جواهر الكلام - ج ٣٢

الشيخ محمّد حسن النّجفي

قلت : لا يخفى عليك ما في ذلك كله من الحشو ، خصوصا بعد الإحاطة بما قدمناه في المفهومين ، بل لم يتحقق عندنا ما يقتضي سقوط هذه المعتبرة عن الحجية من إعراض الأصحاب أو غيره ، بل يظهر من كشف اللثام موافقته للشيخ على ذلك ، بل حكاه أيضا عن الجامع والنزهة ، وعدم التعرض لذلك من كثير من الأصحاب أعم من الإعراض عن هذه النصوص ، نعم عن ابن إدريس والفاضل في التحرير والمختلف التصريح بعدم العدة عليها ، وأن عليها الاستبراء خاصة ، ومثله لا يوهن به النصوص المعتبرة ، ولا أقل من حصول الشك من ذلك ، والأصل بقاؤها على المنع إلى المدة.

وكيف كان فقد بان لك أن الاعتداد للأمة ذات الولد من موت السيد إذا لم تكن مزوجة ، بل أوفى عدة من زوج ، بل وبعد انقضاء العدة إذا لم يكن قد وطأها السيد ، وإن تردد فيه ثاني الشهيدين في الروضة ، من إطلاق اعتدادها بموت السيد ، ومن عدم الوطء الموجب لذلك ، إذ السابق على التزويج مع فرض حصوله قد سقط حكمه بالتزويج ، لكنه في غير محله ، لمعلومية اعتبار الوطء في الاعتداد ، وستسمع التصريح في صحيح المدبرة (١) بل قد سمعت الإشارة في حسن الحلبي (٢) وخبر زرارة (٣) السابقين.

نعم قد يقال باقتضاء إطلاق الأدلة وجوب اعتدادها من موت السيد وإن تعقب وطءه لها ما يصلح للاستبراء من الحيضة وغيرها ، لبقائها على حكم وطئه من دون أن يتخلل تزويج يرفعه ، فتأمل جيدا.

وكيف كان فلا يخفى عليك أنه يتفرع على ما ذكرناه من اعتداد الأمة ذات الولد من السيد من وفاة الزوج أنه لو طلقها الزوج رجعية ثم مات وهي في العدة استأنفت عدة الحرة من الوفاة وهي أربعة أشهر وعشرا بلا خلاف ولا إشكال ، لما سمعته في المطلقة الحرة الرجعية. وأنها لو لم تكن أم ولد‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥١ ـ من أبواب العدد الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب العدد الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب العدد الحديث ٥.

٣٢١

استأنفت للوفاة عدة الأمة شهرين وخمسة أيام ، بناء على ما سمعته من الأصح من كون عدتها ذلك ، أما على ما سمعته من الصدوق وابن إدريس فتستأنف عدة الحرة أيضا ، نعم لو كان الطلاق بائنا بقيت على عدتها منه كما سمعته في الحرة ، للأصل وغيره.

ولو مات زوج الأمة غير ذات الولد ثم أعتقت أتمت عدة الحرة ، تغليبا لجانب الحرية واستصحابا للمنع ، واقتصارا في تخصيص العموم كتابا (١) وسنة (٢) على غير الفرض الذي قد يدعى انسياقه من تلك النصوص ، ول‌ صحيح جميل وهشام بن سالم (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في أمة طلقت ثم اعتقت قبل أن تنقضي عدتها ، قال : تعتد بثلاث حيض ، فان مات عنها زوجها ثم اعتقت قبل أن تنقضي عدتها فان عدتها أربعة أشهر وعشرا » ولما قدمناه سابقا من أنه يستفاد من جملة من النصوص (٤) في موارد متعددة غلبة حكم الحرية مع فرض عروضها على مقتضي حكم المملوكة.

ولعله إلى هذا أشار المصنف ره بقوله : « تغليبا » إلى آخره بمعنى أنه متى اجتمع مقتضي كل منهما غلب جانب الحرية ، ومن ذلك حكم المدبرة الاتي ، وأم الولد من موت سيدها السابق ، وما تسمعه فيما لو أعتقها سيدها في زمن حياته بعد أن كانت موطوءة له ثم مات عنها ، وغير ذلك.

بل قد يرجع إلى هذا ما في المسالك من توجيه الغلبة المزبورة من أنها بعد العتق مأمورة بإكمال عدة الوفاة ، وقد صارت حرة ، فلا تكون مخاطبة بحكم‌

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٣٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب العدد.

(٣) الوسائل الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب العدد الحديث ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب العدد الحديث ـ ٢٠ ـ من أبواب موانع الإرث من كتاب المواريث والباب ـ ١٢ ـ من أبواب ديات النفس من كتاب الديات.

٣٢٢

الأمة ، فيجب عليها إكمال العدة الحرة (١) نظرا إلى حالها حين الخطاب ، ولا ينظر إلى ابتداء الخطاب بالعدة ، فإنها كل يوم مخاطبة بحكمها ، وإلا كان محلا للنظر.

ولو كان المولى يطأها ثم دبرها اعتدت بعد وفاته مع بقائها على حكم وطئه بأربعة أشهر وعشر ، ولو أعتقها منجزا في حياته اعتدت من وطئه المزبور بثلاثة أقراء إن كانت من ذواته ، وإلا فبالأشهر الثلاثة كالحرة المطلقة بلا خلاف أجده من غير الحلي ، للعلة التي أشرنا إليها المؤيدة بالاستصحاب والاحتياط.

ول‌ صحيح داود (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في المدبرة إذا مات عنها مولاها إن عدتها أربعة أشهر وعشرا من يوم موت سيدها إذا كان سيدها يطأها ، قيل له : فالرجل يعتق مملوكته قبل موته بساعة أو يوم ، فقال : تعتد بثلاثة أشهر أو ثلاثة قروء من يوم أعتقها سيدها ».

مضافا إلى ما سمعته سابقا في اعتداد أم الولد من موت سيدها من صحيح زرارة (٣) وموثق إسحاق (٤) وغيرهما مما يدل على حكم المدبرة ، بل قد عرفت سابقا قوة القول باعتدادها بذلك وإن لم تكن مدبرة ، وإلى ما سمعته سابقا من خبر زرارة (٥) وحسن الحلبي (٦) الدالين على الحكم الأخير ، المؤيد بما تقدم أيضا.

وفي‌ صحيح الحلبي أو حسنه (٧) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل يعتق سريته أيصلح له أن يتزوجها بغير عدة؟ قال : نعم ، قلت : فغيره ، قال : لا حتى تعتد‌

__________________

(١) هكذا في النسختين المبيضة والمسودة والصحيح « إكمال عدة الحرة ».

(٢) الوسائل الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب العدد الحديث ٧.

(٣) الوسائل الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب العدد الحديث ٢.

(٤) الوسائل الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب العدد الحديث ٤.

(٥) الوسائل الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب العدد الحديث ٥.

(٦) الوسائل الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب العدد الحديث ١.

(٧) الوسائل الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب العدد الحديث ٤.

٣٢٣

ثلاثة أشهر » ونحوه صحيح زرارة (١) عنه عليه‌السلام أيضا.

وفي‌ موثق أبي بصير (٢) عنه عليه‌السلام أيضا « إن أعتق رجل جاريته ثم أراد أن يتزوجها مكانه فلا بأس ، ولا تعتد من مائه ، وإن أرادت أن تتزوج من غيره فلها مثل عدة الحرة ».

وفي‌ خبره الآخر (٣) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل تكون عنده السرية له ، وقد ولدت منه ومات ولدها ، ثم يعتقها ، قال : لا يحل لها أن تتزوج حتى تنقضي عدتها ثلاثة قروء ».

بل وصحيح الحلبي أو حسنه (٤) عنه عليه‌السلام أيضا أنه قال : « في رجل كانت له أمة فوطأها ثم أعتقها وقد حاضت عنده حيضة بعد ما وطأها ، قال : تعتد بحيضتين » وإن كان ظاهره احتساب حيضته الواقعة بعد الوطء وقبل العتق من العدة ، ولم يعرف القائل به على ما عن شرح النافع لسيد المدارك ، لكن على كل حال دال على المطلوب الذي هو الانتقال عن حكم الأمة بالعتق.

فما عن ابن إدريس ـ من إنكار الحكمين لكون المدبرة غير زوجة والمعتقة غير مطلقة والأصل براءة الذمة من العدة ـ واضح الفساد حتى مع قطع النظر عن النصوص المزبورة ، للاستصحاب بعد القطع أو الظن بعدم اندراج كل منهما في حكم الأمة ، كما هو ظاهر.

إنما الكلام فيما تضمنه خبر زرارة (٥) وحسن الحلبي (٦) السابقان من‌

__________________

(١) أشار إليه في الوسائل في الباب ـ ١٣ ـ من نكاح العبيد والإماء الحديث ١ من كتاب النكاح وذكره في التهذيب ج ٨ ص ١٧٥.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ٢ من كتاب النكاح.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب العدد الحديث ٨.

(٤) الوسائل الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب العدد الحديث ٢.

(٥) الوسائل الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب العدد الحديث ٥.

(٦) الوسائل الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب العدد الحديث ١.

٣٢٤

الاعتداد عدة الوفاة بأربعة أشهر وعشرا لو مات سيدها بعد ما أعتقها المعتضد بخبر أبي بصير (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سألته عن رجل أعتق وليدته عند الموت ، فقال : عدتها عدة الحرة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا ، قال : وسألته عن رجل أعتق وليدته وهو حي وقد كان يطأها ، فقال : عدتها عدة الحرة المطلقة ثلاثة قروء » المراد مما في صدره الموت بعد العتق وما في ذيله من البقاء بعده ، فما عن الشيخ من حمله على الندب لا داعي له ، بل وب‌ مرسل جميل (٢) عن بعض أصحابه إنه قال : « في رجل أعتق أم ولده ، ثم توفي عنها قبل أن تنقضي عدتها ، قال : تعتد بأربعة أشهر وعشرا ، وإن كانت حبلي اعتدت بأبعد الأجلين ».

وقد نسب ذلك في الحدائق إلى المشهور بين الأصحاب تارة ، وإلى الشيخ وغيره أخرى ، قال : « المشهور بين الأصحاب أن الأمة إذا أعتقها سيدها في حياته وكان يطأها فإنه لا يجوز لها التزويج بغيره إلا بعد العدة بثلاثة أقراء ، وإذا توفي عنها اعتدت عدة الوفاة كالحرة ، وكذا لو دبرها ـ إلى أن قال أيضا ـ : قد ذكر ذلك الشيخ وغيره » وإن كان المظنون أن ذلك اشتباه منه ، بل يمكن حمل كلامه على إرادة ذلك بالنسبة إلى الحكم الأول والأخير ، كما لا يخفى على من لاحظ كلامه بتمامه ، خصوصا بعد أن كان المحكي عن الشيخ تقييد النصوص الدالة على ذلك في صورة التدبير ، بل عن أكثر الأصحاب كما ستعرف بقاؤها على اعتداد العتق ، ولا تنتقل إلى عدة الوفاة ، بل لعله ظاهر المصنف وغيره ممن أطلق الحكم المزبور.

على أنه لا ريب في منافاته لما سمعته في ذيل صحيح داود (٣) الظاهر أو الصريح في اعتدادها بالأشهر أو الأقراء بعد موته المعتضد بإطلاق تلك الأدلة أيضا ، ويكون العتق كالطلاق البائن الذي لا تنتقل عدته بالموت ، وبإمكان حمل المعارض على صورة التدبير ، بل في الرياض نسبة ذلك إلى أكثر الأصحاب ، بل فيه « أن النصوص‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب العدد الحديث ٦.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب العدد الحديث ٩.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب العدد الحديث ٧.

٣٢٥

المزبورة غير مكافئة للصحيح المذكور ، لا في السند ولا في العمل ولا في غيرهما ».

قلت : ولكن الانصاف عدم خلو المسألة من إشكال ، لكثرة الروايات (١) المقابلة للصحيحة (٢) وبلوغها حد الاستفاضة مع اعتبار سند بعضها ، وهي مع ذلك ما بين صريحة وظاهرة ، ومعتضدة أجمع بأصالة بقاء الحرمة ، وفتوى جماعة ، كإطلاق عبارة الحلي وظاهر عبارة ابن حمزة ، ويظهر من المختلف الميل إليها أو التردد ، فالاحتياط فيها لازم.

ثم إنه قد بان لك مما ذكرنا الحال في جميع أحوال الأمة ، نعم لم يذكر المصنف هنا حكمها في العقد المنقطع ، بل ولا الحرة اتكالا على ما سبق في النكاح.

كما إنه لم أقف على من تعرض لحكم الأمة المحللة ، نعم في الوافي « أنه لا يبعد حمل‌ خبر ليث المرادي (٣) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : كم تعتد الأمة من ماء العبد؟ قال : حيضة » على ما إذا كانت محللة للعبد » وظاهره المفروغية من أن حكمها الاستبراء لا الاعتداد ، بل لعله ظاهر اقتصار الأصحاب على غيره من الدائم والمنقطع ووطء الشبهة ، بل ربما يؤيده ما ذكروه من أن التحليل ملك يمين أو في حكمه ، وهو مع كونه إجماعا لا إشكال ، وإلا جرى فيه الأصل السابق الذي ذكرناه في أول المبحث ، وهو استصحاب المنع بعد عدم ثبوت أصالة الاستبراء في الأمة.

ولكن على كل حال ينبغي الاعتداد منه بالموت عدة الحرة إذا كانت ذات ولد للسيد ، لما عرفت من أنها تعتد كذلك للزوج ولموت السيد إذا لم تكن مزوجة فمع فرض كون التحليل من ملك اليمين يأتي الحكم المزبور أيضا ، والله العالم.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب العدد.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب العدد الحديث ـ ٧.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب العدد الحديث ٦.

٣٢٦

وكيف كان فقد تقدم البحث في كتاب البيع في أن كل من يجب استبراؤها إذا ملكت بالبيع يجب استبراؤها لو ملكت بغيره من استغنام أو صلح أو ميراث أو غير ذلك ، ومن يسقط استبراؤها هناك أي في البيع يسقط في الأقسام الأخر لاتحاد المدرك في الجميع ، فلا حاجة إلى إعادته.

وكذا تقدم في كتاب النكاح أنه لو كان للإنسان زوجة فابتاعها بطل نكاحه إجماعا ، لأن البضع لا يستباح بسببين ، كما هو مقتضي التفصيل في الآية (١) القاطع للاشتراك ، بل هو صريح‌ الموثق (٢) المتمم بعدم القول بالفصل « عن رجلين بينهما أمة فزوجاها من رجل ، ثم إن الرجل اشترى بعض السهمين ، فقال : حرمت عليه » بل قد يستأنس لذلك بالمعتبرة المستفيضة (٣) الدالة على بطلان نكاح الحرة إذا اشترت زوجها ، إلى غير ذلك مما تقدم في محله.

نعم هو وإن بطل نكاحه لكن حل له وطؤها بملك اليمين من غير استبراء بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، لإطلاق الأدلة في إباحة وطء ملك اليمين ، بل الأصل البراءة من أصل الاستبراء إلا ما دل عليه الدليل المعلوم قصوره عن تناول الفرض ، خصوصا بعد انتفاء أصل حكمة شرعيته ، وهي اختلاط الماءين ، ضرورة كون الماء الواحد في الفرض وإن اختلفت جهة إباحته ، بل قد تقدم في النصوص (٤) السابقة ما يدل على عدم وجوب الاستبراء عليه للأمة الموطوءة له إذا أعتقها وأراد أن يتزوجها بخلاف غيره ، وهو مؤيد لما هنا ، فما عن بعض العامة ـ من وجوب الاستبراء لبعض وجوه اعتبارية لا تنطبق على أصولنا ـ واضح الفساد.

__________________

(١) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٢٥ وسورة المؤمنون : ٢٣ ـ الآية : ٦.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١ من كتاب النكاح.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء من كتاب النكاح.

(٤) الوسائل الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب العدد.

٣٢٧

ولو ابتاع المملوك المأذون أمة واستبرأها كفى ذلك في حق المولى لو أراد وطأها مع فرض العلم أو إخبار العبد به وكان ثقة ، إذ المعتبر من الاستبراء ترك وطئها في المدة كيفما اتفق ، ولا فرق في ذلك بين أن يكون على المملوك دين وقضاه أولا ، خلافا لما عن الشافعي من وجوب الاستبراء مع قضاء الدين ، وهو كما ترى.

وإذا كاتب الإنسان أمته حرم عليه وطؤها لما تسمعه في باب الكتابة. فإن انفسخت الكتابة للعجز مثلا حلت له ولا يجب عليه الاستبراء ما لم يكن وطء محترم بلا خلاف أجده بيننا ، بل عن الخلاف الإجماع عليه ، وإن كان يحرم عليه وطؤها بالكتابة ، إلا أن ذلك لا يقتضي وجوبه الدائر على تملك شخص آخر لها محتمل الوطء ، فأصل البراءة من الاستبراء سالم عن المعارض ، خلافا للمحكي عن بعض العامة تنزيلا لحرمة الاستمتاع بها بالكتابة منزلة الانتقال ، وفسخ الكتابة منزلة العود إلى الملك ، وهو قياس في قياس.

وكذا لو ارتد المولى أو المملوكة عن ملة ثم عاد المرتد منهما إلى الإسلام لم يجب الاستبراء وإن حرم عليه الوطء حال الارتداد ، لمثل ما عرفت في الكتابة ، نعم لو بيعت عليه ممن يجب الاستبراء منه ثم عادت إليه بشراء مثلا ، أو وطأها غيره وطءا محترما ولو لشبهة ، أو كان الارتداد عن فطرة وقلنا بقبول توبته على وجه يملك المال بها جديدا ، وفرض عودها إليه من الوارث الذي يستبرأ منه بشراء ونحوه وجب الاستبراء ، كما هو واضح.

ولو طلقت الأمة بعد الدخول بها لم يجز للمولى الوطء إلا بعد الاعتداد وإن لم تنتقل عن ملكه بلا خلاف ولا إشكال. ولكن تكفي العدة عن الاستبراء للمولى الأول ، للأصل وظهور النصوص (١) في جواز وطئها له بعد الفراغ من العدة ، بل وللثاني المشتري لها في العدة ، لذلك أيضا ، خلافا للمحكي عن المبسوط والسرائر في الأخير ، بناء على أنهما حكمان لمكلفين لا يتداخلان ،

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب العدد.

٣٢٨

وهو جار في الأول الذي قد حكي عن الشيخ في المبسوط والخلاف الموافقة على سقوط الاستبراء فيه ، أو بناء على كون الانتقال سببا للاستبراء ، والأصل عدم تداخل الأسباب.

وعلى كل حال هو لا يعارض ما استظهرناه من النصوص ولعله المراد مما في كشف اللثام من أنه « إنما يتحصل العلم بالبراءة بالتربص إحدى المدد المعهودة ، وهو معنى الاستبراء ، وأبيح لنا الوقوع عليها بعد ذلك ، وقد حصل بانقضاء العدة.

وكيف كان فلو طلقت قبل الدخول فلا استبراء قطعا ، للأصل ، خلافا للمحكي عن بعض العامة ، فأوجبه قياسا لزوال ملك الاستمتاع ثم عوده على زوال الملك وعوده ، وهو باطل في مذهبنا ، بل لعل الأصل عدم وجوب الاستبراء مع عدم العلم بالدخول وعدمه وإن وجب مع انتقال الملك ، لحرمة القياس ، والله العالم.

ولو ابتاع حربية فاستبرأها فأسلمت بعده أو فيه لم يجب استبراء ثان وإن كان يحرم عليه وطؤها حال الكفر ، للأصل بعد إطلاق الأدلة السالم عن احتمال اشتراط صحة الاستبراء بكون الأمة محللة للمولى لو لا الاستبراء بعد عدم الدليل عليه ، فيكفي حينئذ وإن كانت محرمة عليه بسبب آخر ، لحصول الغرض المقصود ، فما عن بعض العامة ـ من الوجوب ، لتجدد ملكه الاستمتاع بالإسلام ـ واضح الضعف.

وكذا لو ابتاعها واستبرأها محرما بالحج مثلا كفى ذلك في استحلال وطئها إذا أحل لما عرفت ، بل هو أوضح.

٣٢٩

( الفصل السابع )

( في اللواحق )

( وفيه مسائل : )

( الاولى )

لا يجوز لمن طلق رجعيا أن يخرج الزوجة من بيته إلا أن تأتي بفاحشة حاملا كانت أو حائلا ، كما أنها لا يجوز لها أن تخرج هي بنفسها أيضا بلا خلاف ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى الكتاب والسنة قال الله تعالى شأنه (١) ( لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ).

وفي‌ صحيح أبى خلف (٢) « سألت أبا الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام عن شي‌ء من الطلاق ، فقال : إذا طلق الرجل امرأته طلاقا لا يملك فيه الرجعة فقد بانت منه ساعة طلقها ، وملكت نفسها ، ولا سبيل له عليها ، وتعتد حيث شاءت ، ولا نفقة لها ، قال : قلت : أليس الله تعالى يقول ( لا تُخْرِجُوهُنَّ ) ـ إلى آخره ـ فقال : إنما عنى بذلك الذي يطلق تطليقة بعد تطليقة ، فتلك التي لا تخرج حتى تطلق الثالثة فإذا طلقت الثالثة فقد بانت منه ، ولا نفقة لها ، والمرأة التي يطلقها الرجل تطليقة ثم يدعها حتى يخلو أجلها فهذه أيضا تعتد في منزل زوجها ، ولها النفقة والسكنى حتى تنقضي عدتها ».

__________________

(١) سورة الطلاق : ٦٥ ـ الآية ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب العدد الحديث ١ عن سعد بن أبى خلف.

٣٣٠

وفي‌ موثق إسحاق بن عمار (١) « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن المطلقة أين تعتد؟ قال : في بيت زوجها ».

وفي‌ خبر أبي بصير (٢) عن أحدهما عليهما‌السلام « عن المطلقة أين تعتد؟ قال : في بيتها إذا كان طلاقا له عليها رجعة ، ليس له أن يخرجها ، ولا لها أن تخرج حتى تنقضي عدتها ».

وموثقة سماعة (٣) « سألته عن المطلقة أين تعتد؟ قال : في بيتها لا تخرج ، وإن أرادت زيارة خرجت بعد نصف الليل ، ولا تخرج نهارا ، وليس لها أن تحج حتى تنقضي عدتها ».

وفي‌ صحيح الحلبي (٤) عن أبى عبد الله عليه‌السلام « لا ينبغي للمطلقة أن تخرج إلا بإذن زوجها حتى تنقضي عدتها ثلاثة قروء أو ثلاثة أشهر إن لم تحض » إلى غير ذلك من النصوص.

إلا أن ظاهر غير واحد من الأصحاب بل صريح بعضهم أن وجوب الإسكان المزبور من حيث وجوب نفقتها عليه في العدة ، ومن هنا كان استحقاقها عليه حيث تستحقها عليه ، فلو كانت صغيرة وطئت ولو محرما أو ناشزا من الزوجية أو في أثناء العدة فلا سكنى لها ، كما لا نفقة.

نعم يفترق عن سكنى النفقة ـ بناء على ما في القواعد والمسالك وغيرهما بل قيل : إنه ظاهر الأكثر ـ بعدم جواز خروجها منه ولو اتفقا عليه ، بل يمنعهما الحاكم من ذلك ، لأن فيه حقا لله تعالى شأنه ، كما أن في العدة حقا له بخلاف سكنى الإنفاق التي حقها مختص بالزوجة ، كل ذلك لظهور الكتاب (٥) والسنة (٦) والفتاوى في ذلك ، بل عن الكشاف إنما جمع بين النهيين ليشعر بأن لا يأذنوا وأن ليس‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من أبواب العدد الحديث ٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من أبواب العدد الحديث ٦.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب العدد الحديث ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من أبواب العدد الحديث ١.

(٥) سورة الطلاق : ٦٥ ـ الآية ١.

(٦) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من أبواب العدد.

٣٣١

لإذنهم أثر.

لكن قد يشكل بما في الصحيح الأخير (١) وما في‌ خبر معاوية بن عمار (٢) من أن « المطلقة تحج في عدتها إن طابت نفس زوجها » من الدلالة على الجواز بالإذن الذي به يقيد إطلاق الآية وغيرها ، ودعوى قصوره عن ذلك بإعراض الأكثر ممنوع ، خصوصا بعد تصريح جماعة من الأصحاب ـ كما في المسالك منهم أبو الصلاح والفاضل في التحرير ـ بالجواز.

بل عن الفضل بن شاذان « أن معنى الخروج والإخراج ليس هو أن تخرج المرأة إلى أبيها أو تخرج في حاجة لها أو في حق بإذن زوجها ، مثل مأتم وما أشبه ذلك ، وإنما الخروج والإخراج أن تخرج مراغمة ويخرجها مراغمة ، فهذا الذي نهى الله عنه ، فلو أن امرأة استأذنت أن تخرج إلى أبويها أو تخرج إلى حق لم يقل : إنها خرجت من بيت زوجها ، ولا يقال : فلان أخرج زوجته من بيتها ، إنما يقال ذلك : إذا كان ذلك على الرغم والسخطة ، وعلى أنها لا تريد العود إلى بيتها وإمساكها على ذلك ، لأن المستعمل في اللغة هذا الذي وصفناه ـ إلى أن قال ـ : إن أصحاب الأثر وأصحاب الرأي وأصحاب التشيع قد رخصوا لها في الخروج الذي ليس على السخط والرغم ، وأجمعوا على ذلك ».

وحينئذ فالقول به لا يخلو من قوة ، بل يمكن تنزيل من أطلق على إرادة غير الفرض ، خصوصا بعد التصريح من بعضهم فيما يأتي من جواز الخروج إلى حج التطوع بالإذن ، ودعوى الفرق بين الخروج إلى حج مثلا وبين الانتقال من منزل إلى منزل آخر خالية عن الدليل ، بل إطلاق صحيح الحلبي (٣) السابق شامل للأمرين ، على أن الممنوع كتابا (٤) وسنة (٥) الإخراج والخروج ، فمع فرض جوازه بالإذن‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من أبواب العدد الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب العدد الحديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من أبواب العدد الحديث ١.

(٤) سورة الطلاق : ٦٥ ـ الآية ١.

(٥) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من أبواب العدد.

٣٣٢

لا فرق بين أفراده.

وكيف كان فقد عرفت استثناء الإتيان بالفاحشة من ذلك في الكتاب (١) وغيره وقد اختلف في المراد منها ، ففي الكتاب والقواعد هو أن تفعل ما يجب به الحد ، فتخرج لإقامته ، وأدنى ما تخرج له أن تؤذي أهله وظاهرهما بل صريحهما عدم انحصارها في الأول ، كما عن بعضهم ، بل عن النهاية قد‌ روي (٢) « أن أدنى ما يجوز له معه إخراجها أن تؤذي أهل الرجل » بل هو المروي (٣) عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام ، وكذا في الخلاف والمبسوط والتبيان ومجمع البيان والجامع وغيرها الاقتصار عليه ، مستدلا عليه في الأول بالإجماع وعموم الآية (٤) وبإخراجه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطمة بنت قيس لما بذت على أحمائها (٥) وعن مجمع البيان هو المروي (٦) عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام.

قلت : وفي‌ خبر محمد بن علي بن جعفر (٧) « سأل المأمون الرضا عليه‌السلام عن ذلك ، فقال : يعني بالفاحشة المبينة أن تؤذي أهل زوجها ، فإذا فعلت ذلك فإن شاء أن يخرجها من قبل أن تنقضي عدتها فعل ». وفي مرسل إبراهيم بن هاشم (٨) عنه عليه‌السلام

__________________

(١) سورة الطلاق : ٦٥ ـ الآية ١.

(٢) الظاهر أن الشيخ ( قده ) أراد بذلك ما ورد في خبر محمد بن على بن جعفر ومرسل إبراهيم بن هاشم وخبر ابن أسباط الاتية.

(٣) الظاهر أنه أريد به ما ذكره الطبرسي في مجمع البيان الذي رواه في الوسائل في الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب العدد الحديث ٥ قال : « قيل : هي البذاء على أهلها ، فيحل لهم إخراجها وهو المروي عن أبى جعفر وأبى عبد الله عليهما‌السلام ».

(٤) سورة الطلاق : ٦٥ ـ الآية ١.

(٥) سنن البيهقي ج ٧ ص ٤٣٣.

(٦) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب العدد الحديث ٥.

(٧) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب العدد الحديث ٢.

(٨) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب العدد الحديث ١.

٣٣٣

أيضا في قوله عز وجل » (١) : « ( لا تُخْرِجُوهُنَّ ) ـ إلى آخره ـ » قال : « أذاها لأهل الرجل وسوء خلقها » وفي‌ خبر ابن أسباط (٢) عنه عليه‌السلام أيضا « الفاحشة أن تؤذي أهل زوجها وتسبهم ».

لكن‌ عن الفقيه (٣) « سئل الصادق عليه‌السلام عن قول الله عز وجل ( لا تُخْرِجُوهُنَّ ) فقال : إلا أن تزني فتخرج ، ويقام عليها الحد » وفي‌ خبر سعد بن عبد الله (٤) المروي عن إكمال الدين وإتمام النعمة قال : « قلت لصاحب الزمان عليه‌السلام : أخبرني عن الفاحشة المبينة إذا أتت المرأة بها في أيام عدتها حل للزوج أن يخرجها من بيته؟ فقال : الفاحشة المبينة السحق دون الزنا ، فإن المرأة إذا زنت وأقيم عليها الحد ليس لمن أرادها أن يمتنع بعد ذلك من التزويج بها لأجل الحد ، فإذا سحقت وجب عليها الرجم ، والرجم خزي ، ومن قد أمر الله برجمه فقد أخزاه ، ومن أخزاه فقد أبعده ، ومن أبعده فليس لأحد أن يقربه ».

وكأن ذلك هو الذي دعى المصنف وغيره إلى الجمع بما عرفت ، على معنى كل فاحشة تقتضي إخراجها وأدناها ذلك ، ونفى الزنا في خبر سعد على معنى نفي اختصاص الفاحشة به ، فان السحق أعظم منه ، ولو كان أذيتها لأهله مثلا مع تباعد المسكن أدبها الحاكم ، ولا تخرج منه ، وما عن بعضهم ـ من إخراجها أيضا لإطلاق الأدلة ـ ضعيف.

وكيف كان فلا إشكال في أنه يحرم الخروج عليها ما لم تضطر إليه لإطلاق الكتاب (٥) والسنة (٦) والفتاوى ، أما مع الاضطرار الذي يصلح معارضا لذلك فيجوز بلا خلاف أجده فيه ، لمكاتبة الصفار (٧) إلى أبي محمد الحسن بن‌

__________________

(١) سورة الطلاق : ٦٥ ـ الآية ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب العدد الحديث ٥.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب العدد الحديث ٣.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب العدد الحديث ٤.

(٥) سورة الطلاق : ٦٥ ـ الآية ١.

(٦) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من أبواب العدد.

(٧) الوسائل الباب ـ ٥٥ ـ من أبواب العدد الحديث ١.

٣٣٤

علي عليهما‌السلام « في امرأة طلقها زوجها ولم تجر عليها النفقة للعدة ، وهي محتاجة ، هل يجوز لها أن تخرج وتبيت عن منزلها للعمل والحاجة؟ فوقع عليه‌السلام : لا بأس بذلك إذا علم الله الصحة منها ».

ومنه يعلم أن المدار على مقدار ما تتأدى به الضرورة ، كما صرح به بعضهم وإن ذكر المصنف وغيره أنه لو اضطرت إلى الخروج خرجت بعد انتصاف الليل وعادت قبل الفجر إلا أنه يجب حمل ذلك على خصوص ما يمكن دفع الضرورة به ، كما أن ما سمعته في موثق سماعة (١) ـ من أنه إن أرادت زيارة خرجت بعد نصف الليل ، ولا تخرج نهارا ـ محمول على ضرب من رجحان الستر لها إذ المفروض فيه الزيارة لا الضرورة.

لكن في المسالك التصريح بوجوب خروجها بعد انتصاف الليل والعود قبل الفجر ناسبا إلى المصنف وجماعة ، وإلى موقوفة سماعة (٢) وهو كما ترى ، نعم ورد (٣) نحو ذلك في عدة الوفاة.

ومن الغريب ما في الرياض ، فإنه بعد أن نسب وجوب العود قبل الفجر إلى الأشهر قال : « بل لم أقف على مخالف إلا من بعض من ندر ممن تأخر ، والأصل فيه الموثق الذي مر ، ولا قدح فيه من حيث الموثقية والإضمار كما هو المقرر ، مع أنه على تقديره فهو بالشهرة العظيمة منجبر ، فهو أظهر إن ارتفع به وبغيره الضرر ، وإلا بأن كان الدفع بالغير منحصرا جاز قولا واحدا » إذ هو كما ترى ، إذ لا دلالة في الموثق المزبور على ذلك ، خصوصا بالنسبة إلى وجوب العود قبل الفجر ، لخلوه عن التعرض له أصلا وما فيه من النهي عن الخروج نهارا لا يقتضي ذلك ، كما هو واضح.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب العدد الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب العدد الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب العدد الحديث ٣ وفيه‌ « قال : تخرج بعد نصف الليل وترجع عشاء ».

٣٣٥

إنما الكلام في تحديد الاضطرار المذكور في المتن وغيره ، وقد عرفت أن الموجود في مكاتبة الصفار (١) الاحتياج الذي قد يتوهم إرادة العرفي منه.

لكن قد يشكل بظهور المكاتبة المزبورة في جوازه من دون إذن من الزوج ، وهو في الزوجة ـ فضلا عن المعتدة ـ محل منع ، نعم مع فرض الاضطرار الذي مرجعه إلى تكليف شرعي صالح لمعارضة حرمة الخروج يتجه حينئذ عدم اعتبار الإذن ، بل يكون أصل تحريم الخروج مقيدا بغير الفرض ، وليس هو من أقسام التعارض الذي ينظر فيه الأهم وغيره ، فتأمل جيدا ، فإنه لا كلام لهم منقح في ذلك كما في كثير من مسائل المقام.

ثم إنه قد يظهر من قول المصنف : « فتخرج لإقامته » كون المستثنى الخروج لإقامة الحد عليها ، فتعود حينئذ إلى المسكن ، كما هو المحكي عن بعضهم ، تقديرا للضرورة بقدرها ، لكن فيه أن المنساق من الآية (٢) سقوط احترامها بهتكها لسترها بفعل الفاحشة ، فحينئذ لا يجب ردها إليه ، للأصل بعد أن كان خروجها في الحال المزبور من المستثنى ، ولأنه لو كان ذلك للحد لوجب مراعاة ما ذكروه فيه : من أنها إن كانت مخدرة أقيم الحد عليها في منزلها ، وإلا جاز إقامة الحد عليها في خارجه.

هذا وفي المسالك « حيث تخرج لأذى أحمائها أو لم نوجب في الأول إعادتها ينقلها الزوج إلى منزل آخر مراعيا للأقرب فالأقرب إلى مسكن العدة ».

وفيه ( أولا ) أن وجوب الأقرب فالأقرب وإن صدر من الشيخ وغيره في صورة تعذر سكنى منزل الطلاق كما ستسمع لكن لا دليل عليه بحيث يوافق أصولنا. و ( ثانيا ) أنه يمكن أن يقال بعدم وجوب ملاحظة حكم الاعتداد في غير منزل الطلاق ، لأن النهي في الآية (٣) عن الإخراج والخروج عن بيوتهن التي كن فيها قبل الطلاق‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥٥ ـ من أبواب العدد الحديث ١.

(٢) سورة الطلاق : ٦٥ ـ الآية ١.

(٣) سورة الطلاق : ٦٥ ـ الآية ١.

٣٣٦

وبعده ، فمع فرض الخروج عنها (١) لا دليل على إعطاء حكم الاعتداد لغيره من المنازل التي تجب على الزوج من حيث الإنفاق ، فتأمل جيدا.

ثم لا يخفى عليك أن موضع النقل في صورة الإيذاء لو كانت الدار تسع الجميع ، أما لو كانت ضيقة لا تسع لهم ولها ففي المسالك وغيرها « نقل الزوج الأحماء وترك الدار لها » وفيه أنه مع فرض كونها من المسكن اللائق بها معهم وإن كانت ضيقة لا يتعين عليه ، للاستثناء في الآية (٢) المفسرة في النصوص (٣) المزبورة فتأمل.

ولو كان الأحماء في دار أخرى لم تنقل المعتدة ، بل تؤدب وهي في منزلها ، وربما قيل بكونه بعض أفراد المستثنى وإن كان إيذاؤها لهم بالجوار ، لكنه كما ترى.

ولو كانت في دار أبويها لكون الزوج ساكنا معهم فطلقها فيها فبذأت على الأبوين ففي المسالك « في جواز نقلها عنهم وجهان ، من عموم الآية المتناولة لذلك ، حيث نقول بتفسيرها بالأعم ، ومن أن الوحشة لا تطول بينهم كما هي بينها وبين الأحماء ، نعم لو كان أحماؤها في دار أبويها أيضا وبذأت عليهم أخرجوا دونها ، لأنها أحق بدار الأبوين ، مع احتمال جواز إخراجها ، للعموم ».

وهو كما ترى ضرورة انطباق ما ذكره من التعليلات على مذاق العامة ، والمتجه على أصولنا ـ مع فرض شمول المنزل المخصوص لبيوتهن ولو لاستحقاق الزوج السكنى مع أبويها ـ جواز خروجها بالفاحشة المزبورة ، ولا أحقية لها بدار أبويها من حيث الأبوة ، كما أنه لا مدخلية لعدم طول ذلك بينها وبين أهلها بخلاف أحمائها بعد فرض تفسير الفاحشة بما يشمل مثل ذلك ، كما هو واضح.

وكيف كان فـ ( لا تخرج في حجة مندوبة ) مثلا إلا بإذنه بلا‌

__________________

(١) وفي النسختين الأصليتين « فمع فرض الخروج عنهن ».

(٢) سورة الطلاق : ٦٥ ـ الآية ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب العدد.

٣٣٧

خلاف أجده فيه ، لخبر معاوية بن عمار (١) السابق المؤيد بإطلاق‌ مضمر محمد بن مسلم (٢) « المطلقة تحج وتشهد الحقوق » ولا ينافي ذلك إطلاق‌ قوله عليه‌السلام في خبر سماعة (٣) السابق « ليس لها أن تحج حتى تنقضي عدتها » بعد تقييده بالخبر الأول.

وعلى كل حال فذلك يؤيد ما ذكرناه من أنه لا حكم للاعتداد من حيث الإذن ، ( واحتمال ) اختصاص ذلك في السفر لحج ونحوه وإن استلزم قضاء العدة أجمع في خارجه دون الانتقال إلى منزل آخر ، فإنه لا يجوز وإن اتفقا عليه ، بل يمنعهما الحاكم من ذلك ( وإن كان ممكنا ) لكنه مخالف لمذاق الفقه.

وتخرج في الواجب المضيق وإن لم يأذن لأنه من الضرورة حينئذ ، كما في كل واجب كذلك ، نعم لو كان موسعا اتجه المنع ، خصوصا في المقام الذي اجتمع فيه حق الاعتداد والنكاح.

وكذلك الكلام في جميع ما تضطر إليه ولا وصلة لها إليه إلا بالخروج من حفظ مال أو نفس أو عرض ، بل صرح غير واحد بأن من ذلك ما إذا كانت الدار غير حصينة ، وكانت تخاف من اللصوص ، أو كانت بين قوم فسقة تخاف على نفسها منهم ولو على العرض ، أو كانت تتأذى من الجيران أو من الأحماء تأذيا شديدا ، ولم يمكن إخراجهم عنها ، بأن كانوا في مسكن يملكونه ونحو ذلك.

لكن قد ذكرنا سابقا أنه ليس في شي‌ء من النصوص عنوان الضرورة ، وإنما الموجود في مكاتبة الصفار (٤) خصوص الحاجة للتعيش ، فلا بد من تقدير الضرورة بما إذا عارض حرمة الخروج المزبورة واجب آخر مضيق مثلا ، فيرجح مطلقا وإن كان ذلك أهم منه ، بناء على ظاهر كلامهم الذي لم يوكل الأمر فيه إلى الترجيح.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب العدد الحديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب العدد الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب العدد الحديث ٣.

(٤) الوسائل الباب ـ ٥٥ ـ من أبواب العدد الحديث ١.

٣٣٨

كما أنه لم يذكروا هنا وجوب بذل المال غير المضر بها عليها في دفع ما يقتضي خروجها من المنزل للمقدمة وإن لم يبذل ذلك الزوج ، لأنها منهية عن الخروج ، كما أن الزوج منهي عن الإخراج ، وستسمع فيما يأتي ذكرهم المقدمة بالنسبة إلى الزوج ، إلى غير ذلك مما يدل على عدم تنقيح كلماتهم في المقام ، والله العالم.

ولا إشكال كما لا خلاف في أنه تخرج في العدة البائنة أين شاءت لانقطاع العصمة بينهما ، وإن كانت حاملا تجب نفقتها على الزوج للنصوص (١) السابقة المعتضدة بعدم الخلاف ، بل الإجماع بقسميه عليه.

المسألة ( الثانية : )

قد عرفت أنه لا خلاف ولا إشكال في أن نفقة الرجعية لازمة في زمن العدة ، وكسوتها ومسكنها بل الظاهر أنها يوما فيوما ضرورة كونها كنفقة الزوجة ، بل هي هي ، لأن الطلاق لم يسقطها ، ولا فرق عندنا فيها مسلمة كانت أو ذمية لإطلاق الأدلة.

( أما الأمة فـ ) قد عرفت الحال في نفقتها في كتاب النكاح وإن ذكر المصنف هنا أنه إن أرسلها مولاها ليلا ونهارا فلها النفقة والسكنى ، لوجود التمكين التام ، ولو منعها ليلا أو نهارا فلا نفقة ، لعدم التمكين لكن تمام الكلام في كتاب النكاح ، ويتبعها الحكم بالنسبة إلى طلاقها رجعية ، فلاحظ وتأمل.

وكذا تقدم الكلام فيه أيضا في أنه لأنفقه للبائن ولا سكنى إلا أن تكون حاملا ، فلها النفقة والسكنى حتى تضع إلا أنها سكنى نفقة لا سكنى اعتداد على وجه يحرم عليه إخراجها إلى منزل آخر لائق بها ويحرم عليها الخروج ، وتقدم الكلام أيضا في أن هذه النفقة للحمل أو للحامل والفروع المتفرعة على ذلك ، فراجع وتدبر.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب النفقات من كتاب النكاح.

٣٣٩

وكذا قد عرفت فيما تقدم أنه تثبت العدة للوطء بالشبهة بلا خلاف ولا إشكال ولكن هل تثبت النفقة أيضا لو كانت حاملا؟ قال الشيخ : نعم وربما فرعه على كون النفقة للحمل دون الحامل. وفيه إشكال ينشأ من توهم اختصاص النفقة سواء قلنا : إنها للحمل أو للحامل بالمطلقة الحامل دون غيرها من البائنات للأصل وغيره ، بل هو ليس من التوهم ، بل هو المتحقق ، فالأصح أن لا نفقة لها مطلقا ، والله العالم.

( فروع )

( في سكنى المطلقة‌ )

( الأول : )

لو انهدم المسكن على وجه لا يمكن إصلاحه أو يعسر بحيث يكون فيه الاعتداد أو كان مستعارا قد رجع به المعير ، أو مستأجرا فانقضت المدة جاز له إخراجها فليس لها إلزامه بذلك. وجاز لها الخروج فليس له إلزامها بذلك لأنه إسكان غير سائغ في الأخيرين قطعا ، لكونه ما لا للغير.

نعم في المسالك وغيرها « يجب على الزوج أن يطلبه من المالك ولو بأجرة توصلا إلى تحصيل الواجب بحسب الإمكان ، فإن امتنع أو طلب أزيد من أجرة المثل نقلها إلى مسكن آخر وأوجب جماعة تحري الأقرب فالأقرب إلى الأول اقتصارا في الخروج المشترط بالضرورة على موردها ، وهو حسن ».

قلت : لا حسن فيه على أصولنا ، ضرورة عدم الفرق بين أفراد الخروج المفروض‌

٣٤٠