الحاشية على مدارك الأحكام - ج ٣

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

الحاشية على مدارك الأحكام - ج ٣

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-171-0
ISBN الدورة:
964-319-168-0

الصفحات: ٤٦٤

يأمر الله بما هو خلاف الواقع وخلاف الحق جاز أن يكون جميع ما أمر الله تعالى به أو أمر رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو الأئمّة عليه‌السلام خلاف الحق وغير مطابق للواقع ، ويكون ضلالا وخطاء ، العياذ بالله منه.

وورد أيضا : اسلبوا منّا الربوبيّة وقولوا فينا ما شئتم من الفضائل والمحاسن (١).

وورد منهم أنّ كلّ حديث لا يوافق القرآن فليس منّا أو موضوع ، أو اضربوه على الحائط (٢).

وكما أنّ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حجّة كذا فعله أيضا حجّة وإن كان في مقام عبادة ربه قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « صلّوا كما رأيتموني أصلّي » (٣) و : « خذوا عنّي مناسككم » (٤) وأمثال ذلك ، وهو إجماعي أيضا ، فأيّ فرق بين القول والفعل؟ فتدبّر.

قوله : لأمكن الجمع بين الروايتين. ( ٤ : ٢٧٦ ).

بل على هذا لا معارضة أصلا ، لأنّ فعله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يدل على الوجوب ، بل على الأعمّ ، والمشهور أنّ متابعته مستحبة حتى يظهر الوجوب والإباحة ، فتدبّر.

قوله : كصحيحة عبد الله بن سنان. ( ٤ : ٢٧٦ ).

في السند محمد بن عيسى عن يونس ، والشارح رحمه‌الله متأمل في‌

__________________

(١) الخصال : ٦١٤ ، البحار ٢٥ : ٢٧٤ ، ٢٨٣ / ٣٠.

(٢) التبيان ١ : ٥ ، تفسير الصافي ١ : ٣٣ ، البرهان ١ : ٢٨ ، انظر الوسائل ٢٧ : ١١٠ ب ٩ ح ١٢ و ١٤ و ١٥.

(٣) عوالي اللآلئ ١ : ١٧٩ / ٨ ، سنن البيهقي ٢ : ١٢٤.

(٤) عوالي اللآلئ ١ : ٢١٥ / ٧٣ ، مسند أحمد ٣ : ٣١٨.

٣٢١

صحته (١) ، نعم في المشهور صحيح ، وفي الواقع أيضا صحيح ، كما حقّقنا في محلّه. وروى الكليني أيضا في الصحيح عن أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام مضمون هذه الصحيحة (٢).

قوله : وصحيحة عبيد الله بن علي الحلبي. ( ٤ : ٢٧٧ ).

في الاستدلال بهذه الصحيحة تأمّل ظاهر.

قوله (٣) : « ولا قراءة ، تتشهّد فيهما تشهّدا خفيفا ». ( ٤ : ٢٧٧ ).

وحكى العلاّمة في المنتهى عن الشيخ أنّه حكم ببطلان الصلاة بالشكّ المذكور ، ووجوب الإعادة ، وعدم وجوب سجدتي السهو (٤) ، وظاهر الصدوق في الفقيه أيضا الإعادة ، وأنّ حاله حال الشكّ في الأولتين من الرباعية ، وحاله حال عدم وجوب سجدتي السهو له (٥). وفي المختلف صرّح بأنّ الصدوق قال بعدم وجوب سجدتي السهو في هذا الشكّ ، وحكى فيه عن المفيد وجماعة آخرين عدم وجوب سجدتي السهو فيه (٦) ، وظاهر المفيد عدم صحة الصلاة أيضا ، لأنّه لم يتعرّض لهذا الشكّ أصلا ، بل تعرّض للشكّ بين الثلاث والأربع والاثنين والثلاث لا غير (٧) ، وإنّ كلّ من لم يتعرّض لوجوب سجدتي السهو في هذا الشكّ تكون الصلاة باطلة أيضا عنده ، لا أنّها صحيحة ويبنى على الأقل من دون سجدة سهو كما‌

__________________

(١) انظر المدارك ٦ : ٩٦.

(٢) الكافي ٣ : ٣٥٥ / ٦ ، الوسائل ٨ : ٢٢٤ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٤ ح ٣.

(٣) هذه التعليقة واثنتان بعدها ليست في « ا ».

(٤) المنتهى ١ : ٤١٧.

(٥) الفقيه ١ : ٢٢٥.

(٦) المختلف ٢ : ٤١٦ ـ ٤١٨.

(٧) المقنعة : ١٤٥.

٣٢٢

توهم المتوهمون. والصدوق في المقنع ليس رأيه وجوب سجدة السهو ، بل وجوب الركعتين جالسا (١) ، كما سيذكره الشارح عن الدروس.

وبالجملة : المسألة فيها خلاف متعدّد ، ومستند القائل بالبطلان صحيحة عبيد بن زرارة عن الصادق عليه‌السلام : إنّ ما يقال : إنّ الفقيه لا يعيد الصلاة في الشكّ إنّما هو في الشكّ بين الثلاث والأربع (٢) ، وكون الصحاح الواردة في الصحة موافقة لمذهب العامّة ورواياتهم وقاعدتهم.

قوله : وحكى الشهيد في الدروس. ( ٤ : ٢٧٧ ).

وحكاه العلاّمة منه في المختلف (٣) ، وأوّل كلامه بما أوّله الدروس ، وغير خفي عدم قبوله للتأويل المذكور ولا غيره ، فلاحظ.

قوله : واحتمل في الذكرى. ( ٤ : ٢٧٧ ).

وفي نكت الإرشاد حكم بالبطلان على ما أظنّ.

قوله : لعدم الإكمال. ( ٤ : ٢٧٧ ).

لعل مراده أنّه لم يكمل الركعة حتى يصدق عليه أنّه لا يدري أنّه أربعا صلّى أم خمسا ، لأنّ « صلّى » صيغة الماضي ، والركعة اسم للمجموع عند المتشرّعة ، فعلى تقدير ثبوت الحقيقة الشرعية فالأمر واضح ، وعلى تقدير عدم ثبوته حتى في كلام الصادق عليه‌السلام ومن بعده فمع أنّه لا شكّ في فساده وأنّه لا تأمّل في ثبوتها في كلامهم فالقرينة المانعة عن المعنى اللغوي تعيّن الشرعي ، لما مرّ مرارا ، ومسلّم عند الشارح أيضا : لفظ الركعة الواردة‌

__________________

(١) المقنع : ٣١.

(٢) التهذيب ٢ : ١٩٣ / ٧٦٠ ، الاستبصار ١ : ٣٧٥ / ١٤٢٤ ، الوسائل ٨ : ٢١٥ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٩ ح ٣.

(٣) المختلف ٢ : ٣٩٠.

٣٢٣

في الأخبار لا يراد منه إلاّ المجموع ، وإطلاق لفظ « صلّى » على من هو بين السجدتين لعله مجاز. وكيف كان لا وثوق بإرادته. وممّا ذكرنا ظهر أنّ ما احتمله في الذكرى يكون في موقعه ، فتأمّل.

قوله : وهو قوي متين. ( ٤ : ٢٧٨ ).

ما ذكره مبني على تحقّق الأصل وجريانه في المقام ، ومع ذلك يشكل الحكم بوجوب سجود السهو ، إذ لا دليل عليه ، إلاّ أن يستند إلى الإجماع المركب إن كان.

وأمّا نظر العلاّمة رحمه‌الله فإلى عدم جريان الأصل هنا ، وأنّه لا دليل على وجوب سجود السهو لو بنى على الأصل ، والبناء على عدم السجود حينئذ ممّا لم يقل به أحد ، فأمّا إذا كان الشكّ بعد السجود فيدخل في الصحاح الواردة في أنّه يسجد للسهو ويبني على الصحة.

وممّا ذكر ظهر ما في قوله : ولأنّ تجويز. والأحوط في جميع هذه الصور إتمام الصلاة والسجدة بعدها والإعادة ، أمّا في الثانية والثالثة فظهر وجهه ، وأمّا في الرابعة فلعدم وروده في نص ولا ظهور دخوله تحت قاعدة ثابتة من الشرع ، بل في الأولى أيضا تكون الإعادة غير خالية عن الاحتياط ، لوجود الخلاف فيها بين الأصحاب ، وإن كان المشهور هو ما ذكره ، وأمّا النصوص وإن كنت صحيحة إلاّ أنّ العامّة بناؤهم على البناء على الأقلّ ، والخاصّة على الأكثر ، فتأمّل.

( مع أنّ أصل العدم لو كان جاريا في المقام وصحيحا لما جاز هدم القيام والذكر في الصورة الرابعة ، لكونهما صحيحين غير زائدين ، لأنّ الأصل عدم كونهما زائدين ، والأصل صحتهما ، والفرق بين الركن وغيره في الأصل المذكور ظاهر الفساد ، فظهر عدم اعتباره هنا على المشهور ، بل‌

٣٢٤

بعضهم حكم بالهدم المذكور في الشكّ حال الركوع أيضا (١) ، بناء على جواز هدمه لو ظهر كونه زائدا ، كما مرّ في مبحثه ) (٢).

قوله : تمسّكا بالإطلاق. ( ٤ : ٢٧٨ ).

فيه : أنّ الإطلاق لو كان شاملا لما نحن فيه فلا وجه للتصحيح بالأصل ، بل اللازم التمسّك بالإطلاق أيضا ، وإن لم يكن شاملا ـ كما هو الظاهر ومرّ وجهه ـ فلا وجه للتمسّك بالإطلاق للسجدتين ، فتأمّل جدّا.

قوله : ولم نظفر بقائله. ( ٤ : ٢٧٨ ).

مع أنّه أفتى به في اللمعة ، وقال شارحه : وهو من جملة القائلين به ، وقبله الفاضل وقبلهما الصدوق (٣) ، انتهى.

قوله : بالإرسال وجهالة الراوي. ( ٤ : ٢٧٨ ).

لا يخفى أنّ مرسلات ابن أبي عمير في حكم المسانيد ، كما هو حقّق في محلّه ، وهو ممّن أجمعت العصابة ، وممّن لا يروي إلاّ عن الثقة ، نعم ربما يعارضها أخبار كثيرة وردت في حكم الزيادة والنقيصة يظهر منها عدم الوجوب (٤) ، فربما كانت الجملة الخبرية هنا في معنى الطلب لا الأمر والوجوب.

وأمّا الاستدلال بصحيحة الحلبي فلا يمكن إلاّ أن يقول بوجوب السجود للشكّ في الزيادة والنقيصة أيضا حتى يمكن له التمسّك بقياس الأولوية على تقدير تحقّقه ، فتأمّل.

__________________

(١) انظر الذكرى : ٢٢٧ ، والذخيرة : ٣٨٠.

(٢) ما بين القوسين ليس في « ا ».

(٣) الروضة البهية ١ : ٣٢٧.

(٤) الوسائل ٦ : ٤٠٥ ب ٩ من أبواب التشهد ، وص ٨٨ ب ٢٨ و ٢٩ و ٣٠ من أبواب القراءة وص ٣٦٤ ب ١٤ و ١٥ من أبواب السجود وغير ذلك في الأبواب المختلفة.

٣٢٥

وقال الصدوق في أماليه : من دين الإمامية الإقرار بأنّه لا يجب سجدتا السهو على المصلّي إلاّ إذا قام في حال قعود ، أو قعد في حال قيام ، أو ترك التشهّد ، أو لم يدر زاد في صلاته أم نقص (١).

قوله : كما ذكره في الدروس. ( ٤ : ٢٧٩ ).

ويؤيّده قوله : « فتشهّد وسلّم واسجد. » فتأمّل.

قوله : « على من لم يدر زاد في صلاته أم نقص منها ». ( ٤ : ٢٧٩ ).

لكن الثابت من الروايات أعمّ ممّا ذكره المفيد رحمه‌الله إلاّ أن يتمسّك في نفي غيره بالإجماع ، ولم يثبت ، ( بل ثبت خلافه ، لأنّ جماعة أفتوا بمضمون هذه الصحاح ، بل ذكرنا عن أماليه أنّه من دين الإمامية ) (٢).

قوله : وابن بابويه. ( ٤ : ٢٧٩ ).

قد عرفت أنّه جعله من دين الإمامية.

قوله : وفي هذا السند كلام. ( ٤ : ٢٧٩ ).

قد مرّ أنّه لا يضرّ ، والثقة روى عن الثقة.

قوله : وضعفها يمنع عن العمل بها. ( ٤ : ٢٨٠ ).

هذه الرواية موثقة موجودة في الفقيه والتهذيب ، ومع ذلك ادعى الشيخ الإجماع ، وهو أيضا يقوّيها ، إلاّ أنّها معارضة بصحيحة عبد الرحمن الواردة في سهو التكلّم في الصلاة (٣) ، ورواية منهال القصاب قال : قلت‌

__________________

(١) أمالي الصدوق : ٥١٣.

(٢) بدل ما بين القوسين في « ا » : فتأمّل.

(٣) الكافي ٣ : ٣٥٦ / ٤ ، التهذيب ٢ : ١٩١ / ٧٥٥ ، الاستبصار ١ : ٣٧٨ / ١٤٣٣ ، الوسائل ٨ : ٢٠٦ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٤ ح ١.

٣٢٦

لأبي عبد الله عليه‌السلام : أسهو في الصلاة وأنا خلف الإمام ، قال : « إذا سلّم فاسجد سجدتين ولا تهب » (١) وكذا العمومات المتضمّنة للأمر بهما على من سهى ، وهي من الكثرة بمكان ، وكذا الأخبار الكثيرة الدالة على أنّ الإمام ليس بضامن (٢) ، بل يظهر من صحيحة ابن وهب (٣) أنّ حكاية الضمان من زعم العامّة ومخترعاتهم ، فيترجّح في الظنّ ورود رواية عمار مورد التقيّة ، ونسب إلى المنتهى أيضا أنّه نسب القول بالسقوط إلى العامّة (٤) ، فليلاحظ ، وربما تشعر رواية منهال بذلك أيضا ، فتأمّل.

قوله : فإنّه متبوع في أفعال الصلاة دون غيرها. ( ٤ : ٢٨١ ).

لكن روى الشيخ في التهذيب في الموثق عن عمار ، عن الصادق عليه‌السلام : عن الرجل يدخل مع الإمام وقد صلّى الإمام ركعة أو أكثر فسهى الإمام كيف يصنع الرجل؟ قال : « إذا سلّم فسجد سجدتي السهو فلا يسجد الذي دخل معه ، وإذا قام وبنى على صلاته وأتمّها وسلّم سجد سجدتي السهو » (٥) لكن في جملة تلك الموثقة أنّه إذا نسي من عليه سجدة السهو فذكر صلاة الفجر « لا يسجد للسهو حتى تطلع الشمس ويذهب شعاعها » ومع ذلك نسب قول الشيخ هذا إلى جمهور العامّة (٦) ، وعلى أيّ تقدير الأحوط مراعاته.

قوله : قول معظم الأصحاب. ( ٤ : ٢٨١ ).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٥٣ / ١٤٦٤ ، الوسائل ٨ : ٢٤١ أبواب الخلل الواقع ب ٢٤ ح ٦.

(٢) الوسائل ٨ : ٣٥٣ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٠.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٧٧ / ٨١٣ ، الوسائل ٨ : ٣٧٣ ب ٣٦ ح ٦.

(٤) انظر الحدائق ٩ : ٢٨٠ ، المنتهى ١ : ٤١٢.

(٥) التهذيب ٢ : ٣٥٣ / ١٤٦٦ ، الوسائل ٨ : ٢٤١ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٤ ح ٧.

(٦) انظر الحدائق ٩ : ٢٨٥.

٣٢٧

قال الصدوق في أماليه : من دين الإمامية أنّ سجدتي السهو بعد التسليم في الزيادة والنقصان (١).

قوله : إنّه قول علمائنا أجمع. ( ٤ : ٢٨٣ ).

لعل المراد التشهّد الخفيف ، كما ذكره المصنّف رحمه‌الله ودل عليه الصحيحة ، ويمكن أن يكون المراد مطلق التشهّد ، وكونه خفيفا من مستحباته ، أو أنّه يجوز الاكتفاء به على بعد.

والأحوط الاقتصار على الخفيف ، بل ويتعيّن ، والمراد من الخفيف : « أشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمدا رسول الله » أو : « أشهد أنّ محمدا رسول الله » بلا واو أو مع الواو.

وربما قيل بأنّ زيادة « وحده لا شريك له » و « عبده ورسوله » مع الصلاة على محمد وآله لا يخرجه عن الخفّة ، بل هو أيضا خفيف بالنسبة إلى التشهّد الطويل المشهور (٢) ، وهو محتمل إلاّ أنّ الاقتصار على ما ذكرنا أحوط مع الصلاة على محمد وآله.

قوله : مع ورودهما في مقام البيان. ( ٤ : ٢٨٣ ).

في ورود الثانية في مقام البيان تأمّل ظاهر.

قوله : قولان أحوطهما الوجوب. ( ٤ : ٢٨٤ ).

قد مرّ الكلام في بحث السجود للعزيمة (٣) ، فلاحظ.

قوله : قال : وسمعته مرّة أخرى يقول ... ( ٤ : ٢٨٥ ).

الصدوق في أماليه عند ذكر دين الإمامية قال : ويقال فيهما ـ يعني‌

__________________

(١) أمالي الصدوق : ٥١٣.

(٢) انظر الحدائق ٩ : ٣٣٧.

(٣) تقدّم في ص ٩٢ ـ ٩٣.

٣٢٨

سجدتي السهو ـ : « بسم الله وبالله ، السلام عليك أيّها النبي ورحمة الله وبركاته » (١) فتأمّل.

قوله : فظاهر. ( ٤ : ٢٨٥ ).

لا يخفى أنّ سجدتي السهو لأجل خلل واقع فيها ، ولا شبهة في أنّها مع الخلل لا يكون الآتي بها آتيا بالمأمور به على وجهه ، وقد جعل الشارع هذه السجدة تداركا للخلل الواقع فيها ، فمع تركها عمدا كيف يكون آتيا بالصلاة على وجهها؟ إلاّ أن يبنى على الأصل بأنّ الأصل عدم كون الخلل مضرّا في حال السهو والشكّ وعلاجه شرطا في صحة الصلاة ، وأنّ الصلاة اسم للأعمّ من الصحيحة والفاسدة ، فالمكلف آت بما كلّف به ، ولم يثبت عليه أزيد منه.

وفيه تأمّل ظهر وجهه ممّا ذكر ، والتحقيق في موضع آخر ، والشارح رحمه‌الله في أكثر المواضع حكم بالبطلان أو وجوب الإعادة بنحو ما ذكر ، فتأمّل جدّا.

قوله (٢) : ويستفاد من ذلك أنّه لا يخاطب بالقضاء. ( ٤ : ٢٨٩ ).

يجوز أن يكون مخاطبا بالقضاء وإن كان الإسلام شرطا لصحته وقبوله ، وأنّه بعد تحقّق الإسلام وفعليته يسقط ، إذ السقوط معناه رفع ما ثبت من التكليف والوجوب ، وثمر هذا التكليف عقاب الكافر لو مات كافرا ، فيعاقب بترك القضاء كما يعاقب بترك الواجبات الآخر الفروعية ،

__________________

(١) أمالي الصدوق : ٥١٣.

(٢) هذه التعليقة والتي بعدها ليست في « أ ».

٣٢٩

ومصداق قوله عليه‌السلام : « الإسلام يجبّ ما قبله » (١) هو هذا القضاء وما ماثله من الأمور التي كانت لازمة عليه قبل الإسلام وساقطة عنه بعده ، لا التكليف بمثل أداء الواجبات التي تكون بعد الإسلام باقية على حالها غير ساقطة عنه أصلا ، فإنّه إذا لم يسقط عنه بعد الإسلام فأين الجبّ والسقوط الذي صرّح الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله : « إنّ الإسلام يجبّ »؟ وإن لم يكن واجبا قبل الإسلام فأيّ شي‌ء يجبّه الإسلام؟

وتخصيصه بالواجبات من المعاملات التي لا يكون قصد القربة شرطا فيها ولا الإسلام شرطا لصحتها لتحقّق الامتثال بها حال الكفر أيضا لا وجه له ، سيّما بعد ملاحظة أنّ غالب هذه الواجبات لا تجبّ بالإسلام ، فتأمّل.

على أنّا نقول : لا فرق بين الكافر وغيره من المخالفين للشيعة ، فما هو جوابك فهو جواب العموم ، وسنذكر حال المخالف ، فتأمّل.

قوله : وأمّا أنّه لا يجب عليهم إعادة ما فعلوه في تلك الحال. ( ٤ : ٢٨٩ ).

لا يخفى أنّ المخالف كافر بالكفر المقابل للإيمان ، فإنّ أصول ديننا خمسة ، منها : الإمامة والعدل ، والمنكر لواحد منهما منكر لأصول الدين ، فلا يكون باقيا أبدا ولا قابلا للقرب إليه تعالى كالكافر ، بل الظاهر من الأخبار أنّهم أشدّ من الكفّار وأخبث ، والموافق للأدلة والاعتبار أيضا كذلك ، وضررهم على الدين وعلى المؤمنين أشدّ من ضرر الكفّار وأشدّ بمراتب.

وبالجملة : لا تأمّل في عدم تأتّي التقرّب إليه تعالى لهم ، ويظهر من‌

__________________

(١) مسند أحمد ٤ : ١٩٩ ، الجامع الصغير ١ : ٤٧٤ / ٣٠٦٤.

٣٣٠

الأخبار عدم قبول طاعاتهم وعباداتهم أصلا ، كالكفّار وأشدّ منهم ، وأنّ معرفة الإمام وكون ما فعلوه [ بهداه وتعليمه ] (١) وإرشاده والقبول منه شرط للصحة والقبول ، كما لا يخفى على المطّلع على الأخبار وطريقة الشيعة في أصول الدين ومسلّم عند الشارح ، وصرّح به في قوله : وان كان الحق بطلان عباداتهم (٢).

فعلى هذا فكيف يحكم الشارح بصحة ما فعلوه في تلك الحال؟ فحال كفرهم لم تكن عبادتهم صحيحة ، لما عرفت ، وبعد إيمانهم ومعرفتهم وكون أعمالهم بدلالة إمامهم لم تكن هذه العبادات أيضا صحيحة ، لأنّهم كانوا يغسلون الرجل ويمسحون بالماء الجديد وغير ذلك ممّا هو مفسد على طريقة الحق ، فحال كفرهم كان شرط صحتها معرفة الإمام وكونها بدلالته والأخذ منه.

فإنّهم في حال كفرهم كانوا مكلفين بالمسح مثلا وكونه ببقية البلل كذلك ، إلى غير ذلك مثل السجود على الأرض وما أنبتته وغير ذلك ، لا أنّهم كانوا (٣) بالباطل والفاسد.

وبعد الإيمان لم يرد منهم الحق في ما فعلوه حال الكفر ، بل لو فعلوا الحق حينئذ كان باطلا والباطل يصير حقا بعد الإيمان ، فما هو جوابه فهو الجواب في الكافر ، فتدبّر.

قوله : بأنّ سقوط القضاء عنهما عزيمة. ( ٤ : ٢٩٢ ).

ويمكن الفرق بأنّ الأخبار الدالة على عدم القضاء على المغمى عليه‌

__________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ : بهذا وتعلّمه ، والظاهر ما أثبتناه.

(٢) انظر المدارك ٤ : ٢٩٠.

(٣) أي : كانوا مكلّفين ، ولعل كلمة : كانوا تصحيف كلّفوا.

٣٣١

يظهر منها كون الإغماء من جهة مرض بالمكلّف ، وأنّه كلّما غلب الله فهو أولى بالعذر ، فيظهر أنّ الإغماء فيها غير هذا الإغماء ، هذا بخلاف الأخبار الدالة على سقوط القضاء عن الحائض والنفساء ، بل ربما كانت المرأة تختار أيّاما معينة للحيض كما في المضطربة ، فيكون ذلك حيضها وليس عليها قضاؤه ، فتأمّل.

قوله : لا يتناول الجاهل نصا. ( ٤ : ٢٩٦ ).

عدم التناول للجاهل إن كان من جهة كون التكليف بالنسبة إليه تكليفا بما لا يطاق أو الحرج ، ففيه : أنّه يمكن الامتثال بالتكرار المحصّل له إلى أن لا يتحقّق حرج ، مع أنّ بين قوله تعالى ( وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) (١) وبين قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « فليقضها كما فاتته » (٢) عموما من وجه ، إلاّ أن يترجّح الأوّل بالأصل.

وإن كان ممّا دل على معذورية الجاهل ، ففيه : أنّ الكلام في ما إذا علم وجوب تحصيل المعرفة ، فهو عالم بعلم إجمالي مقصّر ، فليس هذا داخلا فيه ، وما دل على وجوب الترتيب عامّ مثل قوله : « من فاتته. » الحديث.

وإن بنى على أنّه ليس من الأفراد المتبادرة لهذا المقام فلعله محلّ تأمّل.

قوله : ما رواه الشيخ في الصحيح. ( ٤ : ٢٩٩ ).

ظاهر الرواية أنّه يصلّيها قبل أن تفوته خصوص المغرب ، وإلاّ صلاّها ثم صلّى الفائتة ثم صلّى العشاء. وحملها على العشاءين ليس بأولى من حملها على ما يحمل عليه صحيحة زرارة بأن يكون المراد فوتها من وقت الفضيلة بتفاوت مرتبة الاستحباب ، وحمل الفوت على هذا المعنى‌

__________________

(١) الحج : ٧٨.

(٢) عوالي اللآلئ ٢ : ٥٤ / ١٤٣ ، ٣ : ١٠٧ / ١٥٠.

٣٣٢

في غاية القرب ، كما لا يخفى على من تتبّع الأخبار الواردة في بيان أوقات الفرائض وأقوال الفقهاء فيها أيضا ، خصوصا في وقت المغرب ، وتحمل عليه صحيحة زرارة ، بل الظاهر منها عدم التفاوت ( بين الواحدة والمتعدّدة ، وليس في هذه الرواية إشعار بالتفاوت ) (١) ، كما أنّه ليس في صحيحة ابن سنان ذلك الإشعار أيضا ، مضافا إلى أنّ الروايات الواردة في هذا الباب لا إشعار فيها أصلا ، بل وظاهرة في عدم التفاوت أصلا ، فيتعيّن الحمل الثاني ، مع احتمال التقيّة أيضا ، وصحيحة زرارة معارضة لهاتين الصحيحتين معا ، فلو كانت محمولة على الاستحباب لم يبق وجه يعتدّ به ، بحيث يكون حجّة للتفرقة ، مع أنّ صحيحة ابن سنان متضمّنة للأمر بتقديم الحاضرة.

قوله : وهذه الرواية مع صحتها صريحة في المطلوب. ( ٤ : ٢٩٩ ).

لا يخفى أنّ الأمر عنده حقيقة في الوجوب ، وبناء استدلالاته عليه حتى في الحديث السابق ، وظاهر هذه العبارة أيضا كذلك ، فعلى هذا كيف تكون صريحة في الجواز؟ سيّما وأن يكون مرجوح الفعل راجح الترك ، كما سيشير إليه.

على أنّه لو كان حقيقة في الطلب أيضا لا تكون صريحة ، بل في الإباحة أيضا كذلك. وبالجملة : حمل الوجوب على المرجوح الفعل في غاية الصعوبة ، فكيف يدّعي الصراحة فيه؟

وحمل الأمر على كونه واقعا في مظنة الحظر بعيد جدّا في هذه‌

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « ج ».

٣٣٣

الصحيحة ، مع أنّه ليس بأولى من حمل الصحيحة السابقة عليه ، لأنّ المعارض معارض لهما معا ، كما أشرنا. مع أنّه لقائل أن يقول : ليس بأولى من حمل « ثم » على عدم الترتيب ، لوروده كثيرا في الأخبار كذلك ، وإن كان في هذه الرواية خلاف الظاهر.

والحاصل : أنّ الرواية تصير مستند الصدوقين بعد ضمّ الإجماع على عدم الوجوب مثل رواية جميل ، وكذا صحيحة أبي بصير المتضمّنة لما في هذه الصحيحة ، وزاد في آخرها : « فإن خاف أن تطلع الشمس فتفوته إحدى الصلاتين فليصلّ المغرب ويدع العشاء الآخرة حتى تطلع الشمس ويذهب شعاعها ثم ليصلّها » (١).

وبملاحظة هذه الزيادة يحصل وهن بالنسبة إلى هذه الأخبار ، ومرجوحية بالقياس إلى معارضها ، سيّما ومع اعتضاد المعارض بالشهرة بين القدماء ، كما هو الظاهر ، بل ربما يكون إجماعا ، كما سيذكر ، وخروج ابني بابويه غير مضرّ ، كما هو المذهب في الإجماع.

مع أنّ مقتضى صحيحة ابن سنان وأبي بصير امتداد وقت المغرب والعشاء إلى الصبح ، وهو خلاف المشهور وما يظهر من أخبار كثيرة ، فتأمّل.

لكن تؤيّد الصحيحتين مرسلة جميل عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال له : تفوت الرجل الأولى والعصر والمغرب ، وذكرها عند العشاء الآخرة ، قال : « يبدأ بالوقت الذي هو فيه ، فإنّه لا يأمن الموت ، فيكون قد ترك صلاة فريضة في وقت قد دخلت ، ثم يقضي ما فاته ، الأولى فالأولى » (٢).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٧٠ / ١٠٧٧ ، الاستبصار ١ : ٢٨٨ / ١٠٥٤ ، الوسائل ٤ : ٢٨٨ أبواب المواقيت ب ٦٢ ح ٣.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٥٢ / ١٤٦٢ ، الوسائل ٨ : ٢٥٧ أبواب قضاء الصلاة ب ٢ ح ٥.

٣٣٤

وفي هذه شي‌ء ، والظاهر أنّها واردة في مقام التقيّة ، كموثقة عمار في من فاتته المغرب حتى دخل العشاء أنّه مخيّر بين فعل المغرب وتقديمها على العشاء وعكس ذلك (١) ، فعلى هذا تكونان مضعّفتين للصحيحتين لا أنّهما مؤيّدتان لهما ، فتدبّر.

ومرّ في بحث أوقات الصلاة أنّ الصحيحتين المذكورتين وأمثالهما واردة مورد التقيّة (٢) ، فلاحظ وتأمّل.

قوله : سألته عن الرجل تفوته صلاة النهار. ( ٤ : ٢٩٩ ).

لعل المراد من صلاة النهار النافلة ، كما قال به بعض المحدّثين (٣) ويظهر من ملاحظة الأخبار ، وفي بعض النسخ : صلاة الليل ، مكان : صلاة النهار.

قوله : وتؤيّده الأخبار المتضمّنة. ( ٤ : ٢٩٩ ).

لا ربط لتأييدها لما اختاره من وجوب التقديم إذا كانت الفائتة واحدة ، وعدمه إذا لم تكن ، كما لا يخفى ، وسيّما صحيحة ابن سنان ، لأنّ الفائتة فيها واحدة ، ففيها تأييد لبطلان ما اختاره ، إلاّ أنّ جواز النافلة لمن عليه الفائتة لا يستلزم عدم وجوب التقديم ، ولا ينافيه أيضا ، فعلى هذا يزول الربط بين ما ذكره من المؤيّدات وبين المطلوب بالمرّة.

نعم يؤيّد بطلان من يقول بما يزيد على وجوب تقديم الفائتة من الفورية المنافية للأمور المذكورة ، لكن لم يشر إلى هذا القول ولم يظهر بعد‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٧١ / ١٠٧٩ ، الاستبصار ١ : ٢٨٨ / ١٠٥٥ ، الوسائل ٤ : ٢٨٨ أبواب المواقيت ب ٦٢ ح ٥.

(٢) راجع ج ٢ : ٣٠٦ ـ ٣٠٧.

(٣) كالفيض الكاشاني في الوافي ٨ : ١٠٢٨ ، وصاحب الحدائق ٦ : ٢٦٦.

٣٣٥

وجوده ، فتأمّل.

قوله : كصحيحة عبد الله بن سنان. ( ٤ : ٢٩٩ ).

هذه الرواية وما وافقها وإن كانت صحيحة لكنها متضمّنة لما لا يقول به أحد من الشيعة ودل على فساده العقل والكتاب والأخبار من كون نومه من الشيطان ، لقوله : « نمتم بوادي شيطان » ومع ذلك كان ينام عيناه ولا ينام قلبه ، فيبعد ذهوله عن الصلاة التي هي من أوجب الواجبات وأقرب القربات ، بل كيف يكون يذهل؟ وروى في الكافي إخبارا في أنّ لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خمسة أرواح منها روح القدس وأنّه لا يصيبه الحدثان ولا يلهو ولا ينام (١) ، فلاحظ.

قوله : في صحيحة زرارة وغيرها. ( ٤ : ٣٠٠ ).

قال في الذكرى وروى زرارة في الصحيح عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إذا دخل وقت صلاة مكتوبة فلا صلاة نافلة حتى يبدأ بالمكتوبة » قال : فقدمت الكوفة فأخبرت الحكم بن عتيبة وأصحابه فقبلوه منّي ، فلمّا كان في القابل لقيت الباقر عليه‌السلام فحدّثني : « أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عرّس في بعض أسفاره وقال : من يكلؤنا؟ فقال بلال : أنا ، فنام بلال وناموا حتى طلعت الشمس ، فقال : يا بلال ما أرقدك؟ فقال : أخذ بنفسي ما أخذ أنفاسكم ، فقال : قوموا فتحوّلوا عن مكانكم الذي أخذتكم فيه الغفلة ، فقال : يا بلال أذّن ، فأذّن فصلّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ركعتي الفجر ، ثم قام فصلّى بهم الصبح ، ثم قال : من نسي شيئا من الصلاة فليصلّها إذا ذكرها فإنّ الله عزّ وجلّ يقول ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي ) (٢) » قال‌

__________________

(١) الكافي ١ : ٢٧١.

(٢) طه : ١٤.

٣٣٦

زرارة : فحملت الحديث إلى الحكم وأصحابه فقال : نقضت حديثك الأوّل ، فقدمت إلى أبي جعفر عليه‌السلام فأخبرته بما قال القوم ، فقال : « يا زرارة إلا أخبرتهم أنّه قد فات الوقتان جميعا ، وأنّ ذلك كان قضاء من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (١).

ويظهر منها فوائد كثيرة ، والتي تناسب المقام أنّ المراد من الوقت في أخبار المنع وقت الأداء ، ولا مانع بالنسبة إلى القضاء ، فيقرب هذا كون التضيّق في الفوائت على الاستحباب ، لا لما ذكره ، لأنّ النافلة من متعلّقات الفريضة إذ الفور والتضيّق عرفي ، ولذا لا يقتضي ذلك الاقتصار على الواجبات في الصلاة ، والاستعجال عند أدائها مهما أمكن ، بل وترك مثل السورة ممّا يترك عند الاستعجال الضروري مثله. نعم هذه حجّة على من منع من النافلة حينئذ ، ومؤيّد بالنسبة إلى غير المانع ، كما ذكره.

بل لأنّه ورد في صحيحة زرارة الواردة في تضيّق الفائتة أنّه عليه‌السلام قال : « ولا يتطوّع بركعة حتى يقضي الفريضة كلّها » (٢) إذ ربما يظهر من السياق أنّ الأمر بتقديمها على الحاضرة أيضا لا يكون على الوجوب ، بل على الاستحباب ، ولا ينافيها فعله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لأنّ الظاهر أنّه عليه‌السلام منع من التطوّع لأجل أن يشتغل بالفريضة ، فحيث يكون الراجح تأخيرها أو الجائز فلا مانع ، فالخبر صريح في الجواز وظاهر في الرجحان.

ويظهر من هذه الجهة أيضا وهن في ما دل على التضييق ويكون حجّة على الحلبي ومن قال بمقالته إلاّ أن يستثنوا ذلك ، فيكون حينئذ مؤيّدا‌

__________________

(١) الذكرى : ١٣٤ ، الوسائل ٤ : ٢٨٥ أبواب المواقيت ب ٦١ ح ٦.

(٢) الكافي ٣ : ٢٩٢ / ٣ ، التهذيب ٢ : ٢٦٦ / ١٠٥٩ ، الاستبصار ١ : ٢٨٦ / ١٠٤٦ ، الوسائل ٤ : ٢٨٤ أبواب المواقيت ب ٦١ ح ٣.

٣٣٧

للاستحباب ، كما ذكره الشارح في النافلة والأذان والإقامة ، والظاهر من الرواية أنّ النافلة لا مانع منها بالنسبة إلى من عليه فائتة ، لا أنّ صورة الجماعة مستثناة ، فتدبّر.

قوله : والمراد بها الفائتة. ( ٤ : ٣٠٠ ).

لا يخفى أنّ الأخبار الصحيحة الدالة على ذلك كثيرة ، منها : صحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام حيث قال فيها : « يقضيها إذا ذكرها في أيّ ساعة ذكرها ، فإذا دخل وقت الصلاة ولم يتمّ ما قد فاته فليقض ما لم يتخوّف أن يذهب وقت هذه الصلاة التي حضرت ، وهذه أحقّ بوقتها فليصلّها ، فإذا قضاها فليصلّ ما فاته ، ولا يتطوّع بركعة حتى يقضي الفريضة كلّها » ولا يخفى ما فيها من التأكيد.

ومضمون صحيحة زرارة الأوّلة التي ذكرها أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « إذا فاتتك صلاة فذكرتها في وقت أخرى فإن كنت تعلم أنّك إذا صلّيت التي فاتتك كنت من الأخرى في وقت فابدأ بالتي فاتتك ، فإنّ الله تعالى يقول ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي ) ».

وفي كالصحيح عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن الصادق عليه‌السلام عن رجل نسي صلاة حتى دخل في وقت اخرى ، قال : « يصلّي حين يذكرها ، وإن ذكرها وهو في صلاة بدأ بالتي نسي ، وإن ذكرها مع الإمام في صلاة المغرب أتمّها بركعة ثم صلّى المغرب » الحديث (١).

ومنها : صحيحة صفوان التي ذكرها ، فإنّها تدل على تقديم الفائتة من غير تقييد بالوحدة على حسب ما أشرنا ، فتأمّل.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٩٣ / ٥ ، التهذيب ٢ : ٢٦٩ / ١٠٧١ ، الوسائل ٤ : ٢٩١ أبواب المواقيت ب ٦٣ ح ٢.

٣٣٨

ومنها : ما رواه أبو بصير في القوي (١).

قوله : ثمّ صلّ المغرب. ( ٤ : ٣٠٠ ).

الظاهر أنّه وقت الفضيلة.

قوله : فبالمنع منه في موضع النزاع. ( ٤ : ٣٠١ ).

ليس في موضعه ، لأنّ اتفاق الكلّ ليس شرطا في إجماعنا ولا إجماع المشهور من العامّة ، كما مرّ مرارا.

قوله : وإعمال الدليلين أولى من إطراح أحدهما. ( ٤ : ٣٠٢ ).

لا يخفى أنّ ما هو حجّة في الأخبار إنّما هو الحقائق والظواهر ، وأمّا خلاف الظاهر فلم يثبت بعد حجّيته ، بل الثابت خلافه ، سيّما وأن يكون في شدّة المخالفة للظاهر ، فإنّ إطلاق الأمر الذي هو حقيقة في الوجوب وإرادة استحباب الترك من أين إلى أين؟ فليس ما ذكره إعمالا للحجّتين بل طرحا لهما وتخريبا إيّاهما ما ، سيّما المتضمّن للأمر بتقديم الحاضرة ، فتأمّل.

فإن قلت : كثير من الأحكام الفقهية يثبت من الجمع بين الأدلّة.

قلت : ما هو من قبيل المقام فالكلام فيه الكلام ، وما يتفاوت فلا كلام ، إمّا لعدم ورود هذه المفسدة فيه ، أو ارتفاعها بسبب يستند إليه المجتهد.

مع أنّه لو كان ما ذكره إعمالا للدليلين فمثل هذه الإعمال غير منحصر في ما ذكره ، لما أشرنا إليه ، بل كما يمكن الجمع بما ذكره يمكن أيضا بحمل رواية ابن سنان على الاستحباب ، كما ذهب إليه ابنا بابويه ومن‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٩٢ / ٢ ، التهذيب ٢ : ٢٦٨ / ١٠٦٩ ، الوسائل ٤ : ٢٩٠ أبواب المواقيت ب ٦٢ ح ٨.

٣٣٩

تبعهما.

على أنّا أشرنا إلى أنّ هذه الرواية وما وافقها واردة مورد التقيّة ، فالطرح معيّن ، فتأمّل.

قوله (١) : وردّه المصنّف في المعتبر. ( ٤ : ٣٠٣ ).

لا يخفى عدم البعد بالنسبة إلى المحامل المسلّمة عنده من باب مجاز المشارفة ، وهي شائعة ذائعة. مع أنّه أولى من حمل الأمر على أولوية الترك كما مرّ ، فكيف يقول الشارح : وهو كذلك؟ فتأمّل.

قوله : لدخول الواجب في أحدها يقينا. ( ٤ : ٣٠٦ ).

هذا فاسد يقينا ، بل لو لم ترد الرواية المنجبرة بالشهرة لم يتحقّق ظنّ بالدخول فضلا عن اليقين ، بل ولا شكّ ، بل الظاهر عدم الدخول بعد اعتبار التعيين (٢) في النية ووجوب الجهر والإخفات ، إذ على التقديرين يتوجّه حجّة القائل بالخمس ، نعم الرواية حجّة في ذلك.

قوله : كما بيّناه. ( ٤ : ٣٠٦ ).

ما بيّن ، بل ادعى اليقين من غير دليل.

قوله : الدالة على استحباب. ( ٤ : ٣٠٦ ).

في دلالتها عليه تأمّل ، فتأمّل.

قوله : ولأنّ الظاهر من حال المسلم أنّه لا يترك الصلاة. ( ٤ : ٣٠٧ ).

الظاهر عدم ترك المتقيّدين المعتنين بشأن الدين صلاتهم من غير عذر ، بل ربما يحصل العلم ، أمّا غير هم أو هم مع عذر يرفع الاختيار فلا.

__________________

(١) هذه التعليقة ليست في « أ ».

(٢) في « ج » و « د » : اليقين.

٣٤٠