جواهر الكلام - ج ٣٣

الشيخ محمّد حسن النّجفي

المسألة ( الرابعة : )

لو ظاهر من زوجته الأمة ثم ابتاعها فقد بطل العقد كما عرفته في محله ، ويتبعه بطلان حكم الظهار لما سمعته. وحينئذ لو وطأها بالملك الجديد لم يجب عليه الكفارة ، للأصل وغيره مما عرفت ، بل هو أقوى من تزويجها بعد طلاقها بائنا ، لاختلاف جنس السبب فيه دونه. ولو ابتاعها من مولاها غير الزوج ففسخ نكاحه سقط حكم الظهار الذي كان قد تعلق به. وحينئذ ف لو تزوجها الزوج بعقد مستأنف لم تجب الكفارة وكذا لو اشتراها منه.

ولو ظاهر السيد أمته المملوكة ـ بناء عليه ـ فباعها من غيره بطل حكم الظهار وإن اشتراها منه بعد ذلك ، وأولى منه ما لو أعتقها ثم تزوجها.

ولو ظاهر غير زوجته الأمة المظاهرة أيضا وعاد ثم قال لمالكها : « أعتقها عن ظهاري » ففعل وقع عتقها عن كفارته وانفسخ النكاح بينهما ، لأن إعتاقها عنه يتضمن تمليكه ، وإذا ملك زوجته انفسخ نكاحه ، ويتبعه بطلان ظهاره لها ، فإذا أراد تزويجها لم يتعلق به حكم الظهار ، لما عرفت ، وكذا لو أعتقها باستدعائه عن كفارة أخرى. ولو ظاهر عن أمته المملوكة وعاد فأعتقها عن ظهاره جاز.

وكذا لو آلى عن زوجته الأمة ووطأها لزمته الكفارة ، فقال لسيدها (١) : « أعتقها عن كفارتي » ففعل جاز وانفسخ النكاح كالظهار ، ولو ظاهر من زوجته الذمية وعاد ثم نقضت المرأة العهد فاسترقت فملكها الزوج فأسلمت وأعتقها عن كفارة ظهاره أو غيرها جاز ، وذلك وغيره كله واضح بحمد الله تعالى.

__________________

(١) في النسخة الأصلية المبيضة والمسودة « فقال سيدها » والصحيح ما أثبتناه.

١٤١

المسألة ( الخامسة : )

إذا قال : « أنت كظهر أمي إن شاء زيد » فقال : « شئت » وقع على القول بدخول الشرط في الظهار والإشكال بعدم العلم بمشيئته فإن قوله أعم من ذلك هين بعد معلومية إرادة المشيئة التي طريقها قوله ، ولو لأنها شي‌ء لا يعلم إلا من قبله ، وكذا لو علقها على مشيئتها أو مشيئته غيرها أو المركب أو غير ذلك من وجوه التعليق ، نعم لو قال المعلق على مشيئته : « شئت إن شاء زيد » مثلا لم يقع ، لعدم قبول المشيئة التعليق.

ولو علقه على مشيئة صبي غير مميز لم يعقل مشيئته للظهار المتوقف على تعقله ، أما المميز ففي المسالك « وجهان : من سلب عبارته شرعا ، وإمكان مشيئته عقلا ، وقبول خبره في نظائر ذلك » وفيه أنه لا إشكال فيه بعد فرض تحقق مشيئته ، لعدم مدخلية عبارته هنا في صحة الظهار حتى يقال : إنها مسلوبة ، بل لو علقها على مشيئة المجنون وكان يمكن تحقق ذلك منه صح وإن جزم هو بعدمه كغير المميز.

ولو علقه على مشيئتها فشائت باللفظ كارهة بالقلب وقع ظاهرا وفي وقوعه باطنا بالنسبة إليها وجهان : من أنه تعليق بلفظ المشيئة ، ولو كان بالباطن لكان إذا علق بمشيئة زيد لم يصدق زيد في حقها ، من ظهور عدم الشرط وهو المشيئة عندها ، ولا يخلو من نظر.

ولو قال : « إن شئت أو أبيت » فقضية اللفظ وقوعه بأحد الأمرين ، نحو « إن قمت أو قعدت » اللهم إلا أن يظهر منه إرادة التنجيز.

ولو قال : إنشاء الله وقع إن قصد التبرك ، وإلا لم يقع ظهار عندنا ، لأنه لم يشأ المحرم ، بل وعند الأشاعرة ، للجهل بالشرط وإن جوزوا مشيئته له ، ولو عكس فقال : « إن لم يشأ الله تعالى » وقع إن كان عدليا ، للعلم بعدم مشيئته له ،

١٤٢

وإن كان أشعريا ففي المسالك وجهان ، أجودهما الوقوع مطلقا.

قلت : قد تقدم جملة من الكلام في ذلك سابقا ، ولكن نقول هنا : إن كلامهم مبني على إرادة الاختيار من المشيئة ، ولذا كان محالا تعلقها عندنا وعند المعتزلة بإيجاد القبيح بخلاف الأشاعرة ، وعلى أنه لا يمكن أن يقع خلاف مشيئة الله ، كما عن الأشاعرة على ما حكاه عنهم في الإيضاح قال : « وجوزه المعتزلة والإمامية » قلت : ومقتضاه حينئذ أن المشيئة أمر آخر ، وبالجملة هذه المسألة كلامية وإن ذكرها الفقهاء على المتعارف منها.

المسألة ( السادسة : )

لو ظاهر من أربع بلفظ واحد لا بأربع ألفاظ فإنه لا خلاف حينئذ في تعدد الكفارة ، ولكن قال : « أنتن علي كظهر أمي » كان مظاهرا منهن بلا خلاف أجده ، بل في المسالك وكشف اللثام الإجماع عليه ، فان فارقهن بما يرفع الكفارة من طلاق ونحوه فلا إشكال ، وإن عاد إليهن أجمع فالمشهور أن عليه عن كل واحدة كفارة بل عن الخلاف الإجماع عليه ، لصدق الظهار عن كل واحدة مع العود إليها وإن اتحدت الصيغة ، ولحسن حفص بن البختري (١) عن الصادق والكاظم عليهما‌السلام « في رجل كان له عشر جوار فظاهر منهن كلهن جميعا بكلام واحد ، فقال : عليه عشر كفارات » ‌وخبر صفوان (٢) قال : « سأل الحسين بن مهران أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن رجل ظاهر من أربع نسوة ، فقال : يكفر لكل واحدة كفارة ، وسألته عن رجل ظاهر من امرأته وجاريته ما عليه؟ قال : عليه لكل واحدة كفارة » الحديث.

خلافا لأبي علي ، فكفارة واحدة ، لاتحاد الصيغة كاليمين ، ولخبر غياث بن إبراهيم (٣) عن الصادق عن أبيه عن علي عليهم‌السلام « في رجل ظاهر من أربع نسوة ،

__________________

(١) و (٢) و (٣) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من كتاب الظهار الحديث ١ ـ ٢ ـ ٣.

١٤٣

قال : عليه كفارة واحدة ».

وفيه منع التلازم بين اتحاد الصيغة وتعدد الظهار الذي هو الأثر الحاصل منها لا نفسها ، كما حققناه في محله ، وبذلك ظهر الفرق بينه وبين اليمين الذي لا إشكال في أنه اسم للعبارة المخصوصة اتحد متعلقها أو تعدد ، ولا ينافي ذلك حكمهم باتحاد البيع الواقع على أعيان متعددة ، ولذا لو ظهر عيب في بعضها كان له فسخ العقد من أصله أو أرش المعيب ، وليس له رد المعيب نفسه خاصة ، لإمكان الفرق بينهما بصحة بيع المجموع من حيث هو كذلك على وجه يكون كل واحد من الأعيان جزء المبيع ، بخلاف المقام الذي لا يصح فيه ظهار المجموع كطلاقه ، ومن هنا اتضح لك كون الظهار بالطلاق أشبه منه باليمين ، وأما الخبر المزبور فهو فاقد شرائط الحجية ، فلا يصلح معارضا للحسن الأول المعتضد بها ، ولو عاد إلى بعضهن دون بعض فعلى المختار تجب الكفارة بعدد من حصل فيها العود ، وعلى القول الآخر تجب الواحدة ولو بالعود إلى الواحدة مع احتمال العدم أصلا ، كما لو حلف أن لا يكلم جماعة بناء على أنه لا يلزمه الكفارة بتكليم بعضهم.

ولو ظاهر من واحدة مرارا وعاد لما قال بعد كل ظهار أو لم يعد بعد كل ظهار بل عاد بعد الأخير وجبت عليه بكل مرة كفارة وفاقا للأكثر ، لظهور الأدلة في سببية كل منها ، والأصل تعدد المسبب بتعدد السبب ، سواء فرق الظهار عن الآخر بأن حصل التراخي بينهما أو وقع في مجلس غير مجلس الأول أو تابعه وإن حكى عن المبسوط نفي الخلاف عن التعدد في صورة التفريق ، وسواء اتحد المشبه به أو تعدد ، وسواء تخلل التكفير أو الوطء أو لا ، بل سواء قصد التأكيد بالثاني والثالث مثلا أو لا وإن حكى عن الشيخ في المبسوط أنه نفى الخلاف عن الوحدة إذا نوى التأكيد ، بل ظاهر الفخر في الإيضاح أن محل الخلاف في غير صورة التأكيد ، ويقرب منه ما في كشف اللثام ، ولكن لم نتحققه ، بل لعل مقتضى إطلاق المتن والقواعد والنافع ومحكي الجامع وابن أبي عقيل وابن زهرة وابن إدريس‌

١٤٤

عدم الفرق ، ولعله لذا صرح في محكي المختلف بعدم الفرق.

ودعوى صدق اتحاد الظهار مع نية التأكيد لا تعدده ممنوعة ، ضرورة أن المؤكد غير المؤكد ، وإطلاق أدلة الظهار تقتضي ترتب الكفارة على مسماه مع العود ، وهو متحقق في المقصود به التأكيد ، مضافا إلى إطلاق‌ صحيح ابن مسلم (١) عن الباقر عليه‌السلام « سألته عن رجل ظاهر من امرأته خمس مرات أو أكثر ما عليه؟ قال : عليه مكان كل مرة كفارة » وصحيحه الآخر (٢) عن أحدهما عليهما‌السلام « سألته عن رجل ظاهر من امرأته خمس مرات أو أكثر ، فقال : قال علي عليه‌السلام : مكان كل مرة كفارة » ‌الحديث. وصحيح الحلبي (٣) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل ظاهر من امرأته ثلاث مرات ، قال : يكفر ثلاث مرات » وخبر جميل (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « فيمن ظاهر من امرأته خمس عشرة مرة ، قال : عليه خمس عشر كفارة ».

فما عن المبسوط ـ : من أنه « إن والى ونوى التأكيد أو أطلق لم يلزمه أكثر من كفارة ، وإن نوى الاستئناف أو فرق تعددت ، تخلل التكفير أو لا » ونحوه عن الوسيلة صريحا والخلاف مفهوما فإنه حكم بالتعدد إذا نوى الاستئناف لكن لم يفرق فيه بين التوالي والتفريق ، ولعله إليه أشار المصنف بقوله ومن فقهائنا من فصل واضح الضعف لما عرفت خصوصا في صورة الإطلاق ، وإن استدل له ـ مضافا إلى ما سمعت ـ بالأصل المقطوع بما عرفت ، و‌خبر عبد الرحمن ابن الحجاج (٥) عن الصادق عليه‌السلام « في رجل ظاهر من امرأته أربع مرات ، في مجلس واحد ، قال : عليه كفارة واحدة » ‌القاصر عن معارضة ما عرفت من وجوه ، فلا بأس بطرحه أو حمله كما عن الشيخ على الاتحاد في الجنس وإن بعد أو على إرادة الظهار أربعا بلفظ واحد أو غير ذلك.

هذا وفي المسالك « أنه يظهر من قول المصنف : « ومن فقهائنا » إلى آخره‌

__________________

(١) و (٢) و (٣) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من كتاب الظهار الحديث ٤ ـ ١ ـ ٢.

(٤) و (٥) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من كتاب الظهار الحديث ٣ ـ ٦

١٤٥

أن منهم من فرق بين ما لو تابع وفرق ، فحكم بالتعدد في الثاني دون الأول ، وفي رواية ابن الحجاج ما يرشد إليه ، لأنه حكم بالاتحاد مع اتحاد المجلس ، وتلك الأخبار الدالة على التعدد مطلقة ، فتحمل على اختلاف المجلس جمعا بين الأخبار ، وهذا قول موجه بالنسبة إلى دلالة الأخبار ، وطريق الجمع بينها ، إلا أنا لم نقف على القائل به من أصحابنا ، نعم نقله الشيخ في المبسوط عن بعضهم ، ومقتضى طريقته أنه من العامة لا من أصحابنا ».

وفيه أنه مع قطع النظر عن ذلك قاصر عن تقييد تلك المطلقات المعتضدة بالعمل وبقاعدة تعدد المسبب بتعدد السبب ، و ( دعوى ) عدم تعدد السبب الذي هو الظهار والعود الذي قد تقدم كون المراد منه الإرادة المتعقبة للوطء ، وهو غير متكرر وإن تكرر الظهار ، سواء تخلل العود بين الظهارات أو وقع آخرا ، لأن المتخلل بعد فرض الرجوع عنه بالظهار المتعقب له لم يكن تتمة السبب ، بناء على المختار من كون العود إرادة الوطء مستمرة إلى تمام التكفير حتى تحصل استباحة الوطء ، وأما الأخير فليس هو إلا عود واحد ( يدفعها ) أن إرادة الوطء المتأخرة مع انضمامها إلى كل واحد من الظهارات المتكررة تصير سببا تاما في الوجوب ، فيتعدد كما اعترف به في التنقيح.

وأضعف منه ما عن أبي علي من أنه إن اختلف المشبه به تعددت الكفارة ، كأن قال : « أنت على كظهر أمي أنت علي كظهر أختي » لأنهما حرمتان انتهكهما ، وإن اتحد اتحدت ما لم يتخلل التكفير ، إذ هو مع منافاته لظاهر الأدلة لا شاهد له.

وكيف كان ف لو وطأها قبل التكفير عن الجميع كفر عن البعض أولا وجب عليه عن كل وطء كفارة واحدة لا أزيد ، للأصل وغيره ، وعن كل مرة بقيت اخرى كما هو واضح.

١٤٦

المسألة ( السابعة : )

إذا أطلق الظهار حرم عليه الوطء حتى يكفر بلا خلاف معتد به ولا إشكال ، لما سمعته من الكتاب (١) والسنة (٢) والإجماع ولو علقه بشرط كما لو قال مثلا : « أنت علي كظهر أمي إن دخلت الدار أو كلمت زيدا » جاز الوطء ما لم يحصل الشرط لعدم تحقق الظهار المشروط به ، فان دخلت أو كلمت زيدا وقع بعد الدخول والتكلم ، سواء طال الزمان أو قصر. وحينئذ ف لو وطأ قبله لم يكفر للأصل وغيره ولو كان الوطء هو الشرط بأن قال : « أنت علي كظهر أمي إن وطأتك » ثبت الظهار بعد فعله كغيره من الشرائط ولا تستقر الكفارة حتى يعود إلى إرادة وطئها ثانيا على الوجه الذي قدمناه سابقا.

وقيل كما عن الصدوق والشيخ في الفقيه والمقنع والهداية والنهاية : تجب الكفارة بنفس الوطء وإن كان ابتداؤه جائزا ، لأن الاستمرار وطء ثان ، وإنما المباح مسماه ، فيجب حينئذ بما زاد على مسماه بالنزع أو غيره ، وهو بعيد ضرورة أن الوطء أمر واحد عرفا من ابتدائه إلى النزع ، والإطلاق محمول على العرف ، والمشروط إنما يقع بعد وقوع الشرط لا قبله ، واستدامة الإفعال ليس أفعالا مستقلة كاستمرار القيام والجلوس مثلا ، نعم لو نزع كاملا ثم عاد وجبت الكفارة وإن كان في حالة واحدة ، لصدق تعدد الوطء حينئذ ، كما هو واضح.

بل في كشف اللثام « وعندي أن شيئا من عبارات تلك الكتب ليس نصا في ذلك ، ففي الفقيه : والظهار على وجهين : أحدهما أن يقول الرجل لامرأته : هي‌

__________________

(١) سورة المجادلة : ٥٨ ـ الآية ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من كتاب الظهار.

١٤٧

كظهر امه ويسكت ، فعليه الكفارة من قبل أن يجامع ، فان جامع من قبل أن يكفر لزمته كفارة أخرى ، وإن قال : هي عليه كظهر امه إن فعل كذا وكذا فليس عليه شي‌ء حتى يفعل ذلك الشي‌ء ويجامع ، فتلزمه الكفارة إذا فعل ما حلف عليه ، ونحوه ما في المقنع والهداية وفي النهاية : ثم إنه ينقسم قسمين : قسم منه يجب فيه الكفارة قبل المواقعة ، والثاني لا تجب فيه الكفارة إلا بعد المواقعة ، فالقسم الأول هو أنه إذا تلفظ بالظهار على ما قدمناه ، ولا يعلقه على شرط ، فإنه تجب عليه الكفارة قبل مواقعتها ، فان واقعها قبل أن يكفر كان عليه كفارة أخرى ، والضرب الثاني لا تجب فيه الكفارة إلا بعد أن يفعل ما شرط أنه لا يفعله أو يواقعها ، فمتى واقعها كانت عليه كفارة واحدة ، فان كفر قبل أن يواقع ثم واقع لم يجزه ذلك عن الكفارة الواجبة بعد المواقعة ، وكان عليه إعادتها ، ومتى فعل ما ذكر أنه لا يفعله وجبت عليه الكفارة أيضا قبل المواقعة ، فإن واقعها بعد ذلك كان عليه كفارة أخرى ـ قال ـ : والظاهر أن معنى هذه العبارات أن عليه الكفارة بعد المواقعة إذا عاد لما قاله ، فارتفع الخلاف من البين ». قلت : وعلى تقديره فلا ريب في ضعفه.

ولو علقه بنفي فعل كقوله : « إن لم تدخلي الدار » لم يقع إلا عند اليأس من الدخول بموت أحدهما قبله ، فيحكم بوقوعه قبل الموت ، ونحوه لو قال : « أنت على كظهر أمي إن لم أتزوج عليك » فإنه يصير مظاهرا عند اليأس بالموت ، ولكن لا كفارة عليه ، لعدم العود بعده ، لأن الموت عقيب صيرورته مظاهرا.

نعم لو علق النفي بإذا بأن قال : « إذا لم تدخلي » ففي المسالك « وقع عند مضى زمان يمكن فيه إيقاع ذلك الفعل من وقت التعليق فلم يفعل والفرق بين الأداتين أن « إن » حرف شرط لا إشعار له بالزمان ، و « إذا » ظرف زمان كمتى في التناول للأوقات ، فإذا قيل له : « متى ألقاك » صح أن يقول له : « متى شئت » أو « إذا شئت » ولا يصح « إن شئت » فقوله : « إن لم تدخلي الدار » معناه « أي‌

١٤٨

وقت فاتك دخولها » (١) وفواته بالموت ، وقوله : « إذا لم تدخلي الدار » معناه « أي وقت فاتك الدخول » فيقع الظهار بمضي زمان يمكن فيه الدخول به ، ويحتمل وقوعه في الموضعين بمضي زمان يمكن فيه الفعل ، لدلالة العرف عليه ، ويقوى الاحتمال مع انضباطه ، وفي معنى « إذا » « متى » و « أي وقت ». ».

قلت : قد يقال : إن المحتمل مساواة « إذا » لأن في العرف الان في هذا التركيب ، فإنه لم يرد منها إلا معنى الشرطية الحاصلة بأن لا العكس ، وفرق واضح فيه بينها وبين « متى » و « أى وقت » كما لا يخفى بأدنى التفات ، والأمر سهل بعد أن كان المدار على المفهوم عرفا منه.

ولو علقه بالحمل فقال : « أنت علي كظهر أمي إن كنت حاملا » فإن كان بها حمل ظاهر وقع في الحال ، وإلا ففي المسالك « إن ولدت لأقل من ستة أشهر من التعليق بان وقوعه حين التعليق ، لوجود الحمل حينئذ ، وإن ولدت لأكثر من أقصى مدة الحمل أو بينهما ووطئت بعد التعليق وأمكن حدوثه به بأن كان بين الوضع والوطء ستة أشهر فأكثر لم يقع ، لتبين انتفاء الحمل في الأول ، واحتمال حدوثه بعد التعليق في الثاني ، وإن لم يطأها بعد التعليق بحيث يمكن حدوثه به ففي وقوعه وجهان : من احتمال حدوثه بغير الوطء كاستدخال المني ، والأصل عدم تقدمه ، ومن أن ذلك نادر ، والظاهر وجوده عند التعليق ، وهذا هو الأقوى ».

قلت : قد يقال : إن المدار على الحمل عرفا ، ولا يتحقق صدقه بالولادة لدون الستة أشهر التي بها ينكشف استعداد النطفة للانعقاد الذي هو منشأ الحمل ، كما قدمنا ذلك سابقا.

كما أنه قد يقال بعدم تحقق الحمل عرفا عند التعليق بالولادة بين الأدنى والأقصى وإن لم يحصل وطء من الزوج ، إذ الوطء حال النوم وغيره محتمل ،

__________________

(١) هكذا في النسختين المخطوطتين المبيضة والمسودة ، وفي المسالك « ان فاتك دخولها » وهو الصحيح.

١٤٩

والأصول متعارضة ، فلا يقين بإحراز صدق الحمل حال التعليق ، ونفيها شرعا بالنسبة إلى إلحاق الولد ونحوه لا يقتضي نفيها بالنظر إلى صدق النسب العرفية ، والظهور الذي ذكره أقصاه الظن ، وهو لا يجدى في تحقيق النسب إذا كانت عنوانا لحكم شرعي كما هو واضح.

ولو قال : « إن ولدت أنثى » فولدتها وقع حين تحقق الولادة ، ولو قال : « إن كنت حاملا بها » تبين بولادتها وقوعه حين التعلق وإن توقف ظهوره على الولادة ، وتظهر الفائدة ، في احتساب المدة من حينه لو كان قد وقته بمدة وفي غير ذلك.

ولو علقه بالحيض فقال : « إن حضت حيضة » لم يقع حتى تنقضي أيام حيضها ، ولو قال : « إن حضت » واقتصر ففي المسالك « وقع إذا رأت دما محكوما بكونه حيضا إن كانت معتادة ، فلو رأته في عادتها وقع برؤية الدم ، وإلا فبمضي ثلاثة أيام ، وعلى القول بحيضها برؤية الدم مطلقا أو مع ظنه يقع كذلك ، ويحتمل توقفه على ثلاثة مطلقا ، إذ به يتحقق أنه ليس بدم فساد ، والفرق بينه وبين العبادة والتحريم أن الظهار لا يقع إلا بيقين ، وأحكام الحيض يثبت بالظاهر ».

قلت : إذا كان المدار في الظهار على ذلك لم تجد الثلاثة ولا الرؤية في زمن العادة ، ضرورة عدم حصول اليقين بذلك ، وإن جرى عليه حكم الحيض بالنسبة إلى الأحكام الشرعية التي مرجعها إلى الموضوع الشرعي بخلاف التعليق العرفي المراد به الموضوع الواقعي ، كما اعترف به. نعم قد يقال : إن المنصرف من نحو ذلك إرادة التعليق على الموضوع الشرعي ، وحينئذ يتجه الاجتزاء به مطلقا.

ولو قال لها ذلك وهي حائض لم يقع إلا بحيضة مستأنفة ، وفي المسالك « ومتى قالت : حضت فالقول قولها ، بخلاف ما لو علقه على دخول الدار فقالت : دخلتها ، فإنها تحتاج إلى البينة ، والفرق عسر إقامة البينة على الحيض ، وغاية عسرها مشاهدة الدم ، وذلك لا يعرف إذا لم يعرف عادتها وأدوارها ، فلعله دم فساد ، فاكتفى‌

١٥٠

الشارع فيه بقولها ، وقد تقدم في كتاب الطلاق ما يدل عليه من النص (١) ومثله لو قال : « إن أضمرت بغضي » فقالت « أضمرت » فالقول قولها لعسر الاطلاع ، بخلاف الأفعال الظاهرة ، كدخول الدار ، لسهولة إقامة البينة عليها ».

قلت : قد يقال : إنه لا مدخلية للعسر هنا ، إذ أقصاه عدم ثبوت الظهار ، واكتفاء الشارع بقولها في ذلك بالنسبة إلى ما رتبه من الأحكام لا يقتضي الاكتفاء به في مثل المقام ، نعم إن كان قصد المظاهر ذلك اتجه الاكتفاء به وإلا فلا ، كما هو واضح.

ولو تعدد الشرط بأن قال : « إن دخلت أو كلمت » مثلا وقع بأي واحد منهما ، ثم لا يقع بالاخر شي‌ء ، لأنهما ظهار واحد ، نعم لو قال : « إن دخلت دار فلان فأنت على كظهر أمي وإن كلمت زيدا فأنت علي كظهر أمي » ووجد الشرطان وقع الظهاران ، ولو قال : « إن دخلت الدار وكلمت زيدا » فلا بد من وجودهما معا لوقوعه ، من غير فرق بين تقدم الكلام على الدخول وبالعكس بناء على أن الواو لمطلق الجمع كما هو الأصح ، أما على الترتيب فيعتبر تقديم الدخول على لكلام ، لأنه يكون كما لو قال : « إن دخلت ثم كلمته » كما هو واضح.

ولو قال : « أنت علي كظهر أمي إن دخلت الدار إن كلمت زيدا » ففي المسالك « لا بد منهما في وقوعه ، ويشترط تقديم المذكور أخيرا ـ وهو الكلام ـ على المذكور أولا وهو الدخول ، لأنه جعل الكلام شرطا لتعليق الظهار بالدخول ، ويسمى ذلك اعتراض الشرط على الشرط والتعليق يقبل التعليق كما أن التنجيز يقبله ، نظير قوله تعالى (٢) ( وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ ) المعنى : إن كان الله يريد أن يغويكم فلا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم ».

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب العدد الحديث ١ من كتاب الطلاق.

(٢) سورة هود عليه‌السلام : ١١ ـ الآية ٣٤.

١٥١

قلت : قد يقال : إن المفهوم منه عرفا التعليق على الدخول والكلام مطلقا كما عن بعض ، فلا يشترط الترتيب بينهما حينئذ ، ويقع الظهار بحصولهما كيف اتفق ، لأنه ذكر صفتين من غير عاطف ، فلا وجه لاعتبار غير الدخول ، أو يقال : إن المفهوم منه عرفا التعليق على الدخول والكلام حاله ، وعلى كل حال هو غير ما ذكره.

ولو علقه على مخالفتها الأمر فقال : « إن خالفت أمري » ثم قال لها : « لا تكلمي زيدا » مثلا فكلمته ففي المسالك « لم يقع الظهار ، لأنها ما خالفت أمره ، وإنما خالفت نهيه ، ويحتمل الوقوع نظرا إلى أنه يسمى في العرف مخالفة أمره ، ويقوى ذلك إن استقر العرف عليه ، وإلا فالعبرة بالمعنى المصطلح عليه ».

قلت : قد ذكروا أن للفظ الأمر معاني متعددة ، منها القول ، فمع قيام القرينة على واحد منها يكون هو المتبع ، وإلا كان المرجع العرف لا الاصطلاح الخاص ، إلا أن يكون المظاهر من أهله وقصد بالأمر الاصطلاح المزبور.

ولو علقه على مخالفة النهي ثم قال لها : « قومي » فقعدت ففي المسالك « في وقوعه أوجه مبنية على أن الأمر بالشي‌ء هل هو نهي عن ضده مطلقا أو ضده العام أو ليس نهيا عنهما؟ فعلى الأول يقع الظهار بفعلها ما يخالف أمره دون الأخيرين ، هذا كله إذا لم يدل العرف على شي‌ء ، وإلا عمل بمقتضاه مقدما على القاعدة الأصولية ، لأن التعليقات تحمل على الأمور العرفية لا على القواعد الأصولية ، هذا إن انضبط العرف ، وإلا رجع إلى الاصطلاح ».

وفيه ما عرفت من أنه مع فرض عدم دلالة العرف يتجه الحكم بعدم الوقوع لا الرجوع إلى الاصطلاح إلا على الوجه المزبور ، على أنه كما أن الأمر بالشي‌ء نهي عن ضده فكذا النهي عن الشي‌ء أمر بضده ، فكان عليه بناء المسألة الأولى على ذلك أيضا ، والجميع كما ترى.

١٥٢

ولو علقه بقذفها زيدا مثلا وقع بقذفها له حيا وميتا ، لأن قذف الميت كقذف الحي في الصدق سواء ، بخلاف ما لو علقه على تكليمها له ، فإنه لا يقع إلا أن يسمع كلامها ، كما اعترف به في المسالك ، لكن قال : « ولو منع من السماع لعارض كذهول وصمم فوجهان » وفيه أن المتجه عدم اعتباره حينئذ.

ولو علقه بالضرب ففي المسالك أيضا « لم يقع بضربه ميتا » وفيه منع ، وعلى كل حال فلا يشترط إيلامه به ، للصدق عرفا بدونه.

ولو قال : « إن قذفته في المسجد » اعتبر كونها في المسجد دونه ، وإن قال : « إن ضربته في المسجد » ففي المسالك اعتبر كون المضروب فيه ، قال : « والفرق أن قرينة الحال تشعر بأن المقصود الامتناع عما يهتك حرمة المساجد ، وهتك الحرمة تكون بالقذف فيه والضرب فيه ».

قلت : قد يقال : إن المدار على صدق اللفظ من حيث نفسه ، وإلا فالقرائن لا ضبط لها ، وهو يصدق على ضربها وهي في المسجد وإن كان المضروب خارجا.

ولو علقه برؤية زيد مثلا وقع برؤيتها له حيا وميتا مستيقظا ونائما ، ويكفي رؤية شي‌ء من بدنه وإن قل ، ولو كان كله مستورا لم يقع ، ولا يكفي رؤيته في المنام قطعا ، نعم لو رأته في ماء صاف لا يمنع الرؤية أو من وراء جسم شفاف كالزجاج وقع ، لصدقها وإن تخلل الماء مثلا لكنه كتخلل أجزاء الهواء ، ولذا لا تصح صلاة المتستر به ، ولو رأته بالمرآة مثلا أو بانعكاسه بالماء فوجهان : من حصول الرؤية في الجملة ، وكون المرئي مثاله لا شخصه ، وهو الأصح. ولو حدث في المرأة العمى لم يقع قطعا وإن حضر عندها ، بل لعله كذلك لو علق الظهار عليه وهي عمياء إلا أن يراد بالرؤية حينئذ الحضور.

ولو علقه بالمس وقع إذا مست شيئا من بدنه حيا كان أم ميتا ، نعم في المسالك « ويشترط كون الممسوس مما تحله الحياة ، فلا يقع بمس الشعر والظفر ، إذ لا يقال لمن مسها من إنسان : أنه مسه ، مع احتماله ، وفي اعتبار كون مسها‌

١٥٣

بباطن كفها أو يعم سائر بدنها وجهان : أجودهما الثاني ، والوجهان آتيان في مس المحدث للقرآن ، نعم يشترط كونه بما تحله الحياة من بدنها كما يشترط ذلك في الممسوس ، ومثله يأتي في مس الميت على الوجه الذي يوجب الغسل ».

قلت : قد ذكرنا في ذلك المبحث ما يعلم منه ما في كلامه هنا ، فلاحظ وتأمل.

ولو قلنا بوقوعه موقتا فقال : « في شهر كذا » وقع أول جزء من ليلة هلاله ، ولو قال : « في نهار شهر كذا » أو « في أول يوم منه » وقع عند طلوع الفجر من أول أيامه ، وكذا لو قال : « في يوم كذا » ولو قال : « في آخر الشهر » وقع في آخر جزء منه ، لا أول جزء من ليلة السادس عشر ، لأن النصف الثاني كله آخر الشهر ، ولا في أول اليوم الآخر منه ، ولو قال : « عند انتصافه » ففي المسالك « وقع عند غروب الشمس من اليوم الخامس عشر ، لأنه مسمى النصف ، ولهذا يقال : ليلة النصف من شعبان مثلا » وفيه منع مع فرض هلاله ناقصا ، اللهم إلا أن يعد ذلك نصفا عرفا.

ثم لا يخفى عليك أن الأمر المعلق عليه إن فعله فاعله عمدا أو كان الغرض مجرد التعليق عليه ـ كقدوم الحاج أو السلطان ونحوهما ـ وقع الظهار عند حصول شرطه مطلقا ، أما لو كان الغرض منه المنع ، كما لو قال : « إن دخلت دار فلان أو كلمته » فدخلته أو كلمته جاهلة بالتعليق أو ناسية أو مجنونة أو مكرهة أو علق هو ذلك على فعله قاصدا منع نفسه منه ففي المسالك « في وقوعه وجهان : وجود المعلق به ، وليس النسيان ونحوه دافعا للوقوع ، ومن عموم‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) : « إن الله تعالى وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه » ‌والمراد رفع المؤاخذة أو رفع الأحكام ، والتفصيل متوجه نظرا إلى القصد ».

قلت : لا يخفى عليك ما في الذي جعله وجها للثاني ، كما لا يخفى عليك أن المدار على صدق ما علق عليه الظهار.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من كتاب الايمان الحديث ٥.

١٥٤

المسألة ( الثامنة : )

يحرم الوطء على المظاهر إذا عاد ما لم يكفر سواء كفر بالعتق أو الصيام أو الإطعام بلا خلاف معتد به أجده ، بل هو فيمن فرضه الأولان موضع وفاق بين المسلمين ، والنصوص (١) من الطرفين وافية ، مضافا إلى الكتاب (٢) بل هو كذلك أيضا في الثالث ، خلافا للإسكافي منا ، وقد عرفت ضعفه وضعف دليله فيما تقدم.

ولو وطأها خلال الصوم الذي هو الكفارة استأنف وفاقا للمحكي عن الشيخ بل في المسالك نسبته إلى الأكثر ، سواء صام من الشهر الثاني يوما أو لا ، وسواء كان ذلك في ليل أو نهار ، للنص كتابا (٣) وسنة (٤) على وجوب تقديم صيام الشهرين على المسيس ، ولما عرفت من وجوب كفارتين عليه إذا وطأ قبل التكفير ، ولا ريب في صدقه في الفرض ، لكون الكفارة اسما للمجموع ، فيلزمه حينئذ كفارتان تامتان ، والأصل عدم وجوبهما مع إيجاب إتمام ما تخلله الوطء ، بل ولا قال به أحد.

وقال شاذ منا وهو ابنا إدريس وسعيد على ما حكي عنهما لا يبطل التتابع لو وطأ ليلا لأنه عبارة عن اتباع صوم اللاحق للسابق من غير فارق ، وهو متحقق إن وطأ ليلا ، فيصدق صيام شهرين متتابعين في الفرض ، وغاية ما يستفاد من الآية (٥) وجوب تقديم الصوم المتتابع على الوطء ، فيأثم حينئذ بالوطء خلاله ،

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من كتاب الظهار وسنن البيهقي ج ٧ ص ٣٨٦.

(٢) و (٣) و (٥) سورة المجادلة : ٥٨ ـ الآية ٣.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من كتاب الظهار.

١٥٥

ولا دليل على الاستئناف ، بل الأصل وغيره يقتضي عدمه ، على أن الاستئناف لا يجديه شيئا ، فإنه لا يصدق على المستأنف أنه كفر قبل الوطء ، بل الإكمال أولى ، لأن بعض الشهرين قد حصل قبل التماس ، كما أن وجوب الكفارتين عليه لا يقتضي الاستئناف أيضا ، إذ يمكن أن يكون أحدهما ما تخلله الوطء ، واختاره في المسالك لما عرفت ، ولأنه لو وقع قبل الشروع يجتزئ بالصوم بعده مع عدم صدق الإتيان به قبل التماس فكذا الفرض.

ولعله لذا قال في القواعد : « الأقرب أن الوطء إن وقع ليلا وجب الإتمام مطلقا والتكفير ثانيا ، وكذا إن وقع نهارا بعد أن صام من الثاني شيئا ، وإن كان قبله استأنف وكفر ثانيا » وحاصله ملاحظة تتابع الشهرين المعتبر في الكفارة وعدمه.

قلت : لا ريب في كون المراد هنا بالتتابع أمرا زائدا على المعتبر في الكفارة ، وهو كون الشهرين معا يقعان قبل التماس ، فمع فرض حصول الوطء في أثنائهما ولو ليلا بعد حصول تتابع الكفارة لم يحصل الامتثال.

والأصل في النزاع عبارة الشيخ في المبسوط والخلاف ، حيث عبر في المحكي منهما عن المعنى المزبور ببطلان التتابع ، فيبطل ما تقدم من الصوم ويستأنف الشهرين ، فاعترض عليه ابن إدريس بأنه لا يبطل التتابع بذلك ، لأنه عبارة عن اتباع صوم يوم لا حق بصوم يوم سابق من غير فارق ، وهذا متحقق مع الوطء ليلا ، ولا يستأنف الكفارة لأنه لا يبطل من الصوم شي‌ء ، فلا يجب عليه الاستئناف ، بل يتم صومه وعليه كفارة أخرى للوطء ، وإن كان الوطء نهارا من غير عذر قبل أن يصوم من الشهر الثاني شيئا وجب عليه الاستئناف للكفارة التي يوجبها الظهار وكفارة أخرى للوطء عقوبة ، وكان مراد ابن إدريس أنه لا دليل على اعتبار أزيد من التتابع المعتبر في الكفارة في الصحة والفساد ، نعم يجب شرعا كتابا (١) وسنة (٢) كونها قبل التماس ،

__________________

(١) سورة المجادلة : ٥٨ ـ الآية ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من كتاب الظهار.

١٥٦

وذلك لا يقتضي أزيد من الإثم ، لا البطلان الذي لا يمكن تلافيه بالاستئناف الذي هو واقع أيضا بعد التماس ، وفرض تماس آخر مع أنه غير محل البحث يمكن فرض عدمه بموت المرأة مثلا وطلاقها ، وليس في أدلة (١) تعدد الكفارة بالوطء قبل التكفير إلا وجوب كفارة أخرى غير كفارة الظهار به على وجه لا ينافي الاجتزاء بما وقع منها للظهار ، كما لا يخفى على من لاحظها.

ولعله لذا وافقه الفاضل والشهيدان مؤيدا ذلك بأصالة صحة ما وقع ، وبما عرفته من أنه لو اعتبر القبلية شرطا لم تجب الكفارة للظهار مع فرض الوطء قبل الشروع في التكفير ، ضرورة عدم التمكن حينئذ من الإتيان بالمأمور به على وجهه ، مع أنه لا خلاف في وجوبها بل ولا إشكال ، وليس ذلك إلا لأن القبلية المزبورة واجبة تعبدا لا شرطا ، ولعله لذا وافقه عليه الفاضل والشهيدان في الدروس والمسالك.

لكن الانصاف عدم خلو المسألة بعد عن الإشكال ، ضرورة عدم إمكان إنكار ظهور الآية (٢) وما شابهها من الرواية (٣) في توقف صدق امتثال الأمر المزبور على القبلية المذكورة كما في سائر القيود التي تذكر في المأمور به ، وكان مقتضى ذلك تعذر المأمور به مع فرض الوطء قبله ، ويتبعه حرمة الوطء عليه أبدا ، بل يلزم بالطلاق مع مطالبة المرأة إلا أن الأدلة المعتضدة بالفتوى قد صرحت بإجزاء الكفارة عن الظهار عنه في هذا الحال ، وهو لا يقتضي الاجتزاء بالكفارة التي تخللها الوطء ، ودعوى الأولوية ممنوعة على مدعيها ، بل المتجه بقاؤها على اقتضاء اشتراط القبلية عدم الاعتداد بها ، وليس ذلك لكون الاستئناف محصلا للمأمور به كي يتجه ما أورده الخصم من أن الاستيناف أيضا لا يحصل معه المأمور به ، لكون الفرض‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من كتاب الظهار.

(٢) سورة المجادلة : ٥٨ ـ الآية ٣.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من كتاب الظهار.

١٥٧

حصول التماس ، بل لأن به يقين البراءة إما للإجماع ، أو لأنه كمن وطأ قبل أن يشرع في التكفير ، أو للقطع بعدم الزيادة عليه.

بل قد ينقدح من ذلك طريق آخر لإثبات المطلوب ، وهو انحصار الأمر في الاستئناف ، وذلك لفساد امتثال الأمر بالفعل قبل التماس بالمس في أثنائه ، فلم يبق إلا الأمر بالتكفير لمن وطأ قبل أن يكفر ، وليس هو إلا ابتداء تكفير لا إتمامه.

بل قد يقال باقتضاء قاعدة الشغل ذلك أيضا ، للقطع بعدم سقوط التكليف عنه ، ولكن لم يعلم المكلف به هل هو الإتمام أو الاستئناف ، فيجب الأخير مقدمة للبراءة اليقينية بعد القطع بعدم وجوبهما معا عليه ، بل لا محيص عنها مع فرض تصادم الأدلة أو خلوها عما يرجح به أحد القولين ، ولعله لذا كان خيرة فخر المحققين الاستئناف حاكيا له عن والده في المختلف والتحرير.

بل في المتن بعد قوله : « وقال شاذ منا » إلى آخره وهو غلط معرضا به بابن إدريس وكأنه ظن أن ابن إدريس لم يفهم المراد بالتتابع في كلام الشيخ ، لكن الإنصاف أن المسألة في غاية الغموض ، ولا يستأهل القائل بالإتمام الحكم بغلطيته ، بل هو قول قوي ونظر حسن ، كما عرفت ذلك كله.

بل قد عرفت اختيار جملة من الأساطين له كالفاضل والشهيدين والكركي ، ولعله لذا قال الأخير في حاشيته على الكتاب : « والحق أن ما غلطه به المصنف من التغليط ونسبه إلى الشذوذ توغل في الخشونة وخروج عن الانصاف » قلت : ويمكن أن يكون قد تنبه المصنف لذلك فيما بعد فضرب على هذا ، ولكن قد تكثر النسخ فإنه يحكى عن جملة منها خلوها عن ذلك.

ومن التأمل فيما ذكرنا ظهر لك الوجه فيما ذكره الفاضل في القواعد ، فإنه بعد أن حكى القولين في المسألة قال : « وهل يكفي الاستئناف عن كفارة الوطء قبل إكمال التكفير إشكال » إذ هو ليس إلا من جهة حصول الوطء في الأثناء ، فلا يدخل‌

١٥٨

فيما دل (١) على إيجابه الكفارة زيادة على كفارة الظهار ، لظهوره فيمن وطأ قبل أن يشرع في التكفير ، لكن قد عرفت أنه بإفساده الكفارة التي وقع في أثنائها صار كالوطء قبل التكفير ، ولعله لذا وغيره لم أجد خلافا في إيجابه الكفارة أيضا حتى من الفاضل في غير المقام.

وبالجملة فالمسألة غير منقحة في كلامهم ، وتحقيقها ما سمعت ، والحمد لله ، ولا يصعب عليك الالتزام بفساد الصوم بالوطء ليلا ، إذ هو ليس من حيث كونه مفطرا ، بل هو من حيث فوات شرط الكفارة كما هو واضح ، بل لعل مثله يجري في الإطعام أيضا وإن لم يذكروه.

وهل يحرم عليه أي المظاهر بظهاره ما دون الوطء كالقبلة والملامسة؟ قيل والقائل الشيخ وجماعة على ما قيل نعم ، لأنه مماسة لغة ، والأصل عدم النقل والاشتراك ، ولأنه مقتضى تشبيهها بالأم التي يحرم فيها غير الوطء من الاستمتاع بها ، واختاره في القواعد ، بل ظاهرها تحريم مطلق الاستمتاع حتى النظر المحكي عن ظاهر بعض الأصحاب التصريح بحليته.

وعلى كل حال ففي أصل تحريم غير الوطء من اللمس بشهوة ونحو ه‍ عليه إشكال ينشأ من اختلاف التفسير للمماسة في الآية الشريفة (٢) المتعارف الكناية بها عن الوطء في غير المقام ، فيحصل الظن بإرادته منها هنا وإن كان المسيس أعم من ذلك لغة ، بل في حاشية الكركي أنها كناية مشهورة عنه ، ويعضده التفسير فيحمل عليه ، بل عن ابن إدريس الاتفاق على إرادته منه هنا.

يؤيده أنه المنساق من نصوص الباب (٣) خصوصا ما جاء في العود المفسر‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من كتاب الظهار الحديث ٦.

(٢) سورة المجادلة : ٥٨ ـ الآية ٣.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من كتاب الظهار.

١٥٩

فيها بإرادة الوطء (١) وخصوص ما تسمعه من صحيح أبي بصير (٢) في المسألة الآتية ولا أقل من الشك ، والأصل الحل ، والتشبيه بالأم يمكن كون المراد منه حرمة الوطء المستفاد من قوله تعالى (٣) ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ ) خصوصا بعد أن لم تخرج المرأة عن ملك الاستمتاع بها ، فيمكن أن يكون مفاد الظهار حينئذ حرمة وطئها كالحيض والصوم وإن كان في الشرع أحوال للمرأة بالنسبة إلى الاستمتاع بها الذي قد يحرم على الزوج ، كالمحرمة والمعتكفة ، لكن لا ريب في أن الأصل الحل حتى يثبت ما يقتضي التحريم على العموم ، كما هو واضح.

المسألة ( التاسعة : )

إذا عجز المظاهر عن خصال الكفارة أو ما يقوم مقامها إن قلنا به كما ستسمع التحقيق فيه في محله إنشاء الله عدا الاستغفار قيل والقائل الشيخ وجماعة ، بل نسبه غير واحد إلى الأكثر يحرم عليه الوطء حتى يكفر للأصل بعد إطلاق الأدلة كتابا (٤) وسنة (٥) حرمة الوطء قبل التكفير ، بل أمره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لسلمة بن صخر (٦) بالأخذ من صدقة قومه والتكفير منها كالصريح في‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من كتاب الظهار الحديث ٤ و ٨ و ١٠ والباب ـ ١٥ ـ منه الحديث ٦.

(٢) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب الكفارات الحديث ١ من كتاب الإيلاء والكفارات.

(٣) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٢٣.

(٤) سورة المجادلة : ٥٨ ـ الآية ٣.

(٥) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من كتاب الظهار.

(٦) المستدرك الباب ـ ١ ـ من كتاب الظهار الحديث ٤.

١٦٠