جواهر الكلام - ج ٣٣

الشيخ محمّد حسن النّجفي

ولو قال : « لا جامعتك في دبرك » لم يكن مؤليا لأنه محسن غير مضار ، وكذا لو قال : لا وطأتك في حيض أو نفاس » أو نحو ذلك.

وهل يشترط تجريد الإيلاء عن الشرط؟ للشيخ قولان ، أظهرهما عند المصنف اشتراطه كما عن بني حمزة وزهرة وإدريس ويحيى بن سعيد والفاضل في أحد قوليه ، فلو علقه بشرط أو زمان متوقع أو صفة كان لاغيا بل عن الخلاف الاستدلال عليه بالإجماع والأخبار وأصالة البراءة ، لكن لعل المراد بالأخبار ما سمعته من النصوص (١) المتضمنة لتفسيره منجزا ، وإلا فلم نقف على خبر يدل على الحكم المزبور بخصوصه ، وبالإجماع أنه إنما وقع مطلقا ، ولا دليل على وقوعه مشروطا ، نعم عن ابن زهرة دعوى الإجماع على اشتراط التجريد ، كما عن ظاهر السرائر.

إلا أن الأقوى مع ذلك جوازه وفاقا للمحكي عن المبسوط والمختلف ، لما عرفت من عدم تسبيب للشارع في الإيلاء زائد على تسبيب اليمين المعلوم قبوله للشرط ، وحينئذ فكل ما جاز في مطلق اليمين يجوز فيه ، بل هو ليس إلا فردا مخصوصا من اليمين ، والنصوص (٢) المزبورة إنما سيقت لبيان صيغته بالنسبة إلى المحلوف به والمحلوف عليه ، لا غير ذلك مما يشمل المفروض ، والإجماع المزبور بالمعنى الذي ذكرناه يرجع إلى الاحتياط الذي لا يعارض الإطلاق.

وأما إجماع ابن زهرة المعتضد بظاهر السرائر فلم نتحققه ، بل لعل المحقق خلافه ، وكأنه نشأ من توهم كون الإيلاء كغيره من أفراد الإيقاع المعلوم عدم جواز تعليقه بالإجماع وغيره مما عرفته سابقا ، كالطلاق ونحوه إلا ما خرج ونحوه.

__________________

(١) و (٢) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب الإيلاء الحديث ١ والباب ـ ٩ ـ منها.

٣٠١

ولكن قد عرفت أنه ليس الإيلاء إلا اليمين الذي قد دل الدليل على جواز تعليقه ، وليس له إنشائية زائدة على إنشائيته ، ولا تسبيب زائد على تسبيبه ، نعم لهذا الفرد الخاص من اليمين وهو المتعلق بترك جماع الزوجة الدائمة أزيد من المدة أحكام شرعية بها استحق اسم الإيلاء ، ودعوى أن من خصوصيته كونه منجزا لا دليل عليها. بل لعل الإطلاق يقتضي خلافها ، ولعله إلى ذلك أشار في كشف اللثام ، حيث إنه بعد أن اختار الجواز فرق بينه وبين غيره من الإيقاع ـ كالطلاق والعتاق ـ بأنهما إيقاعان ، والتعليق ينافي الإيقاع ، والإيلاء يمين والتزام.

وكيف كان ف لو حلف بالعتاق لا يطأها أو بالصدقة أو التحريم بأن قال : إن جامعتك فعبدي حر أو مالي صدقة أو أنت أو فلانة محرمة علي أو نحو ذلك لم يقع عندنا يمينا فضلا عن الإيلاء ولو قصد الإيلاء لما عرفته من اعتبار الحلف بالله تعالى.

وكذا لو قال : إن أصبتك فعلي كذا لم يكن إيلاء بلا خلاف ولا إشكال ، وإنما ذكره تنبيها على خلاف بعض العامة في ذلك ، وضعفه بل فساده واضح عندنا.

ولو آلى من زوجته وقال للأخرى : شركتك معها أو أنت شريكتها أو مثلها أو نحو ذلك لم يقع بالثانية ولو نواه ، إذ قد عرفت أنه لا إيلاء إلا مع النطق باسمه تعالى ولا تجزئ الكناية عنه وإن قلنا بالاكتفاء بها في المحلوف عليه ، بل في المسالك « فان التصريح باسمه عماد الدين (١) حتى لو قال به : لأفعلن كذا ثم قال : أردت بالله لم ينعقد يمينه ، وهذا مما اتفق عليه الكل وإن اختلفوا في مثل قوله : أنت طالق ثم قال للأخرى : شركتك معها ، فقد قال جمع بوقوعه ، لأن الكنايات فيه عن الطلاق ، وهو مما قد قيل بوقوعه أيضا ككناية المحلوف عليه هنا ظ » وهو حسن إلا دعوى اعتبار التصريح به بحيث‌

__________________

(١) هكذا في النسختين المخطوطتين وفي المسالك « فان التصريح باسمه عماد اليمين ».

٣٠٢

لا يجزئ الضمير.

وعلى كل حال ف لا يقع الإيلاء إلا في إضرار بلا خلاف أجده في ذلك ، بل في كشف اللثام الاتفاق عليه ، فلو حلف لصلاح اللبن أو لتدبير في مرض لم يكن له حكم الإيلاء ، وكان كالأيمان قال الصادق عليه‌السلام في‌ خبر السكوني (١) : المنجبر بما عرفت « أتى رجل أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فقال : يا أمير المؤمنين إن امرأتي أرضعت غلاما وإني قلت : والله لا أقربك حتى تفطميه ، قال عليه‌السلام : ليس في الإصلاح إيلاء » ‌وقد تقدم ما في صحيح الحلبي (٢) وغيره (٣) من أن « الإيلاء أن يقول : والله لا أجامعك كذا وكذا ، والله لأغيظنك ثم يغاضبها » ‌ونحوه ما في‌ خبر أبي الصباح (٤) « الإيلاء أن يقول الرجل لامرأته : والله لأغضبنك ولأسوأنك » ‌وفي‌ الخبر أو الصحيح (٥) « إن تركها من غير مغاضبة أو يمين فليس بمؤول » ‌فمن الغريب وسوسة بعض الناس في الحكم المزبور ، والله العالم.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب الإيلاء الحديث ١.

(٢) و (٥) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب الإيلاء الحديث ١ ـ ٢.

(٣) و (٤) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب الإيلاء ـ ٠ ـ ٣.

٣٠٣

الأمر ( الثاني : )

في المؤلي ولا خلاف كما لا إشكال بل الإجماع بقسميه عليه في أنه يعتبر فيه البلوغ وكمال العقل والاختيار والقصد مضافا إلى ما عرفته مكررا من الأدلة العامة الدالة على اشتراطها في غيره من العقود والإيقاعات.

ويصح من المملوك حرة كانت زوجته أو أمة لمولاه أو لغيره مع اشتراط رقية الولد وعدمه ، للعموم كتابا (١) وسنة (٢) ، بل لا أجد فيه خلافا ولا إشكالا ، نعم في المسالك « أما إذا كانت حرة فظاهر ، إذ لا حق للمولى في وطئه وعموم الآية (٣) يتناوله ، وأما إذا كانت أمة للمولى أو لغيره وشرط مولاه رقية الولد فقد ينقدح عدم وقوع الإيلاء منه ، لأن الحق فيه لمولاه ، فيتوقف على إذنه » وفيه منع حق للمولى على وجه يصح إجباره عليه ، ووجوب الطاعة ليس حقا في خصوص الفرض ، وإلا لجاء الإشكال في الحرة أيضا ، فالمتجه العموم.

وكذا يصح من الذمي وغيره من الكفار المقرين بالله للعموم ، وامتناع صحة الكفارة منهم ما داموا كفارا لا يقدح في صحته ، لأن الشرط مقدور عليه بتقديمه الإسلام ، ولا ينحل بالإسلام ، خلافا لمالك ، ولم يخالف الشيخ هنا في الوقوع منه وإن خالف في الظهار ، مع أن المقتضي واحد.

هذا وفي المسالك « والتقييد بالذمي من حيث اعترافه بالله تعالى ، وينبغي أن لا يكون على وجه الحصر فيه ، بل الضابط وقوعه من الكافر المقر بالله تعالى ليتوجه حلفه به » ويقرب منه ما في كشف اللثام.

__________________

(١) و (٣) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٢٦.

(٢) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب الإيلاء الحديث ١ و ٦ والباب ـ ٩ ـ منها.

٣٠٤

وقد يقال بترتب حكم الإيلاء عليه من التكفير ونحوه بالحلف بالله وإن لم يكن مقرا به ، لأنه مكلف بالفروع التي منها ترتب ذلك على الحلف بالله من المقر وغيره للعموم ولأنه لولا ذلك لم يتوجه اليمين عليه لو ادعى عليه.

وكذا يصح من الخصي الذي يولج ولا ينزل بلا خلاف ولا إشكال ، للعموم.

نعم في صحته من المجبوب الذي لم يبق من آلته ما يتحقق به اسم الجماع تردد من العموم ومن كونه يمينا على الممتنع ، بل وخلاف. لكن أشبهه الجواز وفاقا للمبسوط والتحرير والإرشاد والتبصرة والتلخيص ، لعموم الكتاب (١) الذي لا ينافيه‌ ما في السنة من كون « الإيلاء أن يقول : والله لا أجامعك » (٢) ‌لإمكانه منه بالمساحقة ، خصوصا إذا بقي من آلته دون الحشفة يلجه في الفرج وينزل منه ، وأولى من ذلك بالجواز ما لو عرض الجب بعد الإيلاء.

وعلى كل حال ف تكون فئته بناء على ما ذكرنا العود إلى المساحقة ، لا أنها تكون كفئة العاجز لمرض ونحوه التي هي القول باللسان « لو قدرت لفعلت ». نعم قد يقال : إن فئته ذلك لو فرض تعذر المساحقة منه ، ولا ينافي ذلك عدم صدق للجماع حتى على المساحقة ، لإطلاق قوله تعالى (٣) : ( لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ ) وليس في شي‌ء من النصوص السابقة اشتراط الجماع الذي يمكن دعوى انسياقه إلى غير المساحقة ، بل أقصاها أن يقول الرجل لزوجته : « والله لا أجامعك » وهو متحقق فيمن يكون مجامعته المساحقة ونحوها ، بل ومن لا يكون له مجامعة أصلا ، بناء على ما ستعرفه من عدم اعتبار إمكان وقوع المحلوف عليه‌

__________________

(١) و (٣) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٦٦.

(٢) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب الإيلاء الحديث ١ والباب ـ ٩ ـ منها الحديث ١ و ٢.

٣٠٥

من الحالف في الإيلاء ، فيتحقق حينئذ بذلك ، وتكون فئته القول باللسان والعزم على الفعل مع فرض إمكانه له ، ضرورة أن ذلك فئة مثل هذا المولى الذي فرض تناول الأدلة له ، نعم قد يقال : إنه وإن سلم كون فئته ذلك لكن لا ريب في عدم تحقق الإضرار الذي اعتبروه شرطا ، إذ الفرض أنه لإجماع له ، اللهم إلا أن يمنع شرطيته ذلك على وجه ينافي ذلك ، وإنما المراد منها إخراج الحلف لصلاح الولد ونحوه ، لا بحيث يشمل المقام ، ومن هنا كان المشهور تحقق الإيلاء ، مع أنك قد عرفت الاتفاق على اعتبار الإضرار ، ولا يمكن ذلك إلا بما قلناه.

وعلى كل حال فما في المسالك ـ من أن الأصح عدم الإيلاء منه ، لفقد شرط الصحة منه ، وهو مخصص لعموم الآية ، والفرق بينه وبين المريض توقع زوال عذره دونه ، ومرافعته وصرب المدة له ليقول باللسان ذلك في حكم العبث الذي لا يليق بمحاسن الشرع ، حتى التزم لذلك بطلان الإيلاء لو عرض الجب في أثنائه ، لاستحالة بقاء اليمين مع استحالة الحنث ، ومجرد المطالبة باللسان وضرب المدة لذلك قبيح ، كالمجبوب ابتدءا ـ لا يخلو من نظر بعد الإحاطة بما ذكرناه ، مضافا إلى إمكان منع عدم انعقاد اليمين على الممتنع ، للإطلاق ، واستحالة الحنث لا ينافي انعقادها.

لكن الانصاف عدم تحقق الإضرار بالزوجة الذي قد عرفت اعتباره مع الحال المزبور إلا على المساحقة التي ذكرناها ، فتأمل جيدا. هذا كله المجبوب الذي لم يبق من آلته ما يتحقق به اسم الجماع ، وإلا جاز الإيلاء منه بلا خلاف ولا إشكال ، بل في شرح الصيمري الإجماع عليه.

٣٠٦

الأمر ( الثالث : )

في المؤلي منها ، ولا خلاف في أنه يشترط فيها أن تكون منكوحة بالعقد لا بالملك بل لعله إجماع ، لعدم اندراج المملوكة في ( نِسائِهِمْ ) (١) وفي الزوجة.

وأن تكون مدخولا بها بلا خلاف أجده فيه ، كما اعترف به في كشف اللثام ، حتى ممن قال بعدم اعتباره في الظهار ، كالمفيد وسلار وابني زهرة وإدريس ، فإن المحكي عنهم التصريح هنا باعتباره ، نعم في المسالك « وربما قيل به هنا أيضا ، ولكنه نادر » وإن لم نتحققه ، ولعله نظر في النصوص الدالة على ذلك هنا ، كصحيح ابن مسلم (٢) عن أحدهما عليهما‌السلام قال : « في غير المدخول بها لا يقع عليها إيلاء ولا ظهار » وخبر أبي الصباح (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « لا يقع الإيلاء إلا على امرأة قد دخل بها زوجها » ‌وفي‌ خبر آخر (٤) عنه عليه‌السلام « إن أمير المؤمنين عليه‌السلام سئل عن رجل آلى من امرأته ولم يدخل بها ، قال : لا إيلاء حتى يدخل بها ، قال : أرأيت لو أن رجلا حلف ألا يبني بأهله سنتين أو أكثر من ذلك أيكون إيلاء؟ ».

لكن قد يقال إن ذلك مناف لما سمعته من المشهور من وقوعه من المجبوب الذي لا يتصور دخول فيه ، مع فرض جبه على وجه لم يبق من الذكر شي‌ء يتحقق به الدخول ، اللهم إلا أن يحمل الدخول في كلامهم هنا على ما يشمل دخول‌

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٢٦.

(٢) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من كتاب الظهار الحديث ٢ عن أبى جعفر وأبى عبد الله عليهما‌السلام الا أن الموجود في التهذيب ج ٨ ص ٢١ الرقم ٦٥ عن أبى جعفر أو أبى عبد الله عليهما‌السلام.

(٣) و (٤) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب الإيلاء الحديث ٢ ـ ٣.

٣٠٧

المجبوب من المساحقة ونحوها.

وكيف كان ف في وقوعه بالمستمتع بها تردد ، أظهره المنع وفاقا للمشهور إما لتبادر الدائمة من النساء والزوجة أو لظهور قوله تعالى (١) ( وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ ) بعد قوله ( لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ ) في قبول المولى منها له ، وهو منتف في المستمتع بها ، نحو ما جاء في النص (٢) من الاستدلال على اعتبار النكاح الدائم في المحلل بقوله تعالى (٣) ( فَإِنْ طَلَّقَها ) كما نبهنا عليه في محله ، فلاحظ وتأمل. ولما قيل : أن لازم صحته جواز مطالبتها بالوطء وهو غير مستحق للمستمتع بها ، ولأصالة بقاء الحل في موضع النزاع ، ولقول الصادق عليه‌السلام في صحيح ابن أبي يعفور (٤) : « لا إيلاء على الرجل من المرأة التي تمتع بها ».

خلافا للمحكي عن المرتضى من الوقوع بها ، للعموم الذي لا يخصصه عود الضمير إلى بعض المذكورات سابقا ، ومطالبتها مشروطة بالدوام نظرا إلى الغاية ، وهو لا يستلزم عدم وقوعه بدون المطالبة ، والأصل مقطوع بالإيلاء الثابت بالاية (٥) وهو كما ترى ، وقد تقدم الكلام في ذلك في كتاب النكاح ، فلاحظ.

ويقع بالحرة والمملوكة كما يقع من الحر والمملوك ، للعموم ، بلا خلاف أجده فيه. ولا في أن المرافعة إلى المرأة لضرب المدة وكذا إليها بعد انقضائها المطالبة بالفئة ولو كانت أمة ، ولا اعتراض للمولى لأن حق الاستمتاع لها لا لمولاها.

وكذا يقع بالذمية كما يقع بالمسلمة للعموم ، والله العالم‌

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٢٧.

(٢) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٤ من كتاب الطلاق.

(٣) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٣٠.

(٤) التهذيب ج ٨ ص ٨ الرقم ٢٢.

(٥) سورة البقرة : ٢ الآية ٢٢٦.

٣٠٨

الأمر ( الرابع : )

في أحكامه ، وفيه مسائل.

( الأولى : )

لا ينعقد الإيلاء حتى يكون التحريم بالحلف مطلقا فيحمل على التأبيد ، ضرورة توقف الصدق على الانتفاء في جميع الأوقات أو مقيدا بالدوام الذي هو تأكيد لما اقتضاه الإطلاق أو مقرونا بمدة تزيد على الأربعة أشهر ولو لحظة وإن انحلت بعدها اليمين ، قال زرارة (١) : « قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : رجل آلى أن لا يقرب امرأته ثلاثة أشهر ، قال : فقال : لا يكون إيلاء حتى يحلف أكثر من أربعة أشهر » ‌أو مضافا إلى فعل لا يحصل إلا بعد انقضاء مدة التربص يقينا أو غالبا ، كقوله وهو بالعراق : حتى أمضي إلى بلاد الترك وأعود ، أو يقول : ما بقيت الذي هو بمعنى أبدا ، فان أبد كل إنسان عمرة ، بل لو قال : ما بقي زيد فكذلك في أحد الوجهين أو أقواهما مع غلبة الظن ببقائه ، لأن الموت المعجل كالمستبعد في العادات ، فيكون كالتعليق على خروج الدجال.

ولا يقع لأربعة أشهر فما دون لما عرفت ولا معلقا بفعل ينقضي قبل هذه المدة يقينا أو غالبا أو محتملا على السواء لعدم صدق الحلف على أكثر من أربعة أشهر ، ولعدم تحقق قصد المضارة ، فلا يحكم بكونه مؤليا وإن اتفق مضي أربعة أشهر ولم يوجد المعلق به ، بل يكون يمينا ، لما عرفت من عدم تحقق قصد المضارة في الابتداء ، وأحكام الإيلاء منوطة به ، لا بمجرد اتفاق الضرر بالامتناع من‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب الإيلاء الحديث ٢.

٣٠٩

الوطء كما لو امتنع من غير يمين ، وحينئذ فيرتفع اليمين لو وجد المعلق به قبل الوطء وتجب الكفارة لو وطأ قبل وجوده حيث ينعقد اليمين.

قلت : قد يقال : إن لم يكن إجماعا ـ على ما سمعت المدار على واقعية الزيادة ـ على أربعة أشهر ـ لا ظن حصولها أو عدمه ، فان الصدق يدور مداره ـ فمع فرض التعليق لغاية يضم في العادة بلوغها الأزيد من أربعة فاتفق عدمه خلاف العادة وبالعكس لا معنى لجريان حكم الإيلاء على الأول دون الثاني المتحقق فيه الصدق دون الأول ، وكذا محتمل الوقوع فاتفق تأخره عن الأربعة ، ولا دليل على اعتبار إحراز ذلك على الوجه المزبور ، نعم هو كذلك لتعجيل حكم الإيلاء ، لا لأصل كونه إيلاء حتى بعد الانكشاف ، فتأمل جيدا ، فاني لم أجد ذلك محررا في كلماتهم.

ولو قال : والله لا وطأتك حتى أدخل هذه الدار ولم يكن له مانع منها لا يرتفع إلا بما زاد على أربعة أشهر لم يكن إيلاء ، لأنه يمكنه التخلص من التكفير مع الوطء بالدخول الذي هو غاية الحرمة وهو مناف للإيلاء المعتبر فيه حرمة الوطء عليه أزيد من الأربعة إلا مع الكفارة ، إذ هو الذي تتحقق به المضارة ، بل لا يصدق على مثله أنه آلى إلى أزيد من أربعة أشهر بعد أن كان غاية اليمين راجعة إلى اختياره ، كما هو واضح.

٣١٠

المسألة ( الثانية : )

مدة التربص في الحرة والأمة والمسلمة والذمية أربعة أشهر من حين الإيلاء على الأصح ، كما ستعرفه سواء كان الزوج حرا أو مملوكا مسلما أو ذميا بلا خلاف أجده فيه ، بل يمكن دعوى تواتر النصوص (١) فيه مضافا إلى الكتاب (٢) وما عن مالك في الزوج المملوك وأبي حنيفة في الزوجة المملوكة ـ من كون المدة فيهما على النصف في الحر والحرة لقاعدته ـ كالاجتهاد في مقابلة النص.

وعلى كل حال ف المدة حق للزوج وليس للزوجة مطالبته فيها بالفئة لكن إن وطأ فيها كفر وانحل الإيلاء وإلا تربص إليها ، قال الباقر والصادق عليهما‌السلام في الصحيح (٣) : « إذا آلي الرجل أن لا يقرب امرأته فليس لها قول ولا حق في الأربعة الأشهر ، ولا إثم عليه في كفه عنها في الأربعة أشهر ، فإن مضت الأربعة أشهر قبل أن يمسها فما سكتت ورضيت فهو في حل وسعة ، وإن رفعت أمرها قيل له : إما أن تفي‌ء فتمسها ، وإما أن تطلق ، وعزم الطلاق أن يخلي عنها ، فإذا حاضت وطهرت طلقها فهو أحق برجعتها ما لم تمض ثلاثة قروء ، فهذا الإيلاء الذي أنزل الله تبارك وتعالى في كتابه وسنة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » ‌ونحوه غيره (٤).

ولا ينافي ذلك‌ خبر أبي مريم (٥) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « عن رجل آلى من‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب الإيلاء.

(٢) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٢٦.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب الإيلاء الحديث ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب الإيلاء الحديث ١.

(٥) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب الإيلاء الحديث ٣ وهو مضمر الا أن في الاستبصار ج ٣ ص ٢٥٥ عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

٣١١

امرأته ، قال : يوقف قبل الأربعة أشهر وبعدها » ‌المنزل على إرادة الإيقاف قبلها لإلزام الحكم عليه بعد تلك المدة ، لا لإلزام الطلاق أو الإيفاء ، فإنه إنما يكون بعد ، ليوافق غيره من النصوص (١) المجمع عليها ، كخبر أبي الجارود (٢) « أنه سمع أبا جعفر عليه‌السلام يقول : الإيلاء يوقف بعد سنة ، فقلت : بعد سنة ، فقال : نعم يوقف بعد سنة » ‌المنزل على إرادة أنه يوقف ولو مضت سنة لم يرفع أمره فيها ، ولا تكون مطلقة بمضي المدة ليوافق غيره من النصوص أيضا التي منها‌ خبر عثمان (٣) عن أبي الحسن عليه‌السلام « سألته عن رجل آلى من امرأته متى يفرق بينهما؟ قال : إذا مضت أربعة أشهر ووقف ، قلت له : من يوقفه؟ قال : الامام ، قلت : وإن لم يوقفه عشر سنين ، قال : هي امرأته ».

بل ظاهر النص (٤) والفتوى أن المدة المزبورة حق للزوج ليس لها مرافعته وإن كان قد ترك وطء ما قبل الإيلاء بأربعة أشهر أو أقل مثلا ، وفي المسالك « ولو فرض كونه تاركا وطءها مدة قبل الإيلاء يفعل حراما بالنسبة إلى ما زاد من أربعة أشهر من حين الوطء ، لأنه لا يجوز ترك وطء الزوجة أكثر من ذلك ، ولا ينحل بذلك اليمين ، لأن الإيلاء لا ينحل بذلك ».

وفيه أن ظاهر الآية (٥) والنصوص (٦) بل هو صريح الصحيح (٧) المزبور عدم الإثم عليه في ترك الوطء مدة التربص مطلقا ، بل لعل الغالب عدم وطئها قبل الإيلاء بآن ما ، بل لو كان المراد تربص الأربعة في خصوص الموطوءة في زمان متصل بإيقاع الإيلاء وإلا اتجه لها المطالبة قبل المدة المزبورة لصار زمان الإيلاء‌

__________________

(١) و (٢) و (٣) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب الإيلاء الحديث ـ ٠ ـ ٢ ـ ٤.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب الإيلاء الحديث ١.

(٥) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٢٦.

(٦) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب الإيلاء.

(٧) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب الإيلاء الحديث ١.

٣١٢

شهرا وشهرين وأقل وأكثر إذا فرض ترك وطئها قبل الإيلاء بثلاثة أشهر أو شهرين ونحو ذلك ، وهو مناف للنص والفتوى ، وإن قال الفاضل في القواعد : « ولو كان الوطء يجب بعد شهر مثلا فحلف أن لا يطأها إلى شهرين ففي انعقاده نظر » ولعله من القصور عن المدة المقدرة للإيلاء ، ومن أن الإيلاء إنما انعقد لامتناعه من الوطء مدة يجب عليه في أثنائها ، ولكن لا ريب في أن الأول أقوى ، كما اعترف به في كشف اللثام.

وكيف كان فلا ريب في ظهور النص (١) والفتوى في أن المدة المزبورة حق للزوج ليس لها المطالبة فيها إذا آلى وإن ترك وطيها سابقا ، ولعل هذا أيضا من أحكام الإيلاء ، فتأمل جيدا ، فإن المسألة غير محررة.

وعلى كل حال فإذا انقضت الأربعة أشهر لم تطلق بانقضاء المدة عندنا ، للأصل وظاهر الكتاب (٢) والسنة (٣) أو صريحهما ، خلافا لأبي حنيفة ، فقد جعل المدة وقت الفئة ، وقال : « إذا لم يفي‌ء فيها طلقت طلقة بائنة » ولعل‌ قول الصادق عليه‌السلام في خبر أبي بصير (٤) : « إذا آلى الرجل من امرأته فمكث أربعة أشهر فلم يفي‌ء ، فهي تطليقة ، ثم يوقف فان فاء فهي عنده على تطليقتين ، وإن عزم فهي بائنة منه » ‌مطرح أو محمول على ما عن الاستبصار من أنه إذا طلق بعد الأربعة أشهر فهي تطليقة رجعية ، فإن فاء أي راجعها كانت عنده على تطليقتين ، وإن عزم حتى خرجت من العدة فقد صارت بائنة لا يملك رجعتها إلا بعقد جديد ومهر مسمى ، وإن بعد إلا أنه خير من الطرح الذي لا بد منه مع فرض عدم تأويله ، لاتفاق الكتاب والسنة القطعية والإجماع على خلافه.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب الإيلاء الحديث ١.

(٢) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٢٦.

(٣) الوسائل الباب ـ ٨ و ٩ ـ من أبواب الإيلاء.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الإيلاء الحديث ٤.

٣١٣

بل لو فرض عدم طلاق الزوج لها بعد المدة لم يكن للحاكم طلاقها بلا خلاف أجده فيه ، لأن‌ « الطلاق بيد من أخذ بالساق » (١) ولفحوى النصوص (٢) الدالة على حبسه والتضييق عليه ليفي‌ء أو يطلق ، مضافا إلى ظاهر الكتاب (٣) والسنة (٤) أو صريحهما ، وما في‌ مضمر عثمان (٥) من أنه « إن لم يفي‌ء بعد أربعة أشهر حتى يصالح أهله أو يطلق جبر على ذلك ، ولا يقع طلاق فيما بينهما حتى يوقف وإن كان بعد الأربعة الأشهر ، فان أبي فرق بينهما الإمام » ‌كالذي في خبره السابق الآخر (٦) محمول على إرادة جبر الامام له على ذلك إن لم يفي‌ء ، فما عن مالك والشافعي في أحد قوليه ـ من أن له ذلك ـ واضح الفساد.

وعلى كل حال ف إذا رافعته فهو مخير بين الطلاق والفئة ، فإن طلق فقد خرج من حقها ، ويقع الطلاق رجعة ( الطلقة رجعية خ ل ) إن لم يكن ما يقتضي البينونة على الأشهر بل المشهور ، بل لم يعرف المخالف بعينه وإن أرسله بعض ، لأنه الأصل في الطلاق ، ولذا احتاج البائن إلى سبب يقتضيه ، وللنصوص (٧) التي منها‌ قول الصادق عليه‌السلام في حسن يزيد بن معاوية (٨) : « فإذا‌

__________________

(١) كنز العمال ج ٥ ص ١٥٥ الرقم ٣١٥١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب الإيلاء.

(٣) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٢٦ و ٢٢٧.

(٤) الوسائل الباب ـ ٨ و ٩ ـ من أبواب الإيلاء.

(٥) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب الإيلاء الحديث ٤ عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة قال : « سألته. ».

(٦) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب الإيلاء الحديث ٤.

(٧) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب الإيلاء الحديث ١ والباب ـ ١٠ ـ منها الحديث ٢.

(٨) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الإيلاء الحديث ١ عن بريد بن معاوية.

٣١٤

مضت الأربعة أشهر أوقف ، فاما أن يفي‌ء فيمسها ، وإما أن يعزم على الطلاق فيخلى عنها حتى إذا حاضت وطهرت من محيضها طلقها تطليقة قبل أن يجامعها بشهادة عدلين ، ثم هو أحق برجعتها ما لم تمض الثلاثة الأقراء ».

فما في‌ صحيح منصور بن حازم (١) عن الصادق عليه‌السلام « المؤلي إذا وقف فلم يفي‌ء طلق تطليقة بائنة » ‌محمول على من يرى الإمام إجباره على البائنة بفدية ، أو على من كانت عند الرجل على تطليقة واحدة ، وكذا‌ مضمره الآخر (٢) « إن المؤلي يجبر على أن يطلق تطليقة بائنة » وفي الكافي عن غير منصور (٣) « أنه يجبر على أن يطلق تطليقة يملك فيها الرجعة ، فقال له بعض أصحابه : إن هذا ينتقض ، فقال : لا ، التي تشكو فتقول يجبرني ويضربني ويمنعني من الزوج يجبر على أن يطلقها تطليقة بائنة ، والتي تسكت ولا تشكو شيئا يطلقها تطليقة يملك فيها الرجعة » الحديث.

ثم على تقدير طلاقه رجعيا إن استمر عليه فذاك وإن رجع عاد الإيلاء ، كما ستسمع تمام الكلام فيه إنشاء الله.

وعلى كل حال فبطلاقها يخرج عن حقها وكذا إن فاء ورجع إلى وطئها يخرج عن حقها أيضا.

وإن امتنع عن الأمرين بعد مرافعة الحاكم حبس وضيق عليه حتى يفي‌ء أو يطلق بلا خلاف أجده فيه ،

قال الصادق عليه‌السلام في خبر غياث بن إبراهيم (٤) : « كان أمير المؤمنين عليه‌السلام إذا أبى المؤلي أن يطلق جعل له حظيرة من قصب وأعطاه ربع قوته حتى يطلق » وقال في خبر حماد بن عثمان (٥) « كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يجعل له حظيرة من قصب يحبسه فيها ويمنعه من الطعام والشراب حتى يطلق » وفي المرسل (٦) « إن فاء وهو أن يرجع إلى الجماع وإلا حبس‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الإيلاء الحديث ٥.

(٢) و (٣) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الإيلاء الحديث ٣.

(٤) و (٥) و (٦) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب الإيلاء الحديث ٣ ـ ١ ـ ٤.

٣١٥

في حظيرة من قصب وشدد عليه في المأكل والمشرب حتى يطلق » ‌بل‌ عن الفقيه « روي (١) « أنه متى أمره إمام المسلمين بالطلاق فامتنع ضرب عنقه ، لامتناعه على امام المسلمين » وفي مرسل خلف بن حماد (٢) عن الصادق عليه‌السلام « في المؤلي إما أن يفي‌ء أو يطلق ، فان فعل وإلا ضربت عنقه » ‌بل‌ روي أيضا (٣) « إن أمير المؤمنين عليه‌السلام بنى حظيرة من قصب وجعل فيها رجلا آلى من امرأة بعد الأربعة أشهر ، فقال له : إما أن ترجع إلى المناكحة وإما أن تطلق وإلا أحرقت عليك الحظيرة ».

وكيف كان ف لا يجبره الحاكم على أحدهما تعيينا قطعا لأن الشارع خيره بين الأمرين ، فلا يجبر إلا على ما وجب عليه شرعا.

ولو آلى مدة معينة ودافع بعد المرافعة حتى انقضت المدة سقط حكم الإيلاء ولم يلزمه الكفارة مع الوطء لأنها تجب مع الحنث في اليمين ، ولا يتحقق إلا مع الوطء فيها ، وأما إذا انقضت سقط حكم اليمين ، سواء رافعته وألزمه الحاكم بأحد الأمرين أم لا ، لاشتراكهما في المقتضي وإن أثم بالمدافعة على تقدير المرافعة ، كما هو واضح.

ولو أسقطت حقها من المطالبة مدة ولو بالسكوت عنه لم يسقط أصل المطالبة ، لأنه حق يتجدد فيسقط بالعفو ما كان لا ما يتجدد وإن وجد سببه ، ولما كان حقها في المطالبة يثبت في كل وقت ما دام الإيلاء باقيا فهو مما يتجدد بتجدد الوقت ، فإذا أسقطت حقها فيها لم يسقط إلا ما كان فيها ثابتا وقت الاسقاط ، وذلك في قوة عدم إسقاط شي‌ء كما اعترف به في المسالك ، لأن الان الواقع بعد ذلك بلا فصل يتجدد فيه حق المطالبة ولم يسقط بالإسقاط ، فلها المطالبة متى شاءت ، قال : « وكذلك القول في نظائره من الحقوق المتجددة بحسب الوقت ، كحق القسمة للزوجة ، وحق الإسكان في موضع معين حيث نقول بصحته‌

__________________

(١) و (٢) و (٣) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب الإيلاء الحديث ٥ ـ ٢ ـ ٦.

٣١٦

ونحو ذلك ، ومن هذا الباب ما لو علمت بإعسار الزوج فرضيت ثم أرادت الفسخ على قول من يجوزه به ، فلها ذلك لتجدد الضرب بفوات النفقة يوما فيوما ، ويخالف ما إذا رضيت بعنة الزوج ثم أرادت الفسخ ، حيث لا يبطل خيارها لفوات الفورية ، بأن جهلت الفورية أو نحو ذلك مما سبق ، فإنها لا تمكن منه ، وفرق بأن العنة عجز حاضر وخصلة ناجزة لا تبسط على الأيام ، وحق الاستمتاع والنفقة يبسطان عليها ، وبأن العنة عيب والرضا بالعيب يسقط حق الفسخ ».

قلت : لا يخفى عليك ما في الفرق المزبور ، والمتجه في كل سبب يسلطها على الخيار في العقد متى أسقطت حقها منه لزم العقد ، وليس لها بعد المطالبة ، ضرورة اتحاد صيغة العقد بالنسبة إلى ذلك ، فلا يكون في حال جائزا وفي آخر لازما ، كما هو واضح.

إنما الكلام في إسقاط حق القسم وحق المطالبة ، ولا ريب في سقوطه لو وقع بعقد صلح ونحوه ، كما ورد ذلك في حق القسم ، أما سقوطه بالإسقاط فلا يخلو من إشكال ، لما عرفت ، مع احتمال صحته اكتفاء بحصول سببه ، ولفحوى ما دل (١) على سقوطه بالصلح ، ضرورة أنه مع فرض عدم قابلية سقوطه لعدم حصوله لا يصلح الصلح والفرض صحته ، فيدل على صحة سقوطه بالإسقاط.

ومن ذلك حق الدعوى الذي لا خلاف في مشروعية الصلح لإسقاطه ، وهو أقرب شي‌ء إلى حق المطالبة لها في المقام ، نعم لا يسقط بالسكوت عنه مدة قطعا ، كما هو صريح النص والفتوى ، إنما الكلام في سقوطه بالإسقاط الحاصل بقولها : « أسقطته من أصله » ونحوه ، فتأمل جيدا ، فان المقام محتاج إلى التأمل ، والله العالم.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب القسم والنشوز من كتاب النكاح.

٣١٧

( فروع : )

( الأول : )

لو اختلفا في انقضاء المدة بأن ادعت المرأة انقضاءها لتلزمه بالفئة أو الطلاق وادعى هو بقاءها فالقول قول من يدعى بقاءها للأصل ، لأن مرجع دعوى انقضائها إلى تقدم زمان الإيلاء أو زمان المرافعة ، والأصل عدم تقدم كل منهما.

وكذا لو اختلفا في تقدم زمان إيقاع الإيلاء أو المرافعة وتأخره فالقول قول من يدعي تأخره للأصل المزبور ، كما هو واضح.

( الثاني : )

لو انقضت مدة التربص وهناك مانع من الوطء كالحيض والمرض ونحوهما لم يكن لها المطالبة بالفئة فعلا بلا خلاف أجده ، بل في المسالك الإجماع عليه لظهور عذره في التخلف ولعدم المضارة لها ، نعم لو قيل لها المطالبة بفئة العاجز عن الوطء كان حسنا بل اختاره غير واحد ، بل حكي عن كثير ، لإطلاق الأدلة ، ولقاعدة الميسور ، ولتخييره بين الفئة والطلاق وربما طلقها إذا طالبته ، ولعدم كون المانع منها ، بل هي ممكنة ولكن المانع من الله تعالى ، خلافا للمحكي عن الشيخ من المنع ، لأن الامتناع من جهتها ، وفيه أن عدم قبول المحل كعدم القدرة من الفاعل ، وكما يلزم بفئة العاجز عند عجزه عن الوطء كذلك يلزم عند عجزها ، فلا فرق بين الحيض وغيره.

٣١٨

ولو تجددت أعذارها في أثناء المدة قال في المبسوط : تنقطع الاستدامة عدا الحيض أي لا تحتسب من المدة ، فإذا زال العذر بنت على ما مضى من المدة قبل العذر كما في حاشية الكركي والمسالك ، لأن الحق لها والعذر من قبلها ، ومدة التربص حق له فلا يجب عليه منها ما لا قدرة له على الفئة فيه ، بل في كشف اللثام « تستأنف مدة التربص لمنعها من ابتداء الضرب ـ إلى أن قال ـ : وإنما يستأنف ولا يبني على ما مضى لوجوب المتابعة في هذه المدة ، كصوم كفارة الظهار ونحوه » وفيه منع واضح. وعلى كل حال تنقطع المدة بتجدد أعذارها الشرعية والحسية عند الشيخ ، نعم يستثنى من ذلك خصوص الحيض ، فإنه لا يقطعها إجماعا ، لأنه لو قطع لم تسلم مدة التربص أربعة أشهر ، لتكرره في كل شهر غالبا.

ولكن فيه تردد من ذلك ومن إطلاق الأدلة مع قيام فئة العاجز مقام الوطء من القادر ، وهو بحكمه.

ومن هنا لا ينقطع المدة بأعذار الرجل ابتداء ولا اعتراضا إجماعا ، لأن حق المهلة له والعذر منه ، والمرأة لكن المضارة حاصلة (١) سواء كانت شرعية كالصوم والإحرام أو حسية كالجنون والمرض. وكذا لا تمنع من المواقعة (٢) انتهاء لو اتفقت على رأس المدة ، بل يؤمر بفئة العاجز أو الطلاق ، كما سيأتي ، لإطلاق الأدلة.

__________________

(١) هكذا في النسخة المخطوطة المسودة ، والموجود في المبيضة « والمرأة لكن المضارة حاصلة » وهو خطأ ، والصحيح ما أثبتناه.

(٢) هكذا في النسخة الأصلية ، وفي الشرائع المطبوع « المرافعة ».

٣١٩

( الثالث : )

إذا جن بعد ضرب المدة احتسب المدة عليه وإن كان مجنونا للإطلاق ، فإن انقضت المدة والجنون باق تربص به حتى يفيق لرفع القلم عنه ، ولا يقوم وليه مقامه في ذلك ، نعم لو كان العذر مما لا يرتفع معه التكليف أمر بفئة العاجز.

( الرابع : )

إذا انقضت المدة وهو محرم ألزم بفئة المعذور لما عرفت. وكذا لو اتفق صائما على وجه لا يجوز له الإفطار ، ولا يلزم بالوطء المحرم ولكن لو واقع أتى بالفئة وإن أثم لحصول الغرض ، سواء وافقته على ذلك أم أكرهها ، وسواء قلنا بجواز موافقتها له لأنه ليس محرما من طرفها أو لا ، لأنه إعانة على الإثم وكذا الكلام في كل وطء محرم كالوطء في الحيض والصوم الواجب ونحوهما.

( الخامس : )

إذا ظاهر ثم آلى أو عكس صح الأمران لبقاء الزوجية الصالحة لإيقاع كل منهما وإن كانت قد حرمت بالسبب الآخر ، فتحرم حينئذ من الجهتين ولا تستباح بدون الكفارتين ، لكن قد عرفت اختلاف المدة في إمهاله فيهما ، ففي الظهار ثلاثة وفي الإيلاء أربعة ، وحينئذ ففي الفرض إذا انقضت مدة الظهار‌

٣٢٠