جواهر الكلام - ج ٣٢

الشيخ محمّد حسن النّجفي

اللهم إلا أن يقال : إن ذلك لا ينفي حكم الفراشية التي تكون سببا للحوق الولد الذي يكفي فيه مجرد الاحتمال ولو في زمن الحيض ولو في حال لم يعلم الزوج به من نوم ونحوه فتأمل جيدا ، فان ذلك لا يخلو من بحث أيضا.

و ( منها ) الاعتداد بثلاثة أشهر بعد العلم ببراءتها من الحمل بتجاوز الأقصى ، لأنه مع طرو الحيض قبل تمام الثلاثة إن اعتبرت العدة بالأقراء وإن طالت لم يتم الاكتفاء بجميع ذلك ، وإن اعتبر خلو ثلاثة أشهر بيض فالمتجه بعد انتهاء أقصى الحمل الاجتزاء بما مر من الأشهر البيض في أثناء التسعة ، لأن عدة الطلاق لا يعتبر فيها القصد إليها بخصوصها ، ودعوى أن التسعة إنما هي للعلم ببراءة الرحم وليست عدة ـ كما عساه يشعر به الأمر بالتربص فيها في الخبر (١) المزبور ثم الاعتداد بالثلاثة ـ يدفعها ظهور غيرها من ما تسمعه من أخبار محمد بن حكيم (٢) في مستريبة الحمل أو مدعيته في أنها عدة ، على أن تخلل هذه المدة بين الطلاق والعدة مناف للأمر بالطلاق للعدة (٣) بل مقتضاه عدم إجراء حكم العدة عليها من التوارث والتزويج فيها جهلا وعلما بالنسبة إلى الحرمة أبدا ، وغير ذلك مما هو من أحكام العدة.

و ( منها ) أن ذلك مناف لما تسمعه منهم في مسترابة الحمل من جواز التزويج لها وإن استرابت به في أثناء العدة ، على أن الخبر (٤) المزبور لا دلالة فيه على أن التسعة لمكان الحمل وإن كان ربما أشعر به التقييد به ، لكن‌ قوله : « من حين الطلاق » ينافيه ، على أن مقتضاه الاجتزاء بالثلاثة مثلا لو علمت في أثنائها انتفاء الحمل ، إلى غير ذلك مما لا يخفى عدم انطباقه على الضوابط.

فالمتجه الجمود على مضمون الخبر (٥) المزبور في خصوص المفروض من دون أن يجعل قاعدة كلية ، بل الظاهر أن ذلك فيه عدة للموضوع الخاص من حيث‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب العدد الحديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب العدد الحديث ٢ و ٣ و ٤ و ٥.

(٣) سورة الطلاق : ٦٥ ـ الآية ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب العدد الحديث ٢.

(٥) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب العدد الحديث ٢.

٢٤١

كونه بالوصف المزبور في النص ، لا أن التسعة زمان تربص للاستبراء والثلاثة بعدها زمان العدة.

وبذلك يظهر لك الإشكال في خبر عمار (١) بل هو أشد إشكالا مما فيه ، على أن موضوعه غير الموضوع في خبر سورة (٢) فمن الغريب ذكر مضمونهما على موضوع واحد ، ولم نجد في شي‌ء مما وصل إلينا من النصوص ما هو بمضمونهما.

وأما أخبار محمد بن حكيم (٣) التي هي في مدعية الحبل ومستريبته فهي غير ما نحن فيه ، ولقد وقع هنا خبط عظيم في بعض الكلمات ، وخصوصا في الحدائق ، فإنه على أطنابه في المقام وزعمه أنه قد جاء بشي‌ء لم يسبق إليه قد خبط في موضوعات الأحكام وعنوانها ، كما لا يخفى على من لاحظ تمام كلامه ، ولو لا كثرة الكلمات في المقام ودعوى الشهرة من غير واحد في العمل بخبر سورة (٤) لأمكن تنزيل الخبرين المزبورين على ضرب من الندب في الاحتياط والاستظهار نحو ما تسمعه في أخبار محمد بن حكيم (٥) وغيره الواردة في دعوى الحبل والمستريبة فيه ، فان التأمل الجيد فيها يقتضي اتفاقها في المذاق والمساق ، فلاحظ وتأمل.

وعلى كل حال فقد ظهر لك أن المتجه بناء على العمل بالخبر (٦) المزبور الجمود على مضمونه الذي هو في الحرة قطعا ، وكان اقتصار المصنف على رؤية الدم في الثالث يومئ إلى بعض ما ذكرناه من الجمود ، مع أن الخبر المزبور لا صراحة فيه في ذلك بل ولا ظهور ، لكن عليه لو رأت في أشهر الأول أو الثاني واحتبس ففي إلحاقه بما ذكروه نظر ، من مساواته له في المعنى بل أولى بالاسترابة بالحمل ، ومن قصر الحكم المخالف على مورده ، فرده إلى القاعدة ـ وهي الاعتداد بأسبق الأمرين ـ أولى.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب العدد الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب العدد الحديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب العدد الحديث ٢ و ٣ و ٤ و ٥.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب العدد الحديث ٢.

(٥) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب العدد الحديث ٢ و ٣ و ٤ و ٥.

(٦) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب العدد الحديث ٢.

٢٤٢

نعم لو قيل في مثل ذلك بوجوب مراعاة الأقراء وإن طالت المدة اتجه حينئذ الاقتصار على ما في الخبر المزبور نظرا إلى الأولوية التي ليست من القياس الباطل.

ومن الغريب ما في المسالك ، فإنه بعد أن أطنب في المقام وأشكل العمل بالخبرين (١) المزبورين من وجوه قال : « ولو قيل بالاكتفاء بالتربص مدة يظهر فيها انتفاء الحمل كالتسعة من غير اعتبار مدة أخرى كان وجها » ضرورة منافاة ذلك للقاعدة المزبورة ، ولما يأتي من عدم وجوب التربص تسعة في مستريبة الحمل ، نعم لا بأس بذلك على ضرب من الندب للاحتياط والاستظهار ، وإن كان لا محيص عن العمل بخبر سورة (٢) لاعتضاده بفتوى المشهور ، فالمتجه الاقتصار عليه في تقييد القاعدة المزبورة من غير تعد لغيره على وجه يجعل عنوانا لمطلق المسترابة إذا رأت الدم في دون الثلاثة أشهر ثم ارتفع حيضها ولو لعارض معلوم من عادة ونحوها ، كما وقع من غير واحد ، ضرورة زيادة ذلك على مقتضى الدليل المزبور ، فيكون تقييدا للقاعدة بغير مقيد ، كما أن المتجه جعل الجميع فيه عدة للموضوع المفروض من حيث كونها كذلك وإن بان بعد ذلك كونها غير حامل ، لا أنها خصوص الثلاثة بعد التسعة.

ولو رأت الدم مرة ثم بلغت اليأس أكملت العدة بشهرين بلا خلاف أجده فيه ، لخبر هارون بن حمزة (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في امرأة طلقت وقد طعنت في السن فحاضت حيضة واحدة ثم ارتفع حيضها ، فقال : تعتد بالحيض وشهرين مستقبلين ، فإنها قد يئست من المحيض » ولما سمعته سابقا من النص (٤) الدال على أن لكل شهر حيضة ، بل ذلك هو الحكمة في قيام الأشهر مقام الأقراء عند تعذرها على المعتاد ، وحينئذ فهي بدل عنها ، من غير فرق بين تعذر الجميع أو البعض ،

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب العدد الحديث ١ و ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب العدد الحديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب العدد الحديث ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب العدد الحديث ٧ و ٣ وقد ورد في لفظ الحديث ٢ من هذا الباب « لكل شهر حيضة » الا أنه لم يتقدم سابقا.

٢٤٣

ولا يشكل ذلك بمحتبسة الحيض لعارض ، لوضوح الفرق بينهما بإمكان عوده فيها دون الفرض.

بل مقتضى ذلك وفحوى النص المزبور بل والتعليل في آخره التلفيق بشهر لو فرض مجي‌ء الحيض مرتين ، ولا تلفيق في عدة غيرها.

بل قد يقال : إن مقتضاهما أيضا إتمام عدتها بعد سن اليأس لو فرض طلاقها قبله مثلا بشهر أو شهرين بل أو لحظة ، وكانت ممن تعتد بالشهور ، بل لعله أولى من التلفيق المزبور وإن كان إجراء ذلك على مقتضى القاعدة مع قطع النظر عن اقتضاء فحوى الخبر المزبور لا يخلو من إشكال ، بناء على خروج مثل الفرض عن المنساق من إطلاق الأدلة ، والأصل براءة الذمة من الاعتداد.

ودعوى الحكم بأن السابق على زمن اليأس من العدة ، فيستصحب يدفعها إمكان منع أنها منها بعد فرض معلومية حالها ، لما عرفت من كونها موضوعا جديدا غير داخل في المنساق من الأدلة ، اللهم إلا أن يمنع ذلك كله بسبب معلومية صدق كونها غير آيس عند الطلاق ، فيشملها أخبار العدة (١) وأخبار المطلقة (٢) والأمر في ذلك كله سهل بعد ما سمعت من كون حكمها الاعتداد ، ولو لفحوى النص المزبور حتى لو لم تكن ذات أقراء وقد صادف طلاقها لحظة قبل زمن سن اليأس ، نعم لو فرض اتحاد زمان آخر صيغة الطلاق مع أول زمن اليأس اتجه عدم اعتدادها حينئذ.

ولو استمر بالمعتدة الدم مشتبها بأن تجاوز العشرة رجعت إلى عادتها في زمان الاستقامة وقتا وعددا أو أحدهما إن كانت وأمكن اعتبارها ، بأن لم تتقدم ما اعتادته من الوقت ولا تأخرت عنه ، وتجعل الباقي استحاضة ، فتلحق بالأول حكم الحيض والباقي حكم الطهر إلى وقت العادة من الشهر الأخر ، وتنقضي بذلك العدة كغير المستمر بها الدم من المستقيمة ، والتقييد بالاشتباه باعتبار احتماله الحيض فيما زاد على العادة قبل التجاوز وإن كان بعد التجاوز لا اشتباه لما عرفت. ولو لم تكن لها عادة‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ وغيره من أبواب العدد.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ وغيره من أبواب العدد.

٢٤٤

لابتدائها أو اضطرابها أو كانت ونسيتها اعتبرت صفة الدم بشرائطه المتقدمة في باب الحيض فاعتدت بثلاثة أقراء بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك ، بل ولا إشكال ، لما تقدم في محله من كون ذلك طريقا شرعيا في تشخيص الحيض المقتضي لتشخيص الطهر ، فيتبعه حكم العدة ، مضافا إلى‌ مرسل جميل (١) عن أحدهما عليهما‌السلام في خصوص المقام ، قال : « تعتد المستحاضة بالدم إذا كان في أيام حيضها أو بالشهور إن سبقت إليها ، وإن اشتبه فلم تعرف أيام حيضها فان ذلك لا يخفى ، لأن دم الحيض دم عبيط حار ودم الاستحاضة أصفر بارد ».

ولو اشتبه على وجه لا يتحقق به التمييز المعتبر شرعا رجعت إلى عادة نسائها من أقربائها أو أقرانها على ما تقدم في محله ، مضافا إلى‌ خبر محمد بن مسلم (٢) هنا سأل أبا عبد الله عليه‌السلام « عن عدة المستحاضة ، فقال : تنتظر قدر أقرائها فتزيد يوما أو تنقص يوما ، فان لم تحض فلتنظر إلى بعض نسائها فلتعتد بأقرائها ».

ولكنه كما ترى صريح في خصوص المبتدأة التي قد عرفت اختصاص الحكم بها أيضا في محله ، لأنها هي التي نطقت الأخبار (٣) برجوعها إلى نسائها ، ويمكن أن يكون إطلاق المصنف وغيره اتكالا على ما تقدم في كتاب الطهارة ، نعم ما في الإرشاد من التصريح بالمضطربة دون المبتدأة كأنه سهو من القلم ، وربما يستظهر من ابن إدريس تقديم عادة النساء على التمييز ، لكن المحكي من كلامه مضطرب ، بل قيل : إنه لا يكاد يفهم.

ولو اختلفن أو فقدن اعتدت بالأشهر كفاقدة التمييز من المضطربة ، لقول الصادق عليه‌السلام في صحيح الحلبي (٤) : « عدة المرأة التي لا تحيض والمستحاضة التي‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب العدد الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب العدد الحديث ٢ أنه سأل أبا جعفر عليه‌السلام. » الا أن في الفقيه ج ٣ ص ٣٣٣ عن أبى عبد الله عليه‌السلام.

(٣) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب الحيض من كتاب الطهارة.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب العدد الحديث ٨.

٢٤٥

لا تطهر والجارية التي قد يئست ولم تدرك المحيض ثلاثة أشهر » وقوله عليه‌السلام أيضا في خبر أبى بصير (١) : « عدة التي لم تحض والمستحاضة التي لا تطهر ثلاثة أشهر » وقد عدها أيضا في صحيح ابن مسلم (٢) عن أحدهما عليهما‌السلام ممن عدتها ثلاثة أشهر ، بل في خبر موسى بن بكير عن زرارة (٣) كون ذلك كالمفروغ منه. مؤيدا ذلك كله بالنصوص (٤) الدالة على إبدال الأشهر عن الأقراء مع تعذرها ، على أن يكون لكل شهر حيضة.

ومن هنا لم يكن خلاف بين الأصحاب فيما أجد في اعتدادها بذلك وإن قالوا في كتاب الطهارة بتحيضها بالروايات (٥) فيكون حكم العدة هنا مخالفا لما هناك ، ولعله لمنافاة تخييرها بالروايات بين الثلاثة من شهر وعشر من آخر أو سبعة من كل شهر في أي مكان من الشهر شاءت ، لانضباط العدة الظاهر من النص والفتوى اعتباره.

لكن عن ابن إدريس أنه قال : « هنا (٦) على قول من يقول بكون حيض هذه في كل شهر ثلاثة أيام أو عشرة أيام أو سبعة أيام ، ففي الثلاثة أشهر تحصل لها ثلاثة أطهار ، فأما على قول من يقول بجعل عشرة أيام طهرا وعشرة حيضا فتكون عدتها أربعين يوما ولحظتين » وظاهره وجود المخالف ، ولكني لم أتحققه ، بل فيه أنه لا يتعين على القول الأول الثلاثة أشهر ، بل يكفي شهران ولحظتان.

ولو كانت لا تحيض إلا في ستة أشهر أو أربعة أو خمسة أو أزيد من ذلك أو أنقص ولو بعد كل ثلاثة أشهر اعتدت بالأشهر دون الأقراء بلا خلاف أجده فيه ، بل في كشف اللثام اتفاقا كما في الخلاف والسرائر ، لخبر زرارة (٧)

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب العدد الحديث ٩.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب العدد الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب العدد الحديث ٤ عن موسى بن بكر ، عن زرارة.

(٤) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب العدد.

(٥) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب الحيض من كتاب الطهارة.

(٦) وفي السرائر « هذا » راجع ص ٣٤١ ط إيران.

(٧) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب العدد الحديث ١١.

٢٤٦

« سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن التي لا تحيض إلا في ثلاث سنين أو في أربع سنين ، قال : تعتد ثلاثة أشهر ثم تتزوج إن شاءت » وخبر أبي بصير (١) عنه عليه‌السلام أيضا أنه قال : « في المرأة التي يطلقها زوجها وهي تحيض كل ثلاثة أشهر حيضة ، فقال : إذا انقضت ثلاثة أشهر انقضت عدتها ، يحسب لها لكل شهر حيضة » وخبر أبي مريم (٢) عنه عليه‌السلام أيضا « عن الرجل كيف يطلق امرأته وهي تحيض في كل ثلاثة أشهر حيضة واحدة؟ قال : يطلقها تطليقة واحدة في غرة الشهر ، فإذا انقضت ثلاثة أشهر من يوم طلاقها فقد بانت منه ، وهو خاطب من الخطاب » ومنه يعلم كون المراد من حيضها في كل ثلاثة أشهر بعدها.

وفي‌ صحيح ابن مسلم (٣) عن أحدهما عليهما‌السلام أنه قال : « في التي تحيض في كل ثلاثة أشهر مرة أو في ستة أو في سبعة أشهر ، والمستحاضة ، والتي لم تبلغ المحيض ، والتي تحيض مرة ويرتفع مرة ، والتي لا تطمع في الولد ، والتي قد ارتفع حيضها وزعمت أنها لم تيأس ، والتي ترى الصفرة من حيض ليس بمستقيم ، فذكر أن عدة هؤلاء كلهن ثلاثة أشهر ».

مضافا إلى ما دل (٤) من الاعتداد بأسبق الأمرين : الأقراء أو الثلاثة أشهر ، بناء على عدم اشتراط الاعتداد بالأشهر بوقوع الطلاق بعد ثلاثة أشهر بيض ، لإطلاق النص (٥) والفتوى ، فلو كانت لا تحيض إلا بعد ثلاثة وطلقت حيث بقي إلى حيضها شهر اعتدت بالأشهر أيضا وإن رأت الدم بعد شهر ، لصدق ثلاثة أشهر بيض على ثلاث حيض ، فإنه أعم من أن يكون بعد الطلاق من غير فصل أو مع الفصل ، فتكون عدتها ثلاثة أشهر مع الحيض السابق والطهر السابق عليه ، ولا بعد

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب العدد الحديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب العدد الحديث ٣.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب العدد الحديث ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب العدد الحديث ٣ و ٥.

(٥) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب العدد الحديث ١.

٢٤٧

في اختلاف العدة باختلاف وقت الطلاق طولا وقصرا ، بل هو واقع في المعتدة بالأقراء.

وإن أبيت إلا عن اعتبار اتصال أشهر البيض بالطلاق أمكن القول باختصاص ذلك في المسترابة ، ومحل الفرض ليس منها ، بل هي تعتد بثلاثة أشهر وإن تخلل بينها دم ، لإطلاق النصوص (١) المزبورة المعتضدة بالفتاوي ، بل كأنه صريح المحكي في المسالك عن التحرير أو ظاهره وإن كنا لم نتحققه.

وعلى كل حال ما في‌ خبر الكناني (٢) ـ « سألت الصادق عليه‌السلام عن التي تحيض كل ثلاثة أشهر مرة كيف تعتد؟ قال : تنتظر مثل قرئها التي كانت تحيض فيه على الاستقامة ، فلتعتد ثلاثة قروء ، ثم لتتزوج إن شاءت » وعن التهذيب والفقيه « سنين » بدل « أشهر » مثل خبري أبي بصير (٣) والغنوي (٤) عنه عليه‌السلام أيضا ـ لم أجد عاملا به ، فلا بأس بطرحه أو حمله على إرادة الكناية بذلك عن الأشهر ، على معنى احتساب كل شهر بحيضة ، كما أومى إليه في خبر أبي بصير (٥) السابق ، بل لعل حكمة الاكتفاء بالاعتداد بثلاثة أشهر عن الأقراء ذلك.

ومتى طلقت في أول الهلال بأن انطبق آخر لفظ الطلاق مع الغروب ليلة الهلال اعتدت بثلاثة أشهر أهلة بلا خلاف بل ولا إشكال ، لانصراف الشهر إلى الهلالي في عرف الشرع ، بل وفي العرف العام ، بل قد سمعت التصريح بذلك في خبر أبي مريم (٦) السابق ، نعم قد يقال : يصدق الطلاق في غرة الشهر بأوسع من التقدير المزبور الذي لا يكاد يمكن تحققه في الخارج ، وحينئذ فيتسامح بمقدار زمان وقوع صيغة الطلاق ونحوه في صدق الثلاثة.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب العدد.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب العدد الحديث ١٠ راجع التهذيب ج ٨ ص ١٢٢ والفقيه ج ٣ ص ٣٣٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب العدد الحديث ـ ١٤.

(٤) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب العدد الحديث ـ ١٩.

(٥) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب العدد الحديث ـ ٢.

(٦) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب العدد الحديث ٣.

٢٤٨

وكيف كان فـ ( لو طلقت في أثنائه اعتدت بهلالين ) لتمكنها منهما ، وقد عرفت كون الشهر حقيقة فيهما وأخذت من الثالث بقدر الفائت من الشهر الأول ليتحقق صدق الثلاثة الأهلة عرفا ولو لكون ذلك أقرب المجازات إلى الحقيقة وقيل تكمله ثلاثين لإمكان الهلالية في الشهرين وتعذره في الباقي ، فينصرف إلى العددي وهو الأشبه عند المصنف.

ولكن فيه ما لا يخفى كالقول باعتبار العددي في الجميع ، لأنه يكمل الأول من الثاني فينكسر ، ويكمل من الثالث فينكسر ، فيكمل من الرابع.

وكذا احتمال تلفيق ما نقص من الأول بمقداره من الأخر ، بمعنى أنه لو فرض وقوعه في النصف من الأول لو حظ النصف من الأخر ، ومقتضاه حينئذ تلفيق شهر تكون أيامه ثلاثين يوما إلا نصف يوم ، وهو خارج عن الهلالي والعددي ، فالأقوى ما ذكرناه أولا ، وذلك لأن الشهر حقيقة فيما بين الهلالين مجاز في غيره ، ولا يقدح اختلاف مصداقه بالتسعة وعشرين تارة والثلاثين أخرى عرفا في جميع الآجال من غير فرق بين البيع وغيره ، ومع تعذر الحقيقة فأقرب المجازات إليها التلفيق بما ذكرناه.

وبذلك يعرف الحال في جميع أفراد المسألة ، إذ هي غير خاصة في المقام ، بل لعل السنة كذلك أيضا ، فإنها حقيقة في الأنثى عشر شهرا هلاليا ، وتلفيقها بما ذكرنا إلا أن تقوم القرينة على إرادة غير ذلك.

( تفريع : )

لو ارتابت بالحمل لحركة أو ثقل أو نحوهما بعد انقضاء العدة والنكاح لم يبطل النكاح ، للأصل بل الأصول ، بل ظاهر‌ حسن محمد بن حكيم (١) عن العبد الصالح عليه‌السلام عدم اعتبار الريبة بعد الثلاثة أشهر ، قال : « قلت له : المرأة‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب العدد الحديث ٤.

٢٤٩

الشابة التي يحيض مثلها يطلقها زوجها فيرتفع طمثها ما عدتها؟ قال : ثلاثة أشهر ، قلت : جعلت فداك فإنها تزوجت بعد ثلاثة أشهر فتبين لها بعد ما دخلت على زوجها أنها حامل ، قال : هيهات من ذلك يا ابن حكيم ، رفع الطمث ضربان : إما فساد من حيضة فقد حل لها الأزواج وليس بحامل ، وإما حامل فهو يستبين بثلاثة أشهر ، لأن الله تعالى قد جعله وقتا يستبين فيه الحمل ، قال : قلت : فإنها ارتابت بعد ثلاثة أشهر ، قال : عدتها تسعة أشهر ، قلت : فإنها ارتابت بعد تسعة أشهر ، قال : إنما الحمل تسعة أشهر ، قلت : تتزوج؟ قال : تحتاط بثلاثة أشهر ، قلت : فإنها ارتابت بعد ثلاثة أشهر ، قال : ليس عليها ريبة تتزوج » الخبر.

وكذا يجوز لها التزويج ، للأصل وغيره لو حدثت الريبة بعد العدة وقبل النكاح ولا ينافي ذلك ما في ذيل الحسن السابق (١) وموثقه الآخر (٢) « قلت له : المرأة الشابة التي يحيض مثلها يطلقها زوجها ويرتفع حيضها كم عدتها؟ قال : ثلاثة أشهر ، قلت : فإنها ادعت الحبل بعد الثلاثة أشهر ، قال : عدتها تسعة أشهر ، قلت : فإنها ادعت الحبل بعد التسعة أشهر ، قال : إنما الحبل تسعة أشهر ، قلت : تتزوج؟ قال : تحتاط بثلاثة أشهر ، قلت : فإنها ادعت بعد الثلاثة أشهر ، قال : لا ريبة عليها تتزوج إن شاءت » بعد التنزيل على الأولوية والاحتياط ، أو على استبانة الحمل لها بعد الثلاثة ، على أن الأخير منهما مشتمل على دعواها الحمل نحو‌ خبره الثالث (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام أو أبي الحسن عليهما‌السلام « قلت له : رجل طلق امرأته فلما مضت عليها ثلاثة أشهر ادعت حبلا ، قال : ينتظر بها تسعة أشهر ، قال : قلت : فإنها ادعت بعد ذلك حبلا فقال : هيهات هيهات هيهات ، إنما يرتفع الطمث من ضربين : إما حمل بين وإما فساد من الطمث ، ولكنها تحتاط بثلاثة أشهر بعد » وهو غير ما نحن فيه من الاسترابة ، ضرورة‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب العدد الحديث ٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب العدد الحديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب العدد الحديث ٥.

٢٥٠

أنه لا إشكال في تربصها تسعة مع دعواها الحمل ، فإنها مكلفة بالاعتداد ، والفرض أنها بزعمها من ذوات الأحمال ، كما ستسمع الكلام فيه.

أما لو ارتابت به قبل انقضاء العدة لم يجز لها أن تنكح عند الشيخ ، ومال إليه المحدث البحراني ، بل هو خيرة الفاضل في التحرير والمختلف ولو انقضت العدة لحصول الشك في الحقيقة في انقضائها وفي براءة الرحم ، ولابتناء النكاح على الاحتياط ، وحسن ابن عبد الرحمن بن الحجاج أو صحيحه (١) ، عن الكاظم عليه‌السلام « سمعت أبا إبراهيم عليه‌السلام يقول : إذا طلق الرجل امرأته فادعت حبلا انتظرت تسعة أشهر ، فإن ولدت وإلا اعتدت بثلاثة أشهر ، ثم قد بانت منه ».

ولكن مع ذلك لو قيل بالجواز ما لم يتيقن الحمل كان حسنا بل في القواعد « هو الأقرب » لانقضاء العدة شرعا وأصل انتفاء الحمل المؤيد بما عرفت ، فيحمل ما سمعته في النصوص السابقة على الندب ، نحو الأمر بالاحتياط بالثلاثة بعد التسعة.

على أن الصحيح المزبور وخبري ابن حكيم الأخيرين في دعوى الحبل ، وقد عرفت خروجه عن مفروض المسألة ، وأما الأول فظاهر سؤاله أنها تبينت الحمل بعد الثلاثة وبعد الدخول على زوجها ، مع أن الامام عليه‌السلام أجابه بعدم العبرة بهذا التبين وإن كان بعد ذلك متصلا به ذكر التربص تسعة أشهر بالريبة بعد الثلاث. ومنه يعلم اضطراب الرواية ولا بد من حمل الأخير فيها على ضرب من الندب ، كالأمر بالاحتياط فيها ثلاثة أشهر.

وعلى كل حال هي غير ما ذكره الشيخ الذي مبناه على الظاهر وعروض الارتياب لها في أثناء العدة ، فيستصحب حالها إلى انقضاء عدة الحامل ، ولو لأنها من شبهة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب العدد الحديث ١ عن عبد الرحمن بن الحجاج.

٢٥١

الموضوع ، بخلاف الذي تزوجت وجرى أصل الصحة على العقد المتعلق بغيرها ، بل وكذا من انقضت عدتها من دون استرابة التي حكم بظاهر الأدلة بخروجها منها.

وفيه ( أولا ) مع كون المشكوك في أنه من أفراد الخاص أو العام من شبهة الموضوع ، كما حققنا في محله. و ( ثانيا ) أن عدم الحمل المستصحب في خصوص الامرأة المشكوك في حالها كاف في الحكم شرعا بعدم كونها من أفراد الخاص ، وفي بقاء حكم العام عليها ، والاحتياط إنما هو من الأمور المستحبة حتى في الصورتين اللتين وافقنا الشيخ على الحكم فيهما ، كما هو واضح.

وكيف كان فـ ( على سائر التقديرات إذا ظهر حمل بطل النكاح ) الثاني ، لتحقق وقوعه في العدة التي هي وضع الحمل دون الأقراء والثلاثة ، فإنها أمارة في الظاهر لا تعارض الواقع بعد فرض حصوله ، كما هو واضح ، والله العالم.

( الفصل الرابع )

( في ) عدة ( الحامل )

ولا ريب في أنها هي ولو كانت أمة تعتد بالطلاق بوضعه ولو بعد الطلاق بلا فصل كتابا (١) وسنة (٢) مستفيضة أو متواترة ، قد سبق جملة منها في طلاق الحامل ويأتي في أثناء البحث أيضا ، وإجماعا بقسميه ، بل ظاهر الأولين كون ذلك عدتها دون الأقراء والأشهر ، كما هو المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا وإن كان الصدوق وابن حمزة على اعتدادها بأقرب الأجلين منهما‌

__________________

(١) سورة الطلاق : ٦٥ ـ الآية ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب العدد.

٢٥٢

ومن الوضع ، بل ظاهر المرتضى وابن إدريس وجود مخالف غيرهما وإن كنا لم نتحققه.

وكيف كان فقد ذكروا له‌ خبر أبي الصباح (١) عن الصادق عليه‌السلام « طلاق الحامل واحدة وعدتها أقرب الأجلين » وصحيحا الحلبي (٢) وأبي بصير (٣) عنه عليه‌السلام أيضا « طلاق الحبلى واحدة وأجلها أن تضع حملها ، وهو أقرب الأجلين » وقالوا : إنه قاصر عن معارضة غيره من الكتاب (٤) والسنة (٥) من وجوه ، سيما بعد احتماله إرادة أن وضع الحمل أقرب العدتين باعتبار إمكان حصوله بعد الطلاق بلحظة ، بل لعله ظاهر الأخيرين الذي ينبغي حمل الأول عليه ، ضرورة أنه لا وجه للحكم بكونه كذلك إلا ما ذكرنا ، وهو غير الاعتداد بأقرب الأجلين ، وعدم قابلية عبارة الفقه المنسوب إلى الرضا عليه‌السلام (٦) للتأويل المزبور غير قادح ، لقصوره أيضا ، مع عدم تحقق النسبة المزبورة ، بل من القوي كونه من تصانيف الصدوق رحمه‌الله وإن أرسل فيه عن الرضا عليه‌السلام ما يوهم كونه له.

هذا ولكن الانصاف عدم خلو قوله من قوة ، ضرورة كونه مقتضى الجمع بين الأدلة كتابا (٧) وسنة ، إذ منها ما دل (٨) على اعتداد المطلقة بالثلاثة ، ومنها ما دل (٩) على اعتداد الحامل مطلقة كانت أو غيرها بالوضع ، فيكون أيهما سبق يحصل به الاعتداد ، نحو ما سمعته في الثلاثة أشهر والأقراء ، بعد القطع بعدم احتمال كون كل منهما عدة في الطلاق كي يتوجه الاعتداد حينئذ بأبعدهما.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب العدد الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب العدد الحديث ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب العدد الحديث ٢.

(٤) سورة الطلاق : ٦٥ ـ الآية ٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب العدد.

(٦) المستدرك الباب ـ ٩ ـ من أبواب العدد الحديث ١.

(٧) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٢٨ وسورة الطلاق : ٦٥ ـ الآية ٤.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب العدد.

(٩) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب العدد.

٢٥٣

وأما الصحيحان فالمراد منهما الاعتداد بالوضع حال كونه أقرب الأجلين ، فالجملة حالية ، فيوافقان الخبر الأول بل جعلها مستأنفة لا حاصل له ، ضرورة كون الموجود في الخارج منه كلا من الأقرب والأبعد ، إذ كما يمكن الوضع بعد لحظة يمكن تأخره تسعة ، بل يمكن القطع بفساد إرادة ذلك منهما ، وكأن هذا هو الذي دعى المتأخرين إلى الإطناب بفساد قول الصدوق « ره » ، وأنه في غاية الضعف ، إلا أن الإنصاف خلافه ، بل إن كان منشأ الشهرة هذا التوهم الفاسد من الصحيحين كان قولهم بمكانة من الضعف ، ضرورة عدم المعارض إلا إطلاقات لا تصلح مقابلة للتصريح المصرح به في المعتبر من النصوص المتعددة ، فتأمل جيدا.

وكيف كان فلا فرق في اعتدادها بذلك سواء كان تاما أو غير تام ولو كان علقة بعد أن يتحقق أنه حمل يندرج في إطلاق الكتاب (١) والسنة‌ قال ابن الحجاج في الموثق (٢) : « سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن الحبلى إذا طلقها زوجها فوضعت سقطا تم أو لم يتم أو وضعته مضغة ، قال : كل شي‌ء يستبين أنه حمل تم أو لم يتم فقد انقضت عدتها وإن كان مضغة ».

وربما ظهر منه أن أقل ما يتحقق به الحمل المضغة ، كما عن ابن الجنيد التصريح به ، فلا عبرة بالنطفة مع عدم استقرارها إجماعا بقسميه ، بل ومعه ، وإن قال في المسالك : « فيه وجهان ، من الشك في كونه قد صار حملا » لكن من المعلوم عدم العبرة به مع الشك في كونه حملا ، ضرورة عدم تحقق الاندراج في أولات الأحمال ».

ومن الغريب ما حكاه فيها من إطلاق الشيخ انقضاء العدة بالنطفة ، بل في كشف اللثام أنه خيرة التحرير والجامع ، لعموم النصوص (٣) ثم قال فيها أيضا : « والوجهان آتيان في العلقة ، وهي القطعة من الدم التي لا تخطيط فيها ـ بل قال ـ : إنه وافق‌

__________________

(١) سورة الطلاق : ٦٥ ـ الآية ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب العدد الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب العدد.

٢٥٤

المصنف وجماعة الشيخ عليها ، وهو قريب مع العلم بأنها مبدأ نشوء آدمي وإلا فلا ».

وفيه أنه لا ريب في كونها مبدأ آدمي ، إذ هي كما عن بعض كتب أهل اللغة الدم الجامد المتكون من النطفة ، إنما الكلام في صدق الحمل عرفا وإلا فلا ريب في أن النطفة مبدأ نشوء آدمي ، ولذلك اكتفى بها من عرفت ، ولا ينافي ذلك احتساب أقصى الحمل من حين الوطء ، فإنه لا يقتضي صدقه عرفا بذلك.

ومن ذلك يظهر لك النظر فيما في المسالك أيضا من أنه « إذا لم تظهر الصورة والتخطيط لكل واحدة من المضغة والعلقة ولكن قالت القوابل وأهل الخبرة من النساء أن فيه صورة خفية ، وهي بينة لنا وإن خفيت على غيرنا حكم بانقضاء العدة وإثبات النسب وسائر الأحكام بذلك ، ولو لم تكن فيه صورة ظاهرة ولا خفية تعرفها القوابل ولكن قلن : إنه أصل لادمي ، ولو بقي لتصور وتخلق ففي الاكتفاء به قولان ، ويظهر من المصنف الاكتفاء به ، كما قطع به الشيخ لعموم الآية (١) وخصوص خبر ابن الحجاج (٢) ».

وفيه ـ بعد الإغضاء عن الدليل على قبول شهادة القوابل هنا في ذلك ، خصوصا بعد أن لم يذكروه في كتاب الشهادات مما تقبل فيه شهادة النساء منفردات ـ ما قد عرفت من احتمال كون المدار على صدق الحمل عرفا ، لا أنه نشوء آدمي ، بل من المحتمل إرادة المصنف ومن عبر كعبارته ذلك أيضا.

نعم هو ظاهر التحرير قال : « لا فرق بين أن يكون الحمل تاما أو غير تام بعد أن يعلم أنه حمل وإن كان علقة ، سواء ظهر فيه خلق آدمي من عينين أو ظفر أو يد أو رجل أو لم يظهر لكن تقول القوابل : إن فيه تخطيطا باطنا لا يعرفه إلا أهل الصنعة ، أو تلقي دما متجسدا ( مستجسدا خ ل ) ليس فيه تخطيط ظاهر ولا باطن ، لكن تشهد القوابل أنه مبدأ خلق آدمي ، لو بقي لتخلق وتصور ، أما لو ألقت نطفة أو علقة انقضت بها العدة ».

__________________

(١) سورة الطلاق : ٦٥ ـ الآية ٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب العدد الحديث ١.

٢٥٥

وظاهره عدم اشتراطه في النطفة والعلقة العلم أو الظن بكونها مبدأ نشوء آدمي ، وهو ظاهر المبسوط ، ولعل الوجه فيه أن النطفة مبدأ مطلقا شرعا ، وأن العلقة إنما أريد بها الدم الجامد المتكون من النطفة كما فسرت به في بعض كتب اللغة ، وظاهر أنه مبدأ له البتة ، وعبر عن الدم الجامد الذي لا يعلم تكونه من النطفة بالدم المتجسد الخالي عن التخطيط.

قلت : قد عرفت أن المدار على صدق الحمل عرفا ، لا كونه نشوء آدمي ، فإنه أعم من ذلك ، وهذا هو الوجه في تقييد المصنف وغيره بذلك ، بل لعل الخبر (١) المزبور كذلك ، لا أقل من الشك في صدق الحمل بالمفروض ، وقد صرح المصنف وغيره بعدم العبرة به وقد عرفت وجهه ، بل الظاهر عدم العبرة بظن أنه حمل فضلا عن الشك ، لاعتبار العلم في مصاديق الألفاظ.

لكن في القواعد « الشرط الثاني : وضع ما يحكم بأنه حمل علما أو ظنا ، فلا عبرة بما يشك فيه » وشرحها في كشف اللثام « أي مستقر في الرحم آدمي أو مبدأ له ، علما وهو ظاهر أو ظنا لقيامه مقام العلم في الشرع إذا تعذر العلم ، ولأنها إذا علقت دخلت في أولات الأحمال ، وربما أسقطت ، فان لم يعتبر الظن لم يكن أجلها الوضع ، فلا عبرة بما يشك فيه اتفاقا ، إذ لا عبرة بمجرد الاحتمال مع مخالفة الأصل ».

ولا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه ، بل دعوى قيام الظن بأنه حمل مقام العلم واضحة المنع ، ويمكن أن يريد الفاضل الظن المخصوص الناشئ من شهادة القوابل كما سمعته منه في التحرير ، وإن كان فيه ما عرفت أيضا من عدم الدليل على قبول شهادتهن بذلك.

وأما الوضع فالمرجع فيه الصدق عرفا ، فلا يصدق على خروج البعض متصلا أو منفصلا ولو المعظم إلا ما لا ينافي صدق وضعه عرفا من تخلف بعض الأجزاء ، وهو واضح.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب العدد الحديث ١.

٢٥٦

كوضوح اعتبار وضعه ملحقا شرعا بذي العدة ، من المطلق أو الفاسخ أو غيرهما ، أو محتملا أنه منه لكونها فراشا وإن انتفى باللعان ، بناء على عدم انتفاء نسبه منه به وإن انتفت أحكام الولد شرعا منه ، فلا عبرة بوضع الحمل غير ملحق به شرعا ، كما لو كان الزوج بعيدا عنها بحيث لا يحتمل تولده منه.

ولا تنقضي به عدة بلا خلاف أجده فيه ، كما اعترف به في كشف اللثام ، إذ الاعتداد به إنما هو لبراءة الرحم ، ولا مدخل لبراءته من ولد غير المطلق في انقضاء عدتها منه ، والكتاب (١) والسنة (٢) وإن عما إلا أن المنساق كون الحمل ممن له العدة ، فيبقى نصوص (٣) الاعتداد بالأقراء والأشهر على حالها ، بل لعل ما تسمعه من ما دل على عدم الاجتزاء بوضعه لو كان من زنا في عدة الطلاق ظاهر فيما ذكرناه.

وحينئذ فلو أتت زوجة البالغ الحاضر بولد لدون ستة أشهر من الدخول لم يلحقه ، فلا يعتبر وضعه في العدة ، فإن ادعت أنه وطأها قبل العقد للشبهة ولم يصدقها لم تعتد به على الأقوى وإن احتمل كونه منه ، لكنه منفي عنه شرعا ، لانتفاء الفراش ، ولا عبرة بالاحتمال ما لم يستند إلى سبب شرعي بخلاف المنفي باللعان ، فان النسب له ثابت بأصل الشرع بالفراش ، نعم لو صدقها انقضت العدة به بلا إشكال ، ولو طلقت فادعت الحمل صبر عليها أقصى الحمل ، وهو تسعة أشهر من حين الوطء ، لأنها بزعمها حينئذ من أولات الأحمال الواجب عليهن الاعتداد بذلك ثم لا تقبل دعواها للعلم ببطلانها حينئذ. وفي رواية أن أقصى الحمل سنة وليست مشهورة كما عرفته في محله.

إلا أنك قد سمعت هناك اختيار المصنف كونه عشرة لا تسعة ، كما أنك قد‌

__________________

(١) سورة الطلاق : ٦٥ ـ الآية ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب العدد.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ و ١٢ ـ من أبواب العدد.

٢٥٧

سمعت النصوص (١) السابقة الإمرة بصيرها تسعة ، وفي بعضها (٢) أنها الأقصى ، لكن تضمنت الأمر باحتياطها ثلاثة أشهر مع ذلك ، وحينئذ تكون سنة ويمكن إرادة المصنف الإشارة إليها ، بل في القواعد هنا « صبر عليها أقصى الحمل ، وهو سنة » مع أن مختاره فيها خلاف ذلك ، مضافا إلى عدم إشارة في النصوص المزبور أن أقصى الحمل سنة ، بل فيها ما ينافي ذلك ، ومن هنا قد اختار جماعة العمل بها تعبدا وإن لم يكن الأقصى ، بعد تنزيل الأمر حتى ما كان بلفظ الاحتياط على الوجوب الذي هو حقيقته.

ولكن فيه ما لا يخفى من البعد عن القواعد الشرعية ، إذ الفرض انحصار الارتياب فيها بالحمل المفروض كون أقصاه التسعة التي بمرورها قد علم انتفائه ، فتكتفي بالثلاثة الأشهر التي في ضمنها عدة لها ، بل المتجه حينئذ ظهور عدم كون ما زاد عليها عدة ، إذ احتمال كونها عدة لها من حيث الارتياب ودعواها الحمل وإن بان خلافه كما ترى.

وأحسن شي‌ء تحمل عليه هذه النصوص تفاوت مراتب الأقصى ، ففي الغالب عدم تأخره عن التسعة ، وبذلك حده الشارع في جملة من الأحكام ، وربما بلغ السنة ، لكنه من الأفراد النادرة التي لا تنافي إجراء الأحكام على التسعة ، ولكن لا بأس بالاحتياط له في نحو المقام ، لشدة الأمر في الفروج.

بل لعل رواية عمار (٣) السابقة تقتضي خمسة عشر شهرا. وهذا وإن كان منافيا لما ذكرناه سابقا في كتاب النكاح لكن لا بأس بالقول به هنا ، للنصوص (٤) المزبورة المعمول بها ، خصوصا بعد حمل الأمر بالاحتياط فيها بالثلاثة على الندب الذي يتسامح فيه ، بل ربما كان في لفظ الاحتياط إشعار به ، بل أحوط منه الانتظار بها خمسة عشر شهرا لخبر عمار (٥) السابق.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب العدد.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب العدد الحديث ـ ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب العدد الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب العدد.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب العدد الحديث ١.

٢٥٨

وبالجملة لا ملحوظ في المقام إلا احتمال الحمل الذي ينبغي الاحتياط فيه بالصبر إلى زمان الطمأنينة بعدمه ، لأن أمر الأنساب شديد.

ولو كان حملها اثنين مثلا ( بانت بـ ) وضع الأول وإن كان لم تنكح إلا بعد وضع الأخير كما عن النهاية وابني حمزة والبراج ، لخبر عبد الرحمن (١) عن الصادق عليه‌السلام « سألته عن رجل طلق امرأته وهي حبلى وكان ما في بطنها اثنان فوضعت واحدا وبقي واحد ، قال : تبين بالأول ، ولا تحل للأزواج حتى تضع ما في بطنها » ولأن الحمل صادق على الواحد ، فيصدق الوضع بوضعه ، ولأنه لا ريب في أنه كذلك حالة الانفراد فكذا عند الاجتماع ، للاستصحاب.

وعن أبي على إطلاق انقضاء العدة بوضع أحدهما ، ويمكن تنزيله على ما سمعته من الشيخ للخبر المزبور المؤيد بالاحتياط بالنسبة إلى ذلك ، للشك في صدق الوضع بوضع أحدهما.

ولكن مع ذلك الأشبه وفاقا للفاضل ومحكي الخلاف والمبسوط ومتشابه القرآن لابن شهرآشوب وغيرهم أنها لا تبين إلا بوضع الجميع الذي هو مصداق حملهن ، فلا يصدق بوضع بعضه ، وكون الواحد حملا لا يقتضي صدق وضع حملهن ، نعم لو لم يكن غيره صدق ذلك.

وبه ظهر الفرق بين حالي التعدد والاتحاد ، وأنه لا وجه للاستصحاب ، بل أصالة البقاء على العدة تقتضي خلافه ، مضافا إلى معلومية كون العدة لاستبراء الرحم من ولد مشكوك فضلا عن المعلوم ، والخبر المزبور لا جابر لضعفه ، ويمكن تنزيله على عدم معلومية وجود الثاني حال الطلاق ، لإمكان انعقاده على وجه يكون حملا بعد الطلاق وإن سبق الوطء عليه ، كما لو وطأها حاملا ثم طلقها بعد الوطء بلا فصل ، لأن المعتبر في انقضاء العدة بوضع التوأمين ولادتهما لأقل من ستة أشهر ولو بلحظة ، ليعلم وجودهما حين الطلاق ، لكونها أدنى الحمل.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب العدد الحديث ١.

٢٥٩

وحينئذ فلو ولدت الثاني لستة أشهر فصاعدا فهو حمل آخر لا يرتبط بحكم الأول الذي قد تحقق وجوده حال الطلاق بوضعه تاما لدون الستة أشهر بخلافه ، فتنقضي عدتها حينئذ بوضع الأول ، نعم في المسالك « في جواز تزويجها قبل وضع الثاني مع كونه لا حقا بالأول نظر ، من الحكم بالبينونة المجوزة للتزويج ، ومن إمكان اختلاط النسب حيث تلده لوقت يحتمل كونه لهما » وفيه أنه لا اختلاط بعد فرض العلم بكونه للأول وكونه متأخر الانعقاد ، وإلا فللثاني لكن بناء على تنزيل الخبر على ما عرفت يكون هو الدليل مع فرض صلاحيته لذلك ، وإن كان المتجه الجواز.

وقد تسامح الفاضل في القواعد بقوله : « وأقصى مدة بين التوأمين ستة أشهر » وذلك لما عرفت من كون المعتبر في كونهما توأمين ولادتهما لأقل من ستة أشهر ، كما عن التحرير التعبير بذلك ، اللهم إلا أن يكون مبنى كلامه على التسامح في التعبير بمثل ذلك ، كما اعترف به في كشف اللثام ، وقال : « إن مثله غير عزيز في كلامهم » فتأمل جيدا.

ولو طلق الحائل طلاقا رجعيا ثم مات في العدة استأنفت عدة الوفاة بلا خلاف كما عن المبسوط ، بل هو كذلك فيما أجد في الجملة ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى المستفيضة أو المتواترة.

ففي‌ مرسل جميل بن دراج (١) عن أحدهما عليهما‌السلام « في رجل طلق امرأته طلاقا يملك فيه الرجعة ثم مات عنها ، قال : تعتد بأبعد الأجلين أربعة أشهر وعشرا ».

وخبر هشام بن سالم (٢) عن أبى عبد الله عليه‌السلام « في رجل كانت تحته امرأة فطلقها ثم مات قبل أن تنقضي عدتها ، قال : تعتد بأبعد الأجلين : عدة المتوفى عنها زوجها ».

وخبر محمد بن قيس (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « سمعته يقول : أيما امرأة طلقت ثم توفي عنها زوجها قبل أن تنقضي عدتها ولم تحرم عليه فإنها ترثه ، ثم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب العدد الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب العدد الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب العدد الحديث ٣.

٢٦٠