الحاشية على مدارك الأحكام - ج ٣

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

الحاشية على مدارك الأحكام - ج ٣

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-171-0
ISBN الدورة:
964-319-168-0

الصفحات: ٤٦٤

مستعجلا في أمر يخاف فوته يجزئك (١) السلام للانصراف ، ولأنّ الظاهر أنّ مراد المعصوم نفي ما التزمه العامّة من أجزاء التشهد (٢) ، كما لا يخفى على الفطن لا نفي السلام أيضا ، ولذا قال ما قال بعد قوله : « قد مضت صلاته » لئلاّ يتوهّم متوهّم عدم لزوم السلام أيضا.

ثمّ إنّه بعد اللتيّا والتي الاستدلال بها على الاستحباب فيه ما فيه ، إذ غاية ما في الباب الإجمال والاضطراب ، وسيجي‌ء تتمّة الكلام.

قوله : قال : « لا بأس عليك ». ( ٣ : ٤٣٠ ).

لا يخفى أنّ هذا الحديث كالأخبار السابقة ظاهره وجوب السلام لا عدم وجوبه ، فإنّ التسليم عليهم غير التسليم في الصلاة ، ينادي هذا الحديث وغيره من الأحاديث بذلك ، منها : رواية أبي بصير التي سيذكرها الشارح رحمه‌الله في شرح قول المصنف الآتي بعد هذا المقام ، وسيجي‌ء عن الشارح أنّ التسليم المخرج في الأخبار هو السلام علينا ، نعم الإجماع واقع على صحة الإخراج بالسلام عليكم ، وسيجي‌ء تمام التحقيق هناك (٣).

قوله : ثم تشهّد. ( ٣ : ٤٣١ ).

لا يخفى على من له أدنى تأمّل أنّ المقام ليس مقام إظهار عدم الإتيان بالسلام الذي هو من السنن الأكيدة والمكمّلات للصلاة ، سيّما بعد الأمر بقراءة قل هو الله أحد ، وقال يا أيّها الكافرون ، ولا شكّ في كونهما من المستحبات ، وكذا الأمر بإتيان آداب خارجة ( عن الصلاة والمكمّلات ) (٤)

__________________

(١) كذا في النسخ ، والمناسب : يجزئه.

(٢) انظر بداية المجتهد لابن رشد ١ : ١٣٠ ، والمجموع للنووي ٣ : ٤٥٥.

(٣) المدارك ٣ : ٤٣٥ ، ويأتي في ص ٧٠٩ ـ ٧١٠.

(٤) بدل ما بين القوسين في « أ » و « و » : من مكملات الصلاة.

١٠١

لأجل استجابة دعواه ، وأنّ الله يقبل طاعته ، بل المراد إمّا الإتيان بالتشهّد وما بعده إلى أن يخرج ، ذكر كذلك مسامحة ، كما هو الحال في ترك ذكر الصلاة على النبي وآله هنا وغيره من الأحاديث ، أو يكون المراد من التشهّد وما بعده مستحبات تؤتى بعد الركعتين بقرينة اتحاد السياق ، وأنّ التعرّض بخصوص التشهد دون سائر واجبات الصلاة لا وجه له. مع أنّه لا وجه للتعرّض لذكر الواجبات هنا ، لأنّ الصلاة ماهيتها معروفة ، فالمهم إظهار كون القراءة فيها كذا ، والدعاء بعدها كذا وكذا.

قوله : أمّا الملازمة فإجماعيّة. ( ٣ : ٤٣١ ).

فيه ما فيه ، فإنّه رحمه‌الله سينقل خلافا عظيما ويختار هو عدم بطلان الصلاة ، فلاحظ وتأمّل.

قوله : فلما رواه زرارة في الصحيح. ( ٣ : ٤٣١ ).

لا يخفى أنّ هذه الرواية مع أنّ في طريقها أبان بن عثمان فالحكم بالصحة محلّ مناقشة. مضافا إلى ما فيها ممّا سيجي‌ء فيها بعد ما نقله الشارح رحمه‌الله أنّه قال عليه‌السلام : « إن كان مع إمام فوجد في بطنه أذى فسلّم في نفسه وقام فقد تمّت صلاته » ولا يخفى ظهور هذا في وجوب التسليم ، وكذا ما في آخر رواية غالب بن عثمان ، فظاهرهما متروك ، ومثل هذا يضرّ الاستدلال عند الشارح رحمه‌الله ومن أسباب المرجوحية عند غيره ، فيمكن ورودهما مورد التقيّة ، مع أنّ رواية غالب تدل على عدم وجوب الصلاة على النبي وآله أيضا ، فمن قال بوجوبها كيف يستدل بها؟

وكذا الكلام في رواية الحسن بن الجهم عن أبي الحسن عليه‌السلام : « أنّ من أحدث بعد ما قال : أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمدا رسول الله لا يعيد‌

١٠٢

الصلاة » (١) ونقل في الذكرى عن صاحب الفاخر أنّ الحدث بعد الشهادتين لا يضرّ ، مع أنّه من القائلين بوجوب التسليم (٢) ، ومستنده هذه الأخبار ، مع بعض الأخبار الواردة في أنّ من أحدث قبل التشهّد لا يعيد الصلاة ، بل يتوضّأ ويتشهّد (٣) ، وسينقل الشارح رحمه‌الله هذه الرواية في بحث تخلّل الحدث في الصلاة (٤) ، وسيجي‌ء تمام التحقيق هناك.

ولا يبعد أن يكون أمثال هذه الروايات واردة على التقيّة ، فإنّ أبا حنيفة جعل الحدث محلّلا للصلاة مخرجا عنها ، كالتسليم (٥).

قوله : فيحدث قبل أن يسلّم. ( ٣ : ٤٣١ ).

سيجي‌ء عن الشارح رحمه‌الله في شرح قول المصنّف الآتي ، أنّ المعهود من التسليم عند الخاصّة والعامّة هو السلام عليكم ، وأنّ الخروج عن الصلاة يتحقّق ب : السلام علينا ، وأنّ المعروف عدّ : السلام علينا ، من التشهّد (٦) ، فلا وجه لاستدلاله بهذه الأخبار على وجوب مطلق السلام ، وسيجي‌ء تمام التحقيق.

مضافا إلى أنّ الاستدلال يتوقّف على القول بكون السلام جزءا ، وصاحب البشرى قائل بالوجوب والخروج (٧) ، ووافقه غيره من المتأخّرين (٨).

ومع ذلك موقوف على كون تخلّل الحدث بين أيّ جزء من أجزاء‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٥٤ / ١٤٦٧ ، الوسائل ٧ : ٢٣٤ أبواب قواطع الصلاة ب ١ ح ٦.

(٢) الذكرى : ٢٠٦.

(٣) الوسائل ٦ : ٤١٠ أبواب التشهّد ب ١٣.

(٤) المدارك ٣ : ٤٥٨.

(٥) انظر بدائع الصنائع ١ : ١٩٤ ، والمحلّى ٣ : ٢٧٦.

(٦) انظر المدارك ٣ : ٤٣٤ ـ ٤٣٧.

(٧) حكاه عنه في الذكرى : ٢٠٨.

(٨) انظر المفاتيح ١ : ١٥٢.

١٠٣

الصلاة مبطلا لها ، وهو أيضا محلّ كلام سيجي‌ء في موضعه (١) إن شاء الله تعالى.

وأيضا هذه الأخبار ليست بصحيحة ، فليس فيها حجّية عند الشارح ، وعند من يقول بحجيّة مثلها يقول بعدم مقاومتها للصحيح ، وهذه الرواية أيضا ليست بصحيحة ، لأنّ في طريقها أبان.

قوله : وجوابه منع المقدّمتين. ( ٣ : ٤٣٢ ).

لا يخفى أنّه كثيرا كان يستدل به ، بل ولا يستدل بغيره ، فكيف يمنع؟ مع أنّ العبادة التوقيفية تحتاج إلى بيان ، وهو إمّا قول أو فعل ، والأوّل مفقود فتعيّن الثاني ، ولا يضرّ ثبوت استحباب بعض أفعالهم من دليل ، ولا يقتضي ذلك رفع الحاجة إلى البيان ، وتمام الكلام في رسالتنا ملحقات الفوائد الحائرية.

قوله : الحديث. ( ٣ : ٤٣٢ ).

والصدوق رواه في العيون عن الرضا عليه‌السلام بتفاوت من المتن.

قوله : بضعف هذا الحديث. ( ٣ : ٤٣٣ ).

لا يخفى أنّ الشارح رحمه‌الله كان يعمل بالحديث الذي يرويه في الفقيه معلّلا بأنّه قال في أوّل كتابه ما قال (٢) ، مع أنّ هذه الرواية رواها الصدوق رحمه‌الله فيه ، والكليني رواها أيضا ، مع أنّه أيضا قال في أوّل كتابه ما قال ، ورواها الشيخ في كتابيه (٣) ، والسيّد ومن وافقه في عدم جواز العمل بخبر ما لم يكن علميا ويقينيا فقد عملوا بها (٤) ، فلا وجه لقدح الشارح رحمه‌الله

__________________

(١) المدارك ٤ : ٢١١.

(٢) انظر المدارك ١ : ١٩٧ ، ٥ : ١٣٣.

(٣) لم نعثر عليها في التهذيب والاستبصار ، وهي موجودة في الخلاف ١ : ٣٧٦.

(٤) الناصريات ( الجوامع الفقه‌ية ) : ١٩٦ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٨.

١٠٤

سيّما مع اعتضاده بأخبار أخر تدل على كون الخروج عن الصلاة بالتسليم.

وفي كتاب العلل حديث يدل على انحصار التحليل في التسليم ، وأنّه واجب (١) ، كما يظهر من أخبار كثيرة أخرى ، كما ستعرف.

ويعضدها أيضا ما رواه في العيون عن الرضا عليه‌السلام في ما كتب للمأمون من محض الإسلام : « ولا يجوز أن تقول في التشهّد الأوّل : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، لأنّ تحليل الصلاة التسليم ، فإذا قلت هذا فقد سلّمت » (٢).

مع أنّ نقلها مرسلا قرينة على الاعتماد والاعتداد ، حيث نسبوا الحكم والقول إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام من دون أن يقولوا : روي عنه ، وخصوصا إذا كانوا يحتجّون بها ويتمسّكون.

وأمّا الدلالة ففي غاية الوضوح ، من دون حاجة إلى وجه الاستدلال المذكور ، لأنّه لو لم يكن واجبا لكان الخروج عن واجبات الصلاة يتحقّق بالتشهّد والصلاة ( وعبدها يتحقّق الحليّة قطعا ، ولا تحريم أصلا جزما ، فالتحليل يتحقّق بالتشهّد والصلاة ) (٣) لا بالتسليم ، إذا لا يبقى شي‌ء حرام على المكلف بعدهما حتى يكون التسليم محلّلا له ورافعا لحرمته.

واستحباب السلام بعد الخروج عن الواجبات لا يقتضي كونه محلّلا لشي‌ء حرام ، بل ينافيه ، لأنّ بقاء التحريم وعدم بقائه متنافيان ، إذ بعد التشهّد والصلاة يحلّ جميع منافيات الصلاة قطعا ، فكيف يتصوّر وقوع التحليل بالتسليم في وجه من الوجوه؟!

__________________

(١) علل الشرائع : ٣٥٩ / ١ ، الوسائل ٦ : ٤١٧ أبواب التسليم ب ١ ح ١١.

(٢) العيون ٢ : ١٢١ ، الوسائل ٦ : ٤١٠ أبواب التشهّد ب ١٢ ح ٣.

(٣) ما بين القوسين ليس في « د ».

١٠٥

ومعلوم قطعا أنّ التحليل حقيقة في رفع الحرام ، والحرام والحلال متضادّان متنافيان بالبديهة ، ألا ترى أنّه بعد التسليم يستحبّ أن يكون المكلّف على هيئة الصلاة مستقبل القبلة طاهرا من الحدث والخبث غير متكلّم ولا آت بشي‌ء من منافيات الصلاة؟ فالبقاء على حال الصلاة بعنوان الاستحباب يكون بعد التسليم قطعا ، ولا محلّل بعد ذلك ولا يمكن ، وحال قبل التسليم وبعد الصلاة حال بعد التسليم عند القائل باستحبابه في ارتفاع الحرمة وحصول الحلّية ، وتحصيل الحاصل من المحالات بالبديهة.

وبالجملة : القول باستحباب التسليم يقتضي ما ذكرناه ، وأدلة القول بالاستحباب أيضا يقتضي ذلك ، ولا دليل لهم سواها ، وسيجي‌ء تمام الكلام في الشرح الآتي.

وممّا يدل على الوجوب أو يؤيّده أمرهم عليه‌السلام في الأخبار بالتسليم قبل صلاة الاحتياط فيما إذا شكّ المصلي بين الثنتين وما زاد (١) ، لأنّ الاحتياط معرض لأن يكون تتمّة الصلاة إذا اتفق وقوعها ناقصة ، بل وإذا ذكر النقصان أيضا بعد الاحتياط ، ولا يجوز أن يتحقّق السلام في أثناء الصلاة مع عدم الاضطرار إليه ، سيّما في صورة الشك بين الثنتين والأربع ، وقد ورد في الأخبار أنّ البناء على الأكثر والإتيان بالاحتياط من أنّه لو كانت تامّة تكون هذه نافلة ، ولو كانت ناقصة تكون تتمّتها (٢) ، فتأمّل جدّا.

وممّا يؤيّد أيضا الأمر بقضاء الأجزاء المنسية بعد التسليم (٣).

وممّا يدل ورود الأمر بالتسليم في أخبار لا تحصى بلغت مبلغ التواتر‌

__________________

(١) انظر الوسائل ٨ : ٢١٢ ـ ٢١٩ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٨ ، ٩ ، ١٠ ، ١١.

(٢) الوسائل ٨ : ٢١٩ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١١.

(٣) الوسائل ٨ : ٢٤٤ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٦.

١٠٦

وتزيد ، واردة في موارد الشكّ والسهو وقضاء الفوائت ، وأدعية التعقيب ، وجميع الصلوات إلاّ صلاة الميت. وبالجملة : مواضع الذكر لا تحصى فضلا عن الأحاديث. ( وصحيحها في غاية الكثرة فضلا عن غير الصحيح ، وغير الصحيح أكثرها معتبر ، والأمر حقيقة في الوجوب ، والدلالة يعضد بعضها بعضا ) (١).

قوله : وثانيا أنّ ما قرّر في إفادة الحصر غير تامّ. ( ٣ : ٤٣٣ ).

قد عرفت أنّه لا حاجة إلى دعوى الحصر ، بل في الجملة كاف ، مع أنّه لا قائل بالفصل ، لأنّ القائل بالاستحباب يقول بحلّية فعل المنافي قبل التسليم قطعا.

مع أنّ السياق والمقايسة قرينة الحصر ، لأنّ المحرّم منحصر في التكبير بلا شبهة ، وكذا المفتاح في الطهور على الظاهر ، والشارح رحمه‌الله يعتمد على مثلها.

مع أنّ العلماء شنّعوا على أبي حنيفة بأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « تحليل الصلاة بالتسليم » وأنت تعدّيت وجعلت فعل المنافي مثل الضرطة تحليلا أيضا.

مع أنّ الحصر ظاهر ، لأنّ ظاهره أنّ التحليل من حيث هو هو ومن حيث إنّه تحليل منحصر في التسليم ، وإضافة المصدر حيث لا عهد تفيد العموم عند المحققين ، وصحة الاستثناء أيضا دليل ، وأهل العرف يفهمون كذلك بلا شبهة ، والبناء في الفقه على العموم بلا تأمّل ، وطريقة الشارح رحمه‌الله وغيره التمسك بالمطلقات على العموم ، فضلا عن مثل هذا المطلق ، لأنّ‌

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « ب » و « ج » و « د ».

١٠٧

ظاهر هذه الإضافة وحقيقتها كونها للجنس ، لأنّ لفظ المصدر اسم لجنس المصدر وطبيعته من حيث هي هي ، من دون خصوصية فرد ، لأنّ خصوصيته أمر زائد عن مفهومه. والإضافة في الإشارة والتعريف وكون الجنس منحصرا في شي‌ء إفادتها للحصر أظهر من أن يخفى. مع أنّه مر عن الشارح رحمه‌الله أنّ العهد الذهني يخرج كلام الحكيم عن الفائدة ، والخارجي موقوف على سبق معهود (١).

ومما ذكر ظهر فساد الاعتراض الذي ارتكبه صاحب الذخيرة من أنّ التحليل يتحقّق بفعل المنافي للصلاة وإن كان ذلك الفعل حراما ، فحينئذ لا بدّ من تأويل التحليل بالتحليل الذي قرّره الشارع ، وحينئذ كما أمكن إرادة التحليل الذي على سبيل الوجوب أمكن إرادة التحليل الذي قرّره على سبيل الاستحباب ، وليس للأوّل على الأخير ترجيح واضح (٢). انتهى.

وفيه : أنّ التحليل عبارة عن شي‌ء يحلّل فعل المنافي ، لأنّ الحرام ليس إلاّ الفعل المنافي ، وهو المحتاج إلى ما يحلّله شرعا ، وظاهر المحلّل الشرعي للفعل المنافي والمتبادر منه أنّه غير المنافي.

على أنّا قد أشرنا إلى تشنيع جميع العلماء على أبي حنيفة لجعل المنافي داخلا في تحليل الصلاة ، حتّى أنّ الحنيفة أيضا وقعوا في الخزي والخجالة والفضيحة من هذه الشنيعة ، ورجع بعضهم عن مذهبه ، واختار مذهب الشافعية لخصوص هذه الشنيعة ، وما قدر الباقون الذبّ عنه (٣).

وأيضا تحليل الصلاة غير تخريب الصلاة وإبطالها ، فإنّ الظاهر منها‌

__________________

(١) لاحظ المدارك ٣ : ٣٤٨.

(٢) الذخيرة : ٢٩٠.

(٣) انظر وفيات الأعيان ٥ : ١٨٠.

١٠٨

أن تكون الصلاة صلاة وهو محلّلها لا أن [ لا ] (١) تكون الصلاة صلاة بل تكون لغوا محضا ، بل حراما موجبا لدخول النار ، ولا شكّ في أنّ المراد من الصلاة هنا الصلاة الصحيحة ، وإن قلنا بأنّ الصلاة اسم للأعمّ ، لأنّ الصحيحة هي التي تحتاج إلى محلّل ومحرّم ومفتاح.

وقوله : فلا بدّ من تأويل. فيه : أنّه أيضا من المسلّمات أنّه إذا تعذّر الحقيقة فعلى أقرب المجازات ، وجميع ما قرّر هو الأقرب ، وعندكم أنّ المحلّل على سبيل الوجوب هو التشهّد والصلاة بحسب المقرّر الشرعي. مع أنّ التحليل على سبيل الاستحباب لا معنى له ، كما عرفت من أنّ التحليل رفع الحرمة ، لأنّ الحلّ في مقابل الحرام ، ولا حرمة عندكم بعد التشهّد والصلاة ، ولو بقي حرمة فلا معنى لجعل التسليم مستحبا لإزالتها ، وأنّه لو لم يسلّم يرتفع الحرمة من غير محلّل. سلّمنا لكنّ المحلّل على سبيل الوجوب أقرب إلى كونه محلّلا من المحلّل على سبيل الاستحباب.

ثم لا يخفى أنّه ممّا يدل على وجوب التسليم ـ مضافا إلى ما ذكره الشارح رحمه‌الله وما ذكرنا وأشرنا إليه من الأخبار المتواترة ـ وما ورد عنهم عليه‌السلام أنّ علّة وجوب التسليم في الصلاة كذا وكذا (٢) ، فلاحظ ، وما ورد من النهي عن الترك (٣) ، وما ورد من إجزاء تسليمة واحدة (٤) ، إلى غير ذلك ممّا ستعرف.

ويدل أيضا الموثق كالصحيح ، عن أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام : « إذا نسي الرجل أن يسلّم فإذا ولّى وجهه عن القبلة وقال : السلام علينا وعلى‌

__________________

(١) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المعنى.

(٢) الوسائل ٦ : ٤١٥ أبواب التسليم ب ١.

(٣) التهذيب ٢ : ٩٣ / ٣٤٩ ، الوسائل ٦ : ٤٢١ أبواب التسليم ب ٢ ح ٨.

(٤) التهذيب ٢ : ٩٢ / ٣٤٥ ، الوسائل ٦ : ٤١٩ أبواب التسليم ب ٢ ح ٣.

١٠٩

عباد الله الصالحين ، فقد فرغ من صلاته » (١). وورد أنّ تسليم الإمام يجزي عن المأموم إذا نسي (٢).

قوله : والعهد الذهني والخارجي. ( ٣ : ٤٣٣ ).

قد عرفت أنّه على تقدير كون الإضافة للعهد الذهني أو الخارجي يكفي ، لتمامية الاستدلال بعدم القول بالفصل ، وأنّ كونها للجنس لا شبهة في إفادته للحصر.

قوله : وبأنّ من جملة رجاله عثمان بن عيسى. ( ٣ : ٤٣٣ ).

لا يخفى أنّه ممّن أجمعت العصابة ، وقال الشيخ في العدّة ما قال (٣) ، وسماعة قال النجاشي : ثقة ثقة ، وغير ذلك من غير تعرّض للوقف (٤) ، واشتراك أبي بصير بين ثقات ثلاثة أو ثقتين وموثق ، والأوّل أصحّ كما حقّقنا في الرجال (٥).

قوله : آخر أفعال الصلاة. ( ٣ : ٤٣٣ ).

لا شكّ في كون الظاهر منها أنّه آخر الواجبات ، إذا لا معنى للتعليل بكون السلام مستحبا للصلاة وجائز الترك له للحكم بوجوب الخروج وغسل الأنف وإتمام الصلاة.

ومتروكية الظاهر لا تضر المستدل ، لتقييدهم بعدم تحقّق المنافي ، وهذا لا يوجب خروج الحديث عن الحجيّة ، وإلاّ لخرج جلّ الأحاديث عن الحجّية مثل العامّ المخصّص ، والمطلق المقيّد وغير ذلك ، مع أنّ الشارح رحمه‌الله

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٥٩ / ٦٢٦ ، الوسائل ٦ : ٤٢٣ أبواب التسليم ب ٣ ح ١.

(٢) التهذيب ٢ : ١٦٠ / ٦٢٧ ، الوسائل ٦ : ٦٢٤ أبواب التسليم ب ٣ ح ٣.

(٣) عدّة الأصول : ٣٨١.

(٤) رجال النجاشي : ١٩٣.

(٥) تعليقات الوحيد على منهج المقال : ٣٧١.

١١٠

لا يقول بوجوب وجود القائل بمضمون الحديث في حجيّته ، فتأمّل.

قوله (١) : فإنّ الأفعال تشمل الواجب والمندوب. ( ٣ : ٤٣٣ ).

لا يخفى فساده ، لأنّ قوله عليه‌السلام : « فإنّ آخر الصلاة التسليم » تعليل لأمره بإتمام الصلاة ، بأن يتشهّد ويصلّي على النبي وآله ويسلّم ، ولا شكّ في وجوب التشهّد والصلاة عليه وعلى آله ، والمستحب كيف يصير علّة للواجب؟ بل يصير [ علّته ] (٢) عدم الإتيان بالتشهّد والصلاتين. وفيه ما فيه.

مع أنّ المتبادر من أوّل الشي‌ء ووسطه وآخره جزؤه الذي لا يتحقّق إلاّ به جزما ، مثلا : المتبادر من آخر الوضوء على الإطلاق ليس إلاّ مسح الرجل لا الدعاء أو عقيبه.

قوله : إذ الظاهر من مذهب القائل بالاستحباب. ( ٣ : ٤٣٤ ).

ومقتضى أدلته أيضا ، فلو لم يكن قائلا بمضمونها لكان قوله قولا من غير دليل ، بل ومخالفا لجميع الأدلة ، وتكون الأدلة الدالة على وجوبه والدالة على استحبابه بأجمعها حجّة عليه ، مع أنّه على القول بالاستحباب لا وجه للقول بخلاف ذلك ، كما نبّهنا عليه في ما سبق ، فتأمّل.

قوله : ويمكن أن يقال. ( ٣ : ٤٣٤ ).

فيه : أنّ ما ذكره لا نفع فيه أصلا ، لأنّه كثيرا مّا يقول بأنّ النهي تعلّق بأمر خارج عن الصلاة ، فلا يقتضي بطلانها ، منه ما عرفت في بحث الوضوء ثلاثا ثلاثا (٣). وحال هذا حال من زاد ركعة بعد التشهّد والتسليم معا ، فإنّه بعد التسليم برأت ذمّته وخرج عن عهدة التكليف ، والزيادة أمر‌

__________________

(١) هذه الحاشية ليست في « أ ».

(٢) في النسخ : علّة ، والظاهر ما أثبتناه.

(٣) انظر المدارك ١ : ٢٣٤ و ٢ : ٢٠٣ و ٣ : ٣٧٣.

١١١

خارج عن المكلّف به ، ففعلها حرام إن كان من تقصير المكلّف ، فلو كان نسيانا لا يكون حراما ، وكذا جهلا عند الشارح في كلّ موضع ، وعند المشهور في مواضع مخصوصة ، منها الإتمام في موضع القصر ومعلوم أنّ حال الساهي ( والمتعمّد ) (١) في المسألتين واحد ، فلا وجه للفرق. والبناء على التمام من أول الصلاة سواء كان تعمّدا أو جهلا أو نسيانا إن كان مبطلا يكون كذلك في المسألتين.

مع أنّ الشارح رحمه‌الله يتأمّل في فساد العبادة بمخالفة النيّة للواقع إذا كانت مشتملة على قصد القربة والتعيين (٢). فالعذر لا ينفع الشارح ولا غيره ، لأنّهم يقولون بالبطلان عمدا وسهوا أو عمدا في مسألة المسافر ، وأمّا جهلا فيحكمون بالصحة البتّة ، وفي المسألة الثانية يحكمون بالصحة مطلقا ، مع أنّهم يقولون بعدم معذورية الجاهل في هذه المسألة أيضا ، بخلاف المسألة الأولى ، فالمراد في المسألة الأولى المتعمّد أو الناسي مطلقا أو في الوقت.

وكيف كان ، كلامهم مطلق غير مختص بما ذكره ، وكذا كلامهم في الثانية مطلق ، وتخصيص كلامهم ـ في الأولى بما ذكره وفي الثانية بما إذا لم يقع شي‌ء من صلاته ولو كان جزءا من التشهّد أو الصلاة على النبي وآله بنيّة غير مطابقة للواقع ، ووقع الجميع بنيّة مطابقة له إلاّ أنّه تجدّد النيّة بعد الفراغ من جميع الواجبات ـ تحكّم فاسد البتّة.

مضافا إلى أنّهم في صدد بيان حكم المسألة في الأولى والثانية ، فلا وجه لعدم التعرّض إلى بعض صورها ، مع أنّ عادتهم بيان حكم‌

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « ب » و « ج » و « د ».

(٢) انظر المدارك ١ : ١٨٩ ، ١٩٤.

١١٢

الجميع ، مع أنّهم في الأولى كيف تعرّضوا لحكم ما إذا وقع العبادة أو شي‌ء منها على ذلك الوجه؟ ولم يتعرّضوا لحكم ما إذا لم يقع؟ وفي الثانية جعلوا أمرهم بالعكس؟ فهذا أيضا تحكّم آخر.

ثمّ لا يخفى أنّ اقتصار الشارح رحمه‌الله على هذه الأدلة لا وجه له ، لأنّ أدلة الموجبين كثيرة.

منها : ما سنذكره في المسألة الآتية.

ومنها : ما ذكرناه في صدر المسألة.

ومن أدلتهم الاستصحاب ، وهو كونهم في الصلاة وحرمة منافياتها عليهم حتى يثبت خلافه.

ومنها : استصحاب اشتغال ذمّتهم حتى يثبت المخرج.

ومنها : ورود الأمر بالتسليم في أخبار كثيرة ، منها صحيحة (١) ، والأمر حقيقة في الوجوب.

ومنها : أنّه ورد بلفظ الإجزاء الظاهر في أقلّ الواجب ، مثل صحيحة عبد الحميد بن عواض عن الصادق عليه‌السلام : « إن كنت تؤمّ قوما أجزأك تسليمة » ، الحديث (٢).

ومنها : ورود النهي عن تركه ، مثل ما في رواية أبي بصير عنه عليه‌السلام : « لا تدع التسليم على يمينك » الحديث (٣). فلاحظ وتأمّل.

ويشهد عليه موثقة عمار عن الصادق عليه‌السلام : سأله عن التسليم ما هو؟ قال : « إذن » (٤) وظاهره أنّه لا إذن قبل التسليم ، لأنّه لولا التسليم لا يكون إذن.

__________________

(١) راجع ص ١٠٩.

(٢) التهذيب ٢ : ٩٢ / ٣٤٥ ، الوسائل ٦ : ٤١٩ أبواب التسليم ب ٢ ح ٣.

(٣) التهذيب ٢ : ٩٣ / ٣٤٩ ، الوسائل ٦ : ٤٢١ أبواب التسليم ب ٢ ح ٨.

(٤) التهذيب ٢ : ٣١٧ / ١٢٩٦ ، الوسائل ٦ : ٤١٦ أبواب التسليم ب ١ ح ٧.

١١٣

ويدل عليه أيضا الأخبار الدالة على أنّ المسافر إذ أتمّ يعيد الصلاة (١) ، وكذا من زاد في صلاته (٢).

وفي صلاة ذات الرقاع في الصحيح : « فصار للأوّلين التكبير ، وللآخرين التسليم » (٣) وهذا أيضا في غاية الظهور في وجوبه. ومرّ أيضا ما يدل عليه وسيجي‌ء أيضا.

قوله : فذهب الأكثر إلى تعيّن : السلام عليكم ، للخروج. ( ٣ : ٤٣٤ ).

قد ذكرنا في المسألة السابقة عبارة عن الشيخ تدل على اتفاق الشيعة على أنّ الخروج عن الصلاة يتحقّق ب : السلام علينا ، فلاحظ ، بل ذكرنا أنّ ذلك شعارهم (٤).

قوله : من حيث لا يشعر قائله. ( ٣ : ٤٣٥ ).

قد عرفت فساد كلام الشهيد ، وأنّ الخروج ب : السلام علينا ، إجماعي عند الشيعة ، وشعارهم ذلك.

قوله : نقله جماعة. ( ٣ : ٤٣٥ ).

لا يخفى أنّه في الغالب يطعن على الإجماع المنقول بأنّه خبر مرسل إن أرادوا النقل إليهم من زمان الأئمّة عليه‌السلام ، وإن أرادوا التحقّق في زمان الناقل فبعدم العلم بقول المعصوم عليه‌السلام ، لتوقّفه على العلم بمجهول النسب ، وهو محال عادة ، مع أنّ هذا الإجماع مخالف لظواهر أخبار كثيرة ، لكن‌

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٥٠٥ أبواب صلاة المسافر ب ١٧.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٣١ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٩.

(٣) التهذيب ٣ : ٣٠١ / ٩١٧ ، الوسائل ٨ : ٤٣٦ أبواب صلاة الخوف ب ٢ ح ٢.

(٤) راجع ص ٩٤ ـ ٩٥.

١١٤

أجبنا عمّا ذكره في كلا الشقّين.

قوله : « وإن قلت : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، فقد انصرفت ». ( ٣ : ٤٣٥ ).

مفهومه أنّه إن لم يقل : السلام علينا ، كان داخلا في الصلاة ، وظاهر هذا حرمة المنافيات عليه ، فيكون ظاهره منافيا للقول باستحباب التسليم ، ودليلا على وجوب السلام للخروج عن الصلاة وتحقّق التحليل ، وشاهدا على أنّ المراد من الانصراف في صحيحة محمد بن مسلم (١) وما وافقها (٢) هو التسليم ، وأنّ التحليل منحصر في التسليم ، كما مرّ.

قوله : « فإذا قلت ذلك. » ( ٣ : ٤٣٦ ).

أيضا يدل على وجوب التسليم ، بالتقريب الذي تقدّم.

قوله : وتحليلها التسليم. ( ٣ : ٤٣٦ ).

المراد من التسليم في قوله : « وتحليلها التسليم » هو : السلام عليكم ، ولما كان ظاهر الرواية الحصر ـ كما عرفت ، وبناء القوم أيضا عليه ، خصوصا المشهور منهم ـ لزم كون : السلام علينا ، غير مخرج ، ولمّا ثبت من الأخبار كونه أيضا مخرجا ثبت كون التسليم هنا بالمعنى الأعمّ.

وعلى تقدير القول بعدم الحصر نقول : لا وجه للتعرض لخصوص : السلام عليكم ، مع أنّ المتعارف بين العامّة والخاصّة تقديم : السلام علينا ، بحيث لا تأمّل فيه ، وكذا مداومتهم في القول ، ولأجل ذلك ورد في الأخبار اشتراط الخروج : السلام علينا ، فالمناسب التعرّض لذكر : السلام علينا ، بل اللازم ذلك ، ولذا ورد في الأخبار كذلك.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٠١ / ٣٧٩ ، الوسائل ٦ : ٣٩٧. أبواب التشهّد ب ٤ ح ٤.

(٢) راجع ص ٩٦ ـ ٩٨.

١١٥

وما ورد في بعض الأخبار من قوله : « ويسلّم » بعد « السلام علينا » (١) فلا شبهة في أنّه ليس السلام المحلّل ، لوقوعه خارجا عن الصلاة ، وأنّ المحلّل هو : السلام علينا.

وبالجملة : المستفاد من تتبّع الأخبار أنّ السلام المحلّل المخرج هو : السلام علينا ، ولو ثبت إجماع على كون : السلام عليكم ، أيضا يصير محلّلا فلا شبهة في أنّه خلاف ما يظهر من تتّبع الأحاديث ، والمستفاد منها كون التسليم اسما للخارج الذي لا يحلّل ، لو تمّ ما ذكره.

مع أنّ رواية أبي بصير نصّ في فساد ما ذكره ، حيث أتى بكلمة الحصر ولفظ التسليم ، وجعله أعمّ من : السلام على النبي ، و : السلام علينا ، من دون ذكر : السلام عليكم ، بل وصرّح بانقطاع الصلاة ب : السلام علينا ، وأنّ : السلام عليكم ، لا دخل له في التحليل ، بل هو إذن (٢) الامام للمأموم والمأموم للآخر ، وتسليم بعضهم على بعض ، ولذا لم يذكر للمنفرد أنّه يقول : السلام عليكم ، بل اكتفى له ب : السلام علينا.

ومثلها موثقة يونس بن يعقوب المتقدّمة (٣) وغيرها من الأخبار ، وسندها أحسن من الرواية التي ذكرها ، في أنّه عليه‌السلام قال : « ويسلّم » بعد : السلام علينا ، ويمكن حملها على المأموم ، ( أو الإمام (٤) ، أو أنّه عليه‌السلام ذكر ذلك جريا على العادة المتعارفة بينهم الناشئة من العامّة من أنّ السلام هو : السلام عليكم ، فقط ، لا : السلام علينا ، وهذا هو الأظهر ، لأنّه ورد في غير‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٩٩ / ٣٧٣ ، الوسائل ٦ : ٣٩٣ أبواب التشهّد ب ٣ ح ٢.

(٢) في « أ » و « و » : أذان.

(٣) في المدارك ٣ : ٤٣٠.

(٤) ما بين القوسين ليس في « ج ».

١١٦

واحد من الأخبار أنّ الإمام يسلّم واحدة ، والمنفرد كذلك ، والمأموم تسليمتين (١) ، فتأمّل جدّا.

قوله : ثمّ يقال : ويسلّم. ( ٣ : ٤٣٧ ).

في صحيحة سليمان بن خالد عن الصادق عليه‌السلام : في الرجل نسي أن يجلس في الركعتين الأوّلتين ـ إلى أن قال ـ : « فليتمّ الصلاة حتى إذا فرغ فليسلّم ، وليسجد سجدتي السهو » (٢).

وعن الحسين بن أبي العلاء عنه عليه‌السلام ، في الرجل يصلّي الركعتين ـ إلى أن قال ـ : « وليتمّ صلاة ثمّ يسلّم وليسجد سجدتي السهو » (٣) ، إلى غير ذلك ، وهذه تدل على وجوب السلام ، وظاهرها خروجه عن الصلاة ، كما قال به جمع (٤) ، وقال المرتضى : لم أجد لأصحابنا فيه ـ أي الخروج أو الدخول ـ نصّا ، ويقوى عندي أنّها من الصّلاة (٥) ، انتهى.

لكن يظهر من غير واحد من الأخبار أنّها داخلة ، فلا بدّ من توجيه أحد الطرفين ، أو البناء على أنّ السلام المخرج داخل ، والمعهود إن وقع بعد : السلام علينا ، كما هو المعهود المتعارف يكون خارجا ، وإنّ هذا صار منشأ لتوهّم الخروج أو الاستحباب ، وإلاّ فالسلام المخرج لازم على أيّ حال ، لأن تحليلها التسليم ، كما مرّ ، فتأمّل جدّا.

قوله : وقد ثبت كونه قاطعا للصلاة. ( ٣ : ٤٣٧ ).

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٤١٩ أبواب التسليم ب ٢.

(٢) التهذيب ٢ : ١٥٨ / ٦١٨ ، الوسائل ٦ : ٤٠٢ أبواب التشهّد ب ٧ ح ٣.

(٣) التهذيب ٢ : ١٥٩ / ٦٢٣ ، الوسائل ٦ : ٤٠٣ أبواب التشهّد ب ٧ ح ٥.

(٤) منهم الشهيد في القواعد والفوائد ٢ : ٣٠٦ ، والكاشاني في المفاتيح ١ : ١٥٢ ، وانظر الحبل المتين : ٢٥٤.

(٥) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ١٩٥.

١١٧

إن أراد القاطعية بعنوان الفساد فلا نسلّم الثبوت ، بل الثابت خلافه بلا تأمّل. وإن أراد بعنوان الصحة والخروج عن الصلاة الصحيح فهو أحد الأقوال والمذهب الحق ، فلا وقع لهذا الاعتراض في هذا المقام. وإن أراد أنّه ينافي الاحتياط فهو فاسد بالبديهة ، لأنّ ما ذكره صحيح باتفاق العلماء واتفاق الأخبار ، ولم يظهر من خبر فساده ، ولم نجد قائلا به أصلا ، فإنّ القائل بأنّ الخروج يتحقّق ب : السلام عليكم ، خاصّة يقول بصحة هذه الصورة قطعا ، وأدائها شرعا.

وإن كان إشكالها مبنيا على القول بوجوب نيّة الوجه أو الخروج فلا وجه لما علّل به من قوله : وقد ثبت. ، ومع ذلك يكون الاحتياط منحصرا في ما ذكره الشهيد رحمه‌الله بلا شبهة ، وقصد الوجه والخروج في مقام الاحتياط إمّا معفوّ عنه ، أو يكفي قصد الترديد ، أو قصد الخروج عن الشبهات مهما أمكن ، وإلاّ لم يتحقّق احتياط أصلا بناء على ما ذكر ، مع أنّ الاحتياط أحسن عند الكلّ بلا شبهة ، ومدار الشارح وجميع المحقّقين على ذلك.

قوله : وبه قال ابن بابويه وابن أبي عقيل. ( ٣ : ٤٣٧ ).

في دلالة عبارتهما على الوجوب فتأمّل.

قوله : وروى ابن بابويه في الصحيح. ( ٣ : ٤٤١ )

في الاستدلال بها نظر ظاهر ، بل بغيرها أيضا ، بعد ما قال : إنّ الإطلاق ينصرف إلى الفرائض.

ثم الظاهر من الرواية المذكورة كون الأولى تكبيرة الافتتاح ، ومن الفقه الرضوي كون الأخيرة تكبيرة الافتتاح (١) ، ولذا قال بعض الأصحاب :

__________________

(١) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٠٥.

١١٨

الأولى جعلها الأخيرة (١). ويستفاد من أكثر الأخبار كون المجموع تكبيرة الافتتاح ، وأنّ المكلّف مخيّر بين جعلها واحدة أو ثلاثا أو خمسا أو سبعا ، من غير تعيين في خصوص تكبيرة الافتتاح ، ومقتضى ذلك كون الأولى هي الفريضة ، لتحقّق الامتثال والخروج عن العهدة بها. فتأمّل جدّا.

قوله : باشتراك أبي بصير بين الثقة والضعيف. ( ٣ : ٤٤٧ ).

لا ضعف من جهة اشتراكه ، لأنّه إمّا المرادي الثقة الجليل ، أو يحيى ابن القاسم ، وهو أيضا ثقة عدل إمامي ، كما حقّقته في الرجال بحيث لم يبق شبهة ، وأنّ الواقفي غيره بلا شبهة (٢) ، مع أنّ الشهرة تكفي للجبر.

قوله : قضاه بعد الفراغ. ( ٣ : ٤٤٨ ).

لعل دليله قوله : « ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه » (٣) ، و « إذا أمرتكم بشي‌ء فأتوا منه ما استطعتم » (٤) ، ويؤيّده أيضا عدم القول بالفصل بين إتيانه بعد ركوع الأولى أو الثانية أو الثالثة ، فتأمّل.

قوله : بالتخيير بين الأمرين. ( ٣ : ٤٤٩ ).

ليس كذلك ، بل العمل برواية زرارة متعيّن ، لأنّه قوله المعصوم عليه‌السلام صريحا ، بخلاف نقل حماد ، إذ لعله كان متوهّما ، لأنّ النظر إلى ما بين الرجلين إذا كان بحالة الخشوع ربما يورث الاشتباه ، ويؤيّده أيضا عموم المنع عن التغميض ، كما مرّ (٥).

__________________

(١) كالشيخ في المبسوط ١ : ١٠٤ ، والكركي في جامع المقاصد ٢ : ٢٣٩ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ٢٦٠.

(٢) تعليقات الوحيد على منهج المقال : ٣٧١.

(٣) عوالي اللآلئ ٤ : ٥٨ / ٢٠٧.

(٤) عوالي اللآلئ ٤ : ٥٨ / ٢٠٦.

(٥) المدارك ٣ : ٤٤٩.

١١٩

قوله : بما روي من الأدعية. ( ٣ : ٤٥٢ ).

في الفقه الرضوي : « فإذا فرغت من صلاتك فارفع يديك وأنت جالس ، فكبّر ثلاثا ، وقل : لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له أنجز وعده » (١) إلى آخر الدعاء المشهور.

وفي رواية مفضل بن عمر عن الصادق عليه‌السلام : « أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا فتح مكّة صلّى الظهر عند الحجر الأسود ، فلمّا سلّم كبّر ثلاثا وقال : لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له. » ونقله الصدوق رحمه‌الله في الفقيه (٢) أيضا « ثم أقبل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليهم وقال : لا تدعوا هذا التكبير وهذا القول في دبر كلّ مكتوبة ، فإنّ من فعل ذلك وقال هذه القول كان قد أدّى ما يجب عليه من شكر الله تعالى على تقوية الإسلام وجنده » (٣).

قوله : ربما ظهر من كلام ابن بابويه تقديم التسبيح على التحميد. ( ٣ : ٤٥٣ ).

نقل في الفقيه ذلك نسخة ، والنسخة الأخرى على وفق المشهور ، ثم روى عن أمير المؤمنين عليه‌السلام حكاية تعليم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذه التسبيحة له ولفاطمة عليهما‌السلام ، والحكاية مشهورة ، وفي آخر الرواية هكذا : « إذا أخذتما منامكما فكبّرا أربعا وثلاثين تكبيرة وسبّحا ثلاثا وثلاثين تسبيحة واحمدا ثلاثا وثلاثين تحميدة » الحديث (٤).

وكتب جدّي رحمه‌الله : روى الصدوق هذا الحديث مسندا في كتبه عن رجال العامّة ، واعتمد عليه في الترتيب ، وعلى تقدير صحته يمكن القول به‌

__________________

(١) فقه الرضا عليه‌السلام : ١١٥ ، المستدرك ٥ : ٥١ أبواب التعقيب ب ١٢ ح ١.

(٢) الفقيه ١ : ٢١٠ / ٩٤٥.

(٣) علل الشرائع : ٣٦٠ / ١ ، الوسائل ٦ : ٤٥٢ أبواب التعقيب ب ١٤ ح ٢.

(٤) الفقيه ١ : ٢١١ / ٩٤٧ ، الوسائل ٦ : ٤٤٦ أبواب التعقيب ب ١١ ح ٢.

١٢٠