الحاشية على مدارك الأحكام - ج ٣

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

الحاشية على مدارك الأحكام - ج ٣

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-171-0
ISBN الدورة:
964-319-168-0

الصفحات: ٤٦٤

الأوّل ، كما سيجي‌ء.

ومجرّد قوله : الجمعة واجبة ، لا يفيد النصب ، لأنّه نقل نفس وجوب الصلة ، لأنّ المتبادر منه هو الفرض الأصلي المقرّر من الله ، ولا لما هو من رخصة المعصوم عليه‌السلام لكونه منصبا كما قال : على الناس واجبة ، وأمثال ذلك ، ولذا في زمان الحضور وبسط يدهم بمجرّد استماع وجوب صلاة الجمعة لا يصيرون منصوبين من قبلهم ، وما كانوا يفعلون ، وكانوا يتركونها إلى أنّ حجّهم المعصوم عليه‌السلام ، مع كونهم هم الرواة لأحاديث الوجوب ، ومع ذلك قال لهم أن يفعلوا ، ومثله.

مع أنّك عرفت أنّ الوجوب مشروط بشروط من جملتها الإمام أو نائبه جزما ، والمشروط عدم عند عدم شرطه.

وأيضا قد عرفت أنّ المقام ليس مقام الحاجة.

وأيضا حالها حال صلاة العيدين ، وسيجي‌ء في مبحثهما.

وأيضا ورد أخبار صحيحة السند واضحة الدلالة على الاستحباب ، وهي موافقة للشهرة بين الأصحاب بل شعار الشيعة في الأعصار والأمصار ، كما اعترف به منهم أنّهم يتركونها.

ومع ذلك مخالفة للعامّة ، والأخبار متواترة في الأمر بأخذ ما خالفهم ، وأنّ الرشد في خلافهم ، وأخذ ما اشتهر بين الأصحاب (١).

ولا يعارضها ما دل على الوجوب ، لما عرفت من اشتراطه بالإمام أو نائبه ، إلى غير ذلك ممّا [ عرفت ] مثل أنّ الأخبار الدالة على الوجوب واردة في مقام النقل والحكاية لا مقام الطلب ، بخلاف الدالة على الاستحباب ،

__________________

(١) الوسائل ٢٧ : ١٠٦ أبواب صفات القاضي ب ٩.

١٨١

فإنّها واردة في مقام الطلب يقينا ، وغير ذلك.

ولهم أيضا أصل البراءة ، وأنّ ما دل ( على وجوب الظهر مطلق ويشمل المقام.

وأيضا دلالة الآية وأمثالها من الأخبار ) (١) على وجوب المقام بواسطة الإجماع ، كما عرفت ، ولم يثبت من الإجماع أزيد من القدر المشترك من الوجوب العيني والتخييري ، وبأصل البراءة والعدم يتعيّن التخيير ظاهرا.

ومثل ذلك الكلام في الأخبار التي لا تدل على أزيد من الرجحان والمطلوبية ، ولا تدل على أزيد من القدر المشترك بين الوجوب العيني والتخييري ، هذا مع ادعائهم الإجماع وظهور أخبار كثيرة موافقا لدعواهم وهم الخبيرون المطلعون الشاهدون ، والشاهد يرى ما لا يراه الغائب ، وسيجي‌ء تتمّة الكلام (٢).

قوله : نسأل الله العفو والرحمة بمنّه وكرمه. ( ٤ : ٩ ).

لا شكّ في وجوب الجمعة وكونه من ضروريات الدين ، ومنكره خارج من فرق المسلمين ، والأخبار متواترة عن الحجج المعصومين ، بعد ما نصّه الله في كتابه المبين ، إنّما النزاع في وجوب ما فعل بغير الإذن الخاصّ والنائب الخاصّ ، فمنهم من أنكر كون ذلك صلاة الجمعة ، بل يقول : فعل لغو ، بل تشريع ليس هو بصلاة الجمعة أصلا ، ومنهم من يقول : إنّه صلاة الجمعة إلاّ أنّها فاسدة بفساد شرط صحته ، ومنهم من يقول : صلاة صحيحة إلاّ أنّ وجوبه تخييري ، والواجب العيني هو ما فعله المنصوب ، ومنهم من يقول : واجب عيني ، لو ثبت هذا القول.

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « د ».

(٢) من قوله : فكيف يسع ، في ص ١٦٢ إلى هنا ساقط من « أ ».

١٨٢

فعلى هذا نقول : دلالة الأوامر الصادرة في القرآن والأخبار على وجوبه موقوفة على ثبوت كونه صلاة الجمعة ، إذ مجرّد تسمية الخصم ذلك بصلاة الجمعة كيف يثبت مطلوبه؟ إذ لا شكّ في أنّ العبادات توقيفية ، موقوفة بيانها ومعرفتها على النصّ من الشارع ، وقد صرّح الشارح أيضا بذلك في مواضع غير عديدة ، منها : ما سيجي‌ء عن قريب في شرح قول المصنف : وتجب بزوال الشمس. (١) ، فلو سلّم أحد أنّه صلاة الجمعة أمكن الاحتجاج بها عليه بعنوان الجدل ، أمّا البرهان أو الاحتجاج على (٢) منكر ذلك فلا ، وقد صرّح بالإنكار من صرّح منهم (٣).

وبالجملة : دلالة المطلق أو العامّ على مطلب فرع معرفة معنى ذلك المطلق وذلك العام ، ولا يمكن المعرفة إذا كان عبادة إلاّ من صاحب الشرع ، بنصّه أو فعله أو تقريره ، والأوّل والآخر مفقودان ، وأمّا الفعل فلا شكّ في أنّه كان السلطان المعصوم عليه‌السلام وكان في زمانه يفعل بإذنه الخاص ونصبه ، كما سيجي‌ء.

ولو نوقش في ذلك فنقول : لم يثبت فعلها من غير المنصوب في زمانه حتى يمكن إثبات البيان بتقريره لو أمكن.

ثم نقول : على القول بعدم ثبوت الحقيقة الشرعية غاية ما في الآية والأخبار وجود القرائن الصارفة عن المعنى اللغوي ، أمّا المعينة للمعنى الشرعي بحيث تنفع المستدل في المقام فلا. مع أنّ الشارح رحمه‌الله لا يكتفي‌

__________________

(١) المدارك ٤ : ١١.

(٢) في « ب » و « و » زيادة : كلّ.

(٣) انظر المسائل الميافارقيات ( رسائل الشريف المرتضى ١ ) : ٢٧٢ ، والاقتصاد : ٢٦٧ ، والجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٩٠ ، والوسيلة : ١٠٣ ، والسرائر ١ : ٣٠٣ ـ ٣٠٤.

١٨٣

بالقرينة الصارفة عن اللغوي في جعل المعنى هو الشرعي الذي [ هو ] حقيقة عند المتشرّعة.

وأمّا على القول بثبوت الحقيقة الشرعية فمعلوم أنّ المتشرّعة على فرقتين : فرقة تقول بأنّ ألفاظ العبادات حقائق في الصحيحة المستجمعة لشرائط الصحة الشرعية ، مع أنّ بعض المنكرين للوجوب العيني صرّح في المقام بأنّ صلاة الجمعة اسم للصحيحة التي تكون مع الإذن الخاصّ ، وأنّه بلا (١) هذا لا تكون صلاة الجمعة أصلا (٢). وعلى هذا أيضا لا يمكن الإثبات إلاّ بواسطة انضمام أصالة عدم الزيادة ، لكن عرفت حال الانضمام ومفاسده ، ومع ذلك يتوقّف الإثبات على ثبوت حجّية هذا الأصل وجريانه في بيان العبادات ، ومع ذلك يتوقّف الإثبات على ثبوت حجّية هذا الأصل أن لا يكون ( مثبتا ) (٣) للتكليف ، ومع ذلك إنّه معارض بمثله في جانب العمومات الدالة على وجوب صلاة الظهر ، وكذا معارض بأصالة عدم تغيّر تكليف الظهر بالنسبة إلى المقام ، بل تعراضه أصالة عدم كونه صلاة الجمعة ، فتأمّل.

نعم على القول بأنّ تلك الألفاظ حقائق في مطلق الأركان يمكن الاستدلال إن لم يناقش أحد في ذلك أيضا بأن يقول : الإطلاق منصرف إلى الأفراد الصحيحة و (٤) أنّه لا يثبت عموم له أزيد من هذا ، مضافا إلى ما عرفت سابقا.

ويؤيّد المناقشة خلوّ الآية والأخبار الدالة على الوجوب بأسرها عن‌

__________________

(١) في « ب » و « و » زيادة : تأمّل.

(٢) انظر كشف اللثام ١ : ٢٤٧.

(٣) بدل ما بين القوسين في « ب » و « ج » و « د » : مبيّنا.

(٤) في « ب » و « ج » و « و » : لا ، وفي « د » : إلاّ.

١٨٤

الإشارة إلى شرائط الوجوب المسلّمة المتفق عليها.

نعم يمكن أن يقال : يؤيّد عدم اشتراط المنصوب خلوّ الأخبار بأسرها عن الإشارة إلى ذلك.

لكن يمكن أن يقال : ورد الإشارة في بعضها ، مثل صحيحة محمد بن مسلم المتقدّمة وغيرها ممّا مرّ ، وقد أشرنا إلى وجه الإشارة ، ومثل دعاء الصحيفة السجادية : « اللهمّ إنّ هذا المقام » ، إلى قوله : « اختصصتهم بها قد ابتزّوها » (١) ( بل وما بعده أيضا ، فلاحظ ) (٢) فلو لم يكن فعلها منصبا لهم كيف يحسن هذه العبارة حينئذ؟ إذ يكون حال الجمعة حينئذ حال صلاة الظهر والعصر ، هل يحسن أن يقال بالنسبة إلى الظهر والعصر : أنّ هذا المقام لخلفائك ، إلى قوله : في الدرجة الرفيعة التي اختصصتهم بها قد ابتزّوها.؟

وأمّا فعل النائب فهو فعل المنوب عنه ، وهو يؤكّد الاختصاص لا أنّه يرفعه ( كما أنّ الحكومة مع كونها من أخصّ خصائص الإمام إنّما تصدر منه بنوّابه ، فإن شرق الأرض وغربها بيد نوّابه غير بلد نفسه. مع أنّ بلد نفسه أيضا كثيرا تصرّفه فيه بواسطة النوّاب ، مثل وقت مرضه أو سفره أو شغله الضروري المانع ، وكذا الحال في سائر مناصبه.

هذا مع أنّه لا قائل بالفصل ، مع أنّ عدم الفصل في المقام ضروري الدين ، إذ بديهي أنّ صلاة الجمعة غير منحصرة في فعل المعصوم بعنوان مباشرة نفسه ، بل كلّ العالم عليهم صلاة الجمعة إمّا مع السلطان أو من‌

__________________

(١) راجع ص ١٧٩.

(٢) ما بين القوسين ليس في « ب » و « ج » و « د ».

١٨٥

نصبه ، وإمّا مطلقا ، فتأمّل ، جدّا ) (١). ومثل ذلك من الأخبار التي أشرت إليها في رسالتي التي كتبتها في هذا المقام ، فليراجع.

ومن جملتها : ما رواه في الأشعثيات « أنّ الجمعة والحكومة لإمام المسلمين » (٢).

ومنها : ما في العلل : « لأنّ الصلاة مع الأمير أتمّ » إلى قوله : « يخبرهم. » (٣) وما ورد من أنّ الصلاة مع الإمام ركعتان ، وبغير الإمام أربع وإن صلّوا جماعة (٤). ( وما ورد من أنّه ليس على أهل القرى حضور الجمعة وصلاة العيد (٥) منها الصحاح الدالة على الصلاة أربع ركعات جماعة إذا لم يكن من يجمّع بهم (٦) ، وإذا لم يكن من يخطب (٧) ، وغير ذلك ممّا مرّ.

ومنها : الأخبار الدالة على اشتراط الإمام ، وأنّه لا بدّ منه (٨) ، والمتبادر من لفظ الإمام على الإطلاق إمام الأصل ، كما قال الفقهاء وفهموا ، مع أنّ المطلق ينصرف إلى الفرد الكامل ، وفهم إمام الجماعة موقوف على القرينة من إضافة أو غيرها.

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « ب » و « ج » و « د ».

(٢) الأشعثيات : ٤٢ ـ ٤٣ ، المستدرك ٦ : ١٣ أبواب صلاة الجمعة ب ٥ ح ٢ ، بتفاوت.

(٣) علل الشرائع : ٢٦٥ ، الوسائل ٧ : ٣١٢ أبواب صلاة الجمعة ب ٦ ح ٣ ، بتفاوت يسير.

(٤) الكافي ٣ : ٤٢١ / ٤ ، الوسائل ٧ : ٣١٤ أبواب صلاة الجمعة ب ٦ ح ٨.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٤٨ / ٦٧٩ ، الاستبصار ١ : ٤٢٠ / ١٦١٨ ، الوسائل ٧ : ٣٠٧ أبواب صلاة الجمعة ب ٣ ح ٤.

(٦) الوسائل ٧ : ٣٢٧ أبواب صلاة الجمعة ب ١٢ ح ١.

(٧) الوسائل ٧ : ٣٠٦ أبواب صلاة الجمعة ب ٣ ح ١ ، وب ٥ ح ٣.

(٨) الوسائل ، ٧ : ٣٠٣ ، ٣٠٩ أبواب صلاة الجمعة ب ٢ ، ٥.

١٨٦

ومنها : أيضا الأخبار الدالة على استحباب صلاة الجمعة (١) ، ويؤيّدها استحباب صلاة العيدين التي توافق الجمعة في الشروط وأدلة الوجوب (٢) (٣) إلى غير ذلك (٤).

هذا مضافا إلى الإجماعات المنقولة الكثيرة جدّا المتأيّدة بالآثار والاعتبار التي أشرت إليها في الرسالة ( مع أنّ المنقول بخبر الواحد يشمله ما دل على حجّية خبر الواحد ) (٥).

ومن الآثار حكاية المازندراني الذي وصل إلى جزيرة الصاحب عليه‌السلام (٦) ، وهي تنادي بالاختصاص بالإمام ومنصوبه.

( على أنّ ما دل على اشتراط النصب أزيد ممّا دل على اشتراط العدالة وبعض الشروط المسلّمة ، بل زيادته عليه بمراتب شتّى ، كما مرّت الإشارة هنا وسابقا ، وسيجي‌ء أيضا ، وما يظهر من الإجماع على اعتبار العدالة ليس عشر معشار ما يظهر من الإجماع على اعتبار النصب ، كما لا يخفى ) (٧).

وبالجملة : إن كانت الأدلة من الطرفين لا تخلو عن الخدشة والمناقشة فالاحتياط الإتيان بالجمعة والظهر معا تحصيلا للبراءة اليقينية أو العرفية ، والله يعلم.

ثم لا يخفى أنّ استدلاله بالآية وأمثالها ممّا يتضمّن وجوبها بعنوان‌

__________________

(١) انظر الوسائل ٧ : ٢٩٥ أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ١.

(٢) الوسائل ٧ : ٤٢٤ أبواب صلاة العيد ب ٣.

(٣) ما بين القوسين ليس في « ب » و « ج » و « د ».

(٤) في « ب » و « ج » و « د » زيادة : وسيجي‌ء بعضها.

(٥) ما بين القوسين ليس في « ب » و « ج » و « د ».

(٦) بحار الأنوار ٥٢ : ١٦٧.

(٧) ما بين القوسين ليس في « ب » و « ج » و « د ».

١٨٧

الخطاب مبني على المذهب السخيف من كون الخطاب شاملا للمشافه والغائب جميعا ، ولا شكّ في سخافته ، لأنّهم إن أرادوا الشمول بحسب الوضع العربي (١) الحقيقة اللغوية والعرفية فلا شكّ في فساده ، لكون الصيغة موضوعة للخطاب مع حاضر وحقيقة فيه ، بل الخطاب لا يتأتّى مع الغائب ، ولا شبهة في قبحه. ولذا أنكر الشيعة والمعتزلة وجميع من له فهم على الأشاعرة في قولهم بقدم القرآن ، بأنّه كيف يخاطب الله المعدوم؟ ولا يفعل ذلك إلاّ مجنون.

وإن أرادوا أنّ الشمول بعنوان المجاز بأنّه ليس بحطاب حقيقة ، بل غيبة ، أو خطاب وغيبة ، غلب جانب الخطاب على الغيبة واستعمل لفظه فيها ، ففيه : أنّ الأصل في الاستعمال الحقيقة بلا شبهة.

فإن قلت : الاشتراك في التكاليف الثابت بالإجماع قرينة.

قلت : غلط ، إذ يمكن أن يكون الحكم بالاشتراك بعد الخطاب ، وعلى تقدير أن يكون قبل الخطاب أيضا لا يستلزم الاشتراك في التكليف الاشتراك في الخطاب ، ألا ترى أنّا نخاطب العوام حين استفتائهم وجوابهم في الفتوى : افعل كذا ، وللمرأة : افعلي كذا؟ ليس خطابنا إلاّ معه أو معها خاصّة بلا شائبة تأمّل ، لا أنّ الخطاب معه ومع غيره من المكلّفين جميعا ، وكذا معها ومع جميع المكلّفين قاطبة ، لأنّه باطل بالبديهة ، سيّما المكلّفين المعدومين الذين انعدموا أو ما خلقوا بعد.

سلّمنا ، لكن نقول : في موضع ثبت اشتراك التكليف يصير ذلك قرينة ، واشتراك التكليف ثبوته إنّما هو من الإجماع ، والإجماع ثبوته في‌

__________________

(١) في « ب » و « ج » و « د » : العرفي.

١٨٨

موضع النزاع غير متحقّق بالبديهة ، سيّما مثل ما نحن فيه ، لأنّ الفقهاء صرّحوا باشتراط الإمام أو نائبه ، وجماعة كثيرة منهم ادعوا الإجماع على ذلك ، فكيف يمكن دعوى اشتراك من لم يكن له الإمام ولا نائبه مع من كان له الإمام أو نائبه؟ ولا شكّ في فساد ذلك بالبديهة.

على أنّا نقول : الإجماع إنّما تحقّق في اشتراك التكليف بين الغائب والحاضر إذا اتحد حالهما بالنسبة إلى ذلك التكليف لا مطلقا ، فإذا كان الحاضر صلاته مع الإمام أو نائبه فلا شك في أنّ الغائب أيضا إن كان كذلك يكون حكمه حكم الحاضر بالإجماع ، والإجماع حينئذ متحقّق ، وأمّا إذا تغيّر حالهما في ذلك فلا إجماع على الاشتراك لو لم نقل بالإجماع على عدم الاشتراك.

وبالجملة : إذا كان دليل الاشتراك هو الإجماع فالاشتراك دائر مع الإجماع ، فكلّ موضع يتحقّق فالاشتراك متحقّق ، وكلّ موضع وقع الخلاف فعلى القول باختصاص الخطاب بالمشافهين لا يثبت الحكم في حق غير المشافهين ، بل الحكم فيه ما اقتضاه الأصول والأدلة ، وعلى القول بشمول الخطاب للغائبين يكون الحكم شاملا لهم حتى يثبت القيد من الخارج ، ويثبت من جهة الاختصاص بالمشافهين ومن يكون حاله حالهم ، وهذا ثمرة من ثمرات هذا النزاع. وإذا كان الحكم مختصّا بالمشافه بالإجماع يقول الفقهاء : حكم في خصوص واقعة ، ولا يتعدّون البتّة.

فإن قلت : فأيّ فائدة في الاستدلال بالآية والأخبار؟

قلت : الفائدة في الموضع الذي وقع الإجماع على اتحادنا في التكاليف ولا نزاع في الاتحاد ، لكن لا يدرون أنّ الحكم ما ذا؟ كما هو الحال في غالب الأحكام ، فإنّ العلم الإجمالي حاصل باتحاد المكلّفين فيه ،

١٨٩

ولذا يبادرون بالحكم بالاشتراك وإن كان الخطاب بعنوان الاختصاص بلا شبهة ، مثل : افعل أنت كذا ، أو حكمك كذا ، أو أشدّ من هذا في الظهور في الاختصاص ، وتمام التحقيق في الأصول ، وسيجي‌ء بعض الكلام في المباحث الآتية.

قوله : فيقتصر على صفتها المنقولة ، والمنقول من فعله. ( ٤ : ١١ ).

سيجي‌ء في مسألة اشتراط وجوب الجمعة بالسلطان العادل أو من نصبه منع الشارح دلالة فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الشرطية ، وأنّ العامّ لا يدل على الخاصّ (١) ، وهو رحمه‌الله لا ضابطة في كلامه كثيرا ، إذ كثيرا ما يقول بشي‌ء وكثيرا ما ينكره على سبيل المزج ، يقول وينكر ثمّ يقول وينكر وهكذا في كثير من الأمور ، ومنها الاقتصار في العبادة على المنقول ، ولا شكّ في أنّ الأمر كما ذكره هنا ، وما ذكره من عدم الاقتصار غلط فاحش ، كما حقّق في محلّه ، ومن هنا ظهر فساد ما ذكره في أوّل المبحث من الأدلة على عينية الوجوب ، كما عرفت وستعرف أيضا ، فتأمّل جدّا.

قوله : ويدفعه ما رواه. ( ٤ : ١٣ ).

لم أفهم وجه الدفع ، لعدم معلومية كون الساعة المذكورة تزيد عن المقدار المذكور ، لعدم معلومية المراد منها ومن الخطبة ، وأضعف منه الاستدلال برواية الفضيل ، فتأمّل.

قوله : ولم نقف على مأخذه. ( ٤ : ٢٠ ).

في الاحتجاج عن الحميري عن الصاحب صلوات الله عليه أنّه : « إذا‌

__________________

(١) المدارك ٤ : ٢١.

١٩٠

لحق مع الإمام من تسبيح الركوع تسبيحة واحدة اعتدّ بتلك الركعة » (١).

قوله : مؤذنا بدعوى الإجماع عليه. ( ٤ : ٢١ ).

كلامه صريح في دعوى الإجماع ، حتى قال : مخالفته خرق للإجماع ، وجمع كثير من فقهائنا ادعوا الإجماع صريحا (٢) ، كما أشرنا إليه سابقا.

قوله : ويتوجّه على الأوّل. ( ٤ : ٢١ ).

هذا لا يلائم ما صرّح مرارا أنّ الوظائف الشرعية إنّما تستفاد من صاحب الشرع ، فتقتصر على صفتها المنقولة من فعله صلوات الله عليه ، ومنه ما سيجي‌ء من لزوم كون الخطبة عربية ، وكون الخطيب قائما ومطمئنّا وغير ذلك (٣) ، فتأمّل جدّا.

على أنّه لا شبهة في أنّ مراد المحقق أنّ الجمعة كانت مقصورة في صورة نصب الإمام ، منحصرة فيما إذا تحقّق المنصوب من قبله صلوات الله عليه ، فلا شكّ في أنّ ذلك صريح في الشرطية ، كيف يمكن منع الدلالة؟

اللهم إلاّ أن يبنى على أنّه عليه‌السلام كان فاسقا! العياذ بالله منه ، لأنّ الجمعة إذا لم تكن مشروطة بالمنصوب لم تكن مقصورة فيه ، ولا منحصرة فيما إذا تحقّق المنصوب من قبله ، بل كان اللازم عليه والواجب عليه أن يأمر أمّته بفعل الجمعة متى ما حصل إمام الجمعة ، من دون توقّف على المنصوب من قبله أصلا ورأسا ، بل كان الواجب عليه المبالغة التامّة في‌

__________________

(١) الاحتجاج : ٤٨٨ ، الوسائل ٨ : ٣٨٣ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٥ ح ٥.

(٢) منهم الشيخ في الخلاف ١ : ٦٢٦ ، ابن البراج في شرح الجمل : ١٢٤ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٠ ، العلاّمة في المنتهى ١ : ٣١٧ ، الشهيد في الذكرى : ٢٣٠.

(٣) المدارك ٤ : ٣٥ ، ٣٧ ، ٣٨ ، ٣٩.

١٩١

ذلك ، لأنّ الواجب يكون على تركه العقاب البتّة ، سيّما مثل هذه الفريضة التي هي من أوجب الفرائض ، وكان عليه‌السلام من غاية الاهتمام في هداية الأمّة وإتمام الحجّة عليهم ، فكيف يجعل ما لا يتوقّف على النصب موقوفا عليه؟ بل لو كانت الجمعة مستحبة ما كان يفعل كذلك قطعا ، فكيف إذا كانت من أوجب الفرائض؟ ألا ترى أنّ الجماعة والأذان ما جعلهما مقصورين على المنصوب وبالغ في ذلك حتى صار من ضروريات الدين وأمر بفعلهما من دون توقّف على المنصوب بحيث يظهر على الأطفال والنساء والجواري في البيوت؟ لاقتضاء العادة في مثله ، وكان يصل إلى من بعده بعنوان التواتر ، وفوق التواتر ، وكذا الحال والكلام في علي عليه‌السلام في أيّام خلافته.

وإن كان مراده منع الحصر والقصر في المنصوب ، فمع أنّه خلاف مدلول كلامه غير خفيّ فساده ، لأنّ النبي وعليّا عليهما‌السلام لو كانا يبالغان في عدم القصر والحصر ويأمران بفعل الجمعة في كلّ فرسخ فرسخ من مملكتهم الوسيعة ـ وسيّما مملكة علي عليه‌السلام ـ لكان يشيع ويذيع أزيد من الشيوع والذيوع الواقع في الجماعة والأذان ، ويظهر على العواتق في البيوت ، لما عرفت من نهاية شدّة الداعي إلى فعل أشدّ الفرائض ، بخلاف المستحب.

مع اجتماع أمور كثيرة كلّ واحد منها يقتضي الاشتهار والانتشار والشيوع ، مثل فعلها جهارا في مجمع جماعة يكون أقلّهم سبعة وأكثرهم لا حدّ له ، وفي الغالب يجتمع الأكثر بل يجب اجتماع الجميع ولا يعذر إلاّ نادر ، ويجب الحضور على من كان على رأس فرسخين من موضع إقامة الصلاة ، ومنع المكلّفين عن البيع والشراء والسفر وغير ذلك من الأشغال المانعة عنها ، وقراءة الخطبة المتضمّنة للتهديد والوعد والوعيد على أفعال كثيرة ، ووجود إمام يتصف بأمور كثيرة ، وأنّه ربما يمنعه بحسب العادة‌

١٩٢

موانع من قبيل المرض والسفر وغيرها ، وربما يموت ، فيكف يصير الحال؟ إلى غير ذلك من الأمور التي تتفاوت الحال بين اشتراط المنصوب وعدمه ، وأنّ مع عدم المنصوب هل كانوا يصلّون أم ينتظرون وجوده؟ وربما كان بين موت المنصوب ووصول الخبر إلى الإمام يطول الزمان من بعد المسافة أو غيره ، وكذا بين نصب الإمام غيره ووصول الخبر إلى الموضع ، وربما لم يتحقّق من له أهلية النصب ، أو لم يتيسّر له سكنى هذا الموضع ، إلى غير ذلك مما لا يحصى.

ومع جميع ذلك كيف يبقى خفاء على الأطفال ، فضلا عن غيرهم؟ سيّما العلماء الماهرين الباذلين للجهد ، وكلّما طال الزمان في مثل ذلك يزيد الاشتهار ، فكيف صار الأمر بالعكس؟ لأنّ كلّ الأمّة أذعنوا بأنّ الجمعة في زمانهما عليهما‌السلام وزمان سائر الخلفاء كانت تفعل بالمنصوب لا بغيره أصلا ، ولذا طعنوا على الخلفاء الذين أحدثوا بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وغيّروا طريقته بكلّ ما أحدثوا وغيّروا ، ولم يطعن على أحد منهم أحد في حكاية نصبهم وقصرهم في المنصوب ، بل قالوا : إنّ طريقتهم كانت طريقة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلي والحسن صلوات الله عليهما في ذلك من زمان أوّل الخلفاء إلى زمان فقهائنا.

والعامّة مع شدّة اختلافهم في اشتراط النصب وغاية قربهم في زمان الصادقين عليهما‌السلام إلى زمان الخلفاء سلّموا قصر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والخلفاء في المنصوب ، ولم يشر أحد منهم إلى تأمّل في ذلك.

وأمّا الشيعة فإنّهم اتفقوا في ذلك ، حتى صرّح فقهاؤهم بالاشتراط ، إمّا مطلقا أو في الجملة ، وادعى جماعة كثيرة منهم الإجماع على الاشتراط وهم ثلاثون ، وربما كانوا أربعين بل أزيد منهم ، والباقون منهم اتفقوا على‌

١٩٣

التصريح بذلك ، والنادر وإن لم يقع منهم التصريح إلاّ أنّه ظهر من القرائن ، كما حقّق في محلّه ، وورد في الأخبار وغيرها دلالة عليه أو إشارة إليه ، على ما عرفت وستعرف ، بل لو تأمّل المنصف حصل له القطع بأنّه ما كانت تفعل الجمعة في زمانهما إلاّ بالمنصوب ، ولذا ما منع الشارح رحمه‌الله ذلك ، مع أنّه في غاية الحرص في هدم قوانين أدلة الفقهاء في المقام ، ولذا صدر عنه ما صدر من الأغلاط الواضحة على ما عرفت ، فتأمّل.

قوله : إنّما هو لحسم مادّة النزاع في هذه المرتبة. ( ٤ : ٢١ ).

حسم مادّة النزاع إنّما هو من الأمور اللازمة ، فلو كان تحقّقه بالنصب لزم النصب ، مع أنّه إذا كان في زمانه عليه‌السلام وعند حضوره كانت الأمّة محتاجين إلى حسم مادّة النزاع ، مع أنّه كان أمره عليه‌السلام فيهم في غاية النفوذ لكانت الأمّة في زمان الغيبة أحوج إلى حسم مادّة النزاع وأحوج بمراتب شتّى ، فتدبّر.

على أنّا نقول : التعيين إمّا أن يكون واجبا أو مستحبا أو لا هذا ولا هذا ، وعلى الأوّل إمّا أن يكون فعل الجمعة مقصورا على تعيينه أو لا ، فعلى الأوّل ثبت المطلوب ، سيّما بملاحظة كون العبادات توقيفية ووظائف شرعية ، ولم يتحقّق منه بيان قولي ، فوجب الاقتصار على صفتها المنقولة من فعله ، بل مرّ في بحث تكبيرة الإحرام أنّه يجب الاقتصار على « الله أكبر » على وزن أفعل مجزوم الراء ، مقطوعا همزة الوصل في « الله » (١) وغير ذلك ممّا هو في هذه الهيئة ، لا يجوز تغييره أصلا ، مع أنّه ورد في أخبار لا تحصى أنّهم قالوا : كبّر ، وأمثال ذلك من العبارات الظاهرة في مطلق‌

__________________

(١) المدارك ٣ : ٣١٩.

١٩٤

التكبير ، من دون تخصيص بهيئة ، هذا ، وغير ذلك من مباحث العبادات المسلّمة عند الشارح رحمه‌الله.

وإمّا أن لا يكون فعلها مقصورا على الإذن ، وقد عرفت في الحاشية السابقة القطع بفساده ، وإن لم يتحقّق من الفقهاء دعاوي الإجماعات والتصريحات في الفتاوى ونقلهم في مقام الاستدلال ، ولم يتفق اتفاق جميع علماء الشيعة والسنّة وما ذكره أصحاب التواريخ وظهر منهم ، وكذا لم يتفق ورود الأخبار الصريحة والأخبار الظاهرة والمشيرة والآثار ، كيف؟! وقد تحقّق جميع ما ذكر واتفق ، فكيف يبقى لمن له أدنى فهم التأمّل في ذلك؟ ومن هذا ظهر حال الشقّين الآخرين وقطعية فسادهما.

قوله : كما أنّهم كانوا يعيّنون إمام الجماعة والأذان. ( ٤ : ٢١ ).

لا يخفى أنّ المسلمين في زمانه ومن بعده إلى زماننا في الأعصار والأمصار ما كانوا يقتصرون في الجماعة والأذان على المنصوب ، كسائر العبادات ، بخلاف صلاة الجمعة ، فقياسها بهما قياس مع الفارق الظاهر في غاية الظهور.

قوله : وهو مجهول. ( ٤ : ٢٢ ).

لا يخفى أنّه قوي ، بل المحقّق حكم بصحة روايته وحجّيتها (١) ، فتأمّل. مع أنّه قال : روي بعدّة طرق (٢) ، فتأمّل. على أنّ الصدوق رواها بطريق صحيح (٣) ، كما حقّق ، ومنه يظهر أنّه قائل بمضمونه مفت به ، لما‌

__________________

(١) لم نعثر عليه في كتبه.

(٢) المعتبر ٢ : ٢٨٠.

(٣) انظر الفقيه ١ : ٢٦٧ / ١٢٢٢. لا يخفى أن الطريق ضعيف ذكره القهپائي في مجمع الرجال ٧ : ٢٧٨.

١٩٥

ذكر في أوّل كتابه ، ولما ستعرف.

سلّمنا لكن الانجبار بعمل الأصحاب متحقّق ، ومع ذلك ذكر المحقّق ذلك من باب التأييد لا الاستدلال.

وأمّا الإيراد الثاني وإن كان متوجّها ظاهرا ، إلاّ أنّه ربما كان مراد المحقق من التأييد أنّه ربما يظهر من الخبر أنّ وجه اختيار السبعة في أقلّ ما ينعقد به الجمعة أنّ الجمعة من متعلّقات الحكومة ، والحكومة وثمرتها تتحقّق غالبا بوجود هذه السبعة ، ولذا اختير فيها هذا العدد.

مع أنّ توجيه بعض الخبر أو ردّه لا يقتضي ردّ مجموع الخبر عند فقهائنا ، كما مرّ مرارا ومرّ وجهه ، ومدار الشارح وغيره على ذلك ، وإلاّ فيخرج كلّ أخبارنا عن الحجّية أو جلّها.

قوله : على ترك العمل بظاهرها. ( ٤ : ٢٢ ).

ليس كذلك ، لأنّ قدماءنا الذين ذكروا هذا الحديث في المقام من دون تعرّض لتوجيه أو تأويل أو طرح ظاهرهم العمل ، بل ربما يحصل القطع بعدم الطرح ، بل الصدوق في كتاب فتواه صرّح باشتراط مجموع السبعة المذكورة في وجوب صلاة الجمعة ، وأنّه لا بدّ من حضورهم جميعا حتى تجب الجمعة (١) ، فهذا يدل على أنّه في الفقيه أيضا قائل بمضمونه كما أشرنا ، ومسلّم عند المحقّقين سيّما الشارح أنّ ما ذكره في الفقيه فتواه بظاهره ومضمونه ، وهذا يؤيّد أيضا ما ذكرناه من أنّ قدمائنا بل من روى الروايات الدالة على أنّ إمام الجمعة غير إمام الجماعة ، وأنّ أحدهم الإمام ، واستحباب الجمعة ، وغير ذلك من الروايات الدالة على المذهب المشهور‌

__________________

(١) الهداية : ٣٤.

١٩٦

حاله حال راوي هذه الرواية.

قوله : إنّ هذه الرواية خصّت السبعة. ( ٤ : ٢٢ ).

لا دلالة في هذا القول على ما ذكره من إطباق المسلمين كافّة على ترك العمل.

قوله : وهي كالنصّ. ( ٤ : ٢٢ ).

قد عرفت أنّه ليس كذلك ، بل الظاهر منها خلاف ذلك ، فهي بالدلالة على الخلاف أشبه ، بل دليل على الخلاف ، كما مرّ التقريب.

قوله : لأنّه يعدّ من قبيل الألغاز المنافي للحكمة. ( ٤ : ٢٢ ).

لا يخفى أنّه إذا كان معهودا أنّ الخطيب من هو؟ لم يكن فيه إلغاز ، كما هو الشأن في أمثال زماننا في البلاد التي معهود فيها أنّ الخطيب من هو ، وكون إمام الجماعة العادل العارف بمسائل الصلاة والجماعة الذي هو من العرب غير قادر على أقلّ الواجب من الخطبة في غاية الغرابة.

مع أنّه كان اللازم أن يقول : لا بدّ من تحصيل الخطبة والسعي في أدائها بأيّ نحو يكون ، لا أنّه إذا لم يكن من يخطب يصلّي أربعا ، من غير تنبيه على أنّه يفعل كذلك حينئذ ، بل يناسبه تنبيه آخر ، وهو أنّه يجب التحصيل والسعي لما بعد ذلك ، فتأمّل.

قوله : إذ من المعلوم أنّ المراد من الإمام فيها إمام الجماعة. ( ٤ : ١٢٣ ).

لا يخفى أنّ بعض الأخبار ظاهر في أنّ المراد غير إمام الجماعة ، حيث صرّح فيه بأنّه يصلي أربعا وإن كان يصلّي جماعة (١). وفي الفقيه‌

__________________

(١) الوسائل ٧ : ٣١٠ أبواب صلاة الجمعة ب ٥ ح ٣.

١٩٧

قال أبو جعفر عليه‌السلام : « انّما وضع الركعتان اللتان أضافهما النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمكان الخطبتين مع الإمام ، فمن صلّى يوم الجمعة من غير جماعة فليصلّها أربعا كصلاة الظهر في سائر الأيّام » (١).

وأمّا جواز فعلها للنائب فغير مضرّ ، لأنّ فعل النائب فعل المنوب عنه ، فإنّ الحاكم كثيرا من الأحكام التي هي منصبه يوكّل وينيب ولا يباشر بنفسه.

مع أنّه للعلاّمة أن يقول : خرج ما خرج بالدليل وبقي الباقي ، وأنتم في جميع الأخبار والآية لا محيص لكم عن ضمّ هذه المقدّمة ، لدلالتها على الوجوب على غير من اجتمع فيه الشرائط المسلّمة أيضا ، فتدبّر.

قوله : قطعا. ( ٤ : ٢٣ ).

دعوى العلم أوّلا والقطع ثانيا مقطوع بفسادهما ، لأنّ المتبادر من لفظ الإمام على الإطلاق إمام الأصل ، وأمّا مع القرينة فعلى حسب ما اقتضاه القرينة ، وأمّا مع الإضافة فإمام المضاف إليه ، فإن كان المضاف إليه الجماعة فإمام الجماعة ، وإن كان الجمعة فإمام الجمعة ، وحال القرينة الدالة على المضاف حال نفس المضاف إليه.

مع أنّه يظهر من غير واحد من الأخبار أنّ إمام الجماعة غير إمام الجمعة ، مثل رواية سماعة حيث قال : « أمّا مع الإمام فركعتان ، وأمّا من صلّى وحده فأربع وإن صلّوا جماعة » ، ورواية الباقر عليه‌السلام : « فمن صلّى بقوم يوم الجمعة فليصلّها أربعا » بعد قوله : « إنّما وضع. » ورواية ابن‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٦٧ / ١٢١٩ ، الوسائل ٧ : ٣١٢ أبواب صلاة الجمعة ب ٦ ح ١ ، بتفاوت يسير.

١٩٨

مسلم الصحيحة : « يصلّون الجمعة جماعة أربعا إذا لم يكن من يخطب » (١) ورواية الأشعثيات : الجمعة والحكومة لإمام المسلمين (٢) ، ودعاء الصحيفة السجادية (٣) والأخبار الكثيرة الظاهرة في استحباب صلاة الجمعة ، وغير ذلك ، ومرّ الإشارة إلى كثير منها في بحث وجوب صلاة الجمعة.

هذا مع أنّ فهم الفقهاء له مدخلية عظيمة في فهم الأخبار ، لأنّهم الشهود المطّلعون الخبيرون ، وفي كثير من المقامات يكون البناء على فهمهم ، مثل الإقعاء وكيفية الإقامة وغير ذلك ممّا لا يحصى كثرة ، ولا يخفى على المطّلع ، فتأمّل جدّا.

قوله (٤) : واعتبار حضوره. ( ٤ : ٢٣ ).

قد عرفت أنّهم يقولون : إنّه منصب الإمام ومخصوص به وحقّه ، أعمّ من أن يفعل بنفسه ويباشر به أو ينوب آخر منابه ويقيمه مقامه كسائر الأمور التي هي منصبه ، بل ربما لا يمكنه مباشرة الجميع ، لغاية الكثرة ونهاية الوفور إلاّ أنّ الاختيار إليه في اختياره ما يباشره ووكول غيره إلى نائبه ، وفعل النائب فعل المنوب عنه ، مع أنّه ثبت من الإجماع وغيره جواز النائب خاصّة ، فلا تضرّ هذه الأخبار ، كما هو الحال في الأخبار التي استدل بها الشارح على وجوب الجمعة.

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٣٨ / ٦٣٣ ، الاستبصار ١ : ٤١٩ / ١٦١٣ ، الوسائل ٧ : ٣٠٦ أبواب صلاة الجمعة ب ٣ ح ١.

(٢) الأشعثيات : ٤٢ ـ ٤٣ ، المستدرك ٦ : ١٣ أبواب صلاة الجمعة ب ٥ ح ٢ ، بتفاوت.

(٣) الصحيفة السجادية : الدعاء : ٤٨.

(٤) هذه التعليقة ليست في « ب » و « ج » و « د ».

١٩٩

قوله (١) : وجب الاجتماع في الظهر يوم الجمعة. ( ٤ : ٢٣ ).

الوجوب عند المفيد ومن ماثله أعمّ من العيني والتخييري.

قوله : وظاهره عدم الفرق في ذلك بين الأزمان. ( ٤ : ٢٤ ).

( فيه : أنّه لم يتعرّض لاشتراط العدالة أيضا ، مع أنّه تعرّض لذكر جميع ما هو شرط في إمام الجمعة أو أكثره ، بل تعرّض لذكر السلامة من المعرّة ، فما هو الجواب له هو الجواب للفقهاء.

مع أنّ تلامذته رؤساء الفقهاء صرّحوا بإجماع فقهاء الشيعة على اشتراط الإذن والنصب ، والمفيد عندهم أفقه الفقهاء ورئيسهم ومؤسّس مذهب الشيعة ، وإنّه في الواقع أيضا كان كذلك ، مع أنّ تصانيفه غير منحصرة في ما ذكر في الإشراف في خصوص هذا الموضع. مع أنّ الظاهر من كتابه الإرشاد موافقة باقي الفقهاء (٢) ، فلاحظ ، بل في المقنعة أيضا إشارة إليه وإلى أنّ إذنهم حصل بما ورد في الأخبار (٣) على حسب ما نذكر في حاشيتنا على كلام الشهيد. مع أنّ باقي كلامه في الإشراف لم يظهر لنا ، إذ ربما يظهر الموافقة من موضع آخر ) (٤).

__________________

(١) هذه التعليقة ليست في « أ » و « و ».

(٢) الإرشاد ٢ : ٣٤٢.

(٣) المقنعة : ١٦٣ ، ٨١١.

(٤) بدل ما بين القوسين في « ب » و « ج » و « د » : لم يتعرّض لاشتراط العدالة أيضا سيّما مع تعرّضه للسلامة من المعرفة بالحدود ، وخصوصا مع ذكره لجميع ما هو شرط في إمامة سائر الصلوات ، مع أنّ تلامذته مثل الشيخ والسيد وغيرهما صرّحا بأنّ نصب الإمام من شرائط الجمعة بإجماع فقهاء الشيعة ، مع أنّ المفيد عندهم من أعظم فقهاء الشيعة بل مؤسّس مذهبهم ، مع أنّ تصانيفه في ذلك غير منحصر فيما ذكر في الإشراف في خصوص هذا الموضع ، مع أنّ الظاهر من كتابه الإرشاد موافقته للقوم ، ومن مقنعته الإشارة إليه وإلى أنّهم أذنوا ورخّصوا بما ذكروا في أخبارهم على حسب ما سنذكر في حاشيتنا على كلام الشهيد ، مع أنّه ربما كان في كتابه الإشراف أيضا ما يظهر منه الحال في غير ما ذكره الشارح رحمه‌الله.

٢٠٠