جواهر الكلام - ج ٣٣

الشيخ محمّد حسن النّجفي

لم تخرج مؤمنة فليس عليكم شي‌ء » ‌ولكن مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط.

وكيف كان ف لا يجزئ الحمل وإن كان أبواه مسلمين وانفصل بعد ذلك حيا بلا خلاف أجده فيه ، لأصالة الشغل السالمة عن معارضة إطلاق الأدلة المنصرف إلى غيره وإن كان هو بحكم المسلم حتى أن الجاني عليه يضمنه كالمسلم على تقدير موته بعد انفصاله حيا ، لكن لا يلحقه في الشرع حكم الأحياء حملا ، ولذا لا تجب فطرته ، وللعامة وجه بالاجتزاء إن انفصل لما دون ستة أشهر.

وإذا بلغ المملوك أخرس وأبواه كافران فأسلم بالإشارة القائمة مقام لفظه بعد بلوغه حكم بإسلامه وأجزأ بلا خلاف أجده فيه ولا إشكال بعد ملاحظة ما دل (١) على قيامها مقام اللفظ في العبادة وغيرها ، وقد‌ روي (٢) هنا « أن رجلا جاء إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعه جارية أعجمية أو خرساء ، فقال : يا رسول الله على عتق رقبة فهل تجزئ عني هذه؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أين الله تعالى؟ فأشارت إلى السماء. ثم قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أنا؟ فأشارت إلى أنه رسول الله ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له : أعتقها فإنها مؤمنة ». ولا يفتقر مع وصف الإسلام في الإجزاء إلى الصلاة كما عن بعض العامة ، وربما حمل على ما إذا لم تكن الإشارة مفهمة.

ويكفي في الإسلام عندنا الإقرار بالشهادتين بل والايمان بمعنى التصديق إلا أن يعلم خلافه ولا يشترط مع ذلك التبري مما عدا الإسلام لإطلاق الأدلة والسيرة المستمرة من زمانه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى يومنا هذا ، نعم عن العامة قول بذلك ، وآخر باشتراطه إن كان ممن يعتقد رسالته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الجملة ، كقوم من اليهود يزعمون أنه رسول العرب خاصة ، واخرى أنه سيبعث ، بل عن الشيخ في المبسوط اختياره ، ومنهم من قال : من أتى بالشهادتين بما يخالف اعتقاده حكم بإسلامه ، فالوثني والمعطل إذا شهد بالتوحيد حكم بإسلامه ، ومنهم من‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥٩ ـ من أبواب القراءة في الصلاة الحديث ١ من كتاب الصلاة.

(٢) سنن البيهقي ج ٧ ص ٣٨٨ وفيه « أتى بجارية سوداء ».

٢٠١

اكتفى بالإسلام بالإقرار بصلاة توافق ملتنا أو حكم يختص بشي‌ء ، والجميع كما ترى.

ولا يحكم بإسلام المسبي من أطفال الكفار سواء كان معه أبواه الكافران أو انفرد به السابي المسلم وفاقا للمشهور بين الأصحاب سيما المتأخرين كما في المسالك ، لعدم الدليل عليها ، بل هو على خلافها ، ضرورة بقائه على حكم التبعية قبل السبي ، خصوصا إذا كان معه أبواه ، نعم قد يقال بانقطاعها بالنسبة إلى الطهارة في صورة انفراده عنهما ، للأصل الذي يكفي فيه الشك في بقاء حكم التبعية السابقة ، مضافا إلى السيرة ، ومن هنا فصل بعضهم بينها وبين العتق مثلا ، فأجرى عليه حكم المسلم في الأول بخلاف الثاني ، واختاره في المسالك.

اللهم إلا أن يقال : إنها متحققة فيها في غيرها من العتق والصلاة ودفنه في قبور المسلمين وغير ذلك ، وربما كان في إطلاق ما سمعته من النصوص (١) الآمرة بعتق الأولاد شهادة على ذلك.

مضافا إلى نصوص الفطرة (٢) بناء على أن معناها الولادة على الإسلام ، إلا أن الأبوين يهودانه وينصرانه بذكر التقريبات له ، وتربيته على ذلك ، أو أن معناها الولادة على الإسلام إلا أن أبويه يهودانه مثلا بالتبعية له والتربية عنده ، فمتى انقطعت عاد إلى حكم مقتضى الفطرة ، ومقتضاها الحكم بإسلام المتولد منهم بموتهما عنه وبقاؤه منفردا لولا الإجماع ، وربما كان أيضا في‌ خبر السكوني (٣) دلالة على المطلوب أيضا ، لقوله : « والنسمة التي لا نعلم إلا ما قلته وهي صغيرة ».

ولعله لذلك وغيره كان خيرة الدروس ذلك ، وهو لا يخلو من قوة ، وقد تقدم‌

__________________

(١) و (٣) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب الكفارات الحديث ـ ٠ ـ ٨.

(٢) الكافي ج ٢ ص ١٢ والوسائل الباب ـ ٤٨ ـ من أبواب جهاد العدو الحديث ٣ والبحار ج ٦٧ ص ١٣٠.

٢٠٢

بعض الكلام في المسألة سابقا ، وتمامه في كتاب الجهاد (١).

ولو أسلم المراهق المميز لم يحكم بإسلامه لإطلاق ما دل على (٢) سلب عبارته مؤيدا بما سمعته من النصوص (٣) التي ذكرناها للإسكافي المشتملة على اعتبار البلوغ لتحقق الايمان ، ولكن مع ذلك قال المصنف على تردد ولعله لاعتبار عبارته في الوصية وغيرها مما تقدم سابقا ، والإسلام أولى منها بذلك.

وفيه أنه لا يخرج عن القياس الممنوع عندنا ، نحو التعليل بأن الإسلام يتعدى من فعل الأب إليه على تقدير كون أحد أبويه مؤمنا ، فمباشرته للايمان مع عدم أبويه أقوى ، وإطلاق ما دل (٤) على حصول الإسلام بقول الشهادتين إنما هو لبيان عدم الحاجة إلى قول آخر غير قولهما ، نحو إطلاق « كل عقد وإيقاع » المعلوم تقييده بصحة العبارة.

نعم هل يفرق بينه وبين أبويه؟ قيل : نعم صونا له أن يستزلاه عن عزمه وإن كان بحكم الكافر وإن كان لا يخفى عليك عدم صلاحية ذلك لإثبات الوجوب على وجه ينقطع به حكم ذمة الوالدين لو كان ذميا مثلا.

هذا وفي المسالك « وينبغي القول بتبعيته حينئذ للمسلم في الطهارة إن لم نقل بإسلامه ، حذرا من الحرج والضرر اللاحقين بمن يحفظه من المسلمين إلى أن يبلغ ، إذ لو بقي محكوما بنجاسته لم يرغب في أخذه ، لاقتضائه المباشرة غالبا ، وليس للقائلين بطهارة المسبي دليلا ووجها بخصوصها دون باقي أحكام الإسلام سوى ما ذكرناه ونحوه » وهو كما ترى أيضا ، خصوصا عدم الفرق بينه وبين المسبي.

__________________

(١) ج ٢١ ص ١٣٤ الى ١٤٠.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من كتاب الحجر والباب ـ ٣٢ ـ من مقدمات الطلاق من كتاب الطلاق.

(٣) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب الكفارات.

(٤) الكافي ج ٢ ص ٢٥.

٢٠٣

( الوصف الثاني : )

السلامة من العيوب المسببة عتقه بلا خلاف ولا إشكال فلا يجزئ الأعمى ولا الأجذم ولا المقعد ولا المنكل به ، لتحقق العتق بحصول هذه الأسباب فلا يحصل التحرير المأمور به في الكفارة ، وفي‌ الموثق (١) عن الباقر عليه‌السلام « لا يجزئ الأعمى في الرقبة ، ويجزئ ما كان منه مثل الأقطع والأشل والأعرج والأعور ، ولا يجزئ المقعد » وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام في خبر السكوني (٢) : « في العبد الأعمى والأجذم والمعتوه لا يجوز في الكفارات ، لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعتقهم » ‌وفي خبر أبي البختري (٣) « لا يجوز في العتاق الأعمى والمقعد ، ويجوز الأشل والأعرج » ‌وفي‌ المحكي عن قرب الاسناد (٤) « لا يجوز في العتاق الأعمى والمقعد » ‌وفي‌ خبر علي بن جعفر المروي عنه أيضا (٥) سأل أخاه عليه‌السلام « عن رجل عليه عتق نسمة أيجزئ عنه أن يعتق أعرج أو أشل؟ فقال : إن كان ممن تباع أجزأ عنه إلا أن يكون وقت على نفسه شيئا ، فعليه ما وقت ».

نعم لا خلاف معتد به ولا إشكال في إجزاء الناقص نقصانا لا يخل باكتسابه ولا ينقص ماليته ، كقطع بعض أنامله ونقصان بعض أصابعه ، بل الأقوى أنه يجزئ مع غير ذلك من العيوب المنقصة لماليته والمخلة باكتسابه كالأصم والآخرس ومن قطعت إحدى يديه أو إحدى رجليه لصدق الرقبة ، بل عن الخلاف والمبسوط الإجماع عليه في الأعور ، خلافا للمحكي عن المبسوط من أن مقطوع‌

__________________

(١) و (٢) و (٣) الوسائل الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الكفارات الحديث ٢ ـ ٣ ـ ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من كتاب العتق الحديث ٥ وفيه « الاعمى والأعور » وفي البحار ج ١٠٤ ص ١٩٧‌ « الاعمى والأعور والمقعد » ‌كما أشار الى هذا اللفظ في الوسائل نقلا عن الحميري في الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الكفارات الحديث ١.

(٥) الوسائل الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الكفارات الحديث ٤.

٢٠٤

اليدين أو الرجلين أو اليد والرجل من جانب واحد لا يجزئ بغير خلاف ، مع أن المحكي عنه أيضا أنه قال بعد تفصيل مذاهب الناس في ذلك : « والذي نقوله في هذا الباب الآفات التي ينعتق بها لا يجزئ معها ، فأما من عدا هؤلاء فالظاهر أنه يجزؤه » وهو مخالف لما سمعته منه. ومن ذلك يظهر ضعف المحكي من نفي الخلاف ، بل قيل : إن المراد به بين الناس.

فما عن الإسكافي ـ من عدم إجزاء الناقص في الخلقة ببطلان الجارحة إذا لم يكن في البدن سواها ، كالخصي والأصم والآخرس ، دون الأشل من يد واحدة والأقطع منها ـ شاذ ضعيف يمكن تحصيل الإجماع على خلافه.

وكذا يجزئ السقيم وإن بلغ به السقم إلى حد التلف للصدق المزبور ، خلافا للمحكي عن المبسوط في المأيوس عن برئه ، ولما عن العامة في الهرم العاجز عن الكسب.

وكذا من قدم للقتل دون من لم يقدم وإن وجب قتله ، نعم في القواعد ولو أعتق من لا حياة له مستقرة فالأقرب عدم الاجزاء ، ولعله لكونه بحكم الميت ، كما ينبه عليه حكم الذبيحة ، مع أن الأقوى خلافه في المقامين ، كما هو محرر في محله.

نعم لو قطعت رجلاه لم يجز ، لتحقق الإقعاد الموجب للعتق.

هذا وقد يقال : إن المراد مما في النصوص (١) عدم إجزاء ذوي هذه الأوصاف بالكفارة ولو كانوا مملوكين ، كما لو فرض أنهم سبوا كذلك بناء على جواز سبيهم لإطلاق الأدلة ، ويكون الوجه في اختصاص هذه الأوصاف أنها توجب العتق لو فرض عروضها على الملك ، وهذا معنى‌ قوله عليه‌السلام (٢) « لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعتقهم » ‌بل يمكن حمل كلام الأصحاب على ذلك أيضا ، بل وتعليلهم في غير صورة التنكيل ، كل ذلك مع عدم تصور العتق للمعتوق حتى يجعل من شرائط الكفارة ،

__________________

(١) و (٢) الوسائل الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الكفارات.

٢٠٥

فتأمل جيدا ، والله العالم.

ويجزئ ولد الزنا إذا بلغ ووصف الإسلام ، لإطلاق الأدلة ، بل عن المبسوط الإجماع عليه ، وفي‌ خبر سعيد بن يسار (١) عن الصادق عليه‌السلام « لا بأس أن يعتق ولد الزنا » ‌ومنعه قوم استسلافا لوصفه بالكفر أو لقصوره عن صفة الإيمان بل عن المرتضى وابن إدريس الإجماع على ذلك وإن كان موهونا باعراض الأكثر عنه والإجماع المحكي ، وآية (٢) ( لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ ) إلى آخره لا تشمله بعد وصفه الإسلام ، بل وقبله بناء على ما عرفت من المراد منها سابقا ، كما أن نفي الخير في ولد الزنا في‌ النبوي (٣) قال : « لا في لحمه ولا في دمه ولا في جلده ـ إلى أن قال ـ ولا في شي‌ء منه » ‌مع عدم الجابر لا ينافي عتقه أيضا ولذا قال المصنف : هو ضعيف.

نعم لا يجزئ ولد الزنا قبل البلوغ ، لعدم التبعية فيه ، كما جزم به في التنقيح وغيره ، وإن حكمنا بطهارته للأصل الذي مقتضاه ذلك حتى لو كان بين كافرين فضلا عن أن يكون بين مسلم وكافر ، كما حققنا جميع ذلك وغيره في محله.

لكن في الدروس هنا « يتحقق إسلام ولد الزنا بالمباشرة بعد البلوغ وبتبعية السابي وفي تحققه بسبب الولادة من المسلم نظر ، من انتفائه عنه شرعا ، ومن تولده عنه حقيقة ، فلا يقصر عن السابي » وفي شرح الصيمري « وهو المعتمد ».

قلت : حكمه بجواز سبيه مستلزم للحكم بتبعيته ، ولولاها أشكل استرقاقه ، خصوصا بناء على بعض ما ذكر في تفسير‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٤) « كل مولود يولد‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من كتاب العتق الحديث ١.

(٢) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٦٧.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٧ من كتاب النكاح وهو خبر زرارة عن أبى جعفر عليه‌السلام.

(٤) الوسائل الباب ـ ٤٨ ـ من أبواب جهاد العدو الحديث ٣ والكافي ج ٢ ص ١٣ وصحيح مسلم ج ٨ ص ٥٢ ط عام ١٣٣٤.

٢٠٦

على الفطرة » ‌إلى آخره إن يرد الولادة الشرعية ، فلا معنى للنظر في تبعيته للمسلم ، إذ لا فرق فيها بالنسبة إليهما.

نعم قد يقال : إن من المقطوع به عدم تبعيته للأبوين في الإسلام والايمان ، ومنه ينبغي القطع أيضا بعدم تبعيته لهما في الكفر أيضا تنزيلا لما دل عليها على الولادة الشرعية ، ولو بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) « لكل قوم نكاح » ‌المراد منه أن غيره يكون سفاحا ، فلا نسب شرعي بينهما يقتضي التبعية.

اللهم إلا أن يقال بالفرق بين المسلم والكافر إن ابن الزنا من الثاني أولى ، لتبعيته له في الأحكام التي هي الاسترقاق والنجاسة ونحوهما ، بخلافه من الثاني ، فإن تبعيته له تقتضي شرفا له بالإسلام ، وهو بعيد عن ذلك ، لكونه شر الثلاثة (٢).

ولكن ذلك كله مجرد اعتبار لا يصلح مدركا لحكم شرعي ، وقد عرفت أن العمدة في دليل التبعية السيرة ، ولا سيره في المقام ، لعدم تحقق ولد الزنا المعلوم أنه كذلك بلا شبهة من الواطئ.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٨٣ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ٢ من كتاب النكاح.

(٢) البحار ج ٥ ص ٢٨٥ ط الحديث. راجع سفينة البحار ج ١ ص ٥٦٠. مادة « زنى » وسنن البيهقي ج ١٠ ص ٥٧ و ٥٨.

٢٠٧

( الوصف الثالث : )

أن يكون تام الملك فلا يجزئ المدبر ما لم ينقض تدبيره قبل العتق ، كما عن الشيخ وابني الجنيد والبراج ، لحسن الحلبي أو صحيحه (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في رجل يجعل لعبده العتق إن حدث به حدث وعلى الرجل تحرير رقبة في كفارة يمين أو ظهار أيجزئ عنه أن يعتق عبده ذلك في تلك الرقبة الواجبة؟ قال : لا » ومضمر عبد الرحمن (٢) « سألته عن رجل قال لعبده إن حدث بي حدث فهو حر وعلى الرجل تحرير رقبة في كفارة يمين أو ظهار إله أن يعتق عبده الذي جعل له العتق إن حدث به حدث في كفارة تلك اليمين؟ قال : لا يجوز » ‌الذي جعل له ذلك.

وقال الشيخ في المبسوط والخلاف : يجزئ بل في المسالك نسبته إلى ابن إدريس والمتأخرين ، بل في كشف الرموز عن الشيخ الإجماع عليه وهو أشبه بأصول المذهب وقواعده التي منها جواز الرجوع بالوصية بالقول وبفعل المنافي ، وقد استفاضت النصوص (٣) بكون التدبير منها ، فيجوز التصرف فيها بنحو البيع والعتق ، بل‌ في الصحيحين (٤) « هو مملوكه إن شاء باعه وإن شاء أمسكه حتى يموت ، فإذا مات السيد يخرج من ثلثه » ‌بل عن الانتصار الإجماع على جواز بيعه كما هو مضمون كثير من النصوص (٥) ولا ريب في أولوية العتق الذي هو‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب الكفارات الحديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من كتاب التدبير الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من كتاب التدبير.

(٤) الوسائل الباب ـ ١ ـ من كتاب التدبير الحديث ١ والباب ـ ٨ ـ منه الحديث ٣.

(٥) الوسائل الباب ـ ١ ـ من كتاب التدبير.

٢٠٨

إحسان محض منه.

بل قد يقال : إن المراد من الصحيح عتق المدبر بعد موت سيده ، كما في‌ خبر إبراهيم الكرخي (١) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إن هشام بن رزين سألني أن أسألك عن رجل جعل لعبده العتق إن حدث بسيده حدث الموت ، فمات السيد وعليه تحرير رقبة واجبة في كفارة أيجزئ عن الميت عتق العبد الذي كان السيد جعل له العتق بعد موته في تحرير الرقبة التي كانت على الميت؟ قال : لا » ‌وحينئذ يقرأ « يعتق » بالبناء للمجهول وأن السؤال في الثاني الاكتفاء بنفس التدبير في الكفارة ، أو يحملان على أنه قد كان ذلك بطريق النذر ونحوه مما لا يجوز الرجوع به ، هذا كله إذا لم ينقض تدبيره قبل العتق ، وإلا جاز قولا واحدا ، والله العالم.

ولا المكاتب المطلق الذي أدى من كتابته شيئا بلا خلاف ولا إشكال ، لحريته حينئذ بمقدار ما أدى.

نعم لو لم يؤد أو كان مشروطا قال الشيخ في الخلاف لا يجزئ ، ولعله نظر إلى نقصان الرق ، لتحقق الكتابة التي هي معاملة بين السيد والمملوك ، وهي لازمة من قبل السيد ، وقد خرج بها عن الملك خروجا متزلزلا حتى قيل : إنها بيع العبد من نفسه ، والأصل لزوم العقد ، والعتق يستلزم الملك ، وبقاؤه في المكاتب غير معلوم ، ومن ثم لم تجب فطرته ولا نفقته وانتفت عنه لوازم الملك من المنع من التصرف وغيره وإن نهاه السيد ، والحجر عليه في بعض التصرفات مراعاة لوفاء الدين لا يقتضي كونه باقيا في الرق ، وعوده إليه على تقدير العجز أمر متجدد ، وقد بينا أن خروجه غير متيقن. ولذا مال إليه في محكي المختلف.

ولكن ظاهر كلامه في النهاية أنه يجزئ بل نسبه بعض إلى الأكثر ، بل عن الحلي الإجماع عليه ولعله أشبه بأصول المذهب وقواعده‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب الكفارات الحديث ١ وفيه هشام بن أدين ( أديم خ ل ) وكذلك في الكافي ج ٦ ص ١٩٤ وفي التهذيب ج ٨ ص ٢٣١ هشام بن أذينة.

٢٠٩

من حيث تحقق الرق فيه ولذا جاز عتقه تبرعا إجماعا حكاه غير واحد ، وليس إلا لبقاء الرق المستصحب فيه إلى أن يثبت المزيل ، ولا ثبوت قبل أداء المطلق شيئا من مال الكتابة وقبل أداء تمام المال في المشروط ، وثبوت المعاملة ووجوب الوفاء بها مسلم إلا أن ذلك لا يقتضي خروجه عن الرقية ، وكونها بيعا للمملوك من نفسه غير صحيح عندنا فحينئذ هو باق على مقتضى إطلاق الأدلة المؤيدة ببعض ما تسمعه في المدبر.

وكذا يجزئ في الكفارة عتق الآبق إذا لم يعلم موته وفاقا للأكثر ، بل عن الحلي الإجماع عليه ، لأصالة بقائه حيا مؤيدة بالإجماع المزبور ، وما عن الحلي أيضا من نسبته إلى أخبار أصحابنا المتواترة وبصحيح أبي هاشم الجعفري (١) « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل قد أبق منه مملوكه يجوز أن يعتقه في كفارة الظهار ، قال : لا بأس به ما لم يعرف منه موتا » والمراد من المعرفة العلم كما هو مقتضى الأصل ، لكن عن الكافي الذي هو أضبط روايته « لا بأس ما علم أنه حي مرزوق » ‌ويمكن أن يريد العلم ولو بالاستصحاب ، فلا مخالفة حينئذ بين النسختين ، وعلى تقديرها فلا ريب في رجحان الأولى بما عرفت.

فما عن الشيخ في الخلاف من تقييد الجواز بالعلم بالحياة إن أراد ما ذكرناه فمرحبا بالوفاق ، وإلا فهو واضح الضعف لما عرفت.

ودعوى معارضة أصالة البقاء بأصالة الشغل واضحة الفساد بمعلومية ورود الأولى على الثانية ، خصوصا مع ملاحظة جريان أحكام البقاء في نظائره من الموضوعات.

وكذا ما عن المختلف من أنه استوجه الرجوع فيه إلى الظن ، فيصح عتقه مع ظن حياته ، ويبطل مع ظن وفاته أو اشتباه الحال وإن تبعه في التنقيح ، على أنه لا دليل على اعتبار الظن هنا ، فلا وجه لتخصيص أدلة المنع والجواز مع‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤٨ ـ من كتاب العتق الحديث ١.

٢١٠

عمومها للصورتين.

وأضعف من ذلك كله ما عن بعض الشافعية من أنه لا يصح عتقه في الكفارة مطلقا لدعوى نقصان الملك الممنوعة على مدعيها ، على أنه ليس في شي‌ء من النصوص اعتبار تمامية الملك كي يكون عنوانا للحكم ، وإنما عبر بها بعض الأصحاب لإرادة البحث عن هذه الأفراد ، وحينئذ فالمغصوب كالآبق في الإجزاء لما عرفت ، والله العالم.

وكذا تجزئ المستولدة لتحقق رقيتها سواء مات ولدها أو لا ، بل الإجماع بقسميه عليه في الأول ، وبلا خلاف إلا من الإسكافي في الثاني ، لإطلاق الأدلة المؤيد بخصوص‌ الخبر (١) عن زين العابدين عليه‌السلام « أم الولد تجزئ في الظهار » ‌المتمم بعدم القول بالفصل ، وامتناع بيعها لا ينافي بقاء الملك الكافي في صحة العتق ، على أنه يصح بيعها في الجملة إجماعا ، بل قيل : وعتقها تبرعا ، فما عن قول للعامة ـ من عدم جواز عتقها لنقصان ملكها ولذا لا يجوز بيعها ـ واضح الفساد ، خصوصا بعد ما عرفت من عدم ذكر التمامية عنوانا للحكم في شي‌ء من الأدلة ، بل مما ذكرنا يظهر لك أيضا إجزاء عتق الموصى بخدمته على التأبيد ، لإطلاق الأدلة أيضا وإن حكي أن للعامة فيه قولين.

ولو أعتق نصفين من عبدين مشتركين مثلا على وجه لا سراية فيه إلى البعضين لم يجز ، إذ لا يسمى ذلك عتق نسمة حقيقة ولا رقبة ، فلا امتثال ، خلافا لبعض العامة ، فيجزئ ، تنزيلا للاشقاص منزلة الأشخاص كما في الزكاة ، ولاخر منهم ، فيجزئ إن كان الشقص الآخر الباقي حرا وإلا فلا ، لإفادة الأول (٢) الإعتاق الاستقلالي والتخلص من الرق ، وهو مقصود من الإعتاق ، والجميع كما ترى لا ينطبق شي‌ء منها على أصولنا ، كما هو واضح.

ولو أعتق شقصا من عبد مشترك نفذ العتق في نصيبه ، فان نوى الكفارة‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب الكفارات الحديث ١.

(٢) هكذا في النسخة الأصلية والظاهر زيادة كلمة « الأول ».

٢١١

وهو موسر أجزأ إن قلنا : إنه ينعتق بنفس إعتاق الشقص أو أوقفناه على الدفع على وجه الكشف فدفع ، وفاقا للمشهور على ما في المسالك ، لصدق إعتاقه الرقبة في الكفارة حينئذ ولو بسبب عتقه الشقص المقتضي للسراية في الباقي على حسب ما نوى به الأول ، والفرض نية الكفارة بذلك بل لا فرق في الإجزاء على هذا بين أن يقصد العتق لجميع العبد بطريق السراية وبين أن يقصده لنصيبه ، لحصول العتق بالسراية في الحالين ، بناء على أن معناها اتباع الشارع الباقي على حسب ما وقع عليه الأول.

لكن في المسالك « يحتمل قويا اشتراط نية العتق لجميعه ، لأنه مأمور بإعتاق رقبة بالنية ، فلا يكفي نية نصيبه وإن تبعه الباقي بحكم الشرع ، فان ذلك غير كاف في صرفه إلى الكفارة » وفيه أنه مأمور بعتق الرقبة التي لكيفيتها طريقان : أحدهما قصد عتقها أجمع والآخر قصد الشقص المسبب لعتق الجميع ، سواء لاحظ السراية أو لا ، بل هو في الحقيقة نية للجميع ، لأن قصد السبب قصد لما يترتب عليه.

خلافا لأبي على في أصل المسألة فلم يجتز بالعتق المزبور ، معللا له بأن عتق الباقي يقع قهرا ، فيلزم بالقيمة ، ولا يجزئ عن الكفارة وإن قصدها ، وهو كما ترى ، خصوصا مع قصده عتق الجميع ، والقهرية المزبورة لا تنافي كونها مختارة له مع قصد سببها ، بل قد عرفت أن مقتضى السراية والتبعية كون الباقي على حكم الأول شرعا وإن لم يقصده ، فتأمل.

وإن قلنا : إنه لا ينعتق إلا بأداء قيمة حصة الشريك على وجه يكون ذلك تمام السبب فهل يجزئ عند أدائها؟ قيل : نعم ، لتحقق عتق الرقبة وإن توقف على الأداء في البعض.

ولكن في المتن وتبعه عليه غيره فيه تردد ، منشأه مما عرفت ومن تحقق عتق الشقص أخيرا بسبب بذل العوض لا بالإعتاق وفيه أن بذل العوض كان متمما للسبب الذي وقع باختياره مقصودا به عن الكفارة ، فهو في الحقيقة‌

٢١٢

قد أعتق الكل عنها وإن كان قد تم العتق في البعض ، وفي الآخر حين الدفع ، وربما يقارنه لو فرض كون الأداء بجعل ماله في ذمته عوضا عن ذلك.

بل لعل الأقوى عدم الاحتياج إلى تجديد النية عند الأداء كما عن المبسوط ، لأنها اقترنت بالعتق الذي كان حصوله على ترتب وتدرج ، وليس هو عتقا جديدا حاصلا بالأداء ، فما في المسالك ـ من احتمال التجديد لتقترن النية بعتق نصيب الشريك كما اقترنت بعتق نصيبه ـ واضح الضعف ثم قال : « ولو نوى في الحال صرف العتق في نصيبه إلى الكفارة ونوى عند أداء القيمة صرف العتق في نصيب الشريك إليها أجزأ أيضا ، لاقتران النية بحالة حصول العتق » ولا يخفى عليك ما فيه من الخفاء ، هذا كله إذا كان موسرا يسرى عتقه.

وأما لو كان معسرا ففي المتن وغيره صح العتق في نصيبه ، ولا يجزئ عن الكفارة لكونه شقصا لا رقبة وإن أيسر بعد ذلك لأنه لا يوجب السراية لاستقرار الرق في نصيب الشريك لكن قد يشكل أصل صحة العتق مع فرض كون المقصود له العتق عنها ، فمع فرض عدم الصحة فيها يبطل العتق ، لا أنه يصح وليس كفارة ، لقاعدة ما قصد لم يقع وما وقع لم يقصد ، كما أنه يشكل ما فيه وفي غيره أيضا من أنه لو ملك النصيب فنوى إعتاقه عن الكفارة صح وإن تفرق العتق ، لتحقق عتق الرقبة ولو بدفعتين ، إذ لا دليل على وجوب تحصيله دفعة بالشك في حصول المأمور به الحاصل من الإطلاق فتبقى أصالة الشغل سليمة ، بل مؤيدة باستبعاد بقاء النفوذ عن الكفارة موقوفا.

هذا وفي المسالك « واعلم أنه يفرق بين هذه المسألة وبين السابقة ـ على القول بإجزاء العتق بالسراية عن الكفارة ، مع أن إعتاقه لنصفي العبدين أبلغ من عتق النصف في الواحد ، وقد حكم بإجزائه ـ بأن من شرط الإجزاء أن ينوي عتق الجميع عن الكفارة كما بيناه ، أو ينوي عتق نصيبه ويطلق ليسرى العتق إلى الباقي ، ويتبع ما نواه على الوجه الآخر ، والأمران منتفيان في السابقة ، فإنه بنيته عتق النصفين‌

٢١٣

من الاثنين عن كفارة واحدة قد صرح بعد إرادة عتق الباقي من العبد الواحد عن الكفارة على تقدير السراية ، ونية العدم صرفت الشقص الخارج عن عتقه للكفارة ، فلم يقع مجزئا عنها لذلك ، ولو كان قد نوى عتق الشقصين عن كفارتين جاءت المسألة الثانية بأسرها وصح عتقهما عن الكفارة ، وسرى إليهما على ما فصل ».

وفيه أنه لا حاجة إلى فرض المسألة الأولى في عتق النصف الموجب للسراية حتى يحتاج إلى هذا التكلف الذي يمكن المناقشة فيه أيضا ، بل يمكن فرضه في المبعض وغيره الذي لا سراية فيه لمانع من موانعها ، كما هو واضح.

ولو أعتق بعض عبده عن الكفارة سرى في الجميع وأجزأه عنها ، بل هو أولى مما تقدم سواء قصد السراية أو لا.

ولو أعتق المرهون لم يصح ما لم يجز المرتهن لما عرفته مفصلا في كتاب الرهن (١) من الحجر على الراهن والمرتهن في التصرفات ، بل هو كالمفروغ منه هناك ولا دليل على استثناء العتق.

ولكن قال الشيخ : يصح مطلقا مع الإجازة وبدونها إن كان موسرا ، ويكلف أداء المال إن كان حالا ، أو رهنا بدله إن كان مؤجلا لغلبة العتق على حق الرهانة المجبور بما عرفت ، إلا أنه كما ترى ، على أنه كان عليه إيقافه على الفك أو الإبدال اللذين يمكن تعذرهما منه لا الاجتزاء بمجرد تكليفه ، ولذا قال المصنف وهو بعيد.

وأضعف منه ما عن بعض العامة من الإجزاء مطلقا ، وما أبعد ما بينه وبين القول بالبطلان حتى لو أجاز المرتهن بعد العتق الذي لا يبقى موقوفا ، والتزام الكشف مناف لما دل على منع حق الرهانة التي لا ريب في تحققها قبل الإجازة التي لا تصلح لرفعها فيما مضى من الزمان ، وقد تقدم تحقيق ذلك كله في كتاب الرهن (٢) فلاحظ وتأمل ، فإنه قد ذكرنا هناك قوة احتمال قيام الفك مقام الاذن.

__________________

(١) راجع ج ٢٥ ص ١٩٥ الى ٢٠٧.

(٢) راجع ج ٢٥ ص ١٩٩ الى ٢٠٦.

٢١٤

ولو قتل عمدا فأعتقه في الكفارة فللشيخ فيه قولان : ( أحدهما ) في محكي الخلاف ، فمنع من صحته في العمد ، وأجازه في الخطاء ، واحتج عليه بالإجماع ، بل قال : « لأنه لا خلاف بينهم أنه إذا كانت جنايته عمدا أنه ينتقل ملكه إلى المجني عليه ، وإن كان خطأ فدية ما جناه على مولاه ، لأنه عاقلته » و ( ثانيهما ) في محكي المبسوط عكس ذلك ، قال : « الذي يقتضيه مذهبنا أنه إذا كان عامدا نفذ العتق ، لأن القود لا يبطل بكونه حرا ، وإن كان خطأ لا ينفذ ، لأنه يتعلق برقبته والسيد بالخيار بين أن يفديه أو يسلمه ».

والأشبه عند المصنف المنع في الأول لما سمعته من الإجماع المحكي ، ولأن الخيار فيه إلى أولياء المقتول إن شاؤوا قتلوه وإن شاؤوا استرقوه ، وصحة عتقه يستلزم بطلان ذلك.

ثم قال وإن قتل خطأ قال في المبسوط : لم يجز عتقه ، لتعلق حق المجني عليه برقبته ، وفي النهاية : يصح ويضمن السيد دية المقتول ، وهو حسن لما سمعته من الإجماع أيضا ، ولأن الخيار إلى المولى إن شاء افتكه وإن شاء دفعه إلى أولياء المقتول ، فإذا أعتقه قد اختار الانفكاك ، لكن في المسالك « هذا يتم مع يساره ، فلو كان معسرا لم ينفذ عتقه ، لتضرر أولياء المقتول به وإسقاط حقهم منه » إلى آخره.

وكيف كان فحاصل ما ذكره المصنف اختيار ما سمعته من الشيخ في الخلاف ، ولعله إليه يرجع ما عن ابن إدريس في الخطأ من جوازه مع ضمان المولى قال : « لأنه قد تعلق برقبة العبد الجاني حق الغير ، فلا يجوز إبطاله » بل وما في القواعد « ويجزئ الجاني خطأ إن نهض مولاه بالفداء وإلا فلا ، ولا يصح عتق الجاني عمدا إلا بإذن الولي » وفي التحرير « ولو قتل عمدا فأعتقه في الكفارة فللشيخ فيه قولان ، أقواهما عدم الجواز ، وكذا القول في الخطأ ، والأقرب الإجزاء ، ويضمن المولى الدية ، ولو عفى الولي صح عتقه في الموضعين ، ولا بد من تجديد العتق في العمد لو سبق‌

٢١٥

على ما اخترناه » وفي المسالك « الأقوى صحته مع الخطأ والعمد مراعى بفكه له في الخطأ واختيار أولياء المقتول الفداء في العمد وبذله له أو عفوهم عن الجناية » وكأنه أخذه مما في الدروس قال : « الثالث سلامتها من تعلق حق آخر ، ففي الجاني عمدا أو خطأ قولان أقربهما المراعاة بالخروج عن عهدة الجناية ».

قلت : كان الوجه في ذلك هو معلومية تعلق حق المجني عليه في رقبة العبد ، لكن لا دليل على مانعية الحق المزبور لتصرف المالك الذي هو مقتضى العمومات ، فهو حينئذ كتصرف الوارث في تركة الميت التي تعلق بها حق الدين ، ولا يقاس هذا الحق على حق الرهانة الموقوف على الإذن لدليله الخاص ، نعم لا بد من مراعاة حكم الحق المتعلق على وجه لا يضر أداء الحق ، فينتقل المال عن المتصرف متعلقا به الحق ، فمع فرض أداء المتصرف الحق إلى أهله يخلص المال عن تسلط ذي الحق المتعلق به ، وإلا تسلط صاحب الحق على فسخ التصرف الواقع منه مقدمة لتحصيل حقه.

إلا أنه لا يخفى عليك صحة جريان هذا الكلام في مثل البيع ونحوه القابل للأمر المزبور ، أما مثل العتق فيشكل جواز فسخه بأنه مبني على التغليب وأنه متى صار حرا لم يعد إلى الرقية ، إذ ليس المقام من باب الكشف الذي لا ينافي ذلك ، بل هو من فسخ التصرف الذي ترتب عليه أثره بعموماته وإن بقي الحق متعلقا بالعين التي كانت موردا للتصرف المزبور ، والفسخ لذي الحق حيث يحصل يكون من حينه ، لما عرفت من عدم الدليل على منع التعلق المزبور أصل صحة التصرف وقاعدة « لا ضرر ولا ضرار » إنما تقتضي عدم لزوم التصرف المزبور ، لا أصل صحته ، نعم لما كان أدلة العتق تنافي ذلك لم يتم الأمر إلا في المنع من أصل التصرف ، واحتمال التزام الكشف فيه مما لا تساعد عليه الأدلة ، وربما أشار إليه الفاضل في التحرير في صورة العمد ، فلاحظ وتأمل.

بل الظاهر أن مراد القائل بالمراعاة هو الصحة حقيقة على حسب الصحة في البيع لا الكشفية ، وحينئذ يرد عليه ما سمعت من عدم عود الحر رقا إلا بدليل‌

٢١٦

خاص وليس ، فالمتجه حينئذ عدم الصحة مطلقا.

وكأنه هو الذي فهمه الصيمري من الفاضل بل وغيره قال : « وفي القواعد أجاز العتق إن كانت خطأ بشرطين ، إما دفع الدية قبل العتق أو الضمان ويرضى الولي بالضمان ، لا بدونهما ، وهو يدل على جواز العتق في العمد والخطأ معا ، لأن مع حصول أحد الشرطين لا كلام في صحة العتق ، لزوال تعلق الجناية برقبته ، أما مع أداء المال فظاهر ، وأما مع الضمان فإنه مع رضا الولي ناقل للأرش من رقبة العبد إلى ذمة المولى ، فلا كلام في جواز العتق بعد أحد هذين الشرطين ، وهذا هو المعتمد ، أما عدم جوازه في العمد لأنه يؤدي إلى إسقاط حق المجني عليه ، لأنه مخير بين قتله وبيعه واسترقاقه ، والعتق يمنع من البيع والاسترقاق ، وكل تصرف يمنع حق الغير فهو باطل ، وأما عدم جوازه في الخطأ فلأن الجناية متعلقة برقبته ، ومع عدم افتكاك المولى فهو مخير بين البيع والاسترقاق ، والعتق يمنع من ذلك ، فيكون باطلا وهو مذهب الدروس ، لأنه قال : ففي الجاني عمدا أو خطأ قولان ، أقربهما المراعاة بالخروج من عهدة الجناية ، ولا يخرج من عهدة الجناية إلا بأحد الشرطين ».

قلت : هو صريح في المختار ، وإن كان دعواه ـ أن الشهيد على ذلك ـ لا تخلو من نظر ، لأنه كالصريح في الصحة فعلا مع المراعاة المتأخرة لا السابقة ، وأما ما ذكره عن الفاضل فقد أشار إلى عبارته في العتق ، قال : « وهل يصح عتق الجاني؟ الأقرب ذلك إن كانت خطأ وأدى المال أو ضمنه مع رضاه وإلا فلا » بل في الإيضاح الإجماع على الصحة حينئذ ، بل هو قد اختار ذلك فيه وفي العمد ، وهو صريح في المختار أيضا ، لكن ينبغي أن يراد بالضمان الدخول في العهدة ولو بالصلح ونحوه على وجه تخلو رقبة العبد من الحق ، وفي كشف اللثام هناك « الأقوى البطلان ـ مع انتفاء الشرطين ـ لتعلق حق الغير بالرقبة ، ولأن الصيغة لا تؤثر حين الإيقاع ، فبعده أولى ، نعم إن لم تستوعب الجناية الرقبة كان المعتق أحد الشريكين ».

٢١٧

وحينئذ يكثر القائل بالمختار الذي قد عرفت أنه الموافق للضوابط الشرعية في خصوص العتق الذي لا يوقف ولا يفسخ مع عدم الدليل على الكشف هنا ، بل هو عند التأمل ساقط ، نعم في‌ خبر جابر (١) عن الباقر عليه‌السلام قال : « قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في عبد قتل حرا خطأ فلما قتله أعتقه مولاه ، قال : فأجاز عتقه وضمنه الدية » ‌فإن صحت الرواية أو انجبرت كان العمل بها وإلا أطرحت أو أولت بسبق الضمان وإن كان بعيدا.

هذا وفي التحرير « ولو أعتق المرتد بعد رجوعه إلى الإسلام فإن كان عن غير فطرة أجزأ ، وإن كان عن فطرة فالوجه عدم الاجزاء ، وكذا لو أعتق من وجب عليه القتل حدا مع التوبة ـ إلى أن قال ـ وكذا لا يجزئ ، لو جنى ما يجب العتق بالقصاص منه ، كالعينين ، ويجزئ لو جنى غير ذلك ، ولو جنى دون النفس على عبد عمدا فالوجه الاجزاء ولو تعذر القصاص ، ويضمن المولى حينئذ ».

وفيه أن وجوب القتل عليه حدا لا يخرجه عن الملكية ، ولا عتقه ينافي إقامة الحد عليه ، كما أن القصاص المقتضي لانعتاقه لا ينافي ذلك أيضا ، فمقتضى إطلاق الأدلة وعمومها الصحة حتى في الأخير ، لعدم تحقق الانعتاق حينئذ قبله ، نعم فيه الكلام الذي سمعته في الجاني عمدا من حيث تعلق الجناية لا من حيث الانعتاق ، لكن في الدروس « ولا يجزئ المنذور عتقه أو الصدقة به وإن كان النذر معلقا بشرط لم يحصل بعد على الأقوى » ولعله كذلك.

ولو أعتق عنه معتق بمسألته صح للسائل ، لأنه حينئذ يكون كالوكيل والنائب عنه ، إذ من المعلوم قبول مثله للنيابة ، فيندرج في إطلاق الأمر بتحرير الرقبة (٢) بعد فرض دخوله في ملكه وإن اختلف في وقته ، كما ستعرف بعد الاتفاق ـ كما في المتن ـ على إجزائه.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب ديات النفس الحديث ١ من كتاب الديات.

(٢) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٩٢.

٢١٨

لكن قد يناقش بالمنع من دخوله في ملكه بمجرد ذلك ، لأنه ليس من الأسباب الشرعية لذلك ، ومن هنا كان المحكي عن ابن إدريس صحته عن المعتق ، لأنه ملكه ، ولا عتق إلا في ملك ، وفيه أنه كالاجتهاد في مقابلة النص بعد الإجماع المحقق على الصحة عن السائل.

نعم قد يقال : إنها أعم من الدخول في الملك وإن كان الخبر (١) « لا عتق إلا في ملك » ‌إلا أنه يجب تخصيصه بالصورة المزبورة للإجماع المزبور ، فلا داعي إلى دعوى الدخول في الملك كي يقال متى دخل وبأي سبب دخل ، ولكن في الإيضاح عن المبسوط في كتاب الطهارة « أنه نص على انتقاله للأمر ـ ثم قال ـ : ولا خلاف فيه ، لقوله عليه‌السلام (٢) « لا عتق إلا في ملك ».

اللهم إلا أن يمنع ذلك عليه ، ويقال : إن مراد الشيخ بانتقاله للأمر صيرورة العتق له ، لا انتقال ملكية العبد له ، أو يقال : إن الوجه في دخوله في ملكه هو أنه لما أمره بما لا يصح منه إلا بعد ملكه له كان كالوكيل عنه في ذلك ، ضرورة كون الإذن في الشي‌ء إذنا في لوازمه ، فيكفي حينئذ في إدخاله في ملكه عتقه العبد بعنوان أنه له ، إذ هو موجب قابل للتمليك موقع للعتق ، نحو قول القائل مثلا : « اشتر لي عبدا بكذا منك » ومن المعلوم أن المثمن لا يكون إلا لمن له الثمن ، فإذا اشتراه بعين ماله بعنوان أنه للأمر دخل الثمن في ملكه بالشراء بعنوان أنه له ، فيكون موجبا قابلا بالنسبة إلى ذلك ، وهذا باب واسع في الفقه كثير النظائر ، ومنه ما نحن فيه ، فإنه إذا قال له : « أعتق عبدك ـ مثلا ـ عنى » والمفروض أنه لا عتق إلا في ملك كان أمرا له بإدخاله في ملكه ، فمع إعتاقه بعنوان أنه له كان ذلك إيجابا وقبولا بالنسبة إلى التمليك ، وإيقاعا بالنسبة إلى الحرية ، ولا تنافي بينهما ، وكان هذا هو السبب في إجماعهم في المقام على الصحة.

نعم يبقى الإشكال في قول المصنف وغيره لم يكن له أى المعتق‌

__________________

(١) و (٢) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب مقدمات الطلاق والباب ـ ٥ ـ من كتاب العتق مع الاختلاف في اللفظ.

٢١٩

عوض عن عبده الذي أعتقه بأمره ، لعدم الشرط وإن كان هو مقتضى أصل البراءة وغيره ، لأنه قد أتلف ماله بأمره في مصلحته ، بل هو أولى من الحكم بالضمان الذي قد عرفت الحال فيه فيما لو قال : « أد ديني » فأداه عنه ، ضرورة عدم اعتبار ملكية المدفوع عنه في وفاء الدين بخلاف العتق ، فالمتجه الضمان خصوصا مع نية المأمور ذلك ، إذ لا يكون ذلك إلا على جهة القرض ، لأن المفروض كونه وكيلا عنه بأمره.

بل ذكرنا هناك أن قاعدة احترام مال المسلم تقتضي ذلك أيضا ، فإن مباشرة المأمور لعتقه بعد فرض كونه وكيلا عنه تكون كمباشرته نفسه ، فيكون قد أتلف مال الغير ، فهو له ضامن ، وإن كان بإذنه إن لم يكن على وجه المجانية ، فلاحظ ما تقدم سابقا وتأمل. هذا كله مع عدم الشرط.

فان شرط عوضا كأن يقول له أعتق عبدك عني وعلي عشرة مثلا صح ولزمه العوض بلا خلاف ولا إشكال ، ويكون من قبيل قرض العبد بقيمة معينة ، وليس من قسم البيع مع فرض عدم قصده لهما.

ولو تبرع بالعتق عنه متبرع من غير مسألة قال الشيخ في محكي الخلاف نفذ العتق عن المعتق تغليبا للحرية ، ولوقوع صيغة صحيحة من صحيح العبارة دون من أعتق عنه لاشتراط العتق بالملك ، ولا يدخل في ملكه من دون اختياره ، فلا يقع العتق عنه سواء كان المعتق عنه حيا أو ميتا.

ولو أعتق الوارث عن الميت من ماله لا من مال الميت قال أي الشيخ : يصح ، لأنه كما في الإيضاح « قائم مقام المورث في كثير من الأحكام ، فان الوارث يملك لما كان ملكا للمورث ، ويقبل قوله فيما كان يقبل قوله فيه ، كالإقرار المجهول ، وتعيين المطلقة ، والمعتق تعيينا إنشائيا. والقول قوله في الكاشف مع اليمين وعدمه ، وعليه قضاء ما عليه من صلاة أو صوم ، على أن الوارث إذا أدى من التركة فهو منه في‌

٢٢٠