جواهر الكلام - ج ٣٢

الشيخ محمّد حسن النّجفي

العسيلة في خلافه حتى على تفسيره بلذة الجماع الذي قد عرفت ما فيه ، ففي‌ خبر أبى حاتم (١) عن أبى عبد الله عليه‌السلام « سألته عن الرجل يطلق امرأته الطلاق الذي لا تحل له ( حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ) ثم تتزوج رجلا ولم يدخل بها ، قال : لا ، حتى يذوق عسيلتها » وخبر زرارة (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام « في الرجل يطلق امرأته تطليقة ثم يراجعها بعد انقضاء عدتها ، قال : فإذا طلقها الثالثة لم تحل له ( حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ) ، فإذا تزوجها غيره ولم يدخل بها وطلقها أو مات عنها لم تحل لزوجها الأول حتى يذوق الأخر عسيلتها ».

بل‌ روى غير واحد من العامة (٣) « أنه جاءت امرأة رفاعة القرطي إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقالت : كنت عند رفاعة فبت طلاقي ، فتزوجت بعده عبد الرحمن بن زبير ، وأنه طلقني قبل أن يمسني » ـ وفي رواية (٤) « وأنا معه مثل هدية الثوب » ـ فتبسم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك » ولا أقل من الشك في شمولها لمحل البحث إن لم يكن إجماعا ، والأصل الحرمة ، والاحتياط لا ينبغي تركه ، والله العالم.

(و) الثالث

أن يكون ذلك بالعقد ، لا بالملك ، ولا بالإباحة لو كانت أمة بلا خلاف ، فضلا عن الوطء حراما أو شبهة ولو بالعقد الفاسد بلا خلاف أجده ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى عدم صدق الزوج في الكتاب (٥) والسنة (٦) عليه.

__________________

(١) أشار إليه في الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ١ ، وذكره في الكافي ج ٥ ص ٤٢٥.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٩.

(٣) سنن البيهقي ج ٧ ص ٣٧٣ و ٣٧٤ و ٣٧٥.

(٤) سنن البيهقي ج ٧ ص ٣٧٣ و ٣٧٤ و ٣٧٥.

(٥) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٣٠.

(٦) الوسائل الباب ـ ٣ و ٤ و ٧ و ٨ ـ من أبواب أقسام الطلاق.

١٦١

وإلى خصوص‌ خبر الفضيل (١) عن أحدهما عليهما‌السلام « سألته عن رجل زوج عبده أمته ثم طلقها تطليقتين أيراجعها إن أراد مولاها؟ قال : لا ، قلت : أرأيت أن وطأها مولاها أيحل للعبد أن يراجعها؟ قال : لا حتى تتزوج زوجا غيره ، ويدخل بها ، فيكون نكاحا مثل نكاح الأول ». وخبر عبد الملك بن أعين (٢) « سألته عن رجل زوج جاريته رجلا فمكثت معه ما شاء الله ، ثم طلقها ، فرجعت إلى مولاها فوطأها أيحل لزوجها إذا أراد أن يراجعها؟ فقال : لا ( حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ) » ونحوه صحيح الحلبي (٣) بعد تقييدهما بكون الطلاق مرتين.

وإلى ما تسمعه من استفاضة النصوص (٤) المشتمل بعضها (٥) على تفسير الآية (٦) بما لا يشمل العقد المنقطع فضلا عنهما ، بقرينة قوله تعالى ( فَإِنْ طَلَّقَها ).

ومنه يعلم الوجه في ( الرابع ) الذي هو أن يكون العقد دائما لا متعة بلا خلاف أجده فيه أيضا ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى‌ صحيح ابن مسلم (٧) عن أحدهما عليهما‌السلام « سألته عن رجل طلق امرأته ثلاثا ثم تمتع منها رجل آخر هل تحل للأول؟ قال : لا » وخبر الصيقل (٨) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل طلق امرأته طلاقا لا تحل له ( حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ) ، فتزوجها رجل متعة ، أيحل له أن ينكحها؟ قال : لا حتى تدخل في مثل ما خرجت منه » ومثله موثق هشام بن سالم (٩) وفي‌ خبر الصيقل الآخر (١٠) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام رجل طلق امرأته طلاقا لا تحل له ( مِنْ بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ) ، فتزوجها رجل متعة أتحل‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٣.

(٤) الوسائل الباب ـ ٣ و ٤ ـ من أبواب أقسام الطلاق.

(٥) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٤.

(٦) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٣٠.

(٧) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٢.

(٨) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ١.

(٩) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٣.

(١٠) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٤.

١٦٢

للأول؟ قال : لا ، لأن الله تعالى يقول (١) ( فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ ) ، والمتعة ليس فيها طلاق » وموثق عمار بن موسى (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل طلق امرأته تطليقتين للعدة ثم تزوجت متعة ، هل تحل لزوجها الأول؟ قال : لا حتى تتزوج ثباتا ».

نعم لا فرق في المحلل بين الحر والعبد ، لإطلاق الأدلة ، وخصوص‌ خبر إسحاق بن عمار (٣) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل طلق امرأته طلاقا لا تحل له ( حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ) ، وتزوجها عبد ثم طلقها ، هل يهدم الطلاق؟ قال : نعم ، يقول الله عز وجل في كتابه (٤) ( حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ) ، وهو أحد الأزواج » ومن هنا قال الشهيد في المسالك : « أسلم طريق في الباب وأرفعه للعار والغيرة أن تزوج من عبد مراهق ـ إن اكتفينا به ـ أو مكلف للزوج أو غيره ، ويستدخل حشفته ، ثم يملك ببيع أو هبة ، ويفسخ نكاحه ، ويحصل التحليل ».

وكيف كان فـ ( مع استكمال الشرائط ) المزبورة يزول تحريم الثلاث كما عرفت.

وهل يهدم نكاح غير الزوج ما دون الثلاث على وجه تكون المرأة لو رجعت إلى زوجها كما إذا لم تكن مطلقة؟ فيه روايتان (٥) أشهرهما عملا بين الأصحاب أنه يهدم ، فلو طلق مرة وتزوجت المطلقة ثم تزوج بها الأول بقيت معه على ثلاث مستأنفات ، وبطل حكم السابقة بل لم يعرف القائل بالأولى وإن أرسله في محكي الخلاف عن بعض أصحابنا.

والرواية المعمول بها هي‌ موثق رفاعة (٦) عن أبى عبد الله عليه‌السلام « سألته عن‌

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٣٠.

(٢) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٥.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ١.

(٤) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٣٠.

(٥) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب أقسام الطلاق.

(٦) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ١.

١٦٣

رجل طلق امرأته ، حتى بانت منه وانقضت عدتها ، ثم تزوج زوجا آخر فطلقها أيضا ، ثم تزوجها زوجها الأول أيهدم ذلك الطلاق الأول؟ قال : نعم ».

وخبره الآخر (١) الذي رواه عنه ابن أبى عمير عن أبى عبد الله عليه‌السلام « سألته عن المطلقة تبين ثم تتزوج زوجا غيره ، قال : انهدام الطلاق ».

وخبره الآخر (٢) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل طلق امرأته تطليقة واحدة فتبين منه ، ثم يتزوجها آخر فيطلقها على السنة فتبين منه ، ثم يتزوجها الأول على كم هي عنده؟ قال : على غير شي‌ء ، ثم قال : يا رفاعة كيف إذا طلقها ثلاثا ثم تزوجها ثانية استقبل الطلاق؟ فإذا طلقها واحدة كانت على اثنتين ».

وخبر عبد الله بن عقيل (٣) قال : « اختلف رجلان في قضية إلى علي عليه‌السلام وعمر في امرأة طلقها زوجها تطليقة أو اثنتين ، فتزوجها آخر فطلقها أو مات عنها ، فلما انقضت عدتها تزوجها الأول ، فقال عمر : هي على ما بقي من الطلاق ، وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : سبحان الله ، أيهدم ثلاثا ولا يهدم واحدة؟ ».

وقد تقدم سابقا‌ أن معاوية بن حكيم (٤) قال : « روى أصحابنا عن رفاعة ابن موسى أن الزوج يهدم الطلاق الأول ، فإن تزوجها فهي عنده مستقبلة ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : يهدم الثلاث ولا يهدم الواحدة والثنتين!! » بل وتقدم غير ذلك مما يظهر منه معلومية خبر رفاعة بين أصحاب الأئمة عليهم‌السلام ، حتى توهم منه ابن بكير بم عرفت ، فلاحظ وتأمل.

كما أنه قد تقدم لك سابقا جملة من النصوص (٥) الواردة في تفسير طلاق السنة والعدة ، ومنها يظهر أن المطلقة ثلاثا التي لا تحل ( حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ )

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ١٣ عن فضالة والقاسم جميعا عن رفاعة.

(٢) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٤.

(٣) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٣.

(٤) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٢.

(٥) الوسائل الباب ـ ١ و ٢ ـ من أبواب أقسام الطلاق.

١٦٤

هي التي يقع عليها ذلك من دون تخلل زوج ، حتى ما ورد (١) في تفسير قوله تعالى (٢) ( الطَّلاقُ مَرَّتانِ ) منها ، ومنه يظهر أنه لا وجه للتمسك بإطلاق الكتاب الذي شك في شموله للفرض بعد ذلك إن لم يكن ظاهره خلافه.

ولعله لذلك كله حكي عن الشيخ أن روايات الهدم أكثر من عدمه ، بل قد سمعت عبارة المصنف ، بناء على إرادة الأشهر رواية وعملا ، ولكن في مقابلها نصوص آخر أنهاها في الحدائق إلى سبعة ، وفيها الصحيح وغيره ، وبعيدة عن التأويل والحمل على غير التقية وإن احتمل الشيخ حملها على اختلال بعض شروط المحلل.

بل في كشف اللثام بعد أن ذكر جملة منها قال : « وعندي أنه لا تعارض ، لاحتمال أن يراد بما‌ في بعضها (٣) من كونها « عنده على تطليقة وواحدة قد مضت » أنها تكون زوجة ، ويجوز له الرجوع إليها بعد تطليقتين ، فيفيد الهدم ، وأن المراد بمضي الواحدة انهدامها ».

لكن لا يخفى على من لاحظها امتناعه في بعضها ، قال الحلبي في الصحيح (٤) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل طلق امرأته تطليقة ثم تركها حتى مضت عدتها ، ثم تزوجها رجل غيره ، ثم إن الرجل مات أو طلقها فراجعها الأول ، قال : هي عنده على تطليقتين باقيتين ».

وصحيح ابن مهزيار (٥) كتب عبد الله بن محمد إلى أبى الحسن عليه‌السلام « روى بعض أصحابنا عن أبى عبد الله عليه‌السلام في الرجل يطلق امرأته على الكتاب والسنة فتبين منه بواحدة ، فتتزوج زوجا غيره فيموت عنها أو يطلقها ، فترجع إلى زوجها الأول أنها تكون عنده على تطليقتين وواحدة قد مضت ، فوقع عليه‌السلام بخطه : صدقوا ، وروى‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٧ ـ ١٠ ـ ١٣.

(٢) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٢٩.

(٣) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٧.

(٤) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٦.

(٥) أشار إليه في الوسائل في الباب ـ ٦ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٧ وذكره في الكافي ج ٥ ص ٤٢٦.

١٦٥

بعضهم أنها تكون عنده على ثلاث مستقبلات ، وأن تلك التي طلقها ليس بشي‌ء ، لأنها قد تزوجت زوجا غيره ، فوقع عليه‌السلام بخطه : لا ».

وصحيح منصور (١) عن أبى عبد الله عليه‌السلام « في امرأة طلقها زوجها واحدة أو اثنتين ، ثم تركها حتى تمضي عدتها ، فيتزوجها غيره ، فيموت أو يطلقها ، فيتزوجها الأول ، قال : هي عنده على ما بقي من الطلاق ». ونحوه خبر زرارة (٢) عن أبى جعفر عن علي عليه‌السلام.

وقد‌ أخبر محمد بن قيس (٣) عنه عليه‌السلام أيضا « سألته عن رجل طلق امرأته تطليقة ، ثم نكحت بعده رجلا غيره ، ثم طلقها فنكحت زوجها الأول ، فقال : هي عنده على تطليقة ».

وزاد في الحدائق الاستدلال بصحيح جميل (٤) عن أبى عبد الله عليه‌السلام « إذا طلق الرجل المرأة ، فتزوجت ثم طلقها ، فيتزوجها الأول ثم طلقها ، فتزوجت رجلا ثم طلقها ، فإذا طلقها على هذا ثلاثا لم تحل له أبدا » ونحوه خبر إبراهيم بن عبد الحميد عن الكاظم عليه‌السلام (٥) إلا أنه يمكن إرادة التسع منهما بقرينة « أبدا » أي كررت الثلاث ثلاثا.

وعلى كل حال فلا ريب في أن مقتضى أصول المذهب وقواعده ترجيح الأولى عليها من وجوه ، بل صراحتها وصحتها وكثرة عددها ، وموافقتها لإطلاق الكتاب (٦) والسنة (٧) في وجه لا تجدي بعد إعراض الأصحاب ـ الذين خرجت منهم ـ عنها ،

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٩.

(٢) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ١٠.

(٣) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ١١.

(٤) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد الحديث ٢.

(٥) أشار إليه في الوسائل في الباب ـ ١١ ـ من أبواب استيفاء العدد ٢ الحديث ٢ وذكره في الكافي ج ٥ ص ٤٢٨.

(٦) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٢٩.

(٧) الوسائل الباب ـ ٣ و ٤ ـ من أبواب أقسام الطلاق.

١٦٦

بل يزيدها وهنا وأي وهن ، خصوصا بعد إشارة النصوص (١) السابقة إلى أن مضمونها قول عمر ، وإن خالفه بعض أوليائه بعد ذلك ، بل عن الخلاف حكايته عن عمر وأبي هارون والشافعي ومالك والأوزاعي وابن أبى ليلى وزفر والشيباني وغيرهم.

فمن الغريب غرور المحدث البحراني بها وأطنابه في المقام بما لا طائل تحته ، بل مرجعه إلى اختلال الطريقة ، وأغرب منه تردد الفاضل في التحرير مع نزاهته عن هذا الاختلال.

ومن العجيب أن ثاني الشهيدين الذي شرع هذا الاختلال قال في المقام : « إن عمل الأصحاب على الأول ، فلا سبيل إلى الخروج عنه ».

ولو طلق الذمي الذمية ثلاثا فتزوجت بعد العدة ذميا جامعا لشرائط التحليل ثم بانت منه وترافعا إلينا حكمنا لهما بالحل.

ولو أسلم الذمي ثم أسلمت هي بعد المحلل الذمي حل للأول نكاحها بعقد مستأنف بلا خلاف أجده فيه ، للإطلاق كتابا (٢) وسنة (٣) وكذا الكلام في كل مشرك. وبناء على جواز نكاح الذمية ابتداء فتصور طلاقها ثلاثا واضح ، بل وإن لم نقل به إذا طلقها بعد إسلامه أو قبله ثم راجعها في العدة وهكذا ثلاثا ، لأن الرجعة ليس ابتداء نكاح ، والفرض عدم انفساخ نكاحه بإسلامه وإن لم نجوز له ابتداء النكاح.

والأمة إذا طلقت مرتين حرمت ( حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ) سواء كانت تحت حر أو عبد لأن العبرة في عدد الطلقات عندنا النساء لا الرجال ، فالحرة ثلاث وإن كانت تحت عبد ، والأمة اثنتان وإن كانت تحت حر ، خلافا للعامة فالعبرة عندهم فيه الرجال ، وتظهر الثمرة في الحرة تحت العبد والأمة تحت الحر ، وقد استفاضت‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٣.

(٢) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٣٠.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣ و ٤ ـ من أبواب أقسام الطلاق.

١٦٧

نصوصنا بخلافهم أو تواترت.

ففي‌ صحيح العيص بن القاسم (١) « أن ابن شبرمة قال : الطلاق للرجل ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : الطلاق للنساء ، وتبيان ذلك أن العبد تكون تحته الحرة فيكون تطليقها ثلاثا ، ويكون الحر تحته الأمة فيكون طلاقها تطليقتين ».

وفي‌ صحيح زرارة (٢) عن الباقر عليه‌السلام « سألته عن حر تحته أمة أو عبد تحته حرة كم طلاقها؟ وكم عدتها؟ فقال : السنة في النساء في الطلاق ، فان كانت حرة فطلاقها ثلاث وعدتها ثلاثة قروء ، وإن كان حر تحته أمة فطلاقها تطليقتان وعدتها قرآن » إلى غير ذلك من النصوص ، بل في‌ النبوي العامي (٣) أيضا « طلاق الأمة طلقتان ، وعدتها حيضتان ».

بل في المسالك الاستدلال عليه في مقابلة العامة بقوله تعالى (٤) ( الطَّلاقُ مَرَّتانِ ) إلى آخره لكونه في الحرة ، بقرينة قوله تعالى (٥) ( وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً ) فإن الإتيان للحرة ، وأما الأمة فلمولاها ، ولا ينافي ذلك ( وَلا يَحِلُّ لَكُمْ ) من حيث كونه خطابا للأزواج ، والأخذ إنما هو الحر دون العبد ، لمنع كونه خطابا للأزواج بل لمن الأداء من ماله الشامل للأزواج وغيرهم ، وإن كان هو كما ترى ، ضرورة إمكان دعوى كون الإتيان ولو للمولى أيضا ، لكن الأمر سهل بعد معلومية الحال من نصوص (٦) العترة صلوات الله عليهم الذين هم مع كتاب الله تعالى الخليفة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فينا لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض (٧).

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٢.

(٣) سنن البيهقي ج ٧ ص ٣٦٩ و ٤٢٦.

(٤) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٢٩.

(٥) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٢٩.

(٦) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب أقسام الطلاق.

(٧) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب صفات القاضي الحديث ٣٤ و ٧٧ من كتاب القضاء.

١٦٨

وكيف كان فـ ( لا تحل للأول ) بوطء المولى بلا خلاف ، للنصوص (١) السابقة المعتضدة بالأصل وظاهر الكتاب (٢) وغيرهما وكذا لا تحل لو ملكها المطلق ، لسبق التحريم على الملك فيستصحب ، ولإطلاق نفي الحل كتابا (٣) وسنة (٤) ( حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ) ، وخصوص‌ صحيح بريد العجلي (٥) عن أبى عبد الله عليه‌السلام « في الأمة يطلقها تطليقتين ثم يشتريها ، قال : لا ( حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ) » وخبره الآخر (٦) عن أبى عبد الله عليه‌السلام إنه قال « في رجل تحته أمة فطلقها تطليقتين ثم اشتراها بعد ، قال : لا يصلح له أن ينكحها حتى تتزوج زوجا غيره ، وحتى تدخل في مثل ما خرجت منه » وصحيح الحلبي (٧) عنه عليه‌السلام أيضا « سألته عن رجل حر كانت تحته أمة فطلقها طلاقا بائنا ثم اشتراها هل يحل له أن يطأها؟ قال : لا » بعد إرادة المرتين من البائن فيه. وموثق سماعة (٨) « سألته عن رجل تزوج امرأة مملوكة ثم طلقها ثم اشتراها بعد ، هل تحل له؟ قال : لا ( حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ) » بعد التقييد بالمرتين.

معتضدا ذلك كله بعمل الأصحاب قديما وحديثا ، عدا ما يحكى عن ابن الجنيد من الحل ، لخبر أبى بصير (٩) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام رجل كانت تحته أمة فطلقها طلاقا بانا ثم اشتراها بعد ، قال : يحل له فرجها من أجل شرائها ، والحر والعبد في هذه المنزلة سواء » القاصر عن معارضة ما سمعت من وجوه ، فلا بأس بطرحه أو حمله على التقية ، أو يقرأ « بائنا » بالنون لا التاء فتحمل البينونة على الشراء قبل الخروج من العدة أو بعدها لا التطليقتين ، أو يقيد إباحة الفرج بالشراء بما إذا تزوجت زوجا آخر أو غير ذلك مما لا بأس به بعد عدم مكافئته.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب أقسام الطلاق.

(٢) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٣٠.

(٣) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٣٠.

(٤) الوسائل الباب ـ ٣ و ٤ و ٧ ـ من أبواب أقسام الطلاق.

(٥) الوسائل الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٣.

(٦) الوسائل الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٦.

(٧) الوسائل الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٥.

(٨) الوسائل الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٧.

(٩) الوسائل الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٤.

١٦٩

فمن الغريب جمع الكاشاني بينه وبين النصوص السابقة بالجواز على كراهة ، مستدلا على ذلك بصحيح ابن سنان (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل كانت تحته أمة فطلقها على السنة ، فبانت منه ، ثم اشتراها بعد ذلك قبل أن تنكح زوجا غيره ، قال : أليس قضى علي عليه‌السلام في هذا؟ أحلتها آية وحرمتها آية ، وأنا أنهى عنها نفسي وولدي » الذي هو ظاهر في التحريم ، خصوصا بعد‌ خبر ابن قسام ( بسام خ ل ) (٢) « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عما يروي الناس عن أمير المؤمنين عليه‌السلام عن أشياء من الفروج لم يكن يأمر بها ولا ينهى عنها إلا نفسه وولده ، فقلنا : كيف ذلك؟ فقال : أحلتها آية وحرمتها آية أخرى ، قلنا. هل تكون إحداهما نسخت الأخرى أم هما محكمتان ينبغي أن يعمل بهما؟ قال : قد بين لهم إذ نهي نفسه وولده ، فقلنا : ما منعه أن يبين؟ فقال : خشي أن لا يطاع ، فلو أن أمير المؤمنين عليه‌السلام ثبتت قدماه أقام كتاب الله كله والحق كله » ونحوه المروي عن كتاب علي بن جعفر عليه‌السلام (٣).

ولو طلقها أي الأمة مرة ثم اعتقت ثم تزوجها بعد العدة أو راجعها فيها بقيت معه على واحدة استصحابا للحال الأول ، وحينئذ فلو طلقها أخرى حرمت عليه حتى يحلها زوج فان عتقها أو عتقه أو عتقهما لا يهدم الطلاق ، ولا يغيرها عن حالها السابق ، للأصل ، وصحيح رفاعة (٤) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن العبد والأمة يطلقها تطليقتين ثم يعتقان جميعا هل يراجعها؟ قال : لا ( حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ) فتبين منه » وصحيح محمد بن مسلم (٥) عن أبي‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ٨ من كتاب النكاح عن معمر بن يحيى بن سام الا أن الموجود في التهذيب ج ٧ ص ٤٦٣ معمر بن يحيى بن بسام.

(٣) البحار ج ١٠ ص ٢٦٦ الطبع الحديث.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ١.

(٥) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٢.

١٧٠

جعفر عليه‌السلام « المملوك إذا كانت تحته مملوكة فطلقها ثم أعتقها صاحبها كانت عنده على واحدة » وصحيح الحلبي (١) قال أبو عبد الله عليه‌السلام « في العبد تكون عنده الأمة ، فيطلقها تطليقة ثم أعتقا جميعا كانت عنده على تطليقة واحدة » وموثق هشام بن سالم (٢) عن أبى عبد الله عليه‌السلام « إن العبد إذا كان تحته الأمة فطلقها تطليقة فأعتقا جميعا كانت عنده على تطليقة واحدة » وهي مع ما ترى من جمعها لشرائط الحجية معتضدة بعمل الأصحاب.

فما عن ابن الجنيد ـ من أن الأمة إذا أعتقت قبل وقوع الطلاق الثاني بها انتقل حكم طلاقها إلى الحرائر ، فلا تحرم إلا بالثالثة مؤيدا له في المسالك بما وقع لهم في نكاح المشركات إذا أسلم العبد وعنده أربع وأعتق ، وفي القسم بين الزوجات إذا أعتقت الأمة في أثنائه من أنه متى كان العتق قبل استيفاء حق العبودية يلحق بالأحرار في الحكم ، والمقام منه ـ كالاجتهاد في مقابلة النص بعد تسليم ما ذكره.

وعلى كل حال فقد عرفت فيما تقدم أن مقتضى اتفاقهم وما فهموه من نصوص العسيلة من إرادة الدخول كون الخصي يحلل المطلقة ثلاثا إذا وطأ وحصلت فيه الشرائط السابقة. ولكن في رواية‌ محمد بن مضارب (٣) لا يحلل ، قال : « سألت الرضا عليه‌السلام عن الخصي يحلل ، قال لا يحلل ، ولا جابر لها ، بل لم أجد عاملا بها إلا ما عساه يظهر من الحر في وسائله ، فلا بأس بحملها على خصي لا يحصل منه الجماع ، على أن الخبر المزبور قد رواه‌ الشيخ في زيادات النكاح من التهذيب بهذا الاسناد عن الرضا عليه‌السلام (٤) قال : « سألته عن الخصي يحل قال : لا يحل » وإرادة التحليل منه خلاف المتعارف في التعبير ، فلذا احتمل إرادة حل نظره إلى المرأة أو عقده من دون الاختبار بحاله ، بل ربما احتمل إرادة سل الأنثيين الذي لا يجوز في الإنسان ، أو أكل الخصيتين ، وإن كان رسم‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٤.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٢.

١٧١

الكتابة بالياء في النسخ الصحيحة يأباهما. وعلى كل حال فهو شاذ ضعيف مضطرب.

وكذا قد عرفت فيما تقدم أنه لو وطأ الفحل قبلا فأكسل حلت للأول ، للتحقق اللذة منهما التي هي المراد من العسيلة ، بل وإن لم تحصل اللذة لهما ، بناء علي أن المراد الدخول المفروض تحققه بغيبوبة الحشفة ، كما هو واضح.

ولو تزوجها المحلل فارتد بعد وطئه لها حصل التحليل قطعا ، ولو كان قبله قبلا ودبرا فوطأها في الردة لم تحل ، لانفساخ عقد نكاح ه‍ بالردة ، إذ لا عدة لها ، فوطؤه حينئذ وطء أجنبي ، وكونها زوجته سابقا غير مجد هنا قطعا وإن قلنا بعدم اشتراط بقاء المبدأ في صدق المشتق ، لظهور النص (١) والفتوى في اعتبار وطئها حال كونها زوجة ، ولذا لم يجد وطؤها بعد عقدها دائما وطلاقها قبل الدخول وإن كان لشبهة فضلا عن غيرها ، كما هو واضح.

ولو كان لها عدة بوطئه لها دبرا فوطأها قبلا بعد الردة فيها فقد يقوى التحليل إذا فرض عوده إلى الإسلام فيها ، لانكشاف كونه وطء زوجة ، وكذا الكلام في ارتداد الزوجة بالنسبة إلى الأقسام الثلاثة ، والله العالم.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب أقسام الطلاق.

١٧٢

( فروع : )

( الأول : )

لو انقضت مدة فادعت أنها تزوجت وفارقها وقضت العدة وكان ذلك ممكنا في تلك المدة قيل والقائل المشهور بل لم أجد فيه خلافا محققا يقبل بلا يمين لا لما في المبسوط من أن في جملة ذلك ما لا يعلم إلا منها كالوطء وانقضاء العدة ، فإنه لا يقتضي تصديقها في غيرهما كالتزويج والطلاق ، ومن هنا قال في كشف اللثام : « لا يبعد تكليفه بالبينة فيهما » ولا لأنها ادعت أمرا ممكنا ولا معارض لها ، كمدعي الوكالة مثلا على مال شخص أو شرائه ، فإنه يجوز أخذه منه ، لما ستعرفه. ولا لأنها مصدقة على نفسها لما تسمعه.

بل لأن في رواية‌ حماد الصحيحة (١) عن أبى عبد الله عليه‌السلام « في رجل طلق امرأته ثلاثا فبانت منه فأراد مراجعتها ، فقال لها : إنى أريد مراجعتك فتزوجي زوجا غيري ، فقالت لي : قد تزوجت زوجا غيرك وحللت لك نفسي ، أتصدق ويراجعها؟ وكيف يصنع؟ قال‌ إذا كانت المرأة ثقة صدقت في قولها » بناء علي عدم إرادة الشرطية بذلك ، لعدم القائل به ، ولأنه لا مدخلية لوثاقة المدعي من حيث كونه كذلك في تصديقه ، ولغير ذلك ، فيحمل على الندب ونحوه ، فيكون حينئذ دليل المسألة ، لا النصوص (٢) المستفيضة المتضمنة لتصديق النساء في عدم الزوج ، أو خلوها‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٣ و ٢٥ ـ من أبواب عقد النكاح والباب ـ ١٠ ـ من أبواب المتعة من كتاب النكاح.

١٧٣

منه بموت ونحوه ، سواء كان معلوما أو غير معلوم ، بل في‌ بعضها (١) « أرأيت لو سألها البينة كان تجد من يشهد أن ليس لها زوج » وهو كالتعليل الشامل للمقام ، فإنه قد يناقش بأن ذلك غير المفروض الذي قد صرح في الكتاب (٢) والسنة (٣) باشتراط الحل بالنكاح فيه الذي هو غير الخلو منه ، وقبول قولها في الخلو من الزوج لا يقتضي قبوله في حصول التزويج.

كما أنه قد يناقش في الدليل الأول بأن مقتضاه جواز التناول من المدعي الذي لا معارض له لعدم تعلق خطاب مخصوص بالمتناول لا مطلقا ولذا لا يجوز دفع الوديعة إليه مثلا بمجرد دعوى الوكالة أو الانتقال إليه ، والمقام من الثاني ، ضرورة تعلق خطاب التحريم حتى يحصل نكاح زوج لها ، فليس له نكاحها حتى يعلم ذلك ولو بطريق شرعي ، ومجرد قولها لم يثبت كونه طريقا لذلك ، ودعوى أنه ربما مات الزوج أو تعذر مصادفته بعينه ونحوها ، فلو لم يقبل منها ذلك لزم الإضرار بها والحرج المنفيان (٤) واضحة الفساد ، ضرورة عدم الضرر والحرج عليها باجتناب شخص خاص عنها.

ومن ذلك يظهر أنه لا وجه للاستدلال بما هو كالتعليل في النصوص المزبورة لقبول قولها في الخلو ، وحينئذ فينحصر الدليل حينئذ بالصحيح المزبورة على الشرط المذكور ، ولا ريب في أن الأحوط مراعاته ، خصوصا بعد ظهور عبارة المصنف والنافع في التوقف في الحكم المزبور ، فتأمل جيدا.

ومن ذلك يعلم أولوية عدم قبول قولها لو عينته وأنكر أصل النكاح ، وإن مال في المسالك إلى قبوله في حصول التحليل وإن لم يثبت موجب الزوجية عليه لوجود‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب المتعة الحديث ٥ من كتاب النكاح.

(٢) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٣٠.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣ و ٤ و ٧ ـ من أبواب أقسام الطلاق.

(٤) الوسائل الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الوضوء الحديث ٥ من كتاب الطهارة والباب ـ ١٢ ـ من كتاب احياء الموات.

١٧٤

المقتضى لقبول قولها مع عدم تكذيبه ، وهو إمكان صدقها مع تعذر إقامة البينة على جميع ما تدعيه ، ومجرد إنكاره لا يمنع صدقها في نفس الأمر.

ولا ينافي ذلك تقديم قوله ، لأنه منكر ، واستصحابا للأصل ، ولإمكان إقامة البينة على أصل التزويج ، لأنا لا نقبل قولها إلا في حقها خاصة ، والأصل لو عارض لقدح في أصل دعواها مطلقا.

وناقشه في الحدائق بأن ظاهر النصوص قبول قولها حيث لا معارض لها في دعواها ، وإلا كانت من مسألة المدعي والمنكر. وفيه أن ذلك لا ينافي قبول قولها بالنسبة إلى غير خصمها ، على أن التكذيب أعم منه ، إذ يمكن فرض ذلك حيث لا دعوى ، بل كان ذلك مجرد تكذيب لها كالأجنبي.

نعم قد عرفت أنه لا دليل على قبول قولها في ذلك بمجرد إمكان صدقه وإلا فمع فرضه يتجه ما ذكره حتى في صورة الدعوى بالطريق الذي ذكره ، فتأمل.

( الثاني : )

إذا دخل المحلل فادعت الإصابة فإن صدقها حلت للأول بلا خلاف ولا إشكال ، لكونه أمرا لا يعلم إلا من قبلهما وإن كذبها قيل والقائل الشيخ في المحكي من مبسوطة يعمل الأول بما يغلب على ظنه من صدقها أو صدق المحلل واستدل له بأن الفرض تعذر البينة ، والظن مناط الأحكام الشرعية غالبا ، فيرجع إليه ، وهو كما ترى ، ضرورة عدم كونه مناطا لتحقق موضوعاتها.

والموجود في المبسوط بعد أن ذكر تصديقها مع عدم المعارض « فان قال الزوج الثاني : ما أصبتها فإن غلب على ظنه صدقها قبل قولها ، وإن كذبها تجنبها ، وليس بحرام ، ومتى كذبها في هذه الدعوى ثم صدقها جاز له أن يتزوج بها ، لجواز أن لا يعلم صدقها فكذبها ثم بان له صدقها فصدقها ، فحل له أن يتزوج بها ».

١٧٥

وهو صريح في عدم الحرمة بعد حمل قوله « وإن كذبها » على إرادة غلبة الظن بكذبها ، والأمر بالتجنب على ضرب من الندب والاحتياط ، فيكون موافقا لما ذكره المصنف بقوله ولو قيل : يعمل بقولها على كل حال كان حسنا ، لتعذر إقامة البينة بما تدعيه وفي القواعد « هو الأقرب » وفي المسالك « هو الأقوى لما ذكره المصنف من تعذر إقامة البينة ، مع أنها تصدق في شرطه ، وهو انقضاء العدة ، فكذا في سببه ، ولأنه لولاه لزم الحرج والضرر ، كما أشرنا إليه ».

وناقشه في الحدائق بنحو ما سمعته سابقا من أنها بحصول المعارض من مسائل المدعي والمنكر ، فهي نظير ما لو ادعت المرأة أن لا زوج لها وادعى آخر أنها زوجته ، فان الظاهر أنه لا قائل بجواز تزويجها في هذه الحال بناء على أنها مصدقة في دعوى عدم الزوج ، والحال أنه يدعى زوجيتها ، وإنما قبول قولها مع عدم ذلك ، كما هو الظاهر من الأخبار (١) المتقدمة.

لكن لا يخفى عليك ما فيه من إمكان القطع بجواز تزويجها وإن ادعى مدع ، وإلا لزم تعطيل أكثر النساء بمجرد الدعوى التي لا يجبر صاحبها عليها لتقطع بظاهر الشرع ، وربما يقال ذلك في مقام نشر الدعوى عند الحاكم وتشاغله بقطعها ، لا أن مطلق مجرد الدعوى يقتضي عدم جواز التزويج ، وليس ذلك لتصديقها ، بل للأصل ، كغيرها من الدعاوي في المال وغيره ، كما هو واضح.

نعم قد يناقش بالشك في قبول قولها في الفرض باعتبار اشتراكهما في الائتمان عليه ، ولذا يصدق كل منهما فيه مع عدم معارضة الأخر ، وأما مع التعارض فيشكل ترجيح أحدهما على الآخر من دون مرجح ، ولعله لذا كان المحكي عن الشيخ الترجيح بغلبة الظن في قول أحدهما ، ومقتضاه عدم الجواز مع عدم الترجيح ، ولا ينافي ذلك قبول قولها مع عدم معارضة الزوج باعتبار كونها مؤتمنة عليه.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٣ و ٢٥ ـ من أبواب عقد النكاح والباب ـ ١٠ ـ من أبواب المتعة.

١٧٦

نعم قد يقال : لا دليل على الترجيح بغلبة الظن ، إلا أن يراد بها الطمأنينة التي هي علم في العرف في مقابلة العلم عند أهل الميزان ، فيتجه حينئذ وجوب الاجتناب مع عدمها ، لأصالة بقاء التحريم السالمة عن المعارض حتى الصحيح (١) المزبور الظاهر في كون المراد تصديق قولها إذا كان ثقة في مفروض السؤال الذي هو خال عن تكذيب الزوج لها فتأمل جيدا.

ولو رجعت عن دعواها الإصابة قبل العقد عليها للزوج الأول لم تحل عليه ، لإقرارها المؤاخذة به ، وإن لم ترجع إلا بعد العقد عليها لم يقبل رجوعها ، لكونه في حق الغير ، ولو رجع هو أو هي عن التكذيب إلى التصديق حلت ، لأصالة صحة قول المسلم.

( الثالث : )

لو وطأها محرما كالوطء في الإحرام أو الصوم الواجب وفي الحيض أو نحو ذلك قيل والقائل الإسكافي والشيخ فيما حكي عنهما لا تحل له ، لأنه وطء منهي عنه ، فلا يكون مرادا للشارع ولا مندرجا في أدلة التحليل الظاهر في اعتبار المواقعة فيه المستفاد منها الإذن فيه.

وقيل والقائل المشهور تحل ، لتحقق النكاح المستند إلى العقد الصحيح الذي قد جعله الشارع سببا للجواز ، والمقام من أحكام الوضع التي لا مانع من ترتيب الشارع لها على المحرم ، بل قد عرفت في الأصول ترتيب المشهور صحة العبادة في مسئلة الضد على العصيان بترك المأمور به ، ولا ريب أن المقام بطريق أولى ، ودعوى ظهور الأدلة هنا أن الشرط الوطء المأذون فيه من حيث كونه كذلك وهو لا يتعلق بالمحرم وإن لم يكن عبادة واضحة الفساد ، ضرورة أعمية الإذن المستفادة من الأدلة من دعوى اعتبارها في الشرطية ، فالأقوى حينئذ الحل‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ١.

١٧٧

في الفرض ، فضلا عن الحرمة في العارض ، لضيق وقت صلاة مثلا.

بل الظاهر عدم الفرق بين الحرمة بما عرفت وبينها بعدم بلوغ البنت تسعا وإن أفضاها ، لإطلاق الأدلة ، ودعوى ظهور الآية (١) في استقلال نكاح المحللة بنفسها دون الصغيرة التي يعقدها المولى واضحة الفساد ، إذ الظاهر أن أمثال هذه الخطابات شاملة للوكالة والولاية وغيرهما ، كما في غير المقام.

ومن هنا لم يكن فرق في المحلل والمحللة بين الجنون والعقل ، نعم قد يتوقف في حصول التحليل في الصغيرة لا من هذه الجهة ، بل لعدم بلوغها حد ذوق العسيلة ، نحو ما سمعته في المراهق دون البلوغ ، ومقتضاه عدم الإشكال في عدم حصوله فيها إذ لم تكن مراهقة ، وفي المراهقة البحث السابق.

إلا أن الذي يظهر من غير واحد من الأصحاب المفروغية من حصول التحليل فيها وإن كانت صغيرة ، بناء على عدم اعتبار الحل في الوطء ، خصوصا عند تعرضهم للشرائط واقتصارهم على اعتبار البلوغ في المحلل ، ولم يتعرضوا للمحللة ، فإن تم إجماعا وإلا كان للنظر فيه مجال.

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٣٠ ـ ٢٢٨.

١٧٨

( المقصد الثالث )

( في الرجعة )

التي هي لغة المرة من الرجوع ، وشرعا رد المرأة المطلقة إلى النكاح السابق ، ولا خلاف بين المسلمين في أصل مشروعيتها المستفادة من الكتاب (١) والسنة (٢) والإجماع ، كما لا خلاف بينهم في أنها تصح الرجعة نطقا كقوله : « راجعتك » و « ارتجعتك » مطلقا أو مع إضافة قوله : « إلى نكاحي » ونحو ذلك من الألفاظ الدالة على إنشاء المعنى المزبور بنفسها على تفاوتها بالصراحة أو بقرينة حال أو مقال على حسب غيره من المعاني التي يراد إبرازها بالألفاظ الدالة عليها.

هذا ولكن في الروضة بعد ذكر الألفاظ الصريحة في الرجعة قال : « في معناها « رددتك » و « أمسكتك » لو ردهما في القرآن (٣) بقوله تعالى ( وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ ) وقوله تعالى (٤) ( فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ ) ولا تفتقر إلى نية الرجعة ، لصراحة الألفاظ ، وقيل يفتقر إليها في الأخيرين ، لاحتمالهما غيرها ، كامساك باليد وفي البيت ونحوه ، وهو حسن ».

وفيه أن إرادة المعنى من اللفظ المقصود به الدلالة على ذلك معتبرة في كل لفظ صادر من غير الساهي والنائم والعابث ، نعم تختلف الألفاظ الصريحة عن غيرها بالحكم على المتلفظ بالأول منها من غير حاجة إلى إخباره بذلك بخلاف الثاني فإنه لا يحكم عليه بإرادة المعنى المقصود به إلا بإخباره أو وجود القرينة الدالة على ذلك الذي‌

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٣٠ ـ ٢٢٨.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب أقسام الطلاق.

(٣) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٢٨.

(٤) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٢٩.

١٧٩

يكون بها صريحا أيضا كما هو واضح بأدنى نظر.

إنما الكلام في أمرين لم أجد لهما تحريرا في كلام الأصحاب : ( أحدهما ) : أن الرجعة من أقسام الإيقاع ، فيعتبر فيها حينئذ قصد الإنشاء ، واللفظ الصريح الدال عليها عند من اعتبره في نظائرها من العقود والإيقاعات ، أو ليست كذلك ، بل هي من حقوق المطلق ، كما عساه يومئ إليه هنا اتفاقهم ظاهرا على عدم اعتبار لفظ مخصوص بها ، بل ستسمع التصريح نصا (١) وفتوى بحصولها بالفعل المقتضي ، للزوجية ، بل تسمعهما أيضا في إن إنكار الطلاق رجعة ، ونحو ذلك مما لم يعهد منهم نظيره في غيرها من الإيقاعات ، بل ستسمع تردد المصنف في قبولها للتعليق ، ( ثانيهما ) اعتبار قصد معنى الرجوع فيها أو يكفي حصول ما يقتضي كونها زوجة له فعلا وإن لم يتصور معنى الرجوع ، كما عساه يومئ إليه الحكم بكون كل من الوطء وإنكار الطلاق رجعة ، وربما تسمع لهما فيما يأتي تنقيح في الجملة.

وكذا لا خلاف بيننا في أنها تصح فعلا كالوطء بل الإجماع بقسميه عليه ، بل عن بعض العامة موافقتنا عليه ، وقال الصادق عليه‌السلام في صحيح محمد بن القاسم (٢) : « من غشي امرأته بعد انقضاء العدة جلد الحد ، وإن غشيها قبل انقضاء العدة غشيانه إياها رجعة ».

ولا خلاف في عدم اختصاص ذلك بالوطء ، بل لو قبل أو لامس بشهوة أو بدونها أو نحو ذلك مما لا يحل إلا للزوج كان رجعة أيضا ولم يفتقر استباحته أي الوطء أو التقبيل أو اللمس بشهوة إلى تقدم الرجعة في اللفظ لأنها زوجة ما دامت في العدة ، فله فعل ذلك وغيره بها من دون تقدم رجوع ، بل قد يظهر من المصنف والقواعد عدم اعتبار قصد الرجوع كما اعترف به غير واحد ، بل في التحرير التصريح بأنه لا حاجة إلى نية الرجعة إذا تحقق القصد إلى الفعل بالمطلقة وإن كان ذاهلا عن الرجعة ، بل في كشف اللثام احتمال ذلك حتى مع نية خلافها ، لإطلاق النص (٣) والفتوى.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب حد الزنا الحديث ١ من كتاب الحدود.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب حد الزنا الحديث ١ من كتاب الحدود.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب حد الزنا الحديث ١ من كتاب الحدود.

١٨٠