جواهر الكلام - ج ٣٢

الشيخ محمّد حسن النّجفي

ودفعه في المختلف بأن « مقصود الشيخ في المسألة الأولى قبول الطلاق والعتق للإيقاف بالمشيئة ، فيبطل الإيقاع ، ولو لم يقبلاه كان الاستثناء باطلا ، ويكون الطلاق والعتق ماضيين وهو باطل إجماعا منا ، ومقصوده في المسألة الثانية بعدم دخوله فيهما أنه يوقف حكم الطلاق والعتاق ويبطلان معه ، فلا يبقى للدخول مع صحتهما إمكان ».

وفي التنقيح « الأحسن في توجيه كلام الشيخ أن نقول : إن الاستثناء يدخل في الطلاق والعتاق على وجه ولا يدخل على وجه آخر ، فالأولى إبطالهما به ، كما هو رأي الأصحاب ، والوجه الثاني عدم توقيفهما ، كما هو رأى المخالفين » والجميع كما ترى ، والتحقيق ما عرفت.

بل الظاهر عدم قبول غير المستقبل المستفاد من قوله تعالى (١) ( وَلا تَقُولَنَّ ) إلى آخره للتعليق بالمشيئة ، إذ لا معنى لتعليق الواقع في الماضي ، ومنه الإقرار بحق سابق ، كما أنه لا معنى لتعليق الأسباب الشرعية التي شاء الله تعالى تسبيها على المشيئة كما عرفت ، وجعل هذا من التوصيف المقارن الذي ستعرف البحث فيه ينافي جعل المسألة ( المشيئة خ ل ) عنوانا وتخصيص الأمور المزبورة بها ، كما هو واضح ، والله العالم.

ولو فسر الطلقة باثنتين أو ثلاث لم يقع ذلك عندنا بلا خلاف ، بل الإجماع بقسميه عليه ، بل كأنه من ضروري مذهب الشيعة ، وكذا لو كرر الصيغة مرتين أو ثلاثا قاصدا لتعدد الطلاق ، نعم هو كذلك عند العامة على نحو غيره مما أبدعوه في الطلاق.

نعم لا خلاف بيننا في وقوع الواحدة في الصورة الثانية ، كما أنه لا إشكال فيه أيضا بل الإجماع بقسميه عليه.

أما الأولى فـ ( قيل ) والقائل المرتضى في المحكي من انتصاره وإن كنا لم نتحققه وابنا أبي عقيل وحمزة وسلار ويحيى بن سعيد يبطل الطلاق من أصله ،

__________________

(١) سورة الكهف : ١٨ ـ الآية ٢٣.

٨١

للشك في زوال النكاح بذلك بعد ما سمعت من نصوص (١) حصر الطلاق الصحيح بالمجرد عن ذلك الذي يمكن إرادة التعريض به ، لمعروفيته عند العامة كالتنجيز والتعيين المعروف خلافهما عندهم ، ولأنه بالتفسير المذكور يكون المقصود الطلاق البدعي الذي هو الثلاث بقول : « ثلاثا » المنافي لقوله تعالى (٢) ( الطَّلاقُ مَرَّتانِ ) لا قول « مرتين » وللسنة النبوية التي منها رد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طلاق ابن عمر ثلاثا (٣) وكل من طلق على خلاف السنة رد إليها (٤) ولما تسمعه من النصوص (٥) الآتية.

وقيل والقائل المشهور بل عن المرتضى في الناصريات ما يشعر بالإجماع عليه ، وكذا عن الخلاف ، بل عن العلامة في نهج الحق ذلك صريحا يقع طلقة واحدة بقوله « طالق » ويلغو التفسير بالثلاث ، فلا ينافي ترتب الوحدة على نفس الصيغة المقتضية لذلك.

وهو أشهر الروايتين عملا كما عرفت ، بل قيل ورواية ، ففي‌ صحيحي زرارة (٦) عن أحدهما عليهما‌السلام ، واللفظ للأول منهما « سألته عن رجل طلق امرأته ثلاثا في مجلس واحد وهي طاهر ، قال : هي واحدة » وخبر عمر بن حنظلة (٧) عن أبى عبد الله عليه‌السلام « الطلاق ثلاثا في غير عدة إن كانت على طهر فواحدة ، وإن لم يكن على طهر فليس بشي‌ء » وخبر عمرو بن البراء (٨) قال :

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب مقدمات الطلاق.

(٢) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٢٩.

(٣) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب مقدمات الطلاق والباب ـ ٨ ـ منها الحديث ٣.

(٥) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب مقدمات الطلاق.

(٦) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٢ و ٣.

(٧) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ١.

(٨) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٧.

٨٢

« قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إن أصحابنا يقولون : إن الرجل إذا طلق امرأته مرة أو مائة مرة فإنما هي واحدة ، وقد كان يبلغنا عنك وعن آبائك أنهم كانوا يقولون إذا طلق مرة أو مائة مرة فإنما هي واحدة فقال : هو كما بلغكم » وفي خبر زرارة (١) عن أحدهما عليهما‌السلام « في التي تطلق في حال طهر في مجلس ثلاثا ، قال : هي واحدة » وخبر بكير (٢) عن أبى جعفر عليه‌السلام « إن طلقها للعدة أكثر من واحدة فليس الفضل على الواحدة بطلاق » وخبر أبى محمد الواشى ( الوابشي خ ل ) (٣) عن أبى عبد الله عليه‌السلام « في رجل ولى امرأته رجلا أن يطلقها على السنة ، فطلقها ثلاثا في مقعد واحد ، قال : ترد إلى السنة فإذا مضت ثلاثة أشهر أو ثلاثة قروء فقد بانت بواحدة » وخبر محمد بن سعيد الأموي (٤) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل طلق ثلاثا في مقعد واحد ، قال : فقال : أما أنا فأراه قد لزمه ، وأما أبى كان يرى ذلك واحدة » المحمول بالنسبة إلى نفسه على التقية ، أو على الجمع بينها وبين الواقع بإرادة إلزامه به إذا كان مخالفا وإرادة الواحدة لو وقع من غيره مما حكاه عن أبيه.

وربما يشهد بذلك‌ خبر الخزاز (٥) عنه عليه‌السلام أيضا قال : « كنت عنده فجاء رجل فسأله ، فقال : رجل طلق امرأته ثلاثا ، قال : بانت منه ، قال : فذهب الرجل ثم جاء رجل آخر من أصحابنا ، فقال : رجل طلق امرأته ثلاثا فقال : تطليقة ، وجاء رجل آخر فقال : رجل طلق امرأته ثلاثا ، فقال : ليس بشي‌ء ، ثم نظر إلى فقال : هو ما ترى ، قال : قلت : كيف هذا؟ فقال : هذا يرى أن من طلق امرأته ثلاثا فقد حرمت عليه ، وأنا أرى أن من طلق امرأته ثلاثا على السنة فقد بانت منه ، ورجل طلق امرأته ثلاثا وهي على طهر فإنما هي واحدة ، ورجل طلق امرأته ثلاثا على غير طهر فليس بشي‌ء ».

وفي الخبر (٦) عن الصادق عليه‌السلام في حديث قال فيه : « فقلت : فرجل‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ١١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ١٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ١٣.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ١٤.

(٥) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ١٦.

(٦) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٥.

٨٣

قال لامرأته : أنت طالق ثلاثا ، فقال : ترد إلى كتاب الله وسنة نبيه » بناء على إرادة الواحدة من الرد فيه إلى الكتاب والسنة ، كما سمعته في خبر أبي محمد الواشي ( الوابشي خ ل ) ونحوه غيره ، بل‌ في الصحيح (١) « طلق عبد الله بن عمر امرأته ثلاثا فجعلها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واحدة فردها إلى الكتاب والسنة » فتأمل.

وأما الرواية الأخرى التي تشهد للأول فهي‌ خبر أبي بصير (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « من طلق ثلاثا في مجلس فليس بشي‌ء ، من خالف كتاب الله رد إلى كتاب الله تعالى ، وذكر طلاق ابن عمر ».

ومكاتبة عبد الله بن محمد (٣) إلى أبي الحسن عليه‌السلام : « جعلت فداك روى أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الرجل طلق امرأته ثلاثا بكلمة واحدة على طهر بغير جماع بشاهدين أنه يلزمه تطليقة واحدة ، فوقع عليه‌السلام بخطه أخطأوا على أبي عبد الله عليه‌السلام لا يلزمه الطلاق ، ويرد إلى الكتاب والسنة إنشاء الله ».

وخبر هارون بن خارجة (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام المروي عن كتاب الخرائج قال : « قلت : إني ابتليت فطلقت أهلي ثلاثا في دفعة ، فسألت أصحابنا ، فقالوا : ليس بشي‌ء إلا أن المرأة قالت : لا أرضى حتى تسأل أبا عبد الله عليه‌السلام ، فقال : ارجع إلى أهلك ، فليس عليك شي‌ء ».

والمروي عن الصادق عليه‌السلام (٥) « إياكم والمطلقات ثلاثا في مجلس واحد ، فإنهن ذوات أزواج ، » وخبر الصيقل (٦) « لا تشهد لمن طلق ثلاثا في مجلس ».

وخبر محمد بن عبيد الله (٧) « سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن تزويج المطلقات‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ١٨.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٨.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ١٩.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٢٩.

(٥) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٢٠.

(٦) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ١٧.

(٧) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٩ والظاهر أن قوله عليه‌السلام : « ومن كان يدين بدين قوم لزمته أحكامهم » ليس من تتمة خبر محمد ابن عبيد الله كما في التهذيب ج ٨ ص ٥٩ والاستبصار ج ٣ ص ٢٩٣ ، وقد روى الصدوق ( قده ) في الفقيه ج ٣ ص ٢٥٧ خبر ابن عبيد الله مرسلا ، ثم قال : « وقال عليه‌السلام : من كان يدين…إلخ » ورواه في الوسائل أيضا كذلك ، فهي رواية مستقلة.

٨٤

ثلاثا فقال لي : إن طلاقكم لا يحل لغيركم ، وطلاقهم يحل لكم ، لأنكم لا ترون الثلاث شيئا وهم يوجبونها ، ومن كان يدين بدين قوم لزمته أحكامهم » بناء على أن المراد التحذير عنهن إذا كن من المؤمنين.

كما صرح به في‌ خبر عبد الله بن طاوس (١) المروي عن الكشي والعيون قال : « قلت لأبي الحسن الرضا عليه‌السلام : إن لي ابن أخ زوجته ابنتي وهو يشرب الشراب ويكثر ذكر الطلاق ، فقال : إن كان من إخوانك فلا شي‌ء عليه ، وإن كان من هؤلاء فأبنها عنه ، فإنه عنى الفراق ، قال : قلت : جعلت فداك أليس قد روى عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : إياكم والمطلقات ثلاثا في مجلس واحد ، فإنهن ذوات أزواج؟ فقال : ذلك من إخوانكم لا من هؤلاء ، إنه من داع بدين قوم لزمته أحكامهم » بل هو أيضا أحد أدلة المسألة.

ومكاتبة إبراهيم بن محمد الهمداني (٢) قال : « كتبت إلى أبي جعفر عليه‌السلام مع بعض أصحابنا ، فأتاني الجواب بخطه : فهمت ما ذكرت من أمر ابنتك وزوجها ، فأصلح الله لك ما تحب صلاحه ، فأما ما ذكرت من حنثه بطلاقها غير مرة فانظر رحمك الله تعالى ، فان كان ممن يتولانا ويقول بقولنا فلا طلاق عليه ، لأنه لم يأت أمرا جهله ، وإن كان ممن لا يتولانا ولا يقول بقولنا فاختلعها منه ، فإنه إنما نوى الفراق بعينه ».

مؤيدا ذلك كله بما سمعت أولا من الحصر في الصيغة المجردة وغيره ، بل لا ريب في أن القول الأول هو الأقوى من حيث النصوص ، ضرورة احتمال النصوص المزبورة إرادة من طلق ثلاثا بتكرير الصيغة المصرح به في‌ خبر الصيرفي (٣) عن جعفر ، عن أبيه عليهما‌السلام « إن عليا عليه‌السلام كان يقول : إذا طلق الرجل المرأة قبل أن يدخل بها ثلاثا في كلمة واحدة فقد بانت منه ، ولا ميراث بينهما ، ولا رجعة ، ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ، وإن قال : هي طالق هي طالق‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ١١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ١٥.

٨٥

هي طالق فقد بانت منه بالأولى ، وهو خاطب من الخطاب إن شاءت نكحته نكاحا جديدا ، وإن شاءت لم تفعل » المحمول صدوره على التقية أو غيرها ، إذ هو مخالف للقولين معا.

بل قد يقال : لو كان الحكم فيه كالصورة الأخيرة لكان المتجه الجواب عنهما بجواب واحد ، وهو وقوع الطلاق واحدة ، إذ الحكم في الصورتين متحد عند العامة ، فليس حينئذ إلا انحصار المخرج في الأولى بالباطل الموافق للعامة ، بخلاف الأخيرة التي تصح منها الواحدة ، وبذلك يظهر كونه مؤيدا للنصوص المزبورة ، ولو سلم تناولها للصورتين ولو لكون ذلك متعارفا بين العامة وأن بسبب ذلك تعارف السؤال عنه أو لأنه في سياق أداة العموم المقتضى لإفادته العموم ـ كما هو محرر في الأصول ـ إلا أن ذلك لا يعارض التصريح بعدمه في المكاتبة السابقة وغيرها التي لا وجه لاحتمال صدور ذلك منه لمصلحة من المصالح ، إذ ذلك يسد باب الاستدلال في النصوص أجمع.

كل ذلك مع الإغضاء عما يقتضيه ظاهر‌ قوله عليه‌السلام (١) « من طلق زوجته ثلاثا » من وقوع كل طلقة من الطلقات عليها وهي زوجة ، وهذا لا يكون إلا من تخلل الرجوع بينها ، وحينئذ تكون هذه النصوص موافقة لما تسمعه من ابن أبى عقيل من كون الطلاق بعد الرجوع في ذلك الطهر من غير مواقعة ليس طلاقا ، ولا يقع منه وإن تعدد إلا الطلاق الأول ، فتكون عنده على واحدة ، كما يشهد به جملة من النصوص (٢) متحد بعضها مع هذه النصوص في المفاد ، فتخرج حينئذ عما نحن فيه بالمرة.

ومعارضة هذا كله باحتمال إرادة نفى الثلاث من نفى الشيئية أو احتمال إرادته مع فقد بعض الشرائط كما في طلاق ابن عمر ثلاثا وكانت حائضا كما ترى ، على أنه لا يأتي في المكاتبة الصريحة التي يعلم منها إرادة البطلان في الثلاث المرسلة‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٣ و ٦.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب مقدمات الطلاق.

٨٦

من الرد إلى الكتاب والسنة ، لا صحة الواحدة كما سمعته سابقا ، وحينئذ يكون الخبر الأخير دليلا لهذا القول ، وحينئذ تتفق النصوص المصرح فيها بالثلاث المرسلة على البطلان ، فتخصص أو تقييد بها تلك النصوص المدعى شمولها للمرسلة.

وبذلك بان لك أن القول الأول أرجح من حيث النصوص إلا أن شهرة الأصحاب قديما وحديثا بل الإجماع المحكي قد رجح كون المراد من النصوص المزبورة ذلك ، خصوصا مع ضعف المعارض وعدم الجابر.

لكن قد يقال باختصاص ذلك بما إذا لم يقصد الطلاق البدعي على وجه أراد من الطلاق في الصيغة ذلك ، فيتجه البطلان فيه ، لأنه يرجع إلى عدم قصد الطلاق الصحيح ، ضرورة عدم تعقل التعدد بدون التكرار وإن بطل الثاني منه أيضا ، لعدم مصادفة المحل ، أما إذا قصد معنى الصيغة أولا وأضاف إليها ثلاثا بقصد آخر مستقل فإنه يكون حينئذ صحيحا وتلغو إضافته ، ضرورة رجوعه إلى بيان ما تعلق به غرضه من عدد الصيغة ، نحو‌ قول نوح على نبينا وآله و ( عليه‌السلام ) (١) لما خاف الغرق : « لا إله إلا الله ألفا » فيكون مراده في الحقيقة في الثلاث تكرر النطق بها ثلاثا على معنى إنى أقول : « أنت طالق » ثلاثا وربما كان ذلك وجه جمع أيضا ، بل ربما يشم في الجملة من مكاتبة إبراهيم (٢) السابقة وغيرها.

ومن التأمل فيما ذكرنا يظهر لك النظر في كلام جملة من الأصحاب ، خصوصا السيد في الرياض ، فلاحظ وتأمل.

وكيف كان فقد بان لك مما سمعته من النصوص السابقة أنه لو كان المطلق مخالفا يعتقد الثلاث لزمته لأن ذلك دينه ، مضافا إلى الإجماع بقسميه عليه ، وإلى‌ خبر عبد الأعلى (٣) عن أبى عبد الله عليه‌السلام « سألته عن الرجل يطلق امرأته ثلاثا قال : إن كان مستخفا بالطلاق ألزمته ذلك » وغيره ، بل في‌ خبر علي بن أبي حمزة (٤) سأل أبا الحسن عليه‌السلام « عن المطلقة على غير السنة أيتزوجها الرجل؟

__________________

(١) مهج الدعوات للسيد ابن طاوس ( قده ) ص ٣٧٩.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٧.

(٤) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٥.

٨٧

فقال : ألزموهم من ذلك ما ألزموا أنفسهم ، وتزوجوهن فلا بأس بذلك » وخبر عبد الرحمن البصري (١) عن أبى عبد الله عليه‌السلام « قلت له : امرأة طلقت على غير السنة ، فقال : تتزوج هذه المرأة لا تترك بغير زوج » وخبر عبد الله بن سنان (٢) « سألته عن رجل طلق امرأته لغير عدة ثم أمسك عنها حتى انقضت عدتها هل يصلح لي أن أتزوجها؟ قال : نعم لا تترك المرأة من غير زوج » وغير ذلك من النصوص التي مقتضاها عدم الفرق بين الطلاق ثلاثا وغيره مما هو صحيح عندهم فاسد عندنا ، كالطلاق المعلق ، والحلف به ، والطلاق في طهر المواقعة والحيض ، وبغير شاهدين.

بل مقتضى خبر الإلزام أنه يجوز لنا تناول كل ما هو دين عندهم ، ففي‌ خبر عبد الله بن محرز (٣) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل ترك ابنته وأخته لأبيه وامه ، فقال : المال كله لابنته ، وليس للأخت من الأب والأم شي‌ء ، فقلت : فانا قد احتجنا إلى هذا والميت رجل من هؤلاء الناس وأخته مؤمنة عارفة ، قال : فخذ لها النصف ، خذوا منهم كما يأخذون منكم في سنتهم وقضائهم وقضاياهم ، خذهم بحقك في أحكامهم وسنتهم كما يأخذون منكم فيه ، قال ابن أذينة : فذكرت ذلك لزرارة ، فقال : إن على ما جاء به ابن محرز لنورا ».

وخبر أيوب بن نوح (٤) « كتبت إلى أبى الحسن عليه‌السلام أسأله هل نأخذ في أحكام المخالفين ما يأخذون منا في أحكامهم أم لا؟ فكتب عليه‌السلام : يجوز لكم ذلك إذا كان مذهبكم فيه التقية منهم والمداراة لهم ».

وصحيح محمد بن مسلم (٥) عن أبى جعفر عليه‌السلام « سألته عن الأحكام ، قال : تجوز على أهل كل ذي دين ما يستحلون ».

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٤.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب ميراث الاخوة والأجداد الحديث ٢ من كتاب المواريث.

(٤) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب ميراث الاخوة والأجداد الحديث ٣ من كتاب المواريث.

(٥) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب ميراث الاخوة والأجداد الحديث ٤ من كتاب المواريث.

٨٨

وخبر إسماعيل بن بزيع (١) « سألت الرضا عليه‌السلام عن ميت ترك امه وإخوة وأخوات فقسم هؤلاء ميراثه ، فأعطوا الأم السدس ، وأعطوا الإخوة والأخوات ما بقي ، فماتت الأخوات ، فأصابني من ميراثه ، فأحببت أن أسألك هل يجوز لي أن آخذ ما أصابني من ميراثها على هذه القسمة أم لا؟ فقال : بلى ، فقلت : إن أم الميت فيما بلغني قد دخلت في هذا الأمر ، يعني الدين ، فسكت قليلا ، ثم قال : خذه » إلى غير ذلك من النصوص الدالة على التوسعة لنا في أمرهم وأمر غيرهم من أهل الأديان الباطلة.

ولا فرق في محل البحث بين العارفة بناء على جواز نكاح المخالف لها وغيرها ، ضرورة أن ذلك من التوسعة الشاملة ، بل قد سمعت التصريح به في خبر إبراهيم (٢) فمن الغريب ما وقع من بعض الناس من الفرق بينهما ، نعم استيعاب الكلام في هذا الأصل وفروعه محتاج إلى مقام آخر ، نسأل الله التوفيق له.

ولو قال : « أنت طالق للسنة » صح بلا خلاف ولا إشكال مع فرض اجتماع الشرائط ، كما إذا كانت طاهرا ولم يواقعها مثلا ، ضرورة عدم قدح الضميمة المزبورة في الصحة التي هي مقتضي ما سمعته من الأدلة السابقة ، بل عن موضع من الخلاف وكذا لو قال للبدعة التي من المعلوم عدم اتصاف غير موضوعها بها كالسنة ، ومجرد القول لا يصير السنة بدعة كالعكس ، فتلغو الضميمة حينئذ ، فيبقى اقتضاء الصيغة الصحة على مقتضي إطلاق الأدلة ، بل ينبغي الجزم به مع فرض تجدد التقييد أو التعلق بالبدعة له لفظا فقط أو وقصدا.

أما مع فرض قصد ذلك له ابتداء على وجه يكون مراده تفسير الطلاق بذلك أو أطلق وقلنا المراد به ذلك فقد يشكل الصحة بأن مرجع ذلك إلى عدم إرادة‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب ميراث الاخوة والأجداد الحديث ٦ من كتاب المواريث.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ١.

٨٩

الطلاق التي عرفت اعتبارها في الصحة نصا (١) وفتوى ، فالذي وقع غير مراد تأثيره ، بل المراد عدم تأثيره فلا قصد للطلاق الذي تلفظ به ولا إرادة.

ولعله لذا قال المصنف ولو قيل : لا يقع كان حسنا ، لأن البدعي لا يقع عندنا ، والأخر غير مراد بل جزم بذلك الفاضل ومن تأخر عنه ، ولا ينافي ذلك عدم مدخلية قصد الصحة في آثار الأسباب الشرعية التي هي بمنزلة الأسباب العقلية في ذلك ، إذ الكلام في تحقق السبب في الفرض ، خصوصا بعد قصد إرادة غير المؤثر منه الذي هو ليس بسبب.

وبذلك ظهر لك الفرق بين إيقاع العقد أو الإيقاع بزعم الفساد وبينه بقصد الفساد الذي مرجع الأخير إلى قصد عدم الأثر له ، كما أن من ذلك يعلم حال كل ضميمة تكون مفسرة للمراد بإطلاق المقصود إيقاعه بالفاسد من قول فاسد ونحوه ، نعم قد يتم ذلك عند العامة القائلين بترتب الأثر على الطلاق البدعي وإن أثم ، وبجواز التعليق ، فحينئذ يصح الطلاق المعلق على البدعة وإن لم تكن حال الطلاق متصفة بما يقتضي البدعة ، فضلا عن المتحقق فيها ما يقتضيها من الحيض ونحوه ، والله العالم.

تفريع : إذا قال : « أنت طالق في هذه الساعة إن كان الطلاق يقع بك » قال الشيخ ره : لا يصح لتعليقه على الشرط وظاهره عدم الفرق بين العلم بحالها وعدمه ، ووافقه المصنف والفاضل وغيرهما في صورة الجهل بالحال دون العلم به ، فقالوا : وهو حق إن كان المطلق لا يعلم بحالها أما لو كان يعلمها على الوصف الذي يقع معه الطلاق فينبغي القول بالصحة ، لأن ذلك ليس بشرط مناف للتنجيز الذي قد عرفت اعتباره بل هو أشبه بالوصف المقارن للإيقاع وإن‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب مقدمات الطلاق.

٩٠

كان بلفظ الشرط الذي لم يرد منه التعليق ، بل قد يقال : إن مثله يساق لبيان إرادة الوقوع البتة كما ذكروا في قول : « أما بعد فاني فاعل » أن المعنى مهما يكن من شي‌ء فاني فاعل ، أي إن يكن شي‌ء في الدنيا فاني فاعل.

اللهم إلا أن يقال : إن ظاهر أدلة الحصر في قول : « أنت طالق » يقتضي عدم سببية الصيغة المشتملة على التعليق ولو الصوري ، وفيه منع واضح ، خصوصا بعد أن عرفت كونها مساقة للتعريض ببطلان ما عند العامة من صحة الطلاق المعلق حقيقة ، على أن مقتضاه حينئذ الفساد في صورة العلم.

وبذلك ظهر لك أن المدار في فساد التعليق على ما ينافي التنجيز الذي هو مقتضي تسبيب السبب وإن كان بالوصف المعلوم تحققه فيما بعد دون غيره ، وحينئذ ينقدح قوة احتمال الصحة في الجاهل أيضا ، ضرورة عدم منافاة التعليق لجهله للتنجيز المزبور ، ودعوى أن قصده حينئذ معلق واضحة المنع ، بل أقصاه تعليق إذعانه باقتضاء السبب مقتضاه ، وهو معنى لا ينافي التنجيز المزبور الذي هو ترتب المسبب على السبب وعدم تخلفه عنه ، كما هو واضح بأدنى تأمل.

وبذلك يظهر لك صحة الطلاق الاحتياطي والبيع كذلك مع الشك في الزوجية مثلا أو إنكارها ، ضرورة عدم كون ذلك تعليقا ، من غير فرق بين ذكره لفظا وعدمه ، بل لا فرق بين الأمور التي علق الشارع الصحة عليها وغيرها من الأوصاف المقارنة ، كما لا فرق بين صورتي الجهل والعلم ، لكن الانصاف عدم خلو ذلك عن النظر حتى في العالم كما ذكرناه في غير المقام ، لصدق التعليق بمعنى عدم التنجيز فتأمل.

ولو قال : أنت طالق أعدل طلاق أو أكمله أو أحسنه أو أقبحه أو أخسه وأقبحه أو أردأه أو أسمجه صح لإطلاق الأدلة ولم تضر الضمائم المزبورة التي يصح وصف الطلاق بها بنوع من التجوز.

وكذا لو قال مل‌ء مكة أو مل‌ء الدنيا أو طويلا أو عريضا أو صغيرا‌

٩١

أو حقيرا أو كبيرا أو عظيما أو غير ذلك مما يصح وصفه به بضرب من التجوز.

بل الظاهر الصحة حتى لو قلنا بعدم صحة التجوز في ذلك ، إذ أقصاه الغلطية التي لا تنافي قصد الطلاق ، نعم لو فرض إرادة ما ينافي قصد الطلاق بذلك ولم يكن قد تجدد بعد الصيغة لم يقع حينئذ ، لنحو ما عرفته في وصف الطلاق بالفاسد ، كما هو واضح.

وعن العامة تنزيل أوصاف الحسن على طلاق السنة وأوصاف القبح على طلاق البدعة ، وجعلوه كما لو قال : للسنة أو للبدعة ، وفيه أنه لا وجه له مع فرض عدم القصد إلى ذلك ، ودعوى أن الوصف بمل‌ء الدنيا مثلا يقتضي تقييده بما لا يمكن حصوله فيكون منافيا لصحته كالوصف بالبدعي يدفعها وضوح الفرق بينهما بمنافاة الثاني لقصد الطلاق الصحيح بخلاف الأول ، فإن أقصاه التجوز أو الغلط بالوصف ، ولو فرض كون القصد على وجه ينافي القصد المزبور اتجه حينئذ الفساد في الجميع كما عرفت.

ولو قال : أنت طالق لرضا فلان ، فإن عنى الشرط بمعنى إن رضى وقصده بطل الطلاق ، للتعليق الذي قد عرفت الحال فيه حتى في المقارن منه مع جهل المطلق وعدمه وإن عنى الغرض الذي هو داع من الدواعي لم يبطل سواء كان صادقا في ذلك أو كاذبا ، لحصول مقتضى الصحة وعدم المانع.

وكذا لو قال : إن دخلت الدار بكسر الهمزة لم يصح ، للتعليق وإن فتحها صح إن عرف الفرق بينهما وقصده ضرورة عدم التنجيز في الأول والتعليل في الثاني ، نحو قوله تعالى (١) ( أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ ) من غير فرق بين صدقه وكذبه ، ولو لم يعرف فقصد التعليق مع فتح الهمزة والتعليل مع الكسر انعكس الأمر ، فإن المدار على القصد ، ولو لم يعلم حاله فالظاهر الحمل على الحقيقة كما هو واضح.

__________________

(١) سورة القلم : ٦٨ ـ الآية ١٤.

٩٢

ولو قال : « أنا منك طالق » لم يصح بلا خلاف أجده فيه بيننا ولا ( إشكال لـ ) لأصل ولمنافاته لأدلة الحصر التي سمعتها ، المؤيدة بظهور الكتاب في أنه ليس محلا للطلاق وأن الزوجة محله ، كما هو ظاهر قوله تعالى ( وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ) (١) ( وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ ) (٢) ( وَالْمُطَلَّقاتُ ) (٣) ( فَإِنْ طَلَّقَها ) (٤) وغير ذلك فما عن بعض العامة ـ من جعله كناية موجها له بأن النكاح يقوم بالزوجين ، فيجوز إضافة الطلاق إلى كل منهما ـ واضح الضعف.

ولو قال : أنت طالق نصف طلقة أو ربع طلقة أو سدس طلقة أو نحو ذلك لم يقع ، لأنه لم يقصد الطلقة التي هي أقل ما تقع إذا كان المراد بالضميمة تفسير ما قصده بالطلاق لا مع التجدد ، فتكون حينئذ منافية للقصد ولأدلة الحصر وغير ذلك ، وما عن العامة ـ من صحة وقوعه بجميع الأجزاء إلغاء للضميمة ، أو للسراية التي لا دليل عليها هنا ، بل الأدلة على خلافها ـ واضح الفساد.

ولو قال : أنت طالق ثم قال : أردت أن أقول طاهر قبل منه ظاهرا إجماعا محكيا عن الخلاف إذا كانت في العدة كما عن المبسوط ولو بائنة لما عرفته سابقا من قبول قوله في قصده الذي لا يعلم إلا من قبله ، ومقتضى الأصل عدمه مع اعترافه بالقصد إلى اللفظ ، فضلا عن المقام الذي دعواه عدم القصد إلى اللفظ ، بل منه يعلم عدم الفرق في دعوى الغلط بين قوله : « أردت أن أقول طاهر » أو نحوه مما هو قريب إلى « طالق » وغيره إلا مع العلم بفساد الدعوى.

وعلى كل حال فالمراد القبول في الظاهر ودين في الباطن بنيته فلا تحل له واقعا إلا مع صدقه وإن قبل ظاهرا بيمينه مع عدم موافقة المرأة له في ذلك كما عرفت الكلام في ذلك كله مفصلا.

وكأن عدم تقييد المصنف هنا وغيره بالعدة مبنى على ما تقدم سابقا ، ولذا كان المحكي عن المبسوط حصر قبوله هنا في العدة.

بل الظاهر عدم الفرق في دعوى الغلط بين متقارب الحروف كطاهر وطالق ونحوهما‌

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ الآية ٢٣١.

(٢) سورة البقرة : ٢ الآية ٢٣٧.

(٣) سورة البقرة : ٢ الآية ٢٢٨.

(٤) سورة البقرة : ٢ الآية ٢٣٠.

٩٣

وبين غيره من فاضلة ونائمة ونحوهما كما صرح به في كشف اللثام ، لاتحاد المدرك الذي هو قبوله في دعوى عدم القصد في الجميع وإن كان قد يتوهم من بعض الناس اختصاص الحكم هنا بالأول ، فتكون حينئذ هذه المسألة غير المسألة السابقة التي هي دعوى عدم قصد الطلاق بصيغته ، لكنه كما ترى ، ضرورة عدم مدرك خاص لما هنا إلا الحكم بقبول قوله في عدم القصد الذي ما هنا أولى منه ومقتضاه عدم الفرق بين الجميع.

ولو قال : « يدك طالق » أو « رجلك » لم يقع ، وكذا لو قال : « رأسك » أو « صدرك » أو « وجهك » وكذا لو قال « ثلثك » أو « نصفك » أو « ثلثاك » للأصل وظهور الأدلة في أن محل الطلاق ذات الزوجة المدلول عليها بقول : « أنت » أو « هذه » أو « زوجتي » أو « فلانة » أو ما شاكل ذلك ، نعم لو أريد من لفظ الجزء ذلك مجازا بل أو غلطا صح ، ومن هنا كان ظاهر الأصحاب الاتفاق على عدم تعلقه بالأجزاء معينة أو مشاعة.

بل في المسالك « ظاهرهم عدم الفرق بين الجزء الذي يعبر به عن الجملة كالوجه وغيره ، وهو كذلك مع فرض عدم إرادة الجملة به ـ ثم قال ـ : ولم يذكروا حكم ما إذا علق بجملة البدن كقوله : بدنك وجسدك وشخصك وجنبك ، مع أنهم ذكروا خلافا في وقوع العتق بذلك بناء على أنه المفهوم عرفا من الذات ، وينبغي أن يكون هنا كذلك ».

قلت : إن كان المراد منها معنى « أنت » و « فلانة » اتجه الصحة وإلا فلا ، وفرق واضح بين العتق والطلاق ، ولذا غلط العامة في قياسه عليه في جواز تعليقه بالجزء ثم يسرى إلى المجموع كما يسرى العتق ، وكأن المصنف نبه بالأمثلة على خلافهم.

كما أنه ظهر لك من نصوص الحصر (١) المساقة مساق الحدود التعريض بكثير‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب مقدمات الطلاق.

٩٤

من خرافات العامة ، وحينئذ فالمتجه الجمود عليه في سائر مقامات الشك ، لأنه حينئذ كالأصل الذي يرجع إليه فيه.

ولعل من ذلك لو قال : أنت طالق طلقة قبل طلقة أو بعدها طلقة ، أو بعد طلقة أو قبلها طلقة أو معها طلقة ، أو على طلقة ، أو مع طلقة مريدا بذلك كله إنشاء التعدد خارجا بالتعدد لفظا بالطريق المزبور الذي هو غير ذكر العدد بلفظ المرتين والثلاث لم يقع شي‌ء ، سواء كانت مدخولا بها أو لم تكن كذلك لكونه غير المستفاد من الحصر في النصوص (١) المزبورة ، ولا يقاس على وقوع الواحدة بقول : « ثلاثا » لو قلنا به ، لدليله من الإجماع المحكي ونحوه ، وإلا فقد عرفت أن مقتضى ذلك عدم وقوع شي‌ء بها ، ضرورة كون المقصود بالصيغة التي وضعت لإنشاء طبيعة الطلاق التي تتحقق بالواحدة التعدد المحتاج إلى تعدد سببه ، إذ ما وقع بعده من المرتين والثلاث وقول « طلقة بعد طلقة » مثلا مفسرا للمراد بالصيغة التي أوقعها هو غير ما وضعت له الصيغة بمقتضى نصوص الحصر قطعا لا أنه قصد التعدد بالضميمة حتى لا يقدح بطلانها في المراد من الصيغة.

ولكن مع ذلك قال المصنف لو قيل : يقع طلقة واحدة بقوله : « طالق مع طلقة » أو بعدها طلقة أو عليها طلقة ولا يقع لو قال : « قبلها طلقة » أو « بعد طلقة » كان حسنا واحتمله الفاضل في القواعد.

بل في المسالك هو الأصح ، قال : « أما الأول فلأن القصد إلى الاثنين يقتضي القصد إلى الواحدة ، فإذا بطلت الثانية لفقد شرطها تبقى الأولى ، لعدم المقتضى له ، إذ ليس إلا توهم كونه لم يقصد إلا الطلاق الموصوف بذلك ، وهو ممنوع ، بل هو قاصد إلى كل واحد منهما ، فتقع الواحدة بقول : « أنت طالق » وتلغو الضميمة ، كما لو قال : « أنت طالق ثلاثا » أو « اثنتين » وأما البطلان في الثاني فلأنه شرط في الطلقة الملفوظة كونها واقعة بعد طلقة أو أن يكون قبلها طلقة ولم يقع ذلك ، فكأنه قد علق الطلاق الملفوظ على آخر لم يقع ، ولأنه قصد طلاقا‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب مقدمات الطلاق.

٩٥

باطلا ، لأن الطلاق المسبوق بآخر هو طلاق المطلقة من غير رجعة ، وهو باطل بخلاف شرطه أن يكون بعده أو معه ، فان الطلاق الواحد لا مانع منه ، وإنما المانع من المنضم إليه ».

ونحوه في كشف اللثام قال : « لأنه إنما نوى في الأخيرين إيقاع طلقة متأخرة عن طلقة وهو ينافي التنجيز ، إلا أن يكون طلقها سابقا طلقة صحيحة وأراد تأخير هذه الطلقة عنها فتقع ، وأما في غيرهما فإنه نوى إيقاع طلقة بها ، وإن وصفها بعد ذلك بمقارنة طلقة أو بالتقدم على طلقة فيكون لغوا ».

قلت : لكن لا يخفى عليك ما في الجميع بعد التأمل فيما ذكرنا من كون المراد بهذه الصيغ إنشاء التعدد بالوجه المزبور نحو إنشائه بذكر الثلاث والثنتين ، وليس من التعليق في شي‌ء ، وإلا لاقتضى البطلان في الجميع ، ولا الإخبار عن طلقة سابقه ، والأصل في ذلك كله العامة الذين ألحقوا التعدد بذكر العدد لفظا أو ما يفيده بالتعدد الحسي الخارجي ، والمراد بقوله تعالى (١) ( الطَّلاقُ مَرَّتانِ ) لغة وعرفا إيقاع الطلاق مرتين المتوقف كل منهما على الزوجية ، ولو بأن يرجع بها بعد طلاقها.

وقد ظهر بذلك كله أن الأمثلة المزبورة كلها من واد واحد ، ولذا كان المحكي عن المبسوط وقوع طلقة واحدة بالجميع ، إلا أنه لا يخفى عليك ما فيه بعد ما عرفت من أن المتجه بمقتضى أدلة الحصر عدم الوقوع أصلا بشي‌ء منها ، نعم لو فرض استقلال القصد على معنى قصد معنى الصيغة منها مستقلا والتعدد من الضميمة مستقلا اتجه الصحة في الجميع ، والتعليق المتصور في الأخيرين يتصور في غيرهما أيضا ، لكن من المعلوم عدم إرادته وإنما المراد من الجميع إنشاء التعدد بذلك على الوجه الذي ذكرناه سابقا.

هذا وفي المسالك « نبه المصنف بقوله : « سواء كان » إلى آخره على خلاف

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٢٩.

٩٦

العامة ، حيث حكموا بوقوع الواحدة مطلقا بغير المدخول بها ، ووقوع الاثنتين إن كانت مدخولا بها ، لأن غير المدخول بها تبين بالواحدة ، ولا تقبل الطلقة الأخرى ، بخلاف المدخول بها ، فإنها تقبل المتعدد ».

وفيه أنه خلاف المحكي عنهم في المبسوط من وقوع اثنتين في الأولى أيضا ، بل هو خلاف ما يقتضيه قياسهم ، ضرورة كون الاثنتين قد وقعا دفعة ، فلا يحتاج إلى أمر آخر والظاهر أنه من المقطوع به عندهم أنه لو قال لغير المدخول بها : « أنت طالق ثلاثا » لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره.

ولو قال : « أنت طالق نصفي طلقة » أو « ثلاثة أثلاث طلقة » قال الشيخ ره : لا يقع للأصل ، وظهور نصوص الحصر (١) في غيره ، ومعلومية عدم تجزئ الطلاق ، فهو حينئذ كقول : « نصف طلقة ».

ولكن قال المصنف لو قيل : يقع الطلاق بقوله : « أنت طالق » وتلغو الضمائم ، إذ ليست رافعة للقصد كان حسنا بل في القواعد أنه الأقرب.

ولا كذا لو قال : نصف طلقتين الظاهر في إرادة نصف من كل طلقة ، ولذا أوقع به بعض الشافعية طلقتين ، لأنه في قوة نصف طلقة ونصف طلقة بناء على وقوعها تامة عندهم بذلك ، وقد يحتمل كون المراد به الطلقة من الطلقتين ، بل قيل : إنه الظاهر منه عرفا ، ولذا أوقع به بعض آخر من الشافعية طلقة واحدة ، لكنه كما ترى ، ضرورة أنه إذا كان الوقوع بالصيغة ـ والضميمة لغو ـ فهو موجود في الجميع ، بل هو كذلك حتى في « أنت طالق نصف طلقة » وإن كان (٢) اتحاد إرادة الطلقة من نصفيها وهي مفاد الصيغة فالمتجه الصحة أيضا في الأخير مع فرض إرادة ذلك أيضا ، والتحقيق عدم الوقوع في الجميع ، لكونه غير مفاد الصيغة المستفادة من‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب مقدمات الطلاق.

(٢) جاء في هامش النسخة الأصلية المبيضة برمز ( خ ل ) « لإرادة الطلقة من نصفيها التي هي مفاد ».

٩٧

نصوص الحصر (١) ودعوى إلغاء الضميمة التي من الواضح مدخليتها في قصد الصيغة ظاهرة الفساد ، نعم هو كذلك في الضمائم التي لا مدخلية لها في ذلك.

( تفرع : )

قال الشيخ : إذا قال لأربع زوجات أوقعت بينكن أربع طلقات وقع بكل واحدة طلقة لإطلاق أدلة الطلاق الذي لا ينافيه الحصر في النصوص (٢) بعد تنزيله على غير ذلك ، إذ لا ريب في صحة طلاق الزوجتين بأنتما طالقان ، والأربعة بأنتن طوالق ، بل قد عرفت صحة الطلاق عند الشيخ بقول : « أنت مطلقة » وبقول : « نعم » في جواب سؤال « هل طلقت زوجتك » وهذا أولى.

والأصل في هذا الفرع الشافعية ، فإنه في مبسوطة جري معهم في فروعهم التي ( منها ) لو قال لأربع : « أوقعت بينكن طلقة » قالوا : يقع بكل واحدة طلقة ، لسراية الربع الحاصل من الصيغة التي لا يعتبرون فيها لفظا خاصا ، و ( منها ) : ما لو قال للأربعة : « أوقعت بينكن أربع طلقات » وقع لكل واحدة واحدة أيضا ، لأنه يكون قد أوقع لكل واحدة طلاقا تاما ، فوافقهم على الثاني دون الأول المبني على تجزئ الطلاق الممنوع.

ولكن مع ذلك كله فيه إشكال ، لأنه اطراح للصيغة المشترطة في حصول الطلاق الصحيح في نصوص الحصر (٣) على وجه قد عرفت عدم وقوعه بكل ما هو مشكوك في حصوله به بمخالفته لهيئتها أو أحوالها أو أحوال المقصود بها ، فضلا عن مظنون العدم ، ولا يجدى الإطلاق الذي قد علم تقييده بنصوص الحصر ، نعم لو وقع ذلك بعنوان الإقرار بالطلاق لا إنشائه حكم به ، كما هو واضح.

ولو قال : « أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا » صحت واحدة إن نوى بالأول الطلاق ، وبطل الاستثناء إن قلنا باقتضاء الصيغة ذلك مع عدم الاستثناء ، ضرورة بطلانه ، لكونه مستغرقا ، فوجوده حينئذ كعدمه ، ويكون الحال كما إذا لم يكن استثناء ،

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب مقدمات الطلاق.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب مقدمات الطلاق.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب مقدمات الطلاق.

٩٨

نعم بناء على ما عند العامة من وقوع الثلاث بدون استثناء يحكم بصحة الاستثناء مع مراعاة قواعده المشهورة ، فيبطل المستغرق ويبقى الثلاث ، ويصح غير المستغرق كواحدة بقول : « إلا اثنتين » واثنين بقول : « إلا واحدة ».

هذا وفي المسالك « قول المصنف : « إن نوى بالأول الطلاق » لا خصوصية له بهذه المسألة ، لأن القصد معتبر في جميع الصيغ ، وليس هذا كالكناية المفتقرة إلى نية زائدة كما سبق ، بل هي من الألفاظ الصريحة ، نعم اعتبر القائلون بصحة الاستثناء أن يكون قصده مقترنا بأول اللفظ ، فلو بدا له الاستثناء بعد تمام المستثنى منه لم يؤثر الاستثناء ، لوقوعه بعد لحوق الطلاق فيلغو ».

قلت : يمكن أن يكون الوجه في تقييد المصنف الحكم بالبطلان مع الاستثناء ـ وإن قلنا بالواحدة بدونه ـ إذا كان قد قصد من أول الأمر بذلك عدم الطلاق وإن أداه بالعبارة المزبورة التي يمكن دعوى ظهورها في ذلك ، باعتبار كون الاستثناء بيانا للمراد بالمستثنى منه ، فمع فرض استغراقه يرجع إلى إرادة عدم قصد الطلاق بالمستثنى منه ، ولا يقدح في ذلك كون الاستثناء لاغيا ، إذ لغويته لا تنافي دلالته على المعنى المزبور ، كما لا تنافي ذلك الحكم في الإقرار بلزوم المستثنى منه ، وبطلان الاستثناء في مثله للدليل أو لقاعدة عدم سماع الإنكار بعد الإقرار الذي منه المفروض ، مع قاعدة صون كلام العاقل عن الهذيان ، على أن معنى الإقرار قابل لإلحاق الاستثناء به ، لأنه إخبار ، بخلاف الإنشاء الذي يتبع ترتب أثره التلفظ بالصيغة المقصود معناها ، ومنه يمكن القول بالبطلان بقول : « أنت طالق طلقة إلا طلقة ».

كل ذلك مع قطع النظر عن دعوى ظهور أدلة الحصر في غير ذلك ، وأن الطلاق الصحيح هو قول : « أنت طالق » مجردة عن قصد أمر زائد على قصد طبيعة الطلاق بها الذي يلزمه وقوع الواحدة بها ، نحو باقي الطبائع ، وأن الحكم بالواحدة بقول : « أنت طالق ثلاثا » للإجماع المحكي وغيره مما عرفته سابقا ، وحينئذ يتجه البطلان من رأس في الفرض ، إلا مع فرض قصد الطلاق بقوله « أنت طالق »

٩٩

على نحو المذكور في أدلة الحصر ، وأن قصد الثلاث إلا الثلاث أمر آخر قصده مستقلا ، فيقع لغوا ، فتأمل جيدا كي يظهر لك مما ذكرنا ما في كشف اللثام أيضا وغيره.

ولو قال : « أنت طالق غير طالق » فان نوى الرجعة بذلك وكان الطلاق رجعيا صح : لأن إنكار الطلاق رجعة كما ستعرف ، فضلا عن الفرض الذي قصد الرجوع به وإن أراد النقض حكم بالطلقة التي تترتب عليه قهرا بإنشاء الصيغة المراد معناها التي هي سبب شرعا فيه ، فلا يثمر نقضه لها.

ولو قال : « طلقة إلا طلقة » لغا الاستثناء ، وحكم بالطلقة بقوله : طالق ما لم يعلم منه عدم قصد الطلاق بذلك ، بل قد عرفت إمكان دعوى ظهور التركيب في ذلك.

ولو قال : « زينب طالق » ثم قال : « أردت عمرة » ولكن غلط لساني وهما زوجتان له قبل لأن المرجع في تعيين المطلقة إلى قصده الذي لا يعلم إلا من قبله ، مع أن الفعل فعله لا مشترك بينه وبين غيره ، والغلط اللفظي احتمال ممكن واقع كثيرا ، فهو كدعوى الغلط بقول : « طالق » وأن المراد قول : « طاهر » ونحوه مما عرفته سابقا.

وفي المسالك « وقيد بكونهما زوجتين ليحترز عما لو ادعى قصد أجنبية وغلط في تسمية زوجته ، فإنه لا يقبل ، لأن ذلك خلاف الظاهر فإن الأصل في الطلاق أن يواجه به الزوجة أو يعلق بها ، فدعواه إرادة الأجنبية غير مسموعة ».

وفيه أنه يمكن رجوع ذلك إلى دعوى عدم القصد ، أو إلى قصد إرادة الأجنبية ، كما لو قال : « سعدى طالق » وكان الاسم مشتركا بين زوجته والأجنبية الذي قد عرفت البحث فيه سابقا ، والأصل المزبور جار في أكثر أفراد المسألة التي قد عرفت القبول فيها ، ولعل وجه التقييد قبول قوله في طلاق عمرة المنوية التي أريدت من قول : « زينب » غلطا لأن الفعل فعله ، ومتعلقة أمر في يده ، لأن الفرض كون كل منهما زوجة له.

١٠٠