الحاشية على مدارك الأحكام - ج ٣

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

الحاشية على مدارك الأحكام - ج ٣

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-171-0
ISBN الدورة:
964-319-168-0

الصفحات: ٤٦٤

مع أنّ الغرض في المقام عدم الاكتفاء بالمنزلية حتى يتحقّق الوطنية ، لا أنّ مجرّد استيطان ستّة أشهر في ما مضى يكفي ولو كان مرّة واحدة والآن يكون معرضا عن توطّنه ، إذا لا دلالة للحديث على هذا الوجه.

وممّا ذكر ظهر الكلام في رواية علي بن يقطين عن الكاظم عليه‌السلام : عن الدار يكون للرجل بمصر أو الضيعة فيمرّ بها ، قال : « إن كان ممّا قد سكنه أتمّ فيه الصلاة ، وإن كان ممّا لم يسكنه فليقصّر » (١). مع أنّ علي بن يقطين نقل الحديث في طريق آخر بلفظ : « يستوطنه » موضع : « سكنه » (٢) فظهر أنّ المراد واحد ، والله يعلم.

قوله : وألحق العلاّمة. ( ٤ : ٤٤٥ ).

قد عرفت أنّ هذا داخل في الأخبار ، وأنّه وطن حقيقة قطعا بلا شبهة ، لا أنّه ملحق بالوطن ، ويشير إلى ذلك أيضا الأخبار الواردة في حدّ الترخّص من اعتبار البيت والبلد والأهل وما ماثل ذلك من دون اعتبار ملك أصلا (٣) ، وكذا الأخبار الواردة في من سافر بعد دخول الوقت وهو في منزله أو بيته أو بلده ، ولم يصلّ حتى يخرج ، وعكس هذه المسألة (٤) ، إلى غير ذلك مثل ما ورد في علّة القصر وغير ذلك ، ويؤيّد أيضا ما ورد في الأخبار من أنّ الأعراب لا يقصّرون ، لأنّ منازلهم معهم ، وأنّ الملاّحين والأعراب ليس عليهم تقصير ، لأنّ بيوتهم معهم (٥) ، فتأمّل جدّا.

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢١٢ / ٥١٨ ، الاستبصار ١ : ٢٣٠ / ٨١٩ ، الوسائل ٨ : ٤٩٤ أبواب صلاة المسافر ب ١٤ ح ٩.

(٢) التهذيب ٣ : ٢١٣ / ٥١٩ ، الوسائل ٨ : ٤٩٤ أبواب صلاة المسافر ب ١٤ ح ١٠.

(٣) الوسائل ٨ : ٤٧٠ أبواب صلاة المسافر ب ٦.

(٤) الوسائل ٨ : ٥١٢ أبواب صلاة المسافر ب ٢١.

(٥) الوسائل ٨ : ٤٨٤ أبواب صلاة المسافر ب ١١.

٤٠١

قوله : لأنّ الاستيطان على هذا الوجه. ( ٤ : ٤٤٥ ).

فيه نظر ، لأنّ المعتبر في الوطن العرفي هو فعلية الاستيطان بحيث يصدق عرفا أنّه حاضر في وطنه وفي بيته وفي أهله وأمثال ذلك ، فإذا أعرض عن هذا الوطن وهجره وجعل بلدا آخر وطنه وبيته وفيه أهله ثمّ سافر منه وصل إلى الوطن السابق فلا شكّ في أنّه الآن مسافر وغير حاضر وليس في بيته وعند أهله ، فيجب عليه القصر بلا شكّ ولا شبهة.

بخلاف الوطن الشرعي على فرض أن يكون حقا ، فإنّه لا يعتبر فيه الاستيطان بالفعل جزما ، إذا لو كان المعتبر هو فعلية الاستيطان على حسب ما ذكرنا فلا شكّ في أنّه على هذا يصير اعتبار الملكية غلطا جزما ، والملكية لغوا محضا ، إذ غير المسافر صلاته تامّة ، وصومه واجب أداء ، إلى غير ذلك من أحكام الحاضرين ، فأيّ فائدة في الملكية؟.

فلا بدّ من أن تكون الفائدة منحصرة في صورة الإعراض عن استيطانه وعدم كونه وطنا بالفعل ، وحيث عرفت عدم اشتراط الملك وأنّ المعتبر هو الوطن عرفت أنّ الاستيطان الشرعي والعرفي يكونان واحدا ، وإذا اعتبر استيطان ستّة أشهر سنة واحدة كما هو المشهور وإن كان بعدها معرضا فلاعتبار الملكية وجه حتى يتحقّق الشرعي الذي يكون مغايرا.

وأمّا إذا اعتبر استيطان ستّة أشهر في كلّ سنة كما اختاره الشارح رحمه‌الله وهو المستفاد من الدليل كما عرفت ، فلعله لم يبق حاجة إلى اشتراط الملك حينئذ ، لأنّ الإنسان كما يكون بعضهم متوطّنا في بلد واحد يكون بعضهم متوطّنا في بلدين عرفا بأن يكون له أهل وزوجة في بلدة وأهل وزوجة في بلدة أخرى ، يتوطّن ويسكن في عرض السنة تارة مع إحداهما وتارة مع الأخرى ، فالوطنان معا وطنه عرفا ، والبيتان معا بيته ، والأهلان معا أهله ،

٤٠٢

فلذا قال المعصوم عليه‌السلام : إذا استوطنه ستّة أشهر في كلّ سنة يكفي في كونه وطنا.

وهذا أيضا وجه آخر لعدم اشتراط الملكية ( مضافا إلى الوجوه التي ذكرناها في الحواشي السابقة ، ولم يظهر من الصدوق أنّه اشتراط الملك ) (١) بوجه من الوجوه. نعم لو قلنا بأنّ الوطن العرفي لا يتحقّق باستيطان ستّة أشهر ، بل لا بدّ من دوام الاستيطان في السنة فلاعتبار الملك وجه.

ويمكن أن يكون مراد الشهيد والشارح أنّ أقلّ ما يتحقّق به الاستيطان العرفي ستّة أشهر كأقلّ ما يتحقّق به الشرعي ، وإن لم يكن بينهما تفاوت في الحكم أصلا سوى اشتراط الملكية لأجل تحقّق الشرعية ، والثمرة بين [ العرفي و ] (٢) الشرعي تتحقّق في النذر والعهد واليمين وأمثالها لا في حكم القصر والإتمام ، فتأمّل فيه.

قوله (٣) : في روض الجنان. ( ٤ : ٤٤٦ ).

قد مرّ الكلام في بحث صلاة الجمعة في حرمة السفر بعد زوال الشمس (٤).

قوله : وهو جيّد. ( ٤ : ٤٤٨ ).

ربما يتوجه عليه أنّه جعل فيما سبق مجرّد وجوب الإتمام قاطعا للسفر ، إذ ما علّل لقطع السفر بنيّة الإقامة أو الوصول إلى المنزل إلاّ بأنّ المعصوم عليه‌السلام حكم بوجوب الإتمام فيهما (٥) ، فتأمّل.

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « د ».

(٢) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.

(٣) هذه التعليقة ليست في « ا ».

(٤) راجع ص ٢٢٠ ـ ٢٢١.

(٥) انظر المدارك ٤ : ٤٤١.

٤٠٣

وفي الفقه الرضوي : « ولو أنّ مسافرا يجب عليه القصر مال من طريقه إلى الصيد لوجب عليه التمام لطلب الصيد ، فإن رجع بصيده إلى الطريق فعليه في رجوعه التقصير » (١) ومثله رواية السيّاري عن العسكري عليه‌السلام (٢).

قوله (٣) : ما رواه الشيخ في الصحيح. ( ٤ : ٤٤٨ ).

نقل ابن المفلح في شرحه على الشرائع الإجماع على قصر الصوم والخلاف في قصر الصلاة ، والعمومات أيضا تقتضي قصر الصوم ، وأمّا قصر الصلاة وإن كان كذلك لو لم يرد ما دل على المنع من القصر فيها ، وورد رواية عمران بن محمد القمي المتضمّنة لمنع القصر فيها حيث قال عليه‌السلام : « إن كان صيده لقوته وقوت عياله يقصّر الصلاة ، وإن كان لطلب الفضول فلا ولا كرامة » (٤) ، وظاهر أنّ المتبادر من [ طلب الفضول ] (٥) طلب زيادة المال ، والرواية منجبرة بالفتاوى ، لأنّ الظاهر أنّها مستند فتاويهم للقصر في صيد القوت ، كما لا يخفى على المتأمّل ، والصدوق رواها في الفقيه مفتيا بها (٦).

وفي الفقه الرضوي : « وإذا كان صيده للتجارة فعليه الإتمام في الصلاة والتقصير في الصوم ، وإن كان صيده اضطرارا ليعود على عياله فعليه التقصير في الصلاة والصوم » (٧) وقال قبل ذلك : « وإذا كان صيده بطرا‌

__________________

(١) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٦٢ ، المستدرك ٦ : ٥٤٨ أبواب صلاة المسافر ب ٢١ ح ١.

(٢) التهذيب ٣ : ٢١٨ / ٥٤٣ ، الاستبصار ١ : ٢٣٧ / ٨٤٦ ، الوسائل ٨ : ٤٨٠ أبواب صلاة المسافر ب ٩ ح ٦.

(٣) هذه التعليقة ليست في « ا ».

(٤) الكافي ٣ : ٤٣٨ / ١٠ ، الفقيه ١ : ٢٨٨ / ١٣١٢ ، التهذيب ٣ : ٢١٧ / ٥٣٨ ، الاستبصار ١ : ٢٣٦ / ٨٤٥ ، الوسائل ٨ : ٤٨٠ أبواب صلاة المسافر ب ٩ ح ٥ ، بتفاوت يسير.

(٥) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.

(٦) الفقيه ١ : ٢٨٨.

(٧) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٦٢ ، المستدرك ٦ : ٥٣٣ أبواب صلاة المسافر ب ٧ ح ٢ ، بتفاوت يسير.

٤٠٤

وتنزّها فعليه التمام » (١).

قوله : وجب اعتبار صدق هذا الاسم. ( ٤ : ٤٥١ ).

اعتباره لا يخلو عن الإشكال ، لما ستعرف ، مع أنّ الإطلاق منصرف إلى الأفراد الشائعة المتعارفة ، وقلّما نجد مكاريا لمّا يسافر بعد ، أو يكون السفر أوّل سفره أو ثانيه.

مع أنّ صحيحة محمد بن جزك التي سنذكرها تدل على اعتبار الخروج مع الدابّة في الأسفار (٢) ، ولا يكفي إطلاق اسم المكاري عليه ، فتأمّل.

قوله : كيف كان. ( ٤ : ٤٥١ ).

ليس كذلك ، فإنّ صحيحة هشام قيّد فيها المكاري والجمّال بالذي يختلف وليس له مقام (٣) ، ومثلها رواية السندي بن ربيع (٤) ، والمراد مقام عشرة أيّام أو ما هو أعمّ ، خرج الأقلّ منه وبقي الباقي.

مع أنّ الأقلّ لا يعدّ مقاما في المقام ، للقطع بأنّ لهم مقاما ، بل الغالب الشائع أنّهم يقيمون ستة أشهر أو سبعة أو ما قاربهما ، مع أنّ أخبارهم ربما يفسّر بعضها بعضا ، ويظهر من صحيحة ابن سنان (٥) ومرسلة يونس أنّه مقام عشرة (٦) ، وكذا من اتفاق الأصحاب ، فتأمّل.

__________________

(١) فقه الرضا عليه‌السلام ١٦٢ ، بتفاوت يسير.

(٢) تأتي في ص : ٤١٠.

(٣) الكافي ٤ : ١٢٨ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢١٨ / ٦٣٤ ، الوسائل ٨ : ٤٨٤ أبواب صلاة المسافر ب ١١ ح ١.

(٤) التهذيب ٤ : ٢١٨ / ٦٣٦ ، الوسائل ٨ : ٤٨٧ أبواب صلاة المسافر ب ١١ ح ١٠.

(٥) الفقيه ١ : ٢٨١ / ١٢٧٨ ، الوسائل ٨ : ٤٨٩ أبواب صلاة المسافر ب ١٢ ح ٥.

(٦) التهذيب ٤ : ٢١٩ / ٦٣٩ ، الاستبصار ١ : ٢٣٤ / ٨٣٧ ، الوسائل ٨ : ٤٨٨ أبواب صلاة المسافر ب ١٢ ح ١.

٤٠٥

وأيضا الباقر عليه‌السلام في صحيحة زرارة قال : « قد يجب عليهم التمام » (١) فلعله إشارة إلى هذا الشرط.

وربما يؤيّده قوله عليه‌السلام : « لأنّ السفر عملهم » لأنّ ظاهره دوام السفر واستمراره ، ولا أقلّ من أكثريته بحيث يكون الحضر في جنبه مضمحلاّ وبمنزلة العدم.

ويؤيّده أيضا رواية السكوني (٢) ، لما فيها من لفظ « يدور » الظاهر في الاستمرار ، ولعله لذا فهم الأصحاب كثرة السفر أو أكثريته ، فتأمّل.

ويمكن أن يكون ما ورد في بعض الأخبار من أنّ المكاري يجب عليه التقصير أيضا (٣) إشارة إلى ذلك ، جمعا بينه وبين ما دل على وجوب الإتمام ، وشاهد الجمع الأخبار الظاهرة في التفصيل وفتاوى الأصحاب ، كما أشرنا. هذا حال الأخبار.

وأمّا فتاوى الأصحاب فظاهر أنّ المراد بعد حصول الشرط ، نعم في صحيحة ابن مسلم : « ليس على الملاّحين في سفينتهم تقصير ولا على المكاري والجمّال » (٤) لكن تقييد هذا الحديث الواحد بقيد واحد من جهة ما ذكرنا ليس ببعيد وإن فرضنا أنّ المكاري قلّما لا يقيم في بلده أو البلد الذي يذهب إليه عشرة أيّام (٥) ، مع أنّه أيضا غير ظاهر بحيث يتحقّق في‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٣٦ / ١ ، الفقيه ١ : ٢٨١ / ١٢٧٦ ، التهذيب ٣ : ٢١٥ / ٥٢٦ ، الاستبصار ١ : ٢٣٢ / ٨٢٨ ، الوسائل ٨ : ٤٨٥ أبواب صلاة المسافر ب ١١ ح ٢.

(٢) الفقيه ١ : ٢٨٢ / ١٢٨٢ ، التهذيب ٣ : ٢١٤ / ٥٢٤ ، الاستبصار ١ : ٢٣٢ / ٨٢٦ ، الوسائل ٨ : ٤٨٦ أبواب صلاة المسافر ب ١١ ح ٩.

(٣) الوسائل ٨ : ٤٩٠ أبواب صلاة المسافر ب ١٣.

(٤) الكافي ٣ : ٤٣٧ / ٢ ، الفقيه ١ : ٢٨١ / ١٢٧٧ ، الوسائل ٨ : ٤٨٥ أبواب صلاة المسافر ب ١١ ح ٤.

(٥) ليس في « أ » و « ب » و « و ».

٤٠٦

التقييد استبعاد سيّما في زمان صدور الأخبار ، لعدم علمنا بكيفية الحال ، فتأمّل.

قوله : باشتمالها على ما لا يقول به الأصحاب. ( ٤ : ٤٥٢ ).

يمكن حمل الأقلّ على أنّ المراد منه الأقلّ من العشر ، بقرينة كانت في صدر الكلام ذهبت من تقطيع الحديث ، فإنّ أحاديثنا منقطعة بعضها عن بعض ، إذا في الأصول كانت متصلة غالبا وجُلاّ ، وربما وجدنا أنّ الشيخ رحمه‌الله روى عن الكافي بعض حديثه بأن قطعه وأتى بما هو المناسب للباب وترك غيره فحصل التفاوت في معناه والتغيّر في حكمه ، وما ذكر هو السبب في تقطيع الأصحاب أحاديث الأصول. وهذا هو السبب الأعظم في حصول الاختلاف في الأخبار ، مثل اختلاف المطلق والمقيّد ، والخاص والعام ، وأمثالهما ممّا يكون أحد جزئية مبيّنا للآخر ، لأنّ تأخير البيان عن وقت الحاجة قبيح ومحال عن الحكيم قطعا ووفاقا ، وجلّ الأخبار المحتاجة إلى البيان في غاية الظهور والوضوح كون الوقت فيها وقت الحاجة ، وأنّ المبيّن رواه راو آخر عن معصوم آخر ، أو عن ذلك المعصوم لكن أحد الروايتين (١) في بلد والآخر في بلد آخر ، إلى غير ذلك ممّا يمنع أو يبعّد كون الخبر الآخر بيانا واردا قبل حضور وقت العمل.

والقرينة على الحمل الذي ذكرناه اتفاق الأصحاب على عدم القول به ، وكثيرا ما يوجّه الخبر بسبب اتفاق الأصحاب ، سيّما بعد ملاحظة ما ستعرف من ظهور اتحاد الأخبار الثلاثة عن يونس (٢) ، ووقوع تشويش واضطراب في ضبطه.

__________________

(١) في « ب » و « ج » و « د » : الراويين.

(٢) الوسائل ٨ : ٤٨٨ أبواب صلاة المسافر ب ١٢ ح ١ ، ٥ ، ٦.

٤٠٧

وبمثل ما ذكر نجيب عن الطعن المتقدّم أيضا بأنّ المراد من كلمة ( واو ) معنى كلمة ( أو ) كما صرّح به في مرسلة يونس ، فتأمّل.

وربما يشير إلى هذا الحمل جعل مقام عشرة أيّام في مقابل خمسة أيّام ، فكيف يجعل خمسة وما دونها في مقابل خصوص العشرة وما فوقها من دون تعرّض لذكر ما فوق الخمسة إلى العشرة؟ فجعل العشرة وما فوقها في مقابل الخمسة وأقلّ مشير إلى أنّ المراد أقلّ من العشرة التي سيذكر وسيجعل في مقابلها ، فتأمّل.

على أنّه لو لم يرض بهذا الحمل نقول : اتفاق الأصحاب دليل على كون هذا اللفظ زيادة وقعت في الرواية ، ولا محذور في ذلك.

قوله (١) : وألحق المصنف في النافع. ( ٤ : ٤٥٣ ).

ربما كان في هذا الكتاب أيضا رأيه كذلك بأنّ قوله : بلد ، باق لا بالإضافة إلى الضمير ، فتأمّل.

قوله : إسماعيل بن مرار. ( ٤ : ٤٥٣ ).

إسماعيل هذا مقبول الحديث عند القميين ، وهذا شاهد على وثاقته ، لما يظهر من أحوال القميين ، فإنّهم كانوا يخرجون من قم من كان يروي عن المجهول وأمثاله ، ورجال يونس بحسب الظاهر الجماعة الذين كان يعتمد عليهم ، والظاهر أنّه عبد الله بن سنان ، وأنّ الرواية واحدة حصل التفاوت من جهة النقل بالمعنى وتفاوت الضبط في الأصول ، فربما [ كانت ] حكاية الخمسة اشتباها من بعض الرواة ، أو كانت لمصلحة خاصّة.

مع أنّ خروج بعض الرواية عن الحجّية لا يقتضي خروج الكل عنها ،

__________________

(١) هذه التعليقة ليست في « ا ».

٤٠٨

سيّما إذا كانت منجبرة بالشهرة العظيمة لو لم نقل بالإجماع.

وبالجملة : الحجيّة دائرة مع حصول الظنّ ، فإذا حصل الظنّ فلا يضرّ عدم موافقة بعضها للواقع ، لما ذكرنا ، ولأنّه لذلك ترك في هذه الرواية لمّا ظهر على راويها ، فتأمّل. وصرّح بعض المحققين بوحدة الروايات الثلاث.

قوله : غير دالة ... ( ٤ : ٤٥٥ ).

لكن مشيرة إلى ما ذكر ، فهو أقرب المحامل بعد اعتبار وجود القائل ، وإلاّ فما ذكره الشارح.

قوله : وهو قريب ... ( ٤ : ٤٥٦ ).

نفس الحكم قريب لا توجيه الروايتين ، ويدل على نفس الحكم ما رواه الفقيه والشيخ في الصحيح عن ابن المغيرة ، عن السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه عليهما‌السلام : « سبعة لا يقصّرون الصلاة : الجابي الذي يدور في جبايته ، والأمير الذي يدور في إمارته ، والتاجر الذي يدور في تجارته من سوق إلى سوق ، والراعي ، والبدوي الذي يطلب مواضع القطر ومنبت الشجر ، والرجل الذي يطلب الصيد يريد به لهو الدنيا ، والمحارب الذي يقطع السبيل » (١) فإنّ الظاهر منه أنّهم في هذه الأسفار يتمّون ، وابن المغيرة ممّن أجمعت العصابة ، مع أن السكوني ثقة كما حقّقت في موضعه (٢).

والصحيحة الدالة على أنّهم يتمّون لأنّه عملهم (٣) أيضا ظاهرة في أنّ الإتمام في ما هو عملهم. وما دل على أنّ الأعراب يتمّون لأنّ بيوتهم‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٨٢ / ١٢٨٢ ، التهذيب ٣ : ٢١٤ / ٥٢٤ ، الاستبصار ١ : ٢٣٢ / ٨٢٦ ، الوسائل ٨ : ٤٨٦ أبواب صلاة المسافر ب ١١ ح ٩.

(٢) تعليقات الوحيد على منهج المقال : ٥٥.

(٣) الكافي ٣ : ٤٣٦ / ١ ، الفقيه ١ : ٢٨١ / ١٢٧٦ ، التهذيب ٣ : ٢١٥ / ٥٢٦ ، الاستبصار ١ : ٢٣٢ / ٨٢٨ ، الوسائل ٨ : ٤٨٥ أبواب صلاة المسافر ب ١١ ح ٢.

٤٠٩

معهم (١) أيضا كالصريح في أنّهم إذا سافروا عن بيوتهم ليسوا كذلك.

ويؤيّده الأخبار الدالة على أنّ السفر الباطل يتمّ المكلّف فيه ، والحقّ يقصّر فيه (٢) ، فتأمّل.

وكذا ما رواه المحمدون الثلاثة في الصحيح عن محمد بن جزك ، قال : كتبت إلى أبي الحسن الثالث عليه‌السلام : أنّ لي جمالا ولي قوّاما عليها ، ولست أخرج فيها إلاّ في طريق مكّة لرغبتي في الحج أو في الندرة إلى بعض المواضع ، فما يجب عليّ إذا أنا خرجت معهم أن أعمل؟ أيجب عليّ التقصير أو التمام؟ فوقّع عليه‌السلام : « إذا كنت لا تلزمها ولا تخرج معها في كلّ سفر إلاّ إلى طريق مكة فعليك تقصير وإفطار » (٣) إذ ربما يظهر منها أنّ السفر لا بدّ أن يكون من الأسفار التي يخرج في كلّ منها ، فتأمّل.

وورد أخبار متعدّدة في أنّ المكارين عليهم التقصير (٤) ، وحملت على ما إذا سافروا إلى غير ما يختلفون فيه (٥).

قوله : ما اختاره المصنف من الاكتفاء. ( ٤ : ٤٥٧ ).

لا يخفى أنّ اختلاف الحكم باعتبار الأمرين مستبعد بحسب الواقع وخلاف ظاهر الحديثين ، إذ كيف يجوز وجوب القصر إن اعتبر خفاء الأذان ، والإتمام إن اعتبر خفاء الجدران أو بالعكس؟

مع أنّ الظاهر من كلّ واحد من الخبرين لزوم التمام قبل الوصول إلى‌

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٤٨٥ ، ٤٨٦ أبواب صلاة المسافر ب ١١ ح ٥ ، ٦.

(٢) الوسائل ٨ : ٤٧٦ أبواب صلاة المسافر ب ٨.

(٣) الكافي ٣ : ٤٣٨ / ١١ ، الفقيه ١ : ٢٨٢ / ١٢٨٠ ، التهذيب ٣ : ٢١٦ / ٥٣٤ ، الاستبصار ١ : ٢٣٤ / ٨٣٥ ، الوسائل ٨ : ٤٨٩ أبواب صلاة المسافر ب ١٢ ح ٤.

(٤) الوسائل ٨ : ٤٩٠ أبواب صلاة المسافر ب ١٣.

(٥) انظر الوافي ٧ : ١٧٠.

٤١٠

الحدّ المذكور فيه ولزوم القصر بعده ، فإذا كان مسافة كلّ واحد من الأمرين واحدا والمقصود منهما شيئا واحدا وامتدادا واحدا فلا معنى لما ذكره من الاكتفاء في جواز التقصير ، فإنّ كلّ واحد من الأمرين أمارة على أمر واحد وشي‌ء معيّن متحد ، فالأظهر أنّ المراد منهما شي‌ء واحد ومقدار واحد إن اعتبر خفاء الأذان وإن اعتبر خفاء الجدران لا يكون فرق بينهما.

نعم لمّا لم يكن المفهوم من كلّ واحد واحد من الخبرين ذلك الأمر الواحد والشي‌ء المعيّن اعتبر ضمّهما معا ليحصل ذلك الواحد وإن كان المراد من كلّ واحد منهما وسطه الذي ليس بالإفراط ولا التفريط ، فإنّ الوسط أيضا لا يفيد ذلك الواحد والمعيّن ما لم يعتبر ضمّهما معا ، فتأمّل.

ولو فرض حصول ذلك الواحد من كل واحد على حدة لا يحتاج إلى الضمّ ، ومعلوم أنّ الأمر ليس كذلك ، بل الضمّ أضبط وأدل عليه ، ومع ذلك أيضا لا يكاد يضبط ويتشخّص ، إلاّ أنّ المكلّف عند شكّه في وصوله إلى حدّ الترخّص يتمّ ، لأنّ الإتمام مستصحب حتى يثبت خلافه ، فتأمّل.

( ويمكن أن يكون مراد الأكثر أنّ الأمارتين لا تفاوت بينهما أصلا فبأيّهما يعمل يكفي ولا حاجة إلى ضمّ الأخرى ، لأنّ المتضمّن والمنفرد مفادهما واحد ، ولهذا اكتفى المعصوم عليه‌السلام بواحدة منهما للراوي ، ولا يعلم من الخارج تفاوت حتى يحتاج إلى التوجيه ، والاحتياط في أمثال المقام مما لا ينبغي أن يترك. وذكرنا في حكم منتظر الرفقة رواية إسحاق بن عمار (١) الدالة على اعتبار حدّ الترخص وأنّه خفاء الأذان ) (٢).

قوله : ومقتضى الرواية اعتبار التواري من البيوت. ( ٤ : ٤٥٧ ).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٣٣ / ٥ ، الوسائل ٨ : ٤٦٦ أبواب صلاة المسافر ب ٣ ح ١٠.

(٢) ما بين القوسين ليس في « ا ».

٤١١

هذا هو الحق ، فيكفي تواري الإنسان الذي عند البيوت عن المسافر. ويمكن حمل الجدران في كلامهم على الجدران الذي يكون بمقدار إنسان ، إذ ربما لا يكون عند البيوت إنسان ، أو يكون لكن يشتبه على المسافر بواسطة الجدران ، لكنه بعيد ، فتأمّل.

ويمكن (١) أن يقال : إنّ باب التفاعل مأخوذ فيه التفاعل من الطرفين وإن كان أحدهما فاعلا كباب المفاعلة ، فإنّه مأخوذ فيه المفاعلة من الطرفين ، فإذا كان التفاعل من الطرفين [ فالعبرة تكون بخفاء ] (٢) البيوت عليه ، لأنّه هو الذي يدركه ، أمّا خفاء نفسه على البيوت فلا يدركه فكيف يجعله المعيار؟ والتخمين غير معلوم اعتباره ، لأنّه خلاف الأصل وخلاف ظاهر الأخبار ، فتأمّل.

نعم يمكن أن يعرف تواريه منهم بأن لا يرى من كان عند البيوت ، فإنّه أيضا لا يراه ، لاتحاد حالهما في رؤية الآخر ، لكن من أين يدري أنّ هناك أحد لكن لا يراه؟ إلاّ بضرب من التخمين. ومع هذا معلوم أنّ العبرة إنّما هي في المبيت والمنزل لا أهله ، ومع ذلك لمّ الحكم وسرّه ، وهو أنّه إذا خفي عن أهل البيوت فقد غاب عنهم ولم يكن حاضرا ، والقصر إنّما هو على المسافرين لا الحاضرين.

وممّا ذكر ظهر أنّ اعتبار حدّ الترخّص إنّما هو بالنسبة إلى من سافر من وطنه ، لا من هو مسافر مثل الهائم الذي قصد المسافة في السفر ، والعاصي الذي زال عصيانه في أثناء السفر. وأمّا ناوي الإقامة والمتردّد في محلّ ثلاثين يوما فيمكن أن يكون حكمهما حكم المتوطّن ، بعموم‌

__________________

(١) من هنا إلى نهاية التعليقة ليس في « ا ».

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ : فالغير يكون بحذاء ، والظاهر ما أثبتناه.

٤١٢

المنزلة ، كما عرفت.

قوله : ويمكن قويا الاكتفاء بالتواري في المنخفضة كيف كان لإطلاق الخبر. ( ٤ : ٤٥٨ ).

بعيد ، لأنّ الإطلاق ينصرف إلى الأفراد الغالبة الشائعة ، على ما هو مسلّم ومبيّن ، ومع ذلك سماع الأذان أيضا مطلق ، فالحكم في الرجوع فيه إلى الأذان المتوسّط دون التواري تحكّم بحت ، ومع ذلك الاكتفاء في المنخفضة كيف كان دون العالية تحكم آخر ، فتأمّل.

قوله : وإنّما لم يكتف المصنّف هنا بأحد الأمرين. ( ٤ : ٤٥٨ ).

قد عرفت أنّ المراد من كلّ منهما شي‌ء واحد ، ولذا لم يفرّقوا بينهما في العود وإن لم يكن دليل على الآخر ، بل كون المصنف ما ذكره الشارح غير معلوم ، لأنّه بحسب الظاهر قول فصل ، ولأنّ قوله : وكذا في عوده ، يشير إلى أنّ حكمه حكم الذهاب ، وإلاّ كان يقول : وفي عوده ، حتى يحصل التنبيه ، فإنّ الأصحاب لم يفرقوا ، وكيف كان قد عرفت أنّه لا فرق بينهما.

قوله : فيكون بمنزلة من دخل منزله. ( ٤ : ٤٥٩ ).

يؤيّده أنّه ورد في غير واحد من الأخبار أنّ المسافر يقصّر إذا خرج من بيته (١) ، وأنّ المتداول المتعارف الشائع عندنا أيضا كذلك ، بل نقول : يقصّر إلى أن يرجع إلى بيته ، وأمثال هذه العبارة ، مع أنّه عندنا أنّه في العود أيضا يقصّر إلى أن يصل إلى حدّ الترخص.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٤٧٥ أبواب صلاة المسافر ب ٧ ح ٥.

٤١٣

وممّا يؤيّد أيضا بل يدل عليه أنّه إذا كان في بلده لا يقال عرفا ولا لغة : إنّه مسافر ، بل يقال : إنّه حاضر ، وإنّه في وطنه ، وإنّه رجع عن سفره ، أو إنّه يذهب إلى السفر ، أو يريد أن يذهب إليه ، وأمثال ذلك ، وقد عرفت أنّ شرط القصر أن يكون مسافرا بالإجماع والكتاب والأخبار المتواترة ، وأنّ الحاضر يجب عليه الإتمام بالأدلة المذكورة. بل ربما يكون في أطراف بلده المتصلة به أو القريبة إليه [ و ] لا نقول : إنّه الآن في السفر ، على حسب ما ذكرنا بأنّه رجع عن السفر أو يريد أن يذهب ، بل ربما في حدّ الترخّص أيضا يشكل القول عرفا : إنّه الآن في السفر ، بل يقال : إنّه رجع عنه ، أو يريد أن يذهب إليه ، فتأمّل.

وممّا يؤيّد أيضا بل يدل أنّه لو كان المراد الدخول إلى بيته على حسب الحقيقة اللغوية أو العرفية أنّه إذا رجع من سفره ودخل بلده ودخل بيتا في جنب بيته أو في دهليز بيته بقي فيهما مدّة أو يكون متردّدا في اختيار بيت من بيوت بلده أنّه يكون في هذه الصورة وهذه المدّة مسافرا أو يجب عليه القصر ، وفيه ما فيه.

فإن قلت : جميع ما ذكرت تامّ بالنسبة إلى صحيحة العيص ، فأمّا بالقياس إلى موثقة إسحاق فلا ، بل حمله على ما ذكر في غاية البعد.

قلت : الموثقة لا تقاوم الصحيحة ، سيّما الصحيحة التي هي المفتي بها عند معظم الفقهاء ، بل كاد أن يكون عند كلّهم ، مع شدّة قوّة دلالتها. ومع ذلك تعارضها أيضا صحيحة زرارة عن الصادق عليه‌السلام قال : « من قدم مكّة قبل التروية بعشرة أيّام وجب عليه إتمام الصلاة » إلى أن قال : « فإذا زار‌

٤١٤

البيت أتمّ الصلاة وعليه إتمام الصلاة إذا رجع إلى منى حتى ينفر » (١).

وممّا ذكر ظهر ما في الحسن : « إنّ أهل مكّة إذا زاروا البيت ودخلوا منازلهم أتمّوا ، وإن لم يدخلوا منازلهم قصّروا » (٢). مع أنّا نقول : إنّ الكوفة كانت في غاية الوسعة وبيوتها متشتّتة كانوا قبائل من العرب وطوائف كثيرة.

وأمّا ما في الحسنة فيمكن أن يكون المراد من قوله عليه‌السلام : « ودخلوا منازلهم » عطف تفسير لقوله : « زاروا » تنبيها له على علّة الإتمام ، فتأمّل. هذا.

مع أنّ الإتمام في مكّة ولو كان مسافرا أولى عند الشارح رحمه‌الله وغيره ممّن وافق المشهور في ما ذكر ، فتأمّل.

قوله (٣) : ولو قيل بالتخيير. ( ٤ : ٤٥٩ ).

هذا القول ممّا لم يقل به أحد ، والشارح رحمه‌الله ربما يطعن على من يقول بالجديد (٤) ، ومع ذلك خلاف المستفاد من جميع أخبار هذا الباب ، ومع ذلك لا وجه له ، لأنّه فرع التكافؤ في الأخبار وليس بمتحقّق كما عرفت ، فتأمّل.

قوله (٥) : ولو نوى الإقامة. ( ٤ : ٤٥٩ ).

قصد الإقامة هنا أعمّ من أن يكون له قصد ونية أم لا ، بل يحصل له اليقين والقطع بمقامه فيه بحيث لا يحتمل عنده خلافه أصلا سواء كان له قصد وإرادة بالمقام أم لا ، ويحصل أيضا بأن يكون له قصد وعزم وإرادة‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٤٨٨ / ١٧٤٢ ، الوسائل ٨ : ٤٦٤ أبواب صلاة المسافر ب ٣ ح ٣.

(٢) الكافي ٤ : ٥١٨ / ١ ، الوسائل ٨ : ٤٦٤ أبواب صلاة المسافر ب ٣ ح ٧.

(٣) هذه التعليقة ليست في « ج » و « د » و « ب ».

(٤) انظر المدارك ٤ : ٤٥٢.

(٥) هذه التعليقة ليست في « ا ».

٤١٥

بالمقام هناك ، سواء كان له اليقين والقطع بالمقام هناك أم لم يكن بل يكون عنده وفي نظره أنّه يقيم وإن احتمل احتمالا بعيدا أن يبدو له ويرجع عن عزمه بسبب حوادث لم يكن نظره إليها بل نفسه الآن مطمئنّة بعدمها ، وربما لا يكون حين القصد والعزم احتمال الخلاف ملحوظ نظره ، ولذا عزمه على المقام ، فلا ينافي ذلك وقوع البداء له وحصول الندامة عن قصده الإقامة ، وإن لم يكن أمر تضرّه (١) الإقامة وبسببه يضطرّ إلى الرجوع ، بل يكون أولى في نظره أن لا يقيم وهكذا يعجبه ، فضلا عن حصول الأمور الاضطرارية.

وإن لم يكن له إرادة المقام ولا يجزم أيضا بالمقام لا يكون قصد الإقامة وإن حصل له المظنّة بالإقامة.

قوله : فلا يقدح فيها الخروج إلى بعض البساتين والمزارع المتصلة بالبلد. ( ٤ : ٤٦٠ ).

لا يخفى أنّ الشهيدين اعتبرا التوالي بحيث لا يخرج في ظرف العشرة إلى خارج موضع الإقامة أصلا ورأسا إلاّ إلى حدّ الترخّص ، لأنّه إذا سافر يتمّ إلى الحدّ ، فمع عدم السفر يتمّ بطريق أولى ، وأنّه ربما يظهر من هذا أنّه داخل في موضع الإقامة وجزء منه شرعا ، وهذا مبني على ما ذكر من أنّه إذا سافر يتمّ إلى الحدّ ، وسيجي‌ء الكلام.

وأمّا الشارح فقد وافقهما في اعتبار التوالي على حسب ما ذكرنا أنّه جعل موضع الإقامة موكولا إلى العرف فأدخل فيه بعض البساتين والمزارع المتصلة.

والسيد السند الأستاد (٢) اعتبر الإقامة العرفية مطلقا من غير اعتبار‌

__________________

(١) في « ب » و « ج » و « و » : نظره.

(٢) هو السيّد الأجلّ صدر الدين محمد بن محمد باقر الرضوي القمي الهمداني الغروي ، المتوفّى في عشر الستين بعد المائة والألف ، كان من أعاظم محقّقي عهد الفترة بين الباقرين : المجلسي والبهبهاني ، من مصنّفاته شرحه المفصّل على وافية مولانا عبد الله التوني في أصول الفقه. انظر روضات الجنات ٤ : ١٢٢ ، أعيان الشيعة ٧ : ٣٨٦ ، فوائد الرضوية : ٢١٣.

٤١٦

التوالي المذكور ، بل اكتفى بالتوالي العرفي ، فلا يضرّ عنده لو خرج من موضع الإقامة إلى خارج عنه ورجع إلى موضع الإقامة بحيث يقال عرفا : إنّه مقيم في موضع الإقامة ، من جهة أنّ رحله فيه ومقرّه ومنامه وأمثال ذلك فيه ، وخروجه إلى الخارج بقدر قليل زمانا أو مسافة.

والحاصل : أنّه أحال إلى العرف مطلقا ، وهذا هو الصواب بعد تحقّق الصدق الحقيقي العرفي ، لعدم اصطلاح من الشرع فيكون الحوالة إلى العرف كما هو الحال في سائر ألفاظ الآية والحديث ، ووافقنا على ذلك المحقق الأردبيلي وغيره (١) بعد الشهيد الثاني ، ويمكن توجيه كلام الشارح رحمه‌الله إلى هذا ، وإن كان الظاهر منه ما ذكرناه. ومن الفقهاء من اكتفى في قصد الإقامة عدم السفر إلى المسافة المعتبرة شرعا (٢).

وروى زرارة في الصحيح عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : « من قدم مكّة قبل التروية بعشرة أيّام وجب عليه إتمام الصلاة وهو بمنزلة أهل مكّة ». الحديث (٣).

حكم عليه‌السلام بوجوب الإتمام مطلقا سواء خرج من مكّة أم لا ، فلو كان عدم الخروج شرطا لذكره ولما حكم بالإتمام مطلقا ، وأيضا جعله بمنزلة‌

__________________

(١) انظر مجمع الفائدة والبرهان ٣ : ٤٠٩ ، والكفاية : ٣٣.

(٢) حكاه الشهيد في نتائج الأفكار عن فخر المحققين ( رسائل الشهيد الثاني ) : ١٩١.

(٣) التهذيب ٥ : ٤٨٨ / ١٧٤٢ ، الوسائل ٨ : ٤٦٤ أبواب صلاة المسافر ب ٣ ح ٣ وفيهما عن الباقر عليه‌السلام.

٤١٧

أهلها ، وعموم المنزلة يقتضي أن يكون حاله حال أهل مكّة.

ثمّ قال عليه‌السلام : « فإذا خرج إلى منى وجب عليه التقصير ، وإذا زار البيت أتمّ الصلاة ، وعليه إتمام الصلاة إذا رجع إلى منى حتى ينصرف » وهذا يدل على أنّ سفر عرفات موجب للقصر ، ومع ذلك لا يبطل قصد الإقامة ، ويكون حال قاصد الإقامة حال المتوطّن كما ذكر أوّلا ، ولذا أوجب عليه الإتمام في الرجوع إلى منى حتى ينصرف.

وعدم هدم سفر عرفات للإقامة لعله لكون هذا السفر ليس مسافة القصر على سبيل الوجوب العيني ، كما اخترناه ، وعلى تقدير أن تكون هذه المسافة أيضا هادمة للإقامة و (١) يكون القصر فيها على الوجوب العيني فلا بدّ من تقدير نيّة الإقامة في الرجوع أيضا ، فتأمّل.

وفي الصحيح عن علي بن مهزيار عن الحضيني أنّه استأمر الجواد عليه‌السلام في الإتمام والتقصير في مكة فقال عليه‌السلام : « إذا دخلت الحرمين فانو المقام عشرة أيّام وأتمّ الصلاة » قلت : إنّي أقدم مكّة قبل التروية بيوم أو يومين أو ثلاثة ، قال : « انو مقام عشرة أيّام وأتمّ الصلاة » (٢). وهذا بظاهره يدل على أنّ سفر عرفات لا ينافي قصد الإقامة ، أمّا على المشهور فلا محذور ، لأنّه ليس مسافة القصر وأمّا على ما اخترناه فلأنه ليس مسافة القصر بعنوان العزيمة ، أو يوجّه بأنّك إن أردت الإتمام فلا يصح إلاّ بنيّة الإقامة ، فتأمّل.

ولا يخفى أنّ هذا كلّه في حال قصد الإقامة بأنّه كيف يقصدها ، وأمّا‌

__________________

(١) في « أ » و « و » : أو.

(٢) التهذيب ٥ : ٤٢٧ / ١٤٨٤ ، الاستبصار ٢ : ٣٣٢ / ١١٨٠ ، الوسائل ٨ : ٥٢٨ أبواب صلاة المسافر ب ٢٥ ح ١٥.

٤١٨

إذا قصد الإقامة بالنحو المعتبر وصلّى فريضة بتمام ثمّ خرج من موضع الإقامة مع قصد الرجوع أو مع عدم القصد أو قصد العدم أو مع قصد إقامة جديدة أو مع عدم قصد فكيف يصلّي؟ فسيجي‌ء حكمه مفصّلا.

قوله (١) : قد عرفت أنّ نية الإقامة تقطع السفر. ( ٤ : ٤٦١ ).

أشرنا إلى دليل ذلك عند قول المصنف رحمه‌الله : الشرط الثالث.

قوله : رجل يريد السفر. ( ٤ : ٤٦١ ).

يمكن ان يقال : إذا كان إرادة السفر تشمل ما نحن فيه فيجوز أن يكون القدوم من السفر أيضا شاملا ، ومقتضى صحيحة ابن سنان (٢) أنّ القادم من السفر يقصّر إلى حدّ الترخّص ، وإذا قال : إنّ ظاهرها القدوم إلى الوطن فيمكن المناقشة أيضا في شمول إرادة السفر للمقام ، فتأمّل.

وفي صحيحة أبي ولاّد : « إذا نويت المقام وصلّيت فريضة واحدة بتمام فليس لك أن تقصّر حتى تخرج منها » (٣) وظاهر هذا الاكتفاء في القصر بمجرّد الخروج من البلدة ، إلاّ أن يقال : إلى محلّ الترخّص داخل في البلدة التي هي موضع إقامته ، فعلى هذا يلزم الإتمام في الدخول ، لأنّه نوى الإقامة في البلدة التي محلّ الترخّص داخل فيها ، فتأمّل.

قوله : الكلام السابق. ( ٤ : ٤٦٢ ).

مع أنّه على تقدير الرجوع إلى الخمسة أيضا لا يدل على الاكتفاء بها ، إذ الظاهر أنّه عليه‌السلام قال ذلك في موضع خاصّ لمصلحة خاصّة ، ولذا‌

__________________

(١) هذه التعليقة ليست في « ب » و « ج » و « د ».

(٢) التهذيب ٤ : ٢٣٠ / ٦٧٥ ، الاستبصار ١ : ٢٤٢ / ٨٦٢ ، الوسائل ٨ : ٤٧٢ أبواب صلاة المسافر ب ٦ ح ٣.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٢١ / ٥٥٣ ، الاستبصار ١ : ٢٣٨ / ٨٥١ ، الوسائل ٨ : ٥٠٨ أبواب صلاة المسافر ب ١٨ ح ١ ، بتفاوت يسير.

٤١٩

ذكر إقامة العشرة واعتبرها وشرطها في هذه الحسنة.

قوله (١) : وهو حمل بعيد. ( ٤ : ٤٦٢ ).

لا بعد فيه ، لأنّ محمد بن مسلم راوي هذه الرواية سأل عنه عليه‌السلام عن المسافر يقدم الأرض ، فقال : « إن حدّثته نفسه أن يقيم عشرا فليتمّ ،. ولا يتمّ في أقلّ من عشرة إلاّ بمكّة والمدينة ، وإن أقام بمكّة والمدينة خمسا فليتم » (٢) فبملاحظة اتحاد الراوي واتحاد الحكاية ـ بل واتحاد متن الرواية حيث قال : حدّث نفسه ، فيهما ـ ولم يعهد في خبر من الأخبار التعبير عن قصد الإقامة بحديث النفس إيّاها ـ يظهر ظهورا تامّا كون الروايتين بالأصل واحدة عرضها التفاوت من تفاوت الروايتين (٣) عن ابن مسلم ونقلهما بالمعنى في الجملة ، مع أنّه لا أقلّ من كشف المراد.

قوله : وإطلاق الرواية. ( ٤ : ٤٦٣ ).

لا يخفى أنّ إطلاقات الأخبار محمولة على الأفراد الشائعة دون الفروض النادرة ، وحصول التردّد في خصوص اليوم وما بعده فرض نادر ، والمتعارف الكثير الوقوع حصوله في عرض أيّام الشهر ، بل ربما يتبادر إلى الذهن عرفا من هذه الجهة ثلاثون يوما أو يحصل الشكّ في إرادة غيره ، أي المعنى الأعمّ من الثلاثين الذي هو المعتبر في الأغلب إذا وقع الأمر في غير اليوم الأوّل من الشهر ، أو الهلالي إذا وقع في اليوم الأوّل ، فتأمّل.

قوله : وألحق العلاّمة. ( ٤ : ٤٦٤ ).

__________________

(١) هذه التعليقة ليست في « ا ».

(٢) التهذيب ٣ : ٢٢٠ / ٥٤٩ ، الاستبصار ١ : ٢٣٨ / ٨٥٠ ، الوسائل ٨ : ٥٠٢ أبواب صلاة المسافر ب ١٥ ح ١٦.

(٣) في « ج » : الراويين ، وفي « د » : الراوين.

٤٢٠