جواهر الكلام - ج ٣٣

الشيخ محمّد حسن النّجفي

وكيف كان ف لا يجزئ عندنا مع الاختيار إعطاء ما دون العدد المعتبر وإن كان بقدر إطعام العدد لعدم صدق الامتثال ، ولموثق ابن عمار (١) « سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن إطعام عشرة مساكين أو إطعام ستين مسكينا أيجمع ذلك لإنسان واحد يعطاه؟ فقال : لا ، ولكن يعطي إنسان إنسانا ، كما قال الله تعالى » ‌نعم لو دفعه لواحد ثم اشتراه منه مثلا ثم دفعه لاخر وهكذا إلى تمام الستين أجزأه بلا خلاف ولا إشكال.

وعلى كل حال ف لا يجوز التكرار عليهم من الكفارة الواحدة ولو في أيام متعددة ، لا المتعددة التي لا خلاف في جواز التكرار فيها حينئذ مع التمكن من العدد خلافا للمحكي عن أبي حنيفة ، فاجتزأ بالصرف إلى واحد في ستين يوما وضعفه واضح.

نعم يجوز ذلك في المشهور مع التعذر بل لم أقف فيه على مخالف صريح معتد به ، كما اعترف به غيرنا أيضا ، بل في كشف اللثام يظهر من الخلاف الاتفاق عليه ، لخبر السكوني (٢) المنجبر بالعمل عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : إن لم يجد في الكفارة إلا الرجل والرجلين فلتكرر عليهم حتى يستكمل العشرة يعطيهم اليوم ثم يعطيهم غدا » ‌واحتمال التقية من أبي حنيفة بقرينة كون الراوي منهم يدفعه اشتماله على اشتراط جواز ذلك بعدم وجدان غير الرجل والرجلين ، وهو مناف لما سمعته من أبي حنيفة من إطلاق الاجتزاء بذلك ، فلا بأس بتقييد الإطلاق به ، فضلا عن الخروج به عن الأصول.

فما عساه يظهر من بعض ـ من الميل إلى وجوب الصبر إلى حال التمكن ـ واضح الضعف ، ولكن ظاهر الخبر المزبور وبعض فتاوى الأصحاب ملاحظة التعدد في الأيام ، ولا ريب في أنه أحوط ، هذا كله في المتحدة.

وأما المتعددة فلا خلاف بلا إشكال في جواز الإعطاء لواحد وإن تمكن من‌

__________________

(١) و (٢) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الكفارات الحديث ٢ ـ ١.

٢٦١

الغير ، من غير فرق بين التسليم والإشباع ، فيحتسب حينئذ إشباع المسكين مرتين بمسكينين ولو في يوم واحد ، وإن ظهر من الدروس نوع توقف فيه ، قال : « ولو تعددت الكفارات جاز أن يعطي الواحد ليومه من كل واحدة مدا ، وعلى القول بإجزاء الإشباع لو أطعم مسكينا مرتين غداء وعشاء في يوم ففي احتسابه بمسكينين احتمال ، سواء وجد غيره أو لا ».

ويجب أن يطعم من أوسط ما يطعم أهله ، ولكن لو أعطى ما يغلب على قوت البلد جاز وإن لم يكن من طعام أهله ، وتبعه الفاضل في القواعد ، ومرجعه إلى ما في المسالك من أن « المعتبر في الكفارة من جنس الطعام القوت الغالب من الحنطة والشعير ودقيقهما وخبزهما ـ إلى أن قال ـ : ويجزئ التمر والزبيب » بعد أن حمل آية الأوسط (١) على الندب.

وقد تبع بذلك ما في الدروس من أنه « يجب الإطعام بما يسمى طعاما ، كالحنطة والشعير ودقيقهما وخبزهما ، وقيل : يجب في كفارة اليمين أن يطعم من أوسط ما يطعم أهله ، للاية وحمل على الأفضل ، ويجزئ التمر والزبيب ».

وقد أشار بالقيل إلى ما عن ابن إدريس من أنه « يجوز أن يخرج حبا ودقيقا وخبزا وكلما يسمى طعاما إلا كفارة اليمين ، فإنه يجب عليه أن يخرج من الطعام الذي يطعم أهله للاية » (٢) واختاره في محكي التحرير.

وعن ابن حمزة « أن فرضه غالب قوته فإن أطعم خيرا منه فقد أحسن ، وإن أطعم دونه جاز إذا كان مما يجب فيه الزكاة ».

وعن المفيد ره « ينبغي أن يطعم المسكين من أوسط ما يطعم أهله ، وإن أطعم أعلى من ذلك كان أفضل ، ولا يطعم من أدون ما يأكل هو وأهله من الأقوات ».

وفي محكي الخلاف « كلما يسمى طعاما يجوز إخراجه في الكفارة ، وروى‌

__________________

(١) و (٢) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٨٩.

٢٦٢

أصحابنا (١) أن أفضله الخبز واللحم ، وأوسطه الخبز والزيت ، وأدونه الخبز والملح ـ واستدل بإجماع الفرقة وبقوله تعالى (٢) ( فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ) قال ـ : وكل ذلك يسمى طعاما في اللغة ، فيجب أن يجري مجرى الخبز في الحكم الظاهر ».

وفي النافع « يجب أن يطعم ما يغلب على قوته » بل في الرياض حكايته عن المبسوط وجماعة.

وفي كشف اللثام عن ظهاره « الواجب في الإطعام في الكفارة من غالب قوت البلد وكذلك زكاة الفطرة ، وقال قوم : يجب مما يطعم أهله ، وهو الأقوى للظاهر ، فإن أخرج من غالب قوت البلد وهو مما يجب فيه الزكاة أجزأه فإن أخرج فوقه فهو أفضل وإن أخرج دونه فان كان مما لا يجب فيه الزكاة لم يجزه وإن كان مما يجب فيه الزكاة فعلى قولين ، وإن كان قوت البلد مما لا يجب فيه الزكاة فإن كان غير الأقط لم يجزه وإن كان أقطا قيل : فيه وجهان : أحدهما يجزؤه ، والثاني لا يجزؤه ، لأنه مما لا تجب فيه الزكاة ، والذي ورد به نص أصحابنا أن أفضله الخبز واللحم ، وأوسطه الخبز والخل والزيت ، وأدونه الخبز والملح » وعن كفاراته « ويخرج من غالب قوت أهله بلده ، قال : فان كان في موضع قوت البلد اللبن والأقط واللحم أخرج منه ».

وفيه أيضا عن خلافه « أنه نص على وجوب ما يغلب على قوته وقوت أهله لا البلد ، واستدل بالاية (٣) وقال : أوجب من أوسط ما نطعم أهلنا ، وهو دون ما يطعم أهل البلد ».

وعن الفاضل في المختلف أنه استقرب إيجاب الحنطة والدقيق ، وفي نهاية المرام‌

__________________

(١) إشارة الى ما رواه في الوسائل في الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الكفارات الحديث ٢ و ٣ و ٥ و ٩.

(٢) سورة المجادلة : ٥٨ ـ الآية ٤.

(٣) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٨٩.

٢٦٣

والكفاية والرياض أن الأولى الاقتصار على إطعام المد من الحنطة والدقيق إلا أن الأخير منهم نفى البأس عما سمعته سابقا من الخلاف من الاجتزاء بكل ما يسمى طعاما ترجيحا للغة هنا على العرف والعادة بالإجماع الذي حكاه على ذلك ، الذي منه ينبغي حمل الآية على الندب ، وكأنه أشار إلى ما في الصحاح من أن الطعام ما يؤكل ، قال : « وربما خص بالطعام البر » إلى غير ذلك من كلماتهم المختلفة أشد اختلاف ، بل بعضها لا يرجع إلى حاصل ، ولا يعرف له مستند.

وأما النصوص الواردة في تفسير الأوسط في كفارة اليمين فمنها ما هو ظاهر في إرادة التوسط في الجنس ، نحو‌ خبر أبي بصير (١) « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن أوسط ما تطعمون أهليكم ، قال : ما تقوتون به عيالكم من أوسط ذلك ، قلت : وما أوسط ذلك؟ فقال : الخل والزيت والتمر والخبز تشبعهم به مرة واحدة ». وغيره (٢) ومنها ما هو ظاهر في إرادة التوسط في المقدار ، كخبره الآخر (٣) قال : « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله عز وجل (٤) ( مِنْ أَوْسَطِ ) ـ إلى آخرها ـ قال : قوت عيالك ، والقوت يومئذ مد ». ولا يبعد إرادتهما معا من الأوسط.

قلت : قد يقوى في النظر الاجتزاء بكل ما تؤكل ويسمى طعاما لو كان الامتثال بالإشباع ، لإطلاق النصوص (٥) الاكتفاء بإشباعهم بما يسمى إطعاما الذي قد عرفت أن في اللغة الطعام لكل ما يؤكل ، فضلا عن الإطعام الذي هو في العرف كذلك أيضا ، فيصدق حينئذ بالإشباع من الفواكه والمربيات وغيرها مما هو أعلى منها أو أدنى.

__________________

(١) و (٢) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الكفارات الحديث ٥ ـ ٣.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الكفارات الحديث ١٠.

(٤) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٨٩.

(٥) الوسائل الباب ـ ١٢ و ١٤ ـ من أبواب الكفارات.

٢٦٤

ووجوب المد من الحنطة والدقيق أو التمر ، بل مطلق الأقوات الغالبة لو كان بالتسليم ، حملا لمطلق المد في النصوص (١) الكثيرة على ما في‌ صحيح الحلبي (٢) عن الصادق عليه‌السلام المتقدم سابقا « لكل مسكين مد من حنطة أو مد من دقيق وحفنة » ‌إلى آخره المعتضد بخبر الثمالي (٣) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عمن قال والله ثم لم يف ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : كفارته إطعام عشرة مساكين مدا مدا دقيق أو حنطة ». وغيره (٤) وعلى ما في النصوص السابقة من التصريح بالاجتزاء (٥) وعلى مطلق الأقوات الغالبة لغالب الناس بناء على أن المراد من الأوسط إلى آخره ذلك ، لأنه يقتضي الإضافة إلى ( أَهْلِيكُمْ ) الشامل لأهل المكفر وغيره ، فيراد من ( أَوْسَطِ ) ما تطعمه الناس ، وعلى أنه لا فرق بين كفارة اليمين وغيرها في المراد من الإطعام المعتبر فيها وإن كانت الآية خاصة بكفارة اليمين ، فيكون المحصل من الجميع ما ذكرنا.

وقد يشهد لما ذكرنا في الجملة‌ خبر أبي جميلة (٦) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « في كفارة اليمين عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم ، والوسط الخل والزيت ، وأرفعه الخبز واللحم ، والصدقة مد مد من حنطة لكل مسكين » وخبر زرارة (٧) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في كفارة اليمين عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين ، والإدام والوسط الخل والزيت ، وأرفعه الخبز واللحم ، والصدقة مد لكل مسكين ». إذ المراد من قوله عليه‌السلام : « والصدقة » فيهما الإشارة إلى القسم الثاني من الكفارة الذي هو التسليم.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الكفارات.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الكفارات الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الكفارات الحديث ٤.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الكفارات الحديث ٨ و ١٠.

(٥) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الكفارات الحديث ١٣ والباب ـ ١٤ ـ منها الحديث ٧.

(٦) و (٧) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الكفارات الحديث ٢ ـ ٩

٢٦٥

بل قد يقال : اختلاف الأصحاب في ذلك بالنسبة إلى هذا القسم من الكفارة لا الإشباع الذي لا تقدير فيه بالمد قطعا.

بل لعل عبارة المتن والقواعد ظاهرة في ذلك ، حيث فرق ، فيهما بين الإطعام والإعطاء ، فاجتزأ بالثاني بالغالب من قوت البلد ، وأوجب في الأول الإطعام من أوسط ما يطعم أهله المعلوم إرادة الوجوب التخييري بينه وبين الأعلى ، بل والأدنى ، لما سمعته من النص (١) والفتوى على الاجتزاء بالثلاثة في الإطعام ، كما أشار إليه المصنف بقوله ويستحب أن يضم إليه إداما : أعلاه اللحم وأوسطه الخل والزيت وأدونه الملح.

قال الصادق عليه‌السلام في صحيح الحلبي (٢) « في قول الله عز وجل (٣) ( مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ ) : هو كما يكون في البيت من يأكل المد ، ومنهم من يأكل أكثر من المد ، ومنهم من يأكل أقل من المد فبين ذلك ، وإن شئت جعلت لهم أدما ، والأدم أدناه ملح ، وأوسطه الخل والزيت ، وأرفعه اللحم » ‌وقد سمعت قوله عليه‌السلام أيضا في خبري أبي جميلة (٤) وزرارة (٥) السابقين.

بل عن المفيد وسلار إيجاب ذلك للخبرين المزبورين وإن كان هو خلاف المشهور ، بل الخبران المزبوران قاصران عن إفادة الوجوب ، خصوصا بعد تفسيرهما للوسط بذلك المشعر بعدم إجزاء غيره ، مع أنهما لم يقولا به ، بل ولم يقل به أحد ، على أنهما غير مكافئين للصحيح المزبور الظاهر أو الصريح في عدم الوجوب ، للتعليق فيه على المشيئة المعتضد بإطلاق أدلة الإطعام كتابا (٦) وسنة (٧)

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الكفارات الحديث ٢ و ٣ و ٥ و ٩.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الكفارات الحديث ٣.

(٣) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٨٩.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الكفارات الحديث ٢.

(٥) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الكفارات الحديث ٩.

(٦) سورة المجادلة : ٥٨ ـ الآية ٤.

(٧) الوسائل الباب ـ ١٢ و ١٤ ـ من أبواب الكفارات.

٢٦٦

فلا بد من حمل الأمر فيهما على أفضلية الفرد المزبور من الإطعام على غيره مما هو أدنى منه.

وكيف كان فلا خلاف كما لا إشكال في أنه يجوز أن يعطى العدد المأمور به في الكفارة عشرة أو ستين متفرقين أو مجتمعين إطعاما وتسليما لصدق الامتثال وإن قال في الدروس : « هو الأفضل » بل الظاهر الاجتزاء بالتفريق ، فيطعم بعضا ويسلم آخر ، للصدق المزبور أيضا.

وكذا لا إشكال في أنه يجزئ إخراج الحنطة والدقيق والخبز بل والتمر للتصريح بها في النصوص (١) التي تقدمت.

ولا يجزئ إطعام الصغار منفردين محتسبا بهم من العدد إلا مع احتساب الاثنين بواحد ، وفاقا للمشهور ، بل في الرياض نفي الخلاف فيه إلا من بعض المتأخرين فاجتزأ به ، للإطلاق الذي يجب تقييده بمفهوم الخبرين (٢) الآتيين المحمول ما فيهما من الاختصاص بكفارة اليمين على المثال لغيرها ، ولو بقرينة الشهرة ، المؤيدة باستبعاد الفرق مع اتحاد الأمر فيهما بإطعام المسكين ، بل يمكن دعوى ظهور ذلك في إرادة بيان كيفية الإطعام في جميع الكفارات وإن ذكر ذلك في كفارة اليمين.

ويجوز إطعامهم منضمين مع الكبار محتسبا بهم من العدد ، من غير فرق بين كفارة اليمين وغيرها أيضا ، وفاقا للمشهور أيضا ، بل عن المبسوط والخلاف نفي الخلاف فيه ، وكأنه لم يعتن بخلاف المفيد المانع على ما قيل من إطعامهم مطلقا في صورتي الانفراد والاجتماع مع عد الاثنين بواحد وعدمه ، ولعله لشذوذه ومخالفته إطلاق الأدلة وخصوصها.

قال الصادق عليه‌السلام في خبر غياث (٣) : « لا يجزئ إطعام الصغير في كفارة‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الكفارات.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الكفارات الحديث ١ و ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الكفارات الحديث ١.

٢٦٧

اليمين ، ولكن صغيرين بكبير » ‌وفي‌ خبر السكوني (١) عن جعفر عن أبيه عليه‌السلام « أن عليا عليه‌السلام قال : من أطعم في كفارة اليمين صغارا وكبارا فليزود الصغير بقدر ما أكل الكبير ».

بل في‌ صحيح يونس بن عبد الرحمن (٢) عن أبي الحسن عليه‌السلام « سألته عن رجل عليه كفارة إطعام عشرة مساكين أيعطى الصغار والكبار سواء والرجال والنساء أو يفضل الكبار على الصغار والرجال على النساء؟ قال : كلهم سواء ، ويتمم إذا لم يقدر على المسلمين وعيالاتهم تمام العدة التي تلزمه أهل الضعف ممن لا ينصب » ‌إلا أنه ظاهر في فرد التسليم الذي لا خلاف في اتحادهم فيه ، إنما الكلام في فرد الإشباع اللهم إلا أن يدعى تناول الإعطاء لهما ، إلا أنه كما ترى.

وعلى كل حال فقد ظهر لك أن الدليل فيما ذكره المصنف وغيره من أنه لو انفردوا احتسب الاثنان بواحد الخبران المزبوران ، إلا أن الأول منهما مطلق شامل لصورتي الاجتماع والانفراد ، بل ظاهر الثاني منهما الصورة الأولى ، ومن هنا كان المحكي عن ابن حمزة احتساب الاثنين بواحد مطلقا ، ومال إليه في الرياض ، بل ربما حكي عن الإسكافي والصدوق أيضا ، لكن في كفارة اليمين خاصة وأما في غيرها فيجتزأ بهم مطلقا كالكبار.

لكن قد يقال : إن‌ قوله عليه‌السلام في الصحيح المزبور : « ويتمم » (٣) ظاهر في الاجتزاء بإطعام المسلم وعياله الذين فيهم الكبار والصغار محتسبا بهم من العدد مع القدرة على ذلك ، وكذا فحوى‌ قوله عليه‌السلام : في صحيح الحلبي (٤) : « إن من في البيت يأكل أكثر من المد وأقل » ‌إلى آخره ، مؤيدا ذلك بإطلاق الأدلة‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الكفارات الحديث ٢.

(٢) ذكر صدره في الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الكفارات الحديث ٣ وذيله في الباب ـ ١٨ ـ منها الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الكفارات الحديث ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الكفارات الحديث ٣ ، وهو نقل بالمعنى.

٢٦٨

المعتضدة بالشهرة ، فتخرج هذه الصورة ـ أي صورة الانضمام ـ عن إطلاق خبر غياث (١) وتبقى صورة الانفراد التي يحتسب فيها الاثنان بواحد.

إلا أن الظاهر مما ذكرناه إرادة النبعية من الانضمام لا مطلق إطعام كبير مع صغير ولو في مجالس متعددة ، كما عساه يتوهم ، بل قد سمعت قول علي عليه‌السلام : في خبر السكوني (٢) المشتمل على الأمر بزيادة الصغير في صورة إطعامه مع الكبير الذي ينبغي حمله بناء على ما ذكرنا على غير صورة التبعية من الانضمام ، بل منه يستفاد إرادة قدر ما يأكل الكبير ، وذلك كما يكون باحتساب الصغيرين بواحد يكون باحتساب أكل الصغير مرتين في وقتين مرة ، إذ احتساب الاثنين بواحدة لا يصيرهما مصداقا لمسكين ، ولعل‌ قوله عليه‌السلام : « فليزود » ‌إلى آخره ظاهر فيما ذكره في الصورة الثانية ، فتأمل جيدا ، فاني لم أجد شيئا من ذلك منقحا في كلامهم.

ومن هنا كان الاحتياط بالاقتصار على الكبار لا ينبغي تركه ، خصوصا مع عدم تنقيح للصغر والكبر هنا ، وإن صرح بعضهم بالرجوع فيها هنا إلى العرف ، ويحتمل مراعاة البلوغ وعدمه.

ويستحب الاقتصار في الكفارة على إطعام المؤمنين ومن هو بحكمهم كالأطفال التابعين لهم في ذلك وتسليمهم ، بل خيرة الفاضل في القواعد والتحرير والمقدار وجوب ذلك ، بحيث إذا لم يجد أخرها إلى أن يتمكن كما هو المحكي عن بني الجنيد والبراج وإدريس ، بل عن الأخير منهم اشتراط العدالة مع ذلك. وفي المبسوط تصرف إلى من تصرف إليه زكاة الفطرة ، ومن لا يجوز هناك لا يجوز هنا ومحكي أنها تصرف في المؤمن والمستضعف ، واختاره الفاضل في الإرشاد ، وعن النهاية اشتراط الايمان مع الإمكان ، فان لم يجد تمام العدة كذلك جاز إعطاء المستضعف من المخالفين ، وعن الفاضل في المختلف اختياره.

والوجه عند المصنف جواز إطعام المسلم الفاسق ولا يجوز إطعام‌

__________________

(١) و (٢) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الكفارات الحديث ١ ـ ٢.

٢٦٩

الكافر ، وكذا الناصب ومرجعه إلى اشتراط الإسلام فيها دون الايمان ، فيجوز إعطاؤها حينئذ إلى سائر الفرق المخالفة للحق إلا من كان كافرا منهم بغلو أو نصب أو نحوهما ، لإطلاق الأدلة ، وموثق إسحاق بن عمار (١) عن أبي الحسن الكاظم عليه‌السلام وقد سأله عن الكفارة قال : « قلت : أفنعطيها ضعفاء من غير أهل الولاية؟ قال : نعم ، وأهل الولاية أحب إلى » ‌كما أن صحيح يونس بن عبد الرحمن (٢) المتقدم سابقا دليل ما سمعته من الشيخ في النهاية ، وكأن المصنف جمع بينه وبين الموثق المزبور بالحمل على الندب الذي هو صريح « أحب إلى » في الموثق ، فيكون الشرط حينئذ له ، لا لأصل الجواز بعد إرادة المؤمنين فيه من « المسلمين » كإرادة الفقير من الضعفاء فيه لا المستضعف ، وهو وإن كان متوجها بالنظر إلى ما وصل إلينا من نصوص المقام التي سمعتها ، ولذا اختاره بعض من تأخر عنه ، لكن من المعلوم أنه مواساة ومودة وصلة ونحو ذلك مما لا محل لها إلا المؤمن ، بل كل ما دل على منع إعطائها الكافر دال على من كان بحكمه من الفرق المخالفة التي هي أشد من الكفار ، بل لعل التعبير عنها بالصدقة فيما مضى من النصوص (٣) مشعر بكونها من قسم الصدقات الواجبة التي منها الزكاة المتقدم في كتابها اعتبار الايمان فيها ، بل قد تقدم هناك النصوص (٤) المشتملة على المبالغة في المنع عنها وعن الصدقة لهم ، وأنهم ليسوا أهلا لذلك ، بل لا قربة في دفع نحو هذه الصدقات إليهم ، فلاحظ وتأمل ، فالمتجه حينئذ عدم ترك الاحتياط في ذلك إن لم نقل بقوة اعتباره.

ثم إنه لا ريب في اعتبار المسكنة في مصرفها ، للاية (٥) والرواية (٦)

__________________

(١) و (٢) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الكفارات الحديث ٢ ـ ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الكفارات الحديث ٢ و ٦ و ٩.

(٤) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب المستحقين للزكاة والباب ـ ٢١ ـ من أبواب الصدقة من كتاب الزكاة.

(٥) سورة المجادلة : ٥٨ الآية ٤.

(٦) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الكفارات.

٢٧٠

والإجماع ، فيختص مصرفها حينئذ في المسكين ، وفي المسالك « ولا يتعدى إلى غيره من أصناف مستحقي الزكاة غير الفقير حتى الغارم وإن استغرق دينه ماله إذا ملك مئونة السنة وكذا ابن السبيل إن أمكنه أخذ الزكاة أو الاستدانة ، وإلا ففي جواز أخذه نظر ، من حيث إنه حينئذ في معنى المسكين ، ومن أنه قسيم له مطلقا ، ويظهر من الدروس جواز أخذه لها حينئذ » ونحوه في التنقيح ، بل صرح بأن الأقوى الاقتصار على المسكين.

وإن كان قد يناقش بصدق اسم الفقير على الغارم المزبور ، بناء على جواز دفعها للفقير ، إما لأنه أسوأ حالا كما ذهب إليه بعضهم ، إذ يكون أولى حينئذ وإن احتمل عدم الجواز أيضا لعدم جواز صرف حق طائفة إلى أخرى ، إلا أنه كما ترى ، أو لأن كل واحد من المسكين والفقير يدخل تحت الآخر حيث ينفرد بالذكر ، وإنما يبحث عن الأسوإ حالا منهما على تقدير الاجتماع ، كآية الزكاة (١).

نعم لا تصرف في الرقاب ولا في القناطر ونحوها من سهم سبيل الله تعالى شأنه.

أما ابن السبيل فقد يقوى في النظر إلحاقه بالفقير كما سمعته من الدروس وإن كان الذي عثرنا عليه منها هنا « ولا يجزئ ابن السبيل إذا أمكنه أخذ الزكاة أو الاستدانة ، ولا الغارم ولا الغازي إذا ملكا مئونة السنة » بل قد يناقش في الغارم أيضا باعتبار أن ملكه لمئونة السنة غير الدين لا يخرجه عن اسم الفقير ، والله العالم.

__________________

(١) سورة التوبة : ٩ ـ الآية ٦٠.

٢٧١

( مسائل أربع : )

( الأولى )

لا خلاف نصا (١) وفتوى في أن كفارة اليمين مخيرة بين العتق والإطعام والكسوة وقد عرفت الكلام في الأولين ، وأما الأخير فإذا كسى الفقير يجب أن يعطيه ثوبين مع القدرة ، ومع العجز ثوبا واحدا عند الشيخ والقاضي والحلبي وابن زهرة والفاضل في القواعد وولده في شرحه على ما حكى عن بعضهم ، جمعا بين ما في‌ صحيح الحلبي (٢) عن الصادق عليه‌السلام « لكل إنسان ثوبان » ‌وأخبار إسحاق بن عمار (٣) وعلي بن أبي حمزة (٤) و‌أبي جميلة (٥) عنه عليه‌السلام أيضا « والكسوة ثوبان » وخبر سماعة بن مهران (٦) عنه عليه‌السلام أيضا « ثوبين لكل رجل » ‌وبين صحيح أبي بصير (٧) عن أبي جعفر عليه‌السلام « قلت : ( أَوْ كِسْوَتُهُمْ ) (٨)

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الكفارات.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الكفارات الحديث ١٠.

(٣) و (٤) و (٦) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الكفارات الحديث ١٣ ـ ٢ ـ ٩ والاول عن أبى خالد القماط.

(٥) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الكفارات الحديث ٢.

(٧) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الكفارات الحديث ٥ والباب ـ ١٥ ـ منها الحديث ٤.

(٨) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٩٢.

٢٧٢

قال : ثوب » وصحيح محمد بن قيس (١) عنه عليه‌السلام أيضا « ثوب يوارى عورته » وخبر معمر (٢) عنه عليه‌السلام أيضا « سألته عمن وجب عليه الكسوة في كفارة اليمين ، قال : هو ثوب يواري عورته » ‌لكنه كما ترى لا شاهد له ، بل لا إشعار في شي‌ء من النصوص به.

ومن هنا قيل كما عن الشيخ والحلي ووالد الصدوق ويحيى ابن سعيد يجزئ الثوب الواحد مع الاختيار بل في المتن وهو أشبه بأصول المذهب وقواعده ، وتبعه أكثر من تأخر عنه كالفاضل في قوله الآخر والشهيدين والمقداد والسيمري وغيرهم ، ولعله كذلك ، للأصل وإطلاق الأدلة وانسياق الندب من نظم جميع ما في النصوص المزبورة الذي هو الأمر بثوب وبثوبين ، نحو ما في‌ مرسل الحسين بن (٣) سعيد عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث : ويجزئ في كفارة الظهار صبي ممن ولد في الإسلام ، وفي كفارة اليمين ثوب يواري عورته ، وقال : ثوبان » لأنه حينئذ كالتخيير بين الأقل والأكثر المحمول على ذلك.

ودعوى ترجيح نصوص الثوبين مطلقا ـ بأن خبرهما الصحيح أصح من خبر أبي بصير الصحيح ، لاشتراك أبي بصير نفسه وصحته اضافية ، بخلاف صحيح الحلبي ، وباقي الأخبار شواهد ، لأنها ضعيفة الإسناد أو مرسله ، فان محمد بن قيس الذي يروى عن الباقر عليه‌السلام مشترك بين الثقة وغيره ، وخبر الحسين بن سعيد مرسل ، ومعمر ابن عثمان مجهول فلا تكافؤ حتى يجمع بينها بذلك ، ومن هنا كان المحكي عن الصدوق والمفيد والشيخ في الخلاف وسلار وابن حمزة والكيدري إطلاق وجوب الثوبين بل عن الخلاف الإجماع عليه ـ يدفعها منع الاشتراك في راوي الصحيحين ، مع وجود القرينة على الثقة في أحدهما ، والمجمع على تصحيح رواياته في الثاني ، بل خبر معمر محتمل الصحة ، لما يحكي من وجود « ابن يحيى » بدل « ابن عثمان » ‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الكفارات الحديث ١.

(٢) و (٣) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الكفارات الحديث ٢ ـ ٣.

٢٧٣

في بعض النسخ ، مع أن في سنده من أجمع على تصحيح ما يصح عنه ، ومن هنا قيل : إن الأسانيد في غاية الاعتماد ، ومع ذلك معتضدة بالشهرة المتأخرة وغيرها.

وأما ما عن ابن الجنيد ـ من حمل الكسوة على عرف الشرع في الصلاة فيفرق حينئذ بين الرجل والمرأة فيجزئ الأول ثوب يجزؤه في الصلاة ، وللثانية درع وخمار ـ فلم نقف له على دليل ، بل ظاهر ما سمعته من الأدلة على خلافه.

نعم لو قيل بالجمع بين النصوص باختلاف الفقراء مكانا وزمانا فمنهم من يجزؤه الثوب ومنهم الثوبان كان وجها ، لشهادة‌ خبر محمد بن مسلم (١) عن أحدهما عليهما‌السلام على ما في كشف اللثام « وأما كسوتهم فان وافقت به الشتاء فكسوته ، وإن وافقت به الصيف فكسوته ، لكل مسكين إزار ورداء ، وللمرأة ما يواري ما يحرم منها إزار ودرع وخمار » ‌والذي وجدته في الوسائل راويا له عن‌ تفسير العياشي (٢) « وأما كسوتهم فان وافقت بها الشتاء فكسوتهم لكل مسكين إزار ورداء ، وللمرأة ما يواري ما يحرم منها إزار وخمار ودرع ».

وعلى كل حال فيه شهادة في الجملة على ما ذكرنا ، مضافا إلى معلومية اختلاف الكسوة بالنسبة إلى الفقراء كاختلاف الأكل ، ضرورة ظهور الإضافة في إرادة كسوتهم اللائقة بحالهم ، لا مطلق مسمى كسوة.

وفي الرياض « الأجود الجمع بين النصوص بحمل الأدلة على الأفضلية ، أو ما إذا لم يحصل بالواحد ستر العورة ، ولذا قيد بالستر في أكثر ما مر من المعتبرة بخلاف الأخبار الأولة وهذا أولى ، فيكون المعيار بالكسوة ما يحصل به ستر العورة مع صدق الكسوة عرفا وعادة ، كالجبة والقميص والسراويل ، دون الخف والقلنسوة بلا خلاف ولا إشكال في شي‌ء من ذلك إلا في الأخير ، ففيه إشكال وقول‌

__________________

(١) تفسير العياشي ج ١ ص ٣٣٦ سورة المائدة الحديث ١٦٧ كما في البحار نقلا عنه ج ١٠٤ ص ٢٢٥.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الكفارات الحديث ٧.

٢٧٤

بالعدم كما عن المبسوط ، لعدم صدق الكسوة عليه عرفا ، وهو متجه إلا مع إعطاء قميص أو جبة معه لصدق الكسوة حينئذ جزما ومن هنا يظهر الحكم في نحو الإزار والرداء وإن جزم بهما كالأول الشهيدان وغيرهما ».

قلت : قد يقال : إن التقييد بمواراة العورة جريا مجرى الغالب ، وإلا فلم نجد أحدا اعتبر ذلك ، بل مقتضي إطلاقهم الاجتزاء بالقميص ونحوه الاكتفاء به وإن لم يكن ساترا لرقته ، نعم ما ذكره من أن المدار على صدق اسم الكسوة عرفا جيد ، فلا يجزئ ما لا يحصل به مسماها من الثياب.

وكيف كان فلا يجزئ ما لا يسمى ثوبا كالخف والقلنسوة والنعل والمنطقة ، لما سمعته من النصوص (١) المعتضدة بظاهر الإضافة ، خلافا للمحكي عن الشافعي فيهما في وجه.

ويكفي الغسيل من الثياب كما في القواعد وغيرها ، بل عن المبسوط والسرائر التصريح به أيضا ، لإطلاق الأدلة ، خلافا لظاهر المحكي عن الوسيلة والإصباح ، نعم لا يجزئ البالي ولا المرقع الذي ينخرق بالاستعمال ، كما صرح به غير واحد ، للشك في تناول الإطلاق له إن لم يكن ظاهره خلافه ، لبطلان المنفعة أو معظمها ، بل ربما احتمل دخوله في الخبيث.

ولا فرق في مسماه بين القميص والجبة والقباء والرداء وغيرها ، كما لا فرق في جنسه بين القطن والصوف والكتان والحرير الممزوج والخالص والقنب والشعر وغيرهما مع الاعتياد.

بل يندرج في الكسوة ما جرت العادة بلبسه ، كالجليد والفر ومن جلد ما يجوز لبسه وإن حرمت الصلاة فيه ، خلافا للمحكي عن أبي علي ، فاعتبر جوازها فيه ، ولا دليل عليه ، نعم لا يجزئ ما يعمل من ليف أو خوص أو نحوهما مما لا يعتاد لبسه.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الكفارات الحديث ١ و ٢ و ٩ و ١٠ و ١٣ والباب ـ ١٤ ـ منها الحديث ١ و ٢ و ٥ و ٧ و ٨ و ٩ و ١٠.

٢٧٥

ولا يشكل الأول بعدم صدق الثوب المفسر به الكسوة في النص (١) لأنه مساق لبيان الاتحاد والتعدد لا الجنس ، مع إمكان دعوى صدق الثوب عليه.

هذا وفي التحرير في الدرع إشكال ، بل الدروس الجزم بالعدم ، ولعله كذلك ، لعدم انصرافه من الكسوة ، بل العمامة كذلك.

وفي القواعد تقييد الحرير الخالص للنساء وفيه أن ظاهر (٢) الاجتزاء بتمليك الثوب أو الثوبين ، فيتحقق الامتثال حينئذ بدفعه للرجل وإن حرم عليه لبسه ، لكنه صالح للابدال وجائز لبسه للضرورة والحرب وللبيع وغير ذلك.

ويجزئ كسوة الصغار وإن كانوا رضعاء وإن انفردوا عن الرجال ومع المكنة من كسوة الكبار ، لإطلاق الأدلة ، ولا يجب تضاعف العدد كما يجب في الإطعام ، للأصل وانتفاء النص هنا.

ولو تعذرت العشرة انتظر ، وفي الدروس « كرر على الممكن في الأيام على احتمال » وأشكله بأنه « يؤدي إلى أن يكسي عشرة أثواب ، وذلك بعيد » قلت : مضافا إلى عدم الدليل مع حرمة القياس عندنا ، وفيها « أنه لو أخذ الكبير ما يواري الصغير فالأشبه عدم الإجزاء » قلت : لا إشكال في عدم الاجتزاء به كسوة له ، كما لا إشكال في الاجتزاء به كسوة لصغير عنده.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الكفارات الحديث ٤.

(٢) جاء في هامش النسخة المخطوطة المبيضة « في المسودة « ظاهر النص » وضرب على كلمة « النص » والمظنون أنه أراد أن يبدله بلفظ « الصحيح » فسها رحمه‌الله » وقد راجعت النسخة المخطوطة المسودة المحفوظة في ( مكتبة السيد الحكيم ( قده ) العامة في النجف الأشرف ) فوجدتها كما ذكره المحشي على النسخة المبيضة.

٢٧٦

المسألة ( الثانية : )

الإطعام في كفارة اليمين مد لكل مسكين ولو كان قادرا على المدين ، ومن فقهائنا من خص المد بحال الضرورة ، والأول أشبه بأصول المذهب وقواعده ، كما تقدم الكلام في ذلك مفصلا‌

المسألة ( الثالثة : )

كفارة الإيلاء مثل كفارة اليمين لأنه من اليمين وإن اختص بأحكام لكن غير الاتحاد في الكفارة ، كما ستعرف.

( المسألة الرابعة : )

من ضرب مملوكه ذكرا أو أنثى فوق الحد استحب له التكفير بعتقه وفاقا للمحكي عن ابن إدريس وأكثر المتأخرين ، لصحيح أبي بصير (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام « من ضرب مملوكا حدا من الحدود من غير حد أوجبه المملوك على نفسه لم يكن لضاربه كفارة إلا عتقه » ‌المحمول على ذلك بقرينة‌ خبره الآخر عنه عليه‌السلام (٢) أيضا : « إن أبي ضرب غلاما له ضربة واحدة بسوط ، وكان بعثه في حاجة فأبطأ عليه ، فبكى الغلام وقال : الله تبعثني في حاجتك ثم تضربني؟! قال : فبكى أبي ، وقال : يا بني اذهب إلى قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فصل ركعتين ، فقل :

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب مقدمات الحدود الحديث ١ من كتاب الحدود.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الكفارات الحديث ١.

٢٧٧

اللهم اغفر لعلي بن الحسين خطيئته ، ثم قال للغلام : اذهب فأنت حر ، فقلت : كان العتق كفارة للذنب فسكت » ‌الظاهر في ذلك من وجوه ولو من سكوته في مقام البيان.

وأما‌ خبر عبد الله بن طلحة (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « إن رجلا من بني فهد كان يضرب عبدا له والعبد يقول : أعوذ بالله تعالى ، فلم يقلع عنه ، فقال : أعوذ بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأقلع الرجل عنه الضرب ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يتعوذ بالله فلا تعيذه ويتعوذ بمحمد فتعيذه؟! والله أحق أن يجار عائذه من محمد ، فقال الرجل : هو حر لوجه الله تعالى ، فقال : والذي بعثني بالحق نبيا لو لم تفعل لواقع وجهك حر النار » فهو غير ما نحن فيه وإن كان لا يخلو من إشعار في الجملة ، على أنا لم نتحقق القول بالوجوب صريحا وإن كان عساه يظهر من بعض عبارات القدماء التي لا وثوق بإرادة ذلك منها.

وكيف كان فقد يقال : إن المستفاد من خبر أبي بصير الثاني استحباب عتقه بمجرد الضرب الذي هو غير مستحق عليه وإن جاز للمولى للتأديب ، بل يمكن إرادة ذلك من الحد في خبره الأول لا الحد المصطلح وإن قال في المسالك تبعا لغيره : « إن المتبادر من الحد المتجاوز هو المقدار من العقوبة المستحقة على ذلك الفاعل مع إطلاق الحد عليه شرعا ، فلا يدخل التعزير ، ويعتبر فيه حد العبيد لا الأحرار ، وقيل يعتبر حد الأحرار ، لأنه المتيقن ، ولأصالة بقاء الملك سالما عن تعلق حد العتق على مالكه ، وهذا يتأتى على القول بالوجوب ، أما على الاستحباب : فلا ، لأن المعلق على مفهوم كلي يتحقق بوجوده في ضمن أى فرد من أفراده ، وحمله على حد لا يتعلق بالمحدود بعيد جدا ، من أن ظاهر الرواية ما ذكرناه من اعتبار حد العبيد حدا ».

ولا يخفى عليك سقوط هذا الكلام من أصله بناء على ما ذكرناه ، بعد‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الكفارات الحديث ٢.

٢٧٨

الإغضاء عن بعض ما فيه ، خصوصا بعد ملاحظة العتق من علي بن الحسين عليه‌السلام بالضربة الواحدة التي تظلم منها العبد ، وخصوصا بعد التسامح في أمر الندب ، ويمكن القول بتأكد الندب في الفرض الذي ذكره ، بل يزداد تأكدا لو ضربه حد الأحرار ، والله العالم.

( المقصد الرابع )

(في الأحكام المتعلقة بهذا الباب ، وهي مسائل : )

( الاولى : )

من وجب عليه شهران فان صام هلاليين فقد أجزأه ولو كانا ناقصين بلا خلاف ولا إشكال ، لصدق الامتثال ، فان الشهر حقيقة ما بين الهلالين وإن صام بعض الشهر وأكمل الثاني اجتزأ به وإن كان ناقصا لما عرفت ، ويكمل الأول ثلاثين من الشهر الثالث ، لانكساره ، فيتعذر اعتبار الهلال فيه ، فيرجع إلى العدد.

وقيل : يتم من الثالث ما فات من الأول لأنه أقرب إلى الشهر الحقيقي ، وقيل : ينكسر الشهران بانكسار الأول لأن الثاني لا يدخل حتى يكمل الأول ، فيتم من الثاني الذي يليه ثلاثين أو مقدار ما فات منه ، ويتم الثاني من الذي يليه كذلك.

والأول أشبه عند المصنف وقد تقدم تحقيق المسألة في كتاب‌

٢٧٩

الطلاق (١) وقلنا : إن الثاني أشبه لا الأول.

وتظهر الثمرة في ما لو صام من آخر رجب يوما وهو ناقص ثم أتبعه بشعبان وهو كذلك ، فيقضي تسعة وعشرين من شوال على الأول ، وناقصا منه بواحد على الثاني ، وينتفى التتابع على الثالث في محل الفرض ، لكون الذي صامه ثلاثين ، وهو نصف ما عليه وفي غيره ـ بأن لم يكن بعد الشهرين رمضان ـ صح التتابع إن صام بعد العدد يوما.

ومن ذلك يظهر لك ضعف القول المزبور ، لما عساه يظهر من صحيح منصور ابن حازم (٢) عن الصادق عليه‌السلام من صحة التتابع فيمن صام شعبان في الظهار إذا كان قد زاد يوما ، فلاحظ وتأمل ، فإن إطلاقه إنما يتم على مختار المصنف وكذا القول الذي ذكره ، أما على انكسارهما وإتمامهما ثلاثين ثلاثين فلا يتم إلا في صورة تمام الشهرين ، أما إذا كانا ناقصين أو أحدهما فلا يتم ، لعدم حصول الزيادة ، نعم لو قلنا بإتمام الأول بمقدار ما فات منه مما يليه يتم في صورة تمامهما ونقصانهما وتمامية شعبان ونقصان رجب دون العكس ، والله العالم.

( المسألة الثانية : )

المعتبر عندنا في الكفارة المرتبة بحال الأداء لا حال الوجوب كالوضوء والصلاة وغيرهما من العبادات المراعى فيها ذلك ، باعتبار تناول إطلاق النصوص حال الأداء قدرة أو عجزا ، ولا يشكل ذلك بمنافاته لمقتضى الاستصحاب إن قلنا بتعلق الوجوب حاله بخصلة خاصة ، وبعدم اقتضاء الأمر الوجوب إن لم نقل ، لأن المتجه بناء على ما ذكرنا الوجوب على ما يقتضيه الحال في سائر أوقات الامتثال ، فلا استصحاب وإن صادف الخطاب حالا من الأحوال ،

__________________

(١) راجع ج ٣٢ ص ٢٤٩.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث ١ من كتاب الصوم.

٢٨٠