جواهر الكلام - ج ٣٢

الشيخ محمّد حسن النّجفي

يتزين به إلا العرف والعادة التي يندرج فيها الهيئات وغيرها.

نعم لا بأس بالسواك ، وتقليم الأظفار ، وتسريح الشعر ، ودخول الحمام ، والإكتحال بما لا زينة فيه ، وافتراش الفرش النفيسة ، والمساكن المزينة ، وتزيين أولادها وخدمها ، ونحو ذلك مما لا يرجع إلى زينتها ، بل لا بأس بما يرجع إليها أيضا للضرورة ، كالاكتحال بالأسود ، ولكن تقتصر على مقدارها ، ولذا قال غير واحد : إنها تكتحل به ليلا وتمسحه نهارا.

وكيف كان فـ ( يستوي ذلك في الصغيرة والكبيرة والمسلمة والذمية ) كما صرح به غير واحد ، بل ظاهر المسالك المفروغية منه ، بل عن الشيخ في الخلاف نفي الخلاف فيه ، لإطلاق الأدلة ، لكن عن ابن إدريس والفاضل في المختلف التردد فيه ، من ذلك ومن أنه تكليف لا يتوجه إلى الصغير ، وتكليف الولي غير معلوم ، ولا إشارة في الأدلة إليه ، ولا مفهوم من أمرها بالاحداد ، بل في كشف اللثام هو الأقوى وفاقا للجامع ، مؤيدا له بظهور أن السر فيه أن لا يرغب فيها ولا يرغب في الصغيرة ، ومال إليه في الرياض إن لم يتم الإجماع.

قلت : قد يقال : لا يخفى على من رزقه الله فهم اللسان مساواة الأمر بالحداد للأمر بالاعتداد الذي لا خلاف بين المسلمين فضلا عن المؤمنين في جريانه على الصغيرة ، على معنى تكليف الولي بالتربص بها ، فيجري مثله في الحداد ، ولا حاجة إلى الإشارة في النصوص إلى خصوص ذلك ، ضرورة معلومية توجه التكليف إلى الأولياء في كل ما يراد عدم وجوده في الخارج ، نحو ما سمعته في مس الطفل والمجنون كتابة القرآن.

وبالجملة فالمراد التربص بها هذه المدة مجردة عن الزينة ، وهو معنى يشمل الصغير والكبير والعاقل والمجنون ، على معنى تكليف الولي بذلك أو سائر الناس ، كما هو واضح بأدنى تأمل في أدلة الاعتداد والحداد المستفاد منهما أنهما من خطاب الوضع بالمعنى المزبور ، ولذا لم يتوقف صحة الاعتداد على ملاحظة الامتثال.

وأما الحداد في الأمة إذا كانت زوجة ففيه تردد وخلاف أظهره أن لا حداد عليها وفاقا لجماعة ، بل قيل : إنه الأشهر ، لصحيح‌

٢٨١

زرارة (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام « إن الأمة والحرة كلتيهما إذا مات عنهما زوجهما سواء في العدة ، إلا أن الحرة تحد والأمة لا تحد » وبه يقيد إطلاق الأدلة إن لم يقل بانسياقه إلى الزوجة الحرة ، وإلا لم يحتج إلى التقييد ، وكان الصحيح مؤكدا لأصل البراءة وغيره مما يقتضي نفي ذلك عنها.

وخلافا لصريح المحكي عن المبسوط والسرائر وظاهر أبي الصلاح وسلار وابن حمزة ، فأوجبوا الحداد عليها كالحرة ، للنبوي (٢) « لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا » ولم يفرق.

وأجاب عنه في المختلف « أن هذه الرواية لم تصل إلينا مسندة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإنما رواها الشيخ مرسلة ، ولا حجة فيها ، والعجب أن ابن إدريس ترك مقتضى العقل ، وهو أصالة البراءة من التكليف بالحداد وما تضمنته الرواية الصحيحة وعول على هذا الخبر المقطوع السند ، مع ادعائه أن الخبر الواحد المتصل لا يعمل به فكيف المرسل!! وهذا يدل على قصور قريحته وعدم تفطنه لوجوه الاستدلال ».

قلت : الإنصاف إن هذا الكلام لا يليق بابن إدريس الذي هو أول من فتح النظر والتحقيق ، ولم يعتمد في المقام على الخبر المرسل ، بل غرضه الاستدلال بإطلاق المتواتر من النصوص الدالة على الحداد في الزوجة الشاملة للحرة والأمة ، والخبر الصحيح المزبور غير حجة عنده ، فلا يحكم على الإطلاق المزبور.

والعجب منه في توجيه الجواب عن النبوي المزبور بكونه مرسلا غير حجة وأنه لم يصل إلينا مسندا مع أن مضمونة مقطوع به في نصوصنا ، ولم يتنبه للجواب عنه بعدم تناوله للأمة بناء على عدم اعتدادها بالأربعة والعشر ، وبانسياق الحرة من‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب العدد الحديث ٢.

(٢) المستدرك الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب العدد الحديث ٩ وسنن البيهقي ج ٧ ص ٤٣٧.

٢٨٢

الامرأة فيه ، وبأنه مقيد بالصحيح المزبور ، والأمر سهل بعد وضوح الحال. نعم لا فرق فيه بين الدائمة والمتمتع بها ، للإطلاق المزبور.

وعلى كل حال فالمشهور على ما حكاه غير واحد أنه واجب تعبدي لا شرطي ، فلو أخلت به عمدا فضلا عن النسيان لم يبطل الاعتداد الذي لا يجب عليها تلا فيه في غيره ، للأصل وغيره ، ولا منافاة بين المعصية وانقضاء العدة ، فيندرج الفرض حينئذ في جميع ما دل على جواز نكاح المرأة بعد انقضاء العدة من قوله تعالى (١) ( فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) خلافا للمحكي عن أبى الصلاح والسيد الفاخر شارح الرسالة فأبطلا العدة بالإخلال به مطلقا أو حال العمد خاصة على اختلاف النقلين ، لعدم حصول الامتثال ، فيجب الاستئناف ، ورد بأنه على شرطيته لا دليل ، بل ظاهر الأدلة خلافه ، ومن هنا وصف غير واحد هذا الخلاف بالندرة.

ولكن الانصاف عدم خلوه عن الوجه ، خصوصا مع ملاحظة الاحتياط وقاعدة وجوب الشي‌ء في الشي‌ء ، والنصوص (٢) المتكثرة التي ستسمع جملة منها في تعليل وجوب الاعتداد عليها عند بلوغ الخبر بخلاف المطلقة بوجوب الحداد عليها أي في عدتها بخلافها ، بل‌ قال أبو جعفر عليه‌السلام في خبر زرارة (٣) منها : « إن مات عنها زوجها وهو غائب فقامت البينة على موته فعدتها من يوم يأتيها الخبر أربعة أشهر وعشرا ، لأن عليها أن تحد عليه في الموت أربعة أشهر وعشرا فتمسك عن الكحل والطيب والأصباغ » لا أقل من الشك في انقضاء العدة بدونه ، فتأمل جيدا.

وكيف كان فلا خلاف في أنه لا يلزم الحداد المطلقة بائنة كانت أو رجعية بل استفاضت النصوص (٤) بتزيين الثانية وتشوقها لزوجها لعل الله يحدث‌

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٣٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب العدد.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب العدد الحديث ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢١ ـ من أبواب العدد.

٢٨٣

بعد ذلك أمرا ، أي يرجع بطلاقها ، كما أنه استفاضت (١) أيضا في نفي الحداد عن مطلق المطلقة.

نعم في‌ خبر مسمع بن عبد الملك (٢) عن أبي عبد الله عن علي عليهما‌السلام « المطلقة تحد كما تحد المتوفى عنها زوجها ، لا تكتحل ، ولا تطيب ، ولا تختضب ، ولا تمتشط » وهو من الشواذ ، وحمله الشيخ على استحباب ذلك للبائنة ، ولا ريب في بعده ، لقصور الخبر عن إثباته وإن كان مستحبا من وجوه.

ويمكن حمله على إرادة الإنكار أو على إرادة تجنب السوء لها ، كما أومأ إليه‌ خبر علي بن جعفر المروي عن قرب الاسناد (٣) عن أخيه موسى بن جعفر عليهما‌السلام « سألته عن المطلقة لها أن تكتحل وتختضب أو تلبس ثوبا مصبوغا؟ قال : لا بأس إذا فعلته من غير سوء » والأمر سهل.

ولو وطئت المرأة بعقد الشبهة ثم مات وقد انحلت الشبهة اعتدت عدة الطلاق حائلا كانت أو حاملا بلا خلاف ولا إشكال وذلك لأنه بعد أن ظهر الحال كان الحكم للوطء لا للعقد ، إذ ليست زوجة كي تندرج في المتوفى عنها زوجها ، فلم يبق إلا أنها موطوءة وطءا محترما تعتد منه عدة الطلاق ، كما في حال حياته ، ولعل نص المصنف وغيره على ذلك لخلاف بعض العامة الناشئ من استحسان أو قياس أو اجتهاد فاسد.

ولا حداد على غير الزوجة من أقارب الميت حتى أمهات الأولاد من الإماء ، للأصل وغيره ، وفي‌ مضمر ابن مسلم (٤) « ليس لأحد أن يحد أكثر من ثلاثة أيام إلا المرأة على زوجها حتى تنقضي عدتها » وفي مرسل أبي يحيى الواسطي (٥)

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢١ ـ من أبواب العدد الحديث ٣ والباب ـ ٢٦ ـ منها الحديث ٧ والباب ـ ٢٨ ـ منها الحديث ١٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢١ ـ من أبواب العدد الحديث ٥.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢١ ـ من أبواب العدد الحديث ٦.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب العدد الحديث ٥.

(٥) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب العدد الحديث ٦.

٢٨٤

عن أبى عبد الله عليه‌السلام « يجد الحميم على حميمه ثلاثا والمرأة على زوجها أربعة أشهر وعشرا » وفي النبوي (١) المزبور ما سمعت.

وظهور مرسل الواسطي في وجوب الثلاثة لا عامل به ، مع أنه قاصر عن ذلك ، ولذا حمله بعض على الندب ، كظهور تحريم ما زاد من المضمر والمرسل لم أجد قائلا به أيضا ، فلا يبعد حمله على الكراهة ، والله العالم.

( تفريع : )

لو كان له أكثر من زوجة مثلا فطلق بائنا أو رجعيا واحدة لا بعينها فان قلنا إن التعيين شرط فلا طلاق ، وإن لم نشترطه ومات قبل التعيين فعلى كل واحدة الاعتداد بعدة الوفاة ، تغليبا لجانب الاحتياط اللازم مراعاته هنا ، كما ستعرف دخل بهن أو لم يدخل إلا إذا كن من ذوات الأقراء ، فأبعد الأجلين من عدة الوفاة ومن انقضاء الأقراء ، لكون الاحتياط حينئذ فيه ، لأنها إن كانت مطلقة فعليها الأقراء ، وإن كانت مفارقة بالموت فعليها عدة الوفاة ، فيقين البراءة موقوف على ذلك.

ومن هنا لو كن حوامل أو إحداهن اعتددن بأبعد الأجلين لكون الاحتياط حينئذ فيه على حسب ما عرفت ، لكن قيل : إن ذلك بالنسبة إليهما ليس من باب المقدمة ، ضرورة عدم توجه خطاب إليها كي يجب عليها تحصيل اليقين بذلك ، بل استصحاب الزوجية في كل منها ، واحتمال الطلاق لا يهدمه ، كما في الثوب المشترك ، وإنما يكون من باب المقدمة بالنسبة إلى من يريد نكاحهما أو إحداهما ، فإنه لا يسوغ له ذلك حتى يستوفيا معا أبعد العدتين ، وإنما لزمهما الاحتياط لأنها إذا حرمت عليه حرم عليها ، كما أنه إذا وجب عليه اجتناب من إحداهما رضيعته ، ـ وهي مسئلة الإناءين ـ وجب على كل منهما اجتنابه ، لأنها إذا حرمت عليه حرم‌

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٧ ص ٤٣٧.

٢٨٥

عليها ، ولذلك يسقط حكم الحداد الذي لا مدخلية له في ذلك ، ولا مقتضى لوجوبه على إحداهما.

وفيه أن استصحاب الزوجية لا يعين عدة الوفاة ، وإلا لم يكن مقتضى الاحتياط في ذات الأقراء انتظارها الأبعد بلا خلاف نجده بين من تعرض لذلك ، واقتصار المصنف على عدة الوفاة مبني على الغالب ، بل كان المتجه وجوب الحداد عليها ، ولم نعرف أحدا صرح بذلك ، بل هو قد اعترف بعدمه ، وحينئذ فلا وجه لذلك إلا استصحاب بقائها على حكم العدة إلى حصول اليقين بالخروج الذي به يكون الخروج من يقين الشغل ، وهو باب المقدمة والاحتياط اللازم.

نعم ربما يشكل ذلك في صورة عدم الدخول الذي لا عدة للمطلقة معه باعتبار عدم اليقين بنفيها بعده كي يستصحب ، والأصل البراءة.

وفيه ـ بعد معلومية كون الأصل في الفروج الحرمة ، لأصالة عدم ترتب أسباب العقد ، وليس في عمومات النكاح ما يقتضي الحل في الموضوع المشتبه بين العنوان المحلل والمحرم كما أفرغنا الكلام فيه في كتاب النكاح في اشتباه الأجنبية مع الأخت ونحوها ـ أن المعلوم أن ذات البعل لا تخرج من التحريم إلا بالدخول في عنوان المحللة بالطلاق أو وفاة الزوج عنها أو نحو ذلك ، فمع فرض اشتباه اندراجها في أحد العنوانين بالخصوص ـ بعد العلم بكونها في أحدهما ـ يجب الاحتياط عليها إلى حصول اليقين باندراجها فيهما على التقديرين ، وهذا معنى الاحتياط اللازم وباب المقدمة المذكور في صريح كشف اللثام وظاهر غيره.

وعلى كل حال فالأقراء حيث تلحظ تحسب من حين الطلاق بناء على وقوعه ، لا بالتعيين ، وعدة الوفاة من حينها ، حتى لو مضى قرء واحد من حين الطلاق ثم مات الزوج عنها فعليها الأقصى من القرءين ومن الوفاة.

ولو مضى قرءان ثم مات الزوج ففي المسالك « فعليها الأقصى من عدة الوفاة ومن قرء ».

٢٨٦

وفيه أن الأقصى هنا منحصر في عدة الوفاة ، إذ لا عبرة بما إذا تجاوز الثلاثة الأشهر البيض كما عرفت ، نعم لو قلنا بوقوعه بالتعيين وقلنا بصحته مع ذلك اتجه اعتبار الأقراء حينئذ من حين الوفاة ، لعدم التعيين قبلها ، أما إذا قلنا بفساد الطلاق حينئذ لعدم التعيين إلى حين الموت فليس عليهن إلا عدة الوفاة ، كما هو واضح.

وكذا الحال لو طلق إحداهن بائنا معينا لها في نفسه مثلا ومات قبل ذكر التعيين فعلى كل واحدة منهن الاعتداد بعدة الوفاة إلا في ذات الأقراء على الوجه الذي قد عرفت.

ولو عين قبل الموت انصرف الطلاق الواقع فيهما أولا إلى المعينة التي ذكرها أخيرا ولكن تعتد من حين الطلاق لما تقدم من وقوع الطلاق بالأول وإن تأخر التعيين ولا تعتد من حين الوفاة وذلك لأن الفرض كون طلاقها بائنا مبهما ثم عين.

نعم لو كان رجعيا اعتدت عدة الوفاة من حين الوفاة لما عرفت من انقلاب عدة الرجعية إلى عدة الوفاة لو مات المطلق في أثنائها.

وبذلك ظهر لك ما في مناقشة المسالك فلاحظ وتأمل ، فإن فيها غير ذلك من التشويش في بعض ما ذكره من حكم المسألة ، كما لا يخفى على من لاحظه. بل ربما كان فيها أيضا ما ينافي ما قدمه سابقا في بحث التعيين فراجع وتدبر ، هذا.

وقد بقي شي‌ء وهو أن ظاهر من تعرض للمسألة كالمصنف والفاضل وشارحه وثاني الشهيدين وغيرهم عدم الفرق فيما ذكروه من الحكم المزبور بين المبهم ظاهرا وواقعا ، وبين المبهم ظاهرا وهو معين واقعا.

وقد يتوهم أن المتوجه في الأخير القرعة ، لأن ذلك المتيقن من موردها ، بل قد يقال بجريانها في الأول بناء على عدم اختصاصها بذلك ، بل هي في كل مشكل ليس في الأدلة ما يقتضي تعيينه ، لكن لم أجد أحدا احتمله هنا مع ذكرهم ذلك في الطلاق المبهم.

ولعله لعدم الإشكال هذا ، لما عرفته من إمكان التخلص الذي هو مقتضى باب‌

٢٨٧

المقدمة وقاعدة اليقين والاحتياط اللازم ، وانما يحتاج إلى القرعة حيث لا يكون طريق إلى ذلك ، كما إذا بقي الزوج مثلا وأريد معرفة المطلقة من غيرها ، وقلنا بعدم اعتبار تعيينه ، أو خرج عن قابلية ذلك ، أو كانت المطلقة معينة واشتبهت ، وفي أمثال ذلك ، لا مثل المقام الذي قد عرفت عدم الإشكال فيه على كل واحد منهن في التخلص من العدة ، أو في معلومية الاندراج في عنوان التحليل.

إلا أن الانصاف مع ذلك كله الاعتراف بظهور كلامهم في ذلك المقام بجريان القرعة التي هي كاشف واقعا في مثل المقام ، فلاحظ وتأمل ، والله العالم.

والمفقود زوجها إن عرف خبره أو أنفق على زوجته وليه من نفسه أو متبرع أو كان له مال يمكن الإنفاق منه عليها فلا خيار لها وإن أرادت ما تريد النساء وطالت المدة عليها ، فهي حينئذ مبتلاة فلتبصر ، بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك ، وللأصل والنصوص (١) ، بل في‌ خبر السكوني (٢) منها عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام « إن عليا عليه‌السلام قال في المفقود : لا تتزوج امرأته حتى يبلغها موته ، أو طلاق ، أو لحوق بأهل الشرك » وإن وجب تقييده بغيره من النصوص.

كصحيح الحلبي (٣) « سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن المفقود ، قال : المفقود إذا مضى له أربع سنين بعث الوالي أو يكتب إلى الناحية التي هو غائب فيها ، فان لم يجد له أثرا أمر الوالي وليه أن ينفق عليها ، فما أنفق عليها فهي امرأته ، قال : قلت : فإنها تقول : إنى أريد ما تريد النساء ، قال : ليس لها ذلك ولا كرامة ، فان لم ينفق عليها وليه أو وكيله أمره بأن يطلقها ، وكان ذلك عليها طلاقا ».

وصحيح بريد (٤) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المفقود كيف يصنع بامرأته؟ قال : ما سكتت عنه وصبرت يخلى عنها ، فإن هي رفعت أمرها إلى الوالي أجلها أربع سنين ، ثم يكتب إلى الصقع الذي فقد فيه ، فيسأل عنه ، فان خبر عنه بحياة‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب أقسام الطلاق.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٣.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٤.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ١.

٢٨٨

صبرت ، وإن لم يخبر عنه بشي‌ء حتى تمضي الأربع سنين دعى ولى الزوج المفقود ، فقيل له : هل للمفقود مال؟ فان كان له مال أنفق عليها حتى يعلم حياته من موته ، وإن لم يكن له مال قيل للولي : أنفق عليها ، فان فعل فلا سبيل لها أن تتزوج ما أنفق عليها ، وإن أبى أن ينفق عليها جبره الوالي على أن يطلق تطليقة في استقبال العدة وهي طاهر ، فيصير طلاق الولي طلاق الزوج ، فان جاء زوجها من قبل أن تنقضي عدتها من يوم طلقها الوالي فبدا له أن يراجعها فهي امرأته ، وهي عنده على تطليقتين ، وإن انقضت العدة قبل أن يجي‌ء أو يرجع فقد حلت للأزواج ، ولا سبيل للأول عليها ».

وفي الفقيه وفي رواية أخرى (١) « إن لم يكن للزوج ولي طلقها الوالي ، ويشهد شاهدين عدلين ، فيكون طلاق الوالي طلاق الزوج ، وتعتد أربعة أشهر وعشرا ، ثم تتزوج إن شاءت ».

وخبر أبى الصباح (٢) عن أبى عبد الله عليه‌السلام « في امرأة غاب عنها زوجها أربع سنين ، ولم ينفق عليها ، ولم تدر أحي هو أم ميت؟ أيجبر وليه على أن يطلقها؟ قال : نعم ، وإن لم يكن ولي طلقها السلطان ، قلت : فان قال الولي أنا أنفق عليها ، قال : فلا يجبر على طلاقها ، قال : قلت : أرأيت إن قالت : أنا أريد ما تريد النساء ، ولا أصبر ولا أقعد كما أنا؟ قال : ليس لها ولا كرامة ، إذا أنفق عليها ».

وموثق سماعة (٣) « سألته عن المفقود ، فقال : إن علمت أنه في أرض فهي تنتظر له أبدا حتى يأتيها موته أو يأتيها طلاقه ، وإن لم تعلم أين هو من الأرض كلها؟ ولم يأتها منه كتاب ولا خبر فإنها تأتي الإمام ، فيأمرها أن تنتظر أربع سنين ، فيطلب في الأرض ، فان لم يجد له أثرا حتى تمضي أربع سنين أمرها أن تعتد أربعة أشهر وعشرا ، ثم تحل للأزواج ، فإن قدم زوجها بعد ما تنقضي‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٥.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٢ من كتاب النكاح.

٢٨٩

عدتها فليس له عليها رجعة ، وإن قدم وهي في عدتها أربعة أشهر وعشرا فهو أملك برجعتها ».

وهي كما ترى بعد الجمع بينها بحمل المطلق على المقيد ظاهرة في عدم الخيار لها مع أحد الأمرين.

بل قد يقال : إن ظاهره هذه النصوص انحصار تدبير أمرها في زمان انبساط يد الإمام عليه‌السلام ، لا حال قصورها ، ولعله لذا قال في المحكي عن السرائر : « إنها في زمن الغيبة مبتلاة ، وعليها الصبر إلى أن تعرف موته أو طلاقه » وحينئذ فتسقط ثمرة المسألة في هذا الزمان.

اللهم إلا أن يقال : إن ذلك نصا وفتوى مبنى على الغالب من القصور في زمن الغيبة ، وإلا فمع فرض تمكن نائب الغيبة من الإتيان بما ذكرته النصوص يتجه قيامه مقام الوالي في ذلك ، لعموم ولايته الشاملة لذلك.

بل ظاهر المحدث البحراني تبعا للكاشاني عدم توقف مباشرة هذه الأمور على الحاكم ، فإنه ـ بعد أن حكى عن المسالك قوله فيها : « لو تعذر البحث عنه من الحاكم إما لعدمه أو لقصور يده تعين عليها الصبر إلى أن يحكم بموته شرعا أو يظهر حاله بوجه من الوجوه ، لأصالة بقاء الزوجية ، وعليه يحمل ما‌ روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « تصبر امرأة المفقود حتى يأتيها يقين موته أو طلاقه » وعن علي عليه‌السلام (١) « هذه المرأة ابتليت فلتصبر » ومن العامة من أوجب ذلك مطلقا عملا بهاتين الروايتين » ـ قال : « ولا يخفى ما فيه من الإشكال والداء العضال والضرر المنفي بالاية (٢) والرواية (٣) ـ إلى أن قال ـ : وهذا مبني على ظاهر ما اتفقت عليه كلمتهم من توقف‌

__________________

(١) المستدرك الباب ـ ١٨ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٧ وسنن البيهقي ج ٧ ص ٤٤٦.

(٢) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٣٢ وسورة النساء : ٤ ـ الآية ١٩.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من كتاب احياء الموات.

٢٩٠

الطلاق أو الاعتداد على رفع الأمر إلى الحاكم الشرعي ، كما سمعت ما في القواعد من أنه لو مضت مائة سنة ولم ترفع أمرها إلى الحاكم فلا طلاق ولا عدة ، بل تبقى على حكم الزوجة ، وأن الفحص في ضمن الأربع لا بد وأن يكون من الحاكم وفي الحكم بتعينه من الأخبار المزبورة نظر ، لما عرفت من أن بعضها (١) وإن دل على الرفع إلى الحاكم إلا أن البعض الآخر (٢) خال ، وأن الفحص المأمور به لا يتعين كونه من الحاكم ، بل يكفي كونه من الولي أو غيره ـ مؤيدا بما ذكره الكاشاني في الجمع بين النصوص من أنه ـ إذا فقد الرجل بحيث لم يوجد له خبر أصلا فان مضى عليه من حين فقد خبره أربع سنين ولم يوجد من أنفق على امرأته بعد ذلك ولم تصبر على ذلك أجبر وليه على طلاقها بعد تحقق الفحص عنه ، سواء وقع الفحص قبل مضي الأربع أو بعده ، وسواء وقع من الولي أو الوالي أو غيرهما ، وعدتها عدة الوفاة ـ إلى أن قال ـ : وبالجملة لا ظهور في النصوص في توقف الطلاق على رفع الأمر إلى الحاكم ، وأن مبدء الأربع التي يجب عليها التربص فيها من مبدء الرفع ، وأن الفحص إنما هو من الحاكم ـ ثم أطنب في بيان ذلك وقال ـ : ومتى ثبت أن الحكم لا اختصاص له بالحاكم فلا إشكال في أنه مع فقده أو قصور يده لا ينتفي الحكم المذكور ، بل يجب على عدول المؤمنين القيام بذلك حسبة ، كما قاموا مقامه في غيره ، وأما الخبران المذكوران في المسالك فهما عاميان ».

ومن لاحظ تمام كلامه ينبغي أن يقضي منه العجب ، وذلك لأن جميع النصوص المزبورة ما بين صريح وظاهر في مدخلية الوالي في ذلك ، بل ما في بعضها (٣) من إرسال رسول أو الكتابة إلى ذلك الصقع ، كالصريح في بسط اليد ، ومع فرض عدم مدخلية الحاكم في ذلك لا مدخلية لعدول المؤمنين الذين ولايتهم فرع ولايته.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٢ من كتاب النكاح.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٥.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٤.

٢٩١

بل لو لم نقل بالطلاق توقف اعتدادها بالمدة المزبورة على أمر الحاكم وإن احتمل في المسالك « الاكتفاء بمضيها ، لظاهر خبر سماعة (١) أنها تعتد بعد تطلبه أربع سنين ، ولإشعار الحال بالوفاة ودلالته عليها » لكن كما ترى (٢) ضرورة ظهوره وغيره أن ذلك كله من أعمال الحاكم ومناصبه ، فليس لها ولا لغيرها شي‌ء من ذلك بدونه ، لا في ضرب الأجل ، ولا في الفعل بعده ، كما هو واضح ، خصوصا بعد ملاحظة الاحتياط ، وكون المسألة على خلاف مقتضى الضوابط.

كما أنه ينبغي أن يقضي العجب بما فيها أيضا من الاقتصار في الحكم المذكور على خصوص المفقود بسبب سفر وغيبة ، دون المفقود بانكسار سفينة أو معركة أو نحو ذلك مما لا أثر له في النصوص المزبورة ، فتتزوج هذه من دون رفع أمرها إلى الحاكم ، ومن دون تأجيل ، بل بالقرائن الدالة على موته.

ثم أطنب في بيان ذلك ، وحكى عن بعض مشايخه المحققين موافقته على ذلك ، وكذا حكى عن الآخوند ملا محمد جعفر الأصبهاني الشهير بالكرباسي ، قال : « وقد زوج جملة من النساء اللاتي فقدت أزواجهن في معركة قتال الأفغان مع عسكر شاه سلطان حسين في مفازة قرب كرمان ».

إذ لا يخفى عليك ما فيه ( أولا ) من أن مقتضى ما ذكره حرمة التزويج إلى حصول العلم بالموت للمرأة ولمن يريد نكاحها ممن هو عالم بحالها ، لا التزويج بالقرائن التي لا توجيه ، ومع فرض حصوله بها لا بحث فيه ، بل وفي مسألة المفقود بالسفر أيضا وإن لم يكن ثم مخبر بذلك وإن توهمه في المسالك ، ضرورة أنه ما بعد العلم من شي‌ء.

و ( ثانيا ) أن العنوان في النصوص المزبورة « المفقود » الشامل لهذه الأفراد ،

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٢ من كتاب النكاح.

(٢) هكذا في النسخة الأصلية المبيضة الا أن الموجود في المخطوطة بقلم المصنف طاب ثراه « لكنه كما ترى » وهو الصحيح.

٢٩٢

ولا ينافي ذلك ما في بعضها (١) من الإرسال إلى النواحي ، فإن المدار على التجسس عنه في الوجه الذي نفذ فيه ، ليعلم حاله ، وليس هذا من القياس في شي‌ء ، بل هو مقتضى إطلاق اللفظ الذي لا داعي إلى تخصيصه بذكر حال بعض أفراده ، كما هو واضح.

ومن هنا لم أجد أحدا من أساطين الأصحاب تردد في شي‌ء من ذلك ، وقد جعلوا العنوان ما في النصوص من المفقود الشامل لجميع الأفراد المزبورة ، كما هو واضح بأدنى تأمل.

وكيف كان فـ ( لو جهل خبره ولم يكن من ينفق عليها ) ولو متبرع فان صبرت فلا بحث ، ضرورة كون ذلك كله للإرفاق بها وإن رفعت أمرها إلى الحاكم أجلها أربع سنين ، وفحص عنه ، فان عرف خبره صبرت ، وعلى الامام أن ينفق عليها في الأجل المزبور من بيت المال المعد للمصالح التي هذه منها.

وإن لم يعرف خبره أمرها بالاعتداد عدة الوفاة ثم تحل للأزواج بلا خلاف أجده فيه نصا (٢) وفتوى ، بل الإجماع بقسميه عليه ، لكن بعد الطلاق من وليه أو الوالي ، كما سمعت التصريح به في النصوص (٣) المزبورة المعتضدة بالأصل وغيره ، عدا‌ موثق سماعة (٤) المحمول عليها ، خصوصا بعد قوله عليه‌السلام فيه : « هو أملك برجعتها » بل في كشف اللثام « لا خلاف في المسألة ، فإن غاية الأمر السكوت في‌ مضمر سماعة (٥) وعبارات أكثر الأصحاب ».

قلت : ولا ينافي ذلك كون العدة عدة وفاة ، لاحتمال اختصاص هذه العدة للطلاق

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٢ من كتاب النكاح.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب أقسام الطلاق.

(٤) الوسائل الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٢ من كتاب النكاح.

(٥) الوسائل الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٢ من كتاب النكاح.

٢٩٣

بالمدة المزبورة ، ولعل السر ملاحظة موته فيها ، باعتبار قضاء العادة بالوقوف عليه مع الفحص أربع سنين في النواحي التي يظن وجوده فيها ، فتكون عدة الطلاق هنا بمقدار عدة الوفاة ، ومن هنا صرح القائلون بالطلاق بكون العدة عدة وفاة.

وإن أبيت إلا وجود الخلاف في ذلك ـ كما ذكر في المسالك وغيرها ، ناسبين له إلى الشيخ وجماعة ، وإلى المصنف وغيره ممن عبر نحو عبارته بل جعلوا ثمرة المسألة النفقة والحداد وغيرهما ، بل في المسالك الإشكال في العدة أيضا مستظهرا من النصوص أنها عدة الطلاق ، قال : إلا أن القائلين بالطلاق صرحوا بكونها عدة وفاة ، ولا يخلو من إشكال ، ورواية سماعة (١) الدالة عليها موقوفة ضعيفة السند » وفيه أن رواية سماعة ليس دالة على أنها عدة طلاق ، نعم مرسل الفقيه (٢) دال على ذلك ، وهو حجة بعد الانجبار ، كما أن موثق سماعة بعد حمل إطلاقه على مقيد غيره يكون كذلك. وأما الحداد فلا ريب في عدم وجوبه وإن توقف فيه الفاضل ، ـ لكنه في غير محله بعد صراحة النصوص (٣) المزبورة بالطلاق المقتضي لكون ذلك عدته لا عدة وفاة.

على أنه لا إشعار في شي‌ء من النصوص بأن للحاكم حينئذ أن يحكم بموته وإلا لوجب عليها الاعتداد حينئذ ، مع أنه لا خلاف ولا إشكال في أن لها الصبر والبقاء على الزوجية ولو بعد تأجيل الحاكم وفحصه ، بل لا يبعد وجوب ذلك عليها لو فرض وجود المنفق بعد المدة المزبورة ، كما أنه لا يبعد أن للحاكم بعد طلاقها لو أرادته بعد اختيارها الصبر بعد الأجل ، ولا تحتاج إلى تأجيل آخر.

بل لا يبعد عدم احتياج غيرها من الزوجات ـ اللاتي لم يرفعن أمرهن إلى الحاكم ـ إلى التأجيل لهن بالخصوص ، بل لا يبعد الاكتفاء بالفحص والبحث من الحاكم أربع سنين وإن لم يكن بعنوان التأجيل للمرأة المزبورة ، وإن كان هو‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٢ من كتاب النكاح.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب أقسام الطلاق.

٢٩٤

خلاف ظاهر صحيح بريد (١) وموثق سماعة (٢).

بل في قواعد الفاضل « ضرب أربع سنين إلى الحاكم ، فلو لم ترفع خبرها إليه فلا عدة حتى يضرب لها المدة ثم تعتد ولو صبرت مائة سنة ، وابتداء المدة من رفع القضية إلى الحاكم وثبوت الحال عنده ، لا من وقت انقطاع الخبر » لكن يمكن حمله على ما لا ينافي ما ذكرنا.

نعم ظاهر أكثر الفتاوى والصحيح المزبور (٣) أن مبدأ المدة الرفع المذكور إذا لم يكن ثمة فحص سابق من الحاكم إلا أن في المحكي عن الخلاف « تصبر أربع سنين ، ثم ترفع أمرها لتنتظر من يتعرف خبر زوجها في الآفاق ، فان عرف له خبر لم يكن لها طريق إلى التزويج » إلى آخره. وفي‌ صحيح الحلبي (٤) « إذا مضى له أربع سنين يبعث الوالي » ومن المعلوم أنه لا مدة عليها لابتداء رفع أمرها ، بل متى انقطع خبره وصدق عليه اسم المفقود ولم يكن لها منفق ولو متبرع رفعت أمرها إلى الحاكم ، فلا بد من حمل ذلك على إرادة خصوص من يتوقف صدق اسم الفقد عليه على مضي المدة المزبورة لبعد جهة سفره أو غيره وأما إطلاقه إرسال الوالي فيحمل على ما في غيره من المدة المزبورة كما أنه يحمل خبر أبى الصباح (٥) على ما إذا كان ذلك بأمر الحاكم ، والله العالم.

ولو فقد في بلد مخصوص أو جهة مخصوصة بحيث دلت القرائن على عدم انتقاله منها إلى غيرها ففي المسالك « كفى البحث عنه في تلك البلد أو تلك الجهة ، فان لم يظهر خبره تربص أربع سنين من غير بحث ، فإذا مضت فعل بها ما تقرر من الطلاق أو الأمر بالاعتداد ، ثم تزوجت إن شاءت ، وكذا إن كان فقده في جهتين أو ثلاث أو بلدان كذلك اقتصر على البحث عنه فيما يحصل فيه الاشتباه ».

قلت : كأنه فهم التعبد من الأجل المزبور ، ويؤيده في محل الفرض استصحاب‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٢ من كتاب النكاح.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٤.

(٥) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٥.

٢٩٥

المنع ، ولكن ينافيه فيما لو فرض عدم وفاء الأجل المزبور باستقصاء البحث عنه في محتملاته ، والتزام الفعل بها مع انتهاء الأجل المزبور وإن لم يستقص فيه الاحتمال كما ترى مناف للاستصحاب المزبور والاحتياط وغيرهما ، والقول بأن ذلك مثال لإرادة استقصاء البحث في محتملاته يقدح في القول بالتعبد المزبور ، والأخرى مراعاة الاحتياط في كل منهما.

هذا وقد عرفت أن مقتضى النصوص المزبورة تخير الحاكم بين المكاتبة وإرسال الرسل ، بل وبين غيرهما من طرق الفحص عن أمثال ذلك ، لكن في المسالك « يعتبر في الرسول العدالة ، ليركن إلى خبره حيث لا يظهر ولا يشترط التعدد ، لأن ذلك من باب الخبر لا الشهادة ، وإلا لم تسمع ، لأنها شهادة على النفي ، ومثل هذا البحث لا يكون حصرا للنفي حتى يقال : إنه مجوز للشهادة ، وإنما هو استعلام وتفحص عنه ممن يمكن معرفته له عادة ، لا استقصاء كلى ».

وفيه أن ذلك إذا كان استعلاما وتفحصا فلا مدخلية للعدالة فيه أيضا ، ضرورة كونه كغيره مما يبحث عنه ويفحص ، وقد سمعت ما في موثق سماعة (١) من اعتبار عدم علمها من الأرض ، وعدم إتيان كتاب منه ولا خبر في رفع أمرها إلى الحاكم ، كما أنك سمعت اعتبار عدم وجدان الحاكم أثرا له في الفعل المزبور ، بل قد عرفت تضمنها الاعتماد على الكتابة التي هي ليس طريقا شرعيا ، وبالجملة لا مدخلية للعدالة في المقام ، والله العالم.

ثم إنه لا يخفى عليك اختصاص الحكم المزبور بالزوجة ، دون الميراث وعتق أم الولد ونحو ذلك مما يترتب على موته ، فينتظر في قسمة ما له حينئذ انتهاء عمره الطبيعي ، كما استوفينا الكلام في ذلك في المواريث ، لحرمة القياس عندنا ، فالأصول والقواعد حينئذ بحالها.

بل الظاهر اختصاص الحكم بالدائمة دون المتمتع بها ، لإشعار الأمر بالطلاق‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٢ من كتاب النكاح.

٢٩٦

والإنفاق في ذلك ، نعم لا فرق بين الحرة والأمة في ذلك ، كما لا فرق بين الحر والعبد فيه ، كما هو واضح.

ولو أنفق عليها الولي أو الحاكم من ماله ثم تبين تقدم موته على زمن الإنفاق أو بعضه ففي المسالك « لا ضمان عليها ولا على المنفق ، للأمر به شرعا ، ولأنها محبوسة لأجله ، وقد كانت زوجته ظاهرا ، والحكم مبنى على الظاهر » وفيه أن ذلك كله لا ينافي قواعد الضمان بالإتلاف واليد ونحوهما ، والظاهر بعد ظهور الحال لا يدفع الضمان ، كما في الوكيل الذي قد بان انعزاله بموت الموكل مثلا ، إذ المسألة ليست من خواص المقام ، والدفع بعنوان النفقة يوجب الضمان بعد ظهور عدم استحقاقها ، كما هو واضح.

وكيف كان فقد بان لك من النصوص وما ذكرناه فيه أن الشارع راعى بعد الفحص المدة المزبورة احتمالي الحياة والموت ، ولذا أمر بالطلاق والاعتداد عدة الوفاة ، ليكون ذلك خلاصا للمرأة على كل حال ، فتكون المدة المزبورة حينئذ عدة وفاة لو صادفت وإن لم يكن قد بلغها الموت ، كما أنها تكون عدة طلاق وإن كانت الامرأة من ذوات الأقراء.

وحينئذ فلو جاء زوجها أي ظهرت حياته وقد خرجت من العدة ونكحت زوجا آخر فلا سبيل له عليها إجماعا بقسميه ، لما عرفت ولظاهر النصوص (١) المزبورة ، بل وان اعتدت بأمر الحاكم من دون طلاق على القول به.

وإن جاء في أثناء العدة فهو أملك بها للنصوص (٢) المزبورة الدالة على أنها بحكم العدة الرجعية وإن كانت بقدر عدة الوفاة ، حتى على القول‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٢ من كتاب النكاح والباب ـ ٢٣ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ١ و ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٢ من كتاب النكاح والباب ـ ٢٣ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ١.

٢٩٧

بالاعتداد بأمر الحاكم من دون طلاق ، لتصريح‌ موثق سماعة (١) الذي هو دليل القول المزبور بذلك ، بل ظاهر قوله فيه : « هو أملك برجعتها » ، أن له الرجوع بها ، لا أنها تكون زوجته قهرا وإن احتمله بعض الناس أو استظهره فيه وفي نحو عبارة المصنف ، لكنه في غير محله ، خصوصا بعد ملاحظة موافقته لغيره من النصوص التصريح في ذلك ، لقوله عليه‌السلام فيه (٢) « فبدا له أن يرجع فيها » كما هو واضح.

وإن خرجت من العدة ولم تتزوج فعن الشيخ فيه روايتان وتبعه المصنف ثم قال أشهرهما (٣) رواية وعملا أنه لا سبيل له عليها بل لم نقف على رواية الرجوع فيما وصل إلينا كما اعترف به غير واحد ممن سبقنا ، بل في المسالك « لم نقف عليها بعد التتبع التام ، وكذا قال جماعة ممن سبقنا » نعم صريح النصوص (٤) السابقة أنه لا سبيل له عليها ، حتى موثق سماعة (٥) الذي لم يذكر فيه الطلاق.

ومنه يعلم ما في تفصيل الفاضل في المختلف بأن العدة إن كانت بعد طلاق الولي فلا سبيل للزوج عليها ، وإن كانت بأمر الحاكم من غير طلاق كان أملك بها ، وذلك لأن الأول طلاق شرعي قد انقضت عدته ، بخلاف الثاني ، فإن أمرها بالاعتداد كان مبنيا على الظن بوفاته ، وقد ظهر بطلانه ، فلا أثر لتلك العدة ، والزوجية باقية ، لبطلان الحكم بالوفاة ، مضافا إلى اقتضاء ذلك أولويته بها ، حتى لو تزوجت ، وقد‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٢ من كتاب النكاح.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ١ « وفيه‌ « فبدا له أن يراجعها ».

(٣) الوسائل الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٢ من كتاب النكاح ، والباب ـ ٢٣ ـ من أبواب أقسام الطلاق.

(٤) الوسائل الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٢ من كتاب النكاح ، والباب ـ ٢٣ ـ من أبواب أقسام الطلاق.

(٥) الوسائل الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٢ من كتاب النكاح.

٢٩٨

عرفت الإجماع على خلافه ، والفرق بينهما ـ بأن الشارع قد حكم به ظاهرا ، فلا يلتفت إلى العقد الأول ، بخلاف ما لو كان قبل التزويج ـ كما ترى ، ضرورة اتحاد حكم الشارع بالتزويج وحكمه بالعدة بالنفوذ وعدمه ، وعلى كل حال فما عن الشيخ في النهاية والخلاف وفخر المحققين واضح الضعف ، بل هو كالاجتهاد في مقابلة النص ، والله العالم.

( فروع‌ )

( الأول : )

لو نكحت بعد العدة ثم بان موت الزوج كان العقد الثاني صحيحا بلا خلاف ولا إشكال ، بل قد عرفت الإجماع عليه لو جاء حيا فضلا عن مجي‌ء خبر موته. ولا عدة عليها من موته كما هو ظاهر النصوص (١) السابقة أو صريحها سواء كان موته قبل العدة أو معها أو بعدها وذلك لأن عقد الأول سقط اعتباره في نظر الشرع بالطلاق أو بالأمر بالاعتداد ( فلا حكم لـ ) ـه‍ بـ ( موته كما لا حكم لـ ) ـه‍ في حال حياته المصرح به في النصوص (٢) بل لا أجد فيه خلافا معتدا به بيننا.

وفي المسالك « وربما قيل ببطلان العدة لو ظهر موته فيها أو بعدها قبل التزويج بناء على أنه لو ظهر حينئذ كان أحق ، لأن الحكم بالعدة والبينونة كان مبنيا على الظاهر ، ومستند حكم الحاكم الاجتهاد ، وقد تبين خطأه ، فعليها‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٢ من كتاب النكاح والباب ـ ٢٣ ـ من أبواب أقسام الطلاق.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٢ من كتاب النكاح ، والباب ـ ٢٣ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ١.

٢٩٩

تجديد عدة الوفاة بعد بلوغها الخبر كغيرها ، بل يحتمل وجوب العدة عليها ثانيا وإن نكحت ، لما ذكر ، وسقوط حق الأول عنها لو حضر وقد تزوجت لا ينفي الاعتداد منه لو مات ، وهذا قول لبعض الشافعية ، والمذهب هو الأول ، والمصنف نبه بما ذكره من الحكم على خلافه ».

قلت : ولعل ذلك هو الداعي إلى فرض المسألة في صورة النكاح ، وإلا فقد عرفت فيما مضى أنه لا فرق بين نكاحها وعدمه ، نعم لو فرض مجي‌ء خبر موته وهي في أثناء العدة أمكن القول باستئنافها عدة الوفاة ، كما إذا جاءها قبل الشروع بها.

أما إذا جاء بعد الاعتداد فلا إشكال في عدم التفاتها ، لخلوصها منه حينئذ بالطريق الشرعي ، ودعوى اختصاص ذلك بما إذا كان الأمر مشتبها لا شاهد لها ، بل صريح ما فرض في النصوص من مجيئه بعد العدة خلافه ، ولا يرد أنها عدة طلاق رجعي بناء على المختار ، ومن حكم عدة الطلاق أنه إذا تجدد الموت في أثنائها انتقلت إلى عدة الوفاة ، وإن لم تعلم بالموت إلا بعدها استأنفت عدة الوفاة ، وذلك لظهور النص (١) والفتوى في كفاية العدة المزبورة لها هنا على كل حال ، كما هو واضح.

( الثاني )

لا نفقة على الغائب في زمان العدة ولو حضر قبل انقضائها نظرا إلى أنها عدة نشأت من حكم الحاكم بالفرقة فهي إما عدة وفاة وإن جاز له الرجوع في أثنائها أو عدة طلاق ، ولكن لا دليل على النفقة فيه ، وإن جاز له الرجوع ، بدعوى ظهور الأدلة (٢) في أن نفقة المطلقة الرجعية فيما لو طلقها هو ، لا الطلاق‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب أقسام الطلاق.

(٢) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب النفقات من كتاب النكاح.

٣٠٠