جواهر الكلام - ج ٣٣

الشيخ محمّد حسن النّجفي

الأصل بالنصوص المزبورة المعلوم رجحانها على صحيح سيف القابل لإرادة بيان أن المذكور في الآية الأمهات ، وهو كذلك ، ولكن لا ينافي ثبوت التحريم من السنة وأن‌ قوله عليه‌السلام : « وان هذا لحرام » ‌جواب للسائل ، فيكون حينئذ كالأخبار السابقة ، فلا ريب في أن الأقوى الوقوع.

إنما الكلام في تنزيل الرضاعيات منزلة النسبيات في ذلك ، فقيل به ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) : « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » ولعموم قوله عليه‌السلام في الصحيح (٢) السابق : « كل ذي محرم » ‌وقيل : لا يقع ، للأصل وانسياق النسبيات من المحرم والمحارم ، والتنزيل المزبور إنما هو في التحريم خاصة لا ما يشمل انعقاد صيغة الظهار.

ومن الغريب ما في المسالك من رد ذلك بأن « من » في الخبر إما تعليلية ، مثلها في قوله تعالى (٣) ( مِمّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا ) أو بمعنى الباء ، كما في قوله تعالى (٤) : ( يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ ) والتقدير يحرم لأجل الرضاع أو بسببه ما يحرم لأجل النسب أو بسببه ، وكلاهما مفيد للمطلوب ، لأن التحريم في الظهار بسبب النسب ثابت في الجملة إجماعا ، فيثبت بسبب الرضاع كذلك ، إذ هو كما ترى أجنبي عن انعقاد صيغة الظهار به.

ومن هنا بان لك أن الأقوى عدم الوقوع بالأم الرضاعية فضلا عن غيرها ، كما أنه بان لك الوقوع بالتشبيه بالمحارم كالأخت والعمة فضلا عن الجدات التي هن أمهات حقيقة في أحد القولين وإن كان الظاهر انسياق الوالدة بلا واسطة من الام ، بل بان لك أيضا الحال في الصور الست المذكورة في المسالك.

ولو شبهها أي الزوجة بأن قال : هي أو ما قام مقام ذلك عليه ك‍ يد‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ١ من كتاب النكاح.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من كتاب الظهار الحديث ١.

(٣) سورة نوح ع : ٧١ ـ الآية ٢٥.

(٤) سورة الشورى : ٤٢ الآية ٤٥.

١٠١

امه أو شعرها أو بطنها أو غير ذلك من أجزائها ـ من غير فرق بين ما يتوقف حياتها عليه أو لا يتوقف ولا بين ما حلته الحياة من الأجزاء وبين غيره ـ قيل : لا يقع والقائل المرتضى ، بل قيل والمتأخرون ، بل في انتصاره أنه مما انفردت به الإمامية اقتصارا فيما خالف الأصل بل الأصول على منطوق الآية (١) وغيرها من أدلة الظهار المنساق غير المفروض منها ولو من ملاحظة المبدأ.

ولكن بالوقوع رواية فيها ضعف وهي‌ رواية سدير (٢) عن الصادق عليه‌السلام « قلت له : والرجل يقول لامرأته : أنت علي كشعر أمي أو كقبلها أو كبطنها أو كرجلها ، قال : ما عنى؟ إن أراد به الظهار فهو الظهار » ‌ولكن هي منجبرة بما عن الشيخ في الخلاف من الإجماع على ذلك ، بل وبعمل الصدوق والقاضي وابن حمزة ، فإن ذلك مع روايتها في التهذيب الذي هو أحد الكتب المعتبرة المتبينة كاف في جواز العمل بها ، خصوصا بعد اعتضادها‌ بمرسل يونس (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سألته عن رجل قال لامرأته : أنت على كظهر أمي أو كيدها أو كبطنها أو كفرجها أو كنفسها أو ككعبها أيكون ذلك الظهار؟ وهل يلزم فيه ما يلزم المظاهر؟ فقال : المظاهر إذا ظاهر امرأته فقال : هي علي كظهر أمي أو كيدها أو كرجلها أو كشعرها أو كشي‌ء منها ينوي بذلك التحريم فقال : لزمه الكفارة في كل قليل منها أو كثير ، وكذلك إذا قال هو : كبعض ذوات المحارم فقد لزمته الكفارة » ‌ولا معارض لذلك سوى انسياق صوغ الصيغة من الاسم ، وهو غير صالح للمعارضة ، خصوصا بعد ملاحظة صوغ الصيغة في سائر العقود من غير مبدأ‌

__________________

(١) سورة المجادلة : ٥٨ ـ الآية ٢ و ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من كتاب الظهار الحديث ٢ وفيه « ككفها » بدل « كقبلها » كما في التهذيب ج ٨ ص ١٠.

(٣) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من كتاب الظهار الحديث ١ وذكر ذيله في الباب ـ ٤ ـ منه الحديث ٤.

١٠٢

اسمها ، وسوى ما في صحيح زرارة (١) وخبر جميل (٢) السابقين الذين لم يسق الحصر فيهما لما ينافي ذلك ، وعلى تقديره فلا يصلح لمعارضة المنطوق المزبور ، وهذا كله في التشبيه بغير الظهر من الأم.

أما لو شبهها بغير امه بما عدا لفظة الظهر من اليد والرأس وغيرهما لم يقع قطعا للأصل السالم عن معارضة ما دل على (٣) إلحاق المحارم بالأم بعد أن كان في خصوص التشبيه بالظهر ، ولكن فيه أنه وإن كان مورده ذلك إلا أنه ظاهر ـ خصوصا مرسل يونس (٤) منها ـ في كون غير الأم كالأم في تحقق الظهار بالتشبيه بها ، سواء كان بالظهر أو غيره ، خصوصا بعد معلومية كون الظهار معنى متحدا ، فالأقوى الصحة إن لم يكن إجماعا ، كما عساه يشعر به لفظ القطع في عبارة المتن ، لكن عن المختلف أن بعض علمائنا قال بوقوعه ، وآخرين بعدمه ، ونحوه عن ابن إدريس.

ولو شبه الجملة بالجملة بأن قال : أنت على كأمي أو مثل أمي قيل والقائل الشيخ ومن تبعه يقع إن قصد به الظهار ولعله الأقوى ، لفحوى الخبرين (٥) السابقين بل قيل : إنه أولى بالتحريم ، لاشتمالها على تلك الأجزاء التي منها الظهر الذي هو محل النص (٦) والفتوى ، مؤيدا ذلك بإطلاق أدلة الظهار الذي صار معناه ولو بمعونة النصوص (٧) إنشاء تحريم الزوجة عليه ، وانها كأمه أو باقي محارمه ، خلافا للأكثر كما في المسالك ، وهو مبني على اعتبار ذكر الظهر في الحرمة ، وقد عرفت ما فيه.

ومنه يعلم ما في قول المصنف وفيه إشكال منشأه اختصاص الظهار بمورد الشرع والتمسك في الحل بمقتضى الأصل ( العقد خ ل ).

__________________

(١) و (٢) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من كتاب الظهار الحديث ١ ـ ٢.

(٣) و (٤) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من كتاب الظهار ٠ ـ ٤.

(٥) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من كتاب الظهار الحديث ١ و ٢.

(٦) و (٧) الوسائل الباب ـ ١ ـ من كتاب الظهار.

١٠٣

ولو شبه بعض أجزاء الزوجة بجملة الام مريدا به الظهار فالظاهر الصحة أيضا بناء على ظهور الخبرين (١) في الاكتفاء بالكناية في تحقق الظهار مع القصد ، وهذا منها.

وكذا لو شبه جزء الزوجة بظهر الام ، بل وكذا لو شبه الجزء بالجزء ، كما لو قال : « يدك علي كيد أمي » مريدا به الظهار ، وأولى من ذلك ما لو شبه جملة الزوجة بجملة غير الام من المحارم.

وبالجملة فالمدار على إنشاء تحريم الزوجة عليه بتشبيهها بإحدى المحرمات النسبية من غير فرق بين الصريح والكنائي.

نعم لو شبهها بمحرمة بالمصاهرة تحريما مؤيدا كأم الزوجة وبنت زوجته المدخول بها وزوجة الأب والابن لم يقع الظهار للأصل بعد انصراف المحرم أو المحارم إلى النسبيات ، فما عن المختلف من التحريم أيضا لا يخلو من نظر.

وكذا لو شبهها بأخت الزوجة أو عمتها أو خالتها مما يحرم في حال لا مطلقا ، ضرورة كون حكمها حكم الأجنبية في جميع الأحكام ، لأن تحريمها يزول بفراق الام والأخت ، كما يحرم جميع نساء العالم على المتزوج أربعا ويحل له كل واحدة ممن ليست محرمة بغير ذلك على وجه التخيير بفراق واحدة من الأربع ، بل عمة الزوجة وخالتها لا تحرم عينا ولا جمعا ، إنما تحرم على وجه مخصوص ، كما هو واضح.

وأولى من ذلك بعدم حصول التحريم لو قال : كظهر أبي أو أخي أو عمي فإنه لم يكن شيئا بلا خلاف أجده ، بل في المسالك هو محل وفاق ، للأصل ولأن الرجل ليس محلا للاستمتاع ، ولا في معرض الاستحلال ، خلافا لبعض ، فحرمه قياسا على محارم النساء وكذا لو قالت : هي أنت على كظهر أبي أو أمي لأن الظهار من أحكام الرجال كالطلاق إجماعا.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من كتاب الظهار الحديث ١ و ٢.

١٠٤

ويشترط في وقوعه حضور عدلين يسمعان نطق المظاهر على نحو الطلاق بلا خلاف أجده فيه نصا (١) وفتوى ، بل الإجماع بقسميه عليه ، نعم في المسالك « وأما اشتراط كونهما عدلين فلا دليل عليه إلا من عموم (٢) اشتراط العدالة في الشاهدين ، وفي إثبات الحكم هنا بمثل ذلك ما لا يخفى من الاشكال ، وقد تقدم في الطلاق رواية (٣) بالاجتزاء فيهما بالإسلام ، كما أطلق هنا » وقد عرفت البحث معه هناك.

ولو جعله يمينا جزاء على فعل أو ترك ـ قصدا للزجر عنه أو البعث على فعل ، سواء تعلق به أو بها ، كقوله : إن كلمت فلانا أو إن تركت الصلاة فأنت على كظهر أمي ـ لم يقع بلا خلاف أجده فيه ، فإنه لا يمين بغير الله ، ولقول أبي جعفر عليه‌السلام في‌ صحيح زرارة (٤) السابق : « لا يكون الظهار في يمين » وفي حسن حمران (٥) « لا يكون ظهار في يمين ولا في إضرار ولا في غضب » ‌ولا يقاس جوازه على جوازه معلقا بناء عليه ، لحرمة القياس عندنا ، واتحاده في الصورة مع مفارقته له في المعنى والقصد ـ لأن المراد من الشرط مجرد التعليق وفي اليمين الزجر والبعث ـ لا يقتضي جوازه ، خصوصا بعد ما سمعت من النص والفتوى ، والله العالم.

ولا يقع إنشاؤه إلا منجزا ، فلو علقه بانقضاء الشهر أو دخول الجمعة أو نحوهما من التعليق على الوقت لم يقع على القول الأظهر بل الأشهر ، بل المشهور ، بل لا ينبغي الخلاف فيه ، لمنافاة ذلك للإيقاع ، بخلاف التعليق على‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من كتاب الظهار.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤١ ـ من كتاب الشهادات.

(٣) استدل في المسالك للاجتزاء بالإسلام في الشاهدين في الطلاق بما رواه في الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٤ من كتاب الطلاق.

(٤) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من كتاب الظهار الحديث ١.

(٥) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من كتاب الظهار الحديث ٢.

١٠٥

الشرط الذي هو ـ مع أنك ستسمع النص (١) فيه ـ غير مناف لنفس الإنشاء ، ضرورة رجوعه إلى تأخير مقتضاه وإلى متعلق الإنشاء ، نحو التعليق « في أكرم زيدا غدا » وفي النذر ونحوهما مما كان التعليق فيه لمتعلق الإنشاء لا له نفسه ، فإنه غير متصور التحقق فضلا عن صحته وفساده ، بخلاف تعليق الآثار ومتعلق الإنشاء ، فإنه متصور وصحيح مع فرض الدليل عليه بالخصوص ، بل ربما اكتفى بعضهم في مشروعيته بالعمومات وإن كان فيه أنه مناف لما دل على تسبيبه لمسببه بمجرد وقوعه وحصوله ، ومن هنا كان من المسلم عند الأصحاب عدم جواز التعليق المزبور في كل عقد أو إيقاع إلا ما خرج بالدليل ، من غير فرق بين الوصف والشرط.

وقيل والقائل الشيخ في محكي المبسوط يقع للعمومات المعلوم عدم شمولها للمفروض الذي ذكرناه ، فان مرجعه حينئذ إلى عدم الإنشاء ، قيل : ولفحوى وقوعه معلقا على شرط ، بل لعله أولى ، وفيه ما لا يخفى بناء على كون المراد بالمعلق الخارج بقيد التنجيز الذي إنشاؤه معلق لا المعلق أثره أو متعلقة على أمر محقق كانقضاء الشهر ودخول الجمعة ، كما توهمه غير واحد فاستدل بالدليل المزبور ، ولا ريب في أنه متجه ، إذ احتمال جواز المحتمل دون المتيقن كما ترى ، بل الأدلة لا تساعد عليه ، إذ لا تعرض فيها لكون المعلق عليه معلوم الوقوع لدى المعلق أولا.

ولعله لذا قال المصنف مشيرا إلى القول المزبور الذي مقتضاه جواز التعليق في نفس الإنشاء وهو نادر إذ لم نعرف من وافقه عليه ، بل لعله لا قائل به بالمعنى المزبور ، فتخرج المسألة عن الخلاف بعد حمل كلام القائل على إرادة تعليق الأثر والمتعلق.

وهل يقع في إضرار؟ قيل كما عن النهاية والوسيلة لا يقع لقول الباقر عليه‌السلام في حسن حمران (٢) : « لا يكون ظهار في يمين ولا في إضرار » ‌وفيه‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من كتاب الظهار.

(٢) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من كتاب الظهار الحديث ٢.

١٠٦

إشكال منشأه التمسك بالعموم والإطلاق كتابا (١) وسنة (٢) بل لعل ظاهر الأكثر الوقوع ، لعدم ذكر ذلك في شرائطه ، فلا يقوى حينئذ الخبر المزبور على التخصيص والتقييد ، ولكن لا يخفى عليك إمكان منع ذلك بعد قبول الخبر للحجية ، خصوصا بعد حكاية الشهرة كما عن الكفاية على مضمونه ، وإمكان تأييده‌ بقاعدة « لا ضرر ولا ضرار » ‌اللهم إلا أن يقال : إن مبنى مشروعية الظهار على الضرار.

وكيف كان ف في وقوعه موقوفا على الشرط تردد وخلاف أظهره الجواز وفاقا للمحكي عن الصدوق والشيخ وابن حمزة ، بل وأكثر المتأخرين ، فلو قال : « أنت على كظهر أمي إن دخلت الدار » أو « إن شاء زيد » فدخلت الدار وشاء وقع ، لقول الصادق عليه‌السلام في صحيح ابن الحجاج (٣) : « الظهار ضربان : أحدهما فيه الكفارة قبل المواقعة ، والآخر بعدها ، فالذي يكفر قبل المواقعة الذي يقول : أنت على كظهر أمي ، ولا يقول إن فعلت بك كذا وكذا ، والذي يكفر بعد المواقعة الذي يقول : أنت على كظهر أمي إن قربتك » ‌ونحوه‌ مضمره الآخر (٤) : « الظهار على ضربين في أحدهما الكفارة ، إذا قال : أنت علي كظهر أمي ، ولا يقول أنت علي كظهر أمي إن قربتك » وقوله عليه‌السلام أيضا في صحيح حريز (٥) « الظهار ظهاران : فأحدهما أن يقول : أنت علي كظهر أمي ثم يسكت ، فذلك الذي يكفر قبل أن يواقع ، فإذا قال : أنت علي كظهر أمي إن فعلت كذا وكذا ففعل فحنث فعليه الكفارة حين يحنث » وخبر عبد الرحمن بن أبي نجران (٦) قال : « سأل صفوان بن يحيى عبد الرحمن بن الحجاج وأنا حاضر عن الظهار ، قال :

__________________

(١) سورة المجادلة : ٥٨ ـ الآية ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ وغيره ـ من كتاب الظهار.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من كتاب الظهار الحديث ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من كتاب الظهار الحديث ٨.

(٥) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من كتاب الظهار الحديث ٧.

(٦) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من كتاب الظهار الحديث ١٢ وليس فيه سأل صفوان. وذكره بعينه في الاستبصار ج ٣ ص ٢٦٠.

١٠٧

سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : إذا قال الرجل لامرأته : أنت علي كظهر أمي لزمه الظهار ، قال لها دخلت أو لم تدخلي خرجت أو لم تخرجي أو لم يقل شيئا فقد لزمه الظهار » ‌مضافا إلى العموم كتابا (١) وسنة (٢) حتى‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣) : « المؤمنون عند شروطهم » ‌بل وموافقة الحكمة ، فإن المرأة قد تخالف الرجل في بعض مقاصده ، فتفعل ما يكرهه وتمتنع عن ما يرغب فيه ، ويكره الرجل طلاقها من حيث يرجو موافقتها ، فيحتاج حينئذ إلى تعليق ما يكرهه بفعل ما تكرهه أو ترك ما تريده ، فإما أن تمتنع وتفعل فيحصل غرضه ، أو تخالف فيكون ذلك جزاء معصيتها ، لضرر جاء من قبلها.

وخلافا للسيد وبنى زهرة وإدريس وسعيد والبراج ، بل عن الغنية والسرائر الإجماع عليه ، لمعلومية منافاة التعليق لإنشاء العقد والإيقاع إلا ما خرج ، ولخبر الزيات (٤) « قلت لأبي الحسن الرضا عليه‌السلام : إنى ظاهرت من امرأتي ، فقال : كيف قلت؟ قال : قلت : أنت علي كظهر أمي إن فعلت كذا وكذا ، فقال : لا شي‌ء عليك ، فلا تعد » ومرسل ابن بكير (٥) « قلت لأبي الحسن عليه‌السلام إني قلت لامرأتي : أنت علي كظهر أمي إن خرجت من باب الحجرة فخرجت ، فقال : ليس عليك شي‌ء ، قلت : إني قوي على أن أكفر ، فقال : ليس عليك شي‌ء ، فقلت : إني قوي على أن أكفر رقبة ورقبتين ، قال : ليس عليك شي‌ء قويت أو لم تقو » ومرسل ابن فضال (٦) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « لا يكون الظهار إلا على موضع الطلاق » ‌وقد عرفت عدم وقوع الطلاق معلقا ، فلا يقع الظهار.

ولا يخفى عليك ما في الجميع ، ضرورة وجوب الخروج عن قاعدة التنجيز‌

__________________

(١) سورة المجادلة : ٥٨ الآية ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ وغيره ـ من كتاب الظهار.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المهور الحديث ٤ من كتاب النكاح.

(٤) و (٥) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من كتاب الظهار الحديث ٤ ـ ٣.

(٦) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من كتاب الظهار الحديث ٣.

١٠٨

بالأدلة السابقة ، كالنذر واليمين وغيرها مما جاز فيها التعليق ، والأخبار ـ مع الضعف فيها المانع من أصل القبول فضلا عن المعارضة ، واحتمال الأول منها نفى الشي‌ء عليه قبل حصول الشرط ، أو لعدم حضور الشاهدين وغير ذلك واليمين ، كالثاني. وظهور الثالث في إرادة المرأة من الموضع فيه ـ لا تصلح معارضة للأخبار السابقة ، والإجماعان المزبوران موهونان بما عرفت.

هذا ولكن في القواعد « في الفرق بين الفرض وبين المعلق نظر » وفي شرحها للأصبهاني « من خروج التعليق عن النصوص ، ومن أن الوقوع مشروطا يدل على عدم اشتراط التنجيز وإرادة الإيقاع بنفس الصيغة فيه ، وإذا لم يشترط ذلك لم يكن فرق بين الشرط والتعليق ، بل قد يكون التعليق أولى بالوقوع ».

ومن الغريب ما وقع في المسالك في المقام وكان نسخته التي شرح عبارتها فيها سقط ، كما لا يخفى على من لاحظ شرحه لها في المقام الذي قد جعل فيه الكلام في المسألة الثانية شرحا للمسألة الاولى ، وحكى عن المصنف القول بالعدم ، وأنه نسب القول بالجواز إلى الندرة ، مع أن صريح كلامه الجواز بعد التردد ، وكذا كلامه في النافع. وأغرب منه موافقة الرياض له على ذلك ، وما ندري أن السبب في ذلك اختلاف النسخ أو عدم التمامية في الملاحظة؟ ولعل الذي غرهما التعبير باعتبار التنجيز المراد منه في غير المقام عدم التعليق مطلقا ، ولكن التدبر في العبارة يقتضي ما ذكرناه ، واحتمال الفرق بين الشرط والوصف في غاية البعد ، بل يمكن القطع بفساده.

ولو قيد مدة كأن يظاهر منها شهرا أو سنة أو يوما قال الشيخ : لا يقع للأصل ، ولأنه لم يؤبد التحريم ، فأشبه ما إذا شبهها بامرأة لا تحرم عليه على التأبيد ، ولصحيح سعيد الأعرج (١) عن الكاظم عليه‌السلام « في رجل ظاهر من‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من كتاب الظهار الحديث ١٠ وفيه « فوفى » بدل « يوما » كما في التهذيب ج ٨ ص ١٤ الرقم ٤٥ والاستبصار ج ٣ ص ٢٦٢ الرقم ٩٣٦. والوافي ج ١٢ ص ١٣٩. الا أن فيه وفي بعض النسخ « يوما » مكان « فوفى » كما يشير الى ذلك قريبا.

١٠٩

مرأته يوما ، قال : ليس عليه شي‌ء ».

ولكن فيه إشكال مستند إلى عموم الآية (١) والرواية (٢) فإن مقتضاهما الجواز ، مضافا إلى‌ خبر سلمة بن صخر (٣) قال : « كنت امرءا قد أوتيت من جماع النساء ما لم يؤت غيري ، فلما دخل رمضان ظاهرت من امرأتي حتى ينسلخ رمضان خوفا من أن أصيب في ليلتي شيئا فاتابع في ذلك إلى أن يدركنى النهار ولا أقدر أن أترك ، فبينما هي تخدمني من الليل إذا انكشف لي منها شي‌ء فوثبت عليها ، فلما أصبحت غدوت على قومي فأخبرتهم خبري ، وقلت لهم : انطلقوا معي إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخبروه بأمري ، فقالوا : والله لا نفعل ، نتخوف أن ينزل فينا قرآن ، ويقول فينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مقالة يبقى علينا عارها ، لكن اذهب أنت فاصنع ما بدا لك ، فخرجت حتى أتيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأخبرته بخبري ، فقال لي : أنت بذاك ، فقلت : أنا بذاك ، فقال : أنت بذاك ، فقلت : أنا بذاك ، فقال : أنت بذاك ، فقلت : نعم ها أنا ذا فامض في حكم الله عز وجل فأنا صابر له ، قال : أعتق رقبة ، فضربت صفحة رقبتي بيدي ، فقلت : لا والذي بعثك بالحق ما أصبحت أملك غيرها ، فقال : فصم شهرين متتابعين ، فقال يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وهل أصابني ما أصابني إلا من الصوم؟ قال : فتصدق ، قلت : والذي بعثك بالحق لقد بتنا ليلتنا وما لنا عشاء ، فقال : اذهب إلى صاحب صدقة بني رزين فقل له فليدفعها إليك ، فأطعم عنك وسقا من تمر ستين مسكينا ، ثم استعن بسائره عليك وعلى عيالك ، قال : فرجعت إلى قومي ، فقلت : وجدت عندكم الضيق وسوء الرأي ، ووجدت عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم السعة والبركة ، وقد أمر لي بصدقتكم فادفعوها إلى ،

__________________

(١) سورة المجادلة : ٥٨ ـ الآية ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ وغيره ـ من كتاب الظهار.

(٣) سنن البيهقي ج ٧ ص ٣٩٠ والمستدرك الباب ـ ١ ـ من كتاب الظهار الحديث ٤.

١١٠

فدفعوها إلى » وفي رواية اخرى (١) « إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعطاه مكتلا فيه خمسة عشر صاعا ، فقال : أطعمه ستين مسكينا ، وذلك لكل مسكين مد ».

إلا أن هذا الخبر لم نجده في طرقنا ، وإنما هو من طرق العامة ، كما اعترف به غيرنا أيضا ، وإطلاق الأدلة لا تناول فيه للفرض ، بل المنصرف منه غيره ، خصوصا بعد أن كان الظهار في الجاهلية لحرمة الأبد ولم يشرعه الشارع ، بل جعله من المحرمات وأنه لا يفيد حرمة ولكنه يوجب الكفارة ، فالإطلاق حينئذ ليس إلا للظهار المزبور ، بل لعل قوله تعالى (٢) ( ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلاَّ اللاّئِي وَلَدْنَهُمْ ) مشعر بذلك ، بل إن شرع الإطلاق المزبور التقييد بالوقت فليشرع أيضا التقييد بالمكان وبغيرهما من الأحوال الذي لم نعرف له أثرا في كلام الأصحاب ، فلا ريب في أن المتجه بحسب الأصول العدم ، مؤيدا بالصحيح (٣) المزبور وإن قيل : إنه مختلف النسخ ، ففي بعضها ما سمعت ، وفي آخر عوض « يوما » « فوفى » وحينئذ يخرج عن الدلالة على المقام ، ضرورة كون المراد أنه وفى بظهاره ، أي لم يقرب ، بل ظاهر الوافي أن هذه النسخة هي المعتمدة ، بل قيل : لا دلالة فيه على النسخة الأخرى أيضا ، إذ يمكن أن يكون نفي الشي‌ء عليه لوفائه بما قال باعتبار قصر اليوم ، لكن هذا كله لا ينافي التأييد ، للأصول ولو للظهور أو الاحتمال على بعض النسخ ، والله العالم.

هذا وربما قيل : إن قصرت المدة عن زمان التربص لم يقع لأن الظهار يلزمه التربص مدة ثلاثة أشهر من حين الترافع وعدم الطلاق ، وهو يدل بالاقتضاء على أن مدته تزيد عن ذلك ، وإلا لا لانتفى اللازم الدال على انتفاء الملزوم ، بل عن المختلف اختياره وإن كنا لم نتحققه ، بل في المسالك لا بأس به ، والرواية‌

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٧ ص ٣٩٠.

(٢) سورة المجادلة : ٥٨ ـ الآية ٢.

(٣) المتقدم في ص ١٠٩.

١١١

الصحيحة (١) لا تنافيه.

ولكن هو كما ترى تخصيص للعموم بالحكم المخصوص من غير مقتض ، والحكم بالتربص تلك المدة على تقدير المرافعة لا يوجب تخصيص العام ، لأن المرافعة حكم من أحكام الظهار وهي غير لازمة ، فجاز أن لا ترافعه ، فيحتاج إلى معرفة حكمه على هذا التقدير ، وجاز أن لا يعلمها بإيقاعه ويريد معرفة حكمه مع الله تعالى شأنه ، والحكم بتربصها تلك المدة على تقدير المرافعة محمول على ما إذا كان مؤبدا أو موقتا بزيادة عنها ، فإذا قصرت كان حكمه تحريم العود إلى أن يكفر من غير أن يتوقف على المرافعة.

ومن هنا كان فيه أي القول المزبور ضعف واضح ، ضرورة أنه لا دلالة فيما ذكره على مشروعية الموقت ، بل لعل ظاهر إطلاق الحكم بتربص المدة المزبورة يقتضي كون الظهار مبنيا على الدوام ، فهو إن لم يدل على العدم فلا دلالة فيه على مشروعية التوقيت قطعا ، فالأصول المزبورة حينئذ بحالها ، كما هو واضح. نعم لو ثبت دليل التوقيت أمكن القول بعدم منافاة ذلك له لما عرفت ، والله العالم.

( فروع )

لو قال : أنت طالق كظهر أمي وقع الطلاق إذا قصده ، لوقوع صيغة صحيحة ولغا الظهار ، قصده بأن أراد أنت طالق وأنت كظهر أمي أو لم يقصده وإن جاز وقوعه بالمطلقة الرجعية ، لعدم تمامية الصيغة بسبب عدم ذكر الموضوع.

وقال الشيخ : إن قصد الطلاق والظهار صح إذا كانت المطلقة رجعية ، فكأنه قال : أنت طالق أنت كظهر أمي ، وفيه تردد ، لأن النية لا تستقل بوقوع‌

__________________

(١) المتقدمة في ص ١٠٩.

١١٢

الظهار ما لم يكن اللفظ الصريح الذي لا احتمال فيه كما في غير الظهار من العقود والإيقاعات ، ولكن لا يخفى عليك إمكان دفعه بناء على ما تكرر منا من أن المدار في صيغ العقود والإيقاعات على إنشاء معناها باللفظ الدال عليها حقيقة كان أو مجازا إلا ما خرج بالدليل على التعبد بلفظ خاص ، وحينئذ فالمتجه الصحة مع فرض معلومية قصده الظهار بالعبارة المزبورة ، والفرض أنها صحيحة بمقتضى القواعد العربية.

نعم لو لم ينو الظهار به أو نوى به التأكيد للطلاق لم يصح قطعا ، بل في المسالك « وكذا إذا قصد بالجميع الظهار ، فإنه يحصل الطلاق أيضا دون الظهار ، أما حصول الطلاق فللفظه الصريح ، والصريح لا يقبل صرفه إلى غيره ، حتى لو قال لزوجته : أنت طالق ثم قال : أردت به من وثاق غيري أو نحو ذلك لم يسمع وحكم به عليه ، بخلاف ما لو أتى بالكناية حتى يصححه بها ، والأصل في ذلك ونظائره أن اللفظ الصريح إذا وجد نفاذا في موضوعه لا ينصرف إلى غيره بالنية ، وأما عدم حصول الظهار فلأن الطلاق لا ينصرف إلى الظهار ، والباقي ليس بصريح في الظهار كما بيناه ، وهو لم بنوبة الظهار وإنما نواه بالجميع ، ويحتمل هنا لزوم الظهار أخذا بإقراره » وإن كان فيه مالا يخفى.

بل كأنه من غرائب الكلام إن لم يحمل على صورة التداعي ، فيراد حينئذ من قوله : « قصد » أنه ادعى قصد الظهار بالمجموع ، كما عساه يومئ إليه تعليله وقوله أخيرا : « أخذا بإقراره » وإن كان فيه ما فيه أيضا على هذا التقدير أيضا فتأمل.

وكذا قوله أيضا متصلا بذلك : « رابعها أن يقصد الطلاق والظهار جميعا نظر ، فان قصدهما بمجموع كلامه حصل الطلاق دون الظهار لما تبين ، وإن قصد الطلاق بقوله : أنت طالق والظهار بقوله : كظهر أمي ففيه الخلاف » إلى آخر ما ذكره ، ضرورة أن المتجه عدم حصول كل منهما مع فرض قصد حصولهما بمجموع كلامه ، لعدم كونه صيغة طلاق ولا ظهار ، اللهم إلا أن يحمل على ما عرفت ،

١١٣

أو يقال : إن قصد المجموع منهما لا ينافي وفاء صيغة الطلاق به ، فتأمل. وكذا إذا قصد بالمجموع الطلاق أو الظهار ، كما هو واضح.

ولو عكس فقال : أنت كظهر أمي طالق وقصدهما معا بما دل على كل منهما وقعا بناء على ما ذكرناه ، وفي المسالك « وقع الظهار لصراحته ، وفي وقوع الطلاق الوجهان ، لأنه من النية وأنه ليس في لفظ الطلاق مخاطبة ولا ما في معناها » وقد عرفت ما فيه ، وفي القواعد بعد أن ذكر ما ذكر المصنف قال : « ويقعان معا لو قال : أنت كظهر أمي طالق وقصدهما على إشكال » وكأنه فرق بين المسألتين بسبب إمكان الاجتزاء بصيغة الطلاق بتقدير موضوع المطلقة ، لفحوى الاكتفاء بقول : « نعم » بخلاف الظهار ، والحق عدم الفرق بينهما بعد فرض صحة ذلك في العربية.

وأغرب من ذلك قول المصنف وكذا لو قال : أنت حرام كظهر أمي مريدا عدم صحة الظهار به أيضا كالأولى ، كما عن الشيخ في المبسوط والخلاف مدعيا فيهما الإجماع على ذلك ، ولعله لأنه غير المعهود من صيغة الظهار في النصوص ، فالأصل عدم ترتب حكمه عليها.

لكن فيه أنك قد سمعت ما في‌ صحيح زرارة (١) عن الباقر عليه‌السلام جواب سؤاله عن كيفيته من قوله : « يقول لامرأته وهي طاهر في غير جماع : أنت على حرام مثل ظهر أمي أو أختي » ‌وهو نص في الباب ، وكذا ما في‌ خبر حمران (٢) عنه عليه‌السلام أيضا في سبب نزول الآية (٣) من « أن الرجل قال لها : أنت علي حرام كظهر أمي ـ إلى قوله ـ : لما قال الرجل الأول لامرأته : أنت علي حرام كظهر أمي قال : إن قالها بعد ما عفى الله وغفر للرجل فان عليه تحرير رقبة » ‌ولأن قوله : « حرام » تأكيد لغرضه ، فلا ينافيه ، فان قوله : « أنت كظهر أمي » لا بد له من‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من كتاب الظهار الحديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من كتاب الظهار الحديث ٢.

(٣) سورة المجادلة : ٥٨ ـ الآية ٢.

١١٤

القصد إلى معناه ، وهو يستلزم القصد إلى الحرمة ، فإذا نطق به كان أولى.

والعجب من تجويز الشيخ وقوعه بالكناية ، وما هو أبعد من هذه مع خلوها عن نص يقتضي صحتها ، ومنعه من هذه الصيغة مع ورود النص الصحيح بها بل مع قطع النظر عنه يتجه الصحة ، لتحقيق معنى الظهار بها وصراحتها فيه. ومن هنا جزم في المسالك بالصحة تبعا للمحكي عن الفاضل في التحرير والمختلف ، بل والقواعد وإن قال : « على إشكال ».

نعم لو قال : « أنت على حرام » ففي القواعد « ليس بظهار وإن نواه » ولعله للأصل بعد فرض ظهور النصوص في اعتبار التشبيه به ، مضافا إلى ظهور الأخبار كخبر زرارة (١) « سأل الباقر عليه‌السلام عن رجل قال لامرأته : أنت علي حرام ، فقال : لو كان عليه سلطان لأوجعت رأسه ، وقلت : الله أحلها لك فما حرمها عليك ، إنه لم يزد على من أكذب فزعم أن ما أحل الله له حرام ، ولا يدخل عليه طلاق ولا كفارة ، فقال زرارة : قول الله عز وجل (٢) ( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ؟ ) فجعل فيه الكفارة ، فقال : إنما حرم عليه جارية مارية ، فحلف أن لا يقربها ، فإنما جعل عليه الكفارة في الحلف ، ولم يجعل عليه في التحريم » ‌وغيره من النصوص (٣).

أما لو قال : « أنت على كظهر أمي حرام » أو « أنت علي حرام كظهر أمي » و « أنت طالق أنت كظهر أمي للرجعة » و « أنت كظهر أمي طالق » وقع من غير إشكال إذا قصده ، لإتيانه بالصيغة كاملة من غير تخلل شي‌ء ، وغاية ما زاده أن يكون لغوا مع فرض أنه قصد بحرام في الأولى و « طالق » في الأخيرة كونه خبرا ثانيا.

ولو ظاهر إحدى زوجتيه إن ظاهر ضرتها ثم ظاهر الضرة وقع الظهاران المنجز والمعلق عليه ، بل في المسالك « لو قال : إن ظاهرت من إحداكما أو أيكما‌

__________________

(١) و (٣) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٢ من كتاب الطلاق.

(٢) سورة التحريم : ٦٦ ـ الآية ١.

١١٥

ظاهرت منها فالأخرى علي كظهر أمي ثم ظاهر من إحداهما صار مظاهرا من الأخرى أيضا وإن كان هو كما ترى ، اللهم إلا أن يكون مبنيا على صحة وقوع الظهار بالمبهم ، نحو ما سمعته في الطلاق ، فيراد حينئذ أنه ظاهر إحداهما باللفظ المزبور ، فإذا ظاهر الآخرى ثم الظهاران ، لكنه أيضا هو كما ترى ، فتأمل.

ولو ظاهرها إن ظاهر فلانة الأجنبية وقصد النطق بلفظ الظهار صح الظهار عند مواجهتها به ، وإن قصد الظهار الشرعي لم يقع ظهار لاشتراط الصحيح منه بالوقوع على الزوجة ، وإن أطلق ففيه وجهان ، كما عن المبسوط والتحرير من احتمالي التعليق على الاسم والصفة. وكذا لو قال : أجنبية على الحالية أو اقتصر عليها من دون ذكر فلانة.

ولو قال فلانة من غير وصف بالأجنبية ثم تزوجها وظاهرها قال الشيخ : يقع الظهاران ، وهو حسن وإن كان قد يحتمل العدم ، لكون الشرط حين إيقاع الصيغة غير مشروع ، وربما قيل : إن الشرط هو الذي يجوز وقوعه حال التعليق وعدمه ، ومن المعلوم أن ظهار الأجنبية حال التعليق غير صحيح ، والمفروض عدم إرادة مجرد الصورة ، فكان ذلك أشبه بالصيغة المتأخرة عن التعليق وإن كان هو كما ترى ، ضرورة عدم خروجه بذلك عن أصل الشرطية التي يكفي فيها التجويز بحسب الذات وإن تخلف لفقد شرط من شروطه ، على أنه لا دليل لغة ولا عرفا على اعتبار إمكان حصول الشرط حال التعليق في مفهوم الشرط ، كما هو واضح.

ولو نكح فلانة الأجنبية التي علق ظهار الزوجة على ظهارها وظاهرها ففي المسالك « في وقوع الظهار بالزوجة الأولى وجهان : من خروجها بالنكاح عن كونها أجنبية فلا يقع ، ومن تعليق ظهارها بظهار فلانة ، والوصف بالأجنبية للتعريف لا للشرط ، نحو ما لو حلف على أن لا يدخل دار زيد هذه فباعها زيد ثم دخلها ، فان في حنثه الوجهين أيضا ، ومنشأهما ترجيح الإشارة على الوصف أو بالعكس ».

١١٦

نعم لا يقع الظهار إذا علقه عليها مريدا به الشرعي حال كونها أجنبية وإن نكحها وظاهرها ، لعدم حصول المعلق عليه الذي هو مستحيل شرعا ، كما لو قال : « أنت علي كظهر أمي إن بعت الخمر » وأراد البيع الشرعي ، والله العالم.

ولو علقه بمشيئة الله تعالى شأنه وقصد الشرط لم يقع ، لعدم العلم بوقوعه إن لم يكن معلوما عدمه ، نعم لو قصد التبرك وقع ، لكونه منجزا حينئذ.

ولو قال : « أنت علي كظهر أمي إن لم يشأ الله تعالى » فلو كان عدليا يعتقد أنه تعالى لا يريد القبائح والمعاصي وقع إن عرف التحريم ، لأنه منجز في المعنى ، وإن كان أشعريا ففي القواعد إشكال ، ولعله من الجهل بوقوع الشرط الموجب لاستصحاب الحل والحكم بعدم وقوع الظهار ، ومن لزوم وقوعه شاء الله أو لم يشأ ، فإنه إن شاء لم يجز أن لا يقع ، لكون المشيئة عندهم سببا تاما لوقوع الشي‌ء ، وإن لم يشأ تحقق الشرط ، فيتحقق المشروط ، ولزوم عدم وقوعه على التقديرين ، فإنه إن شاء فقد انتفى الشرط فانتفى المشروط ، وإن لم يشأ لم يقع ، إذ ما من شي‌ء إلا بمشيئة الله تعالى ، وربما دفع بأنه يلزم منه بطلان التعليق ، فلا يقع الظهار ، لأنه إنما أوقعه معلقا.

ولو علق بالنقيضين كأن قال : « أنت علي كظهر أمي إنشاء الله أو لم يشأ » أو « إن دخلت الدار أو لم تدخلي » وقع لأنه في معنى نفي التعليق.

ولو علق بأمرين على الجمع لم يقع مع وقوع أحدهما ، بل لا بد من وقوعهما ولو على البدل ، إلا أن ينص على اجتماعهما دفعة ، نعم يقع بوقوع أحدهما لو علقه بهما على البدل ، كما هو واضح ، إلى غير ذلك من الفروع التي ذكرها العامة في صورة تعليق الطلاق بناء على مذهبهم فيه ، فان مثلها يأتي في المقام بناء على جواز التعليق في الظهار وإن لم نجوزه في الطلاق ، والله العالم.

١١٧

الأمر ( الثاني )

( في المظاهر )

ولا خلاف في أنه يعتبر فيه البلوغ وكمال العقل والاختيار والقصد بل ولا إشكال ، بل الإجماع بقسميه عليه ، فلا يصح ظهار الطفل ولا المجنون ولا المكره ولا فاقد القصد بالسكر أو الإغماء أو الغضب أو النوم والسهو ونحو ذلك ، للأدلة العامة على ذلك كله ، نحو‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) : « إنما الأعمال بالنيات » ‌و « رفع القلم » (٢) ‌ونحوهما ، بل لم يحك أحد الخلاف هنا في المراهق وإن عرفت البحث فيه في الطلاق ، ولعله لخصوص أدلته هناك بخلاف المقام الذي ظاهر أدلته كتابا (٣) وسنة (٤) كون المظاهر مكلفا ، ولذا وصف بالمنكر والزور ، ووجب عليه الكفارة.

والأمر سهل بعد وضوح الأمر من الأدلة العامة فضلا عما ورد هنا في بعض الشرائط ، كموثق عبيد بن زرارة (٥) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « لا طلاق إلا ما أريد به الطلاق ، ولا ظهار إلا ما أريد به الظهار » وحسن حمران (٦) السابق عن أبي‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب مقدمة العبادات الحديث ١٠ من كتاب الطهارة.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب القصاص في النفس الحديث ٢ من كتاب القصاص.

(٣) سورة المجادلة : ٥٨ ـ الآية ٢.

(٤) الوسائل الباب ـ ١ ـ من كتاب الظهار.

(٥) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من كتاب الظهار الحديث ١.

(٦) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من كتاب الظهار الحديث ٢.

١١٨

جعفر عليه‌السلام « لا يكون ظهار في يمين ولا في إضرار ولا في غضب » وقال الرضا عليه‌السلام في صحيح ابن أبي نصر (١) : « الظهار لا يقع على الغضب » وفي موثق عمار (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سألته عن الظهار الواجب ، قال : الذي يريد به الرجل الظهار بعينه » ‌وغيرها.

ولعل من ذلك‌ خبر حمزة بن حمران (٣) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل قال لأمته : أنت علي كظهر أمي يريد أن يرضى بذلك امرأته ، قال : يأتيها ليس عليه شي‌ء » باعتبار عدم النية فيه أو أنه أراد اليمين لها على ذلك ، وقد عرفت عدم انعقاده بالظهار ، نحو‌ موثق ابن بكير (٤) قال : « تزوج حمزة بن حمران ابنة بكر ، فلما أراد أن يدخل بها قال له النساء : لسنا ندخلها عليك حتى تحلف لنا ، ولسنا نرضى أن تحلف بالعتق ، لأنك لا تراه شيئا ، ولكن احلف لنا بالظهار ، وظاهر من أمهات أولادك وجواريك ، فظاهر منهن ، ثم ذكر ذلك لأبي عبد الله عليه‌السلام ، فقال : ليس عليك شي‌ء ، ارجع إليهن » ‌ولعل هذا الحلف كان على عدم طلاقها ، كما يفصح عنه‌ خبر آخر (٥) في معناه ، وفيه « أنهم قالوا له : أنت مطلاق ، فنخاف أن تطلقها ، فلا ندخلها عليك حتى تقول : إن أمهات أولادك عليك‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من كتاب الظهار الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من كتاب الظهار الحديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من كتاب الظهار الحديث ٩.

(٤) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من كتاب الظهار الحديث ٣ عن عبد الله بن المغيرة قال. ، الا أن الموجود في الاستبصار ج ٣ ص ٢٥٨ والتهذيب ج ٨ ص ١١ عن ابن المغيرة عن ابن بكير قال. ، وفي الجميع‌ « تزوج حمزة بن حمران ابنة بكير. » ‌

(٥) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من كتاب الظهار الحديث ٢ وفيه « أنت لا تبالي بالطلاق وليس هو عندك بشي‌ء وليس ندخلها عليك حتى تظاهر من أمهات أولادك قال : ففعل » وكذلك في الكافي ج ٦ ص ١٥٤ وما في الجواهر نقل بالمعنى أخذه من بيان المحدث الكاشاني قده في الوافي ج ١٢ ص ١٣٥ في ذيل الحديث.

١١٩

كظهر أمك أن طلقتها ».

وكيف كان فلا إشكال في شي‌ء من الشرائط المزبورة. فما عن العامة ـ من عدم اعتبار النية ـ واضح الفساد ، كالمحكي من قولهم أيضا من وقوع ظهار السكران ، وما أبعد ما بين ذلك وبين ما في الحدائق من أن إطلاق الخبرين المذكورين شامل لمطلق الغضب ارتفع معه القصد أو لم يرتفع ، وتبعه في الرياض ، فقال : « وكذا لا يقع في حال غضب مطلقا وإن لم يرتفع معه القصد أصلا ولا سكر بلا خلاف في الظاهر فيهما ، وهو حجة فيهما كالأدلة القاطعة في الثاني والصحيح والموثق في الأول » وإن كان هو كما ترى مناف لإجماع الأصحاب على الظاهر ولجميع ما دل على وقوع الظهار مع حصول الشرائط المزبورة الذي لا يعارضه إطلاق الخبرين المزبورين اللذين يعارضهما ما دل على تحقق الظهار بإرادة الظهار من وجه ، ولا ريب في أن الترجيح لذلك عليهما من وجوه ، ومن هنا كان ظاهر الأصحاب تقييد الغضب بالرافع للقصد ، كما هو واضح.

وعلى كل حال فقد بان لك مما هنا وما تقدم سابقا أنه لو ظاهر ونوى الطلاق لم يقع طلاق ، لعدم اللفظ ( التلفظ خ ل ) المعتبر فيه وهو أنت طالق ولا ظهار ، لعدم القصد وكذا لو طلق وقصد الظهار لم يقع ظهار ، لعدم اللفظ المعتبر فيه ، ولا طلاق لعدم القصد بلا خلاف في شي‌ء من ذلك عندنا ولا إشكال ، خصوصا بعد‌ قول الصادق عليه‌السلام (١) : « لا يقع ظهار عن طلاق ولا طلاق عن ظهار » ‌خلافا للعامة ، فجوزوا وقوع الطلاق بلفظ الظهار مع النية حتى لو قال : « أنت طالق كظهر أمي » ونوى الطلاق بالأخيرة وقع عليه طلاقان إن كان الأول رجعيا وبطلانه واضح عندنا.

ويصح ظهار الخصي والمجبوب وإن لم تبق لهما ما يتحقق به الجماع من إدخال الحشفة أو قدرها إن قلنا بتحريم ما عدا الوطء في الظهار مثل‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من كتاب الظهار الحديث ١.

١٢٠