جواهر الكلام - ج ٣٢

الشيخ محمّد حسن النّجفي

في مثل الفرض الناشي من حكم الحاكم الذي هو باق على مقتضي أصالة البراءة بعد خروج الامرأة عن الزوجية.

ولكن مع ذلك فيه تردد مما عرفت ، ومن ظهور النصوص (١) في كونه طلاقا رجعيا وإن كان المباشر له الولي الشرعي الذي هو أولى من الوكيل ، بل يظهر من بعضها (٢) أن حكم العدة فيه حكم العدة الرجعية وإن لم يكن ثم طلاق ، اللهم إلا أن يقال : إن ذلك في خصوص الرجوع لا مطلقا حتى النفقة ، ولكنه لا يأتي على المختار من اعتبار الطلاق في فراقها ، ولا ريب في ظهور النصوص في كونه طلاقا رجعيا وإن طالت عدته.

ومما ذكرنا يظهر لك النظر فيما ذكر في بعض الكتب في المسألة ، حتى الفاضل في القواعد الذي خص الإشكال في النفقة لو حضر ، وظاهره عدم الإشكال في عدم وجوبها مع عدم الحضور ، إذ قد عرفت أن المتجه وجوبها باعتبار كون الطلاق رجعيا وإن لم يحضر ، ولو قلنا بالاعتداد بدونه وأنه بالحضور ولو بعد العدة ينكشف البطلان يتجه وجوب النفقة لو جاء ولو بعد العدة ، حتى لما مضى من العدة وما بعدها ، لبقائها على الزوجية حينئذ ، كما هو واضح.

( الثالث )

لو طلقها الزوج أو ظاهر أو آلى واتفق كون ذلك في زمن العدة التي هي من طلاق الحاكم أو أمره صح بلا خلاف ولا إشكال ، بناء على صحة ذلك في العدة الرجعية ، ضرورة كونها منها إن وقع الطلاق من الولي أو الوالي ، لما عرفت من كونه طلاقا رجعيا وإن كانت عدته مقدار عدة‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٢ من كتاب النكاح والباب ـ ٢٣ ـ من أبواب أقسام الطلاق.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٢ من كتاب النكاح.

٣٠١

الوفاة ، وبحكم الرجعية إن اعتدت بأمره من دون طلاق ، واحتمال كونها بحكمها في خصوص الرجعية دون غيرها جمود ولعله لذا جزم المصنف به مع ظهور عبارته السابقة أن العدة بأمر الحاكم من دون طلاق ، إلا أن الانصاف عدم خلوه من الاشكال.

نعم لو اتفق كون ذلك بعد العدة لم يقع ولو قبل التزويج لانقطاع العصمة بينهما بانقضائها على كل حال مع فرض عدم معرفة خبره ، لكن في المسالك وكشف اللثام إشكال صحة وقوع الطلاق على المطلقة الرجعية من دون تخلل رجعة بأنه لا تصح عندنا تطليقتان من دون تخلل رجوع بينهما ، اللهم إلا أن يقال : إن المطلقة الرجعية باقية على الزوجية حقيقة إلى انقضاء العدة ، أو يجعل ذلك بمنزلة الرجوع والطلاق على نحو « أعتق عبدك عني ».

هذا وقد تقدم لثاني الشهيدين في بحث النكاح الكلام في أن الطلاق الرجعي مزيل للنكاح زوالا متزلزلا لا يستقر إلا بانقضاء العدة أو أنه جزء السبب في الزوال ، وتمامه انقضاء العدة ، وفرع على الأخير جواز وقوع الظهار واللعان والإيلاء وجواز تغسيلها الزوج وبالعكس ، بل جعله هو المراد للمصنف بقوله هناك : « إن الرجعية زوجة » فما أدري ما الذي دعاه إلى الإشكال في خصوص الطلاق الذي هو في الحقيقة كالظهار في اعتبار وقوعه على الزوجة.

( الرابع )

لو أتت بولد بعد مضي ستة أشهر من دخول الثاني لحق به لأن الولد للفراش ولو ادعاه الأول وذكر أنه وطأها سرا لم يلتفت إلى دعواه لزوال فراشه.

وقال الشيخ ره : يقرع بينهما نحو ما قاله فيما لو طلقها فتزوجت وأتت بولد يمكن إلحاقه بهما ولكن هو كما ترى بعيد لأنها فراش‌

٣٠٢

للثاني فعلا بخلاف الأول ، فإنها كانت فراشا له ، فلا ريب في رجحانه عليه ، فلا إشكال كي يكون محلا للقرعة ، وقد تقدم الكلام في ذلك في كتاب النكاح ، بل هو في المقام أولى منه من وجوه.

( الخامس : )

لا يرثها الزوج لو ماتت بعد العدة وكذا لا ترثه بلا إشكال ، بناء على ما عرفت من انقطاع العصمة بينهما بانقضائها وإن لم تتزوج ، بل وإن لم نقل بالطلاق ، لما سمعته من تصريح الموثق (١) بأنه لا سبيل له عليها بعدها لو جاء حيا فضلا عن الموت.

لكن في المسالك على القول بأنه لو حضر حينئذ كان أحق بها يحتمل ثبوت التوارث ، لظهور كونه موجودا إلى تلك الحال المقتضي ببقاء الزوجية في نفس الأمر ، وكونه أحق بها على تقدير ظهوره دليل على أن الحكم بالبينونة مبني على الظاهر ، ومستمر مع الاشتباه لا مع ظهور الحال.

وفيه ـ مضافا إلى ما عرفته من ضعف القول المزبور ـ أن المتجه عدمه عليه أيضا ، لحكم الشارع بانقطاع العصمة بينهما بانقضائه وإن كان هو أولى بها لو جاء ، فان ذلك لا يقتضي التوارث بينهما مع عدم مجيئه ، كما هو واضح.

ولذا كان ظاهر المصنف عدم الإشكال في ذلك على كل حال ، بل قال : التردد لو مات أحدهما في العدة من كونها عدة رجعية أو بائنة والأشبه الإرث حتى لو قلنا بالاعتداد من دون طلاق ، لما عرفت من كونها بمنزلة الرجعة أيضا وإن كان لا يخلو من إشكال.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٢ وفيه « فليس له عليها رجعة » وقوله عليه‌السلام : « لا سبيل للاول عليها » مذكور في صحيح بريد المروي في الوسائل في الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ١.

٣٠٣

السادس :

لو غلط الحاكم بالحساب فأمرها بالاعتداد فاعتدت وتزوجت قبل مضي مدة التربص بطل النكاح الثاني لوقوعه على غير الوجه الشرعي ، بل هو نكاح لذات بعل شرعا ، بل الأقرب تحريمها عليه أبدا مع الدخول ، لكونه تزويجا لذات بعل ، وهو محرم أبدا نصا (١) وإجماعا كما عرفته في محله ، نعم لو بان كون نكاحه لها بعد موته أمكن القول بعدم حرمتها عليه ، بل في القواعد « الأقرب صحة الثاني لو تبين موت الزوج الأول قبل العدة ».

قلت : لعله لعدم كونها حينئذ ذات بعل في نفس الأمر ، بل ولا في عدة ، لما عرفت من أنها عندنا موقوفة على الطلاق الصحيح الذي يتعقب تربص الأربع سنين ، لكن في كشف اللثام : « ويحتمل البطلان ، لابتنائه ظاهرا وفي زعم المتعاقدين على الاعتداد المبنى على الخطاء ».

ولو عاد الزوج من سفره وقد ظهر الغلط في الحساب فان لم يكن قد تزوجت وجب لها نفقة جميع المدة ، وإن كانت قد تزوجت ففي القواعد « سقطت نفقتها من حين التزويج ، لأنها ناشز ، فإذا فرق بينهما فان لم يكن دخل بها الثاني عادت نفقتها في الحال ، وإن دخل فلا نفقة لها على الثاني ، لأنه مشتبه ، ولا على الأول لأنها محبوسة عليه لحق غيره » ولا يخلو من نظر كما أن ما فيها أيضا من أنه « لو رجع بعد موتها ورثها إن لم تخرج مدة التربص والعدة ويطالب الورثة الثاني بمهر مثلها » كذلك أيضا.

ولو بلغها موت الأول اعتدت له بعد التفريق ، وإن مات الثاني فعليها عدة وطء الشبهة ، ولو ماتا معا فان علمت السابق وكان هو الأول اعتدت عنه بأربعة‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.

٣٠٤

أشهر وعشرة أيام ، أولها يوم مات الثاني ، لأن العدة لا تجتمع مع الفراش الفاسد ، وفراشه قائم إلى وقت موته ، وإن سبق الثاني فإن كان بين المدتين ثلاثة أقراء مضت عدة الثاني ، فتعتد عن الأول ، وإن كان أقل أكملت العدة ثم اعتدت من الأول ، ولو لم يعلم السابق أو علم التقارن اعتدت من الزوج ثم من وطء الشبهة ».

( الفصل السادس )

( في عدد الإماء )

والاستبراء لهن وإن كان قد تقدم الكلام في أكثر أحكامه في كتاب البيع مستوفى ، لكن من المعلوم أنه طلب البراءة لغة ، والتربص عن وطء الأمة مدة بسبب إزالة ملك أو حدوثه شرعا.

وأما العدة فهي التربص فيها للنكاح وشبهه على نحو ما سمعته في الحرة ، ولعل اختصاصه بالاسم المزبور باعتبار تقدير تربصه بما يدل على البراءة من غير تكرر وتعدد فيه ، بخلاف التربص الواجب بسبب النكاح الذي هو مأخوذ من العدد باعتبار تعدد الأقراء والشهور فيه. هذا ولكن قد تطلق العدة على الاستبراء وبالعكس.

وكيف كان فـ ( عدة الإماء في الطلاق مع الدخول ) والبلوغ وعدم اليأس قرآن بلا خلاف أجده ، بل الإجماع بقسميه عليه ، بل لعله كذلك عند العامة ـ فضلا عن الخاصة ـ إلا ما يحكى عن داود منهم ، فجعلها ثلاثة أقراء ، وقد سبقه الإجماع ، بل ولحقه ، والمشهور كما في الحرة أن هما طهران شهرة عظيمة.

وقيل والقائل الإسكافي والعماني على ما حكي عنهما حيضتان وتبعهما بعض متأخري المتأخرين كسيِّد المدارك وصاحبي الكفاية والحدائق ، بل‌

٣٠٥

كأنه مال إليه في الرياض.

ولكن لا ريب في أن الأول مع كونه أشهر بل هو المشهور ، بل يمكن دعوى الاتفاق عليه من زمانهما إلى زمان المزبورين ـ أظهر لصحيح زرارة (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام « سألته عن حر تحته أمة أو عبد تحته حرة كم طلاقها؟ وكم عدتها؟ فقال : السنة في النساء في الطلاق فان كانت حرة فطلاقها ثلاثا ، وعدتها ثلاثة أقراء ، وإن كان حر تحته أمة فطلاقها تطليقتان ، وعدتها قرءان » الذي هو كالصريح في اتحاد المراد بالقرء في الحرة والأمة.

وقد عرفت النصوص (٢) والفتاوى بكونه فيها الطهر ، بل قد سمعت من النصوص (٣) ما يقتضي تفسيره بذلك ، من غير فرق بين عدة الحرة والأمة بل في بعضها (٤) تعليله بكونه يقرء فيه الدم ، أي يجتمع ثم يقذف بالحيض دفعة ، ولا ينافي ذلك نصوص الحيضتين (٥) التي هي كنصوص الثلاث حيض (٦) في الحرة التي قد عرفت حملها على التقية ، أو إرادة الدخول في الأخيرة لإتمامه ، أو إرادة الإمساك عن خصوص التزويج إلى انقضائها كما عرفته سابقا.

ولقد أجاد في الوسائل بحمل ما هنا على ما عرفته في نظائرها هناك مع اختلال طريقته ، ضرورة انسياق الاتحاد فيهما.

فمن الغريب ما وقع لبعض الناس من مستقيمي الطريقة هنا من الإشكال في المقام باعتبار إمكان الفرق بين القرءين فيهما ، للنص (٧) الدال على كونه الطهر‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب العدد الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب العدد.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب العدد.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب العدد الحديث ٤.

(٥) الوسائل الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب العدد الحديث ٢ و ٣ و ٤ و ٥.

(٦) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب العدد الحديث ٧ و ٨.

(٧) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب العدد.

٣٠٦

هناك بخلافه هنا ، فتبقى نصوص الحيضتين بلا معارض ، فتكون مفسرة للقرء هنا أو مقيدة ، إذ هو كما ترى ، خصوصا بعد ملاحظة الشهرة العظيمة ، وملاحظة معلومية كون الرق على النصف من الحر في الحد والقسم وغيرهما ، ومقتضاه كون العدة قرء ونصف ، إلا أنه لما لم يعلم نصف القرء إلا بعد انتهائه كانت العدة قرءين ، كما أنه جعل المدار في الأمة بالنسبة إلى المحلل على التطليقتين باعتبار عدم تعقل التنصيف في الطلاق ، وبالجملة فلا ينبغي الشك في الحكم المزبور.

ويلحق بالطلاق فسخ النكاح ولو بسبب بيعها أو بيع زوجها ففسخ المشتري نكاحها ، كما صرح بالأخير الفاضل في القواعد لأنه كذلك في الحرة ، ولاستصحاب المنع المتحقق فيها ولو مدة الاستبراء ، إذ احتمال عدم وجوب شي‌ء عليها مقطوع بعدمه ، ومن هنا كان الاحتمال المقابل للاعتداد الاستبراء ، لخروجه عن مدلول لفظ الطلاق ، ومن منع انحصار الاعتداد في مسماه ، كما سمعته في وطء الشبهة للحرة ، ولأصل البراءة المقطوع باستصحاب المنع فيها ، ودعوى الفرق بينها وبين الحرة ـ بأنه ليس للحرة مدة مضروبة لاستبراء رحمها أقل من عدة الطلاق ، فلا يمكن الحكم بالبراءة في أقل منها ، بخلاف الأمة ـ لا تصلح معارضة للاستصحاب المزبور.

نعم لو ثبت أن الأصل في وطء الأمة الاستبراء إلا ما خرج من الطلاق ونحوه لكان ذلك متجها ، ولكن دونه خرط القتاد.

ومن ذلك يعلم الحال في كل فرد حصل الشك فيه بالنسبة إلى اعتبار حكم العدة فيه أو الاستبراء ، ولعل من ذلك وطء الشبهة ولو من المالك في المزوجة ، وغيره مما يمر عليك في أثناء المباحث.

ولعل من ذلك عدة المبعضة وإن ذكر فيها وجهان ، إلا أن المتجه للأصل المزبور اعتدادها بعدة الحرة ، وأما احتمال ملاحظة المركب مما يقتضيه التقسيط على كل من عدتي الحرة والأمة بالنسبة إلى ما فيها من الحرية والأمية (١) فلم أجد قائلا به بل ولا من احتمله.

__________________

(١) في النسختين الأصليتين « والأمة ».

٣٠٧

وكيف كان فـ ( أقل زمان تنقضي به عدتها ) ثلاثة عشر يوما ولحظتان : لحظة بعد وقوع الطلاق ، ولحظة أخرى من الحيض نحو ما سمعته في الحرة.

ومنه يعلم وجه البحث في اللحظة الأخيرة في أنها من العدة أو بها يحصل العلم بانقضائها ، ضرورة كون الكلام كما في الحرة.

بل مما تقدم يعلم أيضا إمكان فرضه بأقل من ذلك ، وهو عشرة أيام وثلاث لحظات في صورة الطلاق بعد الوضع قبل النفاس بلحظة ، ثم يأتي الدم لحظة ، ثم تطهر عشرة أيام ، ثم تحيض فتخرج حينئذ بأول لحظة من الحيض هذا كله في ذات الأقراء.

وأما إن كانت لا تحيض وهي في سن من تحيض اعتدت بشهر ونصف ، سواء كانت تحت حر أو عبد كما في خبر محمد بن الفضيل (١) عن أبي الحسن الماضي عليه‌السلام ، وفي‌ مضمر سماعة (٢) « عدة الأمة التي لا تحيض خمسة وأربعون يوما » وفي الفقيه عنه (٣) أيضا عن أبى عبد الله عليه‌السلام « عدة الأمة التي لا تحيض خمس وأربعون ليلة ـ يعني إذا طلقت ـ » وفي‌ خبر أبي بصير (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « عدة الأمة المطلقة شهر ونصف » وفي‌ خبر زرارة (٥) عن أبي جعفر عليه‌السلام الاتي في النصرانية « عدتها في الطلاق عدة الأمة : حيضتان أو خمسة وأربعون يوما » إلى غير ذلك من النصوص الدالة على ذلك.

وما في آخر (٦) من الشهرين فشاذ لا عامل به ، بل لا أجد خلافا في الأول في الجملة ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى معلومية كون الأمة في العدة على‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب العدد الحديث ٥.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب العدد الحديث ٧.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب العدد الحديث ٧.

(٤) الوسائل الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب العدد الحديث ٦.

(٥) الوسائل الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب العدد الحديث ١.

(٦) الوسائل الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب العدد الحديث ٤.

٣٠٨

النصف من الحرة ، والقرآن فيها لما عرفت.

بل لعل الظاهر من التأمل في النصوص (١) الواردة في الحرة والأمة اتحادهما في كيفية الاعتداد وإن اختلفا في الكمية ، وحينئذ يتجه كون العدة في الأمة أحد الأمرين : القرءين أو الشهر ونصفا ، نحو ما سمعته في الحرة من ثلاثة أقراء أو ثلاثة أشهر بيض ، أيهما سبق كان الاعتداد به.

من غير فرق في ذلك بين ذات الأقراء وبين من كانت في سن من تحيض ومثلها لا تحيض ، كالمرضعة وذات التسع سنين ونحوهما ، وبين التي لا تحيض ومثلها يحيض ولكن لم تحض هي لمرض مثلا ، بل وبين من كانت عادتها الحيض في الأزيد من الشهر ونصف ، نحو ما سمعته في الحرة ممن كانت عادتها أزيد من ثلاثة أشهر ، ضرورة أن الأمة أضعف من الحرة في العدة.

بل الظاهر عموم الضابط المزبور في الأمة حتى للمسترابة ، بأن جاءها الحيض في الأقل من شهر ونصف ولو بيوم ثم غابت حيضتها ، فإنها تعتد حينئذ بالشهر والنصف ما لم تأتها حيضة أخرى قبلها.

ولا يجري عليها حكم المسترابة في الحرة اقتصارا في خبر سورة (٢) عليها خاصة ، لظهوره أو صراحته فيها ، ولا تعليل فيه يقتضي التعدية عنها في الحكم المخالف لإطلاق الأدلة المزبورة ، وكذا خبر عمار (٣) الذي قد عرفت الحال فيه سابقا.

ولعله للاتكال على ما سمعته في الحرة اقتصروا هنا على ذكر الاعتداد بالقرءين والخمسة وأربعين يوما.

هذا ولكن في الرياض بعد أن ذكر الاعتداد بالخمسة والأربعين يوما للتي لا تحيض وهي في سن من تحيض قال : « ولو كانت مسترابة بالحمل كان عليها الصبر بأشهر تسعة ، وفاقا لشيخنا العلامة وبعض الأجلة ، التفاتا إلى ظواهر النصوص الإمرة به في الحرة التي هي كالصريحة في أن الصبر تلك المدة لاستعلام البراءة ، ولا يتفاوت‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٢ و ٤٠ ـ من أبواب العدد.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب العدد الحديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب العدد الحديث ١.

٣٠٩

فيه الحرة والأمة ، لكن ظاهرها أن الصبر تلك المدة ليس للعدة ، بل إنما هو لمعرفة البراءة ، وأما العدة فهي الأشهر الثلاثة التي بعدها ، وبمقتضى ذلك يجب عليها الصبر هنا بعد التسعة بشهر ونصف البتة إلا أني لم أقف على مفت بذلك ، بل هم ما بين مفت بتسعة ومصرح بعدم وجوبها والاكتفاء بأشهر ثلاثة ، التفاتا إلى ظهور الحمل في هذه المدة واختصاص الأمر بالزيادة بالحرة ، والمناقشة فيه بعد ما عرفت واضحة ».

قلت : لا يخفى عليك ما فيه من وجوه النظر بعد الإحاطة بما ذكرناه هناك ، وما أدري ما النصوص التي أشار إليها ، فإن كان خبر سورة (١) فهو ليس إلا خبر واحد ، وقد عرفت الحال فيه ، وإن كان المراد نصوص (٢) مدعية الحمل فهي غير الاسترابة فيه التي قد عرفت عدم اقتضائها وجوب التربص تسعة وإن استرابت وظهرت أماراته من حركة ونحوها اللهم إلا أن يعلم أنها حامل ، ومدعية الحمل غير المسترابة فيه ، بل هي بزعمها أنها من ذوات الأحمال ، وقد عرفت أنها لا تعتد بعد التسعة ، كما أوضحنا الحال فيه هناك ، فلا حظ وتأمل حتى تعرف وجوه النظر في كلامه.

وقد سبقه إلى هذا الوهم المقداد في التنقيح ، بل إنما اغتر به ، لأنه قال في شرح قول المصنف في النافع : « ولو كانت ـ أي الأمة ـ مسترابة فخمسة وأربعون يوما » : « هذا هو المشهور ، وقال ابن الجنيد : لو اعتدت بشهرين كان عندي أحوط ، قال : فان استرابت بالحمل انتظرت ثلاثة أشهر ، قال العلامة : الوجه أنها مع الريبة تنتظر تسعة أشهر كالحرة ، لتساويهما في زمان الحمل ـ ثم اعترضه بأنه لا حاجة إلى التسع ، لأن العلم بالحمل لا يتوقف على مضي أقصى غايته ـ ولو قلنا بذلك في الحرة فلا تحمل الأمة عليها ، بل يكتفى بثلاثة أشهر ، لأنه بمضي ذلك يعلم الحمل ، فعدتها بوضعه أو عدمه ، فعدتها بالأشهر » وما حكاه عن العلامة هو ما وقع له في المختلف.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب العدد الحديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب العدد.

٣١٠

ولكن لا يخفى عليك ما في الجميع بعد الإحاطة بما تقدم لنا سابقا وفي المقام الذي لم يظهر لنا فيه مخالف غيرهم من كون عدة الأمة قرءين أو شهرا ونصف ، وأما القول بالثلاثة فلم نجد له شاهدا ولا موافقا لمن قال به. وقد عرفت الكلام في مسترابة الحمل ، وأنه لا يجب فيه الانتظار إلا مع دعواها ، أو تكون من مضمون خبر سورة (١) الذي قد عرفت اختصاصه بالحرة ، فلاحظ وتأمل.

ثم إنه لا يخفى عليك جريان ما ذكرناه هناك في الأشهر الثلاثة من كونها هلالية مطلقا أم لا هنا ، إذ المسألة من واد واحد ، نعم قد يقال : إن المراد منهما هنا العدديان بقرينة ما سمعته من خبر (٢) الخمسة وأربعين يوما أو ليلة ، لكن ظاهرهم الاتفاق على الاجتزاء بالهلالي مع فرض وقوع الطلاق مقارنا لغرته ، فتكمله خمسة عشر يوما من الأخر ، وتعتد به وإن كان في أربعة وأربعين يوما لو فرض نقصانه.

نعم لو وقع الطلاق في أثناء الشهر اعتبر الخمسة وأربعون يوما ، كما في الخبر (٣) الذي حملوه على الغالب من وقوع الطلاق في الأثناء أو تمامية الشهر ، بل احتمل بعض الناس ذلك في الفتاوى المطلقة أيضا.

وفيه أنه إن كان المراد الهلالي فينبغي التزام ذلك في النصف ، إذ لا وجه للتفكيك بين قوله : « شهر ونصف » فيكون ثلاثة وأربعون يوما ونصف يوم ، وعدم العلم بذلك لا ينافي جريان الحكم عليه لو وقع عليها عقد مثلا بعد ذلك ، نعم مضي الخمسة عشر يوما موجب العلم بخروجها عن العدة ، لأن الشهر إذا كان تاما لا يزيد على ثلاثين يوما.

ومن هنا يمكن إرادة الهلالي من الشهر ونصف ، لما عرفته من كونه المنساق‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب العدد الحديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب العدد الحديث ٧ والباب ـ ٤٢ ـ منها الحديث ٧.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب العدد ٧.

٣١١

منه بعد حمل نصوص (١) الخمسة والأربعين على الغالب الذي عرفت ، بل لعل ذلك كذلك حتى لو وقع الطلاق في أثناء الشهر بأن يكمل من الآخر مقدار ما فات منه ، بل مقتضى ما عرفت من كون عدة الأمة على النصف من الحرة ذلك بعد ما عرفت من كون المراد من الثلاثة فيها الهلالية ، كما تقدم الكلام فيه مستوفى ، فلاحظ كي تعرف المطابقة بين ما هناك وهنا ، والله العالم.

ولو اعتقت الأمة ثم طلقت فعدتها عدة الحرة بلا خلاف ولا إشكال ، ضرورة كونها حرة مطلقة ، فتندرج في أدلتها ، بل وكذا لا إشكال ولا خلاف في عدم عود عدتها لو فرض وقوع العتق بعد انقضائها ، ضرورة كونها طلقت أمة واعتدت كذلك فتشملها جميع الأدلة.

نعم لو طلقت طلاقا رجعيا ثم أعتقت في العدة أكملت عدة الحرة ، ولو كانت بائنا أتمت عدة الأمة بلا خلاف أجده فيهما ، بل لعله إجماع ، لا لكون الأولى بمنزلة الزوجة ، ضرورة عدم خروجها بذلك عن صدق كونها أمة قد طلقت ، فيجب لها عدتها ولو للاستصحاب.

ودعوى ظهور نصوص (٢) اعتداد الأمة في التي هي كذلك إلى آخر العدة ـ بخلاف الفرض الذي لا يدخل في أدلة الحرة ولا الأمة ، فهو موضوع جديد ، فيستصحب حكم المنع فيه إلى انتهاء عدة الحرة ، ولا يستصحب حكمها السابق المعلوم كونه من حيث إنها أمة ـ لو سلمت تقتضي عدم الفرق حينئذ بين البائنة والرجعية فيحتاج خروج الأولى حينئذ إلى نص خاص ، وليست بأولى من القول بأن المتجه فيهما الاكتفاء بعدة الأمة فيهما ، لصدق كونها أمة طلقت ، ولكن خرجت الرجعية لدليل خاص وبقي البائنة.

والأمر سهل بعد اتحاد الأمرين في النتيجة المزبورة المستفادة من الجمع بين‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب العدد الحديث ٧ والباب ـ ٤٢ ـ منها الحديث ٧.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب العدد.

٣١٢

ما دل على كل منهما بإطلاقه ، كصحيح جميل (١) عن أبى عبد الله عليه‌السلام « في أمة كانت تحت رجل فطلقها ثم اعتقت ، قال : تعتد عدة الحرة » وخبر محمد بن مسلم (٢) عن أبى جعفر عليه‌السلام « إذا طلق الرجل المملوكة فاعتدت بعض عدتها منه ثم أعتقت فإنها تعتد عدة المملوكة » بحمل الأول على الرجعي والثاني على البائن بشهادة‌ خبر مهزم (٣) المخبر بالعمل عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في أمة تحت حر طلقها على طهر بغير جماع تطليقة ، ثم اعتقت بعد ما طلقها بثلاثين يوما ، ولم تنقض عدتها ، فقال : إذا أعتقت قبل أن تنقضي عدتها اعتدت عدة الحرة من اليوم الذي طلقها ، وله عليها الرجعة قبل انقضاء العدة ، فإن طلقها تطليقتين واحدة بعد واحدة ثم اعتقت قبل انقضاء عدتها فلا رجعة له عليها ، وعدتها عدة الإماء » وعدم عمومه لجميع أفراد البائنة غير قادح بعد عدم القول بالفصل ، خصوصا على ما ذكرناه أخيرا من بقاء البائنة على الإطلاقات السابقة.

وعدة الذمية كالحرة في الطلاق وما يلحق به والوفاة بلا خلاف محقق أجده وإن نسبه الفاضل إلى بعض الأصحاب ، ولكن قد اعترف غير واحد بعدم معرفته ، بل عن بعضهم الإجماع عليه ، لإطلاق الأدلة وخصوص‌ صحيح السراج (٤) عن الصادق عليه‌السلام في الأخيرة « قلت له : النصرانية مات عنها زوجها وهو نصراني ما عدتها؟ قال : عدة الحرة المسلمة أربعة أشهر وعشرا ».

بل وصحيح زرارة (٥) عن أبي جعفر عليه‌السلام فيها أيضا ، لكنه مخالف في الطلاق ، قال : « سألته عن نصرانية كانت تحت نصراني فطلقها هل عليها عدة منه مثل عدة المسلمة؟ فقال : لا ، لأن أهل الكتاب مماليك الإمام ، ألا ترى أنهم يؤدون الجزية كما يؤدي العبد الضريبة إلى مواليه؟ قال : ومن أسلم منهم فهو حر يطرح عنه‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب العدد الحديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب العدد الحديث ٤.

(٣) الوسائل الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب العدد الحديث ٢.

(٤) الوسائل الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب العدد الحديث ٢.

(٥) الوسائل الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب العدد الحديث ١ ورواه في التهذيب ج ٧ ص ٤٧٨ ـ الرقم ١٩١٨ باختلاف كثير.

٣١٣

الجزية ، قلت : فما عدتها إن أراد المسلم أن يتزوجها؟ قال : عدتها عدة الأمة حيضتان أو خمسة وأربعون يوما قبل أن تسلم ، قال : قلت له : فإن أسلمت بعد ما طلقها ، فقال : إذا أسلمت بعد ما طلقها فان عدتها عدة المسلمة ، قلت : فان مات عنها وهي نصرانية وهو نصراني فأراد رجل من المسلمين أن يتزوجها ، قال : لا يتزوجها المسلم حتى تعتد من النصراني أربعة أشهر وعشرا ، عدة المسلمة المتوفى عنها زوجها ، قلت : كيف جعلت عدتها إذا طلقها عدة الأمة ، وجعلت عدتها إذا مات عنها عدة الحرة المسلمة وأنت تذكر أنهم مماليك الإمام؟ فقال : ليس عدتها في الطلاق مثل عدتها إذا توفي عنها زوجها ».

وعن الكافي (١) زيادة « إن الحرة والأمة كلتيهما إذا مات عنهما زوجهما سواء في العدة ، إلا أن الحرة تحد والأمة لا تحد ».

وإليها أشار المصنف بقوله وفي رواية تعتد عدة الأمة ولكن هي شاذة لم نتحقق بها عاملا ، بل ظاهر الجميع أو صريحهم خلافها ، فلا تصلح مقيدة لإطلاق الأدلة من الكتاب (٢) والسنة (٣) المؤيد بالاحتياط والاستصحاب ، فما في الحدائق ـ تبعا لما حكاه عن سيد المدارك من الإشكال في ذلك ـ في غير محله ، بل هو ناش عن اختلال الطريقة.

وفي المسالك « وحملت على أنها مملوكة ، إذ لم ينص على أنها حرة » وفيه أنه مناف لما سمعته من التعليل فيها ، فليس حينئذ إلا طرحها في مقابلة ما عرفت ، مضافا إلى ما في ذيلها على رواية الكافي من المنافاة لما تسمعه من نصوص (٤) اعتداد الأمة في الوفاة أيضا.

وعدة الأمة من الوفاة لزوجها شهران وخمسة أيام ، ولو كانت حاملا‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب العدد الحديث ١.

(٢) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٢٨ و ٢٣٤.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٢ و ٣٠ ـ من أبواب العدد.

(٤) الوسائل الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب العدد.

٣١٤

اعتدت بأبعد الأجلين من الوضع أو المدة بلا خلاف أجده في الأخير ، بل الإجماع بقسميه عليه ، بل دليله واضح.

إنما الكلام في المدة هل هي المذكورة أو أربعة أشهر وعشرا؟ خيرة المصنف في غير ذات الولد الأول ، بل هو المشهور بين الأصحاب ، بل في الرياض لعل عليه عامتهم إلا من ندر من متأخريهم ، لقاعدة التنصيف ، وقول الصادق عليه‌السلام في خبر أبي بصير (١) « عدة الأمة التي يتوفى عنها زوجها شهران وخمسة أيام ».

والباقر عليه‌السلام في الصحيح عن محمد بن قيس (٢) « وإن مات عنها زوجها فأجلها نصف أجل الحرة شهران وخمسة أيام » ومضمر سماعة (٣) في الموثق « سألته عن الأمة يتوفى عنها زوجها ، فقال عدتها شهران وخمسة أيام » وصحيح الحلبي (٤) عن الصادق عليه‌السلام « عدة الأمة إذا توفي عنها زوجها شهران وخمسة أيام » وخبر محمد بن مسلم (٥) عنه عليه‌السلام أيضا « في الأمة إذا توفي عنها زوجها فعدتها شهران وخمسة أيام » إلى غير ذلك.

خلافا للمحكي عن الصدوق وابن إدريس وظاهر الكليني ، بل في كشف اللثام نسبته أيضا إلى التبيان ومجمع البيان وروض الجنان للشيخ أبي الفتوح ، لإطلاق الأدلة المقيد بما عرفت ، وصحيح زرارة (٦) السابق.

وصحيحه الآخر (٧) عنه عليه‌السلام أيضا « يا زرارة كل النكاح إذا مات الزوج فعلى المرأة حرة كانت أو أمة أو على أي وجه كان النكاح من متعة أو تزويج أو ملك يمين فالعدة أربعة أشهر وعشرا ».

وموثق سليمان بن خالد (٨) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « عدة المملوكة المتوفى‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب العدد الحديث ٦.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب العدد الحديث ١٠.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب العدد الحديث ٧.

(٤) الوسائل الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب العدد الحديث ٨.

(٥) الوسائل الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب العدد الحديث ٩.

(٦) الوسائل الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب العدد الحديث ١.

(٧) الوسائل الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب العدد الحديث ٢.

(٨) الوسائل الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب العدد الحديث ٥.

٣١٥

عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا ».

وخبر وهب بن عبد ربه (١) عنه عليه‌السلام أيضا على ما عن الفقيه « سألته عن رجل كانت له أم ولد فمات ولدها منه ، فزوجها من رجل فأولدها غلاما ، ثم إن الرجل مات فرجعت إلى سيدها ، إله أن يطأها قبل أن يتزوج بها؟ قال : لا يطأها حتى تعتد من الزوج الميت أربعة أشهر وعشرة أيام ، ثم يطأها بالملك من غير نكاح » الحديث. القاصرة عن معارضة ما عرفت من وجوه.

بل يمكن حمل ما عدا الأخير منها على أم الولد إذا زوجها مولاها التي تعتد بالأربعة أشهر وعشرا ، لتشبثها بالحرية ، ولخصوص‌ صحيح سليمان بن خالد (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الأمة إذا طلقت ما عدتها؟ فقال : حيضتان أو شهران حتى تحيض ، قلت : فإن توفي عنها زوجها ، فقال : إن عليا عليه‌السلام قال في أمهات الأولاد : لا يتزوجن حتى يعتددن بأربعة أشهر وعشرا وهن إماء ».

وخبر ابن وهب (٣) عن أبى عبد الله عليه‌السلام « سألته عن رجل كانت له أم ولد فزوجها من رجل فأولدها غلاما ، ثم إن الرجل مات فرجعت إلى سيدها ، إله أن يطأها قبل أن يتزوج بها؟ قال : لا يطأها حتى تعتد من الزوج الميت أربعة أشهر وعشرا ثم يطأها بالملك بغير نكاح ».

وإلى ذلك أشار المصنف بقوله ولو كانت أم ولد لمولاها كانت عدتها أربعة أشهر وعشرا بل في المسالك نسبته إلى الشيخ وأتباعه والمصنف وباقي المتأخرين ، وفي الرياض هو الأشهر ، بل لعل عليه عامة من تأخر ، بل في كشف‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب موانع الإرث الحديث ١٢ من كتاب المواريث.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب العدد الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب العدد الحديث ٣ وهو خبر وهب بن عبد ربه أيضا كما في الاستبصار ج ٣ ص ٣٤٨ والتهذيب ج ٨ ص ١٥٣ والكافي ج ٦ ص ١٧٢ وفي الجميع‌ « أله أن يطأها؟ قال : تعتد من الزوج. ».

٣١٦

اللثام عن الخلاف وظاهر المبسوط الإجماع عليه ، خلافا للمحكي عن المفيد وسلار وابن أبي عقيل وابن الجنيد ، فشهران وخمسة أيام مطلقا.

وحينئذ تكون المسألة ثلاثية الأقوال ، وقد عرفت ما يستدل به لكل منها ، وأن أقواها التفصيل ، لرجحان النصوص (١) السابقة بالشهرة العظيمة ، وقبول تلك النصوص (٢) عدا الأخير منها للتنزيل على أم الولد ، وأما الأخير منها فهو مع اتحاده مضطرب المتن ، لما سمعت من رواية الكليني له بترك قوله فيها « فمات ولدها منه » ومن المعلوم أنه أضبط من غيره.

ويؤيده أنه المعروف في كتب الفروع مستدلين به على حكم أم الولد ، بل جعله غير واحد منهم مع الصحيح الآخر (٣) شاهد جمع على التفصيل المزبور وإن لم يكن مشتملا على نفي الاعتداد بذلك عن غيرها ، لكن المراد من شهادته أنه من المحتمل إرادة مضمونه من النصوص (٤) السابقة التي قد عرفت رجحان نصوص (٥) المشهور عليها بالعمل وغيره.

على أن الصحيح الآخر دال على ذلك ، ضرورة ظهور الاقتصار في جواب السؤال عن مطلق الأمة على ذكر خصوص أمهات الأولاد في ذلك.

والمناقشة فيه ـ بأن ذلك كذلك حيث لا يمكن استفادة مطلق الأمة منه ، وليس إلا مع فقد‌ قوله عليه‌السلام في الذيل : « وهن إماء » المشعر بالعموم وورود الحكم على مطلق الأمة ، وكأنه أراد بيان حكم مطلق الأمة بقضية علي عليه‌السلام في أمهات الأولاد ، ولكن لما كان ربما يتوهم منه الاختصاص بهن ذكر عليه‌السلام أن حكمه عليهن كان في حال كونهن إماء ولسن بحرائر ، وهذه الحالة بعينها موجودة في فاقدة الولد ـ يدفعها ظهور كون المراد من ذلك بيان كون الاعتداد عليهن بذلك وإن كن إماء ،

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب العدد.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب العدد الحديث ٥ والباب ـ ٤٥ ـ منها الحديث ١ والباب ـ ٥٢ ـ منها الحديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب العدد الحديث ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب العدد الحديث ٥ والباب ـ ٤٥ ـ منها الحديث ١ والباب ـ ٥٢ ـ منها الحديث ٢.

(٥) الوسائل الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب العدد.

٣١٧

بأن كن مزوجات ومات الزوج والسيد باق.

وحاصله أن أم الولد من السيد تعتد من زوجها بذلك وإن كانت هي أمة ، باعتبار بقاء سيدها وعدم انعتاقها من نصيب ولدها ، وحينئذ يكون ظاهرا في إرادة الاختصاص بأم الولد كما فهمه المعظم.

وعلى كل حال فلا إشكال في اعتداد أم الولد بالأربعة أشهر وعشرا ، إذ لا معارض لما دل (١) عليها بالخصوص المؤيد بالعمومات سوى إطلاق نصوص الشهرين وخمسة أيام (٢) وهي بعد تسليم شمولها لذلك مقيدة بما سمعت.

إنما الكلام في اعتدادها بذلك من موت سيدها ، ولا خلاف بل الإجماع بقسميه على عدم العدة لها إذا كانت متزوجة ، أما إذا لم تكن متزوجة فقد يظهر من المصنف وغيره ممن اقتصر على اعتدادها به من الزوج عدم اعتدادها منه بذلك ، بل عن الحلي التصريح به وأن عليها الاستبراء خاصة ، ونفى عنه البأس في المختلف ، بل عن موضع من التحرير الجزم به ، للأصل ولإطلاق ما دل (٣) على الاستبراء من وطء المالك ، لا العدة التي هي من وطء غيره.

وعن الطوسي والحلبي وابن حمزة وموضع من التحرير والشهيد وغيرهم اعتدادها بذلك ، بل نسبه غير واحد إلى المشهور ، لاستصحاب المنع عنها إلى المدة المزبورة.

وللصحيح (٤) السابق في أمهات الأولاد ، بناء على عمومه لموت المولى والزوج ، بل في الرياض أنه في الأول أظهر ، وإن كان في أصل عمومه لذلك نظر‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب العدد الحديث ١ و ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب العدد.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب بيع الحيوان من كتاب التجارة والباب ـ ١٨ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء من كتاب النكاح.

(٤) الوسائل الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب العدد الحديث ١ ـ ٤.

٣١٨

فضلا عن كونه أظهر ، لما عرفت من معناه وصحيح زرارة (١) السابق الشامل لأم الولد وغيره ، وموثق إسحاق بن عمار (٢) عن الكاظم عليه‌السلام « سألته عن الأمة يموت سيدها ، قال : تعتد عدة المتوفى عنها زوجها ».

ولأنها حيث تعتق من نصيب ولدها حرة ، وليس لها حينئذ إلا العدة ، لأن الاستبراء للإماء ، متمما ذلك بعدم القول بالفصل.

ولفحوى اعتدادها بذلك من الزوج ، لكونها متشبثة بالحرية ، وفحوى ما تسمعه من النص (٣) والفتوى في عدة المدبرة من موت مولاها الذي كان يطأها.

بل قيل أو لخبر زرارة (٤) عن أبى جعفر عليه‌السلام « في الأمة إذا غشيها سيدها ثم أعتقها فإن عدتها ثلاث حيض ، فان مات عنها فأربعة أشهر وعشر » وحسن الحلبي (٥) عن أبى عبد الله عليه‌السلام « قلت له : الرجل تكون تحته السرية فيعتقها ، فقال : لا يصلح أن تنكح حتى تنقضي ثلاثة أشهر ، وإن توفي عنها فعدتها أربعة أشهر وعشرا » وإن كان قد يناقش في ذلك بأنهما في المعتقة قبل الموت ، وهي مسألة أخرى غير ما نحن فيه.

نعم يمكن الاستئناس لهما بما ذكرناه من انقلاب حكم الاستبراء من وطء المالك إلى العدة بصيرورتها حرة ، لعدم الاستبراء فيها حينئذ فليس إلا العدة ، بل عدة الحرة ، والأمر سهل بعد ما عرفت من الأدلة السالمة عن المعارض المكافى‌ء لها.

والمناقشة في ذلك ـ بدعوى ظهور خبر زرارة (٦) السابق في اشتراط الغشيان ثم الإعتاق في الاعتداد بالمدة المزبورة ، ولازمه عدمه بعدم الإعتاق ، وحيث لا قائل بعد ثبوت العدم بالاعتداد بعدة أخرى سوى الاستبراء استقر دلالتها على عدم الاعتداد‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب العدد الحديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب العدد الحديث ١ ـ ٤.

(٣) الوسائل الباب ـ ٥١ ـ من أبواب العدد الحديث ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب العدد الحديث ٥.

(٥) الوسائل الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب العدد الحديث ١.

(٦) الوسائل الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب العدد الحديث ٥.

٣١٩

مطلقا مع عدم الإعتاق ، كما هو مفروض البحث ، وسند الرواية ليس بذلك الضعف ، بل ربما تعد من الحسن ، ومع ذلك فهي معتضدة بالأصل المتيقن ، وبعموم ما دل (١) على أن على الأمة الاستبراء خاصة من دون تفصيل بين موت مواليهن وعدمه ، وبموافقة من لا يرى العمل بأخبار الآحاد ـ كما ترى ، بل لا تستأهل جوابا ، ضرورة عدم إرادة الشرطية منها بالنسبة إلى الوفاة التي ذكر حكمها للمفروض حالها بالغشيان والعتق ، لأن الاعتداد بالوفاة بالمدة مشروطة بذلك أيضا ، كما هو واضح بأدنى تأمل.

نعم قد يقال : إن مقتضى جملة من الأدلة المزبورة عدم الفرق بين ذات الولد وغيره ، ومن هنا قال في المسالك : « والعجب مع كثرة هذه الأخبار وجودة أسانيدها لم يوافق الشيخ على مضمونها أحد!! وخصوا أم الولد بالحكم ، مع أنه لا دليل عليها بخصوصها ، وأعجب منه تخصيصه في المختلف الاستدلال على حكم أم الولد بموثق إسحاق (٢) مع أنه يدل على أن حكم الأمة الموطوءة مطلقا كذلك ، ومع ذلك فغيرها من الأخبار التي ذكرناها يوافقها في الدلالة ، مع أن فيها ما هو أجود سندا ، وسيأتي أن المصنف وغيره أوجبوا عدة الحرة على الأمة المدبرة بما هو أقل مستندا مما ذكرناه هنا ».

لكن ناقشه بعض الأفاضل بأن « العمدة في المسألة الشهرة ، وهي هنا على الاستبراء خاصة ، فلا تكافى‌ء المعتبرة (٣) المزبورة حينئذ بعد الاعراض عنها أصل البراءة وعموم الاستبراء على المملوكة ، ومفهوم صحيح سليمان بن خالد (٤) السابق فوجب حملها حينئذ على خصوص أمهات الأولاد ، ومفهوم خبر زرارة (٥) السابق وإن عم أمهات الأولاد إلا أنه مخصص بمفهوم الصحيح المتقدم في أمهات الأولاد الشامل للزوج والمولى ».

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٧ و ١٨ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء من كتاب النكاح.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب العدد الحديث ٤.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب العدد.

(٤) الوسائل الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب العدد الحديث ١.

(٥) الوسائل الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب العدد الحديث ٢.

٣٢٠