جواهر الكلام - ج ٣٣

الشيخ محمّد حسن النّجفي

كما هو واضح.

وبذلك يظهر لك أن التحقيق ذلك وإن قلنا بفورية الكفارة ، لأنها ليست توقيتا ، فمع فرض العصيان يشمله إطلاق الأدلة ، فما عساه يظهر من بعض العبارات من أن مبنى المسألة التراخي في الكفارة في غير محله. وحينئذ فلو كان قادرا على العتق وعجز صام ولا يستقر العتق في ذمته خلافا للمحكي عن بعض العامة من اعتبار حال الوجوب تغليبا لجانب العقوبة ، وآخر من اعتبار أغلظ الحالين ، لكونها حقا واجبا في الذمة بوجود المال ، فيعتبر حال اليسار كالحج ، وآخر من اعتبار أغلظ الأحوال من الوجوب إلى الأداء حتى لو أيسر استقر العتق عليه ، وليس لأصحابنا في المقام إلا الأول ، وإن قال بعضهم باعتبار حال الوجوب في القصر والإتمام.

ولو أعتق العبد ثم أيسر قبل الصوم ففي القواعد ومحكي المبسوط يعتق لأنه حال الأداء موسر ، وقد يحتمل العدم ، لأن الرقية منعت من سببية الحنث لغير الصوم ، بخلاف الحر لتحقق السببية بالنسبة إليه والعجز إنما يمنع من الحكم ، فإذا انتفى عمل السبب عمله.

والتحقيق عدم الفرق ، لأن العبودية أحد أسباب العجز أيضا ، وإلا فسببية الظهار شاملة للحر والعبد ، ومن اعتبر من العامة حال الوجوب جعل عليه الصوم ، ومن اعتبر أغلظ الحالين أو الأحوال اعتبر الأغلظ من حين العتق والأداء إلى الأداء ، والله العالم.

٢٨١

المسألة ( الثالثة : )

إذا كان له مال يصل إليه بعد مدة غالبا لم ينتقل فرضه ، بل يجب عليه الصبر لعدم الفورية ، فلا يتحقق إطلاق ( لَمْ يَجِدْ ) (١) الذي هو شرط الانتقال ، وكذا لو لم توجد الرقبة فعلا ولكن ثمنها موجود وهي مما يتوقع وجودها ، بل عن الشيخ التصريح بوجوب ذلك عليه ولو كان الصبر مما يتضمن المشقة عليه بالتأخير كالظهار لشدة شبق مثلا ، لصدق الوجدان معها.

ولكن في الظهار تردد من ذلك ومن قاعدة « لا ضرر ولا ضرار » ونفي الحرج في الدين وسهولة الملة وسماحتها وسقوط كثير من التكاليف بها ، فيتجه حينئذ الانتقال وإن صدق معه اسم الواجد ، كانتقال المكلف إلى التيمم مع وجدان الماء بالمشقة في استعماله مثلا ، بل الأصح ذلك مع فرض بلوغ المشقة حدا يسقط معها التكليف ، كما هو واضح.

__________________

(١) سورة المجادلة : ٥٨ ـ الآية ٤ وسورة المائدة : ٥ ـ الآية ٩٢.

٢٨٢

المسألة ( الرابعة : )

إذا عجز عن العتق في المرتبة فدخل في الصوم ولو لحظة من اليوم ثم وجد ما يعتق لم يلزمه العتق وفاقا للمشهور لصحيح محمد بن مسلم (١) عن أحدهما عليهما‌السلام قال : « سئل عمن ظاهر في شعبان ولم يجد ما يعتق ، قال : ينتظر حتى يصوم شهرين متتابعين ، فان ظاهر وهو مسافر انتظر حتى يقدم ، وإن صام وأصاب مالا فليصم الذي ابتدأ » ‌ولما في المسالك وغيرها من « أنه عند الشروع كان فاقدا ، ومن ثم يشرع البدل ، فلو لم يسقط التعبد بالعتق لم يكن الصوم بدلا ، ومتى ثبت السقوط استصحب ، والخطاب متعلق بالعتق قبل الشروع في الصوم لا بعده » ثم حكي عن ابن الجنيد أنه لو أيسر قبل أن يصوم أكثر من شهر وجب العتق ، لمرسل محمد بن مسلم (٢) أيضا الذي هو كالصحيح عن أحدهما عليهما‌السلام « في رجل صام شهرا من كفارة الظهار ثم وجد نسمة ، قال : يعتقها ولا يعتد بالصوم » ‌ورده بأنه محمول على الأفضل جمعا بينه وبين صحيحه الآخر. وهذا هو الذي أشار إليه المصنف بقوله وإن كان أفضل.

لكن قد يقال باقتضاء ذلك التخيير لا الترتيب الذي هو ظاهر الأدلة ، وبأن قوله تعالى (٣) ( فَمَنْ لَمْ يَجِدْ ) إن كان شرطا لصوم كل يوم من أيام الشهرين‌

__________________

(١) ذكر صدره في الوسائل في الباب ـ ٤ ـ من أبواب الكفارات الحديث ١ وذيله في الباب ـ ٥ ـ منها الحديث ١ وفيه « قال : ينتظر حتى يصوم شهر رمضان ثم يصوم شهرين متتابعين. وان صام فأصاب مالا فليمض الذي ابتدأ فيه » كما هو كذلك في التهذيب ج ٨ ص ١٧ والاستبصار ج ٣ ص ٢٦٧ والفقيه ج ٣ ص ٣٤٤ والكافي ج ٦ ص ١٥٦.

(٢) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب الكفارات الحديث ٢.

(٣) سورة المجادلة : ٥٨ ـ الآية ٤.

٢٨٣

كما هو الظاهر اتجه الاستئناف حينئذ حتى إذا وجد قبل انقضاء اليوم الأخير بلحظة ، وإن كان شرطا لأصل الشروع في الصوم لم يشرع العتق حينئذ ، لا أنه أفضل ، لسقوط الأمر به بالأمر ببدله الذي هو الصوم ، كما هو مقتضى ما سمعته من الدليل الذي حكيناه عن المسالك وغيرها ، بل لعل ذلك هو المناسب لقولهم : « إن العبرة بحال الأداء الذي هو قبل تمام الصوم منه ، بل ولما ذكروه في التيمم من انتقاض التيمم بوجدان الماء في أثنائه ، بل ولقاعدة الشغل وغير ذلك.

فالمتجه حينئذ الترجيح بين الصحيحين ، ولا ريب في حصوله للأول ، للشهرة العظيمة والصحة في السند ، فإن الأول على ما قيل مروي في التهذيب بسندين صحيحين ، بل أكثر رواة أحدهما المجمع على تصحيح ما يصح عنه ، بخلاف الثاني ، فإنه ليس كذلك ، ولغير ذلك ، فيطرح الآخر حينئذ.

اللهم إلا أن يقال : إن ذلك مبني على ما سمعته سابقا من عدم سقوط خطاب مشروعية العتق بعدم الوجدان ، وإنما الساقط تعينه ، ولذا لو تكلف الفقير وأعتق أجزأه ، فيتجه حينئذ العمل فيه بحمله على الأفضلية.

وكذا الكلام فيما لو عجز عن الصيام فدخل في الإطعام ثم زال العجز لكن ينبغي أن يكون العلة فحوى الصحيح (١) المزبور المعتضد بعدم القول بالفصل ، ولو لا ذلك لأشكل إلحاق حكمه بالعتق ، لما عرفت من ظهور الأدلة بخلافه.

وعلى كل حال ينبغي أن يعلم أن سقوط الحكم بالعتق على تقدير الشروع في الصوم يصير مراعى بإكمال الصوم على الوجه المأمور به ، فلو عرض في أثنائه ما يقطع التتابع ووجدت القدرة على العتق حينئذ إما بالاستمرار السابق أو بأمر متجدد وجب العتق ، لوجود المقتضي له ، وهو القدرة عليه قبل أن يشرع في الصوم ، لأنه‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب الكفارات الحديث ٢.

٢٨٤

ببطلان السابق ينزل منزلة من لم يصم أصلا بالنسبة إلى الكفارة ولو فقدت القدرة على الأعيان قبل أن يجب استئناف الصوم بقي حكم الصوم بحاله ، إذ هو حينئذ كمن وجد الماء في أثناء الصلاة وقلنا بوجوب بقائه عليها ، فإنه لا يفسد التيمم إلا أن يستمر وجدان الماء إلى أن يفرغ من الصلاة ويتمكن من استعماله ، فان فقد قبل ذلك بقي التيمم بحاله ، ولو فرض قطعه الصلاة بسبب محرم قبل فقدان الماء بطل التيمم حينئذ وكلف بالطهارة المائية.

المسألة ( الخامسة : )

لو ظاهر ولم ينو العود فأعتق عن الظهار قال الشيخ : لا يجزؤه ، لأنه كفر قبل الوجوب وهو حسن بل لا نعلم للأصحاب قولا بخلافه ، كما اعترف به في المسالك ، لكن بناه على أن السبب في التكفير العود ، لمعلومية عدم مشروعية تقدم المسبب على سببه ، ثم قال : « نعم لو جعلنا السبب هو الظهار والعود شرطا أو جعلنا العود جزء السبب احتمل جواز تقديمها كما يجوز تقديم الزكاة على الحول مع وجود بعض سببها ، وهو ملك النصاب وعدم تمامه بالحول ، وهو قول لبعض الشافعية ، والشيخ وافقهم على تعجيل الزكاة ، ووافق هنا على عدم إجزاء الكفارة ، وكلاهما عندنا ممنوع ».

وفيه أنه لا فرق في عدم الاجتزاء على التقادير الثلاثة ، ضرورة عدم تعقل الامتثال قبل الأمر ، والتقديم في الزكاة على القول به بأمر مستقل في التعجيل ، أو أن تمام الحول شرط كاشف ، كما تقدم تحقيق الحال في ذلك.

٢٨٥

المسألة ( السادسة : )

لا تدفع الكفارة إلى الطفل ، لأنه لا أهلية له لقبول التمليك المعتبر في فرد التسليم في الكفارة ، لظهور‌ قوله عليه‌السلام (١) : « لكل مسكين مد » ‌وأنها صدقة في ذلك ولكن تدفع إلى وليه كغيرها مما يعتبر فيها التمليك ، وكذا المجنون فما عن الخلاف من الخلاف في ذلك واضح الضعف ، نعم لو كانت بالإطعام جاز مباشرته لها ، لعدم اعتبار التمليك فيها.

وما في المسالك ـ من احتمال المنع بدون إذن الولي كالتسليم ، لأن مقتضى عموم ولايته توقف التصرف في مصالح الطفل على أمره ـ واضح الفساد ، ضرورة رجحان الإحسان عقلا وشرعا ، على أن الاذن هنا إن قلنا بها فهي في أصل التصرف في إشباع الطفل لا بالنسبة إلى صحة قبضه وترتب الملك عليه ، نحو ما سمعته في التسليم.

وأما الكسوة فظاهر اللام في النصوص (٢) انحصارها في التمليك ، فلا يجوز دفعها حينئذ للطفل والمجنون ، بل تدفع إلى وليهما ، فاحتمال جواز مباشرته لها ـ لأنها من ضروراته ، ولا يمكن الولي ملازمتها وهي ملبوسة له ، فتكون في معنى الإطعام ـ واضح الفساد.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الكفارات.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الكفارات الحديث ١ والباب ـ ١٤ ـ منها الحديث ٧ و ١٠.

٢٨٦

المسألة ( السابعة : )

لا تصرف الكفارة إلى من تجب نفقته على الدافع ، كالأب والأم والأولاد والزوجة والمملوك بلا خلاف أجده فيه ، لا لأنهم أغنياء بالدافع كما أوضحناه في كتاب الزكاة (١) بل لانسياق غيرهم من الأدلة خصوصا مع ملاحظة قوله تعالى (٢) ( مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ ) المشعر بكون المساكين غيرهم ، وملاحظة‌ پقول الصادق عليه‌السلام في صحيح عبد الرحمن (٣) الوارد في الزكاة : « خمسة لا يعطون من الزكاة شيئا : الأب والأم والولد والمملوك والزوجة ، وذلك لأنهم عياله لازمون له » ‌المشعر بأن العيالية منافية لصدق إيتاء الزكاة الظاهر في خروجها عنه وعن عياله ، ضرورة اقتضاء إعطائها لعياله رجوعها إليه بنوع من الاعتبار ، وكذا الصدقة التي منها الكفارة ، بل لعل ما دل (٤) على عدم أكل العيال من العقيقة لأنها صدقة مشعر بذلك ، بل قد يدعى معلومية ذلك من الشرع على وجه يعرفه كل تابع له.

ومن ذلك يظهر لك جواز دفع الغير لهم الكفارة مع بذلها ممن عليه وعدمه ، لعدم هذه الموانع ، كما جاز دفع الزكاة من غير المنفق لهم عدا المملوك حتى‌

__________________

(١) راجع ج ١٥ ص ٣٩٥ ـ ٤٠٣.

(٢) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٩٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب المستحقين للزكاة الحديث ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ١ من كتاب النكاح الا أنه ليس فيه التعليل بأنها صدقة ، نعم ورد في المستدرك في الباب ـ ٣٤ ـ من أحكام الأولاد الحديث ٢ « فان لم يطبخه فلا بأس أن يتصدق به » وفي البحار ج ١٠ ص ٢٥٢ ط الحديث « لا يصلح لها ـ أي الأم ـ الأكل منه فليتصدق بها كلها ».

٢٨٧

الزوجة إن لم يقم إجماع ، كما تقدم تحقيقه في كتاب الزكاة (١) وبه أفتى جملة من الأساطين ، فلاحظ وتأمل ليظهر لك ما في تعليل المصنف هنا المقتضي عدم الفرق بين المنفق وغيره.

بل وما في إطلاق الفاضل في القواعد من عدم جواز صرفها إلى ولد الغني ولا إلى من تجب نفقته عليه ، وكذا ما فيها أيضا من جواز دفعها لعبد الفقير بناء على جواز تملكه قبول الهبة أو أذن له مولاه وإلا فلا ، إذ فيه أن الإذن لا تصيره قابلا للتملك حتى يصح دفعها له ، نعم لا بأس بإطعامه مع عدم نهى المولى بناء على جواز ذلك له ، لأنه إحسان.

ثم قال : « ولا يجوز صرفها إلى من تجب عليه نفقته إلا مع فقر المكفر على إشكال » قيل : من أنه حينئذ لا يجب عليه الإنفاق ، فيكون كالأجنبي الفقير ، وقوله عليه‌السلام في‌ حسن جميل (٢) لمن أفطر في رمضان : « فخذه فأطعمه عيالك ، واستغفر الله تعالى » وقول الصادق عليه‌السلام في خبر إسحاق بن عمار (٣) : « إن الظهار إذا عجز صاحبه عن الكفارة فليستغفر ربه ، ولينو أن لا يعود قبل أن يواقع ثم ليواقع ، وقد أجزأ ذلك عنه عن الكفارة ، فإذا وجد السبيل إلى ما يكفر به يوما من الأيام فليكفر ، وإن تصدق بكفه وأطعم نفسه وعياله فإنه يجزؤه إذا كان محتاجا ، وإن لم يجد ذلك فليستغفر الله ربه ، وينوي أن لا يعود ، فحسبه بذلك والله كفارة » ‌ومن أنه إذا تمكن من الإطعام للكفارة فهو متمكن منه للقرابة مثلا ، وهو مقدم فيجب عليه.

ولا يخفى عليك ما في الجميع بعد الإحاطة بما ذكرناه ، ضرورة عدم مدخلية الفقر والغني في عدم جواز صرفها لمن وجبت نفقته عليه ، لما سمعته من عدم صدق‌

__________________

(١) راجع ج ١٥ ص ٣٩٧ الى ٤٠١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب الكفارات الحديث ٤.

٢٨٨

الامتثال كما عرفت ، ثم لا ملازمة بين الفقر وعدم وجوب الإنفاق ، إذ قد تجب النفقة عليه وإن كان فقيرا ، بمعنى أنه لا يملك مئونة السنة ، ولكن يملك نفقة جملة من الأيام ، وأما الخبران المزبوران فمن المعلوم إرادة سقوط الكفارة عنه فيهما ، وإلا فإطعام النفس ليس منها قطعا ، وحينئذ فالمراد أن الله تعالى يحسب ذلك كفارة له بعد الاستغفار والندم.

هذا وقد تقدم في الزكاة ما يستفاد منه جملة من الأحكام في المقام ، مثل جواز دفع الزكاة للعيال لا للإنفاق ، بل للتوسعة عليهم ، ومثل دفعها إليهم ، لأن عندهم من يعولون به ، وغير ذلك من الفروع التي لا يخفى عليك جريانها في المقام ، بل من التأمل فيما هناك يظهر لك النظر فيما في المسالك وغيرها فمن الغريب إرسالهم الحكم هنا إرسال المسلمات من غير إحالة له على ما تقدم ، فلاحظ وتأمل.

وعلى كل حال فلا خلاف ولا إشكال في أنها أي الكفارة تدفع إلى من سواهم ممن لا تجب نفقته وإن كانوا أقارب ولكن بشرط المسكنة والايمان ، بل هم أفضل من غيرهم ، والله العالم.

٢٨٩

المسألة ( الثامنة )

قد عرفت فيما تقدم أنه إذا وجبت الكفارة في الظهار وجب تقديمها على المسيس سواء كفر بالعتق أو بالصيام أو بالإطعام وإن لم يصرح به في الأخير في الآية (١) إلا أنه معطوف على المصرح به ، خلافا للإسكافي في خصوص الإطعام ، وقد سمعت ضعفه ، والله العالم.

المسألة ( التاسعة : )

إذا وجب عليه كفارة مخيرة كفر بجنس واحد عتق أو صيام أو إطعام ولا يجوز أن يكفر بنصفين من جنسين بأن يصوم شهرا ويطعم ثلاثين مثلا ، بلا خلاف أجده ولا إشكال ، لعدم إتيانه بالمأمور به على وجهه ، نعم لا بأس باختلاف أفراد الصنف الواحد منها ، كما لو أطعم بعضهم قوتا خاصا وآخر غيره ، أو كسى أحدهم ثوبا والآخر ثوبا من جنس آخر ، لصدق اسم الإطعام والكسوة ، كما هو واضح.

__________________

(١) سورة المجادلة : ٥٨ ـ الآية ٤.

٢٩٠

المسألة ( العاشرة : )

لا يجزئ دفع القيمة في الكفارة ، لاشتغال الذمة بالخصال لا بقيمتها التي لا تندرج في إطلاق الأمر بالإطعام مثلا حتى في الفرد الذي يراد منه التمليك للإطعام ، والاجتزاء بها في الزكاة ونحوها للدليل ، ومن هنا لم يكن خلاف في ذلك عندنا ، بل في المسالك هو إجماع وإن خالف فيه بعض العامة لنوع من الاستحسان الذي ليس بحجة عندنا كالقياس على الزكاة.

المسألة ( الحادية )

عشرة قال الشيخ : من قتل في الأشهر الحرم وجب عليه صوم شهرين متتابعين من أشهر الحرم وإن دخل فيهما العيد وأيام التشريق ، لرواية ( وهي رواية خ ل ) زرارة (١) والمشهور عموم المنع بل حكى غير واحد الإجماع عليه ، كما تقدم الكلام في ذلك مفصلا في كتاب الصوم (٢) فلاحظ.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث ١.

(٢) راجع ج ١٧ ص ٨٨.

٢٩١

المسألة ( الثانية عشرة : )

كل من وجب عليه صوم شهرين متتابعين فعجز صام ثمانية عشر يوما ، فان لم يقدر تصدق عن كل يوم بمد من طعام لخبر أبي بصير وسماعة (١) قالا : « سألنا أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يكون عليه صيام شهرين متتابعين فلم يقدر على الصيام ولم يقدر على العتق ولم يقدر على الصدقة ، قال : فليصم ثمانية عشر يوما عن كل عشرة مساكين ثلاثة أيام » ‌المؤيد‌ بالموثق (٢) « عن رجل ظاهر عن امرأته فلم يجد ما يعتق ولا ما يتصدق ولا يقوى على الصيام ، قال : يصوم ثمانية عشر يوما » ‌وإن كان مورده خاصا بالظهار الذي هو أحد أفراد الكلية الشاملة للكفارة المرتبة والمخيرة لكن على معنى تعذر الفردين الآخرين وتعين الصوم عليه فعجز عنه على الوجه المراد منه ، لا كما في المسالك حيث قال : « إطلاق وجوب الشهرين يشمل ما لو وجب بسبب كفارة أو نذر وما في معناه وما لو وجبا في الكفارة تعيينا أو تخييرا ، لأن الواجب المخير بعض أفراد الواجب بقول مطلق ـ ثم قال ـ : وفي الحكم بذلك على إطلاقه إشكال ، وفي مستنده قصور ، لكن العمل بذلك مشهور بين الأصحاب ـ إلى أن قال بعد أن ذكر كلاما في الأثناء ـ : وبالجملة ليس لهذا الحكم مرجع يعتد به حتى يلحظ ويترتب عليه ما يناسبه من الأحكام » وتبعه على ذلك بعض من تأخر عنه.

وفيه أن المستند ما سمعت من الخبر المنجبر بالشهرة التي حكاها ، والموثق‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث ١ نقلا عن التهذيب ج ٤ ص ٣١٢ عن أبي بصير الا أن الموجود في الاستبصار ج ٢ ص ٩٧ عن أبى بصير وسماعة بن مهران.

(٢) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب الكفارات الحديث ١.

٢٩٢

الذي لم يرد منه خصوص الظهار ولو بقرينة الشهرة ، بل بيان حكم خاص لكيفية التكفير التي لا فرق فيها بين الظهار وغيره ، خصوصا بعد ملاحظة ما هو كالتعليل للحكم المزبور في الخبر الأول الظاهر ـ ولو بقرينة ذكر العتق والصدقة ـ في الكفارة لا ما يشمل النذر ، وكذا نحو عبارة المتن وغيرها ، بقرينة ذكر ذلك من أحكام الكفارة ، وكونه تعبيرا عن مضمون الخبرين المزبورين.

ومن ذلك يعرف ما في دعوى تناول الإطلاق المزبور للنذر ، كما عرفت ما في دعوى شموله للمخيرة على الوجه الذي ذكره ، ضرورة عدم انسياقه من إطلاق الوجوب ثم العجز الظاهر في المعين إلا على الوجه الذي ذكرناه ، وهو تعين ذلك بتعذر الفردين الآخرين ، لعدم ما يجده للعتق والصوم ، فتعين عليه الصوم بتخيل القدرة عليه فعجز عن الإتيان به على الوجه المراد منه ، وشرع له بدل آخر عن إطعام الستين ، وهو صوم الثمانية عشر ، بل هو كذلك أيضا في المرتبة ، بل قد يدعى أن المراد من إطلاق نحو المتن ذلك أيضا.

ومنه يعلم حينئذ إرادة التتابع فيها ، لأنها من الكفارة وإن قال في المسالك وغيرها : « وفي اشتراط التتابع في الثمانية عشر وجهان : من أصالة البراءة ، وكون التتابع واجبا في الأصل فكذا في البدل ، والملازمة ممنوعة » لكنه كما ترى ، ضرورة انسياق التتابع في كل صوم شرع كفارة ، خصوصا في المقام.

ومما ذكرنا يعلم أيضا أن المراد بالصدقة عن كل يوم بمد الثمانية عشر لا الستين كما عن بعضهم ، بل جعله في نهاية المراد أحد الوجهين ، ضرورة أنك قد عرفت كون مفروض المسألة تعذر الآخرين في المرتبة والمخيرة ، فلا يصح فرض الصدقة على الستين المقتضي للتمكن من فرد الإطعام الذي لا يقتضي الانتقال معه إلى صوم الثمانية عشر في المرتبة والمخيرة ، ولعل الوجه فيه فحوى ما ورد (١) في‌

__________________

(١) لم يرد التصدق بمدين لصوم كل يوم في قضاء شهر رمضان ، إلا في موثق سماعة ـ على ما قيل في بعض نسخه ـ المروي في الوسائل في الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث ٥ وتعرض لها في الجواهر ج ١٧ ص ٣٣ نعم في صحيحة ابن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الشيخ الكبير والذي به العطاش أنه لا حرج عليهما ان يفطرا في شهر رمضان « ويتصدق كل واحد منهما في كل يوم بمدين من طعام ». راجع الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب من يصح منه الصوم الحديث ٢.

٢٩٣

النصوص في قضاء شهر رمضان وغيره من أنه مد ان لصوم كل يوم بل لعل إطعام الستين مع تعذر الشهرين في المرتبة يومئ إلى ذلك. وبذلك كله ظهر لك الوجه فيما ذكره المصنف وغيره من الأصحاب.

فما عن الإسكافي والمفيد ـ من عدم البدل للظهار مع تعذر الخصال للأصل المقطوع بما عرفت ، بل والصدوقين من أن بدله التصدق بما يطيق ـ واضح الضعف ، بل لا شاهد للأخير سوى قاعدة الميسور التي لا تعارض الدليل المخصوص ، بل العمل بها دونه كالاجتهاد في مقابلة النص.

نعم قد يعارض الخبر (١) المزبور‌ صحيح ابن سنان أو حسنه (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في رجل وقع على أهله في شهر رمضان فلم يجد ما يتصدق به على ستين مسكينا ، قال : يتصدق ما يطيق » وفي صحيحه الآخر (٣) عنه عليه‌السلام أيضا « في رجل أفطر في شهر رمضان متعمدا يوما واحدا من غير عذر ، قال : يعتق نسمة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكينا ، فان لم يقدر تصدق بما يطيق » ‌بل عن ظاهر الكليني العمل بهما ، بل قيل : إنه فتوى التهذيبين صريحا ، بل في الرياض أنه لا يخلو من قوة ، لصحة السند ، ولموافقة قاعدة الميسور.

وجمع الشهيد في الدروس بينهما تبعا للفاضل في محكي المختلف بالتخيير بينهما الذي هو مقتضى الجمع ، ولثبوته في المبدل منه فكذا في البدل.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث ١ من كتاب الصوم. راجع التعليقة (١) من ص ٢٩٢.

(٢) و (٣) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ٣.

٢٩٤

وفيه أن المتجه الجمع بينهما بالتخصيص ، فيخرج حينئذ كفارة شهر رمضان من الحكم المزبور ، كما سمعته من ظاهر الكليني والشيخ ، بل حكي عن الصدوقين أيضا وجماعة ، وإن لم يكن على الوجه الذي ذكرناه جمعا بين النصوص ، بل لا محيص عنه مع مراعاة مقتضى أصول المذهب وقواعده ، ودعوى خرقه الإجماع المركب واضحة الفساد ، لعدم استقرار إجماع فيها تستريح به النفس ، كما هو واضح.

وأما الاستغفار الذي أشار إليه المصنف بقوله فان لم يستطع استغفر الله تعالى ولا شي‌ء عليه فظاهر الأصحاب الاتفاق على بدليته مع العجز عن خصال الكفارة على الوجه الذي عرفت في غير الظهار الذي قد تقدم البحث فيه على ما اعترف به في المسالك ، كما أنه قد تقدم البحث عن ذلك في الجملة في كتاب الصوم (١).

وقد سمعت‌ قول الصادق عليه‌السلام في خبر أبي بصير (٢) : « كل من عجز عن الكفارة التي تجب عليه من صوم أو عتق أو صدقة في يمين أو نذر أو قتل أو غير ذلك مما يجب على صاحبه فيه الكفارة فالاستغفار له كفارة ما خلا يمين الظهار » ‌وفي‌ خبر زرارة (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام « سألته عن شي‌ء من كفارة اليمين ـ إلى أن قال ـ : قلت : فان عجز عن ذلك ، قال : فليستغفر الله عز وجل ولا يعود ».

بل لعل ظاهرهما خصوصا الأول منهما بدليته على وجه تسقط عنه الكفارة لو تمكن بعد ذلك ، والمناقشة في سند الخبرين بعد الانجبار بما سمعت لا وجه لها ،

__________________

(١) راجع ج ١٦ ص ٣١١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب الكفارات الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الكفارات الحديث ٦.

٢٩٥

كالمناقشة بأنه لم يجعل بدلا في الكفارات التي سئل عنها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) في رمضان وغيره مع اعتراف السائل بالعجز ، إذ هو لا ينافي ثبوته في دليل آخر ، وقد عرفت سابقا أن مقتضى إطلاقها الاكتفاء بالمرة فيه بدلا.

نعم الأولى له أن يضم إليه الندم على ما وقع والعزم على عدم العود إليه إن كان عن ذنب وإلا اكتفى به ، والله العالم بحقيقة الحال.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ٢ و ٥ من كتاب الصوم والباب ـ ١ ـ من كتاب الظهار الحديث ٤ والباب ١ من أبواب الكفارات الحديث ٢.

٢٩٦

( كتاب الإيلاء )

وهو في الأصل الحلف من ألوت أي قصرت ، يقال : آلى يولى إيلاء ، والاسم الألية والألوة ، والجمع ألايا ، مثل عطية وعطايا ، وكذا يقال : ائتلى يأتلي ائتلاء ومنه قوله تعالى (١) ( وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ ).

وشرعا حلف الزوج على ترك وطء زوجته الدائمة المدخول بها قبلا أو مطلقا مقيدا بالزيادة على الأربعة أشهر أو مطلقا للإضرار بها ، كما ستسمع تفصيل ذلك كله إنشاء الله.

والأصل فيه قوله تعالى (٢) ( لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ، فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) بل منها يستفاد الوجه في جملة من أحكامه الاتية.

وقد كان طلاقا في الجاهلية كالظهار ، فغير الشارع حكمه ، وجعل له أحكاما خاصة إن جمع شرائطه ، وإلا فهو يمين يعتبر فيه ما يعتبر في اليمين ، وحينئذ فكل موضع لا ينعقد إيلاء مع اجتماع شرائط اليمين يكون يمينا ، كما ذكره غير واحد ، بل أرسلوه إرسال المسلمات وإن كان قد يناقش بأن المتجه عدم ترتب أحكام اليمين عليه ، لأنه قصد به الإيلاء ، والفرض عدم انعقاده ، فما قصد لم يقع وما وقع لم يقصد.

لكن قد يدفع بأن الإيلاء فرد من مطلق اليمين ، ويشخصه مورده لا قصده ،

__________________

(١) سورة التوبة : ٢٤ ـ الآية ٢٢.

(٢) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٢٦ و ٢٢٧.

٢٩٧

إذ الذي ذكروه في الفرق بينه وبين اليمين مع اشتراكهما في أصل الحلف والكفارة الخاصة جواز مخالفته في الإيلاء ، بل وجوبها على وجه ولو تخييرا مع الكفارة ، دون اليمين المطلقة ، وعدم اشتراط انعقاده مع تعلقه بالمباح بأولويته دينا أو دنيا أو تساوي طرفيه ، بخلاف مطلق اليمين ، واشتراطه بدوام الزوجة كما ستعرف دونه ، وانحلال اليمين على ترك وطئها بالوطء دبرا مع الكفارة دون الإيلاء ، وهي أجمع بعد الإغضاء عن المناقشة في بعضها أحكام لا تغير مهيته.

ولعله لذا اكتفى الأصحاب فيه بكل لسان مع اشتراط العربية للقادر في غيره من العقود والإيقاعات ، إذ ليس ذلك إلا لأن الإيلاء لم يكن للشارع تصرف في إيقاعيته على وجه تغاير إيقاعيته اليمين وإن كان قد يتوهم من قولهم : « كتاب الإيلاء » وقولهم : « هو لغة كذا وشرعا كذا » إلا أن ذلك كله على ضرب من التسامح ، وليس الإيلاء إلا يمينا مخصوصة باعتبار خصوص موردها ، مثل الصرف والسلم بالنسبة إلى البيع ، فتأمل جيدا ، وربما تسمع له تأييدا.

وكيف كان ف النظر في أمور أربعة :

( الأول : )

في الصيغة ومن المعلوم أنه لا ينعقد الإيلاء إلا بأسماء الله سبحانه وتعالى المختصة به أو الغالبة فيه ، بلا خلاف أجده فيه ، للأصل ولأنه كما عرفت من اليمين المعتبر فيه ذلك ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) « من كان حالفا فليحلف بالله أو فليصمت » وقال محمد بن مسلم (٢) « قلت لأبي جعفر عليه‌السلام قول الله عز وجل ( وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى ) (٣) ( وَالنَّجْمِ إِذا هَوى ) (٤) وما أشبه ذلك ، فقال : إن‌

__________________

(١) سنن البيهقي ج ١٠ ص ٢٨.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب الإيلاء الحديث ١.

(٣) سورة الليل : ٩٢ ـ الآية ١.

(٤) سورة النجم : ٥٣ ـ الآية ١.

٢٩٨

لله تعالى أن يقسم من خلقه بما شاء ، وليس لخلقه أن يقسموا إلا به » وقال الصادق عليه‌السلام : في صحيح الحلبي (١) : « لا أرى أن يحلف الرجل إلا بالله تعالى » وقال عليه‌السلام في صحيحه الآخر (٢) أيضا : « والإيلاء أن يقول : والله لا أجامعك كذا وكذا ، والله لأغيظنك ثم يغاضبها ، فإنه يتربص به أربعة أشهر ». إلى غير ذلك من النصوص.

نعم قد يقال بالاكتفاء بكل ما يدل على الحلف بمسمى الاسم من موصول وصلة وإشارة ونحو ذلك مما يصدق معه أنه حلف بالله تعالى المعلوم إرادة كونه حلفا بمسماه لا بخصوص اسمه ، ويأتي إنشاء الله تمام البحث في ذلك في الأيمان.

وعلى كل حال فلا ينعقد لو كان الحلف بالكعبة أو النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو الأئمة عليهم‌السلام وغيرها مما هو محترم وإن أثم بهتك الحرمة للاسم ، بل والمسمى كما نص عليه في كشف اللثام ، بل لا بد مع ذلك من التلفظ بها أي بالجملة القسمية ، فلو قال : « لأتركن وطءك » لم يقع وإن أشعرت اللام بالقسم للأصل.

ويقع بكل لسان لصدق الإيلاء والحلف معه وإن قلنا باشتراط العربية في غيره من العقد والإيقاع ، لكن قد عرفت أن الإيلائية ليست شيئا زائدا على اليمين الذي يقع بكل لسان ، وهو مؤيد لما ذكرناه سابقا ، كما أشرنا إليه.

نعم لا بد أن يكون ذلك مع القصد إليه فلا يقع من الساهي والنائم والسكران ونحوها.

واللفظ الصريح فيه هو قول والله تعالى لا أدخلت فرجي في‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من الإيلاء الحديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب الإيلاء الحديث ١.

٢٩٩

فرجك وما أشبهه أو يأتي باللفظة المختصة بهذا الفعل كالنيك ، بناء على اختصاصه بالوطء في القبل دون الدبر أو ما يدل عليه صريحا من نحو ذلك.

والمحتمل الذي هو في المتن كقوله : لا جامعتك ولا وطأتك ، فان قصد به الإيلاء صح ، ولا يقع مع تجرده عن النية ، وفيه أنهما من الصريح عرفا وإن كانا في الأصل للأعم من ذلك ، ولذا اكتفى بالأول منهما في‌ صحيح (١) أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام « سألته عن الإيلاء ما هو؟ فقال : هو أن يقول الرجل لامرأته : والله لا أجامعك » ‌وكذا في غيره أيضا ، فالأصح كونه من الألفاظ الصريحة.

أما لو قال : لا جمع رأسي ورأسك بيت أو مخدة أو لا ساقفتك بمعنى « لا جمعني وإياك سقف » ونحو ذلك من الملاصقة والملامسة والمباشرة مما هو كناية عن المعني المزبور قال في الخلاف : لا يصح به إيلاء وتبعه ابن إدريس والفاضل على ما حكي عنهما ، للأصل وحصر الإيلاء في غير واحد من النصوص (٢) فيما لا يشمل ذلك ، وقال في المبسوط : يقع مع القصد ، وهو حسن بل عن الفاضل في التحرير والتلخيص والمختلف اختياره ، لإطلاق أدلة الإيلاء ، ولحسن يزيد ابن معاوية (٣) « إذا آلى الرجل أن لا يقرب امرأته ولا يمسها ولا يجمع رأسه ورأسها فهو في سعة ما لم تمض الأربعة أشهر » ‌وفي‌ خبر أبي الصباح الكناني (٤) « الإيلاء أن يقول الرجل لامرأته : والله لأغضبنك أو لأسوأنك » وصحيح الحلبي (٥) السابق ، ولما عرفت من أن الإيلاء من اليمين المعلوم انعقاده بذلك ، وهو الأقوى.

__________________

(١) و (٤) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب الإيلاء الحديث ١ ـ ٣

(٢) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب الإيلاء الحديث ١ و ٦ والباب ٩ منها.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الإيلاء الحديث ١ عن بريد بن معاوية.

(٥) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب الإيلاء الحديث ١.

٣٠٠