جواهر الكلام - ج ٣٢

الشيخ محمّد حسن النّجفي

نعم لا عبرة بفعل الغافل والنائم ونحوهما مما لا قصد فيه للفعل ، كما لا عبرة بالفعل المقصود به غيرها ، مثل ما لو ظن أنها غير المطلقة فواقعها مثلا.

لكن في الحدائق وغيرها المفروغية من اعتبار قصد الرجوع بالفعل ، لأن الأحكام صحة وبطلانا وثوابا وعقابا دائرة مدار القصود ، وهو كما ترى لا يستأهل ردا ، ضرورة تحقق القصد إلى الفعل في المفروض ، لكن بدون قصد الرجوع ، وهو أمر زائد على أصل القصد بالفعل الذي يخرج به عن الساهي والنائم ونحوهما.

وكذا ما قيل من أن النكاح قد انفسخ بالطلاق ، فلا يجوز الاستمتاع إلا بعد الرجوع الذي أقل ما يتحقق به قصده ، إذ هو كالاجتهاد في مقابلة النص (١) والفتوى المصرحين ببقائها في العدة على حكم الزوجة ، الذي منه جواز وطئها من غير حاجة إلى قصد معنى رجوع.

وبذلك يظهر أن الأفعال رجوع وإن لم يقصد بها ذلك ، لا دالة على الرجوع ، كما صرح به في جملة من العبارات ، بل قيل إنه أقوى من اللفظ ، بل لعل مقتضى إطلاق النص (٢) والفتوى ذلك حتى مع قصد العدم أيضا ، فيسقط حينئذ ما ذكره في المسالك من التفريع من أنه « لو أوقع الوطء بقصد عدم الرجوع أو مع عدم قصد الرجوع فعل حراما ، لانفساخ النكاح بالطلاق وإن كان رجعيا ، لأن فائدة الرجعي جواز الرجوع فيه لا بقاؤه بحاله ، وإلا لم يبن بانقضاء العدة ، لكن لا حد عليه وإن كان عالما بالتحريم ، لعدم خروجها عن حكم الزوجية رأسا ، ولقيام الشبهة ، بل التعزير على فعل المحرم مع العلم لا مع الجهل بالتحريم ، ثم إن لم يراجعها فعليه مهر المثل ، لظهور أنها بانت بالطلاق ، إذ ليس هناك سبب غيره ، وإن راجعها بعد ذلك ففي سقوطه وجهان : من وقوع الوطء في حال ظهور خلل النكاح وحصول الحيلولة‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٦ والباب ـ ٢٠ ـ منها الحديث ١١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب حد الزنا الحديث ١ من كتاب الحدود.

١٨١

منهما ، ومن ارتفاع الخلل أخيرا وعودها إلى صلب النكاح الأول ، ومن ثم لو طلقها بائنا كان طلاق مدخول بها ، نظرا إلى الدخول الأول ، ولأن الرجعة رد النكاح الذي زال بطلان الزوج ، ومثله ما لو ارتدت المرأة بعد الدخول فوطأها الزوج في مدة العدة وعادت إلى الإسلام ، أو أسلم أحد المجوسيين أو الوثنيين ووطأها ثم أسلم المتخلف قبل انقضاء العدة وأولى هنا بعدم ثبوت المهر ، لأن أثر الطلاق لا يرتفع بالرجعة ، بل يبقى نقصان العدة ، فيكون ما بعد الرجعة وما قبل الطلاق بمثابة عقدين مختلفين ، وأثر الردة وتبديل الدين يرتفع بالاجتماع في الإسلام ، ويكون الوطء مصادفا للعقد الأول ، ولو قيل بوجوب المهر هنا وبعدمه في تبديل الدين كان حسنا ».

بل لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرنا في المرتد من أنه بالإسلام في العدة ينكشف البقاء على الزوجية ، ولعل المقام أولى ، من جهة كثيرة النصوص (١) بأن الرجعية في العدة زوجة المنزل على إرادة الحكم الزوجة الذي منه جواز وطئها ، بل ما ذكره أولا من عدم ترتب الحد عليه دليل على ما ذكرناه عند التأمل.

ولو أنكر الطلاق في العدة كان ذلك رجعة بلا خلاف أجده فيه بيننا ، بل الإجماع بقسميه عليه ، لأنه يتضمن التمسك بالزوجية بل في المسالك « هو أبلغ من الرجعة بألفاظها المشتقة منها وما في معناها ، لدلالتها على رفعه في غير الماضي ، ودلالة الإنكار على رفعه مطلقا ».

ولعل الأولى الاستدلال بصحيحة أبي ولاد (٢) عن أبى عبد الله عليه‌السلام « سألته عن امرأة ادعت على زوجها أنه طلقها تطليقة طلاق العدة طلاقا صحيحا ، يعنى على طهر من غير جماع وأشهد لها شهودا على ذلك ، ثم أنكر الزوج بعد ذلك ، فقال : إن كان إنكار الطلاق قبل انقضاء العدة فإن إنكاره للطلاق رجعة لها ، وإن كان أنكر الطلاق بعد انقضاء العدة فان على الامام أن يفرق بينهما بعد شهادة الشهود بعد ما‌

__________________

(١) الوسائل في الباب ـ ١ ـ من أبواب أقسام الطلاق والباب ـ ١٣ ـ منها الحديث ٦ والباب ٢٠ منها الحديث ١١ والباب ـ ١٨ و ٢٠ و ٢١ ـ من أبواب العدد.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ١.

١٨٢

يستحلف أن إنكاره الطلاق بعد انقضاء العدة ، وهو خاطب من الخطاب ».

وعن الفقه المنسوب إلى الرضا عليه‌السلام (١) « وأدنى المراجعة أن يقبلها أو ينكر الطلاق ، فيكون إنكار الطلاق رجعة » ولعل من ذلك يظهر عدم اعتبار قصد معنى الرجوع في الرجعة ، ضرورة أن إنكار أصل الطلاق مناف لقصد الرجعة به.

ومن هنا أشكل بعضهم الحكم المزبور بأن الرجعة مترتبة على الطلاق وتابعة له ، وإنكاره يقتضي إنكار التابع ، فلا يكون رجعة ، وإلا لكان الشي‌ء سببا في النقيضين ، ولا يحتاج إلى دفعه في المسالك « بأن الشارع إذا جعل إنكار الطلاق رجعة فقد قطع التبعية المذكورة ، أو يجعل الإنكار كناية عن الرجعة ، ولا يراد منه حقيقته ، فان المقصود حينئذ من إنكار الطلاق إعادة النكاح المتحقق في الرجعة بأي لفظ دل عليه ، وهذا منه ».

بل في الأخير منه ما لا يخفى من ظهور النص (٢) والفتوى بإرادة الحقيقة من الإنكار الذي يترتب عليه الرجوع ، بل في الأول أيضا ما لا يخفى إن كان المراد تحقق معنى الرجعة فيه ، لا أن المراد منه أنه رجعة شرعا وإن لم يتحقق معناها ولا قصده ولكن ذلك ليس بأولى من القول بعدم اعتبار إنشاء معنى الرجوع فيها ، بل يكفي فيها اللفظ الدال على كونها زوجة فعلا ، بل والفعل وإن لم يقصد معنى الرجوع ، وبذلك يتفق خبرا (٣) الإنكار والفعل ، بل يكفى فيه حينئذ قوله : « هي زوجتي الآن ».

وأما احتمال الاكتفاء في الرجعة بما يقتضيه الإنكار ويستلزمه ـ من الرغبة في الزوجية وإرادة البقاء على النكاح الأول ، وإلا لم ينكر زواله بالطلاق ، وهذا معنى قول المصنف : « لأنه يتضمن » أي يستلزمه ويقتضيه ـ فهو كما ترى ، وإن‌

__________________

(١) المستدرك الباب ـ ١٢ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ١ والباب ـ ٢٩ ـ من كتاب حد الزنا الحديث ١ من كتاب الحدود.

١٨٣

أيده بعضهم بأن إرادة الزوجية والرغبة فيها بعد إزالتها ضرب من الرجوع إليها وإن لم يكن بقول ولا فعل ، بل بمجرد الإرادة والمحبة المدلول عليها استلزاما بالإنكار ، إذ فيه أن مقتضى ذلك اعتبار أن لا يظهر منه عدم إرادة الرجوع ، من حيث أن المراجعة به إنما كانت باعتبار اقتضائه التمسك بالزوجية والرغبة فيها والميل إليها ، مع أن النص (١) وكلام الأصحاب مطلق.

فلا محيص حينئذ عن القول بأن الرجعة ليست من قسم الإيقاع ، ولا يعتبر فيها قصد معنى الرجوع ، بل يكفي فيها كل ما دل من قول أو فعل على التمسك بالزوجية فعلا وإن ذهل عن معنى الطلاق ، وهو مراد المصنف. ومن ذلك يعلم أنه لا وجه لكثير مما في كتب المتأخرين ومتأخريهم.

( ودعوى ) أن خصوص الوطء مثلا والإنكار رجعة تعبدا وإن لم يكن فيهما إنشاء ولا قصد معنى الرجوع بخلاف غيرهما من أفراد الرجعة المعتبر فيها إنشاء معنى الرجوع ( يدفعها ) أنه لا دليل معتد به على اعتبار ذلك فيها كي يلتزم إخراج هذين القسمين من بين أفرادها ، وقوله تعالى (٢) ( وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ ) كقوله تعالى (٣) ( فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ ) أو غيره أعم من اعتبار الأمرين المزبورين فيها ، فيبقى حينئذ ما يستفاد من تحققها بالإنكار والفعل مجردا عنهما من كون الرجعة مطلقا كذلك بحاله من غير معارض ، خصوصا بعد ظهور النص والفتوى في أن الرجعة شي‌ء واحد ، لا أنها أمران : أحدهما يعتبر فيه الإنشاء وقصد معنى الرجوع ، وهو ما عدا الأفعال والإنكار من الأقوال ، وربما كان في التأمل في كلمات الأساطين منهم في المقام وغيره قرائن كثيرة على ذلك.

وكيف كان فـ ( لا يجب الاشهاد ) في الرجعة بلا خلاف فيه بيننا ، بل الإجماع بقسميه عليه ، وهو الحجة ، مضافا إلى الأصل والنصوص (٤) المستفيضة‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ١.

(٢) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٢٨.

(٣) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٢٩.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب أقسام الطلاق.

١٨٤

أو المتواترة.

بل يستحب لحفظ الحق ورفع النزاع ، قال أبو جعفر عليه‌السلام في صحيح ابن مسلم (١) « إن الطلاق لا يكون بغير شهود ، وإن الرجوع بغير شهود رجعة ، ولكن ليشهد بعد فهو أفضل » وقال الصادق عليه‌السلام في صحيح الحلبي أو حسنه (٢) « في الذي يراجع ولم يشهد قال : يشهد أحب إلى ، ولا أرى بالذي صنع بأسا » إلى غير ذلك من النصوص ، ولا ينافي ذلك عدم قبول قوله في بعض الأحوال الناشئ من تقصيره في عدم الاشهاد ، وقوله تعالى (٣) ( وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ ) في الطلاق لا الرجعة ، أو محمول على الندب لما عرفت.

ولو قال راجعتك إذا شئت أو إن شئت أو « إذا جاء رأس الشهر » لم يقع ولو قال : شئت على المشهور ، كما في المسالك ، بل نسبه فيها إلى الشيخ وأتباعه والمتأخرين ، لنحو ما سمعته في غيرها من أقسام العقود والإنشاءات من منافاته لظاهر ما دل على السببية المنافية لتأخر ترتب الأثر.

ولكن مع ذلك قال المصنف وفيه تردد من ذلك ومما في كشف اللثام : من أنه « لا يشترط في الرجعة إلا التمسك بالزوجية ، ولذا تحقق بالأفعال الدالة عليه ، فلا يشترط فيها الإيقاع ولا الإنشاء » قلت : هو مؤيد لما ذكرناه سابقا.

لكن مع ذلك قد يناقش بأن عدم اعتبار الإنشاء فيها لا ينافي عدم قبول التعليق فيما لو قصده بها ، إذ لا مانع من ترتب أثرها على إنشاء الرجعة المجرد عن التعليق وإن لم نقل باعتبار ذلك فيها ، بل قلنا إنه يكفى فيها التمسك بالزوجية السابقة المجرد عن أصل الإنشاء فضلا عن إنشاء معنى الرجوع ، فيتجه حينئذ البحث عن صحتها مع التعليق.

اللهم إلا أن يقال : إنها بعد أن لم تكن من أقسام الإيقاع المعتبر فيها ذلك‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٢.

(٣) سورة الطلاق : ٦٥ ـ الآية ٢.

١٨٥

ولو بظاهر أدلة التسبيب تصح في المعلق على حسب غيرها من أقسام الإنشاء القابل لذلك ، نحو قول السيد لعبده : « أكرم زيدا إن جاءك » أو « إذا جاءك رأس الشهر » ونحو ذلك ، فإن إنشاءها حيث يؤتى به من هذا القبيل ، لا من قبيل إنشاء الإيقاع.

وفيه أنه لا شك في احتياج الرجوع بعد حصول مقتضى الفسخ إلى سبب ، ولم يثبت سببية المعلق ، ولا إطلاق يتمسك به ، فالأصل عدم حصوله.

وقد يدفع بأنه يكفي إطلاق أدلة الرجعة التي قد عرفت أن مفادها تحققها بما يحصل من قول أو فعل يقتضي البقاء على الزوجية السابقة وإن لم يقصد إنشاء معنى الرجوع ، ولا ريب في حصوله بقول : « أنت زوجتي إذا جاء رأس الشهر » أو « إذا رضيت » أو « رضي زيد » وحصل المعلق عليه.

والعامة لم يجوزوا التعليق فيها مع تجويز هم له في الطلاق ، وهو مبني على أنها عندهم استباحة بضع ، فكانت كالنكاح الذي لا يقبله ، لا كالطلاق الذي هو لحرمة استباحة العضو ، وهو كما ترى مجرد استحسان واعتبار ، ومبنى على أصل فاسد ، فتأمل جيدا.

ولو طلقها رجعيا فارتدت فراجع لم يصح في المشهور على ما قيل ، كما لا يصح ابتداء الزوجية وإن لم نقل : إن الرجعة ابتداء نكاح ، بل لمصادفتها محلا غير قابل للرجوع ، ضرورة اقتضاء الارتداد انفساخ النكاح الكامل فضلا عن علقته في المطلقة رجعيا ، ومن هنا تبين منه لو لم تكن مطلقة ، وما دل على اقتضاء الرجعة الرجوع إنما هو مع انحصار سبب الفسخ في الطلاق ، لا مع فرض حصول سبب آخر له ، ودعوى صحة الرجعة بمعنى تأثيرها فسخ الطلاق فله أن يطلقها حينئذ واضحة الفساد ، ضرورة عدم صحة الطلاق في البائنة منه بالارتداد.

نعم قد يقال بناء على ما ذكرناه سابقا من المراعاة في الفسخ بالارتداد بالإسلام وعدمه إلى انقضاء العدة يتجه حينئذ صحة الرجعة والطلاق أيضا مراعي بإسلامها في العدة ، لانكشاف حصولهما حينئذ في المحل القابل لهما ، ولعله لهذا نظر المزني من العامة فقال : « تصح الرجعة موقوفة » أما على القول بأن الإسلام في العدة عود جديد‌

١٨٦

من حينه فلا ريب في عدم صحة الرجعة فضلا عن الطلاق بعدها ، وعلى هذا ينبغي أن يكون بناء الإسلام.

كما أن منه ينبغي التردد لا مما ذكره المصنف بقوله وفيه تردد ينشأ من كون الرجعية زوجة وإن تبعه عليه الفاضل وغيره ، فإنه بعد تسليم كونها كذلك لا ينافي بينونتها بسبب آخر وهو الردة ، كما إذا لم تكن مطلقة ، فلا يصح الرجوع بها حينئذ لذلك وإن قلنا : إنها زوجة أو كالزوجة في الأحكام.

بل من ذلك يظهر لك ما في المسالك وغيرها من بناء المسألة على أن الطلاق رافع لحكم الزوجية رفعا متزلزلا يستقر بانقضاء العدة ، أو أن خروج العدة تمام السبب في زوال الزوجية ، مؤيدا للأول بتحريم وطئها لغير الرجعة ، ووجوب المهر بوطئها على قول وتحريمها به إذا كمل العدد ـ وفي كشف اللثام بأنها ابتداء نكاح ، فان الطلاق زوال له ، والزائل لا يعود ، وإطلاق الزوجة عليها مجاز ، لثبوت أحكامها لها ، وهو لا يفيد الزوجية ـ والثاني (١) بعدم وجوب الحد بوطئها ، ووقوع الظهار واللعان والإيلاء بها ، وجواز تغسيل الزوج لها وبالعكس ، بل في كشف اللثام نسبته إلى المفهوم من الأخبار والأحكام ( والإجماع خ ل ) والفتاوى ، وزاد بأنها لو لم تكن زوجة كانت الرجعة تجديد نكاح ، ولو كان كذلك لافتقر إلى إذنها ، ضرورة عدم مدخلية ذلك في صحة رجوعها مرتدة ، كضرورة عدم كونها زوجة حقيقة ، وإلا لم يكن للرجوع بها معنى ، وإنما لها أحكام الزوجة.

وكذا بناء المسألة على أن الرجعة ابتداء نكاح أو استدامته ، إذ على التقديرين يتجه عدم صحة الرجعة ، لانفساخ النكاح بالردة ، فلا معنى لاستدامته ، واحتمال عدم الفسخ بالردة هنا ، لعدم مصادفتها النكاح الذي تفسخه ، وإنما صادفت مطلقة لها علقة يدفعه أن العلة المزبورة هي علقة النكاح الأول الذي لا يصلح رجوعه مع الردة.

__________________

(١) عطف على « للأول » في قوله : « مؤيدا للاول بتحريم وطئها ».

١٨٧

ومن هنا كان ظاهرهم المفروغية من عدم جواز الاستمتاع بها حال الردة لو رجع بها ، ولو أنها مستثناة من التمسك ( بِعِصَمِ الْكَوافِرِ ) (١) ونكاح الكفار باعتبار عدم كون الرجعة نكاحا جديدا لاتجه حينئذ جواز الاستمتاع بها ، بل لا تبين منه حتى إذا انقضت العدة مرتدة ، ولا أظن قائلا به.

وكذا الكلام أنه لو فرض ارتداد الزوج في زمن العدة الرجعية لم يكن له الرجوع على حسب ما سمعته. وبذلك ظهر لك أن ما في القواعد ـ من أن الأقرب جواز الرجوع ـ لا يخلو من نظر أو منع.

فـ ( لو أسلمت بعد ذلك استأنف الرجعة إن شاء ) لفساد الرجعة السابقة إلا بناء على الكشف الذي ذكرناه.

ولو كان عنده ذمية فأسلم فطلقها رجعيا ثم راجعها قيل : لا يجوز ، لأن الرجعة كالعقد المستأنف المفروض عدم جوازه عليها ابتداء لأن الأول قد انفسخ بالطلاق. ولكن الوجه الجواز ، لأنها لم تخرج عن زوجيته كما هو مقتضى إطلاق النص (٢) والفتوى ، وما سمعته من جواز وطئها من دون قصد الرجوع فهي برجوعه لها في العدة كالمستدامة التي لم يطلقها ، على أن النكاح الأول لو كان زائلا بالطلاق الرجعي لكان العائد بالرجعة إما الأول أو غيره ، والأول مستلزم إعادة المعدوم. والثاني منتف إجماعا ، وإلا لتوقف على رضاها ، فالنكاح الأول باق ، غايته أنه متزلزل ، واستدامته غير ممتنعة في الذمية إذا منعنا ابتداء نكاحها ، وإلا سقط التفريع.

هذا وظاهر عبارة المصنف وغيره أن موضوع المسألة الأولى الارتداد ، بل كاد يكون صريح بعضهم ، لكن في كشف اللثام تقييده بالارتداد كتابية ، وكأنه لعدم احتمال صحة الرجعة في غيرها ، وفيه أنه لا فرق في الارتداد بين الكتابية وغيرها ،

__________________

(١) سورة الممتحنة : ٦٠ ـ الآية ١٠.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٦ والباب ـ ٢٠ ـ منها الحديث ١١.

١٨٨

لأن الارتداد من حيث كونه ارتدادا فاسخ للنكاح ، إلا مع العود للإسلام في العدة ، وليس الارتداد بالكتابية يجعل لها حكم الذمية التي يجوز استدامة نكاحها ، وإلا لاتجه حينئذ جواز الرجوع بها ، لأن الرجعة ليس ابتداء نكاح ، فيكون حكم المسألة الأولى كالثانية ، مع أنك قد عرفت أن المشهور عدم جواز الرجوع فيها بخلاف الثانية ، فإن الأمر بالعكس ، فالمتجه حينئذ جعل موضوع المسألة الأولى الارتداد مطلقا كي يتجه القول بعدم جواز الرجعة ، فتأمل.

وكيف كان فقد يلحق بذلك جواز الرجوع بالزوجة في الإحرام ، لعدم كونه ابتداء نكاح ، بل يجوز مراجعة الأمة لمن نكحها قبل نكاح الحرة لعدم الطول ثم استطاع فنكح الحرة إذا قلنا بعدم انفساخ نكاح الأمة ، فلو طلقها حينئذ كان له الرجوع بها ، وإن لم نجوز له ابتداء النكاح إلى غير ذلك مما لا يخفى عليك وجهه.

ولو طلق وراجع فأنكرت الدخول بها أولا وزعمت أنه لا عدة عليها ولا رجعة وادعى هو الدخول كان القول قولها مع يمينها ، لأنها تدعي الظاهر الموافق للأصل مع فرض عدم الخلوة بها ، وإلا كان فيه البحث السابق في النكاح ، وكذا لو كانت دعواه إني طلقتها بعد الدخول فلي الرجعة ، فأنكرت الدخول ، ضرورة اتحاد المدرك في المسألة من غير فرق بين وقوع المراجعة منه وعدمها ، نعم يختلفان في إلزامه بالأحكام على مقتضى إقراره من عدم جواز نكاح أختها والخامسة إلا بعد طلاقها في الأول ، بخلاف الثاني ، فإنه يكفي في الجواز انقضاء العدة ، وأما حكم المهر بالنظر إلى تنصيفه والمطالبة به وغير ذلك فقد تقدم في كتاب النكاح تفصيل القول فيه في هذا الفرض ، وفيما لو كانت الدعوى منها الدخول وأنكره هو ، على أنه واضح بأدنى التفات إلى القواعد العامة المتعلقة بالإقرار ونحوه.

ورجعة الأخرس بالفعل كغيره بالقول وبالإشارة الدالة على المراجعة وفاقا للمشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة ، لما عرفته سابقا من الاجتزاء بذلك‌

١٨٩

منه في عقوده وإيقاعاته ، والرجعة منها أو أولى بذلك منها.

وحينئذ فما قيل كما عن الصدوقين من اختصاص ذلك يأخذ القناع من رأسها واضح الفساد ، لعدم دليل صالح لتقييد ما دل (١) على قيام مطلق إشاراته مقام اللفظ الذي يقع من غيره.

ومن هنا قال المصنف وهو شاذ وإن أسنده في النافع إلى رواية ، بل عن الشيخ وابن البراج ذلك أيضا ، إلا أنه لم نقف عليها ، نعم‌ روى السكوني (٢) عن الصادق عليه‌السلام « طلاق الأخرس أن يأخذ مقنعتها ويضعها على رأسها ويعتزلها » ولا إشارة فيه إلى الرجعة ، اللهم إلا أن يكون قد فهموا ذلك منه بالضدية ، وربما نسب ذلك إلى كتاب الفقه المنسوب إلى الرضا عليه‌السلام (٣) لكن قد عرفت غير مرة عدم تحقق هذه النسبة عندنا ، والأمر سهل بعد وضوح الحال ، بل يمكن حمل الرواية على تقديرها بل وعبارة الصدوقين على إرادة كون ذلك أحد الأفراد.

وإذا ادعت انقضاء العدة بالحيض في زمان محتمل وأقله في الحرة ستة وعشرون يوما ولحظتان ، إحداهما بعد وقوع الطلاق ، والأخرى لتحقق الطهر الثالث أو للخروج من العدة ، لا أنه جزء منها ، لأنها ثلاثة قروء ، وقد انقضت قبلها ، فلا يصح الرجعة فيها ، ويصح العقد ، وربما قيل : هي منها ، لأن الحكم بانقضائها موقوف على تحققها ، وهو كما ترى لا يدل على المدعى ، وقد يتفق الأقل نادرا في الحرة بثلاثة وعشرين يوما ، بأن يطلقها بعد الوضع وقبل رؤية دم النفاس المعدود‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥٩ ـ من أبواب القراءة في الصلاة الحديث ١ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٣ « عن السكوني قال : طلاق الأخرس. » الا أن الموجود في الاستبصار ج ٣ ص ٣٠١ والكافي ج ٦ ص ١٢٨‌ « عن السكوني عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : طلاق الأخرس. ».

(٣) الموجود في فقه الرضا عليه‌السلام ص ٣٣ « والمعتوه إذا أراد الطلاق ألقى على امرأته قناعا وروى انها قد حرمت عليه فإذا أراد مراجعتها رفع القناع عنها يرى انها قد حلت له ».

١٩٠

بحيضة ، ولأحد لأقله ، ثم تطهر عشرة ثم تحيض ثلاثة ثم تطهر عشرة ثم ترى الحيض لحظة ، وأما الأمة فأقل عدتها بالحيض ثلاثة عشر يوما ولحظتان ، بل يتفق الأقل من ذلك فيما سمعته من الفرض النادر.

وعلى كل حال فان ادعت الانقضاء في الزمان المحتمل فأنكر الزوج مع اتفاقهما على تاريخ الطلاق أو سكوتهما فالقول قولها مع يمينها لقول أبى جعفر عليه‌السلام في صحيح زرارة أو حسنه (١) : « الحيض والعدة إلى النساء ، إذا ادعت صدقت » والصادق عليه‌السلام (٢) في قوله تعالى (٣) ( وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَّ ) : « قد فوض الله إلى النساء ثلاثة أشياء : الحيض والطهر والحمل » وغيرهما من النصوص الدالة على تصديقها في مثل ذلك ، بل قد يشعر النهي عن الكتمان في الآية بائتمانهن على ذلك ، نحو قوله تعالى (٤) ( وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ ) على أنه شي‌ء لا يعلم إلا من قبلها فتصدق فيه.

بل مقتضى إطلاق ما سمعت عدم الفرق بين دعوى المعتاد وغيره ، لكن قرب في اللمعة عدم قبول دعوى غير المعتاد من المرأة إلا بشهادة أربع نساء مطلعات على باطن أمرها ، ناسبا له إلى ظاهر الروايات ، ولم نعثر إلا على‌ المرسل (٥) عن أمير‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب العدد الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب العدد الحديث ٢.

(٣) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٢٨.

(٤) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٨٣.

(٥) أشار إليه في الوسائل في الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب الحيض الحديث ٣ من كتاب الطهارة وذكره في الفقيه ج ١ ص ٥٥ الرقم ٢٠٧. وقد ورد هذا اللفظ أيضا في رواية السكوني عن جعفر ، عن أبيه عليهما‌السلام بسندين ذكرهما الشيخ ( قده ) : الأول في التهذيب ج ١ ص ٣٩٨ والاستبصار ج ١ ص ١٤٨. راجع الوسائل الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب الحيض الحديث ٣ ، والثاني في التهذيب ج ٦ ص ٢٧١ راجع الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من كتاب الشهادات الحديث ٣٧ ولعل الشهيد ( قده ) أشار الى هذه الروايات.

١٩١

المؤمنين عليه‌السلام « إنه قال في امرأة ادعت أنها حاضت في شهر واحد ثلاث حيض : أنه يسأل نسوة من بطانتها هل كان حيضها فيما مضى على ما ادعت؟ فان شهدت صدقت ، وإلا فهي كاذبة » وعن الشيخ حمله على التهمة جمعا بين الأخبار.

وفي المسالك بعد أن ذكر ما ذكرناه مع زيادة عدم الفرق بين مستقيمة الحيض والطهر وغيرها ، لعموم النص وإمكان تغير العادة قال : « وينبغي استفصالها مع التهمة ، وسؤالها كيف الطهر والحيض؟ وفي بعض الأخبار (١) أنه لا يقبل منها غير المعتاد إلا بشهادة أربع من النساء المطلعات على باطن أمرها ، وقربه الشهيد في اللمعة ، ولا بأس به مع التهمة وإن ضعف مأخذه ».

وفي الحدائق بعد أن ذكر جمع الشيخ قال : « وهو جيد ، لما تقدم من النصوص (٢) الدالة على قبول قولها في أمثال هذه الأمور ـ ثم حكى عن الشهيد ما سمعت ثم قال ـ : لا أعرف له وجها ، إذ ليس إلا الخبر المزبور المعارض بالأصح سندا وأكثر عددا وأصرح دلالة ، فيتعين حمله على التهمة ».

قلت : إن كان مراد الجميع أنه في حال التهمة يكون الأمر كما ذكره الشهيد وجوبا يدفعه قصور الخبر المزبور عن معارضة النصوص المزبورة المؤيدة بغيرها ، بل وبإطلاق فتوى الأصحاب ، حتى قيل : إنه من المقطوع به في كلامهم ، وإن كان المراد استحباب السؤال حال التهمة فلا ثمرة له مع فرض عدم من يشهد لها من النسوة حال التداعي المحتاج فيه إلى حكم من الحاكم لقطع الخصومة ، فالمتجه حينئذ قبول قولها مطلقا ، نعم يشرع للحاكم الاستظهار بطلب نسوة تشهد لها بذلك ، وإن كان ميزانه الحكم لها مع فرض عدم من يشهد لها ، بل ومع من يشهد بأن عادتها خلاف‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب الحيض من كتاب الطهارة والباب ـ ٢٤ ـ من كتاب الشهادات الحديث ٣٧.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب العدد والباب ـ ٤٧ ـ من أبواب الحيض من كتاب الطهارة.

١٩٢

ما ذكرت ، لما عرفت من إمكان اختلاف العادة.

ثم إنه حيث لا تقبل دعواها لكونها قبل وقت الإمكان فجاء وقت الإمكان ففي المسالك « نظر إن كذبت نفسها أو قالت غلطت وابتدأت دعوى الانقضاء صدقت بيمينها وإن أصرت علي الدعوى الأولى ففي تصديقها الان وجهان ، من فساد الدعوى الأولى فلا يترتب عليها أثر ولم تدع غيرها ، ومن أن إصرارها عليها يتضمن دعوى الانقضاء الان والزمان زمان الإمكان ».

ولو ادعت انقضاءها بالأشهر وكان تاريخ الطلاق معلومات رجع إلى الحساب ، وإن لم يعلم أو اختلفا فيه فأنكر الزوج انقضاءها كان القول قول الزوج لأن مرجع ه‍ أي هذا الاختلاف في الحقيقة ـ إلى ال اختلاف في زمان إيقاع الطلاق ولا ريب أن القول قوله فيه ، لأصالة بقائها في العدة ، مؤيدا بأصالة تأخر الحادث.

لكن قد يقال بأنه لا يعارض إطلاق الصحيح (١) المزبور الذي مقتضاه رجوع أمر العدة إلى النساء وإلا لاقتضى تقديم قوله أيضا في عدم الانقضاء بالحيض والوضع ، ضرورة كون مقتضى الأصل فيهما البقاء على الزوجية أيضا. وربما دفع بأن النزاع هنا في الحقيقة ليس في العدة ، فيقبل قولها وإن توجه إليها في الظاهر ، بل هو في زمان وقوع الطلاق ، وليس مثله داخلا في الإطلاق ، وبذلك يظهر حينئذ أن المراد بالأصل ليس أصل البقاء بل هو أصل عدم تقدم الطلاق ، فتأمل جيدا ، إذ الجميع كما ترى ـ مع قطع النظر عن شهرة الأصحاب أو اتفاقهم ـ بعد ظهور النصوص (٢) في جعل أمر العدة إليها ، وأنها إذا ادعت صدقت المقتضي للحكم بصدقها متى كان محتملا.

بل قد يقال : إن مقتضى ذلك تقديم قولها في الانقضاء بالأقراء وإن كذبها‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب العدد الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب العدد والباب ـ ٤٧ ـ من أبواب الحيض من كتاب الطهارة.

١٩٣

الزوج بدعوى تأخر زمان وقوع الطلاق على وجه يقصر عن وقوع الأقراء ، لأن احتمال صدقها كاف في تصديقها ، ومن ذلك يظهر أنه لا وجه لاشتراط قبول قول الزوج بالاتفاق على مضى زمان صالح ، كما عساه يتوهم من عبارة المتن ونحوها.

وكذا لو ادعى الزوج الانقضاء للتخلص من النفقة مثلا فأنكرت هي فـ ( ان القول قولها ) وإن كان الطلاق فعله ، لأن الأصل بقاء علقة الزوجية التي كانت أولا مؤيدا بأن الأصل تأخر زمان وقوع الطلاق ، بل لا فرق في ذلك بين كون العدة بالحيض والأشهر.

ولو كانت حاملا فادعت انقضاء عدتها مثلا بـ ( الوضع ) فأنكر الزوج وضعها بعد اعترافه بحملها قبل قولها بيمينها بلا خلاف أجده فيه أيضا ولم تكلف بالبينة ولا بـ ( إحضار ) الولد الذي قد تعجز عن إحضاره ، لإطلاق ما دل (١) على تصديقهن في العدة ، ولجواز وضعه بحيث لم يطلع عليه غيرها ثم موته أو سرقته ، لإطلاق‌ قول الصادق عليه‌السلام (٢) : « تفويض الله لها الحمل » الذي منه هذا ، ولأنه يتعذر أو يتعسر عليها الإشهاد على ذلك في كل حال.

بل في القواعد « تصدق حتى لو ادعت الانقضاء بوضعه ميتا أو حيا ناقصا أو كاملا » معرضا بذلك بما عن بعض العامة من تكليفها بالبينة إن ادعت وضع الكامل ، لأنها مدعية ، والغالب حضور القوابل ، ومنهم من كلفها في الميت والسقط أيضا ، لأن ما نالها من العسر يمكنها من الإشهاد.

هذا ولكن في المسالك وغيرها تقييد تصديقها في ذلك بالإمكان أيضا ، قال : « ويختلف الإمكان بحسب دعواها ، فان ادعت ولادة ولد تام فأقل مدة تصدق فيه ستة أشهر ولحظتان من يوم النكاح ، لحظة لإمكان الوطء ، ولحظة للولادة ، فإن ادعت أقل من ذلك لم تصدق ، وإن ادعت سقطا مصورا أو مضغة أو علقة اعتبر إمكانه‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب العدد الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب العدد الحديث ٢.

١٩٤

عادة ، وربما قيل : إنه مأة وعشرون يوما ولحظتان في الأول ، وثمانون يوما ولحظتان في الثاني ، وأربعون ولحظتان في الثالث ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) : « يجمع أحدكم في بطن امه أربعون يوما نطفة ، وأربعون يوما علقة ، وأربعون يوما مضغة ثم تنفخ فيه الروح ».

قلت : لم نعثر على الخبر المزبور في طرقنا ، لكن مضمونه موجود ، ففي‌ موثق ابن الجهم (٢) « سمعت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام يقول : قال أبو جعفر عليه‌السلام : إن النطفة تكون في الرحم أربعين يوما ، ثم تصير علقة أربعين يوما ثم تصير مضغة أربعين يوما ، فإذا كمل أربعة أشهر بعث الله ملكين خلاقين ».

وفي‌ صحيح زرارة (٣) عن أبى جعفر عليه‌السلام في حديث طويل إلى أن قال فيه : « فتصل النطفة إلى الرحم ، فتردد فيه أربعين يوما ، ثم تصير علقة أربعين يوما ، ثم تصير مضغة أربعين يوما ».

وفي‌ خبر محمد بن إسماعيل أو غيره (٤) عن أبى جعفر عليه‌السلام « أربعين ليلة نطفة ، وأربعين ليلة علقة ، وأربعين ليلة مضغة ، فذلك تمام أربعة أشهر ، ثم بعث الله ملكين خلاقين » بل مال المحدث البحراني إلى القول المزبور لهذه النصوص معرضا بالشهيد الثاني أنه لم يعثر عليها ، وإلا لم يكن له مناص عن القول المزبور.

وفي الرياض « أنه قيل في الثلاثة بالرجوع إلى الإمكان عادة ، ولا ثمرة إلا مع ظهور المخالفة ، وهي غير معلومة ، وعلى تقدير تحققها فالأظهر العمل بالمعتبرة » لكن فيه أنه لم نعثر على عامل معتد به في هذه النصوص على وجه يترتب عليه عدم قبولا دعواها لو ادعت خلافها ، خصوصا في المولود سقطا ، وكأنه لأن تصديقها في أصل الوضع لا ينافي عدم قبول قولها في وضعه.

ومن ذلك ينقدح الإشكال فيما جزم به في المسالك أولا في دعوى ولادته ولدا‌

__________________

(١) سنن البيهقي ج ١٠ ص ٢٦٦ مع الاختلاف في اللفظ.

(٢) الكافي ج ٦ ص ١٣.

(٣) الكافي ج ٦ ص ١٣.

(٤) الكافي ج ٦ ص ١٦.

١٩٥

تاما قبل الستة أشهر ، ولعله لذا أطلق الأصحاب هنا قبول دعواها في الوضع من غير تعرض لإمكانه على الوجه المزبور ، بل كاد يكون صريح ما سمعته من القواعد ، ولعله لعدم مدخلية صدقها وكذبها في ذلك في قبول قولها في أصل الوضع فتأمل جيدا فإنه نافع.

ولو ادعت الحمل فأنكر الزوج كان القول قوله وإن أحضرت ولدا فأنكر ولادتها له لاحتمال التقاطها له وحينئذ فالقول قوله على كل حال بلا خلاف أجده فيه بين من تعرض له ، للأصل وغيره ولإمكان إقامة البينة بالولادة فلا يقبل مجرد قولها فيه ، « والولد للفراش » (١) إنما هو بعد ثبوت ولادتها له على فراشه ، وأخبار الائتمان على انقضاء العدة (٢) إنما هي إذا كانت حقيقة العدة معلومة أنها بالوضع أو بالأشهر أو الأقراء ، دون ما إذا تداعيا في حقيقتها.

نعم قد يشكل بإطلاق‌ قول الصادق عليه‌السلام (٣) « تفويض الله الحمل لها » بل‌ والباقر عليه‌السلام (٤) : « العدة إليها » بل هو مندرج في النهي (٥) عن الكتمان الذي استشعر منه الائتمان ، كما أنه قد يشكل ما هنا من عدم تصديقها بالولادة ، لإمكان إقامتها البينة بما تقدم سابقا في المعلوم أنها حامل وأنكر الزوج ولادتها ، اللهم إلا أن يفرق بينهما بالإجماع على قبولها هناك ، دونه هنا ، فتأمل جيدا.

وإذا ادعت انقضاء العدة التي يرجع أمرها إليه أو الأشهر فـ ( صدقها الزوج في هذه الدعوى ثم ادعى هو الرجعة ) قبل ذلك بالقول أو الفعل فالقول قول المرأة بيمينها على البت في الفعلي ، وعلى عدم العلم في القولي ، لأصالة‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء من كتاب النكاح.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب العدد والباب ـ ٤٧ ـ من أبواب الحيض من كتاب النكاح.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب العدد الحديث ٢.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب العدد الحديث ١.

(٥) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٢٨.

١٩٦

عدم مقتض لانفساخ الطلاق الذي هو سبب البينونة ، بل قد عرفت فيما تقدم أنه محكوم بترتب أثره بمجرد وقوعه حتى يتحقق ما ينافيه ، فهو باق على مقتضاه في صور الشك التي منها المقام الذي لم يجعل فيه قول الزوج حجة شرعية في ذلك ، بل الظاهر عدم الفرق بين سبق دعواها الانقضاء على دعواه الرجعة قبله وبين العكس ، ضرورة اتحادهما في الدليل المزبور.

نعم لو راجعها فادعت هي بعد اعترافها بتحقق الرجعة منه انقضاء العدة قبل الرجعة لتقع الرجعة في غير محلها فالقول قول الزوج ، إذ الأصل صحة الرجعة فمدعيها حينئذ يقدم على مدعى الفساد ، وقبول قولها إنما يقبل مع عدم معارضته لمثل الأصل المزبور الذي لا طريق لإفساده ولو بأخبارها بالانقضاء قبل تحقق الرجعة منه.

والأصل في المسألة عبارة المبسوط ، وهي « أنها إن سبقت بالدعوى فادعت انقضاء العدة ثم ادعى الرجعة قبل الانقضاء فالقول قولها مع يمينها ، لأنها مؤتمنة على فرجها وانقضاء عدتها ، وحكم بوقوع البينونة بقولها ، فلا يقبل قول الزوج ، ووجب عليها اليمين ، لجواز كذبها ، فتحلف على أنها لا تعلم بالرجعة قبل الانقضاء ، وإن انعكس الأمر كان القول قوله مع يمينه ، لأنها ما لم يظهر انقضاء العدة فالظاهر أنها في العدة ، ويحكم بصحة الرجعة ، فإذا ادعت الانقضاء قبل الرجعة لم يقبل منها ، لأنه أمر خفي تريد به دفع الرجعة التي حكم بصحتها ظاهرا ، ووجب عليه الحلف ، لجواز كذبه وصدقها ، فيحلف أنه لا يعلم أن عدتها انقضت قبل الرجعة ، وإن اتفقت الدعويان أو جهل السابقة فمنهم من أقرع بينهما ، فمن خرجت عليه فالقول قوله مع اليمين ، وهو الأقوى عندنا ، ومنهم من قال : القول قولها مع يمينها ، لإمكان صدق كل منهما ، والأصل أن لا رجعة ».

وفي كشف اللثام أنه « يمكن تنزيل عبارة القواعد في المسألتين على موافقته ، بأن تكون الفاء فيهما للتعقيب ، وهي نحو عبارة الكتاب ، قال : « ولو ادعت الانقضاء فادعى الرجعة قبله قدم قولها مع اليمين ، ولو راجع فادعت بعد الرجعة الانقضاء‌

١٩٧

قبلها قدم قوله مع اليمين ، لأصالة صحة الرجعة » وحينئذ يكون الفاضلان ساكتين عن صورتي اتفاق الدعويين وجهل السابقة ، وفيه « أن الأقوى عدم الفرق بين الاقتران وترتب أيتهما فرضت على الأخرى ، ثم كيف يكفي الزوج اليمين على عدم العلم بانقضاء العدة قبل الرجعة؟ وهو اعتراف بعدم العلم بصحة الرجعة ».

بل لا فرق أيضا بين اعترافها بالرجعة وعدمه بعد أن كانت دعواهما المفروض قبول قولها فيها بتقدم زمان انقضاء العدة على زمان الرجعة ، واعترافها بحصول ما تتحقق به الرجعة من القول مثلا لا ينافي الحكم بفساده بسبب تأخره عن انقضاء العدة التي قد جعل الشارع أمرها إليها ، وأنها متى ادعت صدقت.

ودعوى أن تقدم انقضاء العدة على الرجوع من أحوال العدة التي لم تجعل إليها ـ وإنما الذي جعل إليها نفس العدة انقضاء أو بقاء لا تقدمه على الرجوع ونحوه ـ يدفعها إطلاق النصوص (١) المتضمنة لكون العدة إليها الذي منه قولها : « قد انقضت العدة قبل زمان رجوعك » من غير فرق بين الاتفاق على تعيين يوم انقضاء العدة واختلافهما في يوم الرجوع ، بأن قالت : « قد انقضت عدتي يوم الجمعة » وصدقها على ذلك ولكن قال هو : « رجوعي يوم الخميس » وقالت هي مثلا : « يوم السبت » فان القول قولها ، وكذا لو اتفقا على وقت الرجعة يوم الجمعة ، وقالت هي : « انقضت عدتي يوم الخميس » وقال الزوج : « قد انقضت يوم السبت » فان القول قولها في العدة المجعول أمرها إليها ، وبين عدم الاتفاق على يوم الرجوع أو الانقضاء ، بل هي تقول : « قد انقضت عدتي قبل رجوعك » وهو يقول : « قد وقع رجوعي قبل انقضاء عدتك ».

ولو أن اعترافها بالرجعة يقتضي الحكم بها عليها لأصالة الصحة لاقتضى فيما لو قال : « رجعت » منشئا فقالت هي : « قد انقضت عدتي » ضرورة كون الأصل الصحة أيضا ، والاعتراف هنا لا مدخلية له ، لكون الفعل من جانب واحد ، بل نظيره قول المطلق : « هي طالق » والامرأة تقول : « أنا حائض » وليس هو كقول المشتري :

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب العدد والباب ـ ٤٧ ـ من أبواب الحيض من كتاب النكاح.

١٩٨

« بعتني وأنت غير بالغ » لكون البيع مشترك الوقوع من الجانبين ، فقوله مناف لفعله ، نحو قول البائع : « بعتك وأنا صبي » وحينئذ فأصالة الصحة بعد فرض كون الفعل من جانب واحد لا يقتضي الحكم به على آخر ، مضافا إلى ثبوت الفساد ، لقبول قولها في تقدم الانقضاء المقتضي له.

بل الظاهر كون الحكم كذلك حتى لو كانت العدة بالأشهر والفرض أن النزاع قد وقع بعد انقضائها في حصول الرجعة في أثنائها أو خارج عنها ، فإنه لا يحكم بكونها فيها بمجرد قول الزوج ، وعدم الحكم بذلك كاف في عدم استحقاقه الزوجية على الامرأة الثابتة بينونتها منه بالطلاق المتوقف فسخه على الرجوع في العدة ، ولم يثبت.

وبذلك يظهر لك النظر في كثير من الكلمات المسطورة في المقام ، ضرورة أنك قد عرفت عدم قبول الزوج (١) في حال من الأحوال ، من غير فرق بين اعترافها بأصل الرجعة وعدمها ، واتفاقهما على تعيين زمانها واختلافهما في زمن الانقضاء أو بالعكس ، وبين إطلاقهما الدعوى من كل منهما ، بل إن لم نقل بقبول قولها في الأخير كان كل منهما مدعيا منكرا فيتحالفان ، فلا تتحقق رجعة أيضا إلا مع فرض النكول ، وأصل الصحة لا يحكم به على الآخر بعد فرض كون الفعل من جانب واحد ، مع أنه معارض بإطلاق ما دل على قبول قولها فتأمل جيدا.

هذا كله إذا لم تتزوج ، وإلا فإذا تزوجت كانت الدعوى عليها وعلى زوجها ، فيأتي فيها البحث المتقدم في النكاح « لو ادعى زوجية امرأة رجل » والتفصيل الذي تقدم سابقا يأتي هنا ، وهو واضح بأدنى التفات.

كوضوح ثبوت زوجيتها لمدعي الرجعة لو أقام بينة وإن لم تعلم هي بذلك ، فإنه حينئذ أحق بها من الأخير بلا خلاف أجده نصا (٢) وفتوى إلا ما يحكى عن بعض‌

__________________

(١) هكذا في النسختين المسودة بقلم المصنف ( قده ) والمبيضة والصحيح « عدم قبول قول الزوج ».

(٢) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب أقسام الطلاق.

١٩٩

البحرانيين من اشتراط صحة الرجعة بعلمها بها ، لبعض النصوص (١) الشاذة القاصرة عن معارضة غيرها من وجوه ، بل في بعض النصوص (٢) عن أمير المؤمنين عليه‌السلام نسبة ذلك إلى عمر ، وأنه لا يفتي به مجنون.

فالمسألة حينئذ من الواضحات وإن أطنب بها المحدث البحراني ، وقال : « لمكان الخبر المزبور المعارض بغيره الموافق للمحكي عن عمر المخالف لفتوى الأصحاب أجمع إن المسألة قد بقيت في قالب الاشكال » والله الموفق لنا وله في كشف الحال وتسديد المقال.

ولو ادعى أنه راجع زوجته الأمة في العدة فصدقته ، فأنكر المولى وادعى خروجها قبل الرجعة فالقول قول الزوج فلا يقبل من المولى ذلك إلا ببينة ، لأن الأمر في العدة إليهن ، ولكون الحق بينهما ، وقد ارتفعت سلطنة المولى عنهما بالنكاح ما داما عليه. ومن المعلوم أن الطلاق رجعي ، والرجعة فيه من توابعه ، فالأمر فيه إليهما.

بل قيل والقائل الشيخ فيما حكي عنه : إنه لا يكلف الزوج اليمين على ما ادعاه ( لـ ) هما عرفت من انحصار تعلق حق النكاح بالزوجين ( بالزوجية خ ل ) ولكن فيه تردد ينشأ من ذلك ومن كون المولى في الحقيقة مدعيا ، لارتفاع علقة النكاح ، فيتوجه له اليمين عليه ، لعموم « اليمين على من أنكر » (٣) كما لو ادعى عليه الطلاق البائن مثلا ، ولعله الأقوى.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٢.

(٢) المستدرك الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ١ الا أنه لم يذكر ذيله : « أنه لا يفتي به مجنون » وذكره في البحار ج ٨ ص ٢٣٤ طبعة الكمپاني.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب كيفية الحكم من كتاب القضاء وفيه‌ « اليمين على من ادعى عليه ».

٢٠٠