جواهر الكلام - ج ٣٢

الشيخ محمّد حسن النّجفي

ما يمكن قضاؤه في بيتها ، كما أن المتجه بناء على مذاقهم وجوب قضائها العدة في تلك السفينة ، بل في بيت الطلاق منها إذا كانت مسكنا لها ، فلا يجزي غير بيت فيها فضلا عن سفينة أخرى ، وعن منزل آخر ، وقد عرفت أيضا جواز الخلوة بالرجعية.

( التاسع )

إذا طلقت وهي في مسكنه فخرجت بغير إذنه وسكنت في منزلها فلا أجرة لها قطعا وإن كانت قبل الطلاق ساكنة في منزلها وطلقها وبقيت فيه. ولم تطالب بمسكن مع حضوره وملائته فليس لها المطالبة بالأجرة كما في القواعد لأن الظاهر منها التطوع بالأجرة فهي حينئذ كمن قضى دين غيره بغير إذنه.

وكذا لو استأجرت مسكنا فسكنت فيه لأنها إنما تستحق السكنى عليه حيث يسكنها لا حيث تتخير ، وقد يشكل بأن سكناها من جملة النفقات الواجبة التي تستقر في الذمة بفواتها ويجب قضاؤها ، ولا يلزم من سكوتها أن تكون قاضية لدينه بغير إذنه ، وإلا لم تستحق نفقة إذا امتنع من الإنفاق عليها وهي زوجته فأنفقت على نفسها ، فإنها حينئذ تكون قاضية لدينه بغير إذنه مع وجوب قضائها إجماعا ، ودعوى كون الظاهر من حالها التبرع تتخلف فيما إذا صرحت بقصد الرجوع.

واحتمال كونه هنا من قبيل نفقة الأقارب ـ لا نفقة الزوجة ، لخروجها عن الزوجية ، وأن الغرض من سكناها تحصين مائه على موجب نظره واحتياطه ، ولم يتحقق ، فكانت بذلك شبيهة بنفقة الأقارب التي لا قضاء لها بعد فواتها ، لأنها من البر والصلة ، لا المعاوضة ـ واضح الفساد.

٣٦١

وأوضح منه فسادا احتمال الفرق بين السكنى والنفقة ، بأن السكنى لكفاية الوقت وقد مضى ، والمرأة لا تملك المسكن ، ولها تملك الانتفاع به ، والنفقة عين تملك ، تثبت في الذمة ، ضرورة اقتضاء ذلك عدم ضمانه للزوجة ، بل والكسوة بناء على أنها إمتاع.

ومثلهما تعليل المصنف الأخير ، فإنه إنما يتم مع بذل الزوج السكنى لها ، لا مع سكونه الذي هو المفروض ، فالتحقيق ثبوت ذلك لها في ذمته ما لم تكن ناشزا أو تصرح بالتبرع أو يعلم ذلك من حالها.

نعم إنما تستحق عليه أجرة مسكن قابل لها ، لا خصوص أجرة مسكنها وإن علت ، ولا خصوص الأجرة التي استأجرت بها ، اللهم إلا أن تكون قد رفعت أمرها إلى الحاكم بعد امتناعه أو تعذره ، فأمرها بالاستئجار عليه ، فاستأجرت اللائق بها ، فان عليه الأجرة المسماة ، بل في القواعد لو استأجرت في نحو الفرض فالوجه رجوعها إليه ، قال : « لو طلقها غائبا أو غاب بعد الطلاق ولم يكن لها مسكن مملوك ولا مستأجر استدان الحاكم عليه قدر أجرة المسكن ، وله أن يأذن لها في الاستدانة عليه ، ولو استأجرت من دون إذنه فالوجه رجوعها إليه » وإن كان هو كما ترى مع فرض إرادة الأجرة المسماة.

( المسألة الثالثة : )

لا نفقة للمتوفى عنها زوجها ولا سكنى من مال الزوج إذ لا مال له ولو كانت حاملا للأصل وغيره ، كما تقدم الكلام فيه في كتاب النكاح نعم روى أنه ينفق عليها من نصيب الحمل الذي يعزل له ، قال الصادق عليه‌السلام في خبر أبي الصباح الكناني (١) : « المرأة المتوفى عنها زوجها ينفق عليها من مال ولدها

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب النفقات الحديث ١ من كتاب النكاح.

٣٦٢

الذي في بطنها » وقال أحدهما عليهما‌السلام في صحيح ابن مسلم (١) : « المتوفى عنها زوجها ينفق عليها من ماله » بناء على رجوع الضمير إلى الولد وإن لم يجر له ذكر ، بل عن النهاية والكافي والمقنع والفقيه الفتوى بذلك.

ولكن في الرواية المزبورة بعد باعتبار مخالفتها قواعد المذهب التي ( منها ) عدم تملك الحمل قبل سقوطه حيا ، و ( منها ) عدم وجوب نفقة الأقارب إلا في حال مخصوص ، وهو الإعسار ، وكلام الخصم ودليله مطلق ، نعم عن الجامع التقييد بذلك و ( منها ) أن به تعريضا بمال الوارث للتلف حيث يسقط الحمل ميتا.

على أنها معارضة بالنصوص الكثيرة ، كصحيح محمد بن مسلم (٢) عن أحدهما عليهما‌السلام سأله « عن المتوفى عنها زوجها إلها نفقة؟ قال : لا ، ينفق عليها من مالها » وحسن الحلبي (٣) سئل الصادق عليه‌السلام « عن الحبلى المتوفى عنها زوجها هل لها نفقة؟ قال : لا ».

ومن هنا كان الأقرب عدم النفقة لها كما صرح به جماعة ، بل المشهور ، بل لم أجد فيه خلافا إلا ممن عرفت ، سواء قلنا : إن النفقة للحمل أو للحامل ، لأن ذلك إنما هو في المطلقة البائن ، فما عن المختلف من أنه « إن كانت النفقة للحمل أنفق عليها وإلا فلا » كما ترى.

وما في‌ خبر السكوني (٤) عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم‌السلام « نفقة الحامل المتوفى عنها زوجها من جميع المال حتى تضع » ـ مع الضعف والمعارضة بما سمعت وعدم القائل بمضمونه بل في كشف اللثام الإجماع على خلافه ـ يحتمل الاستحباب ، وأن‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب النفقات الحديث ٤ من كتاب النكاح.

(٢) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب النفقات الحديث ٦ من كتاب النكاح.

(٣) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب النفقات الحديث ١ من كتاب النكاح مع الاختلاف في اللفظ.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب النفقات الحديث ٢ من كتاب النكاح.

٣٦٣

المراد الإنفاق من الجميع حتى إذا وضعت الولد حيا أخذت النفقة من نصيبه.

وعلى كل حال فـ ( لها أن تبيت حيث شاءت ) كما سمعت الكلام فيه سابقا.

( المسألة الرابعة )

لو تزوجت في العدة لم يصح بلا خلاف ولا إشكال نصا (١) وفتوى ، كما تقدم الكلام في كتاب النكاح ، من غير فرق بين حال الجهل والعلم وحينئذ لم تنقطع عدة الأول قطعا ، لأن مجرد العقد الفاسد لا يقطعها.

( فـ ) حينئذ إن عقدها ولم يدخل الثاني بها فهي في عدة الأولى بلا خلاف ولا إشكال ، بل إن وطأها الثاني عالما بالتحريم فالحكم كذلك أيضا ، لما عرفت من أنه لا حرمة لماء زان سواء حملت منه أو لم تحمل فهي حينئذ في عدة الأول ولا عدة عليها للثاني ، كما تقدم الكلام فيه سابقا أيضا.

ولو كان جاهلا ولم تحمل أتمت عدة الأول ، لأنها أسبق واستأنفت أخرى للثاني على أشهر الروايتين عملا ، بل المشهور ، بل عن الخلاف الإجماع عليه ، لأصالة عدم التداخل ، ول‌ صحيح الحلبي أو حسنه (٢) عن أبى عبد الله عليه‌السلام « سألته عن الحلبي يموت زوجها فتضع وتتزوج قبل أن يمضي لها أربعة أشهر وعشرا ، فقال : إن كان دخل بها فرق بينهما ، ثم لم تحل له أبدا ، واعتدت بما بقي عليها للأول ، واستقبلت عدة أخرى من الآخر ثلاثة قروء ، وإن لم يكن دخل بها فرق بينهما ، واعتدت بما بقي عليها من الأول ، وهو خاطب من الخطاب ».

وموثق ابن مسلم (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام « سألته عن الرجل يتزوج المرأة‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة من كتاب النكاح.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ـ ٦ من كتاب النكاح.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٩ من كتاب النكاح.

٣٦٤

في عدتها ، قال : إن كان دخل بها فرق بينهما ، ولم تحل له أبدا ، واعتدت بما بقي عليها من الأول ، واستقبلت عدة أخرى من الأخر ، وإن لم يكن دخل بها فرق بينهما ، وأتمت عدتها من الأول ، وكان خاطبا من الخطاب » (١).

وخبر علي بن بشير النبال عن أبي عبد الله عليه‌السلام وفيه « وإن فعلت ذلك بجهالة منها ثم قذفها بالزنا ضرب قاذفها الحد ، وفرق بينهما ، وتعتد بما بقي من عدتها الأولى : وتعتد بعد ذلك عدة كاملة ».

ولما‌ عن طبرسيات المرتضى من أنه روي (٢) « أن امرأة نكحت في العدة ففرق بينهما أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وقال : « أيما امرأة نكحت في عدتها فان لم يدخل بها زوجها الذي تزوجها فإنها تعتد من الأول ، ولا عدة عليها للثاني ، وكان خاطبا من الخطاب ، وإن كان دخل بها فرق بينهما ، وتأتي ببقية العدة عن الأول ، ثم تأتي عن الثاني بثلاثة أقراء مستقبلة » وروي مثل ذلك بعينه عن عمر (٣) و « أن طلحة كانت تحت رشيد الثقفي ، فطلقها فنكحت وهي في العدة ، فضربها عمر ، وضرب زوجها ، وفرق بينهما ، ثم قال أيما امرأة نكحت في عدتها فان لم يدخل بها زوجها الذي تزوجها فإنها تعتد عن الأول ، ولا عدة عليها للثاني ، وكان خاطبا من الخطاب ، وإن كان دخل بها فرق بينهما وأتت ببقية عدة الأول ، ثم تعتد عن الثاني ، ولا تحل له أبدا » ولم يظهر خلاف لما فعل ، فصار إجماعا » انتهى. بل لم أجد خلافا في ذلك ممن تقدم إلا من الإسكافي.

وأما الصدوق فإنه وإن قال في المحكي عن موضع من مقنعه : « إذا نعي إلى امرأة زوجها فاعتدت وتزوجت ثم قدم زوجها فطلقها وطلقها الآخر فإنها تعتد عدة واحدة ثلاثة قروء » لكن قال في المحكي عن موضع آخر منه : « إذا تزوج‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ١٨ من كتاب النكاح.

(٢) راجع التعليقة (٤) من ص ٢٦٤.

(٣) سنن البيهقي ج ٧ ص ٤٤١ وفيه « ان طليحة » كما تقدم في ص ٢٦٥.

٣٦٥

الرجل امرأة في عدتها ولم يعلم وكانت هي قد علمت أنه قد بقي من عدتها ثم قذفها بعد علمه بذلك فان كانت علمت أن الذي عملته محرم عليها وقدمت على ذلك فان عليها حد الزاني ، ولا أرى على زوجها حين قذفها شيئا ، وإن فعلت بجهالة منها ثم قذفها ضرب قاذفها الحد ، وفرق بينهما ، وتعتد عدتها الأولى ، وتعتد بعد ذلك عدة كاملة ».

كما أني لم أعرف له دليلا سوى دعوى أصالة البراءة المقطوعة بظاهر اقتضاء تعدد السبب تعدد المسبب ، وصحيح زرارة (١) عن الباقر عليه‌السلام « في امرأة تزوجت قبل أن تنقضي عدتها ، قال : يفرق بينهما ، وتعتد عدة واحدة عنهما جميعا » وخبر أبي العباس (٢) عن أبى عبد الله عليه‌السلام « في المرأة تتزوج في عدتها ، قال : يفرق بينهما ، وتعتد عدة واحدة عنهما جميعا » ومرسل جميل (٣) عن أحدهما عليهما‌السلام « في المرأة تتزوج في عدتها ، قال : يفرق بينهما ، وتعتد عدة واحدة منهما جميعا » وخبر زرارة (٤) عن الباقر عليه‌السلام « في امرأة فقدت زوجها أو نعي إليها فتزوجت ، ثم قدم زوجها بعد ذلك فطلقها ، قال : تعتد منهما جميعا ثلاثة أشهر عدة واحدة ، وليس للاخرة أن يتزوجها أبدا ».

مؤيدا ذلك بأن قاعدة اقتضاء تعدد السبب تعدد المسبب مختصة بما إذا كان السبب مطلقا ، وأما إذا كان مقيدا بوقت خاص لا يسع إلا فردا واحدا فلا اقتضاء ، لاستحالة التعدد حينئذ بل يكون ذلك دليلا على أن المراد التعريف من الاجتماع الأسباب حينئذ ، وما نحن فيه من الثاني ، ضرورة ظهور جميع أدلة العدد في اتصال العدة بالسبب أو ما يقوم مقامه ، كبلوغ الخبر في الوفاة ، وهو زمان غير قابل للتعدد ، فلا محيص عن التداخل حينئذ ، خصوصا بعد أن كان الغرض الاستبراء ، وقد حصل بالعدة الأولى ، بل ليس‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ١١ من كتاب النكاح.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ١٢ من كتاب النكاح.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ١٤ من كتاب النكاح.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٢ من كتاب النكاح.

٣٦٦

المقام عند التأمل إلا كشي‌ء متحد تعددت الأوامر به.

نعم قد يقال : إن ظاهر النصوص المزبورة كون التداخل مع فرض عروض السبب في أثناء مقتضي الأول ، بمعنى استئناف عدة للمتجدد تكون هي متممة لما بقي من العدة الأولى ، وعدة تامة للآخر ، لا أن المراد عدم تأثير الثاني أصلا مع فرض عروضه في أثناء عدة الأول ، حتى أنه يجتزأ بما بقي من اللحظة مثلا من عدة الشبهة لو فرض وقوع الطلاق في أثنائها ، وكأنه واضح الفساد.

وعلى كل حال فدليل التداخل ما سمعت ، ومن هنا مال جماعة من متأخري المتأخرين إلى قول ابن الجنيد ، حاملين أخبار التعدد على الندب ، أو على التقية التي يشهد لها ـ مضافا إلى ما سمعت من كونه فتوى عمر ـ خبر زرارة (١) « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن امرأة نعي إليها زوجها فاعتدت وتزوجت ، فجاء زوجها الأول ففارقها وفارقها الأخر ، كم تعتد للناس؟ قال : ثلاثة قروء ، إنما تستبرئ رحمها بثلاثة قروء ، وتحل للناس كلهم ، قال زرارة : وذلك أن الناس قالوا : تعتد عدتين ، من كل واحد عدة ، فأبى ذلك أبو جعفر عليه‌السلام ، وقال : تعتد بثلاثة قروء ، وتحل للرجال ».

ومرسل يونس (٢) « في امرأة نعي إليها زوجها ، فتزوجت ، ثم قدم الزوج الأول فطلقها وطلقها الآخر ، فقال إبراهيم النخعي عليها أن تعتد عدتين ، فحملها زرارة إلى أبي جعفر عليه‌السلام ، فقال : عليها عدة واحدة ».

إلا أن الجميع كما ترى بعد ما عرفت من الشهرة العظيمة ، فضلا عن الإجماع المحكي ، بل يمكن دعوى تحصيله ، فلا مكافئة حتى يجمع بينهما بذلك.

ودعوى عدم معقولية التعدد هنا واضحة المنع ، ضرورة أن العدة إنما هي تربص مدة من الزمان عن التزويج ، والاتصال بالسبب غير معتبر في مفهومها شرعا ولا لغة ، نعم ظاهر الأدلة فوريتها ، فمع فرض التعدد يكون الفورية حينئذ على‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب العدد الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب العدد الحديث ٢.

٣٦٧

حسب الإمكان بالتعاقب.

على أنه اجتهاد في مقابلة النصوص المعمول بها بين الأصحاب ، بل قد سمعت دعوى الإجماع على مضمونها ، فلا تصلح النصوص المزبورة بعد الاعراض عنها مكافئة لها ، بل المتجه طرحها أو حملها على ما عن الشيخ من كونها مع عدم دخول الثاني ، وحينئذ فيكون ما فيها من الاعتداد منهما على معنى أنه لا عدة عليها للثاني ، وقد تقدم جملة من هذا الكلام في هذه المسألة في كتاب النكاح ، بل وفي فروع الفصل الرابع من هذا الكتاب ، فلاحظ وتأمل.

ولكن هنا نقول أيضا لو حملت هنا وكان ما يدل على أنه للأول ولو بفرض أنه طلقها حاملا ثم وطأها المشتبه اعتدت بوضعه للأول قطعا ، لأن الكلام هنا في المطلقة وإن كان حكم التزويج في العدة شاملا لها ولغيرها وللثاني بثلاثة أقراء بعد وضعه إن كانت معتدة بها ، وإلا فبالأشهر.

وإن كان هناك ما يدل على أنه للثاني ولو بولادته لأكثر من أقصى الحمل من وطء الأول ولما بينه وبين الأقل من وطء الثاني اعتدت بوضعه له ، وأكملت عدة الأول بعد الوضع بلا خلاف ولا إشكال ، كما تقدم الكلام في ذلك كله سابقا.

نعم في المسالك هنا « أنه إن كانت الأولى بالأشهر فواضح ، وإن كانت بالأقراء وعرض وطء الثاني في أثناء القرء لم يحتسب قرء ، بل تكمله بعد الوضع إلى أن يبتدئ النفاس إن تأخر عن الولادة ، ولو اتصل بها سقط اعتبار ما سبق من الطهر ، واحتسب بما بعد النفاس وإن طال زمانه ، لأنها قد ابتدأت العدة بالأقراء ، فلا ترجع إلى الأشهر لو فرض مضي ثلاثة بعد النفاس طهرا بسبب الرضاعة ، نعم لو فرض بلوغها بعد الولادة سن اليأس أتمت العدة الأولى بالأشهر ، كما سبق نظيره ».

وفيه أن المتجه في الأول أيضا الاجتزاء بالأشهر الثلاثة ، لما سمعت من النص (١) والفتوى أن العدة أسبق الأمرين : الأقراء أو الأشهر ، كما أوضحنا‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب العدد الحديث ٣ ـ ٥.

٣٦٨

الكلام في ذلك ، من غير فرق بين سبق القرء وعدمه إلا في المسترابة التي قد مر الكلام فيها أيضا.

بل قد يشكل أيضا ما ذكره من التلفيق المزبور ـ بناء على أنه مخالف للقواعد ـ بأن الفرض غير المنصوص منه.

وأشكل من ذلك ما ذكره فيها أيضا من أنه قد يكون إحدى العدتين بالأقرباء والأخرى بالأشهر ، كما لو طلقها الأول ومضى عليها قرءان مثلا ، ثم وطئت بالشبهة ولم تحمل ، فإنها تكمل الأولى بالأقراء ، فلو فرض انقطاع دمها في زمن الثانية ثلاثة أشهر اعتبرت بالأشهر ، ولو فرض بلوغها سن اليأس بعد الحكم عليها بالاعتداد من الثاني وقبل الفراغ من عدة الأول بأن بقي لها منها قرء أكملت عدة الأول شهرا واعتدت للثاني بثلاثة أشهر وإن كانت يائسة في جميع وقتها ، لسبق وجوبها قبل اليأس ، كما سبق وجوب إكمال الأولى قبله ، ولا يأتي عندنا اعتداد اليائسة بجميع العدة في زمن اليأس إلا هنا ، ولو اعتبرنا زمن استفراش الثاني لها قاطعا لعدة الأول فاستدام فراشه إلى أن بلغت سن اليأس ثم فرق بينهما أكملت عدة الأول بالأشهر أيضا ثم اعتدت للثاني بها ، ضرورة منافاة ذلك لأصل البراءة ، ولما دل (١) على عدم العدة على اليائسة الشامل للفرض ولغير ذلك مما يظهر لك مما قدمناه في مسألة التلفيق ، فلاحظ وتأمل.

وأما ما أومأ إليه أخيرا بقوله : « ولو اعتبرنا » إلى آخره فقد ذكر سابقا « أنه يفهم من قول المصنف : « ولم ينقطع » إلى آخره أن زمن زوجية الثاني ظاهرا ووطئه محسوب من عدة الأول وإن كانت فراشا للثاني ، ولا يخلو من إشكال ، لأن الفراش ينافي الاعتداد المعتبر لبراءة الرحم ، خصوصا زمن الوطء بالفعل ، ولو قيل بأن مدة كونها فراشا للثاني وهو من حين العقد إلى حين العلم بالحال لا يعتبر من عدة الأول كان وجها ، ولو فرض كون وطء الشبهة بغير عقد فالمستثنى من العدة على هذا الوجه زمن الوطء فيبني على العدة السابقة ، لما عرفت من ذلك الأمر ، ويظهر كونه فراشا.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب العدد.

٣٦٩

للثاني مع جهله وإن كان العقد فاسدا من تعليل إلحاق الولد به بل من ترجيحه على الأول بكونها فراشا بالفعل ، نعم لو قيل بأنها لا تصير فراشا إلا بالوطء خاصة وإن وقع عقد لفساده شرعا اتجه أيضا ، أما نفي فراشها مطلقا كما ذكره في التحرير معللا به عدم قطع العدة مطلقا فغير واضح ».

قلت : قد اشتهر على الألسنة أن الفراش لا يجامع العدة ، لكن لا دليل على إطلاقه ، بل هو مناف للمعتدة عن وطء الشبهة إذا كانت زوجا لاخر ، نعم قد يقال : إنه لما كانت العدة تربص المرأة عن الوطء المحترم نافاها نفس الوطء ، فيستثنى حينئذ زمانه خاصة من العدة ، من غير فرق في ذلك بين كون الشبهة عن عقد وعدمه ، وربما كان فيما قدمنا سابقا من كون الأصح احتساب العدة للشبهة من وطئها لا من ارتفاع الشبهة نوع إيماء إلى ذلك ، بل لو لا الاستظهار السابق من الاعتداد ما ذكرناه أمكن احتساب زمن الوطء من العدة فضلا عن غيره ، لإطلاق الأدلة واستصحاب العدة وغيرهما.

وبذلك ظهر لك أنه لا مدخلية لصدق اسم الفراش في المنافاة المزبورة مع فرض عدم الدليل حتى يحتاج إلى الكلام ، فتأمل جيدا.

ومما قدمناه في المباحث السابقة يعلم الوجه فيما ذكره من الشبهات هنا في المسالك ، وخصوصا ما قدمناه في فروع الفصل الرابع ، فضلا عن مسألة نفقة الحامل عن شبهة التي قد ذكر فيها هنا وجوها خمسة ، وإن كان ثلاثة منها في غاية الضعف ، والله العالم.

وكذا الكلام فيما ذكره المصنف من تتمة المسألة من أنه لو كان ما يدل علي انتفائه أي الحمل عنهما بأن ولدته لأكثر من مدة الحمل من وطء الأول ولأقل من ستة أشهر من وطء الثاني لم يعتبر زمن الحمل به من العدتين ، لفرض خروجه عنهما ، وليس محكوما بكونه من زنا ، فالمتجه حينئذ إذا كان الأمر كذلك أتمت بعد وضعه عدة الأول ، واستأنفت عدة الأخير كما هو واضح‌

٣٧٠

بعد الإحاطة بما ذكرناه. ولو احتمل أن يكون منهما قيل والقائل الشيخ : يقرع بينهما للإشكال ويكون الوضع حينئذ عدة ممن يلحق الولد به ولكن فيه إشكال ينشأ من كونها فراشا للثاني بوطء الشبهة ، فيكون أحق به تقديما للفراش الفعلي على غيره ، وقد عرفت تمام الكلام في ذلك في كتاب النكاح ، بل وفيما مضى من كتاب الطلاق.

المسألة ( الخامسة : )

تعتد زوجة الحاضر من حين الطلاق أو الوفاة بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، لقاعدة اتصال العدة بسببها ، ولصدق تربصها المدة المزبورة ، بناء على أن المراد منه جلوسها عن النكاح المدة المزبورة ، كصدق مضي ذلك ، فيندرجان حينئذ في إطلاق ما دل على ذلك ، وللمفهوم في النصوص (١) الاتية في الثانية ، ولغير ذلك.

وكذا تعتد من الغائب في الطلاق من وقت الوقوع عند المشهور بين الأصحاب ، بل عن الناصريات الإجماع عليه ، للنصوص المستفيضة أو المتواترة ، كصحيح ابن مسلم (٢) قال لي أبو جعفر عليه‌السلام : « إذا طلق الرجل وهو غائب فليشهد على ذلك ، فإذا مضى ثلاثة أقراء من ذلك اليوم فقد انقضت عدتها ».

وصحيح الحلبي أو حسنه (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سألته عن الرجل يطلق امرأته وهو غائب عنها من أي يوم تعتد؟ فقال : إن قامت لها بينة عدل أنها طلقت في يوم معلوم وتيقنت فلتعتد من يوم طلقت ، وإن لم تحفظ في أي يوم أو في أي شهر فلتعتد من يوم يبلغها ».

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب العدد.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب العدد الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب العدد الحديث ٢.

٣٧١

إلى غير ذلك من النصوص التي لم أجد لها مخالفا عدا ما يحكى عن التقي من اعتبار البلوغ لظاهر الأمر (١) بالتربص الذي يجب الخروج عنه بعد تسليمه بما عرفت ، ولأن الاعتداد عبادة يحتاج إلى النية ، وفيه منع واضح ، بل الظاهر إلحاق غير الطلاق من الفسخ وغيره به في ذلك.

نعم تعتد زوجة الغائب منه في الوفاة من حين البلوغ لا من حين الوفاة على المشهور أيضا ، بل عن الناصريات الاتفاق عليه ، بل عن السرائر والتحرير نفي الخلاف فيه ، للنصوص المستفيضة أو المتواترة.

كصحيح ابن مسلم (٢) عن أحدهما عليهما‌السلام « في رجل يموت وتحته امرأة وهو غائب ، قال : تعتد من يوم يبلغها وفاته ».

وخبر أبي الصباح الكناني (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « التي يموت عنها زوجها وهو غائب فعدتها من يوم يبلغها إن قامت لها البينة أو لم تقم ».

وصحيح يزيد بن معاوية (٤) عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال : « في الغائب عنها زوجها إذا توفي ، قال : المتوفى عنها زوجها تعتد من يوم يبلغها الخبر ، لأنها تحد عليه ».

وصحيح البزنطي (٥) عن الرضا عليه‌السلام المروي عن قرب الاسناد « سأله صفوان ابن يحيى وأنا حاضر عن رجل طلق امرأته وهو غائب فمضت أشهر ، فقال : إذا قامت البينة أنه طلقها منذ كذا وكذا وكانت عدتها قد انقضت فقد حلت للأزواج ، قال : فالمتوفى عنها زوجها ، قال : هذه ليست مثل تلك ، هذه تعتد من يوم يبلغها الخبر ، لأن عليها أن تحد ».

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٢٨.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب العدد الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب العدد الحديث ٢.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب العدد الحديث ٣ عن بريد بن معاوية.

(٥) الوسائل الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب العدد الحديث ٧.

٣٧٢

إلى غير ذلك من النصوص التي لا يقاومها‌ صحيح الحلبي (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قلت له : امرأة بلغها نعي زوجها بعد سنة أو نحو ذلك ، فقال : إن كانت حبلى فأجلها أن تضع حملها ، وإن كانت ليست بحبلى فقد مضت عدتها إذا قامت لها البينة أنه مات في يوم كذا وكذا ، وإن لم يكن لها بينة فلتعتد من يوم سمعت ».

وخبر الحسن بن زياد (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المطلقة يطلقها زوجها ولا تعلم إلا بعد سنة ، والمتوفى عنها زوجها ولا تعلم بموته إلا بعد سنة ، قال : إن جاء شاهدا عدل فلا تعتدان ، وإلا يعتدان ».

وخبر وهب بن وهب (٣) عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام « إن عليا عليه‌السلام سئل عن المتوفى عنها زوجها إذا بلغها ذلك وقد انقضت عدتها فالحداد يجب عليها؟ فقال علي عليه‌السلام : إذا لم يبلغها حتى تنقضي عدتها فقد ذهب ذلك كله ، وقد انقضت عدتها » بعد الشذوذ ، واحتمال وهم الراوي في المطلقة ـ كما عن الشيخ ـ وموافقتها للمحكي عن جميع العامة ، واحتمال الأخير الحاضر ، كما ستعرف.

فما عن ابن الجنيد ـ من القول بمضمونها ـ واضح الضعف وإن مال إليه في المسالك جامعا بينها وبين الأولى بالحمل على الندب ، لكنه كما ترى ، ضرورة كونه فزع المكافئة ، على أن الحمل على التقية أولى من الندب.

وأضعف من ذلك ما عن الشيخ في التهذيب من التفصيل بين المسافة القريبة كيوم أو يومين أو ثلاثة والبعيدة ، فالأولى تعتد من حين الوفاة ، والثانية من حين البلوغ ، لصحيح منصور (٤) « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول في المرأة يموت زوجها أو يطلقها وهو غائب ، قال : إن كانت مسيرة أيام فمن يوم يموت زوجها تعتد ، وإن كان من بعد فمن يوم يأتيها الخبر ، لأنها لا بد أن تحد له » الواضح قصوره عن مقاومة ما عرفت من وجوه ، فلا يصلح للجمع بين النصوص حينئذ فلا بد من‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب العدد الحديث ١٠.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب العدد الحديث ٩.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب العدد الحديث ٧.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب العدد الحديث ١٢.

٣٧٣

طرحه أو حمله ـ كما في الحدائق ـ على من كان في حكم الحاضر ممن كان في بلاد متسعة جدا ، بحيث يمكن تأخر وصول الخبر اليوم واليومين ، أو رستاق فيه قرى عديدة ، وإن كان بعيدا لفرض الغائب فيه.

نعم ما ذكره من حكم المحمول عليه متجه ، فان ظاهر الأصحاب اعتداد زوجة الحاضر من حين الوفاة وإن لم يبلغها الخبر لمانع من الموانع ـ كالحبس والمرض ونحوهما ـ حتى مضى جملة من العدة بل أكثرها بل جميعها.

ولعله لظهور أدلة العدة في الاتصال بسببها خرج منها الغائب للنصوص المزبورة المحمول ما فيها من الإطلاق الشامل له ولغيره على التقييد بالغائب في غيرها ، أو المنساق من مواردها وفحواها وغيرهما ، بل يمكن حمل خبر وهب بن وهب (١) المتقدم على ذلك.

واحتمال إلحاق مثل الفرض بالغائب نحو ما سمعته في طلاق الغائب وإن كان ممكنا خصوصا بعد احتمال الجري على الغالب في التقييد بالغائب بل والحاضر في عبارات الأصحاب إلا أني لم أجد أحدا ذكره ، بل ظاهرهم خلافه ، مع أنه موافق لما عرفت من قاعدة اتصال المسبب بسببه ، فلا حاجة للخروج منها.

كما أني لم أجد من صرح بمقتضى التعليل المزبور في النصوص من كون ابتداء اعتداد الأمة من حين الوفاة ، لما عرفت من أنه لا حداد عليها إلا ثاني الشهيدين في الروضة خاصة وأما المسالك فقد جزم فيها بكونها كالحرة في اعتدادها بلوغ الخبر ، بحمل التعليل المزبور على الحكمة دون العلة ، ولكن لم يذكر دليلا على ذلك ، مع ظهور كثير من النصوص (٢) في كونه علة.

نعم قد يقال : إن مقتضاه حينئذ كون الحداد واجبا شرطيا لا تعبديا ، كي يصح الاستدلال من الامام عليه‌السلام بذلك على كون الاعتداد من بلوغ الخبر بخلاف المطلقة التي لا حداد عليها ، وقد عرفت ضعف القول بذلك خصوصا بعد ملاحظة ما دل‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب العدد الحديث ٧.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب العدد الحديث ٣ و ٤ و ٥.

٣٧٤

من الإطلاق بانقضاء العدة بتربص أربعة أشهر وعشر من الآية والرواية ، فتأمل.

ولو كانت الامرأة مجنونة أو صغيرة ولم يبلغ الولي موت زوجها حتى كبرت أو أفاقت فهل تعتد حينئذ ، لأن ذلك الوقت بالنسبة إليها بلوغ ، أو تحسب عدتها من حين الوفاة ، لقاعدة الاتصال السابقة وظهور النصوص في غير الفرض؟ وجهان ، لم أجد لهما تنقيحا في كلام الأصحاب ، ولكن ثانيهما لا يخلو من قوة ، بل لعل العمل عليه.

كما أن الظاهر اعتداد أم الولد من حين وفاة سيدها لقاعدة الاتصال المزبورة التي لا يعارضها النصوص (١) المذكورة بعد أن كان مضمونها الزوجة إلا بدعوى الإلحاق التي لا دليل عليها ، بل الظاهر كون المحللة كذلك ، بناء على أنها تعتد من وفاة المحللة له ، نعم لا فرق في الزوجة التي تعتد بالبلوغ بين الحرة والأمة والدائمة والمتمتع بها ، لإطلاق الأدلة ، والله العالم.

ثم لا يخفى عليك أن ظاهر الأصحاب اعتدادها ببلوغ الخبر ولو كان الذي أخبر غير العدل ، لكن لا تنكح إلا بعد الثبوت شرعا وفائدته الاجتزاء بتلك العدة لو بان صدق الخبر ، بل لو تزوجت فبان كونه بعد عدتها صح ، ولا تحرم عليه وإن فرق الحاكم بينهما ظاهرا قبل ذلك ، وإثما بالاقدام ، بل صرح بذلك غير واحد ، بل لم أجد فيه خلافا ، ولعله لإطلاق الأدلة وقوله عليه‌السلام في خبر أبي الصباح (٢) السابق « إن قامت لها البينة أو لم تقم » وإن كان ـ إن لم يكن إجماعا ـ أمكن المناقشة بإرادة البلوغ الشرعي ولو خبر العدل الذي يصدق معه عدم قيام البينة ، فلا ينافيه خبر أبي الصباح.

وعلى كل حال فهل يقوم اعتدادها لامارة ظنية غير الخبر مقامه حتى يجتزأ بها لو صادف ذلك؟ وجهان ، لم أجد لهما تنقيحا في كلام الأصحاب.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب العدد.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب العدد الحديث ٢.

٣٧٥

كما أني لم أجد تنقيحا أيضا لكون الاعتداد عليها بخبر الفاسق مثلا على جهة الوجوب ـ كما هو المنساق في بادئ الرأي من الأوامر في النصوص (١) ـ أو أن ذلك لها رخصة ، لفائدة الاجتزاء بها بعد ذلك لو صادفت ، والأمر في النصوص إنما يراد به ذلك لأنه في مقابلة اعتداد المطلقة من حين الطلاق ، ولا ريب في أن الأحوط لها تجديد الاعتداد إذا لم تكن قد عزمت عليه ببلوغ الخبر المزبور ، خصوصا مع تركها الحداد.

والظاهر قيام الكتابة مقام الخبر ، بل كل أمارة تفعل لإرادة الإخبار من إرسال ثيابه ونحوها كذلك ، لصدق اسم البلوغ بها عرفا ، والله العالم. هذا كله في المتوفى عنها زوجها.

وأما المطلقة فقد عرفت اعتدادها من حين الطلاق في الحاضر والغائب ، نعم لو علمت الطلاق ولم تعلم الوقت اعتدت عند البلوغ بلا خلاف أجده فيه ، لصحيح الحلبي (٢) السابق ، ولأصالة تأخر الحادث ، إذ المراد وإن كان النص والفتوى مطلقين عدم علمها بالوقت على وجه يحتمل كون الطلاق قد وقع في زمان علمها ، أما إذا فرض علمها بسبق ذلك وإن لم تعلم بالخصوص اعتدت بمقدار ما علمته من المدة ثم أكملته بعد ذلك بما يتمها ، لتطابق النص والفتوى على اعتداد المطلقة من حين الطلاق ، وإن لم تعلم به ، ففي الفرض تعلم انقضاء جملة من عدتها ، فلتعتد باحتسابه ، ولكن مع ذلك فالاحتياط لا ينبغي تركه.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب العدد.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب العدد الحديث ٢.

٣٧٦

المسألة ( السادسة : )

إذا طلقها بعد الدخول ، ثم راجع في العدة ، ثم طلق قبل المسيس لزمها استئناف العدة ، لبطلان الأولى بالرجعة المقتضية فسخ الطلاق وعود النكاح السابق ، بل هو معنى الرجوع في الحقيقة ، وليست هي سببا لإنشاء نكاح جديد ، وإلا لتوقف على رضاها ، فيصدق حينئذ على الطلاق الثاني أنه طلاق امرأة مدخول بها بالنكاح الذي يريد فسخه بالطلاق ، خلافا للعامة ، فأوجبوا عليها إكمال العدة الأولى التي بطلت بالفراش الحاصل بالرجعة.

وكذا الحال فيما لو خالعها بعد الرجعة إذ هو كالطلاق بالنسبة إلى ذلك وإن قال الشيخ هنا : الأقوى أن لا عدة ، ولكن هو كما ترى بعيد خصوصا إذا أراد اختصاص الخلع بذلك عن الطلاق ، كما هو ظاهر المتن ، ضرورة عدم الفرق بينهما لأنه كما يصدق على الطلاق أنه طلاق امرأة مدخول بها فتجب العدة لها ، كذلك يصدق أنه خلع عن عقد تعقبه الدخول لما عرفت من أن الرجعة أفادت عوده إلى النكاح الأول ، هذا كله في المطلقة رجعيا ثم راجعها في العدة.

أما لو خالعها من أول الأمر بعد الدخول بها وصيرورتها في طهر جديد ثم تزوجها في العدة ، وطلقها قبل الدخول لم تلزمها العدة كما سمعت الكلام فيه في بحث الحيل ، لأن العدة الأولى بطلت بالفراش الجديد المنافي للاعتداد ، ضرورة كونها زوجة حينئذ ، وقد انقطع حكم الخلع والفرض أنه أى العقد الثاني لم يحصل معه دخول فيندرج فيما دل من الآية (١) والرواية (٢) على عدم العدة على المطلقة غير المدخول بها.

__________________

(١) سورة الأحزاب : ٣٣ ـ الآية ٤٩.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب العدد.

٣٧٧

وقيل والقائل القاضي يلزمها العدة ، لأنها لم تكمل العدة الأولى وظاهره عدم العدة للطلاق الثاني ، ولكن يجب عليها إكمال العدة الأولى التي لم تتمها ، وانقطاعها إنما هو بمقدار زمان الفراشية ، فمع فرض زواله بالطلاق الثاني وجب عليها إكمال الأولى المستصحب بقاؤها.

وفيه أن مقتضاه وجوب ذلك عليها أيضا لو فرض طلاقها بعد الدخول الموجب عدة ، اللهم إلا أن يدعى دخول الأولى في الثانية حينئذ ، وعلى كل حال فهو واضح الضعف ، ضرورة انقطاع حكم الطلاق من أصله بالعقد الثاني الذي صيرها زوجة بعد أن كانت مطلقة ومن هنا قال المصنف الأول أشبه بأصول المذهب وقواعده.

نعم ربما قال بعض متأخري المتأخرين بوجوب عدة للطلاق المتجدد باعتبار الدخول السابق ، لصدق طلاق مدخول بها ولو بالعقد السابق الذي لم يتم عدته.

وفيه أن المراد الدخول بالعقد الذي فسخه الطلاق ، لا ما يشمل العقد الأول ، لا أقل من الشك والأصل عدم العدة ، وقد تقدم تمام الكلام في ذلك في بحث الحيل ، فلاحظ وتأمل.

المسألة ( السابعة )

لا خلاف ولا إشكال في أن وطء الشبهة يسقط معه الحد الذي عنوانه الزنا وتجب له العدة لإطلاق ما دل (١) على وجوبها بالإدخال والماء الشامل للفرض ، كما تقدم الكلام في ذلك غير مرة ، وفي أن عدته عدة الطلاق.

نعم في المسالك والحدائق والمحكي من عبارة الشيخ وجوب العدة للشبهة ولو من الامرأة خاصة ، بل أرسلوه إرسال المسلمات ، ولكن فيه أنه مناف للأصل ولما‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب المهور من كتاب النكاح.

٣٧٨

دل (١) على عدم حرمة ماء الزاني ، فلا حق له عليها في الاعتداد الذي ظاهر قوله تعالى (٢) ( فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها ) كونه من حقوقه ، ولعله لذا قال في كشف اللثام : « لا عدة عليها وإن لم يكن الولد ولد الزنا ، كما نص عليه الأصحاب ، فإن العدة إنما هي حق الواطئ ، فإذا لم يحرم وطءه لم يكن له عدة ».

وكيف كان فـ ( لو كانت المرأة عالمة بالتحريم وجهل الواطئ لحق به النسب ، ووجبت له العدة ، وتحد المرأة ) حد الزانية ولا مهر لها لأنها بغي بلا خلاف ولا إشكال في شي‌ء من ذلك ، كما أنه لو انعكس الأمر لحق الولد بالامرأة ، ويحد الرجل حد الزاني ، ولها عليه مهر المثل ، ولا عدة عليها على الأصح ، وإن كان هو الأحوط.

ولو كانت الموطوءة العالمة بالتحريم مع جهل الواطئ أمة لحق به الولد قطعا ، لأنه أشرف الأبوين وإن كان علي ه‍ أي الواطئ قيمته لمولاه حين سقط ، ومهر مثل الأمة وإن كانت هي بغيا وقيل : العشر إن كانت بكرا ، ونصف العشر إن كانت ثيبا ، وهو المروي (٣) كما قدمنا الكلام في ذلك مفصلا في كتاب النكاح ، فلاحظ وتأمل.

__________________

(١) يستفاد ذلك من‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الولد للفراش وللعاهر الحجر » المروي في الوسائل في الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء من كتاب النكاح.

(٢) سورة الأحزاب : ٣٣ ـ الآية ٤٩.

(٣) الوسائل الباب ـ ٦٧ ـ من أبواب النكاح العبيد والإماء الحديث ١ من كتاب النكاح.

٣٧٩

المسألة ( الثامنة : )

إذا طلقها بائنا ثم وطأها لشبهة قيل وإن لم نعرف القائل به قبل المصنف : تتداخل العدتان بأن تستأنف عدة كاملة للأخير منهما ، وتدخل فيها بقية الأولى لأنهما لواحد والموجب لها حقيقة إنما هو الوطء ، وإذا استأنفت عدة كاملة ظهرت براءة الرحم ، لانقضائها ، ولأولويته من التداخل لشخصين الذي قد سمعت التصريح به في النصوص (١) وهو حسن عند المصنف ، بل جزم به الفاضل في القواعد حاملا كانت المطلقة أو حائلا خلافا للمحكي عن الشيخ وابن إدريس ، فلا تتداخل ، بل في كشف اللثام نسبته إلى إطلاق الأكثر ، وفي غيره إلى المشهور ، للأصل الذي لا يقطعه ما ذكره من الحكمة ولا الأولوية المزبورة بعد عدم القول بمضمون النصوص المذكورة كما سمعت ، وليس الموجب لها في الفرض حقيقة الوطء ، بل هو والطلاق ، وكل منهما سبب.

نعم لو تعدد الوطء من المشتبه اجتزئ بعدة كاملة للأخير ، لكون الموجب لها حقيقة هو الوطء.

فالأقوى حينئذ عدم التداخل ، سواء كانت من جنس واحد ـ وهو الأقراء أو الأشهر ـ أو جنسين ، بأن كانت إحداهما بالحمل والأخرى بالأقراء ، كما لو طلقها حائلا ثم وطأها في الأقراء وأحبلها ، أو بأن طلقها حاملا ثم وطأها قبل أن تضع ، بل عدم التداخل في الأخير أوضح ، بل قد يمنع تحقق التداخل المصطلح فيه ، لعدم اتحاد المكلف به ، فيرجع حينئذ إلى سقوط سببية أحد السببين ، لأنه مع فرض انقضائهما أجمع بالوضع الذي كان عدة الأول يكون الثاني لا مقتضى له ، أو الأول الذي كان مقتضاه الأقراء مثلا.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ١١ و ١٢ و ١٣ من كتاب النكاح.

٣٨٠