جواهر الكلام - ج ٣٣

الشيخ محمّد حسن النّجفي

فمدوا الأعناق » ‌وإن كان كالأول في غير الحلف بالبراءة ، بل هو في أصلها ، وقد استفاضت النصوص (١) في النهي عنها للتقية وإن كان العمل على خلافها ، خصوصا إذا كانت لحفظ النفس من القتل ، مع أنها براءة لفظية لا قلبية ، بل قوله تعالى (٢) ( إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ ) كالصريح في جوازها فضلا عما دل على (٣) أن الإكراه مما رفع عن الأمة ، فلا بد من حمل تلك النصوص على ضرب من المبالغة في أمر البراءة.

بل منه يستفاد في الجملة حكم المقام الذي هو قسم من البراءة أيضا وإن كانت بعنوان الحلف المعلوم عدم انعقاده بها وحرمته لمعلومية عدم جواز الحلف بغير الله ، بل في التنقيح « التلفظ بذلك أي البراءة إن علقه على محال لا يخرجه عن الإسلام ، لأن حكم المعلق حكم المعلق به ، وإن علقه على ممكن فهل يخرج به عن الإسلام ، أم لا؟ الحق نعم ، لقيام الدليل على وجوب الثبات على الاعتقاد الصحيح ، وامتناع الانتقال عنه ، فإذا علق على ممكن والممكن جائز الوقوع فيقع المعلق عليه ، نعم إن كان المتلفظ يعلم معنى التعليق كفر في الحال وإلا فلا ».

ولعله إلى ذلك أشار في الرياض حيث قال : ( بقوله خ ل ) : « إن الحلف بالبراءة يحتمل الكفر في بعض صوره » وكان مراده بالعلم بمعنى التعليق قصده ، فيكون الحاصل أنه متى قصد معنى التعليق وكان المعلق عليه أمرا ممكنا نافى الجزم المأمور به في الاعتقاد ، نعم إن قصد بذلك المبالغة في الامتناع عن المحلوف عليه لم يكن كفرا ، ولكن المتجه على هذا عدم الفرق بين كون المعلق عليه أمرا محالا وعدمه ، ضرورة منافاة التعليق على كل حال للجزم.

ولعله لذا قال الكركي في حاشيته على الكتاب في المقام : « وهل يكفر بذلك؟

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب الأمر والنهي من كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

(٢) سورة النحل : ١٦ ـ الآية ١٠٦.

(٣) الوسائل الباب ـ ٥٦ ـ من أبواب جهاد النفس من كتاب الجهاد.

١٨١

يحتمل ، لأن تعليق الكفر على بعض الحالات التي لا دخل لها في حصوله يقتضي الحصول بدونها ، والظاهر العدم ، لأنه يراد بذلك المبالغة في المنع غالبا ، وما أشبهه بقول (١) إن شهد فلان فهو صادق إلى آخره. ولم يفرق مع تحقق التعليق بين كون المعلق عليه محالا أو لا ، نعم ظاهر كلامه أن احتمال الكفر لعدم مدخلية التعليق في تحقق البراءة التي هي مقتضى الكفر ، إما لأنها كالشتم والسب المعلقين ، فإنهما متحققان وإن علقا ، وإما لأن البراءة ليست من قسم الإيقاع المعلوم الذي له آثار يرجع إليها التعليق ، بل هي ليست إلا معناها الحاصل بقصد إنشاءه سواء علق أولا.

وعلى كل حال فلا ريب في ظهور كلمات الأصحاب في عدم الكفر في الفرض الذي أمروا فيه بالكفارة والاستغفار على اختلاف أقوالهم من المفيد إلى زماننا ، قال في محكي المقنعة : « قول القائل : أنا بري‌ء من الإسلام أو أنا مشرك إن فعلت كذا باطل ، لا يلزمه إذا فعل كفارة ، وقسمه بذلك خطأ منه ، ويجب إن يندم عليه ويستغفر الله تعالى شأنه » وكذا غيره وإن اختلفت كلماتهم في أصل الكفارة وفي كيفيتها وفي عدمها ، وكذا ظاهر ما سمعته من المكاتبة (٢) وغيرها.

ولعله لأن المراد من اليمين بالبراءة غالبا المبالغة لا التعليق حقيقة كي يتحقق به الكفر الذي ينبغي أن يحمل عليه ما سمعته من خبر يونس بن ظبيان (٣) السابق ، أو المبالغة في تحريم الصورة المزبورة والكف عنها.

__________________

(١) في النسخة المخطوطة المبيضة « ومما أشبهه » كما هو المحتمل في المسودة أيضا وكتب كلمة « بقول » في هامش المبيضة برمز « بدل » وهي ليست في المسودة أصلا.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب الكفارات الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من كتاب الايمان الحديث ٢.

١٨٢

( الثانية : )

في جز المرأة شعرها في المصاب عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا كما عن المراسم والوسيلة والإصباح والجامع والنزهة والنافع ، بل في المقنعة والانتصار وعن النهاية « أن فيه كفارة قتل الخطأ : عتق رقبة أو إطعام ستين مسكينا أو صيام شهرين متتابعين ».

لكن في كشف اللثام « عن الشيخين أنهما نصا على الترتيب في قتل الخطأ ، وحينئذ فيحتمل أن يكون التشبيه في الخصال والترتيب جميعا ، ويكون التعبير بأو إجمالا للترتيب ، وأن يكون التشبيه في أصل الخصال » وإن كان فيه أن نص المقنعة على أنها مثل كفارة شهر رمضان التي نص على أنها مخيرة ، ويمكن أن يكون مذهب المرتضى ذلك أيضا ، بل لعله هو الظاهر من عبارته هنا ، وحينئذ فيكون إجماع الانتصار على التخيير.

مضافا إلى‌ خبر خالد بن سدير (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل شق ثوبه على أبيه أو على امه أو على أخيه أو على قريب له ، فقال : لا بأس بشق الجيوب ، قد شق موسى بن عمران على أخيه هارون ، ولا يشق الوالد على ولده ، ولا زوج على امرأته ، وتشق المرأة على زوجها ، وإذا شق الزوج على امرأته أو والد على ولده فكفارته حنث يمين ، ولا صلاة لهما حتى يكفرا أو يتوبا عن ذلك ، وإذا خدشت المرأة وجهها أو جزت شعرها أو نتفته ففي جز الشعر عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا ، وفي الخدش إذ أدمت وفي النتف كفارة حنث يمين ، ولا شي‌ء في اللطم على الخدود سوى الاستغفار والتوبة ، ولقد شققن الجيوب ولطمن الخدود الفاطميات على الحسين بن علي عليهما‌السلام ، وعلى مثله تشق الجيوب وتلطم الخدود » ‌المنجبر بفتوى من عرفت ، بل الإجماع المحكي كما‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الكفارات الحديث ١.

١٨٣

ستعرف ، بل لم يعرف المخالف في العمل بما في ذيله من حكم المسألة الثالثة ، بل عن ابن إدريس « أن أصحابنا مجمعون عليها في تصانيفهم وفتاواهم » إلى آخره ، فلا وجه للتوقف في العمل به من الطعن في سنده ، كما وقع من بعض من ذوي الاختلال في الطريقة ، كما لا وجه للتوقف فيه من جهة الدلالة ، كما وقع للفخر ، ضرورة ظهور لفظة « في » هنا كنظائر في إفادة التسبيب.

ولكن مع ذلك قيل كما عن الحلبي مثل كفارة الظهار مدعيا الإجماع عليه ، بل في الرياض عن الانتصار ذلك أيضا قال : « لكن ذيل عبارته ظاهر في التخيير وإن حكم في صدرها بأنها كفارة ظهار ، ونحوه كلام الشيخ في محكي التحرير إلا أن الصدر أصرح ، فليحمل الذيل كالرواية بمعونة فتوى الجماعة على بيان الجنس على التفصيل ، لا كونها مخيرة كما ذكره بعض الأجلة ، فتكون الرواية حجة في المسألة ، لانجبار ضعفها بالشهرة العظيمة وحكاية الإجماعين المتقدمين ».

وفيه أن الموجود في عبارة الانتصار تشبيهها بكفارة قتل الخطأ التي هي مخيرة عند المفيد وسلار ، ومذهب المرتضى غالبا على وفق مذهبهما ، فالمظنون ما هو ظاهر العبارة من التخيير فيهما ، فيتفق الصدر ، ويكون إجماعه الذي ذكره حجة للمسألة ، مضافا إلى الخبر ، ولعل فتوى من عرفت شاهد على صحة الإجماع المزبور ، لا على أنها كفارة ظهار الذي لم يعرف القول به ممن تقدمه ، بل ولا من تأخره عدا الحلي والشهيد في اللمعة.

وبذلك يظهر لك وهن إجماع ابن إدريس ، كما أن منه يظهر غرابة ما سمعته من الرياض ، بل ما كنا لنؤثر وقوع مثل ذلك من مثله ، بل ويظهر لك أيضا من قول المصنف والأول مروي (١) (٤) ـ نوع ميل إليه ، بل ينبغي الجزم به ، لما عرفت من ضعف القول بأنها كفارة ظهار.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الكفارات الحديث ١.

١٨٤

وأما ما في المتن من أنه قيل : تأثم ولا كفارة استضعافا للرواية وتمسكا بالأصل فلم نتحققه قبل المصنف ، كما عن جماعة الاعتراف به أيضا ، كالشهيد في النكت وغيره ، بل قيل : لم يحكه أحد عدا المصنف هنا والفاضل في القواعد والإرشاد ، نعم قد اختاره جماعة من المتأخرين كالفخر وثاني الشهيدين في المسالك والروضة وسبطه.

لكن فيه أن ضعف الرواية منجبر بما سمعت ، فينقطع الأصل بها ، مضافا إلى الإجماعين المزبورين المعتضدين بما عن الغنية من الإجماع على وجوب الصوم هنا ، فلا محيص حينئذ عن القول بالوجوب ، إنما الكلام في أنه تخييري أو مرتب ، والأقوى الأول ، لما عرفت ، والأحوط الثاني.

ثم إن سياق الخبر (١) المزبور ظاهر في كون ذلك للمصاب كما قيد به المصنف وغيره ، بل لا يبعد إرادة من أطلق حتى المرتضى ذلك للانصراف ، ودعوى الأولوية ممنوعة ، لأن الجز في المصاب مشعر بعدم الرضا بقضاء الله تعالى دون غيره ، نعم لا فرق بين مصاب القريب والبعيد ، أما اعتبار جز جميع الشعر فقد جزم به في المسالك ، وفي كشف اللثام إشكال ، ولعله من الخلاف في إفادة مثل هذه الإضافة العموم أو لا ، وفيه أنه لا إشكال في انصراف المقام إلى المتعارف الذي يتحقق في البعض ، بل لو أريد استقصاء الجميع حقيقة ندر تحققه ، ولعله لذا قال في الرياض : « وهل يفرق بين كل الشعر وبعضه؟ ظاهر إطلاق الرواية العدم ، واستقر به في الدروس ، لصدق جز الشعر وشعرها عرفا بالبعض ، وهو أحوط ، بل لعله أقرب ، لكون جز الكل نادرا ، فيبعد حمل النص (٢) عليه ».

ويلحق بالجز الحلق والإحراق كما عن بعض ، وهو وإن كان أحوط لكنه لا يخلو من نظر ، لعدم اندراجه في موضوع اللفظ ، وعدم الفحوى أو الأولوية المفيدة ، والله العالم.

__________________

(١) و (٢) الوسائل الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الكفارات الحديث ١.

١٨٥

( الثالثة : )

يجب على المرأة في نتف شعرها في المصاب الذي هو قلعه خلاف الجز الذي هو القص وخدش وجهها وشق الرجل ثوبه في موت ولده أو زوجته كفارة يمين بلا خلاف أجده ، كما اعترف به في الروضة ، بل في الانتصار الإجماع عليه ، وهو الحجة بعد الخبر (١) المنجبر بما سمعت بل قد سمعت ما حكيناه عن ابن إدريس من دعوى إجماع الأصحاب عليه في تصانيفهم وفتاواهم ، ثم قال : « فصار الإجماع هو الحجة ، وبهذا أفتي » ومن ذلك يعلم ما في نسبة بعض الندب إليه ، نعم بعض متأخري المتأخرين ممن لا يرى العمل إلا بالخبر الصحيح قد مال في المقام إلى القول بالاستحباب ، وهو بعد العلم بأن منشأه فساد الطريقة لا يعبأ بخلافه.

والكلام في تقييد ذلك بالمصاب وفي الاجتزاء ببعض الشعر ما سمعته في المسألة السابقة.

نعم ظاهر إطلاق الفتوى فيما عدا النهاية بل ومعقد الإجماع الاكتفاء بمسمى الخدش الذي لا يستلزم الإدماء ، لكن قد عرفت تقييده بذلك في الخبر (٢) اللهم إلا أن يقال بملازمة الخدش في المصاب للإدماء غالبا ، فيبقى غيره على مقتضى الأصل إلا أن الأحوط الاجتزاء بالإطلاق ، خصوصا بعد تصريح الفاضل في التحرير بعدم اعتباره معترفا بظهور الخبر فيه.

ولا يعتبر خدش جميع الوجه كما لا عبرة بادماء غيره فضلا عن خدشه ولا بشق ثوبها على ولدها أو زوجها ولا بقص الرجل شعره ولا نتفه ، إذ المدار على عنوان الحكم في النص والفتوى ، وهو ما لا يشمل ذلك ، والقياس والاستحسان والاجتهاد من غير ضوابطه الشرعية غير جائزة في مذهبنا ، بل من ذكر حكم النتف مغايرا للجز ينقدح الشك في إلحاق الحلق والحرق بالجز كما يظهر من بعض ، لدعوى‌

__________________

(١) و (٢) الوسائل الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الكفارات الحديث ١.

١٨٦

القطع بالمساواة أو الأولوية.

ثم المعتبر في شق الثوب المتعارف منه في المصاب ، لأنه المنصرف منه لا مطلق شقه كما قيل ، بل عن بعض أنه لا فرق فيه بين الملبوس وغيره ، ولا بين شقه ملبوسا أو منزوعا ، إذ هو كما ترى وإن كان أحوط ، نعم لا فرق في متعارفة بين الاستيعاب وعدمه.

كما أن الأحوط ما قيل من عدم الفرق في الولد بين الذكر والأنثى وإن نزل ، لا ولد الأنثى وإن كان لا يخلو من نظر ، لما تحقق في محله أنه ولد حقيقة أيضا ، ودعوى تبادر غيره يجري أيضا في ولد الذكر ، وما في الرياض من « أن التعميم بالإضافة لعله مستفاد من الاستقراء ـ ثم قال ـ : ولا ريب أن الأحوط التعميم مطلقا ، بل لا يبعد الحكم به ، للفحوى » لا يخفى عليك ما فيه من دعوى الاستقراء والفحوى ، نعم لا إشكال في أنه أحوط.

كما لا ريب في ثبوت الحكم في الزوجة الدائمة سواء كانت حرة أو أمة ، بل في الرياض « أنها المتبادر منها نصا وفتوى قطعا ، فيرجع في المتمتع بها إلى الأصل ، خلافا لجماعة من أصحابنا ، فألحقوها بالأولى ، فإن كان إجماع وإلا فيأتي فيه ما مضى ، مضافا إلى احتمال كون الصدق عليها مجازا ، بل هو الظاهر من الأصول كما مر مرارا إلا أن يستدل عليه بالفحوى ».

وفيه أنه لا إشكال ، في صدق الزوجة عليها ، ولا ينافيه تخلف بعض أحكامها عنها لأدلة مخصوصة ، واحتمال المجازية واضح الضعف ، والأصول لا مدخلية لها في الصدق العرفي ، والفحوى التي ذكرها ممنوعة على وجه تكون مدركا للحكم مع فرض المجازية أو عدم الانصراف.

نعم قد يشك في إلحاق المطلقة رجعيا بها وإن صرح به بعض باعتبار الشك في عموم المنزلة لمثل الفرض مع أنه لا ريب في كونه أحوط إن لم يكن أقوى خصوصا بعد ملاحظة ثبوت ما هو أخفى من ذلك لها.

أما الأمة فلا ريب في عدم اندراجها وإن كانت أم ولد ، ومن الغريب احتمال‌

١٨٧

إلحاقها أيضا للفحوى التي قد عرفت منعها على وجه تكون دليلا ، بل من الاتفاق هنا على العدم يتأيد عدم تحققها ، كما هو واضح.

هذا وقد تقدم سابقا الكلام في حكم الشق حلا وحرمة من الرجل والامرأة ، فلاحظ وتأمل.

كما أنه تقدم الكلام أيضا مفصلا في :

( الرابعة : )

التي هي حكم كفارة وطء الزوجة في الحيض مع التعمد والعلم بالتحريم والتمكن من التكفير فإنه قيل : يستحب ، وقيل : يجب ، وهو الأحوط بل الأقوى ، وكذا تقدم الكلام في مقدارها الذي هو الدينار ونصفه وربعه ، فلاحظ وتأمل.

ومنه أيضا يعلم الحال فيما ذكره غير واحد من أنه لو وطأ أمته حائضا كفر وجوبا بثلاثة أمداد من الطعام بل عن المرتضى الإجماع عليه ، وقيل استحبابا ، والأول هو الأقوى أيضا.

( الخامسة : )

من تزوج امرأة في عدتها فارق وكفر بخمسة أصوع من دقيق وفي وجوبها خلاف فعن صريح جماعة وظاهر آخرين ذلك أيضا ، لخبر أبي بصير (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سألته عن امرأة تزوجها رجل فوجد لها زوجا ، قال : عليه الحد وعليها الرجم ، لأنه قد تقدم بعلم وتقدمت هي بعلم ، وكفارته إن لم يقدم إلى الامام أن يتصدق بخمسة أصوع دقيقا » والمرسل إليه أيضا (٢) عن أبي عبد‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب حد الزنا الحديث ٥ من كتاب الحدود.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب الكفارات الحديث ١.

١٨٨

الله عليه‌السلام « في رجل تزوج امرأة ولها زوج ، فقال : إذا لم يرفع خبره إلى الإمام فعليه أن يتصدق بخمسة أصوع دقيقا بعد أن يفارقها » ‌قيل والمناقشة في السند مدفوعة بفتوى من عرفت.

وفيه ـ مع عدم بلوغ ذلك حد الشهرة ـ أن العنوان في كلامهم ذات العدة وفي الخبرين ذات الزوج ، وهما متغايران ، فما فيهما لا عامل به ، وما في الفتوى لا شاهد له ، ودفع ذلك ـ بشمولها ولو بترك الاستفصال لذات العدة الرجعية ، ولا قائل بالفرق بينها وبين البائنة ـ كما ترى ، نعم لا وجه للمناقشة في الدلالة ، لظهور لفظة « على » والجملة الخبرية المقصود بها الإنشاء في ذلك ، لكن لا يجدي ذلك في إثبات المطلوب بعد ما عرفت ، بل ما اشتملا عليه من الشرط لم أجد عاملا به ، كما اعترف به في الرياض ، وهو موهن آخر لهما ، نعم لا بأس بالعمل بهما على جهة الندب الذي يتسامح فيه.

ولذا قال المصنف الاستحباب أشبه خصوصا بعد حكاية الشهرة بين المتأخرين عليه ، بل لا بأس بذلك فيما تضمنته الفتوى أيضا ولو للاحتياط ، وفي الانتصار « التكفير بخمسة دراهم مدعيا عليه الإجماع » وهو غريب ، إذ لم نعرف القول به من غيره ، كما اعترف به بعضهم ، ومن هنا حمله بعضهم على إرادة القول الأول ، ولكن يجتزأ عن الصاع بدرهم قيمة ، وفيه أنه لا دليل أيضا على الاجتزاء بذلك في المقام ولا في غيره مما كانت الكفارة فيه الإطعام ، كما تسمعه إنشاء الله ، فالأولى الاقتصار فيها على الدقيق ، وأولى منه اعتبار دقيق الحنطة والشعير اللذين هما من جنس ما يخرج في الكفارة ، كما جزم به في التنقيح ، ولعله للانصراف ، مؤيدا بالاحتياط ، والله العالم.

١٨٩

( السادسة : )

من نام عن العشاء حتى تجاوز نصف الليل أصبح صائما على رواية فيها ضعف بالإرسال وهي رواية‌ عبد الله بن المغيرة (١) عمن حدثه عن الصادق عليه‌السلام « في رجل نام عن العتمة ولم يقم إلا بعد انتصاف الليل ، قال : يصليها ويصبح صائما » ‌وفي الانتصار بعد أن ذكره من متفردات الإمامية وحكى عن الفقهاء الخلاف في ذلك قال : « دليلنا على صحة قولنا ـ بعد الإجماع الذي تردد ـ الطريقة التي ذكرناها من قوله تعالى (٢) ( وَافْعَلُوا الْخَيْرَ ) وأمره عز وجل بالطاعة (٣) » بل عن الغنية نحو ذلك أيضا.

ولكن مع ذلك وكونه أحوط لعل الاستحباب أشبه بأصول المذهب وقواعده التي من مقتضاها عدم حجية المرسل المذكور وإن كان الذي أرسله إماميا من أصحاب الإجماع كما حرر في محله ، وإجماع السيدين كغيره من إجماعات القدماء لا وثوق بالمراد منها على وجه تستريح النفس في الفتوى بها بالوجوب والحرمة ، وإن قلنا بحجية الإجماع المنقول لكن في الغالب ينقلونه على مقتضى العمومات ونحوها ، أو على غير ذلك مما لا يفيد في إثبات المطلوب.

ودعوى انجبار المرسل بصريح فتوى جماعة من القدماء وظاهر باقيهم لأمرهم به الظاهر في الوجوب لم نتحققها في غير المرتضى ، بل وفيه أيضا ، خصوصا بعد ملاحظة ما وقع لهم غير مرة من التعبير عن المندوب بالوجوب وعن المكروه بالعصيان ، على أن المحكي عن الشيخين أنهما أطلقا الإصباح صائما ، ومع ذلك معارض بما‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب المواقيت الحديث ٨ من كتاب الصلاة مع اختلاف يسير ، وفي التهذيب ج ٨ ص ٣٢٣ كالجواهر.

(٢) سورة الحج : ٢٢ ـ الآية ٧٧.

(٣) سورة آل عمران : ٣ ـ الآية ٣٢ و ١٣٢.

١٩٠

عن ابن إدريس ومن تأخر عنه كالمصنف والفاضل وغيرهما من التصريح بالندب ، فهو موهن لها ، مؤيدا بمعلومية كون الأصل في الكفارة أن تكون عن ذنب ، وليس في الفرض بناء على أن ذلك كفارة ، كما هو ظاهر الأصحاب أو صريحهم ، إلا أن يكون المراد نام عنها عمدا ، وهو خلاف الظاهر.

كل ذلك مع عدم تعرض الخبر المزبور لقضاء ذلك اليوم لو فرض تعذر صومه بعذر شرعي كحيض أو سفر أو مرض أو غير ذلك ، كما أنه لا تعرض فيه لحكمه لو أفطره عمدا وإن قال في الدروس : « ولو أفطر في ذلك اليوم أمكن وجوب الكفارة لتعينه ، وعدمه لتوهم أنه كفارة ولا كفارة فيها ، ولو سافر فيه فالأقرب الإفطار والقضاء ، وكذا لو مرض أو حاضت المرأة ، مع احتمال عدم الوجوب فيهما وفي السفر الضروري ، لعدم قبول المكلف الصوم ، وكذا لو وافق العيد أو التشريق ، ولو وافق صوما متعينا فالأقرب التداخل ، مع احتمال قضائه ».

لكن الجميع كما ترى مجرد تهجس ، بل لعل إهمال ذلك كله وغيره دليل الاستحباب الذي يقع فيه مثل هذا الإهمال بخلاف الواجب ، مضافا إلى ما في النهاية من التعبير بأنه « يصبح صائما كفارة لذنبه في النوم عنها إلى ذلك الوقت » ونحوه في الانتصار ، ومن المعلوم عدم الذنب على النائم ، فهو أمارة أخرى للندب في كلامهم.

فمن الغريب ما في الرياض من الميل إلى الوجوب ، بل في بعض كلامه نفي الاشكال عنه ، إذ قد ظهر لك أن الأمر بالعكس ، والله العالم.

وعلى كل حال فلا يلحق به ناسي غير العشاء بالنوم قطعا.

١٩١

( السابعة : )

قال الشيخ في النهاية التي هي متون أخبار من نذر صوم يوم فعجز عنه أطعم مسكينا مدين لخبر إسحاق بن عمار (١) عن الصادق عليه‌السلام « في رجل يجعل عليه صياما في نذر ولا يقوى ، قال : يعطي من يصوم عنه كل يوم مدين » وفي خبر آخر (٢) « عن رجل نذر صياما فثقل عليه الصوم ، قال : تصدق عن كل يوم بمد من حنطة » ‌مضافا إلى‌ الصحيح (٣) المتقدم سابقا « من عجز عن نذر نذره فعليه كفارة يمين » ‌بناء على ما قلناه فيه.

ولكن اختلاف متنها وضعف سند الأولين منها وعدم وضوح دلالة الأول منها أيضا يشهد للندب على تفاوت مراتبه ، خصوصا بعد ملاحظة قاعدة سقوط النذر بالعجز عنه من غير استتباع الكفارة التي قد عرفت أصالة كونها عن ذنب.

وإليه أشار المصنف بقوله وربما أنكر ذلك قوم بناء على سقوط النذر مع تحقق العجز وحينئذ يسهل الأمر في مدرك قوله فان عجز تصدق بما استطاع ، فان عجز استغفر الله تعالى الذي قد اعترف بعض الناس بعدم العثور عليه ، للتوسع في الندب الذي يكفي فيه هنا إطلاق بعض النصوص (٤) في مطلق العجز عن الكفارة ، وقاعدة « لا يسقط » ونحو ذلك مما لا يكفي في الندب ويكفي في الوجوب.

هذا وفي التنقيح « عن المفيد يقضى ولا كفارة ، وعن ابن إدريس إن رجي زوال‌

__________________

(١) و (٢) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من كتاب النذر والعهد الحديث ١ ـ ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الكفارات الحديث ٥.

(٤) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب الكفارات.

١٩٢

العجز أفطر وقضى من غير كفارة ـ ثم قال ـ : وفي الكل نظر ، لأن ذلك اليوم إما معين أو غيره ، والثاني يأتي به أي وقت شاء ولا كفارة ، والأول لا إثم عليه مع العجز ، فلا وجه لوجوب الصدقة والاستغفار ».

قلت : ظاهر هذه الكلمات فرض المسألة في العجز عنه بعد الشروع فيه ، وعبارة المصنف وغيره لا تأباه كالخبرين وإن كان فرض المسألة في الأعم أولى ، لأن الحكم ندبي ، وكذا لا فرق بين المعين وغيره مع فرض العجز الظاهر في الاستمرار ، والأمر سهل.

ومن المندوب‌ ما عن الصادق عليه‌السلام (١) من أن « كفارة عمل السلطان : قضاء حوائج الإخوان ».

و « كفارة المجالس أن تقول عند قيامك منها : ( سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمّا يَصِفُونَ ، وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ، وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) (٢).

و « كفارة الضحك : اللهم لا تمقتني » (٣).

و « سئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما كفارة الاغتياب؟ فقال : تستغفر لمن اغتبته » (٤)

وقد تقدم الكلام في ذلك في بحث الغيبة.

وقال عليه‌السلام (٥) أيضا : « الطيرة على ما تجعلها ، إن هونتها تهونت وإن شددتها تشددت ، وإن لم تجعلها شيئا لم تكن شيئا » وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٦) : « كفارة الطيرة التوكل ».

وقد سمعت ما في خبر خالد (٧) عنه عليه‌السلام أيضا من أنه « لا شي‌ء في اللطم على‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب الكفارات الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب الكفارات الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الكفارات الحديث ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب الكفارات الحديث ١.

(٥) و (٦) الوسائل الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب الكفارات الحديث ٢.

(٧) الوسائل الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الكفارات الحديث ١.

١٩٣

الحدود سوى الاستغفار والتوبة ».

( المقصد الثالث )

في تفصيل حكم خصال الكفارات ، وهي العتق والصيام والإطعام‌ ف القول أولا في العتق ولا إشكال كما لا خلاف في أنه يتعين على الواجد في الكفارات المرتبة لأنه العنوان للحكم كتابا (١) وسنة (٢) ومعقد إجماع ، ومرجعه إلى العرف.

وحينئذ ف يتحقق الوجدان بملك الرقبة فاضلة عن حاجته لرفعة أو مرض ، كما صرح به غير واحد وإن كان عدم تحقق الصدق خصوصا في الأول لا يخلو من نظر.

وكذا يتحقق عرفا بملك الثمن فاضلا عن المستثنيات مع إمكان الابتياع أي الاعتياض بلا مجازفة تضر في الحال على نحو ما سمعته في الوجدان للماء وعدمه ، بل بملاحظة ذلك المقام يظهر لك جريان كثير من فروعه هنا ، على أنه ستسمع تعرض المصنف لجملة أخرى ، فلاحظ وتأمل.

وعلى كل حال ف يعتبر في الرقبة ثلاثة أوصاف :

__________________

(١) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٩٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الكفارات.

١٩٤

الوصف ( الأول : )

الإيمان أي الإسلام وهو معتبر في كفارة القتل عمدا وخطأ إجماعا بين المسلمين بقسميه بعد تصريح الكتاب العزيز به في الخطأ منه (١) المعلوم إرادة ذلك فيه من حيث إنه كفارة قتل ، لا من حيث كونه خطاء ، ومن هنا لم يفرق أحد بينه وبين العمد الذي هو أولى منه باعتبار ذلك ، بل إيجاب الجمع عليه قرينة على إرادة جنس كفارة الخطأ منه ، إلا أن الفرق بينهما بالترتيب والجمع ، مضافا إلى ما قيل من إطلاق النصوص (٢) التي فيها الصحيح وغيره وإن كان فيه ما فيه.

نعم في غيرها كالظهار مثلا على التردد والخلاف والأشبه اشتراطه وفاقا للمحكي عن السيد والشيخ والحلي وغيرهم ، بل في الرياض وغيره نسبته إلى الأكثر ، بل عن انتصار الأول وكشف الحق الإجماع عليه وإن كنا لم نتحققه في الأول في خصوص المقام ، نعم في ذلك بالنسبة إلى أصل عتق الكافر ، لا لقاعدة حمل المطلق على المقيد وإن اختلف السبب التي تحقق في الأصول خلافها ، بل لظهور اتحاد المراد بخصال الكفارة وإن اختلف السبب باعتبار كونها عبادة واحدة بكيفية خاصة من غير مدخلية لاختلاف أسبابها كالغسل مثلا.

مؤيدا ذلك بصحيح محمد بن مسلم (٣) عن أحدهما عليهما‌السلام الوارد في الظهار قال : « والرقبة يجزئ عنها صبي ممن ولد في الإسلام » والخبر (٤) الوارد في كفارة‌

__________________

(١) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٩٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب الكفارات والباب ـ ١٧ ـ من كتاب العتق.

(٣) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب الكفارات الحديث ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ١١ من كتاب الصوم.

١٩٥

شهر رمضان « من أفطر يوما منه فعليه عتق رقبة مؤمنة » والخبرين (١) المتقدمين في كفارة المفطر يوما نذره على التعيين من غير عذر الذي فيهما « ( وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ).

وبقاعدة الاحتياط الواجب مراعاتها عند كثير في مثل المقام تحصيلا للبراءة اليقينية من يقين الشغل.

وبما دل على عدم جواز عتق الكافر من الإجماع المحكي ، و‌خبر سيف بن عميرة (٢) عن الصادق عليه‌السلام المنجبر سندا ودلالة بالشهرة والإجماع المحكي « أيجوز للمسلم أن يعتق مملوكا مشركا؟ قال : لا » ‌وقول الله تعالى شأنه (٣) ( وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ) المشعر بالعلية باعتبار تعليق الحكم على الوصف في إرادة الخباثة من حيث هي مطلق ، سواء كانت لرداءة المال أو لفساد العقيدة.

بل قيل : ربما كانت الخباثة من هذه الجهة أولى بالعلية في نحو المسألة المعتبر فيها قصد القربة بالإجماع والمعتبرة (٤) وأي قربة في عتق رقبة محادة لله تعالى ، بل هي موادة صرفة منعت منها الآية الآخرى (٥) إلا أنها في المشرك خاصة ، لتصريح الآية الآخرى بالجواز في أهل الذمة (٦) المؤيدة هنا‌ بالمروي من فعل علي عليه‌السلام (٧) « أنه أعتق عبدا نصرانيا فأسلم » ‌لكن يمكن الذب عن الاختصاص هنا بعدم القائل بالفرق ، فان كل من منع من المشرك منع من غيره أيضا ، والمعارضة‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث ١ و ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من كتاب العتق الحديث ٥.

(٣) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٦٧.

(٤) الوسائل الباب ـ ٤ و ٦ ـ من كتاب العتق والباب ـ ١٣ ـ من كتاب الوقوف والصدقات.

(٥) سورة المجادلة : ٥٨ ـ الآية ٢٢ وسورة الممتحنة : ٦٠ ـ الآية ١.

(٦) سورة الممتحنة : ٦٠ ـ الآية ٧.

(٧) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من كتاب العتق الحديث ٢.

١٩٦

بالمثل هنا وإن أمكنت إلا أن دفعها ممكن بعد اشتهار الأخذ بالاية الاولى ، وهو من أقوى المرجحات ، وغير ذلك مما ستعرفه في محله ، وإن كان في بعضها ما فيه ، خصوصا الآية التي يمكن الجزم ولو بمعونة ما ورد (١) فيها من التفسير بإرادة الرداءة من الخبث فيها من حيث المالية الذي هو مقتضى المفهوم من قوله تعالى (٢) ( لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتّى تُنْفِقُوا مِمّا تُحِبُّونَ ) ومن غيره على وجه لا مدخلية لخبث العقيدة وإن كانت مالية تامة ، بل قد يقال : إن المنساق من الإنفاق غير العتق ، فما عن الإسكافي والشيخ وغيرهما ـ من الجواز للإطلاق الذي يجب الخروج عنه بما عرفت ـ ضعيف.

وكيف كان ف المراد بالايمان هنا الإسلام الذي هو الإقرار بالشهادتين أو حكمه الحاصل بسبب إسلام أحد الأبوين ولا يعتبر مع ذلك العلم بالتصديق القلبي الذي لا يمكن الاطلاع عليه ، وإن كان هو الإيمان حقيقة كما يومئ إليه قوله تعالى (٣) ( قُلْ : لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا : أَسْلَمْنا ) لكن الشارع أجرى على المقر حكم المؤمن قلبا مع فرض عدم الاطلاع على حاله ، بل ربما تعدى بعضهم فأجرى عليه حكم المسلم مع العلم بنفاقه مطلقا أو في بدء الإسلام ، إلا أن الأصح خلافه ، كما حققناه سابقا.

وكذا لا يعتبر الايمان بالمعنى الأخص الحادث الذي هو بمعنى الإقرار بالأئمة الاثني عشر ، لتأخره عن زمن الخطابات ، خلافا للتنقيح فاعتبره ، حاكيا له عن ابن إدريس ، لقاعدة الشغل التي هي غير مقعدة (٤) هنا ، وكأن الذي غره في ذلك ما ذكره الفخر في الإيضاح من تحرير الخلاف بين القائلين باشتراط الإسلام ، فحكي عن المرتضى وابن إدريس ـ ووالده منهم ـ القول بالاشتراط واختاره ،

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب زكاة الغلات من كتاب الزكاة.

(٢) سورة آل عمران : ٣ ـ الآية ٩٢.

(٣) سورة الحجرات : ٤٩ ـ الآية ١٤.

(٤) هكذا في النسخة الأصلية والاولى « غير متبعة » أو « غير مفيدة ».

١٩٧

وعن غيرهم العدم.

والظاهر عدم خلاف بين الأصحاب كذلك ، بل ليس هو إلا في الايمان بمعنى الإسلام ، نعم اعتبر بعضهم الإسلام الملازم للايمان الذي هو بمعنى الإذعان ، وإلا فالمسألة محررة بين الخاصة والعامة في اشتراط الايمان وعدمه في غير كفارة القتل ، فالجميع بين قولين.

نعم لعل المرتضى وابن إدريس من القائلين بعدم إجزاء عتق المخالف ، لكفره عندهم ، وهو غير ما حرره من البحث. ومن هنا أطنب الصيمري في الإنكار عليه ، بل ادعى الإجماع على عدم اعتبار الايمان بالمعنى المزبور ، وهو في محله ، بل قول والده في القواعد : « والأقوى اعتبار الايمان » بمعنى إرادة التصديق منه لا الايمان بالمعنى المتأخر ، وعلى تقديره فهو واضح الضعف كالأول أيضا وإن استدل له بأن غيره خبيث ، وبخبر ناجية (١) قال : « رأيت رجلا عند أبي عبد الله عليه‌السلام فقال له : جعلت فداك إني أعتقت خادما لي وهو ذا أطلب شراء خادم لي منذ سنين فما أقدر عليها ، فقال : ما فعلت الخادم؟ فقال : حية ، فقال : ردها في مملكتها ، ما أغنى الله تعالى عن عتق أحدكم تعتقون اليوم ويكون علينا غدا ، لا يجوز لكم أن تعتقوا إلا عارفا » وخبر الحلبي (٢) الذي ستسمعه.

إلا أنه كما ترى ، ضرورة منع تناول الآية (٣) للمفروض ، وقصور الخبر عن الحجية ، واحتمال إرادة غير المسلم ، والناصب من غير العارف ، أو ضرب من الكراهة ، أو غير ذلك ، وخبر الحلبي لا جابر له ، خصوصا بعد إطلاق الأدلة ، وخصوص‌ صحيح الحلبي (٤) قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام « الرقبة تعتق من المستضعفين ، قال : نعم » وخبر علي بن أبي حمزة (٥) عن العبد الصالح عليه‌السلام « فيمن أوصى بعتق‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من كتاب العتق الحديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب الكفارات الحديث ٥.

(٣) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٦٧.

(٤) و (٥) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من كتاب العتق الحديث ١.

١٩٨

نسمة ـ إلى أن قال ـ : فليشتروا من عُرض الناس ما لم يكن ناصبا. » ‌

وكيف كان ف يستوي في الإجزاء الذكر والأنثى والصغير والكبير لصدق الرقبة ولكن ينبغي أن يعلم أن الطفل بحكم المسلم ، ويجزئ إذا كان أبواه مسلمين للسيرة القطعية في جميع الأحكام حتى القتل به أو أحدهما ولو حين يولد أو بعد الولادة ، لنصوص (١) تبعية أشرف الأبوين ، من غير فرق بين أن يموت قبل أن يبلغ ويصف الإسلام وبعده ، خلافا للعامة ، فإن لهم اختلافا في ذلك.

نعم في رواية من طرقنا لا يجزئ في القتل خاصة إلا البالغ الحنث ، وهي حسنة‌ معمر بن يحيى (٢) عن الصادق عليه‌السلام « سألته عن الرجل يظاهر من امرأته يجوز عتق المولود في الكفارة ، فقال : كل العتق يجوز فيه المولود إلا في كفارة القتل ، فان الله تعالى يقول ( فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ) (٣) يعني بذلك مقرة قد بلغت الحنث ».

ونحوه‌ مرسل الحسين بن سعيد (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كل العتق يجوز له المولود إلا في كفارة القتل ، فان الله تعالى يقول ( فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ) ، يعني بذلك مقرة قد بلغت الحنث ، ويجوز في الظهار صبي ممن ولد في الإسلام ».

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٧٠ ـ من كتاب العتق والباب ـ ٣ ـ من أبواب حد المرتد الحديث ٧ والباب ـ ٦ ـ من أبواب المستحقين للزكاة والباب ـ ٤٣ ـ من أبواب جهاد العدو الحديث ١ من كتاب الجهاد.

(٢) أشار إليه في الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب الكفارات الحديث ٦ وذكره في الكافي ج ٧ ص ٤٦٢.

(٣) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٩٢.

(٤) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب الكفارات الحديث ٦.

١٩٩

وفي‌ خبر الحلبي (١) عنه عليه‌السلام أيضا « لا يجوز في القتل إلا رجل ، ويجوز في الظهار وكفارة اليمين صبي ».

وفي خبره الآخر (٢) عنه عليه‌السلام أيضا في قول الله عز وجل (٣) ( فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ) قال : « يعني مقرة بالإمامة » ‌ونحوه‌ خبره الثالث (٤) عنه عليه‌السلام أيضا بدون قوله : « بالإمامة ».

وفي خبر مسمع (٥) عنه عليه‌السلام « لا يجزئ في كفارة القتل إلا رقبة قد صلت وصامت ، ويجزئ في الظهار ما صلت ولم تصم ».

ولكنه لم يعرف العمل بهذه النصوص إلا من الإسكافي والكركي في حاشية الكتاب وبعض متأخري المتأخرين ، فهي في الحقيقة مهجورة لا تصلح مقيدة لإطلاق ما دل على التبعية المزبورة المستفادة من لحوق حكم الارتداد له لو وصف الكفر بعد بلوغه وإن لم يتلفظ بالشهادتين ، ومن قوله تعالى (٦) ( وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ) بناء على أن المراد به إلحاق الذرية في الإيمان وغير ذلك ، المؤيد بخبر كردويه الهمداني (٧) عن أبي الحسن عليه‌السلام في قوله تعالى ( فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ) : « كيف تعرف المؤمنة؟ قال : على الفطرة » وخبر السكوني (٨) عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي عليهم‌السلام « الرقبة المؤمنة التي ذكرها الله تعالى إذا عقلت ، والنسمة التي لا تعلم إلا ما قلته وهي صغيرة » وخبر المبارك (٩) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قلت له : جعلت فداك الرجل يجب عليه عتق رقبة مؤمنة فلا يجدها كيف يصنع؟ فقال : عليكم بالأطفال فأعتقوهم فإن خرجت مؤمنة فذاك ، وإن‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب الكفارات الحديث ٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب الكفارات الحديث ٥.

(٣) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٩٢.

(٤) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب الكفارات الحديث ١٠.

(٥) المستدرك الباب ـ ٦ ـ من أبواب الكفارات الحديث ٣ عن موسى عن أبيه ، عن جده.

(٦) سورة الطور : ٥٢ ـ الآية ٢١.

(٧) و (٨) و (٩) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب الكفارات الحديث ٧ ـ ٨ ـ ٣.

٢٠٠