جواهر الكلام - ج ٣٣

الشيخ محمّد حسن النّجفي

عدم إجزاء الاستغفار وإلا لأمره به.

مضافا إلى‌ صحيح أبي بصير (١) عن الصادق عليه‌السلام « كل من عجز عن الكفارة التي تجب عليه من صوم أو عتق أو صدقة في يمين أو نذر أو قتل أو غير ذلك مما يجب على صاحبه فيه الكفارة فالاستغفار له كفارة ما خلا يمين الظهار ، فإنه إذا لم يجد ما يكفر به حرمت عليه أن يجامعها ، وفرق بينهما إلا أن ترضى المرأة أن يكون معها ولا يجامعها » ‌

وخبر أبي الجارود (٢) قال : « سأل أبو الورد أبا جعفر عليه‌السلام وأنا عنده عن رجل قال لامرأته أنت علي كظهر أمي مأة مرة ، فقال أبو جعفر عليه‌السلام : يطيق بكل مرة عتق نسمة؟ قال : لا قال : يطيق إطعام ستين مسكينا مأة مرة؟ قال : لا ، قال : فيطيق صيام شهرين متتابعين مأة مرة قال : لا ، قال : يفرق بينهما ».

وقيل والقائل ابن إدريس وتبعه المصنف في النافع والفاضل في محكي المختلف يجزؤه الاستغفار ، وهو أكثر وإن كنا لم نتحققه ، لأن الأصل براءة الذمة من الحرمة في الحال المزبور الذي إيجاب الكفارة معه تكليف بغير المقدور ، بل في حرمة الوطء عليه مع أصالة عدم وجوب الطلاق عليه من الحرج ما لا يخفى ، ولموثق إسحاق بن عمار (٣) عن الصادق عليه‌السلام « إن الظهار إذا عجز صاحبه عن الكفارة فليستغفر ربه ، ولينو أن لا يعود قبل أن يواقع ، ثم ليواقع ، وقد أجزء ذلك عنه من الكفارة ، فإذا وجد السبيل إلى ما يكفر به يوما من الأيام فليكفر ، وإن تصدق بكفه فأطعم نفسه وعياله فإنه يجزؤه إذا كان محتاجا ، وإلا يجد ذلك فليستغفر الله ربه ، وينوي أن لا يعود ، فحسبه بذلك والله كفارة » ‌وخبر داود بن فرقد (٤) « الاستغفار توبة وكفارة لكل من لم يجد السبيل إلى‌

__________________

(١) و (٢) و (٣) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب الكفارات الحديث ١ من كتاب الإيلاء والكفارات.

(٤) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب الكفارات الحديث ـ ٣ ـ من كتاب الإيلاء والكفارات.

١٦١

شي‌ء من الكفارة ».

وفيه أن الأخير مقيد بالصحيح (١) السابق ، كما أن الأصل مقطوع بظاهر الأدلة المقتضي حرمة الوطء على المظاهر حتى يكفر ، ولا تكليف بالكفارة مع العجز عنها حتى يقال إنه تكليف بغير المقدور ، بل أقصاه الامتناع عن الوطء ، وفرض ذلك في خصوص ما لو وجب الوطء عليه ـ لكون المظاهرة زوجة وقد مضى لها أربعة أشهر ـ يدفعه منع التكليف له بالوطء باعتبار توقفه على التكفير المفروض تعذره ، فهو حينئذ غير مقدور ، فلا تكليف به.

بل في الرياض على تقدير التنزل عن ظهور المنع نقول : لا أقل من احتماله ، وعدم القدرة على الكفارة كما يمكن صيرورته قرينة للاجتزاء بالاستغفار كذا يمكن خروجه شاهدا على عدم التكليف بذي المقدمة ، وترجيح الأول على الثاني موقوف على دلالة هي في المقام مفقودة.

هذا مع عدم جريان ذلك في التي لم يجب على المظاهر وطؤها كالأمة والمتمتع بها على القول بوقوع مظاهرتهما ، كما هو مذهب الخصم والأشهر الأقوى كما مضى ، فالدليل أخص من المدعى وإن كان قد يناقش بإمكان دفع الأخير بعدم القول بالفصل ، بل والأول بإمكان ترجيح الأول بأنه حق لغيره ، وهو الامرأة ، فالمتجه حينئذ القول بإلزامه بالطلاق حينئذ إلا أن ترضى المرأة حينئذ بعدم الجماع ، كما أشار إليه في الصحيح (٢) المتقدم سابقا.

وأما الموثق فهو ـ مع الاضطراب في متنه بالنسبة إلى وجوب التكفير بعد ذلك إذا تمكن وعدمه ـ قاصر عن معارضة الصحيح المزبور المعتضد بفتوى الأكثر وإطلاق الأدلة الذي يمكن الاستدلال به مع فرض تعارض الخبرين وسقوطهما ،

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب الكفارات الحديث ١ من كتاب الإيلاء والكفارات.

(٢) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب الكفارات الحديث ١ من كتاب الإيلاء والكفارات.

١٦٢

ودعوى معارضة الإطلاق المزبور بإطلاق ما دل على أن الاستغفار كفارة العاجز كما سمعته في خبر داود بن فرقد (١) كما ترى ، ضرورة قصوره عن تلك الإطلاقات كتابا (٢) وسنة (٣) كما هو واضح.

هذا وفي المسالك « واعلم أن المراد بالاستغفار في هذا الباب ونظائره أن يقول : أستغفر الله مقترنا بالتوبة التي هي الندم على فعل الذنب والعزم على ترك المعاودة إلى الذنب أبدا ، ولا يكفي اللفظ المجرد عن ذلك ، وإنما جعله الله كاشفا عما في القلب ، كما جعل الإسلام باللفظ كاشفا عن القلب ، واللفظ كاف في البدلية ظاهرا ، وأما فيما بينه وبين الله تعالى فان لم يقترن بالتوبة التي هي من الأمور الباطنة لم يترتب عليه أثر فيما بينه وبين الله تعالى ، بل كان الوطء معه كالوطء قبل التكفير ، فيجب عليه به كفارة أخرى في نفس الأمر وإن لم يحكم عليه بها ظاهرا ».

قلت : قد يقال : إن الاستغفار هو طلب المغفرة من الله تعالى ، وليست التوبة من مقوماته ، نعم ظاهر الموثق (٤) المزبور اعتبارها معه ، لكن الفتاوى مطلقة ، ودعوى الاجتزاء بذكره عنها لأن المراد به القول المزبور مقترنا بها ممنوعة ، وعلى تقديره فدعوى جعل الشارع له كاشفا عن ذلك كالإسلام ممنوعة أيضا ، لعدم الدليل ، وإلا لاجتزء به في كل مقام اعتبرت التوبة فيه ، بل الأصح عدم الاجتزاء في الحكم بها بإظهاره فضلا عنه ما لم تدل القرائن على صدقه في ذلك ، كما حررنا ذلك في غير المقام ردا على المحكي عن الشيخ من الاجتزاء بمجرد إظهارها.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب الكفارات الحديث ٣ من كتاب الإيلاء والكفارات.

(٢) سورة المجادلة : ٥٨ ـ الآية ٣.

(٣) الوسائل الباب ـ ١ و ١٥ ـ من كتاب الظهار.

(٤) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب الكفارات الحديث ٤ من كتاب الإيلاء والكفارات.

١٦٣

المسألة ( العاشرة : )

إن صبرت المظاهرة على ترك الزوج وطءها فلا اعتراض بلا خلاف أجده فيه ، بل ولا إشكال ، للأصل السالم عن المعارض بعد معلومية انحصار حق الاستمتاع فيهما ، فلا اعتراض لأحد عليهما وإن لم تصبر رفعت أمرها إلى الحاكم المعد لأمثال ذلك ، فإذا أحضره خيره بين التكفير والرجعة وبين الطلاق ، وأنظره للتفكر في ذلك ثلاثة أشهر من حين المرافعة ، فإن انقضت المدة ولم يختر أحدهما حبسه وضيق عليه في المطعم والمشرب بأن يمنعه عما زاد على سد الرمق مثلا حتى يختار أحدهما ، ولا يجبره على الطلاق تعيينا ( تضييقا خ ل ) ولا يطلق عنه ولا على التكفير كذلك ، لعدم الدليل عليه ، بل ظاهر ما تسمعه من الأدلة الجبر على أحدهما تخييرا ، لأنه كما إذا لم يجبره على أحدهما قبل المرافعة ، لما عرفت من أن الحق لهما ، بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك ، بل في المسالك ظاهر الأصحاب الاتفاق على هذا الحكم ، بل في نهاية المراد « وهذه الأحكام مقطوع بها في كلام الأصحاب ، وظاهرهم أنه موضع وفاق » وفي كشف اللثام « الاتفاق على هذه الأحكام كما هو الظاهر » وفي الرياض « ظاهر جماعة الإجماع عليه » وظاهرهما معا خصوصا الأخير منهما أن ذلك هو الحجة فيها دون‌ موثق أبي بصير (١) قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل ظاهر من امرأته ، قال : إن أتاها فعليه عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا ، وإلا ترك ثلاثة ، فإن فاء وإلا أوقف حتى يسأل ألك حاجة في امرأتك أو تطلقها؟ فان فاء فليس عليه شي‌ء ، وهي امرأته ، وإن طلق واحدة فهو أملك برجعتها » ‌لقصوره عن تمام المدعى.

وقد تبعا بذلك ثاني الشهيدين في المسالك حيث إنه بعد أن ذكر الخبر‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من كتاب الظهار الحديث ١.

١٦٤

المزبور قال : « وفي طريق الرواية ضعف ، وفي الحكم على إطلاقه إشكال ، لشمول ما إذا رافعته عقيب الظهار بغير فصل بحيث لا يفوت الواجب لها من الوطء بعد مضي المدة المضروبة ، فان الواجب وطؤها في كل أربعة أشهر مرة ، وغيره من الحقوق لا يفوت بالظهار ، أما إذا لم يحرم غير الوطء فظاهر وأما إذا حرمناه فيبقى لها حق القسم على بعض الوجوه ، وهو غير مناف للظهار ، وفي الرواية أمور أخر منافية للقواعد ».

وفيه ـ مع أن الخبر المزبور من قسم الموثق الذي تحقق في الأصول حجيته ـ أنه معتضد بعمل الأصحاب كما اعترف به غير واحد ، فلا بأس بالعمل به حتى في المورد المزبور الذي قد جعل الاشكال فيه ، بل في كشف اللثام « لعل المراد بالفئة الندم والتزام الكفارة ثم الوطء ، لا الوطء ليستشكل بأنها ليس لها المطالبة به إلا في كل أربعة أشهر ، وربما رفعت أمرها بعد الظهار بلا فصل ».

على أن مضمونه منطبق على القواعد العامة ، بل معتضد في الجملة بالأمر بالتفريق بينهما في الخبرين (١) السابقين ، بل ربما تسمعه أيضا في أخبار (٢) الإيلاء المشتمل بعضها على ما ذكره الأصحاب هنا من التضييق عليه في المطعم والمشرب.

نعم هو ظاهر في غير الأمة والمتمتع بها بناء على جواز ظهارهما ، باعتبار ذكر الطلاق فيه ، ومن المعلوم عدم وقوعه عليهما ، بل لعل كلام الأصحاب أيضا كذلك.

كما أنه يمكن دعوى ظهوره كالفتاوى في القادر على الكفارة ، دون العاجز عنها الذي قد ذكرنا سابقا إلزامه بالطلاق ، بناء على عدم الاجتزاء بالاستغفار ،

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب الكفارات الحديث ١ و ٢ من كتاب الإيلاء والكفارات.

(٢) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب الإيلاء من كتاب الإيلاء والكفارات.

١٦٥

لكن في كشف اللثام عن النهاية والغنية والوسيلة لا يجبر على الطلاق بعينه إلا إذا قدر على التكفير وأقام على التحريم مضارة ، بل عن الأخير إجماع الطائفة على ذلك ، وظاهرهم جبره عليه بخصوصه مع قدرته على التكفير وإقامته على التحريم.

وفي الكشف « يعنون أنه إذا لم يقدر على التكفير لم يجبر على شي‌ء ، فان الأصل عدم وجوب الطلاق عليه ، ولعله ندم مما فعله ويشق عليه مفارقة زوجته ، فابتلي هو كما ابتليت ، فهما ينتظران الفرج ».

وفيه أنه مناف لما سمعته سابقا من الصحيح (١) وغيره ، بل لعل قاعدة لا ضرر ولا ضرار ونفي الحرج تقتضيه أيضا ، نعم لو قلنا باجزاء الاستغفار في حال العجز اتجه حينئذ إلزامه به أو الطلاق.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب الكفارات الحديث ١ من كتاب الإيلاء والكفارات.

١٦٦

( ويلحق بذلك النظر في الكفارات )

تبعا للنظر في كفارة الظهار التي هي المقصودة بالبحث هنا ، ولعل ذلك هو الأمر الخامس الذي استدعاه النظر في كتاب الظهار. وعلى كل حال ف فيه مقاصد :

( الأول : )

في ضبط الكفارات ، ولكن ليعلم أنه قد سبق الكلام في كفارات الإحرام ، فلنذكر هنا ما سوى ذلك ، وهي أي الكفارة اسم التكفير الذي هو في الأصل بمعنى السر ومنه الكافر ، لأنه ستر الحق ، بل يقال لليل : كافر ، لأنه يستر من يفعل فيه شيئا ، وفي الشرع العبادة المخصوصة ، نحو الصوم والصلاة والزكاة ، بل يجرى فيها ما يجري فيها من البحث في ثبوت الحقيقة الشرعية وفي كونها اسما للأعم أو الصحيح ، وغير ذلك من المباحث التي حررناها في الأصول.

وفي المسالك « قد عرفها بعضهم بأنها طاعة مخصوصة مسقطة للعقوبة أو مخففة غالبا ، وقيد بالأغلبية لتدخل كفارة قتل الخطأ فيها ، فإنها ليست عقوبة ـ قال ـ : وينتقض في طرده بالتوبة ، فإنها طاعة مخصوصة ، بل هي من أعظم الطاعات ، ثم قد تكون مسقطة للذنب ، كما إذا كان الذنب حق الله تعالى ولم يجب قضاؤه ، وقد يكون مخففة له ، كما إذا ترتب وجوب القضاء (١) أورد الحق ونحوه ، وكذا ينتقض بقضاء العبادات ، فإنه طاعة مسقطة للذنب المترتب على التهاون في الفعل‌

__________________

(١) هكذا في النسختين الأصليتين ، والموجود في المسالك « كما إذا اقترنت بوجوب القضاء ».

١٦٧

إلى أن يخرج الوقت أو مخففة له من حيث افتقار سقوطه رأسا إلى التوبة ».

وفيه أن من المعلوم إرادة التمييز في الجملة من التعريف المزبور الذي هو أشبه شي‌ء بتعاريف أهل اللغة ، كما أن من المعلوم أيضا إرادة الخصوصية المخصوصة التي لا وجود لها في التوبة وقضاء العبادة ، لا جنس الخصوصية ، كما هو واضح.

ثم لا يخفى عليك أن الأمر بالكفارة من حيث هو كذلك لا يقتضي الفور ، إذ هو كغيره من الأوامر المطلقة التي قد حققنا في الأصول عدم دلالتها على الفور ، نعم قد يكون متعلقها حقا للفقراء مثلا يجب أداؤه فورا كغيره من الحقوق المالية نحو الزكاة مثلا ، للأدلة (١) الدالة على ذلك ، هذا.

ولكن في المسالك « واعلم أن الكفارات الواجبة إن لم تكن عن ذنب ككفارة قتل الخطأ فوجوبها على التراخي ، لأن مطلق الأمر لا يقتضي الفور على أصح القولين ، وإن كانت مسقطة للذنب أو مخففة له ففي وجوبها على الفور وجهان : من أنها في معنى التوبة من حيث كانت مسقطة للذنب أو مخففة له ، والتوبة واجبة على الفور ، ومن أصالة عدم وجوب الفورية ، ولا يلزم من مشاركتها للتوبة في ذلك مساواتها لها في جميع الأحكام ، فإنها في الأصل حق مالي أو بدني ، وفي نظائرها من العبادات والحقوق ما يجب على الفور ، ومنها مالا يجب على الفور ، ومنها مالا يجب ، وأصل وجوبه متوقف على دليل يقتضيه غير أصل الأمر ، وأطلق بعضهم وجوبها على الفور مستدلا بأنها كالتوبة الواجبة لذلك ، لوجوب الندم على كل قبيح أو إخلال بواجب ، ولا يخفى فساده على إطلاقه ، فإن منها ما ليس مسببا عن قبيح ، ثم على تقدير فعلها لا يكفي في إسقاط استحقاق العقاب حيث يكون عن ذنب ، بل لا بد معها‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة من كتاب الزكاة والباب ـ ٤٦ ـ من أبواب جهاد النفس الحديث ٣٣ و ٣٦ والباب ـ ٣٩ ـ من فعل المعروف الحديث ٢ و ٦ من كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. والباب ـ ٧ ـ من أبواب الدين والقرض من كتاب التجارة.

١٦٨

من التوبة المشتملة على ترك الذنب في الحال ، والندم على فعله فيما سلف ، والعزم على عدم العود إليه في الاستقبال ، ولو وجب معها قضاء العبادة كافساد الصوم فلا بد معها من القضاء للقادر عليه ، ومثله القول في الحدود والتعزيرات على المعاصي ».

وفيه ـ بعد الإغضاء عما ذكره من القسم الثالث للواجب على الفور وعدمه ـ أن الأصل في الحقوق المالية سواء كانت لشخص معين أو غير معين الفورية إلا مع الإذن من صاحب الحق ، ومن ذلك رد الأمانات الشرعية إلى أهلها فورا وأداء الخمس والزكاة وغيرها ، وكأنه متفق عليه إلا ما دل عليه الدليل (١) من الرخصة في تأخير نحو الزكاة في الجملة طلبا لأفضل مواردها ، بل لعل تأخير الحق عن مستحقية مع حاجتهم إليه من الظلم المحرم عقلا ونقلا (٢) ومن الإضرار المنهي عنه (٣) أيضا.

بل قد يناقش في قوله : « ثم على تقدير فعلها » إلى آخره بأنه قد يظهر من أدلة بعض الكفارات حصول التكفير بها من غير حاجة إلى التوبة ، كما ستسمع ذلك إنشاء الله فيما يأتي.

وكيف كان فالكفارة مرتبة ومخيرة وما يحصل فيه الأمران وكفارة الجمع ، پفالمرتبة قد ذكر في المتن منها ثلاث كفارات ، بل ظاهره كغيره حصرها في ذلك ما عدا كفارات الإحرام.

الأولى كفارة الظهار والثانية كفارة قتل الخطأ وذلك‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب المستحقين للزكاة الحديث ٨ والباب ـ ٥٢ ـ منها الحديث ٢ والباب ـ ٥٣ ـ منها من كتاب الزكاة.

(٢) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة من كتاب الزكاة والباب ـ ٤٦ ـ من أبواب جهاد النفس الحديث ٣٣ و ٣٦ والباب ـ ٣٩ ـ من فعل المعروف الحديث ٢ و ٦ من كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. والباب ـ ٧ ـ من أبواب الدين والقرض من كتاب التجارة.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من كتاب احياء الموات.

١٦٩

لأنه يجب في كل واحدة العتق ، فان عجز فالصوم شهرين متتابعين ، فان عجز فإطعام ستين مسكينا بلا خلاف أجده في الأولى بل عن جماعة الإجماع عليه.

مضافا إلى نص الآية (١) بل وإلى الاستئناس له ببعض المعتبرة وإن لم تكن صريحة ، ففي الموثق (٢) « جاء رجل إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : يا رسول الله إني ظاهرت من امرأتي ، فقال : اذهب فأعتق رقبة ، قال : ليس عندي ، قال : فاذهب فصم شهرين متتابعين ، فقال : لا أقوى على ذلك ، فقال : فاذهب فأطعم ستين مسكينا ، فقال : ليس عندي » وفي المرسل (٣) كالصحيح على الصحيح « في رجل صام شهرا من كفارة الظهار ثم وجد نسمة ، قال : يعتقها ولا يعتد بالصوم » ‌ولا قائل بالفرق لظهور الأمر بالمعين في ذلك.

بل أظهر من ذلك النصوص (٤) التي قد ذكرناها في أول الظهار الواردة في تفسير الآية (٥) بل وغيرها من النصوص التي لا ينكر ظهورها أيضا في ذلك كخبر أبي الجارود (٦) وغيره (٧) فما في جملة من النصوص (٨) من العطف بأو المقتضي للتخيير يجب إرادة بيان ماهية الكفارة منه إن كان فيها الصحيح والموثق وغيرهما ،

__________________

(١) سورة المجادلة : ٥٨ ـ الآية ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب الكفارات الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب الكفارات الحديث ٢.

(٤) الوسائل الباب ـ ١ ـ من كتاب الظهار.

(٥) سورة المجادلة : ٥٨ ـ الآية ٣.

(٦) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من كتاب الظهار الحديث ٥.

(٧) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب الكفارات الحديث ١.

(٨) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من كتاب الظهار الحديث ٢ والباب ـ ١٨ ـ منه الحديث ١ والباب ـ ١ ـ من أبواب الكفارات الحديث ٣ و ٤ و ٦.

١٧٠

لكن لا عامل بها بالنسبة إلى التخيير الذي هو أحد معاني « أو » وإلا فهي تأتي لغيره أيضا ، بل إن أبيت عن ذلك فقد قيل : إنها شاذة لا عمل عليها مخالفة للكتاب وإجماع الأصحاب.

وأما الثانية فهي كذلك على المشهور ، بل عن المبسوط ، نفي الخلاف فيه ، وكذلك المسالك في الديات للاية (١) في الأولين والنصوص (٢) المستفيضة في الثلاثة التي منها‌ صحيح ابن سنان (٣) عن الصادق عليه‌السلام « إذا قتل خطأ أدى ديته إلى أوليائه ثم أعتق رقبة ، فان لم يجد صام شهرين متتابعين ، فان لم يستطع أطعم ستين مسكينا مدا مدا » ‌فما عن سلار وابن حمزة وظاهر المفيد ـ من أنها مخيرة ـ واضح الضعف ، خصوصا بعد أن لم نقف لهم على مستند كما اعترف به غيرنا أيضا إلا الأصل المقطوع بما عرفت ، بل عن النزهة أن القول المزبور مخالف لظاهر التنزيل والإجماع.

ولا يلحق بهما كفارة الجماع في الاعتكاف الواجب عند المصنف لظاهر حصره في غيرها ، وتصريحه في كتاب الصوم بكونها مخيرة ، ولعله كذلك وفاقا للمحكي عن الأكثر‌ للموثقين (٤) « عن معتكف واقع أهله هو بمنزلة من أفطر يوما من شهر رمضان » وزيد في ثانيهما « متعمدا عتق رقبة أو صوم شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا » ‌خلافا لما عن الصدوق ره وجماعة‌ للصحيح (٥) « عن المعتكف يجامع أهله ، قال : إذا فعل فعليه ما على المظاهر » ‌ونحوه الصحيح الآخر (٦) والجمع بينهما بحمل كل منهما على الآخر ممكن إلا أن الشهرة التي هي أقوى المرجحات ترجح الثاني ،

__________________

(١) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٩٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الكفارات والباب ـ ١٠ ـ من أبواب القصاص في النفس الحديث ٤ والمستدرك الباب ـ ٨ ـ من أبواب الكفارات.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الكفارات الحديث ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب الاعتكاف الحديث ٢ و ٥.

(٥) و (٦) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من كتاب الاعتكاف الحديث ١ ـ ٦.

١٧١

ولكن الاحتياط لا ينبغي تركه.

والثالثة كفارة من أفطر يوما من قضاء شهر رمضان بعد الزوال لأنها على المشهور بين الأصحاب رواية وفتوى على ما في المسالك إطعام عشرة مساكين ، فان عجز صام ثلاثة أيام متتابعات ففي‌ صحيح يزيد بن معاوية (١) عن الباقر عليه‌السلام « في رجل أتى أهله في يوم يقضيه من شهر رمضان قبل الزوال لا شي‌ء عليه إلا يوما مكان يوم وإن أتى أهله بعد زوال الشمس فان عليه أن يتصدق على عشرة مساكين لكل مسكين مد ، فان لم يقدر صام يوما مكان يوم ، وصام ثلاثة أيام كفارة لما صنع » ‌وبمعناه الخبر (٢) المنجبر بما سمعت ، مع أن في سنده من أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه.

بل قد يستدل له بصحيح هشام بن سالم (٣) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل وقع على أهله وهو يقضي شهر رمضان ، قال : إن كان وقع عليها قبل صلاة العصر فلا شي‌ء عليه ، يصوم يوما بدل يوم ، وإن فعل بعد العصر صام ذلك اليوم ، وأطعم عشرة مساكين ، فان لم يمكنه صام ثلاثة أيام كفارة لذلك » ‌بناء على ما عن الشيخ من أنه إذا كان وقت صلاتين عند زوال الشمس إلا أن الظهر قبل العصر جاز أن يعبر عما قبل الزوال بأنه قبل العصر لقرب ما بين الوقتين ، ويعبر عما بعد العصر بأنه بعد الزوال بمثل ذلك ، مؤيدا بما سمعت من المعتبرة السابقة والشهرة ، بل قيل والإجماع.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث ١ من كتاب الصوم عن بريد العجلي كما في التهذيب ج ٤ ص ٢٧٨ والاستبصار ج ٢ ص ١٢٠ والفقيه ج ٢ ص ٩٦.

(٢) الخبر الذي قبل بانجباره بما ذكره ( قده ) هو خبر بريد بن معاوية العجلي المتقدم فان في سنده الحارث بن محمد في جميع الطرق وليس هناك خبر آخر بمعناه يكون منجبرا بما ذكره طاب ثراه.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث ٢.

١٧٢

خلافا لما عن الحلبي وابني زهرة وحمزة فخيروا بينهما ، وللقاضي وظاهر الشيخين فجعلوها كفارة يمين ، وهما مع مخالفتهما لما مضى لم نقف على مستند لهما ، وللعماني فأسقطها ، للموثق (١) عن القاضي لرمضان المفطر بعد ما زالت الشمس ، قال : « قد أساء وليس عليه شي‌ء إلا قضاء ذلك اليوم الذي أراد أن يقضيه » وهو وإن كان من الموثق واعتضد بالأصل إلا أنه غير مكافئ لما مر من وجوه ، والصدوقين فجعلاها كفارة شهر رمضان ، للموثق (٢) « عن رجل قضى من شهر رمضان فأتى النساء ، قال : عليه من الكفارة ما على الذي أصاب في رمضان ، لأن ذلك اليوم عند الله تعالى من أيام رمضان » ‌وعن ابن حمزة موافقته على ذلك مع الاستخفاف ، بل عن الشيخ في النهاية وكتابي الأخبار احتماله.

إلى غير ذلك من الأقوال التي تبلغ ثمانية أو تسعة. ( منها ) ـ مضافا إلى ما عرفت ـ ما عن ابن إدريس من أن عليه قضاء يومين : يوم لرمضان ويوم لقضائه ، و ( منها ) ما عن التقي من صوم ثلاثة أيام أو إطعام عشرة مساكين ، و ( منها ) ما عن المفيد في باب الكفارات من التخيير بين كفارة اليمين وبين ما ذكر أولا ، والجميع كما ترى ، وقد أشبعنا الكلام في المسألة في كتاب الصوم ، فلاحظ.

نعم ما ذكره المصنف ـ من اعتبار التتابع في الأيام بل في كشف اللثام حكايته عن الشيخين وجماعة قاطعين به ـ لم أقف له على مستند بالخصوص ، كما اعترف به في كشف اللثام ، بل قد يخالفه عموم‌ قول الصادق عليه‌السلام (٣) « كل صوم يفرق إلا ثلاثة أيام في كفارة اليمين » ‌اللهم إلا أن يدعى انصراف ذلك من الأمر بصوم ثلاثة أيام (٤) خصوصا في الكفارة التي اعتبر التتابع في شهريها فضلا عن الثلاثة ،

__________________

(١) و (٢) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث ٤.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث ١ من كتاب الصوم.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث ١ من كتاب الصوم.

١٧٣

إلا أنه كما ترى.

والمخيرة كفارة من أفطر في يوم من شهر رمضان مع وجوب صومه بأحد الأسباب الموجبة للتكفير التي قد تقدم البحث فيها وفي أصل المسألة في كتاب الصوم ، فلاحظ. بل لا فرق بين إفطاره على محلل أو محرم فلاحظ وتأمل.

وكفارة من أفطر يوما نذر صومه من غير عذر على أشهر الروايتين (١) بل والقولين ، بل عن الانتصار الإجماع عليه ، لعموم ما تسمعه من أدلة كفارة النذر.

وكذا في التخيير كفارة الحنث في العهد سواء كان متعلقة الصوم أو غيره على المشهور أيضا ، بل عن الانتصار أيضا والغنية الإجماع عليه أيضا ، لخبر علي بن جعفر (٢) عن أخيه موسى عليه‌السلام « سألته عن رجل عاهد الله تعالى في غير معصية ما عليه إن لم يف بعهده؟ قال : يعتق رقبة أو يتصدق بصدقة أو يصوم شهرين متتابعين » ‌وخبر أبي بصير (٣) عن أحدهما عليهما‌السلام « من جعل عليه عهد الله وميثاقه في أمر لله طاعة ، فحنث فعليه عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا » ‌وقصور سنديهما منجبر بما عرفت ، فما عن بعض ـ من كونها كفارة يمين بتقريب أنه مثله في الالتزام ـ واضح الضعف وإن أمكن تأييده أيضا بما تسمعه من النصوص (٤) على أن كفارة النذر كفارة يمين ، والعهد مثله أو أولى منه بذلك.

ولكن الأقوى أن الكفارة في النذر مخيرة أيضا وإن قال المصنف‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الكفارات الحديث ٧ و ٤ ، راجع الباب ـ ٧ ـ من أبواب بقية الصوم الواجب من كتاب الصوم.

(٢) و (٣) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب الكفارات الحديث ١ ـ ٢.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الكفارات الحديث ١ و ٣ و ٤ و ٥.

١٧٤

هنا على التردد إلا أن المشهور كونها مخيرة ككفارة شهر رمضان ، بل عن الانتصار والغنية الإجماع عليه ، وهما الحجة بعد تأييدهما بخبري العهد الذي هو مثله ، وبخبر عبد الملك بن عمر (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سألته عمن جعل عليه لله أن لا يركب محرما سماه فركبه ، قال : لا ، قال : ولا أعلمه إلا قال : فليعتق رقبة أو ليصم شهرين متتابعين أو ليطعم ستين مسكينا » ‌وبمكاتبة ابن مهزيار (٢) للهادي عليه‌السلام « كتبت إليه : يا سيدي رجل نذر أن يصوم يوما لله تعالى فوقع ذلك اليوم على أهله ما عليه من الكفارة؟ فأجاب : يصوم يوما بدل يوم وتحرير رقبة مؤمنة » ‌ومكاتبة القاسم الصيقل (٣) على ما في المسالك بناء على عدم خصوصية للصوم ، وأن المراد من الرقبة الإشارة إلى التخيير وإن كان فيه ما فيه ، لاشتراكها بينها وبين كفارة اليمين ، نعم قد يرجح الأول ما سمعت.

وحينئذ فيكون الواجب في كل واحدة من الكفارات الثلاث أو الأربع عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا على الأظهر خلافا للمحكي عن الصدوق في النذر ، فجعلها كفارة يمين ، ووافقه المصنف في النافع وجماعة ، لقول الصادق عليه‌السلام في حسن الحلبي (٤) « إن قلت : لله علي فكفارة يمين » ‌وخبر حفص بن غياث (٥) عنه عليه‌السلام أيضا « سألته عن كفارة النذر ، فقال : كفارة النذر كفارة اليمين » ‌وخبر صفوان الجمال (٦) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قلت له : بأبي وأمي جعلت على نفسي مشيا إلى بيت الله ، قال : كفر يمينك ، فإنما جعلت على نفسك يمينا » ‌إلى آخره‌ ولصحيح ابن مهزيار (٧) قال « كتب بندار مولى‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الكفارات الحديث ٧ عن عبد الملك بن عمرو.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من كتاب النذر والعهد الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث ٣ من كتاب الصوم.

(٤) و (٥) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الكفارات الحديث ١ ـ ٤.

(٦) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الكفارات الحديث ٣.

(٧) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث ٤ من كتاب الصوم.

١٧٥

إدريس يا سيدي إني نذرت أن أصوم كل سبت وإن أنا لم أصمه ما يلزمني من الكفارة؟ فكتب عليه‌السلام وقرأته : لا تتركه إلا من علة ، وليس عليك صومه في سفر ولا مرض إلا أن تكون نويت ذلك ، وإن كنت أفطرت فيه من غير علة فتصدق بقدر كل يوم سبعة مساكين » ‌بناء على قراءة « شبعة » بإبدال السين المهملة بالشين المعجمة مع الباء الموحدة ، والمراد من المساكين العشرة ، أو على السهو من النساخ بإبدال العشرة بالسبعة ، كما يومئ إليه ما حكاه في المسالك من تعبير الصدوق ره في المقنع بمضمونه مبدلا للسبعة بالعشرة ، بل قال : « هو عندي كذلك بخطه الشريف ».

بل أطنب في المسالك في ترجيح الحسن المزبور على خبر عبد الملك سندا ودلالة مؤيدا له بما سمعت من النصوص إلا أنها أجمع موافقة للعامة ، بل في المسالك اتفاق روايات العامة (١) التي صححوها عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على مضمونها ، ومن الغريب ذكر ذلك مؤيدا للحسن ، مع أن الميزان الشرعي بخلافه ، خصوصا في مثل المكاتبة التي يراعى فيها التقية غالبا.

وبذلك ـ مضافا إلى ما سمعته من نصوص العهد والإجماعين والشهرة ـ يظهر لك رجحان الأولى عليها ، فما أطنب فيه في المسالك من ترجيح العكس في غير محله ، كما أنه لا وجه للجمع بينها بحمل السابقة على كفارة النذر المتعلق بالصوم والأخيرة على غيره ، كما عن المرتضى في بعض كتبه ، وابن إدريس والعلامة في غير المختلف ، خصوصا مع عدم الشاهد عليه سوى وجه اعتباري ، وهو مساواته بسبب تعلقه بالصوم لكفارته ، وهو كما ترى.

بل لعل جمع الشيخ بينها بحمل الأولى على غير العاجز والأخيرة عليه أولى ، لشهادة‌ خبر جميل بن صالح (٢) عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام له ، قال : « كل‌

__________________

(١) سنن البيهقي ج ١٠ ص ٦٩ الى ٧٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الكفارات الحديث ٥.

١٧٦

من عجز عن نذر نذره فكفارته كفارة يمين » ‌وإن كان قد يناقش بأن الظاهر إرادة عجز عن المنذور لا عن الكفارة ، فيحمل على ضرب من الندب ، بل ربما كان شاهدا للمختار في الجملة.

ونحوه‌ خبر عمر بن خالد (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام « النذر نذران ، فما كان لله تعالى فف به ، وما كان لغير الله فكفارته كفارة يمين » ‌بناء على أن المراد من غير الله تعالى فيه ما ينذره الإنسان معلقا له على شي‌ء لإرادة عدم فعله نحو اليمين ، وربما احتمل أن المراد كفارة إيقاع النذر لغير الله تعالى.

ولكن لا يخفى عليك بعده وأن ما ذكرناه أقرب منه ، بل قد يشهد له‌ خبر عمر بن حريث (٢) سأل الصادق عليه‌السلام « عن رجل قال : إن كلم ذا قرابة له فعليه المشي إلى بيت الله تعالى وكل ما يملكه في سبيل الله تعالى وهو بري‌ء من دين محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : يصوم ثلاثة أيام ، ويتصدق على عشرة مساكين » ‌بل وخبر علي وإسحاق ابني سلمان عن إبراهيم بن محمد (٣) قال لهما : « كتبت إلى الفقيه عليه‌السلام يا مولاي نذرت أن أكون متى فاتتني صلاة الليل صمت في صبيحتها ، ففاته ذلك كيف يصنع؟ وهل له من ذلك مخرج؟ وكم يجب عليه من الكفارة في صوم كل يوم تركه إن كفر إن أراد ذلك؟ فكتب يفرق عن كل يوم بمد من طعام كفارة » ‌بناء على ن ذلك ضرب آخر من الندب لعدم لزوم هذا النذر.

بل قد يقال : إنه مما ذكرنا ينقدح وجه آخر للجمع بين النصوص ، يحمل‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الكفارات الحديث ٦ عن عمرو بن خالد كما في الاستبصار ج ٤ ص ٥٥.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب الكفارات الحديث ٢ عن عمرو بن حريث كما في التهذيب ج ٨ ص ٣١٠ ـ الرقم ١١٥٣.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الكفارات الحديث ٨ عن على وإسحاق ابني سليمان عن إبراهيم بن محمد كما في التهذيب ج ٤ ص ٣٢٩.

١٧٧

النصوص (١) الدالة على أن كفارته كفارة اليمين على خصوص النذر المراد به ذلك ولو على ضرب من الندب ، وهذا كله سبب رجحان النصوص المزبورة بما سمعت ، فالمتجه حينئذ طرح ما عارضه أو حمله على ما لا ينافيها.

وعلى كل حال فما عن سلار والكراجكي وظاهر بعض ـ من أن كفارة النذر والعهد كفارة الظهار ـ واضح الضعف ، بل لم أعثر له على مستند ، وكذا ما عن الجامع من أنه إن أحنث بما نذره عمدا مع تمكنه منه فان كان له وقت معين فخرج فعليه كفارة شهر رمضان ، فان لم يقدر فكفارة يمين ، وفقه القرآن للراوندي من أن كفارة النذر مثل كفارة الظهار ، فان لم يقدر كان عليه كفارة اليمين.

وأما ما يحصل فيه الأمران وهما التخيير والترتيب فهو كفارة اليمين ، وهي عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم ، فان عجز صام ثلاثة أيام بلا خلاف أجده فيه ، بل في المسالك « الحكم في هذه الكفارة محل وفاق بين المسلمين من حيث إنها منصوصة في القرآن » (٢).

وأما كفارة الجمع ف هي كفارة قتل المؤمن عمدا ظلما ، وهي عتق رقبة وصوم شهرين متتابعين وإطعام ستين مسكينا بالإجماع والمعتبرة المستفيضة (٣) كما في الرياض ، ويأتي تمام الكلام فيها في محله إنشاء الله.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الكفارات.

(٢) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٨٩.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الكفارات والباب ـ ٩ و ١٠ ـ من أبواب القصاص في النفس.

١٧٨

( المقصد الثاني )

( فيما اختلف فيه ، وهي سبع : )

( الاولى : )

من حلف بالبراءة من الله تعالى شأنه أو من رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو من الأئمة عليهم‌السلام المراد بها هنا نفي التعلق دينا ودنيا من سائر الوجوه ، وكذا ما في معناها فعليه كفارة ظهار ، فان عجز فكفارة يمين في المحكي عن الشيخين وجماعة ، بل عن الغنية الإجماع عليه ، بل عنها ذلك بمجرده وإن لم يحنث ، كما عن الطوسي والقاضي.

خلافا للمحكي عن المفيد والديلمي من ترتبها على الحنث ، وعن ابن حمزة عليه كفارة نذر ، وعن الصدوق أنه يصوم ثلاثة أيام ويتصدق على عشرة مساكين ، ولعله لخبر عمر بن حريث (١) المتقدم في المسألة السابقة بناء على أن ما فيه للحلف بالبراءة ، وعن التحرير والمختلف التكفير بإطعام عشرة مساكين ، لكل مسكين مد ، ويستغفر الله تعالى شأنه ، للصحيح (٢) « كتب محمد بن الحسن الصفار إلى أبى محمد العسكري عليه‌السلام رجل حلف بالبراءة من الله ورسوله فحنث ما توبته وكفارته؟ فوقع عليه‌السلام يطعم عشرة مساكين ، لكل مسكين مد ، ويستغفر الله عز وجل » ‌ولا بأس بالعمل بمضمونها لصحتها كما في المسالك.

ولكن قيل كما عن الشيخ وابن إدريس وأكثر المتأخرين : يأثم ولا كفارة ، وهو أشبه بأصول المذهب وقواعده ، لأنا لم نعثر على ما يدل‌

__________________

(١) راجع التعليقة (٢) من ص ١٧٧.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب الكفارات الحديث ١.

١٧٩

على القول الأول بل ولا على أن كفارته كفارة النذر عدا الإجماع الذي هو مع وهنه بشدة الخلاف في المسألة معارض بما عن الشيخ في الخلاف من إجماع الإمامية وأخبارهم على العدم ، فالأصل حينئذ بحاله ، وخبر عمر بن حريث (١) المتقدم مع احتماله ما قدمناه في المسألة السابقة غير جامع لشرائط الحجية كي يصلح قاطعا للأصل ، بل وكذا الصحيح الموهون بالاعراض عنه إلى زمن الفاضل فعمل به في بعض كتبه ، ومن هنا قال المصنف في المحكي عنه من نكت النهاية : « إن ما تضمنه نادر » ولعله لاتفاق جميع ما سمعت من الإجماعين والشهرة البسيطة والمركبة على خلافه ، فلا بأس بحمله على ضرب من الندب.

نعم لا خلاف فيما أجده في أصل الحرمة ، بل الإجماع بقسميه عليه ، من غير فرق بين الصدق والكذب والحنث وعدمه ، وتحليف الصادق عليه‌السلام الرجل الذي افترى عليه بالبراءة من حول الله وقوته (٢) قضية في واقعة خاصة لحكمة من الحكم ، فلا تدل على الجواز الذي قد علمت عدم الخلاف بل الإجماع على عدمه ، بل عن فخر المحققين إجماع أهل العلم على عدم جوازه.

مضافا إلى‌ المرسل (٣) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « إنه سمع رجلا يقول : أنا بري‌ء من دين محمد ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ويلك إذا برئت من دين محمد فعلى دين من تكون؟ قال : فما كلمه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى مات » وعن يونس بن ظبيان (٤) أنه قال لي : « يا يونس لا تحلف بالبراءة منا ، فإن من حلف بالبراءة منا صادقا أو كاذبا فقد بري‌ء منا » ‌بل في التنقيح جاء‌ عنهم عليهم‌السلام (٥) « إذا عرضتم على البراءة منا‌

__________________

(١) راجع التعليقة (٢) من ص ١٧٧.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٣ ـ من كتاب الايمان الحديث ١ و ٣.

(٣) و (٤) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من كتاب الايمان الحديث ١ ـ ٢.

(٥) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب الأمر والنهي الحديث ٨ و ٩ و ١٠ و ٢١ وهو نقل بالمعنى.

١٨٠