جواهر الكلام - ج ٣٣

الشيخ محمّد حسن النّجفي

الملامسة وغيرها من ضروب الاستمتاع ، لإطلاق أدلة الظهار الممكن تحقق فائدته بامتناع غير الوطء من الاستمتاع نعم لو قلنا باختصاصه بالوطء لم يقع منهما ظهار ، لعدم فائدته ، بل في المسالك « هذا كله إذا لم نشترط الدخول بالمظاهرة ، وإلا لم يقع منهما مطلقا ، حيث لا يتحقق منهما الدخول » قلت : قد يفرض عروض ذلك لهما بعد الدخول ، والأمر سهل.

وزاد في القواعد الخنثى ، وأورد عليه بأنه يجوز أن يكون امرأة وآلة الرجل زيادة ، فلا يتحقق الوطء الصادر من الرجال الذي هو مناط الظهار. وفيه أن المتجه عدم جواز تزويج الخنثى المشكل من أصله ، لعدم العلم بكونه رجلا ، ويمكن أن يريد العنين من الخنثى في كلامه ، لغلبة التعنين في الخناثي ، والله العالم.

وكذا يصح الظهار من الكافر وفاقا للأكثر نقلا إن لم يكن تحصيلا ، لإطلاق الأدلة ولكن منعه الشيخ وتبعه القاضي وسبقه الإسكافي فيما حكي عنهما ، بل ظاهر مبسوط الأول الإجماع عليه التفاتا إلى تعذر الكفارة منه التي هي من لوازم الظهار إذ هي عبادة لا تصح منه ، وإلى أنه حكم شرعي فكيف يصح ممن لا يقربه ولا ريب في أن المعتمد المزبور لهم في المنع ضعيف غير صالح لتخصيص العموم ، وذلك لإمكانها أي الكفارة منه بتقديم الإسلام القادر عليه ، ولذلك كان مكلفا بالفروع.

وما يقال من أن الذمي يقر على دينه فحمله على الإسلام لذلك بعيد ، وأن الخطاب على العبادة البدنية لا يتوجه على الكافر الأصلي ففي المسالك « أنه أجيب عنه بأنا لا نحمل الذمي على الإسلام ولا نخاطبه بالصوم ، ولكن نقول : لا نمكنك من الوطء إلا هكذا ، فإما أن يتركه أو يسلك طريق الحل » قلت : هذا مع الترافع إلينا.

وإنما الكلام في صحة وقوعه من الكافر وترتب حكمه عليه ، ولا ريب في صحته وترتب أحكامه عليه بناء على تكليفه بالفروع أقر بالشرع أو لم يقر إذ ذلك من باب الأسباب التي لا تفاوت فيها بين المقر والمنكر ، هذا إن لم نقل بصحة‌

١٢١

العتق والإطعام من كافر كما عن بعض ، وإلا صح بلا إشكال وإن تعذر خصوص الصوم منه ، كما أنه قيل : لا إشكال فيما لو أسلم بعد الظهار لعدم جريان الكلام المزبور فيه حينئذ.

وكذا يصح من العبد عندنا ، بل الإجماع بقسميه عليه ، للعموم وخصوص نحو‌ خبر محمد بن حمران (١) « سأل الصادق عليه‌السلام عن المملوك أعليه ظهار فقال : عليه نصف ما على الحر : صوم شهر ، وليس عليه كفارة صدقة ولا عتق » وصحيحة جميل (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث « في الظهار ، وقال : إن الحر والمملوك سواء ، غير أن على المملوك نصف ما على الحر من الكفارة ، وليس عليه عتق رقبة ولا صدقة إنما عليه صيام شهر » وخبر الثمالي (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام « سألته عن المملوك أعليه ظهار؟ فقال : نصف ما على الحر من الصوم ، وليس عليه الكفارة صدقة ولا عتق » ‌فما عن بعض العامة ـ من المخالفة في ذلك لأن لازم الظهار إيجاب تحرير الرقبة وهو لا يملكها ـ واضح الفساد ، خصوصا بعد قوله تعالى (٤) ( فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا ) والعبد غير واجد ، فيلزمه الصوم كما هو واضح ، والله العالم.

__________________

(١) و (٢) و (٣) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من كتاب الظهار الحديث ١ ـ ٢ ـ ٣.

(٤) سورة المجادلة : ٥٨ ـ الآية ٤.

١٢٢

الأمر ( الثالث )

( في المظاهرة ) منها

ولا خلاف عندنا ولا إشكال في أنه يشترط أن تكون منكوحة بالعقد بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى عنوان موضوعه كتابا (١) وسنة (٢) بالزوجة أو ما في حكمها ف لا إشكال في الشرط المزبور ، ولكن على معنى أنه لا يقع بالأجنبية خلافا لأبي حنيفة ولو علفه على النكاح بأن قال : « أنت علي كظهر أمي إن تزوجتك » خلافا لمالك والشافعي.

وأن تكون طاهرا طهرا لم يجامعها فيه إذا كان زوجها حاضرا أو ما في حكمه وكان مثلها تحيض ، ولو كان زوجها غائبا بحيث لا يعرف حال زوجته صح ، وكذا لو كان حاضرا وهي يائسة أو لم تبلغ بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك بيننا ، بل إجماعنا بقسميه عليه ، مضافا إلى‌ صحيح زرارة (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام وقد سأله عن كيفيته ، فقال : « يقول الرجل لامرأته وهي طاهر في غير جماع : أنت علي حرام كظهر أمي » ورواية حمران (٤) عنه عليه‌السلام أيضا « لا يكون ظهار إلا على طهر بعد جماع بشهادة شاهدين مسلمين ». وقول أبي عبد الله عليه‌السلام في المرسل (٥) : « لا يكون الظهار إلا على مثل موضع الطلاق » ‌ومنه مع اعتضاده بفتوى الأصحاب وإجماعهم يستفاد حكم الغائب وغيره على نحو ما سمعت في الطلاق محررا ، والمدار في الشرط المزبور على وقت إيقاعه لا وقت حصول‌

__________________

(١) سورة المجادلة : ٥٨ ـ الآية ٢ و ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ وغيره ـ من كتاب الظهار.

(٣) و (٤) و (٥) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من كتاب الظهار الحديث ٢ ـ ١ ـ ٣.

١٢٣

الشرط لو كان معلقا عليه كما هو واضح وفي اشتراط الدخول تردد وخلاف والمروي صحيحا عن الصادقين عليهما‌السلام اشتراطه ففي‌ صحيح ابن مسلم (١) عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام قال « في المرأة التي لم يدخل بها زوجها ، قال : لا يقع عليها إيلاء ولا ظهار » ‌وفي صحيح الفضيل بن يسار (٢) عن الصادق عليه‌السلام « سألته عن رجل مملك ظاهر من امرأته قال : لا يلزم ، ثم قال : وقال لي : لا يكون ظهار ولا إيلاء حتى يدخل بها » ‌إلى غير ذلك من النصوص المعتضدة مع ذلك بعمل الشيخ والصدوق وأكثر المتأخرين كما في المسالك.

خلافا للمفيد والمرتضى وسلار وابني إدريس وزهرة وهو القول الأخر الذي مستنده التمسك بما في الكتاب من العموم (٣) القابل للتخصيص بالسنة (٤) عندنا كما حرر ذلك في محله ، ولا ينافي ذلك ما دل على أنه‌ « لا يكون ظهار إلا على مثل موضع الطلاق » من الخبر (٥) ‌المزبور ، ومن المعلوم عدم اعتبار الدخول في صحة الطلاق ، فليكن الظهار كذلك ، ضرورة عدم اقتضاء الخبر المزبور إلا أن الظهار لا يقع إلا حيث يقع الطلاق ، لا أنه حيث ما يقع الطلاق يقع الظهار ، كما هو واضح.

وهل يقع الظهار بالمستمتع بها فيه خلاف ، والأظهر الأشهر بل المشهور الوقوع لإطلاق الأدلة ، خلافا للمحكي عن الحلي وظاهر الإسكافي والصدوق ، للأصل المقطوع بالإطلاق المزبور ، ولانتفاء لازم الظهار الذي‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من كتاب الظهار الحديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من كتاب الظهار الحديث ١ وليس فيه‌ « قال : لا يلزم ثم قال » ‌الا أنه موجود في التهذيب ج ٨ ص ٢١ الرقم ٦٦.

(٣) سورة المجادلة : ٥٨ ـ الآية ٢.

(٤) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من كتاب الظهار.

(٥) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من كتاب الظهار الحديث ٣.

١٢٤

هو الإلزام بأحد الأمرين : الفئة أو الطلاق المعلوم امتناعه فيها ، وتنزيل هبة المدة منزلته قياس ، على أن أجل المستمتع بها قد يكون قليلا لا يحتمل الأمر بالصبر إلى المدة.

وفيه منع كون ذلك لازم أصل الظهار ، وإنما هو حكم ما تعلق منه بالزوجة التي يمكن ذلك في حقها ، خصوصا بعد ما ستسمع من صحة وقوعه بالمملوكة التي لا يجري فيها ذلك ، و‌المرسل (١) عن الصادق عليه‌السلام « لا يكون الظهار إلا على مثل موضع الطلاق » ‌لا جابر له في المقام ، بل يمكن دعوى انصرافه إلى إرادة اعتبار شرائط الطلاق من الخلو عن الحيض ونحوه منه لا نحو المقام ، كما أنه يمكن دعوى اندراج المتمتع بها في المثل ، وقد تقدم بعض الكلام في ذلك في كتاب النكاح.

وفي الموطوءة بالملك ولو مدبرة أو أم ولد تردد وخلاف والمروي صحيحا وغيره أنه يقع كما يقع بالحرة وهو الأقوى وفاقا للمشهور بين المتأخرين لا للاية (٢) التي يمكن دعوى انصراف النساء فيها إلى غيرها ، بل لصحيح ابن مسلم (٣) عن أحدهما عليهما‌السلام « سألته عن الظهار على الحرة والأمة ، فقال : نعم » ‌ونحوه صحيحه الآخر (٤) عن أبى عبد الله عليه‌السلام ، وموثق إسحاق بن عمار (٥) « سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن الرجل يظاهر من جاريته ، فقال : الحرة والأمة في ذلك سواء » وصحيح ابن البختري أو حسنه (٦) عن أبي عبد الله وأبى الحسن عليهما‌السلام « في رجل كان له عشر جوار فظاهر منهن جميعا بكلام واحد ، فقال‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من كتاب الظهار الحديث ٣.

(٢) سورة المجادلة : ٥٨ ـ الآية ٢.

(٣) و (٤) و (٥) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من كتاب الظهار الحديث ٢ ـ ٥ ـ ١.

(٦) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من كتاب الظهار الحديث ٣ عن أبى عبد الله أو أبي الحسن عليهما‌السلام ، الا أن في الاستبصار ج ٣ ص ٢٦٣ والتهذيب ج ٨ ص ٢١ عن أبى عبد الله وأبى الحسن عليهما‌السلام.

١٢٥

عليه‌السلام : عليه عشر كفارات » ‌وخبر ابن أبي يعفور (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل ظاهر من جاريته ، قال : هي مثل ظهار الحرة » وصحيح ابن أبى نضر المروي عن قرب الاسناد (٢) عن الرضا عليه‌السلام « سألته عن الرجل يظاهر من أمته ، فقال : كان جعفر عليه‌السلام يقول : يقع على الحرة والأمة الظهار » ‌وعن المبسوط روى أصحابنا (٣) أن الظهار يقع بالأمة والمدبرة وأم الولد.

خلافا للمحكي عن بني أبي عقيل وحمزة والبراج وإدريس والمفيد وأبى الصلاح وسلار ، للأصل المقطوع بما عرفت والمرسل (٤) الذي قد عرفت الحال فيه آنفا ، و‌خبر حمزة بن حمران (٥) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل جعل جاريته عليه كظهر امه ، قال : يأتيها وليس عليه شي‌ء » ‌القاصر عن معارضة ما تقدم بضعف السند ، والموافقة للعامة ، وباحتماله الإخلال بالشرائط ، كما عن الشيخ قال : « لأن حمزة بن حمران روى هذه الرواية في كتاب البزوفري أنه يقول ذلك لجاريته يريد إرضاء زوجته ، لا لإرادة الظهار الحقيقي ». قلت : قد يؤيده ما سمعته سابقا من خبري حمزة بن حمران (٦) وإن كان يمكن أن يكون ذلك خبرا آخر له ، ولأن الظهار كان في الجاهلية طلاقا ، ومن المعلوم أن الطلاق لا يقع بها الذي هو كما ترى ، خصوصا بعد ما نقل أنهم كانوا يظاهرون من الأمة أيضا ، ويعزل سيدها فراشها ، بل نقل وقوع الطلاق عليها في الجاهلية.

هذا وفي المسالك « واعلم أنه على القول بوقوعه بها يأتي فيها الخلاف السابق في اشتراط الدخول وعدمه ، لتناول الروايات الدالة عليه لها ، كما تناولت الحرة ،

__________________

(١) و (٢) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من كتاب الظهار الحديث ٤ ـ ٧.

(٣) المستدرك الباب ـ ٧ ـ من كتاب الظهار الحديث ٤.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من كتاب الظهار الحديث ٣.

(٥) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من كتاب الظهار الحديث ٦.

(٦) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من كتاب الظهار الحديث ٢ و ٣.

١٢٦

توهم اختصاص ذلك الخلاف بالحرة ضعيف جدا بل باطل » قلت : لا ريب في اختصاص تلك الأدلة في الزوجة دون الأمة المملوكة ، نعم قد يقال بظهور هذه الأدلة في مساواتها للحرة ، وأنها ملحقة بها في ذلك ، وقد عرفت اعتبار الدخول في الحرة فيعتبر فيها.

والظاهر إلحاق الأمة المحللة بالمملوكة في وقوع الظهار عليها مع الدخول بها ، لإطلاق الأدلة المزبورة الذي لا يقدح فيه اختصاص مورد سؤاله بغيرها ، كما هو واضح ، والله العالم.

وكيف كان ف مع الدخول يقع ولو كان الوطء دبرا لما عرفته غير مرة من أنه لا خلاف في تحقق الدخول بالوطء دبرا في كل ما جعل عنوانا له من الأحكام ، ولم نعرف مخالفا في ذلك إلا من المحدث البحراني ، فادعى انسياق الدخول في القبل من الأدلة المزبورة ، وقد تقدم البحث معه في ذلك.

وعلى كل حال فيقع الظهار مع تحقق شرطه صغيرة كانت المظاهرة أو كبيرة مجنونة أو عاقلة لأن الصغر والجنون لا مدخلية لهما في أحكام الوضع إن لم يكونا لهما أهلية للترافع ، كما أن حرمة الدخول بالصغيرة لا تنافي تحقق شرطية الظهار ، وحينئذ لا إشكال في وقوع الظهار في الفرض.

وكذا يقع في الرتقاء المدخول بها في دبرها والمريضة التي لا توطأ في فرجها ، ولكن دخل بها في دبرها ، هذا وفي المسالك « أنه يمكن بناء ذلك عليهما على القول بعدم اشتراط الدخول ، بقرينة ذكر المريضة التي لا توطأ الشامل إطلاقه للقبل والدبر في سائر الأوقات ، وإن لم يدخل الرتقاء في هذا العموم غالبا النظر إلى الدبر ، ومثله إطلاق المصنف الحكم بصحة ظهار الخصي والمجبوب للذين لا يمكنهما الوطء ، فإنه لا يتم على القول باشتراط الدخول ، فلا بد في إطلاق هذه الأحكام من تكلف ».

قلت : قد عرفت إمكان إصلاحه في الخصي والمجبوب بإمكان عروض ذلك لهما‌

١٢٧

بعد الدخول ، إنما الكلام فيما ذكره هنا ، وقد تبعه عليه الفاضل في القواعد ، فقال : « وعلى الاشتراط يقع مع الوطء دبرا في حال صغرها وجنونها ، ويقع بالرتقاء والمريضة التي لا توطأ » والظاهر إرادته ما ذكرناه في تفسير المتن.

والأصل في التشويش عبارة المبسوط ، فإنها على ما قيل « وأما بعد الدخول بها فإنه يصح ظهارها صغيرة كانت أو كبيرة ، عاقلة أو مجنونة ، بكرا أو ثيبا ، مدخولا بها أو غير مدخول ، يقدر على جماعها أو لم يقدر ، لعموم الآية ».

ولعل مراده بعد الدخول بها دبرا ، فيكون مراده حينئذ نحو ما سمعته في عبارة المتن ، والثيبوبة والبكارة إنما هي بالنسبة إلى الفرج ، وكذا الكلام في القدرة على جماعها وعدمها ، هذا ولكن في كشف اللثام « ولا يظهر لهذا الكلام معنى إلا أن يكون المراد : سواء كانت الثيبوبة للدخول بها ، أو لغيره ، أو يكون المراد بالدخول الخلوة » انتهى.

١٢٨

الأمر( الرابع )

( في الاحكام )

( وهي مسائل : )

( الاولى : )

لا خلاف في أن الظهار محرم ، لاتصافه بالمنكر والزور في قوله تعالى (١) : ( وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً ) وهما معا محرمان مع تصريح الرواية (٢) الواردة في سبب نزولها بكونه معصية. ولكن قيل وإن لم نتحققه لأحد من أصحابنا لا عقاب فيه ، لتعقيبه بالعفو فقال عز وجل بعد ذكره (٣) : ( وَإِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ) وهو يستلزم نفي العقاب.

وفيه أنه لا يلزم من وصفه تعالى بالعفو والغفران فعليتهما بهذا النوع من المعصية ، وذكره بعده لا يدل عليه ، فإنه تعالى موصوف بذلك عفى عن هذا الذنب الخاص أو لم يعف ، نعم تعقبه له لا يخلو من باعث على الرجاء والطمع في عفو الله تعالى ، ونظائره في القرآن كثيرة ، كقوله تعالى (٤) ( لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ ، وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً ) وغيره. هذا كله بالنسبة إلى نفس الآية الشريفة ، وإلا فقد عرفت التصريح في الرواية (٥) الواردة في‌

__________________

(١) و (٣) سورة المجادلة : ٥٨ ـ الآية ٢.

(٢) و (٥) الوسائل الباب ـ ١ ـ من كتاب الظهار الحديث ٢.

(٤) سورة الأحزاب : ٣٣ ـ الآية ٥.

١٢٩

سبب نزولها بكونه معصية موجبة للكفارة ، وإنما العفو كان لأول الفاعلين باعتبار جهله ، والله العالم ، بحقيقة الحال.

المسألة ( الثانية : )

لا تجب الكفارة بالتلفظ عندنا بل وعند غيرنا ، بل الإجماع بقسميه عليه ، لظاهر اعتبار العود في الآية (١) وغيرها ، بل يمكن دعوى تواتر النصوص (٢) في ذلك ، خصوصا ما دل (٣) منها على عدم الكفارة مع عدم المس وحينئذ فما عساه يظهر من بعضها (٤) من ترتب الكفارة على حصوله يجب تنزيله على ما في غيره من أنه إنما تجب بالعود الذي هو العنوان في الآية.

والمشهور أنه هو إرادة استباحة الوطء بل قيل : إنه يظهر من التبيان ومجمع البيان وغيرهما الاتفاق عليه ، لصحيح جميل (٥) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سأله عن الظهار متى يقع على صاحبه فيه الكفارة؟ فقال : إذا أراد أن يواقع امرأته ، قلت : فان طلقها قبل أن يواقعها أعليها كفارة؟ قال : سقطت الكفارة عنه » وصحيح الحلبي (٦) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يظاهر من امرأته ثم يريد أن يتم على طلاقها ، قال : ليس عليه كفارة ، قلت : فإن أراد أن يمسها ، قال : لا يمسها حتى يكفر ، قلت : فان فعل فعليه شي‌ء ، فقال : اي والله إنه لآثم ظالم ، قلت : عليه كفارة غير الاولى؟ قال : نعم » وخبر أبي بصير (٧)

__________________

(١) سورة المجادلة : ٥٨ ـ الآية ٣.

(٢) و (٣) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من كتاب الظهار.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من كتاب الظهار والباب ١ منه الحديث ٢.

(٥) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من كتاب الظهار الحديث ٤.

(٦) و (٧) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من كتاب الظهار الحديث ٤ ـ ٦.

١٣٠

« قلت : لأبي عبد الله عليه‌السلام : متى تجب الكفارة على المظاهر؟ قال : إذا أراد أن يواقع ، قال : قلت : فان واقع قبل أن يكفر ، قال : فقال : عليه كفارة أخرى ».

بل و‌

خبر علي بن مهزيار (١) قال : « كتب عبد الله بن محمد إلى أبي الحسن عليه‌السلام : جعلت فداك إن بعض مواليك يزعم أن الرجل إذا تكلم بالظهار وجبت عليه الكفارة حنث أو لم يحنث ، ويقول : حنثه كلامه بالظهار ، وإنما جعلت عليه الكفارة عقوبة لكلامه ، وبعضهم يزعم أن الكفارة لا تلزم حتى يحنث في الشي‌ء الذي حلف عليه ، فان حنث وجبت عليه الكفارة ، وإلا فلا كفارة عليه ، فوقع عليه‌السلام بخطه : لا تجب الكفارة حتى يحنث » ‌بناء على أن المراد بالحنث فيه العود إلى ما حرمه على نفسه مما كان مباحا له ، إلى غير ذلك من النصوص التي منها‌ المرسل (٢) أيضا « في رجل ظاهر ـ إلى أن قال ـ : سقطت عنه الكفارة إذا طلق قبل أن يعاود المجامعة » ‌وغيره. فما عن بعض العامة ـ من أن المراد به الوطء نفسه ـ واضح الفساد ، ضرورة مخالفته ما عرفت من الكتاب (٣) والسنة (٤) والإجماع وما في بعض نصوصنا ـ من موافقته كخبر زرارة (٥) « قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : إني ظاهرت من أم ولدي ثم وقعت عليها ثم كفرت ، فقال : هكذا يصنع الرجل الفقيه إذا وقع كفر » وخبره الآخر (٦) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل ظاهر ثم واقع قبل أن يكفر ، فقال لي : أو ليس هكذا يفعل الفقيه؟ » ‌ـ محمول على التقية ، أو على الظهار المعلق على الوطء أو على الاستفهام الإنكاري في الأول وزيادة « أو » من النساخ في الثاني ، أو « وليس » فيوافق الأول حينئذ في الإنكار ، أو على إرادة هكذا يصنع الفقيه منهم ، أو غير ذلك.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من كتاب الظهار الحديث ٥.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من كتاب الظهار الحديث ٦.

(٣) سورة المجادلة : ٥٨ ـ الآية ٣.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من كتاب الظهار.

(٥) و (٦) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من كتاب الظهار الحديث ٢ ـ ٥.

١٣١

وعلى كل حال فلا ريب في فساد القول المزبور كباقي أقوالهم في المقام عدا ما وافق ما ذكرناه.

وكذا ما سمعته سابقا في خبر (١) سبب النزول ـ من أن المراد عود غير الفاعل الأول إلى الظهار بعد أن نزلت آيته ـ لم أجد به قائلا منا ، نعم عن أبى علي والمرتضى منا المراد بالعود إمساكها على النكاح زمانا وإن قل ، كما عن بعض العامة ، لأن صيغة الظهار تقتضي التحريم الذي لا يكون إلا بالبينونة ، فإذا لم يبنها فقد عاد عن التحريم ، كما يقال : قال فلان : قولا ثم عاد فيه وعاد له أي خالفه ونقضه يقرب من قولهم عاد فلان في هبته ، وهو أيضا واضح الضعف ، لا لاقتضاء « ثم » التراخي الذي هو وارد على المختار لو فرض أنه أراد استباحة الوطء عقيب الظهار بلا فصل ، وإن أمكن الجواب عنه بجريانه على الغالب الذي هو عدم إرادة المظاهر خلاف ظهاره متصلا به ، بل إنما يكون بعد ذلك بمدة ، بل هو للنصوص (٢) التي يمكن دعوى تواترها بخلافه ، خصوصا ما دل (٣) منها على عدم الكفارة بعدم المس المعتضدة مع ذلك بالأصل وغيره مما عرفت ، هذا.

ولكن الأقرب أنه لا استقرار لها فلو فارقها بعد إرادة الوطء لم يكن عليه كفارة بل معنى الوجوب تحريم الوطء حتى يكفر كما عن المشهور ، لا أنه يخاطب بالكفارة بمجرد الإرادة المزبورة وإن عدل عنها وطلق مثلا الذي هو مناف لظاهر النصوص (٤) التي منها ما دل (٥) على أنه لا يمسها حتى يكفر وعلى سقوط الكفارة إذا فارقها قبل المس ، بل وظاهر الآية (٦) الموجب للتحرير قبل المس ، والقبلية تستدعي وجود المتضائفين.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من كتاب الظهار الحديث ٢.

(٢) و (٣) و (٤) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من كتاب الظهار.

(٥) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من كتاب الظهار الحديث ٨.

(٦) سورة المجادلة : ٥٨ ـ الآية ٣.

١٣٢

فما عن العلامة في التحرير ـ من القول بالاستقرار بإرادة الوطء التي هي العود المعلق عليه وجوب الكفارة وإن رجع عنها ، ولأنها وجبت عند الإرادة فيستصحب ، ولأنها إن لم تستقر بذلك لم تكن واجبة حقيقة ، بل إنما كانت شرطا لإباحة الوطء ـ واضح الفساد ، لأنه كالاجتهاد في مقابلة النص.

لكن في كشف اللثام « والجواب أن الوجوب خلاف الأصل ، وإنما علم من النصوص الوجوب بمعنى توقف المس عليه وإن لم يكن ذلك وجوبا حقيقة ».

وقد تبع بذلك ما في المسالك حيث قال : « فان قيل : يلزم من هذا عدم وجوبها ، لأن الواجب هو الذي لا يجوز تركه لا إلى بدل ، وهذه الكفارة قبل المسيس يجوز تركها مطلقا حيث يعزم على عدم المسيس إما مطلقا أو مع فعل ما يرفع الزوجية ، ويترتب على ذلك أنه لو أخرجها قبل المسيس لا يجزي ، لأنها لم تجب ، ولأن نية الوجوب لها غير مطابقة ، وهذا المعنى الذي أطلقتموه عليه غير الوجوب المتعارف ، بل هو بالشرط أشبه ، قلنا : الأمر كما ذكرت ، وإطلاق الوجوب عليها بهذا المعنى مجازي ، وقد نبهوا عليه بقولهم بمعنى تحريم الوطء حتى يكفر ، فهي حينئذ شرط في جواز الوطء ، وإطلاق الواجب على الشرط من حيث إنه لا بد منه في صحة المشروط مستعمل كثيرا ، ومنه وجوب الوضوء للصلاة المندوبة ، ووجوب الترتيب في الأولين ، بمعنى الشرطية فيهما ، وأما نية الوجوب بالكفارة فجاز إطلاقها بهذا المعنى ، لأن نية كل شي‌ء بحسبه ، ولو لم نعتبر نية الوجه كما حققناه في أبواب العبادات لعدم الدليل الناهض عليه تخلصنا عن الاشكال » وقد تبعه غير واحد ممن تأخر عنه على ذلك.

لكنه كما ترى ، ضرورة أن الوجوب الشرطي لا يكفي في ملاحظة الامتثال المتوقف عليه صحة العبادة التي لا تقع من دون أمر شرعي ، وما أدرى ما الذي دعاهم إلى ذلك؟ إذ لا منافاة بين الوجوب الشرعي والشرطي ، والفرض ظهور الكتاب (١)

__________________

(١) سورة المجادلة : ٥٨ ـ الآية ٣.

١٣٣

والسنة (١) فيهما معا ، نعم إنما ذلك مع الإرادة المتعقبة لاستباحة الوطء ويحصل ذلك باستمرارها إلى تمام التكفير وإن لم يطأ ، أما مع فرض الطلاق أو الرجوع عن الإرادة المزبورة أو غير ذلك فلا وجوب ولو في أثناء الكفارة ، وهذا هو المراد من عدم استقرار الوجوب في مقابل القائل باستقراره وإن رجع عن تلك الإرادة ، بل قد يقال : إن الظهار هو السبب الموجب لها ، ولكن بشرط العود الذي هو الإرادة المزبورة ، فمع فرض انتفاء استمرارها يرتفع الشرط ، فيرتفع المشروط ، بل هذا هو معنى قوله تعالى (٢) ( وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا ).

وكيف كان ف لو وطأ قبل الكفارة لزمه كفارتان بلا خلاف معتد به أجده فيه ، بل عن الخلاف والانتصار والسرائر والغنية وظاهر التبيان والمبسوط الإجماع عليه ، ولعل وجهه حصول سبب الكفارة أولا بالظهار والعود الذي قد عرفته ، والوطء سبب ثان لها باعتبار حصول الحنث به بالظهار الذي هو كاليمين والنذر بالنسبة إلى ذلك.

مضافا إلى صحيح الحلبي (٣) وخبر أبي بصير (٤) المتقدمين سابقا ، و‌حسن الصيقل (٥) عن الصادق عليه‌السلام « قلت له : رجل ظاهر من امرأته فلم يكفر ، قال : عليه الكفارة من قبل أن يتماسا ، قلت : فإنه أتاها قبل أن يكفر ، قال : بئسما صنع ، قلت : عليه شي‌ء؟ قال : أساء وظلم ، قلت : فيلزمه شي‌ء؟ قال : رقبة أيضا ».

بل لم نجد في ذلك خلافا إلا من أبي علي في خصوص من كان تكفيره بالإطعام ،

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من كتاب الظهار.

(٢) سورة المجادلة : ٥٨ ـ الآية ٣.

(٣) و (٤) و (٥) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من كتاب الظهار الحديث ٤ ـ ٦ ـ ٥ « فلم يف » بدل « فلم يكفر » كما في الاستبصار ج ٣ ص ٢٦٢ و ٢٦٥ والتهذيب ج ٨ ص ١٤ و ١٨.

١٣٤

فلم يوجب تقدمه على المس ولا تكريره به ، كما هو ظاهر عبارته المحكية عنه وإن كانت لا تخلو من سماجة ، ومن هنا حكى بعضهم عنه عدم وجوب التعدد بالوطء الأول مطلقا ، ولكن ما ذكرناه هو مقتضى التدبر فيها محتجا بإطلاق الآية فيه ، بخلاف العتق والصيام.

واستدل له في المسالك بخبري (١) زرارة السابقين المشتملين على التكفير بعد المواقعة ، وقد عرفت الحال فيهما ، وبحسن الحلبي (٢) عن الصادق عليه‌السلام « سألته عن رجل ظاهر من امرأته ثلاث مرات ، قال : يكفر ثلاث مرات ، قلت : فان واقع قبل أن يكفر قال : يستغفر الله ويمسك حتى يكفر » وخبر زرارة (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام « إن الرجل إذا ظاهر من امرأته ثم يمسها قبل أن يكفر فإنما عليه كفارة واحدة ، ويكف عنها حتى يكفر » ‌وما تقدم من خبر سلمة بن صخر (٤) وأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له بكفارة واحدة ، مع أنه واقع بعد الظهار قبل التكفير ، والمرسل (٥) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « في المظاهر يواقع قبل أن يكفر ، قال : كفارة واحدة ».

ومن هنا قال فيها : « ويمكن على هذا حمل الأخبار (٦) الواردة بتعدد الكفارة على الاستحباب جمعا بين الأخبار ، ومع أن في تينك الروايتين رائحة الاستحباب ، لأنه عليه‌السلام لم يصرح بأن عليه كفارة أخرى إلا بعد مراجعات وعدول عن الجواب ، كما لا يخفى ـ إلى أن قال ـ : قول ابن الجنيد لا يخلو من‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من كتاب الظهار الحديث ٢ و ٥.

(٢) ذكر صدره في الوسائل في الباب ـ ١٣ ـ من كتاب الظهار الحديث ٢ وذيله في الباب ـ ١٥ ـ منه الحديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من كتاب الظهار الحديث ٩.

(٤) و (٥) سنن البيهقي ج ٧ ص ٣٨٦.

(٦) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من كتاب الظهار.

١٣٥

قوة ، وفيه جمع بين الأخبار » وتبعه على ذلك في الجملة في كشف اللثام ، فإنه بعد أن حكى قول ابن الجنيد قال : « ويؤيده أن أكثر الأخبار إنما أوجب عليه رقبة ثانية » ثم ذكر بعض النصوص التي سمعتها.

لكن لا يخفى عليك أن هذا من الاعوجاج في الفقه ، نسأل الله تعالى العافية منه ، ضرورة أن هذا القول الشاذ ـ الذي يمكن القطع بفساده ولو بملاحظة استقرار الكلمة على خلافه في الأعصار المتعاقبة ـ فيه أن من المعلوم كون ترك التقييد في الإطعام لكونه بدلا عنهما ، فما القيد فيهما إلا قيد فيه ، وكذا من المعلوم مرجوحية النصوص المزبورة بالنسبة إلى تلك النصوص من وجوه يكفي أحدها في عدم المكافئة التي تحتاج إلى الجمع المزبور الذي هو مع ذلك بلا شاهد.

بل قد عرفت الاحتمالات في خبري زرارة (١) كما أن غيرهما من النصوص لا صراحة فيه ، بل ولا ظهور بخصوص المحكي عن ابن الجنيد الذي هو موافق للأصحاب في خصوص العتق والصيام ، بل ما فيه من الأمر بالاستغفار والكف (٢) ونحوهما مما ينافي قول ابن الجنيد الذي مبناه عدم وجوب تقديم الإطعام على المس وعدم تكرره بتكرره ، فهي حينئذ من قسم المأول الخارج عن الحجية.

مع أنه ليس بأولى من حملها على صورة الجهل والنسيان المصرح بها في المسالك وكشف اللثام وغيرهما والمحكي عن الشيخ اللذين أولهما مبنى أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سلمة بن صخر (٣) بالكفارة الواحدة وكذا الرجل من بنى النجار (٤) بل لعل ذلك أولى ، لشهادة‌ قول الباقر عليه‌السلام في صحيح ابن مسلم (٥) له بخلاف الأول ، قال : « الظهار لا يكون إلا على الحنث ، فإذا حنث فليس له أن يواقعها حتى يكفر ، فان جهل وفعل فإنما عليه كفارة واحدة » ‌المؤيد‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من كتاب الظهار الحديث ٢ و ٥.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من كتاب الظهار الحديث ٢ و ٣.

(٣) سنن البيهقي ج ٧ ص ٣٨٦.

(٤) و (٥) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من كتاب الظهار الحديث ٧ ـ ٨.

١٣٦

بخبر (١) رفع الخطأ والنسيان وغيره ، مضافا إلى ظهور النصوص (٢) الموجبة في العامد ومن ذلك يتجه إلحاق الناسي بالجاهل المصرح به في الصحيح المزبور (٣).

وكيف كان ف لو كرر الوطء تكررت الكفارة وفاقا للمشهور ، بل لا خلاف معتد به أجده فيه ، لصدق الوطء قبل التكفير على كل منها ، وقد عرفت ظهور الأدلة في كونه سببا للتكفير ، والأصل عدم التداخل ، مضافا إلى‌ خبر أبى بصير (٤) عن الصادق عليه‌السلام « إذا وقع المرة الثانية قبل أن يكفر فعليه كفارة أخرى » ‌وليس في هذا اختلاف.

فما عن ابن حمزة ـ من أنه إن كفر عن الوطء الأول لزمه التكفير عن الثاني وإلا فلا ، لأن الأخبار الموجبة لكفارة اخرى للوطء تشمل الوطء الواحد والمتعدد ، والأصل البراءة من التكرير ، فإذا وطأ مرات قبل التكفير لم يكن عليه سوى كفارة أخرى ، وأما إذا كفر عن الأول فإذا وطأ ثانيا صدق عليه أنه وطأ قبل التكفير ، فلزمه كفارة أخرى ، وحسن أبى بصير ليس نصا في إيجاب التكرار مطلقا ، وفي كشف اللثام « وهو قوي » ـ لا ريب في ضعفه ، إذ هو كالاجتهاد في مقابلة النص أو في حكم النص.

نعم الظاهر أنه لا كفارة عليه فيما لو فرض حصول وطئه ثانيا بعد تكفيره عن السبب الأول ، لعدم صدق الوطء قبل التكفير حينئذ ، بناء على أن المراد به التكفير عن الظهار الذي هو قبل المس.

ولعله لذا جزم به في القواعد وشرحها للاصبهاني ، نعم قالا : « لو وطأ ثانيا بعد أن أدى كفارة واحدة ناويا بها عن الوطء الأول بعينه أو عن أحدهما ، أي الوطء الأول والظهار لا على التعيين على إشكال في الثاني وجبت بالوطء الثاني‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥٦ ـ من أبواب جهاد النفس من كتاب الجهاد.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من كتاب الظهار الحديث ١ و ٤ و ٦.

(٣) و (٤) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من كتاب الظهار الحديث ٨ ـ ١.

١٣٧

كفارة ثالثة » لصدق الوطء قبل التكفير عن الظهار الذي قد عرفت ظهور الأدلة في كونه سببا للكفارة حتى في الصورة الثانية ، بناء على صحتها وانصرافها إلى التوزيع بينهما ، لعدم حصول تمام كفارة الظهار حينئذ ، فيكون كما لو وطأ في أثناء كفارته في أنه يصدق عليه أنه وطأ قبل أن يكفر.

اللهم إلا أن يقال : إن المتيقن منه قبل الشروع في الكفارة ، لكنه كما ترى ، ضرورة كون الكفارة اسما للمجموع ، نعم لو قيل في الفرض إنه تقع الكفارة لواحد منهما لا بعينه أمكن القول حينئذ بعدم الحكم بصدق الوطء قبل التكفير ، والأصل براءة الذمة ، فتأمل جيدا.

المسألة ( الثالثة : )

إذا طلقها رجعيا ثم راجعها لم تحل له حتى يكفر بلا خلاف أجده فيه ، لأنها حينئذ بحكم الزوجة ، نعم ليس مجرد رجوعه بها موجبا للكفارة بل هي على حالها السابق الذي قد عرفت اعتبار العود بالظهار في وجوب الكفارة فيه ، والرجوع بها أعم من العود الذي قد عرفته ، و‌مرسل النميري (١) عن أبى عبد الله عليه‌السلام « رجل ظاهر ثم طلق ، قال : سقطت عنه الكفارة إذا طلق قبل أن يعاود المجامعة ، قيل : فإنه راجعها ، قال : إن كان إنما طلقها لإسقاط الكفارة عنه ثم راجعها فالكفارة لازمة له أبدا إذا عاود المجامعة ، وإن كان طلقها وهو لا ينوي شيئا من ذلك فلا بأس أن يراجع ، ولا كفارة عليه » ‌

مع سقوطه عن الحجية قاصر عن المعارضة من وجوه ، ولذا لم أجد عاملا به.

ولو خرجت من العدة ثم تزوجها ووطأها فلا كفارة فضلا عما قبل الوطء وفاقا للمشهور ، للأصل السالم عن معارضة الأدلة السابقة بعد ظهورها في أن الموجب لها العود والوطء بالسبب الأول الذي وقع الظهار عليه لا مطلقا حتى‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من كتاب الظهار الحديث ٦.

١٣٨

لو استباحها بسبب جديد ، كما صرح بذلك كله في‌ خبر يزيد بن معاوية (١) على ما عن الفقيه ويزيد الكناسي على ما عن غيره المنجبر بما عرفت إن كان في سنده شي‌ء ، قال : « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل ظاهر من امرأته ثم طلقها تطليقة ، فقال : إذا طلقها هو تطليقة فقد بطل الظهار ، وهدم الطلاق الظهار ، فقلت له : فله أن يراجعها؟ قال : نعم هي امرأته ، فإن راجعها وجب عليه ما يجب على المظاهر من قبل أن يتماسا ، قلت : فان تركها حتى يحل أجلها وتملك نفسها ثم تزوجها بعد ذلك هل يلزمه الظهار من قبل أن يمسها؟ قال : لا ، قد بانت منه وملكت نفسها » ‌مؤيدا بالنصوص (٢) المستفيضة الدالة على سقوط الكفارة عنه بالطلاق.

ومن ذلك يعلم الوجه فيما ذكره المصنف وغيره بقوله وكذا لو طلقها بائنا وتزوجها في العدة ووطأها ضرورة أنها بالطلاق البائن قد ملكت نفسها وانقطع حكم السبب الأول الذي وقع عليه الظهار ، وإنما استحل نكاحها بعقد جديد ، خلافا لسلار وأبي الصلاح فأوجبا حكم الظهار ، ولو بالتزويج بعد عدة البائنة لإطلاق الآية (٣) الذي هو مع الإغضاء عن تقييده بما سمعت منساق إلى العود بذلك السبب لا مطلقا ، ولحسن علي بن جعفر (٤) عن أخيه عليه‌السلام سأله « عن رجل ظاهر من امرأته ثم طلقها بعد ذلك بشهر أو شهرين فتزوجت ، ثم طلقها الذي تزوجها فراجعها الأول ، هل عليه فيها الكفارة للظهار الأول؟ قال : نعم عتق رقبة أو صوم أو صدقة » ‌القاصر عن معارضة ما سمعت بمخالفة الشهرة وموافقة العامة وغير ذلك ، فلا بأس بحمله على الندب.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من كتاب الظهار الحديث ٢ عن بريد بن معاوية كما في الفقيه ج ٣ ص ٣٤٢.

(٢) و (٤) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من كتاب الظهار ـ ٠ ـ ٩.

(٣) سورة المجادلة : ٥٨ ـ الآية ٣.

١٣٩

وأما المناقشة في متنه ـ باحتمال فساده ، لأنه عقب تزويجها بعد طلاقها بشهر أو شهرين ، فيكون قد وقع في العدة ، بل عقب التزويج فيه بالفاء المقتضية للفورية المستلزمة لعدم الخروج من العدة ، بل قوله أخيرا « فراجعها الأول » ولم يقل « تزوجها » مشعر بذلك أيضا ـ فلا يخفى عليك ما فيها ، بل أطنب في المسالك في ردها ، ولكن لا حاجة إليه بعد ما عرفت.

وكذا لا كفارة قطعا لو ماتا أو مات أحدهما قبل العود بلا خلاف ولا إشكال أو ارتدا أو أحدهما عن فطرة أو عن ملة قبل الدخول أو بعده إذا كان المرتد الرجل عن فطرة ، حتى لو قلنا بقبول توبته على وجه يصح له تزويجه بامرأته ، لكن هو حينئذ كالمطلق بائنا بل أعظم ، ولو كان عن ملة أو كانت المرتدة الامرأة فهو بحكم الطلاق الرجعي ، ضرورة الرجوع إلى الزوجة بالإسلام في العدة كما هو واضح ، ويمكن كون إطلاق المصنف اتكالا على وضوحه ، وللفرق بين الطلاق الرجعي وبينه بجعله سببا جديدا دون الطلاق ، والله العالم.

١٤٠