جواهر الكلام - ج ٣٢

الشيخ محمّد حسن النّجفي

منصور بن يونس (١) في الموثق عن الكاظم عليه‌السلام قال : « سألت العبد الصالح عليه‌السلام وهو بالعريض ، فقلت له : جعلت فداك إني تزوجت امرأة وكانت تحتي فتزوجت عليها ابنة خالي ، وقد كان لي من المرأة ولد ، فرجعت إلى بغداد فطلقتها واحدة ، ثم راجعتها ، ثم طلقتها الثانية ، ثم راجعتها ، ثم خرجت من عندها أريد سفري هذا حتى إذا كنت بالكوفة أردت النظر إلى ابنة خالي ، فقالت أختي وخالتي : لا تنظر إليها والله أبدا حتى تطلق فلانة ، فقلت : ويحكم والله مالي إلى طلاقها من سبيل ، فقالوا لي : وما شأنك ليس لك إلى طلاقها من سبيل؟ فقلت : إنه كانت لي منها ابنة وكانت ببغداد ، وكانت هذه بالكوفة ، وخرجت من عندها قبل ذلك بأربع ، فأبوا على إلا أن تطلقها ثلاثا ، ولا والله جعلت فداك ما أردت الله ولا أردت إلا أن أداريهم عن نفسي وقد امتلأ قلبي من ذلك ، فمكث عليه‌السلام طويلا مطرقا ، ثم رفع رأسه وهو متبسم ، فقال : أما بينك وبين الله فليس بشي‌ء ، ولكن إن قدموك إلى السلطان أبانها منك ».

وفيه أن الخبر المزبور على العكس أدل كما اعترف به في كشف اللثام ، ضرورة كون المراد عدم قبول دعوى عدم القصد ظاهرا لو رفع إلى السلطان ، اللهم إلا أن يراد السلطان الجائر الذي لا يقف على قوانين الشرع.

ولعل الأولى أن يقال : إن الفرق بين الطلاق وما يشبهه من الإيقاع وبين غيره من العقود بأن الطلاق ليس له إلا طرف واحد ، وهو الإيقاع من الموقع ، وأصل الصحة لا يجري فيه بعد اعتراف فاعله بفساده بما لا يعلم إلا من قبله ، بخلاف البيع مثلا ، فإنه لو ادعى الموجب عدم القصد المقتضى لفساد إيجابه وعدم جريان أصل الصحة عورض بأصالة صحة القبول الذي هو فعل مسلم أيضا ، والأصل فيه الصحة التي لا تتوقف على العلم بصحة الإيجاب ، بل يكفى فيها احتمال الصحة الذي لا ريب في تحققه مع دعواه التي لا تمضي إلا في حقه بالنسبة إلى العقد المركب سببه منهما ، بخلاف المقام الذي حق الزوجة فيه من الأحكام التي تتبع الموضوع‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ١.

٢١

بعد تحققه ، فليس حينئذ قبول دعوى عدم القصد من الزوج منافيا لحق الغير على وجه يقتضي عدم سماعها من مدعيها كغيرها من الدعاوي التي هي كذلك وإن كانت هي مقبولة في نفسها لو لا هذا التعارض ، لما عرفت من استقلاله بالسبب ، واختصاصه بفعله ، فيصدق فيه بما لا يعلم إلا من قبله ، واللفظ بمجرده غير معارض ، لعدم دلالته على نفس القصد ، وإنما حكم به بظاهر حال الفاعل العاقل ، ولعله بذلك يفرق بين المقام والإقرار الذي يتبع الحكم فيه صدقه ، فمع فرض تحققه عرفا لا يقبل الإنكار منه ، لعموم « إقرار العقلاء » (١).

كما أنه قد يقال في وجه اختصاص الحكم المزبور بالعدة إنه ما دامت فيها يقبل منه ذلك ، لبقائها في تعلقه وفي يده على وجه يقبل قوله في الفعل المتعلق بها ، نحو إخبار صاحب اليد بما يقبل منه ما دام هو كذلك ، وإلا لم يقبل قوله ، وبخروجها عن العدة تكون أجنبية لا يقبل قوله في الفعل المتعلق بها ، نحو إخبار صاحب اليد بالمال بعد خروجه من يده.

ومن هنا يمكن الفرق بين الطلاق وغيره من أقسام الإيقاع التي لا مدة لها يبقى فيها التعلق ، ومنها الطلاق الذي لا عدة له ، كطلاق غير المدخول بها ، فإنه لا يقبل منه دعوى عدم القصد حينئذ ، لصيرورتها أجنبية ، وحينئذ يكون الأصل فيما نحن فيه قبول إخباره بما لا يعلم إلا من قبله مع بقاء متعلق الخبر تحت يده وإن كانت بائنة ، فإنه لا ينافي تعلق الزوج بها بالعذر المزبور وإن لم يثبت لها أحكام الرجعة ، وثبوت العدة الموطوءة شبهة لا يقتضي سقوط التعلق المزبور على وجه يترتب عليه الحكم المذكور.

وربما أشار إلى بعض ما ذكرنا في كشف اللثام حيث إنه بعد أن حكى الحكم المزبور عن الشيخ وغيره وتعليله بما عرفت قال : « والفرق بين ما بعد العدة وما قبلها أنها في العدة في علقة الزوجية ، وبعدها قد بانت وربما تزوجت بغيره ، فلا يسمع قوله في حقه وإن صدقته ، ولأن الإمهال إلى انقضاء العدة وتعريضها للأزواج‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من كتاب الإقرار الحديث ٢.

٢٢

قرينة ظاهرة في كذبه ، فهذا فرق ما بينه وبين البيع وسائر العقود ، حيث لا يقبل قول العاقد فيها ، لأنها بمجردها ناقلة » إلى آخره. فتأمل جيدا ، فان ذلك أقصى ما يقال في توجيه قول الأعاظم من الأصحاب.

وعلى كل حال فلا خلاف أجده في قبول دعواه إذا صادقته ، لأن الحق منحصر فيهما ، بل ظاهرهم ذلك حتى مع انقضاء العدة ، لكن قد يظهر من بعضهم في كتاب الشهادات العدم باعتبار تعلق حق الله تعالى شأنه ، فمع فرض صدور ما يحكم به بظاهر الشرع على الصادر منه لا تجدي المصادقة المزبورة التي تنفع مع انحصار الحق ، وكذا الكلام في الحرية أيضا.

ثم إن الظاهر عدم الفرق في الحكم المزبور بين الاقتصار على دعوى عدم القصد واضافة الهزل أو الغلط أو السهو أو نحو ذلك ، نعم قد سمعت سابقا ما حكيناه عن الشهيد من الفرق بين دعوى الإكراه مع القرينة وعدمها وبين دعوى المريض عدم القصد أو الاختلال ، ولا يخفى عليك ما فيه.

وكيف كان فـ ( تجوز الوكالة في الطلاق للغائب إجماعا ) بقسميه وللحاضر على الأصح وفاقا للمشهور ، لإطلاق أدلة الوكالة فيما لا غرض للشارع في اعتبار المباشرة فيه كالعقود والإيقاعات التي منها الطلاق ، وإطلاق النصوص (١) في المقام التي منها‌ صحيح سعيد الأعرج (٢) ، عن الصادق عليه‌السلام « في رجل يجعل أمر امرأته إلى رجل ، فقال : اشهدوا أنى قد جعلت أمر فلانة إلى فلان ، فطلقها ، أيجوز ذلك للرجل؟ قال : نعم » الذي ترك فيه الاستفصال.

خلافا للشيخ في النهاية والمبسوط وأتباعه ، فلا يجوز ، بل نسبه في الثاني منهما إلى أصحابنا جمعا بين ما سمعت وبين‌ خبر زرارة عن الصادق عليه‌السلام « لا تجوز الوكالة في الطلاق » بحمل الأول على الغائب والثاني على الحاضر.

وفيه مع عدم الشاهد له أنه فرع التكافؤ المفقود في المقام ، بل لا حجة في الثاني ، للضعف في السند مع عدم الجابر ، بل قد عرفت الشهرة على خلافه ، بل ستسمع‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب مقدمات الطلاق.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ـ ١.

٢٣

فيما نحكيه عن الحسن بن سماعة (١) في وقوع الطلاق بلفظ « اعتدى » القطع بعدمه.

لكن قد يقال : إن الأولى الاستدلال على ذلك بظهور نصوص (٢) حصر الطلاق الصحيح في قول الرجل لامرأته في قبل العدة بعد ما تطهر من حيضها قبل أن يجامعها : « أنت طالق » باعتبار أنها مساقة سوق التعريف الملحوظ قيدية كل ما يذكر فيه ، وحينئذ فمن ذلك المباشرة المزبورة المعلوم انتفاء اعتبارها في الغائب ، مؤيدا بخبر زرارة (٣) بل لعل ذلك هو الوجه فيما يحكي عن الشيخ من اعتبار الغيبة عن البلد وإن حكي عنه الاكتفاء بالغيبة عن المجلس ، لكنه خلاف ما صرح به ، لأنه المتيقن من عدم اعتبار المباشرة فيه.

إلا أنه قد يدفع ذلك بمنع الظن ولو للشهرة العظيمة باستفادة اعتبار المباشرة من ذلك خصوصا بعد سوقها في إرادة بيان عدم الاجتزاء بالكناية من نحو « أنت خلية » وشبهها ، ولذا لم يعتبر في الصيغة الخطاب قطعا ، ولكن مع ذلك فالاحتياط لا ينبغي تركه ، لأن أمر الفرج شديد.

بل لعل ما ذكرناه أيضا هو الوجه فيما حكاه المصنف بقوله ولو وكلها في طلاق نفسها قال الشيخ : لا يصح ولو في حال الغيبة ، لظهور تلك النصوص (٤) في غيره ، لا لأن القابل لا يكون فاعلا ، ضرورة أنك قد عرفت الاكتفاء بالتغاير الاعتباري في العقود المركبة من الإيجاب والقبول فضلا عن الإيقاع الذي هو ليس إلا من طرف واحد ، ولا لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٥) : « الطلاق بيد من أخذ بالساق » المعلوم إرادة كون ولايته بيده منه على وجه لا ينافي توكيله.

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ٧٠.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب مقدمات الطلاق.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٥.

(٤) الوسائل الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب مقدمات الطلاق.

(٥) كنز العمال ج ٥ ص ١٥٥ ـ الرقم ٣١٥١.

٢٤

ولكن مع ذلك الوجه الجواز لا طلاق الأدلة ومنع ظهور أدلة الحصر في إرادة التقييد بذلك ، خصوصا بعد الشهرة العظيمة على العدم ، بل ربما استفيد الجواز من تخيير النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نساءه (١) وإن كان فيه ـ بعد تسليم إرادة طلاقهن باختيارهن منه لا طلاقه نفسه من تختاره منهن ـ أن ذلك من خصائصه كما ستعرف الكلام فيه. وعلى كل حال فالاحتياط لا ينبغي تركه لما عرفت ، والله العالم.

( تفريع : )

على الجواز وإن كان هو يأتي أيضا على غيره فيما لو وكل غيرها ولو حال الغيبة لو قال : « طلقي نفسك ثلاثا » فطلقت واحدة قيل : يبطل لأنها غير الموكل فيه وقيل : يقع واحدة لأنها بعض ما وكل فيه.

والتحقيق البطلان مع فرض إرادة المرسلة وقلنا ببطلانها ، لعدم الوكالة حينئذ فيما وقع من الطلاق الصحيح ، بل وكذا لو قلنا بصحتها واحدة ، لأن التوكيل عليها بالطريق المخصوص لغرض من الأغراض ، فلا يندرج فيه ما وقع من الواحدة بغيره ، اللهم إلا أن يفهم منه إرادة الاذن في إيقاع الواحدة كيفما كان.

كما أن التحقيق الصحة لو أراد الثلاث المرتبة التي لا بد من تخلل الرجعة فيها بتوكيله على ذلك أيضا ، أو قلنا باقتضاء التوكيل على نحو ذلك ، لأن الواحدة حينئذ بعض ما وكل فيه ، وقد وقعت صحيحة ، ولا يجب عليه إتمام ما وكل فيه ، اللهم إلا أن يراد اعتبار الهيئة الاجتماعية فيما وكل فيه على وجه تكون الواحدة جزء ما وكل فيه ، وحينئذ تكون صحتها بعد وقوعها مراعاة بتمام العمل ، ولا ينافي‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤١ ـ من أبواب مقدمات الطلاق.

٢٥

ذلك توقف صحة الثلاث على سبق صحة الواحدة ، ولا استلزام الحكم بتوقف الثانية على الرجوع صحة الأولى المستصحب بقاؤها ، ضرورة اندفاع الجميع بالمراعاة المزبورة ، بل المتجه على هذا عدم صحة التوكيل في الثلاث مع فرض عدم الاذن له في الرجوع إلا على إرادة كون الرجوع من الموكل والطلاق من الوكيل كما هو واضح.

وكذا الكلام فيما لو قال : طلقي نفسك واحدة فطلقت ثلاثا مرسلة قيل : يبطل وهو كذلك بناء على بطلانها ، بل لعله كذلك وإن قلنا بوقوع الواحدة ، لأنها غير الموكل فيه ، لأنه ربما كان له غرض بالواحدة بالطريق المخصوص ، اللهم إلا أن تكون قرينة دالة على ما يشملهما.

وحينئذ فما قيل من أنها تقع واحدة حتى قال المصنف : وهو أشبه لا يخلو من نظر إن كان المراد الثلاث المزبورة ، نعم لا إشكال في صحة الواحدة مع طلاقها ثلاثا مترتبة ، ضرورة عدم اقتضاء بطلان ما زاد على الاولى لعدم الأذن بطلانها ، والأمر في ذلك سهل بعد كون المسألة فرعا من فروع الوكالة التي من المعلوم وجه الحال فيها ، حتى في صورة الإطلاق الذي مدار الأمر فيه على ما يفهم ، فيجري عليه حينئذ ما عرفت ، وإن أطنب في المسالك ، ولكن محصله ما سمعت ، والله العالم.

٢٦

( الركن الثاني )

( في المطلقة )

وشروطها أربعة بل خمسة لما ستعرفه من أن الأصح اشتراط التعيين.

( الأول : )

أن تكون زوجة بلا خلاف أجده ، بل الإجماع بقسميه عليه ، بل لعله من ضروريات المذهب فلو طلق الموطوءة بالملك لم يكن له حكم قطعا.

وكذا لو طلق أجنبية وإن تزوجها بعد ذلك. وكذا لو علق الطلاق بالتزويج لم يصح ، سواء عين الزوجة كقوله : « إن تزوجت فلانة فهي طالق » أو أطلق أو عمم كقوله : كل من أتزوجها فهي طالق بلا خلاف في شي‌ء من ذلك بيننا نصا (١) وفتوى ، ولا إشكال ، بل من ضرورة المذهب أنه لا طلاق إلا بعد نكاح ، لأنه لازالة قيده ، وإنما ذكر المصنف ذلك تعريضا بالعامة المجوزين لذلك ، نحو غيره من خرافاتهم الباردة ، مع‌ أن في نصوصهم عن عبد الرحمن ابن عوف (٢) قال : « دعتني أمي إلى قريب لها فراودتنى في المهر ، فقلت : إن نكحتها فهي طالق ، ثم سألت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : انكحها فقال : لا طلاق قبل النكاح ».

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب مقدمات الطلاق.

(٢) لم نعثر على هذا الحديث في جوامعهم من السنن الكبرى وكنز العمال والصحاح وغيرها الا أن الموجود في سنن البيهقي ج ٧ ص ٣١٨ ـ ٣٢١ ما مضمونه ذلك عن غير عبد الرحمن بن عوف.

٢٧

( الثاني )

أن يكون العقد دائما فلا يقع الطلاق بالأمة المحللة التي لا تندرج في اسم النكاح الذي نفي الطلاق قبله ، وأنه لا يكون إلا بعده في النصوص (١) بل ولا المستمتع بها ولو كانت حرة بلا خلاف في شي‌ء من ذلك ولا إشكال ، بل الإجماع بقسميه عليه وإن لم يحضرني من النصوص ما يدل على عدم وقوع الطلاق بالمستمتع بها (٢) نعم فيها ما يدل (٣) على حصوله بانقضاء المدة وبهبتها ، ولكن ذلك لا يقتضي عدم صحته عليها ، لإمكان تعدد الأسباب. اللهم إلا أن يقال بانسياق‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب مقدمات الطلاق.

(٢) روى في الوسائل في الباب ـ ٤ ـ من أبواب المتعة الحديث ٤ و ٥ عن الكليني والشيخ ٠ بإسنادهما عن محمد بن مسلم ، عن أبى جعفر عليه‌السلام « في المتعة ليست من الأربع ، لأنها لا تطلق ولا ترث ، وانما هي مستأجرة » ومن الغريب أنه طاب ثراه ـ مع تبحره واطلاعه التام على الروايات المتفرقة في أبواب الفقه وغيرها ـ لم يلتفت الى هذه الرواية هنا وقال : « ولم يحضرني من النصوص ما يدل على عدم وقوع الطلاق بالمستمتع بها » مع أنه ( قده ) تعرض لها في بحث المتعة ، بل عقد صاحب الوسائل لهذا العنوان بابا وهو « باب أن المتمتع بها تبين بانقضاء المدة وبهبتها ولا يقع بها طلاق » وهو الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب المتعة وكذلك روى في الوسائل في الباب ـ ٩ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٤ عن الشيخ ( قده ) بإسناده عن الحسن الصيقل ، عن أبى عبد الله عليه‌السلام في حديث قال : « والمتعة ليس فيها طلاق ».

(٣) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من أبواب المتعة الحديث ٣ والباب ـ ٢٠ ـ منها الحديث ٣ والباب ـ ٢٢ ـ منها الحديث ٣ والباب ـ ٢٥ ـ منها الحديث ١ والباب ـ ٢٩ و ٤١. منها الحديث ١.

٢٨

الدوام من النكاح الذي لا طلاق قبله في النصوص (١) أو يقال بظهور حصر طلاقها في‌ خبر هشام بن سالم (٢) في شرطها مضيا أو إسقاطا في ذلك قال : « قلت : كيف يتزوج المتعة؟ قال : تقول : يا أمة الله أتزوجك كذا وكذا يوما بكذا وكذا درهما فإذا مضت تلك الأيام كان طلاقها في شرطها ، ولا عدة لها عليك » والأمر في ذلك سهل بعد ما سمعت من الإجماع المحقق ، والله العالم.

( الثالث : )

أن تكون طاهرا من الحيض والنفاس بمعنى بطلان الطلاق فيهما بلا خلاف أجده فيه نصا وفتوى ، بل الإجماع بقسميه عليه ، بل النصوص (٣) فيه مستفيضة إن لم تكن متواترة ، مضافا إلى الكتاب (٤) بل الظاهر ذلك في الشرعيين منهما أيضا المندرج فيهما البياض المتخلل بين الدمين والحيض بالاختيار وغير ذلك مما عرفته في كتاب الحيض ، نعم المنساق من النص والفتوى ذات الدمين فعلا أو حكما بخلاف من نقت ولما تغتسل من الحدث ، فلا بأس بطلاقها ، لإطلاق الأدلة.

إنما الكلام في كونهما ما تعين ، لأنه المتيقن من نصوص (٥) بطلان طلاقهما ، أو أن الخلو منهما شرط ، كما هو مقتضى العبارة وغيرها ، فيبطل حينئذ طلاق المجهول حالها؟ وجهان بل قولان : قد يشهد للثاني منهما أن ظاهر النصوص الكثيرة (٦) استفادة الشرط المزبور من قوله تعالى (٧) ( فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب مقدمات الطلاق.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من أبواب المتعة الحديث ٣ من كتاب النكاح.

(٣) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب مقدمات الطلاق.

(٤) سورة الطلاق : ٦٥ ـ الآية ١.

(٥) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب مقدمات الطلاق.

(٦) الوسائل الباب ـ ٨ وـ ٩ ـ من أبواب مقدمات الطلاق.

(٧) سورة الطلاق : ٦٥ ـ الآية ١.

٢٩

وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ )‌ : لأن المراد الأمر بطلاقهن في طهر يكون من عدتهن ، والحائض حال حيضها ليس كذلك ، وكذا ذات الطهر المواقعة فيه. ولعله لذا ذكره المصنف وغيره من الشرائط.

بل له ذكروا أيضا أنه يعتبر هذا الشرط في المدخول بها الحائل دون غير المدخول بها ودون الحامل ، فإنه يصح طلاقهما حائضين بناء على مجامعة الحيض للحمل بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، لأن غير المدخول بها لا عدة لها ، كما أن الحامل عدتها وضع الحمل على كل حال ، بل هو السبب في استفاضة النصوص (١) بعد غير المدخول بها والحامل من الخمس التي يطلقن على كل حال ، ومنه يعلم كونهما خارجين من إطلاق النهي (٢) عن طلاق الحائض ، خصوصا مع انسياق إرادة هذا الحال من عموم « على كل حال » فلا وجه لاحتمال كون التعارض من وجه ، وعلى تقديره فلا ريب في أن الترجيح لخروجهما للإجماع وغيره.

بل وكذا يعتبر الشرط المزبور أيضا في الحاضر زوجها لا الغائب عنها في طهر مواقعتها مدة يعلم بمقتضى عادتها انتقالها من القرء الذي وطأها فيه إلى وقت قرء آخر وإن احتمل أنها في حال الطلاق حائض أو باقية على الطهر الأول ، للنصوص التي هي ما بين مطلق (٣) في جواز طلاق الغائب ومقيد بالشهر (٤) ومقيد بالثلاثة (٥) بناء على أن الوجه في اختلافها في التقييد المزبور اختلاف عادة النساء في ذلك ، وإلا فالمراد انتقالها من زمان طهر المواقعة إلى زمان طهر آخر ، ولعل السر في الاكتفاء بذلك في الغائب تعذر معرفة حالها حينه أو تعسره غالبا.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب مقدمات الطلاق.

(٢) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب مقدمات الطلاق.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٣.

(٥) الوسائل الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٧.

٣٠

ومن هنا ألحق بالغائب نصا (١) وفتوى كما ستعرف الحاضر المتعذر عليه معرفة حيضها وطهرها أو المتعسر ، ولعل ذلك هو السر أيضا في عد الغائب عنها زوجها في المستفيض من نصوص الخمس التي يطلقن على كل حال (٢) بل عن ابن أبي عقيل تواتر الأخبار بذلك ، وصحيح محمد بن مسلم (٣) عن أحدهما عليهما‌السلام ، « سألته عن الرجل يطلق امرأته وهو غائب ، قال : يجوز طلاقه على كل حال ، وتعتد امرأته من يوم طلقها » وخبر أبي بصير (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في الرجل يطلق امرأته وهو غائب فيعلم أنه يوم طلقها كانت طامثا قال : يجوز » إلى غير ذلك من النصوص التي ستسمعها.

وحينئذ فلو طلقها وهما في بلد واحد متمكنا من تعرف حالها ولو بإقرارها وإن لم يكن في طهر واقعها فيه أو كان غائبا عنها في طهر مواقعتها دون المدة المعتبرة بناء على اعتبارها وقد بان أنها كانت حائضا أو نفساء حاله كان الطلاق بإطلاق علم بذلك حينه أو لم يعلم لكونه طلاقا لغير العدة بل قد عرفت أن مقتضي الشرطية المستفادة من الآية (٥) والفتاوى بطلانه مع استمرار الاشتباه أيضا.

أما لو انقضى من غيبته عنها في طهر مواقعتها ما يعلم انتقالها فيه من طهر إلى وقت طهر آخر بمقتضى العادة ثم طلق صح ولو اتفق في الحيض لتأخر العادة بلا خلاف فيه نصا (٦) وفتوى.

وكذا لو خرج في طهر لم يقربها فيه جاز طلاقها ولو بان أنها حائض مطلقا سواء مضت مدة يعلم انتقالها فيها من ذلك الطهر إلى آخر أم لا ، كما‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب مقدمات الطلاق.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٦.

(٥) سورة الطلاق : ٦٥ ـ الآية ١.

(٦) الوسائل الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٦.

٣١

صرح به الشيخ في النهاية وغيره ، بل لا أجد خلافا فيه ، بل حكى الإجماع عليه بعض الأفاضل ، لعدم مدخلية ذلك في الغرض ، ضرورة صحة طلاقها في كل من الطهرين ، فليس حينئذ إلا مصادفة الحيض ، وقد عرفت عدم اعتبار العلم بالخلو منه للغائب ، نعم لا يجوز طلاقها مع العلم به وإن مضت المدة ، لإطلاق ما دل على البطلان به المقتصر في تقييده على المتيقن المنساق إلى الذهن من الغائب غير العالم بحالها.

ومن ذلك يعلم أن النزاع في اعتبار المدة وعدتها وفي مقدارها على الأول في الغائب عنها في طهر المواقعة لمكان إرادة تعرف الانتقال منه وعدمه لا مطلقا ، ضرورة عدم مدخلية المدة كائنة ما كانت في تعرف حيضها وعدمه حاله ، نعم ينبغي مراعاة عادتها الوقتية إن كانت وكان عالما بها لا المدة المزبورة.

فمن الغريب إطناب المحدث البحراني تبعا لما حكاه عن سيد المدارك في شرح النافع من عدم الفرق في اعتبار المدة المزبورة بين طهر المواقعة وغيره ، لإطلاق ما دل على اعتبارها وهو كما ترى ، لما عرفت من عدم الإشكال في صحة طلاقها على كل حال.

وكذا لو طلق التي لم يدخل بها وهي حائض كان جائزا لما عرفت أيضا من عدم العدة لها ، فلا تندرج في الأمر بالآية (١) بل من التأمل فيما ذكرنا قد ينقدح وجه جمع بين ما دل من النصوص التي سمعت تواترها على طلاق الغائب على كل حال (٢) بحملها على الغائب عنها في طهر لم يواقعها فيه ولم يعلم بكونها حائضا ولو لعادة لها وقتية مثلا معلومة لديه ، وبين ما دل منها على اعتبار الثلاثة أشهر وهي‌ صحيح جميل بن دراج (٣) عن أبى عبد الله عليه‌السلام « الرجل إذا خرج من‌

__________________

(١) سورة الطلاق : ٦٥ ـ الآية ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب مقدمات الطلاق.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٧.

٣٢

منزله إلى السفر فليس له أن يطلق حتى يمضي ثلاثة أشهر » وموثق إسحاق بن عمار (١) « قلت لأبي إبراهيم عليه‌السلام الغائب الذي يطلق كم غيبته؟ قال : خمسة أشهر أو ستة أشهر ، قلت : حد دون ذلك قال : ثلاثة أشهر » وحسن ابن بكير (٢) قال : « أشهد علي أبي جعفر عليه‌السلام أني سمعته يقول : الغائب يطلق بالأهلة والشهور » التي عن الإسكافي العمل بها وطرح ما عداها ، وتبعه في المختلف بحملها على من خرج في طهر المواقعة ، ضرورة أنه مع مضي المدة المزبورة إما أن تكون مستبينة الحمل ، وطلاقها حينئذ للعدة ، أو حائضا وهو غير قادح في الغائب ، بل قد يحصل ذلك في الامرأة المستقيمة التي هي غير مسترابة بمضي شهر مضافا إلى عدتها.

وعليه ينزل‌ موثق إسحاق (٣) عن أبى عبد الله عليه‌السلام « الغائب إذا أراد أن يطلقها تركها شهرا » وخبر ابن سماعة (٤) « سألت محمد بن أبي حمزة متى يطلق الغائب؟ قال : حدثني إسحاق بن عمار عن أبى عبد الله أو أبي الحسن عليهما‌السلام ، قال : إذا مضى له شهر » فتجتمع حينئذ جميع النصوص على معنى واحد.

وإليه أشار الصدوق في الفقيه بقوله : « وإذا أراد الغائب أن يطلق امرأته فحد غيبته أنه إذا غابها كان له أن يطلق متى شاء خمسة أشهر أو ستة ، وأوسطه ثلاثة أشهر ، وأدناه شهر » بل لا يبعد إرادة الانتقال من طهر إلى زمان طهر آخر من الشهر في النصوص ، ولعل هذا هو الوجه في اختلاف النصوص ، وأولى من العمل بأحدها وطرح الآخر.

بل وأولى من الجمع بينها بحملها أجمع على الندب ، وأن الغائب متى تحقق فيه الوصف وكان في حال لم يعلم حالها ، انتقلت إلى طهر آخر أم لا؟ أو هي حائض أم لا؟ جاز له الطلاق ولو بعد يوم المفارقة الذي واقعها فيه بثلاثة أيام لاحتمال حيضها في ذلك اليوم وطهرها منه بعد الثلاثة ، كما هو المحكي عن المفيد وسلار وعلي بن بابويه وابن أبى عقيل وأبى الصلاح وغيرهم.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٨.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٣.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٥.

٣٣

بل مقتضى إطلاقهم أو بعضهم جواز الطلاق مع الغيبة وإن انحصر أمرها بكونها في طهر المواقعة أو في حال الحيض ، إذ هو كما ترى مناف لاستصحاب بقائها على الطهر ، مع أنه لا شاهد له سوى اختلافها مع اتحاد راوي الثلاثة (١) والواحد (٢) منها وهو أعم من ذلك ، بل ليس أولى من الجمع بينها بحمل نصوص الثلاثة على الحد الأوسط لخبري الواحد المنزل على الحد الأدنى ، وتقييد إطلاق نصوص الغائب به ، فيجوز حينئذ بعد مضى الشهر ، كما عن الشيخ في النهاية وابن حمزة وغيرهما.

وإليه أشار المصنف بقوله ومن فقهائنا من قدر المدة التي يسوغ معها طلاق الغائب بشهر عملا برواية يعضدها الغالب في الحيض كما أنه أشار إلى سابقه بقوله ومنهم من قدرها بثلاثة أشهر عملا برواية جميل عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٣) وقد يقال : إن مرجع القول بالشهر إلى ما ذكرنا من أن به ـ مضافا إلى العدة ـ يتحقق الحمل غالبا في المستوية المستقيمة غير المسترابة أو تكون حائضا ، وهو غير قادح في الغائب ، بل يمكن إرادة الكناية عن الانتقال إلى طهر آخر.

وعلى كل حال فلا ريب في أن ما ذكرناه من وجه الجمع أولى من توجيه بما ذكره الشيخ ـ وتبعه عليه جماعة بل أكثر المتأخرين على ما قيل ـ من أن سببه اختلاف عادة النساء في الحيض بالنسبة إلى الشهر والثلاثة والأربعة والأزيد من ذلك والأنقص ، فيكون المدار على العلم بالانتقال من طهر المواقعة إلى زمان طهر آخر.

وإليه أشار المصنف بقوله والمحصل ما ذكرناه وإن زاد على الأمد‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٨.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٣ ـ ٥.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٧.

٣٤

المذكور الذي هو الثلاثة بأن كان أربعة مثلا ، والمراد العلم حقيقة لا الظن ، ولا ينافيه احتمال الحيض لتأخر العادة ، ضرورة كون متعلقة الانتقال من زمان طهر المواقعة إلى زمان طهر آخر بمقتضى عادتها ، وليس المراد الانتقال المعتبر فيه تخلل الحيض ، إذ ذاك لا يمكن ظنه فضلا عن علمه ، لأن الفرض مواقعتها ، ومن المحتمل احتمالا مساويا علوقها بالحمل الذي يندر معه الحيض أو يتعذر ، فيتعين كون المراد ما ذكرنا.

ولكن لا يخفى عليك ما في وجه الجمع المزبور ، إذ هو مع ما فيه من التنزيل على الأفراد النادرة لا شاهد له ، بل ظاهرها خلافه ، إذ لم تكن هي في موارد خاصة كي تحمل على ذلك ، بل هو بعنوان الضابط الكلى للجميع ، ولكن الأمر سهل بعد الاتحاد في اعتبار انتقالها من ذلك الطهر إلى وقت طهر آخر بمقتضى عادتها كي تكون صالحة للطلاق ، لكونها بمقتضى ذلك غالبا حاملا ، أو في طهر لم يواقعها فيه ، أو في حال حيض لا يقدح في الغائب ، لا ما ذكروه ، نعم لا ريب في أولوية الاستظهار في ذلك بالعلم بتكرر الانتقال ، وعليه ينزل اختلاف النصوص.

إنما الكلام في أن المدار على ذلك ، بحيث إذا لم يعلم الانتقال المزبور لعدم العلم بعادتها لا يجوز طلاقها حتى لو مضى لها ثلاثة أشهر فصاعدا ، أو يرجع إلى المدة المذكورة في النصوص ، وهي الشهر أو الثلاثة ، لأنها بحكم المسترابة؟ ظاهر هذا القول الأول ، والأقوى الثاني ، بل الأقوى الرجوع إلى الشهر الذي قد عرفت الوجه فيه ، مؤيدا بما تسمعه من صحيح ابن الحجاج الوارد في الحاضر غير المتمكن من اطلاع حالها (١) بل التدبر بذكر الشهور والأهلة فيه مع التصريح بالاكتفاء بالشهر كالصريح فيما ذكرناه من التحديد على الوجه المزبور ، بل هو شاهد للجمع بذلك وإن أشكل على بعض متأخري المتأخرين المراد به ، مضافا إلى أن الغالب في النساء كل شهر حيضة ، كما تشعر به أخبار الامرأة الدمية (٢) المتقدمة

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب الحيض الحديث ٣ و ٥ و ٦ من كتاب الطهارة.

٣٥

في كتاب الحيض.

وبالتأمل فيما ذكرنا يظهر لك النظر في جملة من الكلمات ، واحتمال إرجاع القول بالإطلاق أو الشهر أو الثلاثة إلى ما ذكرنا بنوع من الاعتبار لا يخلو من بعد في البعض أو منع ، خصوصا الأول والأخير ، كل ذلك مما شاة لهم على ما ذكروه وإلا فمن المحتمل قويا أن محل البحث في اعتبار أصل المدة وعدمها ، وأنها شهر أو ثلاثة في مجهوله الحال التي لم يعلم أيام حيضها من أيام قرئها ، إذ من المستبعد دعوى عدم اعتبار العادة مع فرض العلم بها بناء على القول بالإطلاق ، ودعوى الاعتبار بالشهر لمن عادتها الأزيد منها ، ودعوى الاعتبار بالثلاثة لمن عادتها الأزيد من ذلك ، وإنما المتجه اعتبار العادة مع العلم بها.

أما مع الجهل بها فيأتي القول بعدم اعتبارها أصلا ، للإطلاق ، والقول بالشهر لأنه الغالب في غالب النساء ، والثلاثة لأنها كالمسترابة ، ولزيادة الاستظهار في أمر الفروج ، وخيرها أوسطها حينئذ لما عرفت ، ولكن عليه يكون ما اختاره المصنف والمتأخرون خروجا عن مفروض المسألة ، كما أن عليه يتضح لك فساد كثير من الكلمات ، والله العالم.

وكيف كان فلا إشكال في صحة الطلاق بعد مضى المدة بناء على اعتبارها مع فرض المصادفة فيها لاجتماع الشرطين : كونها في غير طهر المواقعة ، والخلو من الحيض ، بل لا خلاف فيه ، بل في المسالك الإجماع عليه.

وكذا يصح لو بان أيها في حيض ، لخبر أبي بصير (١) السابق المؤيد بإطلاق نصوص الخمس (٢) بل وكذا لو بان أنها في طهر المواقعة ، لظاهر النصوص (٣) بل في المسالك « أنه أولى بالصحة من الأول الذي قد تخلف فيه الشرطان ، بخلافه فإنه لم يتخلف فيه إلا شرط واحد » وإن كان هو كما ترى ، والعمدة ظاهر النصوص.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٦.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب مقدمات الطلاق.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب مقدمات الطلاق.

٣٦

وربما قيل بالعدم لتخلف الشرط الذي لا يقاس على حال الحيض ، ولأن الإذن بالطلاق مع مضيها لا يقتضي الحكم بالصحة لو بان الخلاف ، وهو كما ترى ، خصوصا مع فرض اندراج الفرض وسابقه في نصوص عد الغائب من الخمس التي تطلق على كل حال (١) مؤيدا بخبر الحيض (٢) فلا اشتراط في الحال المزبور بأزيد من مضى المدة المزبورة ، وتخلف الحكمة في انقضائها باعتبار كونها لاستبراء الرحم لا يقتضي تخلف الصحة الظاهرة من النصوص المزبورة.

وكذا لا إشكال ولا خلاف في الصحة مع استمرار اشتباه أنها في حيض أو في طهر المواقعة ، لأنه المتيقن من النصوص المزبورة ، بل الظاهر الصحة لو طلق قبل المدة المعتبرة فصادف موافقة الشرائط ، للإطلاق ، واحتمال البطلان ـ باعتبار كون مضي المدة شرطا ، والفرض تخلفه ـ يدفعه كون الظاهر من نصوصها أنها لإحراز الشرائط المعتبرة ، لا أن مضيها من حيث هو شرط ، بل لا يبعد الصحة في الحاضر لو طلق قبل العلم بتحقق الشروط فصادف حصولها ، نعم لا إشكال في البطلان لو طلق قبلها فبان عدم حصول الشرائط أو استمر الاشتباه كما هو واضح.

ولو طلقها بعد أن مضت المدة المعتبرة فأخبره عدل بأنها حائض ففي المسالك في صحة الطلاق وجهان أجودهما العدم ، قال « وكذا لو أخبره ببقائها في طهر المواقعة أو بكونها حائضا حيضا آخر بعد الطهر المعتبر في صحة الطلاق ، لاشتراك الجميع في المقتضى للبطلان ، وصحة طلاقه غائبا مشروطة بعدم الظن بحصول المانع » وفيه إمكان منع الاشتراط المزبور ، لإطلاق الأدلة المقتصر في تقييدها على صورة العلم خاصة ، نعم قد يقال باعتبار خصوص خبر العدل بناء على أنه من العلم شرعا في هذا المقام لا كل ظن.

ثم قال فيها أيضا : « إن النفاس هنا كالحيض في المنع والاكتفاء بطهرها منه ، فلو غاب وهي حامل ومضي مدة يعلم بحسب حال الحمل وضعها وطهرها من النفاس جاز‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب مقدمات الطلاق.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٦.

٣٧

طلاقها ، كما لو انتقلت من الحيض ، ويكفي في الحكم بالنفاس ظنه المستند إلى عادتها وإن كان عدمه ممكنا كما قلناه في الحيض ـ ثم قال ـ ولو وطأها حاملا ثم غاب وطلق قبل مضي مدة تلد فيها غالبا ويتيقن ، وصادف الطلاق ولادتها وانقضاء نفاسها ففي صحته الوجهان الماضيان في الحيض ، والحكم فيهما واحد » وفيه أنه يمكن القول الجواز طلاقها على كل حال ما لم يعلم نفاسها ، لاجتماع جهتي الجواز فيه ، وهي الحمل وكونه غائبا ، ولا مدخلية للمدة هنا فيه وحينئذ فلو وطأها حاملا ثم غاب عنها وطلق قبل مضى مدة تلد فيها غالبا فصادف الطلاق نفاسها صح ، وكذا لو صادف ولادتها وانتفاء نفاسها ، وليس هو كالطلاق قبل المدة فصادف حيضها وطهرها ، وذلك لأن احتمال البطلان بسبب احتمال كون مضى المدة شرطا ولم يحصل ، بخلاف المقام الذي لا وجه فيه لاعتبار المدة ، ضرورة كونها حاملا أو في طهر لم يقربها فيه ، وكل منهما لا يعتبر فيه مدة أصلا كما عرفت ، إذ المدة إنما اعتبرت لتحصيل الظن بالانتقال إلى طهر آخر باعتبار مواقعته لها في الطهر الذي غاب فيه ، وفي الفرض لا تقدح مواقعته ، لكونها حاملا أو في طهر لم يواقعها فيه.

وكيف كان فـ ( لو كان حاضرا وهو لا يصل إليها بحيث يعلم حيضها ) وطهرها فهو بمنزلة الغائب في الحكم ، كما أن الغائب لو فرض إمكان علمه بحالها كان كالحاضر ، لصحيح عبد الرحمن (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل تزوج امرأة سرا من أهلها ، وهي في منزل أهلها ، وقد أراد أن يطلقها ، وليس يصل إليها ليعلم طمثها إذا طمثت ، ولا يعلم بطهرها إذا طهرت ، قال : فقال : هذا مثل الغائب عن أهله ، يطلقها بالأهلة والشهور ، قلت : أرأيت إن كان يصل إليها الأحيان والأحيان لا يصل إليها فيعلم حالها كيف يطلقها؟ فقال : إذا مضى له شهر لا يصل إليها فيه يطلقها إذا نظر إلى غرة الشهر الآخر بشهود ، ويكتب الشهر الذي يطلقها فيه ، ويشهد‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ١ عن أبى الحسن عليه‌السلام كما في الكافي ج ٦ ص ٨٦ والفقيه ج ٣ ص ٣٣٣.

٣٨

على طلاقها رجلين ، فإذا مضى ثلاثة أشهر فقد بانت منه ، وهو خاطب من الخطاب وعليه نفقتها في تلك الثلاثة الأشهر التي تقعد فيها » وخبر علي بن كيسان (١) « كتبت إلى الرجل عليه‌السلام أسأله عن رجل له امرأة من نساء هؤلاء العامة ، وأراد أن يطلقها وقد كتمت حيضها وطهرها مخافة الطلاق ، فكتب عليه‌السلام : يعتزلها ثلاثة أشهر ويطلقها ».

لكن لا يخفى عليك أن مقتضى التدبر في الصحيح الأول على وجه يرتفع التنافي عنه يقتضي أن الحد الشهر والأفضل الثلاثة ، ولعله لذا قال الشيخ في نهايته : « ومتى كان للرجل زوجة معه في البيت غير أنه لا يصل إليها فهو بمنزلة الغائب عن زوجته ، فإذا أراد طلاقها فليصبر إلى أن يمضي ما بين شهر إلى ثلاثة أشهر ثم يطلقها ».

وبذلك ظهر لك وجه شهادة لما قلناه سابقا من أن الحد في الغائب مع عدم العلم بالعادة الشهر الذي هو الغالب في النساء ، بقرينة الحكم بالحيضة في كل شهر مرة للدمية ، وأفضل منه الثلاثة ، وأفضل من ذلك الأربعة والخمسة ، لزيادة الاستظهار ، كما أن منه يعلم اعتبار العادة الشخصية مع فرض العلم بها للامرأة المخصوصة ، ضرورة أنها أقوى ظنا من العادة النوعية.

وكيف كان فلا أجد خلافا في المسألة إلا من الحلي فيما حكي عنه بناء على أصله من عدم العمل بخبر الواحد ، فإلحاق الحاضر حينئذ بالغائب قياس ، والمتجه بقاؤه حينئذ على حكم الحاضر من عدم جواز طلاقه حتى يعلم انتقالها من طهر المواقعة وخلوها عن الحيض حين الطلاق ، ولكنه كما ترى.

ولقد تلخص من جميع ما ذكرنا أن الغائب إن غاب عن زوجته في طهر لم يواقعها فيه جاز طلاقها من غير اعتبار مدة ، نعم لو علم أيام قرئها لو فرض أن لها عادة وقتية أخره إلى أيام طهرها ، بناء على اعتبار مثل هذه العادة هنا ، خصوصا‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٢.

٣٩

بعد إطلاق المعظم الجواز ، ولا ريب في أنه أولى.

وإن غاب عنها في طهر المواقعة ، فإن كان لها عادة راعاها ، لأولويتها من العادة النوعية ، وإلا انتظرها شهرا ، لأنه الغالب في نوع النساء ، والأفضل الثلاثة ، بل كلما زاد عليها فهو أولى باستظهار كونها حاملا أو منتقلة إلى طهر آخر.

نعم لو غاب عنها مسترابة اتجه وجوب الصبر إلى ثلاثة أشهر حينئذ استصحابا لموضوعها وحكمها ، بخلاف مجهولة العادة التي ليست منها موضوعا قطعا ، بل ولا حكما ، لما سمعته من النصوص (١) المبنية على قاعدة إلحاق المشكوك فيه بالأعم الأغلب بعد فرض تعذر العلم والانتقال إلى مرتبة الظن ، كما يومئ إليه اعتبار المدة في النص (٢) والفتوى ، وبذلك كله ظهر لك وجه الحكم في اختلاف النصوص والراجح من الأقوال في المسألة ، مضافا إلى ما تقدم في فروعها.

الشرط ( الرابع )

أن تكون مستبرأة من المواقعة التي واقعها إياه بما جعله الشارع طريقا إلى ذلك من الحيضة أو المدة في الغائب والمسترابة فلو طلقها حينئذ في طهر واقعها فيه لم يقع طلاق بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى القطع به من النصوص (٣) إن لم تكن متواترة فيه وإلى عدم كونه طلاقا للعدة المأمور به في الكتاب العزيز (٤) الذي استفاضت النصوص (٥)

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب مقدمات الطلاق.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٧ و ٨.

(٣) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب مقدمات الطلاق.

(٤) سورة الطلاق : ٦٥ الآية ١.

(٥) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٥ و ٦ و ٧ الباب ـ ١٠ ـ منها الحديث ٤ و ٥.

٤٠