جواهر الكلام - ج ٣٢

الشيخ محمّد حسن النّجفي

جوازه ، إذ كل من القريب والبعيد عنه يتحقق به الخروج عنه ، لأنه معنى متحد ، ولعله لذا قال في كشف اللثام بعد أن حكاه عن المبسوط وغيره : « وفيه نظر ».

بل قد يناقش في أصل وجوب تطلب الزوج ذلك من المالك ولو بأجرة المثل ، ضرورة عدم صدق الإخراج منه فيهما ، كعدم صدق الخروج منها ، فلا يندرج في النهي عن الإخراج ولا النهي عن الخروج ، وإلا لوجب بذل غير المضر بالحال وإن زاد عن أجرة المثل ، كما هو مقتضى باب المقدمة في تحصيل ماء الوضوء والغسل ونحوهما.

بل قد يقال إن مقتضى التكليف بذيها عدم تسلط المعير على الرجوع بالعين إذا كان قد أعارها لأن تطلق فيه ، ضرورة كونه حينئذ ـ كالعارية للدفن والرهن وللصلاة ونحوها مما يتعلق به خطاب شرعي ـ بعد التلبس. يمنع من رد العين إلى مالكها ، وأقصى ما يقتضيه فسخ العقد الجائز استحقاق الأجرة عليه ، بل ربما يقال بذلك فيما لو أعاره للسكنى فاتفق الطلاق فيه ، بناء على اللزوم فيما لو أعاره الثوب مثلا للبس فصلى فيه أو منزلا للسكنى فصلى فيه ، فلا محيص حينئذ عن رفع اليد عن باب المقدمة أو الالتزام بمثل ذلك ، ولم أجد أحدا احتمل ذلك ، نعم قد يقال : إن إطلاق المصنف وغيره الجواز يقتضي عدم ملاحظة المقدمة ، فتأمل.

ولو انتفت الضرورة بأن بذله مالكه بعد الخروج ففي وجوب العود إليه وجهان ، من زوال الضرورة ، ومن سقوط اعتباره بعد الاذن شرعا بالخروج والإخراج منه ، والأصل براءة الذمة من العود والإعادة ، خصوصا بعد أن كان الغرض الذاتي ملازمة المرأة للمسكن من غير أن تخرج ، وقد فات ، ولعله الأقوى كما في كشف اللثام وغيره.

بل في المسالك في عودها إلى الأول منافاة للمقصود ، كانتقالها عنه ، وظاهره جريان حكم الإخراج والخروج منه على الثاني ، ولا يخلو من نظر ، ضرورة ظهور النص (١) والفتوى بل والكتاب (٢) في اختصاص الحكم المزبور بمنزل الطلاق‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من أبواب العدد.

(٢) سورة الطلاق : ٦٥ ـ الآية ١.

٣٤١

لا غيره ، والأصل براءة الذمة من جريان حكم الاعتداد الزائد على حكم النفقات على الثاني ، والله العالم.

ولو طلقت في مسكن دون مستحقها من المنازل فان رضيت بالمقام فيه وإلا جاز لها المطالبة بـ ( الخروج عند الطلاق إلى مسكن يناسبها ) وإن كانت رضيت به حال النكاح ، لاستصحاب الجواز السابق لها قبل الطلاق ، باعتبار كون ذلك حقا لها ، بل عن المبسوط بعد حكمه بالجواز أن عليه حينئذ نقلها إلى أقرب المواضع إلى ذلك فالأقرب وإن كان قد عرفت ما فيه بل في أصل حكمه بجواز المطالبة تردد مما عرفت ومن ظهور الكتاب (١) والسنة (٢) في حرمة الخروج عليها من حيث الاعتداد ، ولا ينافي ذلك كونه أنقص من مسكنها المستحق لها من حيث الإنفاق ، إذ يمكن الجمع بينهما بغرم التفاوت.

وأولى من ذلك بعدم الجواز ما لو كان قد أسكنها قبل الطلاق في مسكن زائد ثم طلقها فيه ، لإطلاق النهي المزبور وإن صرح بعضهم بجواز ذلك له ، بل ظاهر المسالك المفروغية منه ، لكنه في غير محله ، كما هو واضح. نعم يجوز بناء حاجز بحيث لا يضر في مستحقها.

ولو تمكن الزوج من ضم بقعة أخرى ـ ولو بابتياعها واستيجارها ـ إلى المنزل على وجه يصير باعتبارها مسكنا لائقا بها ففي القواعد لزمه ذلك ، ووافقه في كشف اللثام إن لم يلزمه غرامة أو ضرر فوق ما يلحقه من نقلها إلى آخر ، لكنه وعلى كل حال لا يخلو من بحث.

ولو أراد الزوج أن يساكنها في دار واحدة بأن تكون في بيت وهو في بيت آخر فان كانت المطلقة رجعية ففي القواعد لم تمنع ، بل في كشف اللثام « عندنا ، لأن له وطءها ومقدماته ، ويكون لها رجعة وإن لم ينوها كما عرفت ، فالخلوة بها أولى‌

__________________

(١) سورة الطلاق : ٦٥ ـ الآية ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من أبواب العدد.

٣٤٢

خلافا للعامة ».

لكن في المسالك أشكله بعد اعترافه بأنه ظاهر الأصحاب بأن « التمتع بها بالنظر وغيره إنما يجوز بنية الرجعة لا مطلقا ، فهي بمنزلة الأجنبية وإن كان حكمه أضعف ، فتكون الخلوة بها محرمة كغيرها ».

وفيه ( أولا ) أنه مناف لما تقدم في الرجعة من عدم الحاجة إلى النية على الأصح ، و ( ثانيا ) بما يظهر من النصوص المتكثرة (١) من أن لها التزين والتشوق له ونحوهما استجلابا له ، بل والاجتماع معه ، بل هو المراد من قوله تعالى (٢) : ( لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً ) بل في النصوص المزبورة تعليل ذلك بذلك ، بل هو المقصود من عدم إخراجهن من بيوتهن ، بل لعل سكناها معه هو المنساق من قوله تعالى (٣) ( أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ ) لا أقل من الشك في شمول ما دل على تحريم الخلوة بالأجنبية لها ، والأصل البراءة ، خصوصا بعد أن لم نعثر على دليله سوى‌ النبوي (٤) الذي لم أجده في طرقنا « لا يخلون رجل بامرأة ، فإن ثالثهما الشيطان » وخبر مسمع بن أبي سياب (٥) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « فيما أخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم البيعة على النساء أن لا يحتبين ولا يقعدن مع الرجال في الخلاء » وخبر موسى بن إبراهيم (٦) المروي عن المجالس عن موسى بن جعفر عن آبائه عليهم‌السلام عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يبيت في موضع يسمع نفس امرأة ليست بمحرم » ومرسل مكارم الأخلاق للطبرسي (٧) عن الصادق عليه‌السلام قال : « أخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢١ ـ من أبواب العدد.

(٢) سورة الطلاق : ٦٥ ـ الآية ١.

(٣) سورة الطلاق : ٦٥ ـ الآية ٦.

(٤) سنن البيهقي ج ٧ ص ٩١ والمستدرك الباب ـ ٧٧ ـ من مقدمات النكاح الحديث ٨ من كتاب النكاح.

(٥) الوسائل الباب ـ ٩٩ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ١ من كتاب النكاح عن مسمع بن أبي سيار.

(٦) الوسائل الباب ـ ٩٩ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ٢.

(٧) الوسائل الباب ـ ٩٩ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ٣.

٣٤٣

عن النساء أن لا ينحن ولا يخمشن ولا يقعدن مع الرجال في الخلاء » وغير ذلك مما يمكن حمله على الكراهة ، بل لعل المنساق منها ذلك ، فان اللسان لسانها ، ولا شهرة محققة للأصحاب.

نعم في القواعد « إن كانت المطلقة بائنة منع من السكنى معها إلا أن يكون معها من الثقات من يحتشمه الزوج » وفي الوسائل عقد لحرمة ذلك بابا ذكر فيه النصوص المذكورة ، وفي المسالك « هذه المسألة من المهمات ولم يذكرها الأصحاب في باب النكاح ، وأشاروا إليها في هذا الباب ».

قلت : يمكن أن يكون ذلك لعدم الحرمة عندهم ، ولعل ذلك للعامة كما يومئ إليه ما ذكره فيها من فروع المسألة ، قال : « والمعتبر من الخلوة المحرمة أن لا يكون معهما ثالث من ذكر أو أنثى بحيث يحتشم جانبه ولو زوجة أخرى أو جارية أو محرم له ، وألحق بعضهم بخلوة الرجل بالمرأة خلوة الاثنين فصاعدا بها ، دون خلوة الواحد بنسوة ، وفرقوا بين الأمرين بأن استحياء المرأة من المرأة أكثر من استحياء الرجل من الرجل ، ولا يخلو ذلك من نظر ـ ثم قال ـ : وحيث يحرم عليه مسكنها والخلوة بها يزول التحريم بسكنى كل واحد منهما في بيت في الدار الواحدة بشرط تعدد المرافق ، فلو كانت مرافق حجرتها كالمطبخ والمستراح والبئر والمرقى إلى السطح متحدة في الدار لم يجز بدون الثالث ، لأن التوارد على المرافق يفضي إلى الخلوة ، وحكم السفل والعلو حكم الدار والحجرة ، ولو كان البيت متحدا لكنه واسع فبنى حائلا جاز إن كان ما يبقى لها سكنى مثلها ، ثم إن جعل باب ما يسكنه خارجا عن مسكنها لم يفتقر إلى ثالث ، وإن جعله في مسكنها لم يجز إلا به ، لإفضائه إلى الخلوة بها وقت المرور ».

ولا يخفى عليك ما في ذلك من عدم الانطباق على أصولنا بعد فرض عدم دليل صالح لتفريع ذلك ونحوه عليه ، كما هو واضح ، ومن الغريب اعتماد بعض الناس هنا على الحرمة بدعوى ظهور عبارة المسالك فيه بقوله : « أشاروا » إلى آخره.

وأغرب منه ما يحكى عن بعض من قارب عصرنا من دعوى الإجماع على ذلك‌

٣٤٤

فضلا عن دعوى آخر الشهرة ، ضرورة أن أمثال هذه الدعاوي لا تورث الفقيه الماهر ظنا بمثل هذا الحكم العام البلوى الذي تنافيه السيرة القطعية ، بل وجملة من النصوص (١) الدالة على صحبة غير المحرم في طريق الحج وغيره ، لأن المؤمن ولي المؤمنة وغير ذلك ، والله العالم.

( الثاني )

لو طلقها ثم باع المنزل من غير ذكر للمشتري استحقاقها الاعتداد فيه تخير المشتري بين الصبر وبين الفسخ ، سواء كان اعتدادها بالأقراء أو بالأشهر.

وإن ذكر ذلك بعنوان الاشتراط عليه فان كانت معتدة بالأقراء أو الحمل لم يصح البيع ، لأنها حينئذ تستحق سكنى غير معلومة باعتبار تقدم العادة وتأخرها ونقصانها وزيادتها فيمن استقام حيضها وكذا الحمل فتتحقق الجهالة بالشرط ، فيبطل ويبطل العقد ، والعادة المستقيمة في الأقراء والحمل لا تجدي لإمكان تغير العادة ولو كانت معتدة بالأشهر صح لارتفاع الجهالة.

وأشكل كلا منهما في المسالك « أما الأول فبأن الاختلاف الحاصل أو الممكن مع اعتيادها استقامة الحيض قدر يسير ، فلا تضر جهالته حيث تكون المنفعة في زمانه تابعة للمعلوم ، كما جوزوا تبعية المجهول للمعلوم في البيع حيث يكون المجهول تابعا ، نعم هذا يجرى على قول من لا يصح بيع المجهول مطلقا ، والمصنف منهم كما نبه عليه في بابه ، فلذلك أطلق هنا ».

وفيه أنه لا وجه للتبعية هنا بخلافها في أس الجدار وبواطن الحيطان التي مبني البيع فيها عرفا على جهالتها ، نعم لو قلنا يفتقر مثل ذلك في الشرائط اتجه الصحة وإلا فلا.

ثم قال : « وأما الثاني فيمكن مساواته للأول في احتمال الجهالة ، لأن‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب وجوب الحج من كتاب الحج.

٣٤٥

المعتدة بالأشهر قد تتوقع الحيض في أثنائها ، فتنتقل إليها كما سبق ـ إلى أن قال ـ : ومع ذلك يمكن طرو الموت في أثناء العدة ، فتبطل وترجع المنفعة إلى ملكه أو ملك ورثته ، فلا وثوق بخروج المنفعة عن ملكه مدة العدة ، وبهذا يفرق بين بيع العين المؤجرة مدة معينة وبين بيع هذه الدار ، لأن منافع العين المستأجرة ملك للمستأجر ، ألا ترى أنه لو مات كانت لورثته ، بخلاف المعتدة ، فإنها لا تملك منفعة الدار ، ولذا لو ماتت كانت منافعها بقية المدة للزوج ».

ولا يخفى عليك أن الأخير من غرائب الكلام ، ضرورة عدم مدخليته في صحة البيع وفساده ، إذ ليس من الشرائط وثوق البائع بعدم عود المنفعة إليه ، فإن من باع دارا مستأجرة مدة معينة مشروطا فيها الخيار مثلا لا إشكال في صحة بيعه وإن لم يثق البائع بعود المنفعة إليه بالفسخ ، نعم إشكاله الأول لا يخلو من وجه ، إلا أنه قد يدفع بأن مبنى البطلان في الأول جهالة الأقراء عادة ، فإن الاستقامة فيها مبنية على الاختلاف بتقدم العادة وتأخرها وزيادة أيامها ونقصانها ، فمتى أخذت شرطا كان من الشرائط المجهولة المحكوم ببطلانها ، ويتبعها بطلان البيع ، لا أن مبناه احتمال تغير العادة والانتقال إلى الأشهر ، كي يأتي مثله في ذات الأشهر التي هي ذات مدة مضبوطة صح من جهتها البيع بناء على الغالب أو أصالة عدم التغير ، فمع فرض التغير ينجبر بالخيار ، ومثله لا يوجب جهالة قادحة ، فبان الفرق بينهما ، وأما دعوى التسامح في اليسير من اختلاف الأقراء حتى في صورة الشرطية فممنوعة.

وعلى كل حال فلو حاضت ذات الأشهر في الأثناء فإن انقضت عدتها بها في مقدار الأشهر أو أقل ففي المسالك « لا اعتراض للمشتري وكان البحث في بقية الأشهر هل ينتقل منفعتها إلى المشتري أو إلى البائع كما لو ماتت في أثنائها؟ والأظهر انتقالها إلى البائع ، لأنها كالمستثناة له مدة معلومة ».

وفيه أن مفروض المسألة استثناء اعتدادها تلك المدة ، فمع فرض موتها لا اعتداد ، فتتمحض الدار للمشترى ، وأولى من ذلك اتفاق اعتدادها بالأقل ، وليست المنفعة مملوكة للبائع ، وإنما يستحق سكنى زوجته فيها تلك المدة بالشرط ، كما‌

٣٤٦

أنها هي أيضا غير مملوكة لها ، وإنما لها حق الاستيفاء ، فتأمل جيدا ، فان بذلك يظهر لك النظر في غير ذلك من كلامه ، بل وكلام غيره ممن تأخر عنه.

ولو اتفقت العدة بالأقراء لذات الأشهر أكثر من الأشهر قدمت الزوجة بالباقي ، لسبق حقها ، وفي تخير المشتري في الفسخ والإمضاء وجهان ، من فوات بعض حقه ، فكان كتبعيض الصفقة ، ومن قدومه على ذلك ، فإنه كما يمكن بقاء استحقاقها طول المدة ، باستمرارها على عدم الحيض يحتمل نقصانه عنها ، وزيادته بالتغيير الطاري وتصحيح البيع للبناء على الغالب أو على أصالة عدم التغير لا يوجب تعيينه.

وفي المسالك « الأقوى الفرق بين من يعلم بالحكم وغيره ، فيتخير الثاني دون الأول ، لأن خيار تبعض الصفقة مشروط بجهل ذي الخيار بما يقتضي التبعيض ».

وفيه ( أولا ) أن المقام ليس من خيار تبعض الصفقة قطعا ، لأن المنفعة ليس من المبيع ، بل من صفاته ، ولذا لا يتقسط الثمن عليها مع الرضا بفواتها.

و ( ثانيا ) أن خيار التبعيض ليس مشروطا بالجهل بالحكم الشرعي ، وإنما هو مشروط بالجهل بالموضوع ، كما لو باع ماله ومال غيره غير عالم بذلك ، والفرض في المقام علم المشتري بكونه سكنى ذات عدة محتملة للزيادة والنقصان فالمتجه حينئذ عدم الخيار له لأصالة اللزوم بعد إقدامه على الحال المزبور ، هذا.

وفيها أيضا « وربما استثني من عدم صحة بيع المسكن ـ حيث لا نصححه ـ ما لو بيع على المطلقة ، لاستحقاقها حينئذ جميع المنفعة وإن كان بعضها به وبعضها بالزوجية ، فإن ذلك لا يقدح ، كما لو باع ما يملك وما لا يملك مع الجهل بقسط ما صح فيه البيع حالته ، وقد تقدم البحث في نظير المسألة في كتاب السكنى إذا بيع المسكن مدة معلومة أو مجهولة كالمقترن بالعمر ، وحققنا القول فيه ، فليراجع ثمة ».

٣٤٧

ولا يخفى عليك ما في تنظيره المقام ببيع المملوك وغيره وحضور التقسيط في ذهنه ، على أنه قد يشكل ذلك بناء على ما ذكره من عدم الوثوق بالمنفعة ، لاحتمال رجوعها إليه بالموت أو بعضها بانقضاء الأقراء في الأقل من الثلاثة ، و ( بالجملة ) لا يخفى عليك حال جميع كلامه في هذا المبحث ، ومن الغريب اتباع بعض الناس كالفاضل الأصبهاني له في بعض ذلك ، والله العالم.

( الثالث )

لو طلقها في منزل من منازله التي تباع في الدين ثم حجر عليه الحاكم قيل والقائل المشهور ، بل في المسالك « بين الأصحاب وغيرهم ، لم ينقل أحد فيه خلافا » عدا المصنف هي أحق بالسكنى ، لتقدم حقها على الغرماء كالمرتهن والمستأجر وغيرهما وقيل وإن كنا لم نعرفه تضرب مع الغرماء بحقها من أجرة المثل ووجه بأن حقها في السكنى تابع للزوجية السابقة ، ولهذا كان مشروطا بشروطها من بقائها على الطاعة والتمكين وغيره من الشرائط ، فلا يكون حقها أزيد من حق الزوجة ، والزوجة إنما تستحق السكنى يوما فيوما ، وعلى تقدير الحجر عليه لا تستحق السكنى إلا يوم القسمة خاصة ، فإذا بقي من استحقاقها في السكنى شي‌ء ضربت به مع الغرماء كالدين ، لأنه متعلق بذمة الزوج وإن اختص برقبة المسكن الخاص.

وأجيب بأن حق الزوجة في الإسكان والنفقة في مقابلة الاستمتاع ، فكان متجددا بتجدده ، بخلاف حق المطلقة ، فإنه ثابت بالطلاق لمجموع العدة لا في مقابلة شي‌ء ، وإن كان مشروطا بشرائط نفقة الزوجة ، ومن ثم وجب لها في البائن والحامل.

والأصوب في الجواب أن يقال بزيادة المطلقة على الزوجية بتعلق حقها في‌

٣٤٨

خصوص المسكن ، للنهى عن إخراجها وخروجها (١) فتعلق حق الغرماء حينئذ قد كان على الوجه المزبور ، لفرض سبقه.

وأما ما في توجيه الاستدلال من تعلق حق الزوجة إلى يوم القسمة ففيه ( أولا ) أن المتجه ضرب الزوجة مع الغرماء بيوم الحجر خاصة ، لمقارنة حقها فيه للحجر وتأخر ما بعده كغيره ، كما صرح به هنا الفاضل في القواعد ، و ( ثانيا ) أنه قد تقدم في كتاب الفلس أنه يجري عليه النفقة من ماله له ولمن وجبت نفقته عليه من زوجة وغيرها إلى يوم القسمة تقديما لخطاب النفقة على خطاب الوفاء ، والله العالم.

وعلى كل حال فلا ريب في أن الأول أشبه بأصول المذهب وقواعده ، لما عرفت من سبق تعلق حقها بالعين على حق الغرماء ، هذا كله إذا تقدم الطلاق على الحجر.

أما لو حجر عليه ثم طلق كان حقها من أجرة المثل أسوة مع الغرماء بلا خلاف أجده هنا بين من تعرض له إذ لا مزية لها عليهم ، قالوا : وليس ذلك كدين يحدث بعد الحجر لا يزاحم صاحبه الغرماء ، لأن حقها وإن كان حادثا فهو مستند إلى سبب متقدم ، وهو النكاح ، وأيضا فإنه حق يثبت لها بالطلاق من غير اختيارها ، فأشبه ما إذا أتلف المفلس مالا ، فإنه يزاحم الغرماء ، ومقتضاه الضرب بغير المسكن من النفقة.

بل هو صريح المسالك في الفرع الرابع ، قال : « واعلم أنه لا فرق في هذه المسائل بين اجرة المسكن والنفقة ، فتضارب الغرماء عند إفلاس الزوج بالنفقة والسكنى جميعا ، بل المضاربة بالنفقة ثابتة على كل حال بخلاف المسكن ، فإنها قد تختص به ، فلذلك أفردوه بالذكر ».

وفيه ـ إن لم يكن إجماعا ـ أنه لا وجه لضربها معهم في المسكن فضلا عن النفقة ، لكونه من الدين المتجدد ، فهو كنفقة الزوجة المتجددة بعد الحجر ،

__________________

(١) سورة الطلاق : ٦٥ ـ الآية ١.

٣٤٩

ضرورة أن الطلاق لم يوجب نفقة ، وإنما هي نفقة الزوجة ، أقصى ما هناك لم يسقطها الطلاق ، ومن المعلوم عدم ضرب الزوجة بنفقتها المتجددة بعد الحجر ، نعم قد صرحوا في كتاب الفلس أنه تجري نفقة المفلس له ولمن وجبت نفقته عليه من المال إلى يوم القسمة بلا خلاف يعرف فيه بينهم تقديما لخطاب النفقة على خطاب الوفاء ، فلاحظ وتأمل.

ودعوى اختصاص المطلقة بالحكم المزبور لا دليل عليها ، كما أن احتمال إرادتهم الضرب بما زاد من النفقة على يوم القسمة ـ أما قبله فهي مما تجرى على المفلس من ماله ، لأنها من واجبي النفقة عليه ـ مناف لظاهر كلامهم بل صريح بعضهم.

ودعوى أن ذلك كالإتلاف ـ لكون الطلاق من غير اختيارها ـ يدفعها ـ مضافا إلى ما ذكرناه من الإشكال في كتاب الفلس في المشبه به ـ أن النفقة مستحقة بالنكاح لا بالطلاق ، وقد كان باختيارها ، والذي يثبت بالطلاق حرمة إخراجها وخروجها من المسكن حاله ، لا أصل استحقاقها للسكنى ، وحينئذ فيشكل أصل ضربها مع الغرماء بالسكنى المتجددة فضلا عن غيرها وإن كان هو مفروغا منه عندهم ، نعم هي كباقي النفقة مما تجري بها على المفلس إلى يوم القسمة ، وبعدها تكون في ذمته ، اللهم إلا أن يكون إجماعا في المقام ، والله العالم.

٣٥٠

( الرابع )

لو طلقها في مسكن لغيره قد تبرع به لها مثلا لا له استحقت السكنى في ذمته لأنها من جملة النفقة اللازمة له ، إذ لم تكن في بيت له يحرم عليه إخراجها منه ، فليس حينئذ إلا استحقاق النفقة ، وفي ضربها بها مع الغرماء الإشكال السابق ، اللهم إلا أن يكون إجماعا ، وعليه فان كان له غرماء وقد فلسه الحاكم ضربت مع الغرماء بأجرة مثل سكناها اللائقة بها فإن كانت معتدة بالأشهر فالقدر معلوم عادة ، واحتمال التخلف زيادة ونقصانا منفي بالأصل.

وإن كانت معتدة بالأقراء أو بالحمل ضربت مع الغرماء بأجرة سكنى أقل الحمل أو أقل الأقراء لأنه المتيقن فان اتفق كذلك فلا إشكال وإلا أخذت نصيب الزائد لتبين استحقاقها حينئذ كدين ظهر بعد القسمة ، وربما احتمل رجوعها على المفلس ، لتقدير حقها بما أعطيت ، فلا يتغير الحكم ، وهو واضح الفساد ، ضرورة كون التقدير المزبور للاستظهار لحق الغرماء ، لا أنه حكم من الحاكم بذلك ، فلا إشكال في استحقاقها الزائد ، كما لا إشكال في ردها التفاوت لو فرض انقضاء عدتها بالأقل من المدة.

وكذا لو فسد الحمل بإسقاط ونحوه قبل أقل المدة رجع عليها بالتفاوت لظهور الزيادة عندها على ما تستحقه ، ولعل المتجه مع العمل بالأصول دفع مقدار مدة الأقصى لها ، لأصالة العدم ، والأعدل الجامع وضع ما يخصها على أضعف احتمال بيد الحاكم حتى يعلم الحال.

٣٥١

( الخامس : )

لو مات فورث المسكن جماعة جاز لهم قسمته عندنا لانقلاب عدتها حينئذ عدة وفاة ، ولا سكنى لها فيها حتى لو كانت حاملا ، لكن عن الشيخ إطلاق أنه لم يكن لهم قسمته إذا كان بقدر مسكنها إلا بإذنها أو مع انقضاء عدتها لأنها استحقت السكنى فيه على صفته وفي قسمتها ضرر عليها ، فلا يجوز ، كمن استأجر دارا من جماعة ثم أرادوا قسمتها ، وهو ـ بعد تقييده بالقسمة المضرة ـ منطبق على مذهب بعض الشافعية القائلين استحقاقها ذلك في عدة الوفاة كما تجب في غيرها.

ولعله لذا قال المصنف الوجه أنها لا سكنى لها بعد الوفاة ما لم تكن حاملا وتبعه عليه الفاضل ، ولكن فيه أنها كذلك وإن كانت حاملا كما ستسمع ، نعم عن الشيخ أن لها النفقة من نصيب ولدها ، وهو مع ضعفه لا يقتضي المنع من القسمة ، ضرورة كونها حينئذ كأحد الشركاء ، ولا حق لها في خصوص العين ، والله العالم.

( السادس : )

قد عرفت أن مقتضي الآية (١) والرواية (٢) عدم الإخراج والخروج من بيوتهن التي كن فيها حال الطلاق ، بمعنى المسكن الذي أسكنهن فيه الأزواج إلا مع المانع ، فلو انتقلت مع غير إذن الزوج ففي المسالك « عليها أن تعود إلى الأول مطلقا ، ولو أذن لها بعد الانتقال في أن تقيم في المنتقلة إليه كان كما انتقلت‌

__________________

(١) سورة الطلاق : ٦٥ ـ الآية ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من أبواب العدد.

٣٥٢

إليه بعد الطلاق بإذنه ، فإن جوزناه جاز هنا وإلا فلا » قلت : قد يقال : إنه لا إخراج في الفرض ولا خروج ، فتأمل.

ولو أمرها بالانتقال من منزل كانت تسكن فيه سواء كان ملكا لزوجها أو مستأجرا أو مستعارا فنقلت رحلها وعيالها ثم طلقت وهي في الأول اعتدت فيه دون الثاني الذي يصير بيتها إذا انتقلت ببدنها إليه ، إذ المعتبر عندنا الانتقال بالبدن الذي به يتحقق الصدق عرفا دون المال والعيال ، خلافا للمحكي عن أبي حنيفة ، فعكس.

نعم لو انتقلت ببدنها بنية السكنى وبقي عيالها ورحلها ثم طلقت اعتدت في الثاني الذي قد صار بيتها حينئذ بذلك ، فيشمله النهي عن الإخراج والخروج.

ولو انتقلت إلى الثاني ثم رجعت إلى الأول لنقل متاعها مثلا ثم طلقت اعتدت في الثاني ، لأنه صار منزلها الان فمضيها إلى الأول كمضيها إلى زيارة أو سوق ، بل ربما استظهر من العبارة ما هو صريح كشف اللثام من أنه لا فرق في الانتقال بين أن يكون انتقال قرار أو تردد وأن كانت تنتقل أمتعتها لكنها غير مستقرة في أحدهما ، لأنها كالمأمورة بالانتقال ـ وطلقت في الطريق ـ التي ستعرف حكمها ، وعن بعض من كانت مترددة كذلك فان طلقت في الثاني اعتدت فيه وإن طلقت في الأول فاحتمالان ، فتأمل.

ولو خرجت من الأول فطلقت قبل الوصول إلى الثاني اعتدت في الثاني كما في القواعد ومحكي المبسوط لأنها مأمورة بالانتقال إليه عن الأول الذي خرج عن كونه بيتها بخروجها منه بعد الأمر ، وللشافعية أوجه ثلاثة أخر : اعتدادها في الأول ، لأنها لم تحصل في مسكن آخر قبل الطلاق ، وتخييرها بينهما ، لأنها غير حاصلة في شي‌ء منهما مع تعلقها بهما ، واعتبار القرب ، فان كانت أقرب إلى الثاني اعتدت فيه ، وإن كانت أقرب إلى الأول اعتدت فيه.

قلت : لا يخفى عليك إن كثيرا من فروع المقام للعامة ، وهي مبنية على الرأي‌

٣٥٣

والقياس والاستحسان والمصالح المرسلة ونحو ذلك من أصولهم الفاسدة ، وليس في أدلتنا سوى الآية الشريفة (١) المشتملة على النهي عن الإخراج والخروج ، والآية الأخرى (٢) المشتملة على الأمر بإسكانهن من حيث سكنتم بناء على أنها في المطلقات ، وسوى ما في النصوص (٣) من الأمر بالاعتداد في بيوت أزواجهن المعبر عنه ببيوتهن.

ولعل المنساق خصوصا بقرينة النصوص الأخر (٤) الواردة في غير الرجعية المشتملة على الإذن لهن في الاعتداد أين شئن إرادة بقائهن على حالهن قبل الطلاق ، لكونهن كالأزواج ، و ( لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً ) (٥) أي رجوعا من الأزواج بهن ، ولهذا ورد (٦) أمرهن بالتزين والخضاب وغيره من الزينة والتشوق للزوج استجلابا لهواه ورجوعه بالطلاق ، فتعتد عنده لهذه الحكمة.

وقد عرفت سابقا أن الخروج والإخراج جائز مع اتفاقهما ، وأنه يجوز لها الحج مندوبا بالإذن ، بل وغير الحج أيضا من الزيارات المندوبة ، بل ومطلق السفر ولو للنزهة.

ثم إن من المعلوم عدم كون ذلك شرطا في صحة العدة ، فلو أخرجها آثما أو خرجت هي عاصية حتى مضت عدتها صحت ، ولا تحتاج إلى إعادة ، لإطلاق ما دل على انقضاء عدتهن بالأقراء أو الأشهر كتابا (٧) وسنة (٨) وإجماعا ، فالأمر حينئذ‌

__________________

(١) سورة الطلاق : ٦٥ ـ الآية ١.

(٢) سورة الطلاق : ٦٥ ـ الآية ٦.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من أبواب العدد.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢٠ و ٣٢ ـ من أبواب العدد.

(٥) سورة الطلاق : ٦٥ ـ الآية ١.

(٦) الوسائل الباب ـ ٢١ ـ من أبواب العدد.

(٧) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٢٨.

(٨) الوسائل الباب ـ ١٢ و ١٥ ـ من أبواب العدد.

٣٥٤

بذلك للتعبد المحض ، لا أنه شرط.

فإذا تقرر لك ذلك كله علمت أنه لم يثبت بالطلاق سوى أنه ليس للزوج إخراجهن عن المنزل ولو إلى منزل آخر بدون رضاهن ، وأما خروجهن بدون الاذن فقبل الطلاق غير جائز لهن أيضا.

وبذلك كله يظهر لك النظر في كثير من فروع المقام المبنية على تعبدية كون العدة في المنزل الذي يقارن الطلاق وإن انتقل الرجل بعياله ورحله إلى منزل آخر ، مع أن في النصوص ما هو صريح في اعتدادها عنده (١) ومن ذلك مسألة الكتاب أيضا.

وأزيد من ذلك ما ذكروه من أنه لو أذن لها في السفر ثم طلقها قبل الخروج اعتدت في منزلها ، سواء نقلت رحلها وعيالها إلى البلد الثاني ، وسواء كان السفر سفر حاجة أو سفر نقلة ، لأنها طلقت وهي مقيمة فيه ، ولو خرجت من المنزل ـ أي موضع اجتماع القافلة في البلد أو ارتحلت معها ـ فطلقت قبل مفارقة بيوت البلد ـ فضلا عما بعدها ـ فالأقرب الاعتداد في الثاني وإن كانت في البلد ، إذ لا فرق بين المنزلين في بلد أو بلدين ، وقد عرفت أنها إذا طلقت وهي في الطريق بين المنزلين اعتدت في الثاني.

وعن الشيخ أنها ما لم تفارق البلد فهي في حكم المقيمة ، يعنى أن البلد كالمنزل ، فكما أنها إذا طلقت وهي في المنزل الأول اعتدت فيه فكذا إذا طلقت وهي في البلد الأول اعتدت فيه ، ولا يكون إلا في ذلك البيت ما لم يكن مانع ، لأنها ما لم تخرج عن البنيان فهي في البلد إلى آخره.

ولو كان سفرها للتجارة أو الزيارة ونحوهما مما لغير النقلة ثم طلقت وقد شرعت في السفر فارقت البنيان أولا فالأقرب أنها تتخير بين الرجوع والمضي في‌

__________________

(١) لم أعثر في الروايات على التصريح بالاعتداد عنده ، وانما يستفاد ذلك من مجموع الروايات المروية في الوسائل في الباب ـ ١٨ و ٢٠ و ٢١ ـ من أبواب العدد ، فهي كالصريحة في ذلك.

٣٥٥

سفرها ، لأن المنزل الأول خرج عن بيتها بالإذن في الخروج ، ولم يعين لها منزلا آخر يتعين عليها الخروج إليه ، ولأن في إلزام العود إليها إبطال أهبه السفر إن لم تتجاوز البنيان والمشقة من غير الوصول إلى المقصد ، والانقطاع عن الرفقة إن تجاوزت ، وكل ذلك ضرر. وفيه أن خروج المنزل عن كونه بيتا لها بالإذن واضح المنع.

وعن الشيخ الحكم والاعتداد في البلد إن لم تفارق البنيان مطلقا ، قال : « وإن فارقت البنيان ففيه مسألتان : إحداهما أن يكون أذن لها في الحج أو الزيارة أو النزهة ، ولم يأذن في إقامة مدة مقدرة ، والثانية أذن لها في ذلك ، ففي الأول لا يلزمها العود ، فإنه ربما كان الطريق مخوفا وتنقطع عن الرفقة ، فإذا أرادت العود كان لها ذلك ، وإن تعدت في وجهها فان كان أذن لها في الحج فإذا قضت حجها لم يجز لها أن تقيم بعد قضائها ، وإن كان أذن لها في النزهة أو الزيارة فلها أن تقيم ثلاثة أيام ، فإذا مضت الثلاث أو قضت حجها فان لم تجد رفقة تعود معهم وخافت في الطريق فلها أن تقيم ، لأنه عذر ، وإلا فإن علمت من حالها أنها إذا عادت في البلد أمكنها أن تقضي ما بقي من عدتها لزمها ذلك ، وإلا فقال بعضهم : لا يلزمها العود ، بل لها الإقامة ، وهو الأقوى ، وفي الثانية إن طلقت وهي بين البلدين فكما لو طلقت بين المنزلين ، وإن طلقت وهي في البلد الثاني لزمها الإقامة ثلاثة أيام ، وهل لها الإقامة المدة المضروبة؟ قولان ، فان لم يكن فالحكم كما في المسألة الأولى ».

وعند الشافعية إن لم تفارق البنيان فوجهان : تخييرها بين العود والمضي والعود ، لأنها لم تشرع في السفر ، فهي كما لو لم تخرج من المنزل ، ووجه آخر إن كان سفرا لحج تخيرت وإلا وجب العود ، وإن فارقت تخيرت ، ووجه آخر أيضا ، إن لم تقطع مسافة يوم وليلة لزمها الانصراف.

وعن أبي حنيفة إن لم يكن بينها وبين المسكن مصيرة ثلاثة أيام لزمها الانصراف ، وإلا فإن كان الموضع موضع إقامة أقامت واعتدت فيه ، وإلا مضت‌

٣٥٦

في سفرها.

ومما ذكروا أيضا أنه لو نجزت حاجتها في السفر ثم طلقت رجعت إلى منزلها إن بقي من العدة إن رجعت إليه ما يفضل عن مدة الطريق ، إذ لا بيت لها سواه ، فيجب الاعتداد فيه ولو يوما ، وإلا يفضل شي‌ء فلا.

ولو أذن لها في الاعتكاف فاعتكفت ثم طلقها فيه خرجت إلى بيتها للاعتداد فيه ، بل عن التذكرة إجماع علمائنا عليه ، لأنه واجب مضيق لا قضاء له كالجمعة ، خلافا لبعض العامة ، وقضت الاعتكاف بعد ذلك مستأنفة له إن كان واجبا كما عن المبسوط ، وعن المعتبر والتذكرة والمنتهى إن لم تشترط وإلا بنت ، وعن الخلاف إطلاق البناء.

ولو كان الاعتكاف في زمان معين بالنذر مثلا ففي الخروج للاعتدال إشكال ، بل عن الشهيد القطع بالاعتداد في المسجد ، وعن الإيضاح على تقدير الخروج ففي القضاء إشكال من أن العذر ليس باختيارها ، والزمان لم يقبل الاعتكاف ، فظهر عدم انعقاد النذر ، وعدم صحة اليومين ، ومن الوجوب بالنذر أو باعتكاف اليومين ولم يفعل فيجب القضاء.

إلى غير ذلك من كلماتهم التي لا يخفى عليك ما في كثير منها بعد الإحاطة بما ذكرنا ، وخصوصا إذا قلنا بكون المراد من الآية (١) والرواية (٢) بقاءها على الزوجية السابقة من الكون في دارها مع زوجها ، كما هو مقتضى قوله تعالى (٣) : ( أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ ) وإن هذا معنى‌ قوله عليه‌السلام (٤) : « تعتد في بيتها عنده » بل هو معنى النهي عن الإخراج والخروج ، أي لا تخرجوهن من حيث كونهن‌

__________________

(١) سورة الطلاق : ٦٥ ـ الآية ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من أبواب العدد.

(٣) سورة الطلاق : ٦٥ ـ الآية ٦.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من أبواب العدد الحديث ٥ وفيه « تعتد المطلقة في بيتها » وليس فيه كلمة « عنده » راجع التعليقة في ص ٣٥٥.

٣٥٧

مطلقات وصرن كالأجنبيات ، كما أنهن لا يخرجن من حيث إنهن كذلك.

وبالجملة ذلك كله لدفع توهم صيرورتهن أجانب بالطلاق كالبائنة ، والمراد بقاء سلطنة الزوج عليهن ، واستحقاقهن السكنى معه كالزوجة غير المطلقة ، وحينئذ لا بأس باعتدادهن في سفر أو حضر أو اعتكاف أو غير ذلك إذا كن معه معاملات معاملة الأزواج ، كما أنه لا يتم أيضا لو قلنا بكون الحكم الاعتدادي قد رفع اختيار الزوج في أفراد السكنى ، وأوجب المنزل الخاص على وجه لو اقترح غيره لم يكن له ، بل لا يتم أيضا لو قلنا بوجوب الاعتداد في منزل الطلاق تعبدا على وجه يكون كالحداد في المتوفى عنها زوجها ، بحيث يجب بقاؤها فيه للاعتداد وإن سكن الزوج وعياله غيره وتركها فيه ، وهو ـ مع أنه مناف لقوله تعالى (١) ( أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ )‌ و « تعتد عنده » (٢) وغيرهما ـ لا يتم جملة من كلامهم عليه أيضا ، لشدة الاختلاف فيه ، وبناؤه على اعتبارات ومناسبات لا توافق أصولنا ، خصوصا بعد ملاحظة أن السفر للحج أو مطلقا جائز لها بإذنه في العدة ، فضلا عما لو طلقها في أثنائه وإذنه مستمرة بالسفر كعزمها عليه ، وملاحظة إمكان انتفاء موضوع الإخراج والخروج وبيتها وبيت زوجها في كثير من أفراد المطلقات وكثير من أحوال مصادفة الطلاق لهن ، والله العالم بحقائق أحكامه.

__________________

(١) سورة الطلاق : ٦٥ ـ الآية ٦.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من أبواب العدد الحديث ٥ راجع التعليقة الرابعة في الصفحة السابقة.

٣٥٨

( السابع )

قد ذكر غير واحد من الأصحاب بل لا أجد خلافا فيه بينهم في أن البدوية تعتد في المنزل الذي طلقت فيه وإن كان بيتها من صوف أو شعر أو غيرهما ، إذ لا فرق بينه وبين الأجر والطين في صدق البيت الذي هو العنوان في الكتاب (١) والسنة (٢) بل في كشف اللثام « فلا يجوز لها الخروج ، ولا له الإخراج عن القطعة من الأرض التي عليها القبة أو الخيمة ، ويجوز تبديلهما ، فان البيت في المأوى ».

كما أن في المتن والقواعد وغيرهما فلو ارتحل النازلون به ارتحلت معهم دفعا لضرر الانفراد من الوحشة والخوف وغيرهما وإن بقي أهلها فيه أقامت معهم ما لم يغلب الخوف بالإقامة ، ولو رحل أهلها التي كانت تستأنس بهم في بيتها وبقي من النازلين فيه من فيه منعة وتأمن معهم فالأشبه كما عن المبسوط جواز النقل دفعا لضرر الوحشة بالانفراد ، بل في كشف اللثام « وإن بقي معها الزوج » وفي القواعد « أما لو هرب ـ أي النازلون ـ عن الموضع لعد وفان خافت هربت معهم وإن لم يهرب أو ينتقل أهلها للضرورة ، وإلا أقامت إن بقي أهلها ، لأن أهلها لم ينتقلوا ، ولا هي خائفة ، فلا بها ضرورة الخوف ولا ضرورة الوحشة ».

ولا يخفى عليك ما في جميع ذلك بعد الإحاطة بما ذكرنا ، خصوصا ما عساه يظهر منهم من عدم جواز تنقل بيتها من مكان إلى مكان للنزهة أو لطلب الماء أو المرعى أو لغير ذلك مما يفعله البدو ، إذ هو كما ترى ، ضرورة عدم المفهوم من الكتاب (٣) والسنة (٤) أزيد من بقائها حال الاعتداد في بيتها لا تخرج منه ولا تخرج‌

__________________

(١) سورة الطلاق : ٦٥ ـ الآية ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من أبواب العدد.

(٣) سورة الطلاق : ٦٥ ـ الآية ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من أبواب العدد.

٣٥٩

هي على حسب حاله ، فلا ينافيه تنقل البدو من مكان إلى مكان وغيره مما هم عليه ، كما هو واضح.

( الثامن )

لو طلقها في السفينة فان لم تكن مسكنا لها بأن كانت مسافرة مثلا ففي القواعد تبعا للمصنف أسكنها حيث شاء لأنها حينئذ كغيرها من المسافرات وإن كانت مسكنا لها بأن كان زوجها ملاحا مثلا اعتدت فيها لأنها حينئذ بيتها بمنزلة الدار للحضرية.

وفي المسالك « فان اشتملت على بيوت مميزة المرافق اعتدت في بيت منها معتزلة من الزوج ، وسكن الزوج بيتا آخر ، وكانت كدار فيها حجرة منفردة المرافق ، وإن كانت صغيرة نظر ، إن كان معها محرم يدفع الخلوة المحرمة اعتدت فيها ، ولو أمكن خروجه منها مع انتفاء الضرر بخروجه بحيث يبقى فيها من يمكنه معالجتها وجب ، كما تقدم في البيت الواحد ، وحيث تعتد خارجها يجب تحرى أقرب المنازل الصالحة لها إلى الشط ، كما تقدم في ضرورة الخروج من منزل الطلاق ».

وفي القواعد « هل له إسكانها في سفينة تناسب حالها؟ الأقرب ذلك » وفي كشف اللثام « خصوصا إذا اعتادت السكنى في السفن وإن لم تكن تلك السفينة مسكنا لها ، لعموم ( أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ ) (١) ومناسبة حدوث الرجعة مع الأصل ، فإن النهي إنما وقع عن الخروج والإخراج عن البيوت ، فان دخلت السفينة في البيوت فلا إخراج ، وإلا فلا بيت حتى يحصل الإخراج عنه ، ويحتمل العدم حملا للإسكان على الغالب ».

ولا يخفى عليك ما في الجميع أيضا ، ضرورة أن المتجه بناء على كلامهم السابق عودها إلى منزلها مع فرض كونها مسافرة وقد قضت وطرها وكان قد بقي من العدة.

__________________

(١) سورة الطلاق : ٦٥ ـ الآية ٦.

٣٦٠