جواهر الكلام - ج ٣٢

الشيخ محمّد حسن النّجفي

أول قطرة ، فقال : كذب ما هو من رأيه ، إنما هو شي‌ء بلغه عن علي عليه‌السلام.

وفي‌ خبر محمد بن مسلم (١) عنه عليه‌السلام أيضا « سألته عن الرجل يطلق امرأته متى تبين منه؟ قال : حين يطلع الدم من الحيضة الثالثة تملك نفسها ، قلت : فلها أن تتزوج في تلك الحال؟ قال : نعم ، ولكن لا تمكن من نفسها حتى تطهر من الدم ».

وخبر زرارة (٢) « قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : إنى سمعت ربيعة الرأي يقول : إذا رأت الدم من الحيضة الثالثة بانت منه ، وإنما القرء ما بين الحيضتين ، وزعم أنه إنما أخذ ذلك برأيه ، فقال أبو جعفر عليه‌السلام : كذب ، لعمري ما أخذ ذلك برأيه ، ولكن أخذه عن علي عليه‌السلام ، قلت : وما قال علي عليه‌السلام فيها؟ قال : كان يقول : إذا رأت الدم من الحيضة الثالثة فقد انقضت عدتها ، ولا سبيل له عليها ، وإنما القرء ما بين الحيضتين ، وليس لها أن تتزوج حتى تغتسل من الحيضة الثالثة ».

وفي موثقه أيضا (٣) عنه عليه‌السلام أيضا « سمعته يقول : المطلقة تبين عند أول قطرة من الدم في القرء الأخير ».

وموثق الجعفي (٤) عنه عليه‌السلام أيضا « في الرجل يطلق امرأته ، قال : هو أحق برجعته ما لم تقع في الدم الثالث » إلى غير ذلك من النصوص ـ حتى ما مر منها في عدم جواز طلاق الحائض (٥) وأنه مخالف للسنة لقوله تعالى (٦) ( فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ) ـ المعتبرة سندا الصريحة دلالة المعتضدة بعمل الأصحاب بل وبقوله تعالى ( فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ) ـ المعتبرة سندا الصريحة دلالة المعتضدة بعمل الأصحاب بل وبقوله تعالى (٧) :

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب العدد الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب العدد الحديث ٤ وذكر ذيله في الباب ـ ١٦ ـ منها الحديث ٣.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب العدد الحديث ١٠.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب العدد الحديث ١١.

(٥) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب مقدمات الطلاق.

(٦) سورة الطلاق : ٦٥ ـ الآية ١.

(٧) سورة الطلاق : ٦٥ ـ الآية ١.

٢٢١

( فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ) بناء على ما سمعته سابقا من تواتر النص (١) بعدم صحة الطلاق في الحيض عدا ما استثني ، فيراد حينئذ من العدة الطهر ، أي طلقوهن وقت اعتدادهن وهو كونهن في طهر لم يواقعن فيه ، بل عن‌ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) قراءة « قبل عدتهن » بل في جملة من نصوصنا (٣) تفسيره بذلك ، ومع ذلك كله فهي مخالفة للمروي (٤) كذبا عن علي عليه‌السلام ، كما أومأت هي إليه.

بل منه يعلم حينئذ وجه حمل النصوص المقابلة لها على التقية في ذلك الوقت ـ ولا ينافيه موافقة بعض العامة في الأزمنة المتأخرة للخاصة في كون العدة بالأطهار ـ نحو‌ صحيح الحلبي (٥) عن الصادق عليه‌السلام « عدة التي تحيض ويستقيم حيضها ثلاثة أقراء ، وهي ثلاث حيض » ومثله مضمر أبي بصير (٦) مع احتمالهما عدم استيفاء الحيضة الثالثة ، وموثق القداح (٧) عنه أيضا عن أبيه عليهما‌السلام : « قال : قال علي عليه‌السلام : إذا طلق الرجل المرأة فهو أحق بها ما لم تغتسل من الثالثة » وقد سمعت تصريحه بأن ذلك مكذوب على علي عليه‌السلام ، فلا ريب في أن المراد أنهم يروون ذلك عن علي عليه‌السلام أو قاله تقية ، خصوصا بعد ما سمعت من النصوص الكثيرة المتضمنة للرواية عن علي عليه‌السلام خلاف ذلك.

وكذا‌ مرسل إسحاق بن عمار (٨) عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : « جاءت امرأة‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب مقدمات الطلاق.

(٢) سنن البيهقي ج ٧ ص ٣٢٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٥ و ٦ و ٧.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب العدد الحديث ١ و ١٩.

(٥) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب العدد الحديث ٧.

(٦) أشار إليه في الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب العدد الحديث ٧ وذكره في الاستبصار ج ٣ ص ٣٣٠.

(٧) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب العدد الحديث ١٢.

(٨) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب العدد الحديث ١٣.

٢٢٢

إلى عمر تسأله عن طلاقها ، قال : اذهبي إلى هذا فاسأليه ـ يعني عليا عليه‌السلام ـ فقالت لعلي عليه‌السلام : إن زوجي طلقني ، قال : غسلت فرجك؟ فرجعت إلى عمر فقالت أرسلتني إلى رجل يلعب ، قال : فردها إليه مرتين كل ذلك ترجع فتقول : يلعب ، قال : فقال لها : انطلقي إليه فإنه أعلمنا قال : فقال لها علي عليه‌السلام : غسلت فرجك؟ قالت : لا ، قال : فزوجك أحق ببضعك ما لم تغسلي فرجك » بناء على أن المراد غسل الفرج من الحيض ، وحينئذ يكون كالخبر السابق محمولا على التقية بذكر الرواية عن علي عليه‌السلام وإن كانت كذبا ، كما تضمنته النصوص (١) السابقة.

وصحيح ابن مسلم (٢) عن أبى جعفر عليه‌السلام « في الرجل يطلق امرأته تطليقة على طهر من غير جماع ، يدعها حتى تدخل في قرئها الثالث ويحضر غسلها ثم يراجعها ويشهد على رجعتها ، قال : هو أملك بها ما لم تحل لها الصلاة. » وخبر الحسن بن زياد (٣) عن أبى عبد الله عليه‌السلام « هي ترث وتورث ما كان له الرجعة من التطليقتين الأولتين حتى تغتسل » محمولان على التقية أيضا في ذلك الزمان ، باعتبار شهرة الرواية المكذوبة على علي عليه‌السلام في ذلك كما سمعت التصريح به من أبى جعفر عليه‌السلام في عدة نصوص (٤) معتبرة ، فلا إشكال حينئذ بحمد الله في المسألة.

وما عن المفيد ـ من الجمع بينها بأنه إذا طلقها في آخر طهرها اعتدت بالحيض ، وإن طلقها في أوله اعتدت بالأطهار ، مع أنه فرع التكافؤ المفقود من وجوه ـ لا شاهد له وإن استقر به الشيخ فيما حكي عنه ، وتبعه بعض متأخري المتأخرين.

ثم لا يخفى عليك عدم الفرق في العدة بالأقراء بين مطلقة ومفسوخة النكاح من قبله أو قبلها ، بل والموطوءة شبهة بلا خلاف أجده فيه ، بل الظاهر ثبوت عدة الطلاق بها أو بالأشهر على حسب ما تسمعه من أقرائها ، لأنها المتيقن في الخروج عن حكم العدة الثابت بسببها الذي قد عرفته سابقا ، وهو إدخال الحشفة أو الماء ،

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب العدد الحديث ١ و ١٩.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب العدد الحديث ١٥.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب العدد الحديث ١٦.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب العدد الحديث ١ و ١٩ بأسانيد متعددة.

٢٢٣

وكان الاقتصار على ذكر المطلقة في المتن ونحوه لكونها الأصل في هذه العدة ، باعتبار ذكرها في الخصوص كتابا (١) وسنة (٢) إلا أن الظاهر ثبوتها لمن عرفت ولو لكونها الأصل في العدة ، أو لتوقف اليقين على الخروج منها عليها بعد فرض حصول السبب.

كما أنه لا يخفى عليك بعد الإحاطة بما تقدم في كتاب الحيض من الطهارة معرفة عدد أيام القرء في ذات العادة ، وفي غيرها حتى في الدمية التي لا عادة لها ، وترجع في تعيين حيضها إلى التمييز ، ومع عدمه فإلى عادة نسائها ، وإلا فثلاثة من شهر وعشرة من آخر ، أو سبعة من كل شهر ، ضرورة بناء ما هنا على ما هناك ، كما هو واضح بأدنى التفات.

ولا فرق في ذلك بين الحيض الطبيعي وبين ما جاء بعلاج ، وكذا الطهر ، لتحقق الصدق عرفا مع احتمال جعل المدار على المعتاد ، لكن لم أجد لأحد من أصحابنا.

وكذا لا فرق بين الحيض والنفاس الذي هو كالحيض ، وما في النصوص (٣) السابقة من أن القرء ما كان بين الحيضتين محمول على الغالب ، أو على إلحاق ما هو كالحيض به ، وحينئذ فالمراد به المدة التي بين حيضتين أو حيض ونفاس ، فلو طلقها بعد الوضع قبل أن تر دما ثم رأته لحظة ثم رأت الطهر عشرا ثم رأت الحيض ثلاثا كان ما بينهما طهر (٤) بل في المسالك « أو نفاسين » ويمكن فرضه في نفاس حمل لا يعتبر وضعه في العدة كأحد التوأمين إذ طلقها بينهما قبل النفاس من الأول.

وعلى كل حال فذلك كله إذا كانت المعتدة حرة سواء كانت تحت حر‌

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٢٨.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ وغيره من أبواب العدد.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب العدد.

(٤) هكذا في النسختين المسودة بقلمه الشريف ( قده ) والمبيضة ومراده « ثم رأت الحيض ثلاثا ثلاثا كان ما بينهما طهر ».

٢٢٤

أو عبد بلا خلاف أجده ، لما عرفت سابقا من أن المدار في العدة النساء لا الرجال نصا (١) وفتوى ، ولو كانت أمة فقرءان كما ستعرف وإن كانت تحت حر.

وفي المبعضة وجهان ، من تغليب الحرية ، وأصالة بقاء العدة إلى أن يعلم الانتقال ، وبقاء التحريم إلى أن يعلم الحل ، ومن أصالة البراءة من الزائد ، واستصحاب عدمه إلى أن يثبت الناقل بحريتها أجمع ، والأول أقوى ، خلافا للمحكي عن الشافعية فالثاني.

ثم إن ظاهر الكتاب العزيز (٢) اعتبار جميع مدة ما بين الحيضتين في الطهر ، لتوقف صدق الأقراء الثلاثة على ذلك ، بل ربما كان ذلك ظاهر ما ورد (٣) في تفسير قوله تعالى (٤) ( فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ) من أنه الطلاق قبل العدة ، لكن صريح الأصحاب على وجه لا يعرف فيه خلاف بينهم ـ بل يمكن دعوى الإجماع عليه ـ الاكتفاء في القرء الأول بلحظة منه بعد الطلاق ، بل لعله ظاهر النصوص (٥) السابقة أو صريحها أيضا ، ضرورة اكتفائها في خروج المطلقة في الطهر من العدة برؤية الدم الثالث ، سواء كان طلاقها في ابتدائه أو وسطه أو آخره.

وحينئذ فـ ( لو طلقها وحاضت بعد الطلاق بلحظة احتسبت تلك اللحظة قرءا ثم أكملت قرءين آخرين ، فإذا رأت الدم الثالث فقد قضت العدة ) لما عرفت ، لا لأن بعض القرء مع قرءين تامين يسمى الجميع ثلاثة قروء ، نحو قول القائل : « خرجت لثلاث مضين » مع أن خروجه في بعض الثالث ، ونحو قوله تعالى (٦) ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ ) والمراد شوال وذي القعدة وبعض ذي الحجة ،

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤١ ـ من أبواب العدد.

(٢) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٢٨.

(٣) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٦ و ٧.

(٤) سورة الطلاق : ٦٥ ـ الآية ١.

(٥) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب العدد.

(٦) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ١٩٧.

٢٢٥

ضرورة كون ذلك مجازا محتاجا إلى القرينة.

على أنه منقوض بما لو تم الأولان وأضيف إليهما بعض الثالث ، بأن طلقها قبل الحيض بلا فصل واتصل بآخره ، فان القرء الأول إنما يحسب بعد الحيض مع اعتبار كمال الثالث إجماعا ، ولا يكفى دخولها فيه ، وآية الحج قد عرفت في محله أن المراد منها تمام ذي الحجة ، ولو لصحة استدراك بعض الأفعال فيه ، كما عرفته في محله.

فبان حينئذ بذلك أن احتساب بعض القرء الأول وإن قل قرء في العدة ، للأدلة الخاصة ، وهي ظاهر النصوص (١) السابقة وغيره ، خصوصا بعد معلومية عدم اشتراط صحة الطلاق بوقوعه في آخر الجزء الأول على وجه يكون ابتداء العدة الطهر الذي هو بعد الحيض ، ولا بوقوعه في ابتداء الطهر الأول على وجه لا يمضي منه إلا مقدار زمان وقوع الطلاق كما هو واضح.

نعم قد أطلق غير واحد من الأصحاب خروجها من العدة برؤية الدم الثالث كالنصوص (٢) لكن قيده المصنف بقوله هذا إذا كانت عادتها مستقرة بالزمان أي مضبوطة الوقت ، سواء كانت مع ذلك مضبوطة العدد أو لا وإن لم تكن كذلك بأن اختلفت صبرت إلى انقضاء أقل الحيض ، أخذا بالاحتياط وفيه إن الظاهر بناء المسألة على ما تقدم في كتاب الطهارة من التحيض برؤية الدم مطلقا لذات العادة وغيرها ، لقاعدة الإمكان ، وأصالة الحيض في دم النساء ، أو اختصاص ذلك بذات العادة الوقتية دون غيرها ، فلا تتحيض إلا بعد مضي ثلاثة.

وأما احتمال وجوب الصبر هنا وإن قلنا بالتحيض بالرؤية في ترك الصلاة والصوم فلا دليل عليه ، والاحتياط المزبورة أقصى مراتبه الندب ، بل مقتضاه الصبر حتى في ذات العادة لإمكان تخلفها ، بل وبعد الثلاثة في غيرها لإمكان استمرار الدم‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب العدد.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب العدد.

٢٢٦

ورجوعها إلى التمييز المقتضي كون الحيض آخر الدم أو وسطه وغير ذلك.

وما أبعد ما بين القول بوجوب الصبر المزبور في خصوص المقام للاحتياط في الأنساب وبين القول بعدمه فيه وإن قلنا به في خصوص الصلاة ، باعتبار إطلاق النصوص (١) هنا خروجها بالدم الثالث الذي هو طبيعة الدم المتحقق بمجرد رؤيتها ، وإن كان فيه أيضا أنها مساقة لبيان خروجها بالدم الذي هو حيض ، فاللام فيه للعهد الذهني حقيقة لا الجنس ، فالتحقيق بناء المسألة على ما سمعته في كتاب الطهارة ، والاحتياط العام طريقه غير خفي ، كما هو واضح.

وكيف كان فقد ظهر لك مما ذكرناه أن أقل زمان تنقضي به العدة لذات الحيض ستة وعشرون يوما ولحظتان : إحداهما بعد الطلاق من الطهر الذي وقع فيه ، والثانية من الحيض الثالث ، لكن الأخيرة ليست من العدة ، وإنما هي لل دلالة على الخروج منها ، فاعتبارها حينئذ مقدمة لحصول العلم بذلك ، ضرورة أن العدة الأقراء بمعنى الأطهار وليست اللحظة المتأخرة من الطهر قطعا كالقطع بعدم اعتبار شي‌ء زائد على الطهر.

ولكن قال الشيخ ره : هي من العدة لأن الحكم بانقضاء العدة موقوف على تحققها وتظهر الثمرة على القولين في التوارث لو فرض موتها أو موته في هذه اللحظة ، وفي الرجوع بها فيها ، وفي العقد عليها فيها.

ولا ريب أن الأول أحق لما عرفت ، بل مقتضى ما سمعته من التعليل خروجها أيضا ، ضرورة عدم مدخلية ما توقف عليه الحكم بالانقضاء فيما اعتبر انقضاؤه ، بل قد ينتقل من التعليل المزبور كون النزاع لفظيا ، وذلك لعدم التحقق الخارجي في الزمان الحكمي الكائن بين الطهر والحيض على وجه تترتب عليه الثمرات المزبورة ، لعدم إمكان تعرف آخر زمان الطهر المتصل بأول زمان الحيض ، نحو ما قلناه في آخر جزء النهار المتصل بأول جزء الليل ، فمراد الشيخ بكونها من العدة هذا المعنى أو ما يقرب منه ، ضرورة كون المراد من اللحظة الجزء الزماني من حصول الدم المتصل‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب العدد.

٢٢٧

بالجزء الزماني قبله ، ولا يكاد يتحقق في الخارج على وجه تترتب عليه الثمرات ، فتأمل جيدا.

هذا كله في ذات الحيض وإلا فقد يتصور انقضاء العدة بالأقل من ذلك في ذات النفاس ، بأن يطلقها بعد الوضع قبل رؤية الدم بلحظة ، ثم ترى النفاس لحظة ، لأنه لأحد لأقله عندنا ، ثم ترى الطهر عشرة ، ثم ترى الدم ثلاثا ، ثم ترى الطهر عشرا ، ثم ترى الدم ، فيكون مجموع ذلك ثلاثة وعشرين يوما وثلاث لحظات ، لحظة بعد الطلاق ، ولحظة النفاس ، ولحظة الدم الثالث التي فيها ما عرفت ، والله العالم.

ولو طلقها في الحيض على الوجه الذي قد مضى في الشرائط لم يقع الطلاق عندنا.

ولو وقع في الطهر ثم حاضت مع انتهاء التلفظ بحيث لم يحصل زمان يتخلل الطلاق والحيض صح الطلاق ، لوقوعه في الطهر المعتبر ، ولم تعتد بذلك الطهر ، لأنه لم يتعقب الطلاق حتى يكون عدة له ، إذ لا وجه لاعتدادها بما وقع فيه الطلاق ، لعدم صدق كونها مطلقة إلا بعده وحينئذ فـ ( تفتقر في انقضاء عدتها إلى ثلاثة أقراء مستأنفة بعد الحيض وذلك لا يكون ) إلا برؤية الدم الرابع ، بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك بعد تحقق الغرض ، ولولاه لأمكن الإشكال في صحة الطلاق المزبور بعدم صدق كونه للعدة المراد به طلاقها في طهر يكون عدة لها ، خصوصا مع ملاحظة النصوص (١) الواردة في تفسيرها (٢) بل قد عرفت سابقا اقتضاءها وقوع الطلاق أول الطهر لتحقق الأقراء الثلاثة ، بعد العلم باغتفار مقدار زمان الطلاق من الأول منها ، ولو لاشتراط صحة الطلاق بوقوعه في الطهر ، والتزام وقوعه في آخر الأول أو في أثنائه مع عدم الاعتداد به مناف لصريح الأدلة المقتصر فيها ولو بسبب‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٥ و ٦ و ٧ والباب ـ ٢ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ١.

(٢) سورة الطلاق : ٦٥ ـ الآية ١.

٢٢٨

إطلاقها على احتسابه من العدة مع الوقوع في أثنائه وإن قل ، أما مع الوقوع في آخره الحقيقي فهو وإن صدق كون الطلاق في الطهر لكن لا يصدق أنه في الطهر الذي يكون عدة ، كما هو واضح ، والله العالم.

( فرع : )

لو اختلفا فقالت : كان قد بقي من الطهر جزء بعد الطلاق لتحتسب به قرءا فتقصر العدة بذلك وأنكر هو ذلك ، لتحصيل طول مدة العدة التي يكون له الرجوع والتوارث وغيرهما فيها ( فـ ) لا ريب في أن القول قولها لما عرفته سابقا نصا (١) وفتوى من أنها أبصر بذلك منه ، ومن أن المرجع في الطهر والحيض إليها وبهما يخرج عن أصالة بقاء العدة واستصحاب الزوجية ، لكن ليس له مطالبتها بما دفع إليها من النفقة أخذا له باعترافه ، كما أنه ليس لها مطالبته بها إن لم يكن قد دفعها لها أخذا باعترافها ، بل قد يقال في الأول مع فرض بقاء عينها بكونها من مجهول المالك ينتظر بها اتفاقهما أو الصدقة به عنهما.

هذا وفي المسالك « احتمال جواز أخذها منها في الأول بمعلومية اشتراط استحقاق المطلقة رجعيا النفقة ببقائها على الطاعة كالزوجية ، وبدعواها البينونة لا يتحقق التمكين من طرفها ، فلا تستحقها على كل حال ، ولا يكون كالمال الذي لا يدعيه أحد ، لأن مالكه معروف » وفيه منع كون ذلك نشوزا مسقطا للنفقة المستحقة عليه باعترافه ، فتأمل جيدا ، والله العالم.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب العدد والباب ـ ٤٧ ـ من أبواب الحيض من كتاب الطهارة.

٢٢٩

( الفصل الثالث )

( في ذات الشهور )

فنقول : لا إشكال ولا خلاف في أن التي لا تحيض خلقة أو لعارض وهي في سن من تحيض تعتد من الطلاق والفسخ مع الدخول بثلاثة أشهر إذا كانت حرة بل في كشف اللثام الاتفاق عليه ، لقوله تعالى (١) ( وَاللاّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ ، وَاللاّئِي لَمْ يَحِضْنَ ) المتناول آخره للفرض ، بل وأوله بناء على ما ستعرف ، وللنصوص (٢) المستفيضة أو المتواترة ، كصحيح الحلبي أو حسنه (٣) عن الصادق عليه‌السلام « عدة المرأة التي لا تحيض والمستحاضة التي لا تطهر ثلاثة أشهر » وغيره.

بل يندرج في ذلك من بلغت التسع ما دامت لم تصل إلى وقت الحيض عادة ، بل وإن بلغته ، فان عدتها ما دامت لا تحيض ذلك ، نعم لو فرض عروض الحيض لها قبل مضى ثلاثة أشهر على وجه يحصل لها ثلاثة أقراء ليس بينهن ثلاثة أشهر بيض تكون حينئذ من ذوات الأقراء ، كما أن ذوات الأقراء لو فرض عروض مانع لهن من ذلك على وجه لم يحصل لها الأقراء الثلاثة على الوجه المزبور تكون من ذوات الشهور ، لما ستعرف من أن العدة أحد أمرين : الأقراء الثلاثة أو الشهور ، وأيهما سبق كان الاعتداد به وإن لم تكن الشهور متصلة بالطلاق على الأصح الذي ستسمع تحقيقه.

وإنما المراد هنا بيان عدة التي لا تحيض وهي في سنن من تحيض ما دامت على‌

__________________

(١) سورة الطلاق : ٦٥ ـ الآية ٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب العدد.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب العدد الحديث ٧.

٢٣٠

وصف عدم الحيض وهي ما عرفت كتابا وسنة وإجماعا ، من غير فرق بين الطلاق والفسخ وغيرهما من أنواع الفراق ، بل ووطء الشبهة عدا الوفاة على نحو ذات الأقراء ، كما هو واضح.

وما في‌ خبر الغنوي (١) مما ينافي ما ذكرنا « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن جارية طلقت ولم تحض بعد فمضى لها شهران ثم حاضت أتعتد بالشهرين؟ قال : نعم ، وتكمل عدتها شهرا ، فقلت : أتكمل عدتها بحيضة؟ قال : لا بل بشهر ، يمضي آخر عدتها على ما مضى عليه أولها ». وخبر ابن سنان (٢) عنه عليه‌السلام « في الجارية التي لم تدرك الحيض ، قال : يطلقها زوجها بالشهور ، قيل : فان طلقها تطليقة ثم مضي شهر ثم حاضت في الشهر الثاني ، فقال إذا حاضت بعد ما طلقها بشهر ألغت ذلك الشهر واستأنفت العدة بالحيض ، فان مضى بعد ما طلقها شهر ان ثم حاضت في الثلاثة تمت عدتها بالشهور ، فإذا مضى لها ثلاثة أشهر فقد بانت منه ، وهو خاطب من الخطاب ، وهي ترثه ويرثها ما كانت في العدة » مطرح إذ لم أجد عاملا به.

وبذلك ظهر لك أن لا عدة لمثل الفرض إلا بالثلاثة ، بل وغيره ممن يأتيها الدم عادة أو اتفاقا في الأزيد من الثلاثة أشهر ، إذ احتمال اعتدادها بالأقراء ـ لو فرض حصول طهر لها قبل الثلاثة وإن طالت مدتها إلى السنة أو السنتين فصاعدا ، لانحصار اعتدادها حينئذ بها بعد انتفاء التلفيق المختص ببالغة سن اليأس ، كما ستعرف ، وبعد انتفاء الثلاثة ، باعتبار اشتراط اتصالها بالطلاق ، وإلا لزم كون الاعتداد بالأزيد من الثلاثة ، وهو ما تقدمها معها بل لعل المنساق من‌ قوله عليه‌السلام (٣) : « أي الأمرين سبق » الاتصال ـ واضح الفساد ، ضرورة ظهور ما تسمعه من الأدلة في الاعتداد بها وإن كانت منفصلة ، خصوصا مع ملاحظة المفهوم فيما هو العمدة من صحيح جميل (٤) الاتي ، ولا يضر إضافة ما تقدمها إليها في الاعتداد ، من حيث معلومية‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب العدد الحديث ٩.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب العدد الحديث ٧.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب العدد الحديث ٣.

(٤) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب العدد الحديث ٥.

٢٣١

احتساب ما قارن الطلاق من الزمان منها ، ولو لقوله تعالى (١) ( فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ) ولا ينافي ذلك كونها معتدة بالثلاثة أشهر أيضا ، كما هو واضح بأدنى تدبر.

بل من تأمل ما يأتي من النصوص (٢) المتضمنة لاعتدادها بها في ذات العادة التي هي خمسة أشهر أو ستة أو سنة أو أزيد أو أنقص يكاد يقطع بما ذكرنا ، ضرورة أن من أفرادها ما لو طلقها في قريب عادتها بحيث يأتيها الدم قبل الثلاثة ثم يتأخر إلى السنة مثلا ، والله العالم.

وكيف كان فـ ( في اليائسة ) التي بلغت سن اليأس خمسين أو ستين أو الأول إن لم تكن قرشية أو نبطية وإلا فالثاني والتي لم تبلغ التسع الذي هو أول سن إمكان الحيض روايتان إحداهما أنهما تعتدان بثلاثة أشهر وهي‌ مضمرة أبي بصير (٣) « عدة التي لم تبلغ المحيض ثلاثة أشهر ، والتي قعدت عن المحيض ثلاثة أشهر » وخبر ابن سنان (٤) عن الصادق عليه‌السلام « في الجارية التي لم تدرك الحيض يطلقها زوجها بالشهور » وخبر هارون بن حمزة الغنوي (٥) سأله « عن جارية حدثة طلقت ولم تحض بعد ، فمضى لها شهر ان ثم حاضت ، أتعتد بالشهرين؟ قال : نعم ، وتكمل عدتها شهرا ، قال : فقلت : أتكمل عدتها بحيضة؟ فقال : لا بل بشهر ، يمضي آخر عدتها على ما يمضى عليه أولها » وخبر أبى بصير (٦) عنه عليه‌السلام « عدة التي لم تحض المستحاضة التي لا تطهر ثلاثة أشهر » مضافا إلى صحيح الحلبي (٧) السابق وغيره ، بل والآية (٨) كما ستعرف ، وهو خيرة ابن سماعة والمرتضى وابن شهرآشوب فيما حكي عنه ، واحتاط فيه ابن زهرة.

__________________

(١) سورة الطلاق : ٦٥ ـ الآية ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب العدد.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب العدد الحديث ٦.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب العدد الحديث ٧.

(٥) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب العدد الحديث ٩.

(٦) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب العدد الحديث ٩.

(٧) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب العدد الحديث ٧.

(٨) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٢٨.

٢٣٢

والرواية الأخرى لا عدة عليهما وهي‌ حسنة زرارة (١) عن الصادق عليه‌السلام « في الصبية التي لا تحيض مثلها والتي قد يئست من المحيض ليس عليهما عدة وإن دخل بهما » وموثقة عبد الرحمن بن الحجاج (٢) عنه عليه‌السلام أيضا « ثلاث يتزوجن على كل حال : التي لم تحض ومثلها لا تحيض قلت : وما حدها؟ قال : إذا أتى لها أقل من تسع سنين ، والتي لم يدخل بها ، والتي قد يئست من المحيض ومثلها لا تحيض ، قلت : وما حدها؟ قال : إذا كان لها خمسون سنة » وصحيح حماد بن عثمان (٣) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن التي يئست من المحيض والتي لا تحيض مثلها ، قال : ليس عليهما عدة » وحسنة محمد بن مسلم (٤) « سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول في التي يئست من المحيض يطلقها زوجها ، قال : بانت منه ، ولا عدة عليها » وحسنة محمد بن مسلم (٥) عنه عليه‌السلام أيضا « التي لا يحبل مثلها لا عدة عليها » إلى غير ذلك من النصوص التي يمكن دعوى تواترها.

فلا ريب في أن هذه هي الأشهر رواية بل وعملا ، بل لم نعرف القائل بالأولى عدا من سمعت ، بل ربما ظهر من غير واحد دعوى الإجماع في مقابله ، حتى أن الشيخ ره حكاه عن معاوية بن حكيم من متقدمي فقهائنا ، وعن جميع المتأخرين منهم.

والأصل في الخلاف الآية السابقة المحكي عن المرتضى الاستدلال بها ، بل هي العمدة له ، لأن المعلوم من مذهبه عدم عمله بمثل الأخبار السابقة ، بعد أن أورد على نفسه بأن فيها شرطا وهو قوله تعالى (٦) ( إِنِ ارْتَبْتُمْ ) وهو منتف عنهما ، ثم أجاب عنه بأن الشرط لا ينفع أصحابنا ، لأنه غير مطابق لما يشترطونه ، وإنما يكون نافعا لهم لو قال تعالى : « إن كان مثلهن يحيض في الآيسات وفي اللواتي لم يبلغن‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب العدد الحديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب العدد الحديث ٤.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب العدد الحديث ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب العدد الحديث ١.

(٥) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب العدد الحديث ٢.

(٦) سورة الطلاق : ٦٥ ـ الآية ٤.

٢٣٣

المحيض إذا كان مثلهن يحيض » وإذا لم يقل تعالى ذلك ، بل قال ( إِنِ ارْتَبْتُمْ ) وهو غير الشرط الذي شرطه أصحابنا فلا منفعة لهم به ، على أن الذي قاله جمهور المفسرين وأهل العلم بالتأويل كون المراد به « إن كنتم مرتابين في عدة هؤلاء النساء وغير عالمين بمبلغها فهي هذه ».

ويؤيده ما‌ روي (١) في سبب نزول الآية « أن أبي بن كعب قال : يا رسول الله إن عددا من عدد النساء لم تذكر في الكتاب : الصغار والكبار وأولات الأحمال ، فأنزل الله تعالى الآية » فكان هذا دالا على أن المراد بالارتياب ما ذكرناه ، لا الارتياب بأنها آيسة أو غير آيسة ، لأنه تعالى قد قطع في الآية على اليأس من المحيض ، فالمشكوك في حالها والمرتاب في أنها تحيض أو لا تحيض لا تكون آيسة ، على أنه لو كان المراد ذلك لكان حقه أن يقول « إن ارتبتن » لأن المرجع في ذلك إليهن ، ولما قال ( إِنِ ارْتَبْتُمْ ) علم إرادة الارتياب بالمعنى الذي ذكرناه.

وفيه أنه خلاف الظاهر من التعبير بالارتياب إذ لو كان ذلك المراد لكان المناسب التعبير بالجهل ، على أن جميع الأحكام واردة على حال الجهل بها ، فتكون حينئذ لا فائدة فيه ، وخبر أبي ـ مع أنه مقدوح فيه بأنه إن صح لزم تقدم عدة ذوات الأقراء ، مع أنها إنما ذكرت في البقرة (٢) وهي مدينة ، وتلك الآية في الطلاق (٣) وهي مكية في المشهور ـ لا يتعين في غير البالغة واليائسة ، وأما ما حكاه عن جمهور المفسرين وأهل العلم بالتأويل فهو معارض بما في المحكي‌ عن مجمع البيان في تفسيرها ، قال : « فلا تدرون لكبر ارتفع حيضهن أم لعارض فعدتهن ثلاثة أشهر ، وهن اللواتي أمثالهن يحضن ، لأنهن لو كن في سن من لا تحيض لم يكن للارتياب معنى ، وهذا هو المروي عن أئمتنا عليهم‌السلام (٤) ». وفي‌ صحيح الحلبي أو حسنه (٥) عن الصادق عليه‌السلام « سألته عن‌

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٧ ص ٤١٤ و ٤٢٠.

(٢) الآية ٢٢٨.

(٣) الآية ٤.

(٤) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب العدد الحديث ٢٠.

(٥) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب العدد الحديث ٧.

٢٣٤

قول الله عز وجل ( إِنِ ارْتَبْتُمْ ) ما الريبة؟ فقال : ما زاد على شهر فهو ريبة ، فلتعتد بثلاثة أشهر ، ولتترك الحيض ، وما كان في الشهر لم يزد في الحيض على ثلاث حيض فعدتها ثلاث حيض ».

ومن ذلك كله يعلم أن المراد بالارتياب غير ما ذكره ، ولا يبعد ذلك التعبير باليأس ، لجواز أن لا يراد به ما هو المعروف عند الفقهاء ، ولا الرجوع إليهن في الحيض وعدمه ، لأن ارتيابها يوجب ارتيابنا إذا رجعنا إليها ، بل قيل : إن الرجوع إليها في اليأس المعتبر شرعا ممنوع ، فإنه في الحقيقة خبر عن السن.

بل لعل التأمل الجيد في الآية الشريفة يقتضي استفادة حكم عدة أربع نساء منها مفهوما ومنطوقا ، ضرورة أن اليائسة المرتاب فيها تعتد بثلاثة أشهر ، وأما التي لا ريبة فيها وهي البالغة سن اليأس فلا عدة لها ، لا الثلاثة ولا الأقراء المعلوم حصر العدة بهما ، وأما التي لا تحيض المقدر فيها الشرط أيضا فالمرتاب فيها وهي البالغة سن الحيض فثلاثة أيضا ، وأما التي لا ارتياب فيها وهي غير البالغة ذلك فلا عدة لها على الوجه المزبور ، ولعله المراد من المحكي عن أبي ، فان الصغار والكبار شامل للجميع ، وبذلك يتم الفائدة من الآية الشريفة ، وعلى كل حال فلا ريب في أن الظاهر منها خلاف ما ادعاه.

وأما الأخبار فمع رجحان غيرها عليها من وجوه ـ منها مخالفة العامة ـ لا بأس بحملها على إرادة من بلغت سن الحيض ولكن لم تحض ، أو انقطع حيضها ولكن لم تبلغ سن اليأس.

وبذلك كله ظهر لك الوجه فيما تسمعه من النصوص من كون العدة أحد الأمرين : الأقراء أو الأشهر ، أيهما سبق كان الاعتداد بها ، ضرورة كون المستفاد من آية الأقراء (١) وآية الأشهر (٢) ذلك ، فتأمل جيدا.

وحد اليأس أن تبلغ المرأة خمسين سنة وقيل : ستين سنة وقيل :

__________________

(١) سورة البقرة ٢ ـ الآية ٢٢٨.

(٢) سورة الطلاق : ٦٥ ـ الآية ٤.

٢٣٥

في القرشية والنبطية : ستين وفي غيرهما خمسين ، وقد مضى تحقيق القول في ذلك في كتاب الطهارة ، فلاحظ وتأمل.

ولو كان التي لا تحيض مثلها يحيض بمعنى أن انقطاع الدم عنها لأمر لم يعلم حاله اعتدت بثلاثة أشهر إجماعا إن لم تسبقها أقراء ثلاثة لم يكن بين الحيضتين منها ثلاثة أشهر بيض وذلك لأن هذه تراعي الشهور والحيض ، فان سبقت الأطهار فقد خرجت العدة ، وكذا إن سبقت الشهور ، لقول أبي جعفر عليه‌السلام في صحيح جميل عن زرارة (١) « أمران أيهما سبق بانت به المطلقة المسترابة تستريب الحيض ، إن مرت بها ثلاثة أشهر بيض ليس لها دم بانت به ، وإن مرت ثلاث حيض ليس بين الحيضتين ثلاثة أشهر بانت بالحيض ، قال ابن أبي عمير : قال جميل : وتفسير ذلك إن مرتب بها ثلاثة أشهر إلا يوما فحاضت ثم مرت بها ثلاثة أشهر إلا يوما فحاضت ثم مرت بها ثلاثة أشهر إلا يوما فحاضت فهذه تعتد بالحيض على هذا الوجه ، ولا تعتد بالشهور ، وإن مرت بها ثلاثة أشهر بيض لم تحض فيها فقد بانت » وقول أحدهما عليهما‌السلام في موثق زرارة (٢) : « أي الأمرين سبق إليها فقد انقضت عدتها ، إن مرت ثلاثة أشهر لا ترى فيها دما فقد انقضت عدتها ، وإن مرت ثلاثة أقراء فقد انقضت عدتها ».

هذا ولكن قد يتوهم من عبارة المصنف وما شابهها كقواعد الفاضل وغيرها اختصاص هذه ـ وهي التي يرتفع طمثها ولم يعلم ما الذي رفعه المعبر عنها بمثلها من تحيض ـ بالحكم المزبور ، ومن هنا توهم بعض الناس كالصيمري أن التي يعلم الوجه في رفع طمثها كالرضاع ونحوه تعتد بالأقراء وإن طالت مدتها ، وإن كان نحوه المحكي عن القاضي إلا أنه مخالف للنص والفتوى ، خصوصا المرضعة التي ورد فيها بالخصوص‌ خبر أبى العباس (٣) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل طلق امرأته بعد ما ولدت وطهرت ، وهي امرأة لا ترى دما ما دامت ترضع ، ما عدتها؟ قال : ثلاثة أشهر »

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب العدد الحديث ٥.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب العدد الحديث ٣.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب العدد الحديث ٦.

٢٣٦

مضافاً إلى معلومية صدق المسترابة التي تستريب الحيض عليها وعلى غيرها ممن بلغت سن الحيض ولم تحض.

بل قد عرفت تحقق الريبة في الصحيح (١) المزبور بتأخر الحيض عن شهر ، كما أنك قد عرفت النصوص (٢) المتضمنة للاعتداد بالثلاثة أشهر لمستقيمة الحيض إذا كان في أزيد من ثلاثة أشهر. ومن هنا يعلم الوجه في تفسير مستقيمة الحيض المتقدمة سابقا ـ التي ذكرنا اعتدادها بالأقراء ـ بمن لم يتأخر حيضها عادة عن الثلاثة أشهر كما سمعته في تفسير جميل.

وبذلك يتضح لك عموم الضابط المزبور لكل معتدة من الطلاق وما يلحق به ، وهو أي الأمرين سبق إليها اعتدت به ، من غير فرق بين أفرادها جميعها ، وإنما خص المصنف والفاضل المذكورة في الحكم المزبور ، لأن فرض الأولى أنها لا تحيض ، فليس لها حينئذ إلا ثلاثة أشهر ، أما مع فرض سبق الحيض إليها فلا ريب في أنها من ذوات الأقراء إذا كانت تأتيها قبل الثلاثة أشهر ، ولإرادة ترتيب الحكم الاتي ، وهو تربص تسعة أشهر الذي يمكن دعوى اختصاصه فيها دون غيرها ممن سبق إليها.

وهو الذي أشار إليه بقوله أما لو رأت في الثالث حيضا وتأخرت الثانية أو الثالثة صبرت تسعة أشهر ، لاحتمال الحمل بسبب التأخر المزبور.

ثم إن تم أقراؤها أو وضعت فذاك وإلا اعتدت بعد ذلك بثلاثة أشهر ، وهو أطول عدة والأصل فيه‌ خبر سورة بن كليب (٣) « سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن رجل طلق امرأته تطليقة على طهر من غير جماع بشهود طلاق السنة ، وهي ممن تحيض ، فمضى ثلاثة أشهر ، فلم تحض إلا حيضة واحدة ، ثم ارتفعت حيضتها حتى مضت ثلاثة أشهر أخرى ، ولم تدر ما رفع حيضتها ، قال : إن كانت شابة مستقيمة الطمث فلم تطمث في ثلاثة أشهر إلا حيضة واحدة ثم ارتفع طمثها فما‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب العدد الحديث ٧.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٢ و ١٤ ـ من أبواب العدد.

(٣) الوسائل في الباب ـ ١٣ ـ من أبواب العدد الحديث ٢.

٢٣٧

تدري ما رفعها فإنها تتربص تسعة أشهر من يوم طلقها ، ثم تعتد بعد ذلك بثلاثة أشهر ، ثم تتزوج إن شاءت » المنجبر سنده بعمل الأصحاب.

لكنه كما ترى خاص بمستقيمة الحيض التي عرض لها ارتفاع الحيض ولم تعلم بسببه ، ومن المحتمل كونه الحمل ، إذ لا يرفع الحيض إلا فساد فيه أو حمل ، وكان المتجه انتظارها إلى تمام التسع التي تتم بها الأقراء أو ثلاثة أشهر بيض أو وضع الحمل ، ومن هنا اقتصر عليها ابن إدريس فيما حكي عنه ، إلا أنه طرح للخبر المزبور الذي قد سمعت انجباره بالعمل ، فالمتجه الجمود على موضوعه من غير تعد لما ينافي الضابط الذي ذكرناه ، وهو الاعتداد بأسبق الأمرين إليها.

وأما ما في رواية عمار (١) عن الصادق عليه‌السلام ـ من أنها تصبر سنة ثم تعتد بثلاثة أشهر‌ قال : « سئل عن رجل عنده امرأة شابة وهي تحيض كل شهرين أو ثلاثة أشهر حيضة واحدة كيف يطلقها زوجها؟ فقال : أمرها شديد ، تطلق طلاق السنة تطليقة واحدة على طهر من غير جماع بشهود ، ثم تترك حتى تحيض ثلاث حيض ، متى حاضت ثلاثا فقد انقضت عدتها ، قيل له : وإن مضت سنة ولم تحض فيها ثلاث حيض ، قال : إذا مضت سنة ولم تحض فيها ثلاث حيض يتربص بها بعد السنة ثلاثة أشهر ، ثم قد انقضت عدتها ، قيل : فان مات أو ماتت ، فقال : أيهما مات فقد ورثه صاحبه ما بينه وبين خمسة عشر شهرا » ـ فلم أجد عاملا به وإن أرسل القول به في بعض العبارات ، لكن لم أتحققه.

نعم في الإستبصار حمله على ضرب من الندب والاحتياط ، واستوجهه غير واحد ممن تأخر عنه ، وعنه في النهاية أنه نزلها على احتباس الدم الثالث.

وقال المصنف هو تحكم لعدم ما يشعر بذلك فيه ، لكن في كشف اللثام تعليله « بنصوصية الأولى في احتباس الثاني بخلاف الثانية ، فإنه قال : « لم تحض في السنة ثلاثا » ـ وهو أعم ـ مع أنه مناسب للاعتبار ، فإنها عند احتباس الثاني‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب العدد الحديث ١.

٢٣٨

تتربص تسعة أشهر للحمل وثلاثة للعدة ، كما هو قضية الخبر الأول ، وذلك إن لم تر دما في الثلاثة بعد التسعة ، فإن رأت دما في آخر الثلاثة أي آخر السنة لم يكن بد من التربص ثلاثة أخرى ، لتمر عليها بيضا ، أو مع الدم الثالث ، فليحمل الخبر الثاني عليه ، لأن السائل إنما ذكر أنها لم تحض في السنة ثلاثا ـ قال ـ : فاندفع ما في الشرائع من أنه تحكم من غير ابتناء على أن السنة أقصى مدة الحمل كما في النكت ».

إلا أنه لا يخفى عليك ما فيه ، ضرورة عدم ذكره ما يقتضي رفع التحكم الذي منشأه عدم إشعار الخبر المزبور بل ولا غيره باحتباس الدم الثالث الذي لا يناسبه إطلاق اعتبار الثلاثة أشهر ، لإمكان إثباته قبل مضيها ، على أن الأشهر البيض قد مرت في ضمن التسعة ، واحتمال الحمل لا ينافي الاعتداد بكونها عدة بعد معلومية العدم بانقضاء التسع أو السنة ، على أن احتباس الثاني أو الثالث لا مدخل له في هذه الأحكام ، لأن احتمال الحمل يوجب فساد اعتبار الاثنين ، كما يوجب فساد الواحدة ، وأقصى الحمل مشترك بين جميع أفراد النساء بالتسعة أو السنة أو غيرهما ، فالفرق بين جعل مدة التربص للعلم بالبراءة من الحمل سنة تارة وتسعة أخرى يرجع إلى التحكم إلا على احتمال تذكره في نصوص محمد بن حكيم (١) الاتية في دعوى الحبل إلى غير ذلك مما لا يخفى.

ومن هنا قال بعد ذلك : « وعلى كل من هذه الأقوال يخالف الحكم في هذه الصورة ما تبين سابقا من الاعتداد بأي الأمرين سبق من الأشهر الثلاثة البيض أو الأقراء الثلاثة ، فالملخص أنها إن رأت الدم مرة أو مرتين ثم ارتفع لليأس لفقت بين العدتين ، وإلا فإن استرابت بالحمل صبرت تسعة أشهر أو سنة أو خمسة عشر شهرا ، وإلا اعتدت بأسبق الأمرين ، وقريب منه قول القاضي إذا كانت المرأة ممن تحيض وتطهر وتعتد بالأقراء إذا انقطع عنها الدم لعارض من مرض أو رضاع لم تعتد بالشهور ، بل تتربص حتى تأتي بثلاثة قروء وإن طالت مدتها ، وإن انقطع لغير عارض ومضى لها ثلاثة أشهر بيض لم تر فيها دما فقد انقضت عدتها ، وإن رأت‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب العدد الحديث ٢ و ٣ و ٥.

٢٣٩

الدم قبل ذلك ثم ارتفع حيضها لغير عذر أضافت إليها شهرين ، وإن كان لعذر صبرت تمام تسعة أشهر ثم اعتدت بعدها بثلاثة أشهر ، فإذا ارتفع الدم الثالث صبرت تمام سنة ثم اعتدت بثلاثة أشهر بعد ذلك ».

والجميع كما ترى ضرورة أن ما ذكره في المخلص لا يوافق شيئا من الضوابط ، بل ولا الفتاوى ، لما ستعرف من أن مسترابة الحمل لا يجب عليها الصبر تسعة فضلا عن السنة والخمسة عشر شهرا ، وكذا قول القاضي الذي جعله قريبا من ذلك ، فان التفصيل المزبور فيه مناف لما عرفت ، وكذا إضافة الشهرين ، بل وغير ذلك.

وإنما المتجه الجمود على مضمون خبر سورة (١) المزبور ، لا أنه يجعل قاعدة كلية في كل مسترابة ، ضرورة مخالفته للضوابط من وجوه : ( منها ) اعتبار التسعة أشهر من حين الطلاق ، بناء على أن ذلك فيه لاحتمال الحمل ، كما يشعر به تعليل المصنف وغيره ، فإنه لا يطابق شيئا من الأقوال فيه ، لأن مدته في جميعها معتبرة من آخر وطء يقع بها ، لا من حين الطلاق ، فلو فرض أنه كان معتزلا لها أزيد من ثلاثة أشهر تجاوزت مدة أقصى الحمل على جميع الأقوال ، وقد يكون أزيد من شهر ، فيخالف القولين بالتسعة والعشرة.

اللهم إلا أن يقال المراد من آخر وطء تعقبه الطلاق بعد الاستبراء منه ، نحو ما وقع لهم من التعبير فيما تسمعه من الفرع الثالث الذي اعترف في المسالك بكون ذلك المراد لهم وإن وقع التعبير بما يوهم خلافه مساهلة ، فلاحظ وتأمل.

أو يقال : إن المراد بالنسبة إلى الحكم الظاهري إذا لم يعلم تقدم وطيه ، فإن حكم الفراش لا ينقطع عنه إلا بالطلاق ، فيلحظ المدة حينئذ فيه.

لكن فيه أن الطلاق الصحيح يقتضي سبق الوطء على الحيض ، لعدم صحته في طهر المواقعة ، فلا بد من تقدير زمان قبل الطلاق أقل ما يمكن فيه الوطء والحيض بعده ، كما صرح به في المسالك فيما يأتي.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب العدد الحديث ٢.

٢٤٠