها بأحد الأمرين : الفئة أو الطلاق ، لأن الزوجية وإن اختلت بالطلاق إلا أنه متمكن من الوطء بالرجعة ، فلا يكون الطلاق عذرا كالردة وإن افترقا بأن النكاح معها لا ينخرم ، والطلاق بالرجعة لا ينهدم ، إلا أن هذا الفرق لا يوجب اختلاف الحكم هنا ، لاشتراكهما في التمكن من الوطء بإزالة المانع من قبل الزوج.

خلافا للمحكي عن الشيخ ، فمنع من احتساب المدة فيهما ، محتجا بأن الطلاق رفع النكاح وأجراها إلى البينونة ، بمعنى أنها في العدة في زمان يقتضي مضيه البينونة ، فلا يجوز احتساب هذه المدة من مدة يقتضي مضيها المطالبة بالوطء ، وهو زمان التربص ، لتضاد الأثرين المقتضي لتضاد المؤثرين ، وكذا الردة.

وعن التحرير موافقته على انهدامها ، وأنه إن راجع ضربت له مدة أخرى وقف عند انقضائها ، فإن فاء أو طلق وفي ، فإن راجع ضربت له مدة أخرى ووقف‌

٣٣٩

بعد انقضائها وهكذا.

وفيه أنه مناف لإطلاق الكتاب (١) والسنة (٢) بعد فرض اندراج المطلقة الرجعية في النساء ، سواء كانت مطلقة قبل الإيلاء أو بعده ، ومن هنا كان ما في المتن لا يخلو من قوة ، وأما الردة فقد عرفت البحث فيها سابقا ، وأنها كالمطلقة.

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ الآية ٢٢٦.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ وغيره ـ من أبواب الإيلاء.

٣٤٠