جواهر الكلام - ج ٣٢

الشيخ محمّد حسن النّجفي

في كون المراد به الطلاق في مستقبل العدة.

نعم يسقط اعتبار ذلك في اليائسة التي لا عدة لها بلا خلاف أجده في ذلك نصا (١) وفتوى ، بل الإجماع بقسميه عليه أيضا وفيمن لم تبلغ سن المحيض الذي هو التسع لذلك أيضا ، وهي المرادة بالتي لم تحض في نصوص الخمس (٢) بلا خلاف أجده فيه ولا إشكال عدا ما يحكي عن السيد في شرحه على النافع من أن الأولى إرادة الأعم منها ومن التي لم تحض مثلها عادة ، سواء كان لنقص سنها عن التسع أو لم تكن ، فتكون أعم من الصغيرة والمسترابة ، وكأنه ليس خلافا بعد أن جعلها من المسترابة التي ستعرف حكمها ، نعم لو كان مراده جواز طلاقها على كل حال كغير البالغة تسعا كان مخالفا ومحجوجا بإطلاق ما دل (٣) على عدم جواز الطلاق في طهر المواقعة المقتصر في الخروج عنه على المتيقن أو المتبادر من التي لم تحض ، وهي غير البالغة تسعا ، خصوصا بعد ما في رواية الخصال من إبدالها بالتي لم تبلغ المحيض (٤) بل في بعض روايات العدد (٥) تفسير التي لم تحض بها على وجه يظهر منه كونه المراد من التعبير بذلك.

وكذا يسقط اعتبار الشرط المزبور في الحامل أيضا بلا خلاف فيه أيضا ، بل الإجماع بقسميه عليه ، ولأن طلاقها معه طلاق للعدة التي هي وضع الحمل ، ولأنها إحدى الخمس التي استفاضت النصوص في طلاقها على كل حال (٦).

إنما الكلام في أن طلاق الحامل يعتبر في صحته الاستبانة أم يكفي فيه مصادفة الواقع كما هو ظاهر المتن وغيره ممن عبر كعبارته؟ بل هي القاعدة في وضع اللفظ للواقع ، إذ الحامل لفظ مشتق بمعنى ذات الحمل ، ولا مدخلية للعلم والظن‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب مقدمات الطلاق.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب مقدمات الطلاق.

(٣) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب مقدمات الطلاق.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٥.

(٥) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب العدد الحديث ٤.

(٦) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب مقدمات الطلاق.

٤١

فيه ، ولذا لو طلقها بظن أنها حامل فبان خلافه بعد ذلك لم يصح طلاقه ، لانكشاف فساد الظن بتبين خلافه ، لكن في مصابيح العلامة الطباطبائي « لا يصح طلاق الحامل إلا إذا كانت مستبينة الحمل وقت الطلاق ، فلو طلقها ثم تبين الحمل لم يصح ـ إلى أن قال ـ : لأن مصادفة الحمل لا تكفي في صحة الطلاق. بل يشترط فيه الاستبانة كما اعتبره الشيخان في المقنعة والنهاية وابن البراج وبنى حمزة وإدريس وسعيد وغيرهم ـ ثم استدل عليه ـ بما في الصحيحين من نصوص الخمس من وصف الحامل بالمستبين حملها في أحدهما (١) والمتيقن في الآخر (٢) ولا ينافيه إطلاق الحامل في غيرهما ، لأن الظاهر من قولهم « يطلقهن » إباحة الطلاق دون وقوعه ، والإباحة مشروطة بظهور الحمل ، وبأن الطلاق الواقع على غير السنة باطل عندنا بلا خلاف ، وطلاق المرأة في طهر المواقعة مع عدم ظهور حملها محرم قطعا إذ لا مسوغ له ، فيكون باطلا ، وأطلق الفاضلان والشهيدان صحة طلاق الحامل في طهر المواقعة ، ولم يقيدوا ذلك بالاستبانة ، فإن أرادوا صحة طلاقها بمجرد مصادفة الحمل وإن لم يستبن كانت المسألة خلافية ، والظاهر أن التقييد مراد في كلامهم ، لتبادره من إطلاق طلاق الحامل ووقوع التقييد به في كلام القدماء مع عدم نقل خلاف في المسألة ».

قلت : يمكن أن يكون كلام المتأخرين لرفع توهم الشرطية من الوصف في كلام القدماء المبنى على إرادة بيان حكم الاقدام المعلوم توقفه على الاستبانة ، لأصالة عدم الحمل ، فيحرم عليه إيقاع الطلاق في طهر المواقعة قبل الاستبانة ، كحرمته عليه قبل تبين حيضها وطهرها ، ولكن لو فعل فبان حصول الحمل أو حصول الحيض والطهر صح ، لصدق كونه طلاقا للعدة ولو طلق في طهر لم يواقعها فيه وطلاق أولات الأحمال وغير ذلك.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ١ وفيه « الحامل المتبين » كما في الفقيه ج ٣ ص ٣٣٤.

٤٢

وربما يؤيده ما سمعته منهم في الغائب لو طلق قبل المدة فبان مصادفته الشرط من أن الأقوى الصحة المقابل بالاحتمال الضعيف من كون مضى المدة شرطا شرعيا وقد فات ، ومثله يأتي في الفرض ، بأن يقال : البطلان فيما لو طلق في طهر المواقعة فبان أنها حامل ، لفوات شرطية الاستبراء لا لكون الحمل غير بين ، وإلا فلو طلق بعد الحيضة فبان أنها حامل وأن الحيض كان في أثناء الحمل بناء على مجامعته له صح قطعا وإن كان غير بين حال الطلاق ، وكذا لو طلق بعد المدة فبان أنها حامل وإن لم يكن الحمل مستبينا ، وكذا لو طلق المسترابة بعد مضى المدة فبان أنها حامل صح وإن لم يكن الحمل مستبينا حال الطلاق ، والصحيحان اللذان ذكرهما لا دلالة فيها على اشتراط صحة الطلاق بذلك خصوصا بناء على ما اعترف به من أن المراد فيهما وفي غيرهما بيان الإباحة المتوقفة على الاستبانة لا اشتراط صحة الطلاق بذلك.

وكذا عبارات الأصحاب الذين نسب إليهم الاشتراط لا دلالة فيها على الشرطية قال في المقنعة : « والحامل المستبين حملها تطلق بواحدة في أي وقت شاء » وقال الشيخ في النهاية : « وإذا أراد أن يطلق امرأته وهي حبلي مستبين حملها طلقها أي وقت » وكذا عبارة ابن إدريس ، بل عن أبي الصلاح عدم التقييد بالاستبانة.

وما عساه ينساق من نصوص (١) النهي عن الطلاق في طهر المواقعة وأنه ليس بطلاق وترجع الامرأة إلى زوجها ـ مما ينافي ذلك ، لأنه لو صح طلاق الحامل واقعا وجب التربص فيه حينئذ إلى بيان كونها حاملا أولا ـ يدفعه أن ذلك كله للحكم في الظاهر لأصالة عدم الحمل ، لا لما لو اتفق بيان الحمل ، ويؤيد ذلك كله مضافا إلى إطلاق الأدلة عدم ذكر أحد من الأصحاب ذلك من شرائط المطلقة أو من شرائط الطلاق ، فمن الغريب جزم الفاضل المزبور بذلك ، ولكن ظني أن المصابيح قد جمعت بعد وفاته من أوراق وحواشي ونحو ذلك ، وفيها المنسوخ وغيره ، فاشتبه على الجامع وجعلها مصباحا.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب مقدمات الطلاق.

٤٣

وكذا يسقط الشرط المزبور في المسترابة التي هي في سن من تحيض وهي لا تحيض لخلقة أو عارض ، لكن بشرط أن يمضي عليها ثلاثة أشهر لم تر دما معتزلا لها بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك ، لصحيح إسماعيل بن سعد الأشعري (١) « سألت الرضا عليه‌السلام عن المسترابة من الحيض كيف تطلق؟ قال : تطلق بالشهور » ومرسل العطار (٢) المنجبر بالعمل عن أبى عبد الله عليه‌السلام « سألته عن المرأة يستراب بها ومثلها تحمل ومثلها لا تحمل ولا تحيض وقد واقعها زوجها كيف يطلقها إذا أراد طلاقها؟ قال : ليمسك عنها ثلاثة أشهر ثم يطلقها » نعم في المسالك وبعض ما تأخر عنها أنه لا يلحق بالمسترابة من تعتاد الحيض في كل مدة تزيد عن ثلاثة أشهر ، فإن تلك لا استرابة فيها ، بل هي من أقسام ذوات الحيض يجب استبراؤها بحيضة وان توقف على ستة أشهر أو أزيد.

هذا وفي الرياض ومن نصوص الخمس (٣) يظهر السقوط في الغائب عنها زوجها لعدها منها وإن أهمله المصنف ، ولعله غفلة أو مصير إلى القول بالبطلان الذي مضى في طلاق الغائب بعد المدة مع تبين الوقوع في طهر المواقعة ، أو من حيث اختياره اعتبار العلم بالانتقال من طهر إلى آخر ، كما عليه أكثر من تأخر ، والظاهر أنه هو الوجه في الإهمال ، وفيه أنه يمكن اتكالا على ذكر حكم الغائب سابقا ، وإلا فقد عرفت أن المراد الانتقال إلى زمان طهر آخر لا طهر حقيقة كما أوضحناه سابقا.

وعلى كل حال فـ ( لو طلق المسترابة قبل مضي ثلاثة أشهر من حين المواقعة لم يقع الطلاق ) لما عرفت.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب العدد الحديث ١٧.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب مقدمات الطلاق.

٤٤

الشرط ( الخامس )

تعيين المطلقة وهو أن يقول : فلانة طالق أو يشير إليها بما يرفع الاحتمال مع فرض التعدد من قول هذه ونحو ذلك فلو كان له زوجة واحدة فقال زوجتي طالق صح ، لعدم الاحتمال حينئذ بل في المسالك وغيرها الاكتفاء بالنية مع التعدد على وجه يظهر منه المفروغية ، فإن تحقق إجماعا فلا كلام ، خصوصا مع العمومات ، وإلا فقد يقال : إن ظاهر‌ قول أبى جعفر عليه‌السلام في صحيح محمد (١) : « إنما الطلاق أن يقول لها في قبل العدة بعد ما تطهر من محيضها قبل أن يجامعها : أنت طلاق أو اعتدى ، يريد بذلك الطلاق ، ويشهد على ذلك رجلين عدلين » اعتبار ذكر ما يفيد التعيين ، وأظهر منه‌ خبر محمد بن أحمد بن المطهر (٢) قال : « كتبت إلى أبي الحسن صاحب العسكر عليه‌السلام إني تزوجت بأربع نسوة ولم أسأل عن أساميهن ، ثم إني أردت طلاق إحداهن وأتزوج امرأة أخرى ، فكتب إلى انظر إلى علامة إن كانت بواحدة منهن فتقول : اشهدوا أن فلانة التي بها علامة كذا وكذا هي طالق ، ثم تزوج الأخرى إذا انقضت العدة ».

مضافا إلى استصحاب بقاء النكاح المتوقف زواله على السبب الشرعي المحتمل مدخلية ذكر ما يقتضي التعيين ولو قرائن أحوال فيه ، لا أقل من الشك في تناول العمومات التي لم تسق لبيان مشروعية مسمى الطلاق ، اللهم إلا أن يمنع الشك بظاهر المفروغية السابقة ، واحتمال أو ظهور كون المراد من الخبرين كون المطلقة معينة في نفسها في مقابل طلاق غير المعينة الذي ستسمع البحث فيه.

وحينئذ فـ ( لو كان له زوجتان ) مثلا ( أو زوجات فقال : زوجتي‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد الحديث ٣ من كتاب النكاح.

٤٥

طلاق فان نوى معينة وذكر ما يقتضي ذلك صح وقبل تفسيره لما لا يعلم إلا من قبله من غير يمين ، وفي المسالك « يؤمر بذلك على الفور ، لزوال الزوجية عنها ، ويمنع من الاستمتاع بهما إلى أن يبين ، ولو أخر أثم ، لأن الحق لهما في ذلك ، فعليه بيانه إذ لا يعلم من غيره ـ إلى أن قال ـ : وتجب عليه التفقه لهما قبل البيان ، لأنهما محبوستان حبس الزوجات ، ولاستصحاب وجوب النفقة لكل واحدة منهما ، ولا يسترد المصروف إلى المطلقة بعد البيان ».

والجميع كما ترى ، إذ لا دليل على وجوب الفور في البيان ، خصوصا في العدة ، وخصوصا في الرجعية ، كما لا دليل على وجوب الإنفاق عليهما بعد معلومية كون إحداهما أجنبية ، والاستصحاب المعلوم عدمه في إحداهما ليس حجة فيهما كما حرر في محله ، وكونهما محبوستين بتخيلهما البقاء على العقد لا يقتضي وجوب الإنفاق عليهما ، إذ هو اعتبار محض لا يوافق أصول الإمامية.

وعلى كل حال فـ ( ان لم ينو ) واحدة معينة قيل والقائل المفيد والمرتضى وابن إدريس والشيخ في أحد قوليه يبطل الطلاق لعدم التعيين بل هو المشهور نقلا وتحصيلا ، بل في الانتصار ومحكي الطبريات الإجماع عليه ، بل ظاهره في الأول اختصاص القول بالصحة بالعامة ، فعن أبي حنيفة وأصحابه والنوري والليث أنه يختار أيتهن شاء ، ويجعلها المطلقة ، وعن الشافعي ذلك أيضا ولكنه صرح بأنه يمنع منهن حتى تبين ، وعن مالك تطلق عليه جميع نسائه.

وقيل والقائل الشيخ فيما حكى عن مبسوطة يصح ، ويستخرج بالقرعة ، وهو أشبه عند المصنف ، بل والفاضل والشهيد في أحد قوليهما ، ولكن يرجع في التعيين إلى اختياره لا إلى القرعة ، ولكن لا يخفى ما في أصل الصحة ، ضرورة عدم دليل لها سوى دعوى عموم الأدلة التي لم تسق لذلك ، على أن الطلاق لرفع قيد النكاح الذي لم يقع في الخارج إلا على شخص بعينه ، والأحدية ونحوها من الأمور الانتزاعية الوهمية لم يقع عليها عقد النكاح ، بل ليس الطلاق في الحقيقة إلا من توابع النكاح الذي قد عرفت عدم وقوعه إلا على معين ، خصوصا بعد‌

٤٦

اقتضاء ما يترتب عليه من العدة ، ونحوها التعيين ، كاقتضاء ما يترتب على النكاح ذلك ، بل الظاهر عدم صلاحية الكلي الانتزاعي لقيام معنى الطلاق فيه ، كغيره من آثار أكثر العقود والإيقاع.

وبذلك كله يظهر لك عدم اندراج الفرض في مسمى الطلاق كي يندرج في الإطلاق الذي إن لم يقطع أو يظن بعدم تناوله لمثل ذلك ، خصوصا مع ملاحظة الخبرين (١) السابقين وغيرهما من النصوص (٢) التي تسمعها في بحث الصيغة المشتملة على التعيين بعنوان التعريف للطلاق الجامع لشرائط الصحة التي منها التعيين وغيره ، بل ظاهر المتن هناك اعتباره أيضا ، وأن أقصى نصوص الصيغة التعدية من لفظ « أنت » إلى غيره من ألفاظ التعيين ، بل قد يدعى أنه المنساق من أكثر النصوص بل الآية (٣) فلا أقل من الشك الذي ينبغي البقاء معه على أصالة بقاء النكاح.

وقياس معنى طلاق الواحدة من نسائه مثلا على ما تطابق عليه النص (٤) والفتوى من تخير من أسلم على أكثر من أربع غير جائز في مذهبنا ، وإنما هو مذهب مخالفينا ، ولذا وغيره من الاعتبارات الفاسدة أفتوا بالصحة وملؤوا كتبهم من الفروع التي لا تخلو بعضها من خرافة ، كما لا يخفى على من لاحظها.

بل لعل استفاضة النصوص (٥) فيما يقتضي التعيين فضلا عن خلوها عن ذكر المبهم وحكمه مع اشتهاره بين العامة في ذلك الزمان مما يورث الفقيه الظن أو العلم بأنه من المنكرات عليهم ، نحو غيره مما أبدعوه في الطلاق ، بل لو لم يكن في هذا القول إلا التزام جملة أمور لا دليل واضح عليها لكفى في بطلانه ، إذ التعيين إن‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٣ والباب ـ ٣ ـ من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد الحديث ٣ من كتاب النكاح.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب مقدمات الطلاق.

(٣) سورة الطلاق : ٦٥ ـ الآية ١.

(٤) سنن البيهقي ج ٧ ص ١٨١.

(٥) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب مقدمات الطلاق.

٤٧

كان مرجعه القرعة فقد أشكله بعضهم بأنها لكشف الأمر المشتبه ، وليس المقام منه ، ضرورة خلوه عن القصد في الواقع ، اللهم إلا أن يدعى أنها للأعم من ذلك ومن المشكل الذي لا ترجيح فيه بظاهر الشرع ، وإن كان مرجعه اختيار المطلق كما عن الفاضل ففيه أنه لا دليل بعد فرض صحة الطلاق على مدخلية اختياره في ذلك إلا القياس على من أسلم على الأزيد من أربع ، وهو باطل في مذهبنا ، أو دعوى أن له التعيين ابتداء فله التعيين استدامة ، وهي كما ترى ، ضرورة أن له طلاق المعينة ابتداء لا تعيين المطلقة ، أو أن ذلك من توابع الطلاق الذي بيده ، وفيه أن تعيين المطلقة أمر زائد على الطلاق.

ثم على القول به فهل هو معتبر في الطلاق؟ على معنى عدم حصول أثره إلا به ، كما عن الفاضل استصحابا للنكاح ، واحتياطا للعدة ، ولأنها لو طلقت بالإيقاع فإما أن يقع الطلاق على الكل أو على واحد بعينه وفسادهما ظاهر ، أو على واحدة مبهمة ، وهو أيضا باطل ، لأن الطلاق معنى لا يحل إلا بمعين ، ولا وجود للمبهم في الخارج ، فليس هو حينئذ إلا التزام طلاق في الذمة يتم بالتعيين ، لكن ذلك كله كما ترى ، على أنه مناف لما دل على سببية السبب وللحكم بتحريمها عليه قبل التعيين الذي قد اعترف هو به ، بل قد حكى بعضهم الاتفاق عليه ، بل وللحكم بأن لوارثهما المطالبة به فيما لو ماتتا أو إحداهما قبله لبيان الإرث ، لعدم بقاء محل للطلاق.

ومن هنا كان المحكي عن الشيخ كون التعيين كاشفا ، وأن الطلاق قد وقع حين التلفظ ، وتتبعه العدة لأنه أوقع صيغة الطلاق منجزة ، فيقع بها الطلاق على إبهامه ، والتعيين ليس من صيغة الطلاق في شي‌ء نحوه من أسلم على الأزيد ، وهو أيضا كما ترى ، خصوصا بعد ملاحظة عدم كشف التعيين في أفراد الكلي في البيع وغيره.

ولو وطأ إحداهما بعد الطلاق بائنا ففي القواعد « إن قلنا يقع الطلاق باللفظ‌

٤٨

كان تعيينا أي للأخرى ، وإن قلنا بالتعيين لم يؤثر الوطء » وفي محكي المبسوط « إن جعل الوطء تعيينا أباح وطء من شاء منهما ، وإنما حرم الجمع بينهما ، وإن لم يجعله تعيينا حرمهما ، لأنهما قبل التعيين متشبثان بحرمة الطلاق » والأقرب عند الفاضل في القواعد مع أنه لا يجعله تعيينا تحريم وطئهما معا وإباحة من شاء منهما ، وفي المسالك « أن الوطء لا يكون بيانا إذا كان قد نوى واحدة بعينها ، وتبقى المطالبة به بحالها ، فان بين في الموطوءة فعليه الحد ، والمهر بجهلها أنها المطلقة وإن بين في غير الموطوءة قبل ، فان ادعت الموطوءة أنه أرادها حلف ، فان نكل وحلفت هي حكم بطلاقها وعليه المهر ، ولا حد للشبهة ، لأن الثبوت باليمين ، وإن كان لم ينو واحدة بعينها ففي كونه تعيينا أولا وجهان ـ إلى أن قال ـ : وربما بنى الوجهان على أن الطلاق يقع عند اللفظ أو عند التعيين ، فعلى الأول هو تعيين بخلاف الثاني ، ثم إن جعلناه تعيينا فلا مهر للموطوءة ، لكونها زوجته حينئذ ، وإلا طالبت بالتعيين ، فان عين الطلاق فيها وجب المهر إن قلنا بوقوعه عند اللفظ ، وإن قلنا بوقوعه عند التعيين ففي وجوب المهر وجهان : من أنها لم تكن مطلقة وقته ، ومن حصول ماله صلاحية التأثير ، ومن ثم حرم الوطء قبل التعيين ».

قلت : قد يقال بكون الوطء بيانا ما لم يصرح بخلافه ، بل ودالا على التعيين كذلك بناء على وقوع الطلاق باللفظ ، أما لو قلنا بوقوعه حينه فلا ، بل المتجه جواز وطئهما معا قبله ، لعدم الخروج عن الزوجية بدونه.

ولو ماتتا قبله فالمطالبة بالبيان بحالها للإرث ، وكذلك المطالبة بالتعيين بناء على الوقوع حال التلفظ ، وأما على الوقوع به فالمتجه بطلانه حينئذ ، لعدم صحة وقوع الطلاق بعد الموت ، فيرثهما معا حينئذ.

ولو مات هو فالمرجع في البيان إلى القرعة أو يقسم نصيب الزوجية بينهما صلحا ، واحتمال قيام وارثه مقامه في ذلك من المضحكات إن أريد به إنشاء البيان ، وإن أريد به الإخبار عن مورثه فليس قياما مقامه ، بل هو مخبر به وشاهد عليه كغيره‌

٤٩

من الأجانب أو مدع لو فرض مطالبته بارث أحدهما ، بل لعل قيامه مقامه في التعيين كذلك وإن قلنا بوقوع الطلاق حين التلفظ ، ضرورة عدم كونه مما يورث ، وقياسه على الشفعة والخيار كما ترى ، بل المتجه الترجيح ( التعيين خ ل ) بالقرعة بناء على عموم شرعيتها في مثل ذلك ، أو يعزل نصيب زوجة يقسم بينهما صلحا قهريا.

ثم لا يخفى عليك توجه النزاع مع الوارث في دعوى البيان الذي ينسبه إلى المورث ، بخلاف التعيين الذي ينشؤه هو بناء على قيامه مقامه في ذلك ، نعم لهم الدعوى عليه بسبق تعيين من المورث وحينئذ يكون كالنزاع في البيان ، وكذلك الكلام في النزاع مع المورث في البيان دون التعيين إلا على الوجه المزبور كما هو واضح.

وكيف كان فمما ذكرناه يظهر لك الحال فيما أطنب به بعض الأصحاب في هذه الفروع التي يقطع الناظر فيها بفساد مبناها ، وأنها لائقة بأهل القياس والاستحسان والأهواء والآراء ، وقد ذكرنا جملة من أمثالها في بحث الاختيار من النكاح ، بل يكفي في فسادها خلو نصوص الطلاق على كثرتها عن الإشارة إلى شي‌ء منها ، بل قد عرفت ظهورها في اعتبار التعيين المنافي لها ، بل فيها التعريض بالعامة وما أحدثوه في الطلاق ، حتى‌ قال الباقر عليه‌السلام في خبر معمر بن وشيكة (١) « لا يصلح الناس في الطلاق إلا بالسيف ولو وليتهم لرددتهم فيه إلى كتاب الله تعالى شأنه » وقال هو أيضا والصادق عليه‌السلام في خبر أبى بصير (٢) : « لو وليت الناس لأعلمتهم كيف ينبغي أن يطلقوا ، ثم لم أوت برجل قد خالف إلا قد أوجعت ظهره » إلى غير ذلك من النصوص المعرضة بذلك ونحوه مما أبدعوه في الطلاق وسودوا به مصنفاتهم ، كما لا يخفى على من لاحظها ، والله العالم.

ولو قال : « هذه طالق أو هذه » قال الشيخ رحمه‌الله : يعين للطلاق من‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٣ عن أبى جعفر عليه‌السلام كما في الكافي ج ٦ ص ٥٧.

٥٠

شاء لأنه كما لو قال : « زوجة من زوجاتي طالق » في الاشتراك في إيقاع الطلاق على واحدة مبهمة وربما قيل بالبطلان لعدم التعيين فيه ، وفي المسالك « وفيه نظر ، لأن الثانية لم يقع بها طلاق بصيغة الشرعية ، ومجرد عطفها على الأولى غير كاف في تشريكها معها في الصيغة ، وسيأتي استشكال المصنف في نظير المسألة كذلك ( لذلك خ ل ) ويتجه على هذا أنه إن عين الأولى للطلاق طلقت ، وإن عين الثانية لم تطلق ، لما ذكر ».

قلت : ظاهر تعليل المصنف هنا وفيما يأتي أن جهة البطلان عدم التعيين ، نعم يبقى عليه سؤال الفرق بين ما هنا وما تقدم الذي قد سمعت فيه موافقته للشيخ في الصحة ، كما أنه يبقى على الشيخ سؤال الفرق بينهما في الرجوع إلى القرعة في الأول والاختيار في الثاني ، ولعل وجه الأول الفرق بين المتواطئ والمبهم ، فيصح الطلاق في الأول ، لأنه تعيين في الجملة بخلاف الثاني ، وإن كان قد عرفت البطلان فيهما عندنا ، ووجه الأخر أن الأول يراد به الطبيعة المجردة عن ملاحظة الخصوصية بخلاف الفرض الملاحظ فيه ذلك ، نحو الواجب المخير ، إلا أنه كما ترى لا يرجع إلى حاصل معتد به.

هذا وقد يتوهم من عبارة المتن أنه لا يأتي في الفرض احتمال الصحة لو أراد معينة ، حيث لم يذكره كما في السابقة ، بدعوى أنه نص في الترديد بخلاف المتواطئ وإحداهما الذي يجوز فيه إرادة المعينة وإن كان ظاهرا في الترديد ، ومجرد نيته من دون صلاحية اللفظ للاستعمال فيما أراد غير كاف في الطلاق ، ولذا كان المحكي عن المبسوط الصحة فيما لو قال : « طلقت نسائي » مفسرا له بالبعض ، بخلاف ما إذا قال : « اربعتكن طوالق » ثم قال : « أردت بعضهن » لم يقبل ، لكنه كما ترى مناف لعموم أدلة الطلاق وقاعدة الإدانة له بنيته ، وذكر الترديد ظاهرا لغرض من الأغراض غير مناف لذلك ، والقبول ظاهرا في المبسوط وعدمه غير الصحة في نفس الأمر كما هو واضح.

واما احتمال البطلان هنا وان قلنا بعدم اعتبار التعيين لعدم تكرار الصيغة‌

٥١

الذي سمعته من المسالك ففيه أن حرف العطف يغني في العقود وغيرها ، ولذا لا يحتاج إلى تكرير الإيجاب في المبيع المتعدد ، وليس ذلك من الكناية في شي‌ء ، ثم إن قوله : « ويتجه » لا يخلو من نظر ، ضرورة رجوعه إلى الترديد بين الصحيح والباطل ، ولا يتصور صحة الكلى بالنسبة إليهما بحيث يحتاج إلى التعيين ، فالمتجه حينئذ البطلان فيهما أو الصحة في خصوص الفرد الصحيح فتأمل جيدا ، والله العالم.

ولو قال : « هذه طالق أو هذه وهذه » طلقت الثالثة يقينا عند الشيخ ، لأنها معطوفة على المفهوم من الترديد ، وهو إحداهما المتعلق به الطلاق كذلك وإن لم يكن مذكورا في اللفظ ، فيبقى الترديد بين فرديه.

وحينئذ يعين من شاء من الأولى أو الثانية بناء على أن له ذلك ولو مات استخرجت واحدة منهما بالقرعة بناء على شمول دليلها لمثله ولم نقل بقيام الوارث مقامه في ذلك ، فيكتب رقعتان ويستخرج إحداهما.

وربما قيل والقائل ابن إدريس بالاحتمال في الأولى والأخيرتين جميعا لأن الثالثة معطوفة على سابقتها التي هي أولى من غيرها في ذلك مع فرض الصلاحية فيكون له أن يعين للطلاق الأولى أو الأخيرتين معا فان مات استخرج بالقرعة برقعتين إحداهما للأولى والثانية للأخيرتين ، لأن الفرض كون الترديد كذلك ، ولعله أولى من الأول بمقتضى قواعد العربية من حيث اللفظ نفسه ، لأن بناء البحث على ذلك ، وإلا فمع العلم بقصده لا إشكال حتى لو أراد العطف على الأولى أو غيره.

وبذلك يظهر لك المراد مما في المسالك من جعل محل النزاع صورة سرد العبارة من غير قصد ، ضرورة عدم إمكان خلوه عن القصد في الفرض ، اللهم إلا أن يفرض إرادة ما يقتضيه دلالة اللفظ ، لكنه كما ترى.

وكيف كان فـ ( الإشكال في الكل ينشأ من عدم تعيين المطلقة ) ، وفي القواعد إن كلا من القولين محتمل ، ولا ترجيح لأحدهما على الأخر.

٥٢

وحينئذ فلا بد للقرعة من رقاع ثلاثة : إحداها للأولى والثانية للأخيرتين ، والثالثة للثالثة خاصة ، فإن خرجت أولا رقعة الأولى خاصة حكم بطلاقها ، ثم إن خرجت رقعة الثالثة المكتوب فيها اسمها خاصة حكم بالاحتمال الأول وطلقت ، وإن خرجت الرقعة الجامعة حكم بعطف الثالثة على الثانية وبقائهما على النكاح ، وإن خرجت أولا الرقعة الجامعة حكم بعطفها عليها وطلاقهما معا ، ولا يحتاج إلى إخراج رقعة أخرى ، وإن خرج أولا رقعة الثالثة حكم بطلاقها وبقي الاشتباه بين الأولى والجامعة ، فإن خرجت الأولى حكم بطلاقها أيضا ، وإن خرجت الجامعة حكم بطلاق الثانية منها ، وبقاء الأولى على النكاح.

وقد يشكل ذلك بأن مرجع هذا الإقراع إلى تفسير المراد باللفظ التابع لدلالته ، إذ لا يعلم قصده العطف على الأخيرة أو على إحداهما المطلقة ، وليست القرعة طريقا لمثل ذلك ، بل متى كان الاشتباه من حيث قيام الاحتمالين في الدلالة الذي على فرض أحدهما يكون من الإبهام بخلاف الأخر يتوقف ويرجع إلى الأصول إن كانت ، وليست القرعة طريقا لبيان دلالة الألفاظ ، وإنما هي للفرد المشتبه ظاهرا أو للأعم منه ومن المشتبه واقعا ، كما في صورة قصد الإبهام ، بخلاف الفرض الذي لم يعلم فيه قصد الإبهام بسبب احتمال إرادة العطف على إحداهما ، وإلا لرجع إلى القرعة في تعيين أحد المجازات مع العلم بعدم إرادة الحقيقة وفرض عدم الترجيح ، وفي تعيين المراد باللفظ الإنشاء أو الإخبار ونحو ذلك ، وكأنه « ره » نظر إلى نفس الاشتباه في المطلقة مع قطع النظر عن أن منشأه الدلالة ، والأمر سهل.

هذا وقد صرح غير واحد بأنه ليس له تعيين إحدى الأخيرتين بناء على قول ابن إدريس ، لأن الفرض كونهما معا قسما مقابلا للأولى كما هو واضح ، لكن قد يقال : إنه مبني على صحة طلاق المجموع من حيث إنه كذلك على وجه يقتضي بطلان الطلاق في البعض ولو بفوات شرط من شرائط الطلاق البطلان في الباقي ،

٥٣

لفوات المجموع بفواته ، ولا يخلو صحة ذلك من بحث وان قلنا بعدم اشتراط التعيين ، ضرورة عدم كون المجموع زوجة يصح طلاقه ، بخلاف مفهوم الزوجة وأحدهما ونحوه المنطبق على أشخاص الزوجات ، فتأمل جيدا ، فإنه قد يفرق بين الفرض وبين ذلك.

ولو نظر إلى زوجته وأجنبية فقال : أحدا كما طالق وقصد المفهوم الكلى ففي صحة الطلاق وصرفه إلى الزوجة وفساده من أصله ما عرفت ، لعدم قصد ما يصح به الطلاق ولو المفهوم الدائر بين الزوجتين ، ولو قصد معينة ثم قال : أردت الأجنبية قبل بلا خلاف ولا إشكال ، لأنه أعلم بنيته ولم يكن منه ظاهر يقتضي خلاف ذلك.

نعم لو كان له زوجة وجارة كل منهما سعدى فقال : سعدى طلاق ثم قال : أردت الجارة قيل وإن كنا لم نظفر بقائله منا كما اعترف به في كشف اللثام لم يقبل ، لأن أحدا كما تصلح لهما عرفا على وجه لا يقتضي المنافاة لما أخبر به بعد ذلك وإيقاع الطلاق على الاسم المشترك لفظا يصرف ( ينصرف خ ل ) عرفا إلى الزوجة فينا في تفسيره بعد ذلك بغيرها ، فيكون من الإنكار بعد الإقرار.

ولكن في الفرق على وجه يقتضي الاختلاف في الحكم نظر واضح ، بل عن المبسوط ما يظهر منه الإجماع على قبول تفسيره في الثانية أيضا ، لأنه ظهور حال ظنه السامع ، لا ظهور دلالة لفظ ، خصوصا بعد ما عرفت سابقا من تصديقه في دعوى عدم القصد إلى الطلاق بعد إيقاع صيغته ، ضرورة اتحادهما في الظهور المزبور ، بل ما هنا أضعف حتى لو ظهر منه قصد الإنشاء الذي قد عرفت صحة تعلقه بالأجنبية وإن لم يترتب عليه أثره ، نعم لو ذكر لفظا يقتضي تعيين الزوجة ثم ذكر بعد ذلك ما ينافيه ولو بإرادة التجوز لم يسمع منه لأنه كالإنكار بعد الإقرار ، بخلاف المقام الذي ظن فيه إرادة الزوجة من أصل الصحة وغيره مما يقتضي الحكم به إذا لم يظهر بعد ذلك ما ينافيه مما لا يعلم إلا من قبله ، لا أنه‌

٥٤

يقتضي كونه منكرا بعد أن كان مقرا ، والله العالم.

ولو ظن أجنبية زوجته فقال : أنت طالق لم تطلق زوجته لأنه قصد المخاطبة بضميرها ، وهي لا يتعلق بها طلاق ، وقصد طلاق الزوجة بغير لفظ يدل عليها غير كاف ، خصوصا في الفرض الذي قد تعقب القصد المزبور قصد الخطاب الذي لا ينطبق عليها ، نعم لو فرض إرادة الزوجة من الخطاب المزبور دون المخاطبة الأجنبية صح ، وبالجملة يعتبر مطابقة المراد باللفظ المقصودة على وجه الاستعمال فيه.

ولو كان له زوجتان : زينب وعمرة فقال : يا زينب ، فقالت عمرة : لبيك ، فقال : أنت طالق طلقت المنوية بالخطاب سواء كانت المجيبة أو المناداة ولو فرض عدم العلم بقصده بموت ونحوه استخرج بالقرعة ، لعدم ظهور في اللفظ في الدالة لإرادة إحداهما.

نعم لو علم منه أنه قصد المجيبة ظنا منه أنها زينب قال الشيخ : تطلق زينب ترجيحا للاسم على الإشارة. وفيه إشكال ، لأنه وجه الطلاق إلى المخاطبة بظنها زينب ، فلم تطلق المجيبة ، لعدم القصد ، ولا زينب لتوجه الخطاب إلى غيرها فلم تحصل المطابقة بين المراد من اللفظ بالقصد الثاني للمقصود الأول ، ولا استعمل اللفظ مرادا به منه ، بل هو في الحقيقة كما لو قال للأجنبية : أنت طالق ظنا منه أنها زوجته ، ولذا أفتى الفاضل بالبطلان ، ومن التأمل فيما ذكرنا يظهر لك الحال في جميع صور المسألة المتصورة في المقام.

كما أنه يظهر انحصار الإشكال في صورتين : الأولى : إذا لم يصدر منه إلا اللفظ المزبور ولم يعلم منه أمر زائد على ذلك ، فهل يحمل على المناداة أو المجيبة أو على قصد المجيبة بتخيل أنها المناداة.

الصورة الثانية : أن يعلم أنه قصد المجيبة لظن أنها المناداة ، وقد عرفت أن الحكم في الثانية عدم طلاق كل منهما ، وحيث كان ذلك احتمالا مساويا للاحتمالين‌

٥٥

في الصورة الأولى أيضا يتجه عدم الحكم بطلاق إحداهما أيضا ، فيتفقان في الحكم حينئذ ، إذ ليس المقام مقام قرعة كما في الصورة التي ذكرناها ، وهي لو علم أنه قصد إحداهما ، ولكن لم نعلمه لموت ونحوه ، إذ ليس فيها احتمال كون الطلاق للمجيبة بظن أنها المناداة ، والله العالم.

( الركن الثالث )

( في الصيغة )

ومن المعلوم كون الأصل في أن النكاح بعد وقوعه عصمة مستفادة من الشرع لا تقبل التقايل ضرورة من المذهب أو الدين فيقف رفعها على موضع الاذن منه كغيره من العصم المستصحبة ، ولكن لا ريب في مشروعية الطلاق لرفعه ، فكان المتجه زواله بتحقق مسماه الحاصل بإنشائه بكل لفظ دل عليه لو لا ما تعرفه من الأدلة على اعتبار خصوص صيغة خاصة ( فـ ) يراد منه حينئذ الجامع للشرائط الشرعية التي منها كونه واقعا بـ ( الصيغة ) المخصوصة المتلقاة من الشرع لازالت ه‍ أي قيد النكاح وهي أنت طالق أو فلانة طالق أو هذه أو ما شاكلها من الألفاظ الدالة على تعيين المطلقة دون غيرها من الصيغ ، ففي‌ صحيح الحلبي (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سألته عن رجل قال لامرأته : أنت مني خلية أو برية أو بتة أو بائن أو حرام ، فقال : ليس بشي‌ء » وفي‌ صحيح ابن مسلم (٢) « سأل أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل قال لامرأته : أنت علي حرام أو بائنة أو بتة أو برية أو خلية ، قال : هذا كله ليس بشي‌ء ، إنما الطلاق أن يقول لها في‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٣.

٥٦

قبل العدة بعد ما تطهر من حيضها قبل أن يجامعها : أنت طالق أو اعتدى ، يريد بذلك الطلاق ، ويشهد على ذلك رجلين عدلين » ورواه في المختلف عن جامع البزنطي عن محمد بن سماعة ، عن محمد بن مسلم (١) عن الباقر عليه‌السلام من دون قوله : « أو اعتدى يريد بذلك الطلاق » وفي‌ صحيح الحلبي أو حسنه (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « الطلاق أن يقول لها : اعتدى أو يقول لها : أنت طالق » وفي الكافي عن الحسن بن سماعة (٣) « ليس الطلاق إلا كما روى بكير بن أعين أن يقول لها وهي طاهر من غير جماع : أنت طالق ، ويشهد شاهدين عدلين ، وكل ما سوى ذلك فهو ملغى » وفي الانتصار « إجماع الإمامية على ذلك ».

قلت : وبذلك افترق الطلاق عن غيره مما توسع في صيغته ، لا للأصل الذي ذكره المصنف الذي نحوه جار في غيره ، كأصل عدم انتقال المال في البيع ونحوه ، ولكن مشروعية البيع الحاصل عقده بإنشائه باللفظ الصريح حقيقة أو مجازا متعارفا على اختلاف القولين قطعه ، ومثله جار في المقام لو لا الأدلة الخاصة.

وعلى كل حال فـ ( لو قال أنت الطالق أو طلاق أو من المطلقات لم يكن شيئا ولو نوى به الطلاق ) بلا خلاف أجده فيه ، لعدم الهيئة الخاصة وإن وجدت المادة بل وكذا لو قال : مطلقة وإن قال الشيخ في المبسوط الأقوى أنه يقع إذا نوى به إنشاء الطلاق ، وهو واضح الضعف لما عرفت بل يلزمه القول به في غيره من الصيغ السابقة التي اعترف بعدم وقوع الطلاق بها ، لا لما ذكره المصنف من أنه بعيد عن شبه الإنشاء باعتبار دلالته على المضي ، ضرورة كونه كالصيغة السابقة بالنسبة إلى ذلك بعد فرض النقل من الاخبار إليه ، بل ذكروا أن الماضي أنسب بالنقل إلى إرادة الإنشاء من غيره ، ولذا جعلوا صيغ العقود الصريحة بلفظه ، فالتحقيق كون الفارق النص المعمول به بين الطائفة قديما‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٤.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ١.

٥٧

وحديثا في مقابلة ما أبدعه مخالفوهم من التوسعة في ذلك. حتى أوقعوه بالكناية المراد بها الطلاق.

ومن ذلك يظهر لك النظر فيما في المسالك من المناقشة في ذلك ، كما أن منه يظهر لك أن ما يذكره الأصحاب من التعليلات التي لا توافق ما ذكروه في العقود إنما هو لبيان المناسبة بعد الوقوع ، وإلا فالعمدة النصوص المزبورة.

ولعله لذلك لو قال : طلقت فلانة بقصد الإنشاء قال الشيخ : لا يقع فما في المسالك من إشكاله بما اتفقوا على وقوعه بمثله في العقود في غير محله ولكن فيه إشكال ينشأ من وجه آخر ، وهو وقوعه عند الشيخ وبعض أتباعه بـ ( سؤاله هل طلقت امرأتك؟ فيقول : نعم ) لخبر السكوني (١) عن الصادق عن أبيه ، عن علي عليهم‌السلام « عن الرجل يقال له : طلقت امرأتك ، فيقول : نعم ، قال : قد طلقها حينئذ » ومن المعلوم أن قول : « نعم » تابع للفظ السؤال ومقتض ، لا علامة على سبيل الإنشاء ، فكأنه قال : « طلقتها » فإذا وقع باللفظ الراجع إلى شي‌ء لزوم وقوعه باللفظ الأصلي إذ هو أولى ، بل يمكن القول به دونه للفرق بين الملفوظ والمقدر في الصيغ ، واحتمال الفرق بالنص جمود مستقبح.

نعم التحقيق عدم الوقوع بهما معا ، لما عرفت مما لا يعارضه خبر السكوني بعد ضعفه وعدم الجابر ، بل الموهن متحقق ، وبعد احتمال كون المراد به الحكم عليه بالطلاق للإقرار ، لا أنه إنشاء طلاق ، كما لعله المراد من‌ مرسل عثمان (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قلت له : « رجل طلق امرأته من هؤلاء ، ولى بها حاجة ، قال : فتلقاه بعد ما طلقها وانقضت عدتها عند صاحبها ، فتقول له : أطلقت فلانة؟ فإن قال : نعم فقد صارت تطليقة على طهر ، فدعها من حين طلقها تلك التطليقة حتى تنقضي عدتها ، ثم تزوجها ، فقد صارت تطليقة بائنة » وموثق إسحاق عنه عليه‌السلام (٣) أيضا‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٦.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٢ من كتاب النكاح.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ١ من كتاب النكاح.

٥٨

« في رجل طلق امرأته ثلاثا ، فأراد رجل أن يتزوجها فكيف يصنع؟ فقال : يدعها حتى تحيض وتطهر ثم يأتيه ومعه رجلان شاهدان فيقول : أطلقت فلانة؟ فإذا قال : نعم تركها ثلاثة أشهر ، ثم خطبها إلى نفسه » ونحوه موثقه الآخر (١) وموثق حفص بن البختري (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام أيضا ، ضرورة ظهورها أجمع أو صراحتها في إرادة الإخبار عن طلاق سابق من قول : « نعم » ومثله لا يصلح لوقوع الطلاق ، للإجماع من الأمة على اعتبار الإنشاء فيه ، ولذا لم يستدل بها أحد في المقام.

فمن الغريب ما في الحدائق من التزام الطلاق به حتى مع قصد الإخبار رادا على الأصحاب بهذه النصوص التي يجب حملها على إرادة الإشهاد على إقراره والاستظهار بمضي العدة من حين الإقرار لكونه من المخالفين كما هو واضح.

وكيف كان فقد بان لك الوجه في أنه لا يقع الطلاق بالكناية عندنا التي هي اللفظ المحتمل للطلاق وغيره وإن أريد به بلا خلاف أجده ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى ما سمعته من النصوص (٣) في الصيغة ، بل قد عرفت عدم وقوعه بالصريح من غير الصيغة المخصوصة فضلا عنها ، نحو « طلقت » و « أنت مطلقة » وإن اختلف فيها ، فما في المسالك من أنه أطبق أصحابنا على عدم وقوعه به مطلقا يعنى بجميع ألفاظ الكناية ولكن اختلفوا في كلمات مخصوصة وهي من جملتها ، وقد تقدم بعضها ، وسيأتي منها بعض آخر ، والفرق بينها وبين غيرها لا يخلو من تكلف واضح الفساد ، نعم ستسمع الخلاف في خصوص « اعتدى » منها لظاهر النص (٤) الذي ستعرف الحال.

ولا خلاف أجده في اعتبار النية بالكناية عند من أوقع الطلاق بها ، وأن ذلك هو الفرق بينها وبين الصريح الذي لا يحتاج إلى زيادة عن قصد معناه بخلافها ، فإنه يحتاج إلى قصد الطلاق بها ، ولا يكفي إرادة المعنى الكفائي الدال على الطلاق بنوع‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣١ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣١ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب مقدمات الطلاق.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب مقدمات الطلاق.

٥٩

من الالتزام ، والأمر سهل بعد أن عرفت عدم وقوع الطلاق بها عندنا على كل حال.

وكذا لا يقع بغير العربية مع القدرة على التلفظ باللفظ المخصوص وفاقا للمشهور ، لظاهر النصوص السابقة (١) مضافا إلى ما ذكرناه في البيع الذي من المعلوم أولوية الطلاق منه بالنسبة إلى ذلك ، وكونها من المرادف لها والمقصود المعنى اجتهاد كدعوى اندراجه في إطلاق الأدلة الذي هو بعد تسليمه مقيد بما سمعت ، بل الظاهر عدم الاجتزاء بالملحون منها للقادر على الصحيح ولو بالتعلم فضلا عنها ، للأصل وظاهر النص (٢) بل لعله أولى بالمنع ، لخروجه عن سائر اللغات ، خلافا لما عساه يتوهم من إطلاق الشيخ في النهاية وبعض أتباعه من الاجتزاء بمرادف الصيغة المزبورة من كل لغة ، لخبر وهب بن وهب (٣) المعروف بالكذب عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي عليه‌السلام « كل طلاق بكل لسان فهو طلاق » الذي لا جابر له ، بل الموهن متحقق ، بل لا يبعد دعوى كونه مساقا لأصل بيان الاكتفاء بذلك ، فيكفي في صحته حال العجز الذي لا خلاف ولا إشكال فيه لذلك ، ولفحوى الاكتفاء بإشارة الأخرس وغير ذلك مما سمعته في البيع ، بل قد يحمل كلام الشيخ ومن تبعه عليه.

وكذا لا يقع بالإشارة قولا واحدا ، للأصل وظاهر النصوص (٤) السابقة إلا مع العجز عن النطق فيقع حينئذ بالإشارة المفهمة لإرادة الإنشاء ، وذلك لأنه لا خلاف ولا إشكال في أنه يقع طلاق الأخرس وعقده وإيقاعه بالإشارة الدالة على ذلك على نحو غيره من مقاصده ، بل قد عرفت الاجتزاء بها في عباداته فضلا عن معاملاته.

وما في روايتي السكوني (٥) وأبي بصير (٦) عن الصادق عليه‌السلام « طلاق الأخرس أن يأخذ مقنعتها ويضعها على رأسها ويعتزلها » وهي التي عبر عنها المنصف بقوله :

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب مقدمات الطلاق.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب مقدمات الطلاق.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب مقدمات الطلاق.

(٥) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٣.

(٦) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٥.

٦٠