جواهر الكلام - ج ٣٢

الشيخ محمّد حسن النّجفي

والوجه أن أكثر ما يكون غرض الناس من المراجعة البينونة ، كما أومأ إليه الباقر عليه‌السلام في خبر أبى بصير (١) السابق.

وربما أيد ذلك‌ بالمروي (٢) في تفسير قوله تعالى (٣) ( وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا ) عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، « الرجل يطلق حتى إذا كادت أن يخلو ( يحل خ ل ) أجلها راجعها ، ثم طلقها ، يفعل ذلك ثلاث مرات ، فنهى الله تعالى عن ذلك ».

وخبر الحسن بن زياد (٤) عنه عليه‌السلام « لا ينبغي للرجل أن يطلق امرأته ثم يراجعها وليس له فيها حاجة ثم يطلقها ، فهذا الضرار الذي نهى الله تعالى عنه ، إلا أن يطلق ويراجع وهو ينوي الإمساك » بناء على أن المراد منهما حصول الإضرار بها بعدم المواقعة في العدد الثالث (٥) مع كون القصد من المراجعة البينونة ، فإن العدة قد تكون تسعة أشهر ، مع أن غاية ما رخص الشارع تركه للزوجة أربعة أشهر ، ولعله لذا صدر من الامام عليه‌السلام المواقعة بعد كل رجعة.

لكنه أيضا كما ترى لا تتفق عليه جميع الأخبار المزبورة ، وليس قولا لأحد ، بل إن كان المراد من‌ قوله : « فلا تتم مراجعتها » اشتراط صحة الرجعة بالمواقعة فهو من المقطوع بفساده نصا (٦) وفتوى ، فلا ريب في أن الوجه ما ذكرناه أولا.

وكذا الكلام فيما لو أوقع الطلاق بعد المراجعة وقبل المواقعة في الطهر الأول إذ هو أيضا مثل الأول فيه روايتان (٧) أيضا ، لكن هنا الأولى‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٢.

(٣) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٣١.

(٤) الوسائل الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٢ ـ ١.

(٥) هكذا النسخة الأصلية المبيضة ، وفي المسودة بخطه ( قده ) « في العدد الثلاث » وهو الصحيح.

(٦) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من أبواب أقسام الطلاق.

(٧) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٣ والباب ـ ١٩ ـ منها الحديث ٥.

١٤١

تفريق الطلقات على الأطهار إن لم يقع وطء حتى يكون لكل طلقة طهر كما عرفت ، ويكون أبعد مما عند العامة من وقوع الثلاث في مجلس واحد مع تخلل رجوع وعدمه مرسلة ومرتبة أما لو وطأ لم يجز الطلاق إلا في طهر ثان إذا كانت المطلقة ممن يشترط فيها الاستبراء بلا خلاف ولا إشكال لما عرفت من اشتراط صحة الطلاق بكونه في غير طهر المواقعة ، كما هو واضح.

المسألة ( الرابعة : )

لو شك المطلق في إيقاع أصل الطلاق لم يلزمه الطلاق لرفع الشك وكان النكاح باقيا للأصل ، بل ولا يستحب بالخصوص ، خلافا للشافعي ، نعم لا ريب في رجحان الاحتياط ، ولو علم وشك في عدده لزمه اليقين وهو الأقل ، من غير فرق بين الثلاث والتسع ، هذا للأصل ، ولأن الشك في شرط التوقف على المحلل وعدد الحرمة المؤبدة شك في المشروط ، بل هو كذلك لو كان شكه في السني والعدي وإن علم العدد لما عرفت ، وليس الحل مشروطا بالسني حتى يعارض ذلك كما هو واضح.

خلافا لمالك وأبي يونس ، فأوجبا الاجتناب ، لتوهم اجتماع الحظر والإباحة ، فيغلب الحظر كما إذا اختلطت الأجنبية بالأخت وموضع النجاسة بغيره ، وضعفه ظاهر ضرورة عدم قدر متيقن معلوم في المثال ، نعم لو فرض العلم بنجاسة موضع معين من الثوب بوقوع النجاسة وشك في الزائد عليه كان المتجه أيضا نفيه بالأصل ، كما في المقام.

ولو شك في المطلقة من نسائه وجب اجتناب الجميع مقدمة ، نحو اجتناب المشتبهة بالأخت ، كما هو واضح في جميع أفراد المسألة.

نعم ليس منها كما في المسالك ما « لو دار الاشتباه بين زوجتي رجلين بأن‌

١٤٢

أرادا طلاقهما ولم يوقعا إلا واحدا ثم اشتبهت المطلقة وبدا لهما في طلاق الأخرى ، فإنا لا نحكم بطلاق واحدة منهما ، بخلاف ما لو اتحد الشخص وتعددت المنكوحة ، والفرق أن الشخص الواحد يمكن حمله على مقتضى الالتباس وربط بعض أمره ببعض ، والرجلان يمتنع الجمع بينهما في توجيه الخطاب ـ إلى أن قال ـ : وهذا كما إذا سمعنا صوت حدث بين اثنين ثم قال كل واحد منهما إلى الصلاة لم يكن للآخر أن يعترض عليه ، ولو أن الواحد صلى صلاتين وتيقن الحدث في إحداهما ثم التبست عليه يؤمر بقضاء الصلاتين إن اختلفا عددا ، وإلا فالعدد المطلق بينهما ».

قلت : قد يقال في مثل الطلاق ونحوه ـ بناء على توجه الخطاب بالتفريق بين الأجنبي والأجنبية إلى الحاكم مثلا ـ بإتيان باب المقدمة أيضا في حقه ، أقصاه المعارضة بحق الغير على وجه يحتاج إلى الترجيح ، نحو الاشتباه بين الأجنبية والزوجة التي لها حق الوطء أربعة أشهر أيضا.

وبذلك يظهر لك إمكان إجراء حكم المقدمة في جميع الخطابات الحسب المتوجهة إلى الحاكم مثلا ، وصيرورة الشخصين فصاعدا بالنسبة إلى تكليفه كالانائين للمكلف الواحد في المقام وغيره ، كما لو علم أن أحد الشخصين يزني أو يواقع امه أو أخته مثلا وهكذا ، فتأمل جيدا.

المسألة ( الخامسة : )

إذا طلق غائبا مثلا بائنا أو رجعيا وانقضت العدة ثم حضر ودخل بالزوجة ثم ادعى الطلاق لم تقبل دعواه فيما يتعلق بحق غيره ولا بينته تنزيلا لتصرف المسلم على المشروع ، فكأنه بفعله مكذب لبينته ولقوله وإن أخذنا بما عليه من إقراره.

وحينئذ فـ ( لو كان أولادها لحق به الولد ) والأصل في ذلك‌ خبر‌

١٤٣

سليمان بن خالد (١) المعتضد بالعمل على وجه لم يظهر لنا مخالف فيه « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل طلق امرأته وهو غائب ، وأشهد على طلاقها ، ثم قدم فأقام مع المرأة أشهرا لم يعلمها بطلاقها ، ثم إن المرأة ادعت الحبل ، فقال الرجل : قد طلقتك وأشهدت على طلاقك ، فقال : يلزمه الولد ، ولا يقبل قبوله ».

هذا ولكن في المسالك أشكل الأول بأن تصرفه إنما يحمل على المشروع حيث لا يعترف بما ينافيه ، ولهذا لو وجدناه يجامع امرأة واشتبه حالها لا يحكم عليه بالزنا ، فإذا أقر بأنه زان يحكم عليه بمقتضاه ، والثاني بأنه يتم مع كونه هو الذي أقامها ، فلو قامت الشهادة حسبة وأرخت بما ينافي فعله قبلت ، وحكم بالبينونة ، ويبقى في إلحاق الولد بهما أو بأحدهما ما قد علم من اعتبار العلم بالحال وعدمه ».

قلت : قد يقال بعدم سماع ما اعترف به مما ينافي فعله إذا كان متعلقا بحق الغير وإن أخذ به في حقه ، لعموم « إقرار العقلاء » (٢) كما أن ظاهر الخبر المزبور عدم سماع دعواه حتى لو قامت بينة بمقتضاها ، سواء كان هو المقيم لها أولا ، مؤاخذة له بفعله المقتضي ترتب ذلك عليه ، فالمراد عدم سماع البينة فيما يتعلق بحقه الذي ألقاه بفعله ، على أن قيام البينة هنا حسبة مبني على أن المقام منها باعتبار حق الله فيها ، أما إذا قلنا إن ذلك من حقوق الآدميين فلا سماع للبينة المكذبة بالقول أو الفعل.

نعم قد يقال بسماعها إذا أظهر تأويلا مسموعا لفعله ، لعموم حجية البينة ، وكون مورد الخبر المجرد عن ذكر التأويل ، بمعنى أن الجواب عنه عليه‌السلام مع فرض كون الدعوى على الكيفية المخصوصة التي منها السكوت عن ذكر التأويل الممكن الذي قد حكم غير واحد من الأصحاب بسماعه في الإقرار الذي هو أولى من الفعل ، وبذلك كله يظهر لك النظر فيما ذكره غير واحد ممن تبع المسالك فيما عرفت ، والله العالم.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من كتاب الإقرار الحديث ٢.

١٤٤

المسألة ( السادسة : )

إذا طلق الغائب مثلا طلاقا رجعيا وأراد العقد على رابعة أو على أخت الزوجة صبر تسعة أشهر ، لاحتمال كونها حاملا لا تنقضي عدتها إلا بذلك ، فيستصحب حرمة نكاح الخامسة حتى يعلم الحل ، وإلى ذلك أشار‌ صحيح حماد بن عثمان (١) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما تقول في رجل له أربع نسوة طلق واحدة منهن وهو غائب عنهن متى يجوز له أن يتزوج؟؟ قال : بعد تسعة أشهر ، وفيها أجلان فساد الحيض وفساد الحمل ».

وربما قيل : سنة كما عن الجامع ، واختاره الفاضل في القواعد احتياطا نظرا إلى حمل المسترابة التي رأت الدم وتأخر عنها الدم الثاني والثالث ، فإنها تصبر تسعة أشهر ثم تعتد بثلاثة أشهر ، وذلك سنة ، فمع فرض لزوم الاحتياط في ذلك كما يومئ إليه الصحيح المزبور يتجه انتظارها.

لكنه كالاجتهاد في مقابلة النص ، مضافا إلى ما ستعرفه من الكلام في ثبوت العدة المزبورة لها ، كما أنه تقدم لك الكلام في البحث عن كون السنة أقصى الحمل الذي يحكي عن الجامع التعليل به هنا ، على أن فيه إمكان منع كون مبنى المنع ذلك ، وإنما هو الصحيح المزبور الذي يمكن ملاحظة الغالب فيه الذي هو التسعة في المقام ، ولعله لذا اكتفى به المصنف والفاضل في محكي التحرير ، مع أن مختارهما العشر في أقصى الحمل ، وحينئذ فالمتجه الوقوف على ما في الصحيح المزبور.

نعم ظاهر قوله عليه‌السلام فيه : « فيها أجلان » إلى آخره أن مبنى الحكم المزبور الاستظهار بالمدة المزبورة ، فيتجه ما ذكره المصنف والفاضل وغيرهما من عدم الفرق في ذلك بين نكاح الخامسة والأخت ، خلافا للمحكي عن ابن إدريس ، فاقتصر على الأولى جمودا على ما في الصحيح المزبور الذي قد اقتصر على مضمونه في المحكي عن‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب العدد الحديث ١.

١٤٥

الشيخ أيضا ، لحرمة القياس ، وأما الأخت فيكفي في جواز تزويجها ما يعلمه من عادة المطلقة من الحيض وإلا فالثلاثة أشهر.

وفيه أن ذيله ظاهر أو صريح في التعليل المقتضي للتعدية ، فلا حاجة إلى رده بما في المختلف ، كما لا حاجة إلى الانتصار له بما في المسالك ، ولا ينافي ذلك‌ صحيح محمد بن مسلم (١) عن أبى جعفر عليه‌السلام : « إذا طلق الرجل امرأته وهو غائب فليشهد على ذلك ، فإذا مضى ثلاثة أشهر فقد انقضت عدتها » للإجماع على تخصيصه بغير نكاح الخامسة ، ومع فرض ظهور ذيله في التعدية المزبورة يتجه تخصيصه أيضا بالأخت.

بل الظاهر عدم التعارض بينه وبين الأول ، فإن انقضاء العدة لا ينافي وجوب الصبر لإرادة نكاح الخامسة أو الأخت احتياطا في أمر النكاح ، ضرورة عدم كون التسع عدة لمطلقة الغائب ، بل ينبغي القطع بعدم جريان باقي أحكام العدة على ما زاد عن الثلاثة أقراء أو الثلاثة أشهر : من الإنفاق والرجوع والتوارث وغيرها ، ولا إشعار في كلام أحد من الأصحاب بكون التسعة عدة هنا ، وإنما أوجبوا الصبر إليها في خصوص نكاح الخامسة أو هي مع الأخت.

وبذلك يظهر لك ما في كلام بعض متأخري المتأخرين ، كما أن من الذيل المزبور يظهر الحال فيما ذكره المصنف وغيره من أنه لو كان يعلم خلوها من الحمل كفاه ثلاثة أقراء إن علم عادة المرأة أو ثلاثة أشهر للعلم بانتفاء الحمل الذي يلحظ خروجها عن العدة بوضعه.

بل ويعلم أيضا أن المراد بالتسعة أشهر من حين الوطء لا حين الطلاق ، فإذا فرض كونه ستة أشهر مثلا ثم طلقها صبر ثلاثة أشهر ، فتكمل له تسعة أشهر التي هي مدة التربص المزبور ، وكذا الأربعة والخمسة وهكذا ، و ( بالجملة ) يلحظ في أمرها مضي مدة يظهر فيها وضع الحمل لو كان ، وقضاء العدة بالحيض إن كانت مستقيمة‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب العدد الحديث ١.

١٤٦

أو الأشهر.

وعلى كل حال فلو تزوج قبل المدة أثم قطعا ، ولكن يصح نكاحه إذا بان وقوعه بعد تمام العدة ، كما يبين فساده لو بان وقوعه في أثنائها ، بل الظاهر الفساد لو فرض اشتباه الحال ، ولو تزوج بعد المدة فبان بقاء المطلقة في العدة لاسترابة أو غيرها ففي صحة نكاحه وفساده وجهان ، أقواهما البطلان ، والله العالم.

( النظر الثالث )

( في اللواحق )

( وفيه مقاصد‌ )

( الأول )

( في طلاق المريض )

يكره للمريض أن يطلق زيادة على كراهة أصل الطلاق على المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة ، بل لم يتحقق الخلاف في ذلك وإن حكي التعبير بلفظ : « لا يجوز » عن المقنعة والتهذيب ، « ولا يجوز طلاق يقطع الموارثة بينهما » عن الإستبصار ، إلا أنه يمكن إرادتهما من ذلك الكراهة ، كما وقع لهما غير مرة ، خصوصا بعد كون ذلك منهما تبعا لقول الصادق عليه‌السلام في خبر عبيد بن زرارة (١) « لا يجوز طلاق المريض ، ويجوز نكاحه » وفي‌ خبر زرارة (٢) « ليس للمريض أن يطلق ، وله أن يتزوج » المعلوم حمله على الكراهة ، لمعارضته بالنصوص (٣) المستفيضة‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢١ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢١ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٤.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب أقسام الطلاق.

١٤٧

أو المتواترة التي سيمر عليك جملة منها التي فهم الأصحاب منها الصحة بلا إثم ولو بقرينة ما في‌ صحيح الحلبي (١) منها عن أبى عبد الله عليه‌السلام أنه سئل « عن الرجل يحضره الموت فيطلق امرأته أيجوز طلاقه؟ قال : نعم وإن مات ورثته وإن ماتت لم يرثها » معتضدا بالأصول والعمومات. بل يمكن إرادة عدم مضي تمام حكم الطلاق على طلاقه من عدم الجواز ، لما ستعرفه من أنها ترثه وإن انقضت عدتها إلى سنة ، نعم قد يقال باختصاص الكراهة فيما إذا لم تكن هي الطالبة للطلاق لكن النهي مطلق وإن قيد إرثها منه بذلك ، كما ستعرف.

وعلى كل حال فـ ( لو طلق صح ) طلاقه بلا خلاف كما عن المبسوط ، بل لعله إجماع حتى من القائل بعدم الجواز الذي لا ينافي الصحة المستفادة من النصوص (٢) المستفيضة أو المتواترة وهو يرث زوجته ما دامت في العدة الرجعية إجماعا بقسميه ، مضافا إلى معلومية كونها كالزوجة في باقي الأحكام ، وإلى‌ موثق زرارة (٣) « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الرجل يطلق المرأة ، قال : ترثه ويرثها ما دام له عليها رجعة » وصحيحه (٤) عنه عليه‌السلام أيضا « إذا طلق الرجل امرأته توارثا ما كانت في العدة ، فإذا طلقها التطليقة الثالثة فليس له عليها رجعة ، ولا ميراث بينهما » والصحيح (٥) « أيما امرأة طلقت ثم توفي عنها زوجها قبل أن تنقضي عدتها‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٢ الا أنه رواه مضمرا كما في الاستبصار ج ٣ ص ٣٠٤ والكافي ج ٦ ص ١٢٣ ولكن في الفقيه ج ٣ ص ٣٥٤ عن أبى عبد الله عليه‌السلام.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب أقسام الطلاق.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب ميراث الأزواج الحديث ٤ من كتاب المواريث.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب ميراث الأزواج الحديث ١٠ من كتاب المواريث.

(٥) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب ميراث الأزواج الحديث ٨ من كتاب المواريث مع اختلاف يسير ، وفي الاستبصار ج ٣ ص ٣٤٤ كالجواهر.

١٤٨

ولم تحرم عليه فإنها ترثه ، وتعتد عدة المتوفى عنها زوجها ، وإن توفت وهي في عدتها ولم تحرم عليه فإنه يرثها » وخبر محمد بن قيس (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام « إذا طلقت المرأة ثم توفي عنها زوجها وهي في عدة منه لم تحرم عليه فإنها ترثه وهو يرثها ما دامت في الدم من حيضتها الثانية من التطليقتين الأولتين ، فإن طلقها الثالثة فإنها لا ترث من زوجها شيئا ولا يرث منها » إلى غير ذلك من النصوص المستفيضة أو المتواترة التي لا يقاومها ما في صحيح الحلبي (٢) السابق وإن كان خاصا بالمرض وهي مطلقة.

إلا أنه لشذوذه وعدم القائل بمضمونه قاصر عن التقييد مع احتماله عدة البائن ، ولا ينافيه إرثها منه ، لما ستعرفه من اتفاق النص (٣) والفتوى على إرثها منه بالشروط إلى سنة وإن كانت بائنا ، إذ المراد لا يرثها إذا انقضت العدة ، كما في‌ خبر الحلبي وأبي بصير وأبي العباس جميعا (٤) عن أبى عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « ترثه ولا يرثها إذا انقضت العدة » المعلوم كون الموضوع فيه طلاق المريض ، كما لا يخفى على من لاحظ الكافي ، فإنه رواه بعد أن روى عن أبي العباس (٥) طلاق المريض على وجه يعلم منه أن مرجع الضمير فيه ذلك ، على أنه لا يتم بقرينة غيره من النصوص إلا على ذلك ، فهو حينئذ مقيد لصحيح الحلبي.

فمن الغريب ما وقع للخراساني وسيد المدارك من التوقف في الحكم المزبور للصحيح المذكور بعد اعترافهما بكون الحكم كذلك عند الأصحاب الذين هم أدرى منهما بالسنة والكتاب.

وأغرب من ذلك ما في الرياض من نقل الجمع المزبور بالتقييد المذكور عن الشيخ ، ونفي البأس ، عنه جميعا بين الأدلة ولو لم يكن له شاهد ولا قرينة ، مع أن الخبر المزبور بمرأى منه.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب ميراث الأزواج الحديث ١ من كتاب المواريث.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب أقسام الطلاق.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٩.

(٥) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب ميراث الأزواج الحديث ٢ من كتاب المواريث.

١٤٩

ونحو ذلك ما في كشف اللثام من أنه يمكن القول بالفرق بينهما مع قصد الإضرار وإن كان الطلاق رجعيا ، ويمكن الحمل على أن الأفضل أن لا يرثها ، إذ هما معا كما ترى بعد الإحاطة بما ذكرنا والأمر سهل.

نعم لا يرثها في البائن ولا بعد العدة الرجعية على المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة ، بل عن الخلاف الإجماع عليه ، كما عن المبسوط نفي الخلاف ، لانتفاء الزوجية وانقطاع العصمة بينهما ، فأصالة عدم الإرث بحاله ، وفي‌ مرسل يونس (١) عن أبى عبد الله عليه‌السلام « سألته ما العلة التي من أجلها إذا طلق الرجل امرأته وهو مريض في حال الإضرار ورثته ولم يرثها؟ فقال : هو الإضرار ، ومعنى الإضرار منعه إياها ميراثها منه ، فألزم الميراث عقوبة » والتعليل في‌ خبر الهاشمي (٢) « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : لا ترث المختلعة ولا المبارأة والمستأمرة في طلاقها من الزوج شيئا إذا كان ذلك منهن في مرض الزوج وإن مات في مرضه ، لأن العصمة قد انقطعت منهن ومنه » وصحيح الحلبي (٣) السابق بناء على إرادة البائنة منه.

بل في المسالك زيادة الاستدلال أيضا بموثق زرارة (٤) السابق ، لأن قيد الرجعة لا يصلح في ميراثها إجماعا ، لثبوته مطلقا ، فيبقى في ميراثه ، وللقرب ، وإذا انتفى القيد انتفى الحكم تحقيقا لفائدته. ولعله لذلك استدلال في الرياض بعموم المعتبرة المستفيضة المتقدمة في الاستدلال على إرثه منها في الرجعة.

لكن قد يقال : إنه لا شي‌ء منها في المريض الذي هو محل البحث ، بل لا إطلاق في شي‌ء منها ، باعتبار ما فيها من نفي إرثها منه الذي هو قرينة على كون الموضوع الصحيح ، نعم يكفي في إثبات الحكم ما ذكرناه ، خصوصا بعد عدم‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب ميراث الأزواج الحديث ٧ من كتاب المواريث.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب ميراث الأزواج الحديث ١ من كتاب المواريث.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٢.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب ميراث الأزواج الحديث ٤ من كتاب المواريث.

١٥٠

المعارض المقاوم.

وبذلك يظهر لك ضعف المحكي عن الشيخ في النهاية وابن حمزة في الوسيلة من القطع بتوارثهما في العدة في البائنة ، ولعله لذا نفى الريب المصنف في المحكي عن نكتة على النهاية عن اختلاله ، وأنه لا بد من التنزيل على الرجعة. قلت : خصوصا مع المحكي عنها في الميراث من أنهما يتوارثان في العدة الرجعية ، ولا توارث بينهما في حال إن كان الطلاق بائنا ، وكذا عن المهذب والمبسوط.

وعلى كل حال فليس للشيخ إلا‌ الخبر (١) « في رجل طلق امرأته ثم توفي عنها وهي في عدتها أنها ترثه ، وتعتد عدة المتوفى عنها زوجها ، وإن توفت وهي في عدتها فإنه يرثها » المحمول على الرجعية ، وخبر عبد الرحمن (٢) عن موسى بن جعفر عليهما‌السلام « سألته عن رجل طلق امرأته آخر طلاقها ، قال : نعم يتوارثان » وخبر عمر الأزرق (٣) عن أبى الحسن عليه‌السلام « المطلقة ثلاثا ترث وتورث ما دامت في عدتها ».

وهما مع قصورهما عن المقاومة لما سمعت من وجوه ليسا نصين في المريض ، وإطلاقهما مخالف للإجماع ، وإخراجهما عن المخالفة بالتقييد بالمريض يحتاج إلى دليل ، ومع ذلك ليسا نصين في طلاق البينونة ، لاحتمال « آخر الطلاق » في الأول الأخر المتحقق فيه في الخارج ، ويجامع أول الطلقات والثاني ، ولا ينحصر في الثالث ، فيقبل الحمل على الأولين ، « والمطلقة ثلاثا » في الثاني المطلقة كذلك مرسلة بناء على أنها تقع واحدة ، فترجع عدة الطلاقين في الروايتين إلى الرجعية.

ولعله إلى هذه الأخبار أشار في المسالك بأن للشيخ روايات تدل بظاهرها على التوارث بينهما من غير تفصيل.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب العدد الحديث ٧.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ١٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ١٣ عن يحيى الأزرق كما في الاستبصار ج ٣ ص ٢٩١ والتهذيب ج ٨ ص ٩٤.

١٥١

وعلى كل حال فلا ريب في ضعف القول المزبور ، إذ لا أقل من طرح النصوص أجمع ، لضعفها وتعارضها ، والرجوع إلى الأصول التي مقتضاها نفي التوارث.

وكيف كان فلا خلاف ولا إشكال في أنها ترثه هي سواء كان طلاقها بائنا أو رجعيا ما بين الطلاق وبين سنة لا أزيد ولو لحظة ما لم تتزوج أو يبرء من مرضه الذي طلقها فيه ، ولو برء ثم مرض ثم مات لم ترثه إلا في العدة الرجعية بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا ، إلى النصوص المستفيضة.

كخبر عبيد بن زرارة (١) عن أبى عبد الله عليه‌السلام « سألته عن رجل طلق امرأته وهو مريض حتى مضى لذلك سنة ، قال : ترثه إذا كان في مرضه الذي طلقها لم يصح بين ذلك ».

وخبر أبى العباس (٢) عنه عليه‌السلام أيضا « قلت له : رجل طلق امرأته وهو مريض تطليقة وقد كان طلقها قبل ذلك تطليقتين ، قال : فإنها ترثه إذا كان في مرضه ، قال : قلت : وما حد المرض؟ قال : لا يزال مريضا حتى يموت وإن طال ذلك إلى السنة ».

وخبره (٣) الآخر عنه عليه‌السلام أيضا « إذا طلق الرجل المرأة في مرضه ورثته ما دام في مرضه ذلك وإن انقضت عدتها ، إلا أن يصح منه ، قال : قلت : فان طال به المرض ، قال : ما بينه وبين سنة ».

وخبر الحذاء ومالك بن عطية عن أبي الورد كلاهما (٤) عن أبى جعفر عليه‌السلام « إذا طلق الرجل امرأته تطليقة في مرضه ثم مكث في مرضه حتى انقضت عدتها فإنها ترثه ما لم تتزوج ، فان كانت قد تزوجت بعد انقضاء العدة فإنها لا ترثه ».

والمرسل (٥) عن أبى عبد الله عليه‌السلام « في رجل طلق امرأته وهو مريض ، قال : إن مات في مرضه ولم تتزوج ورثته ، وإن كانت قد تزوجت فقد رضيت بالذي صنع ، لا ميراث لها » إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة الدالة على جميع ما عرفت.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٧.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٨.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٥.

(٥) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٦.

١٥٢

ولو قال : طلقت في الصحة ثلاثا أو نحو ذلك مما ينفي إرثها منه قبل في حقه مطلقا‌ لعموم « إقرار العقلاء » (١) وفي حقها في قول ولم ترثه بناء على أن إقرار المريض بما له أن يفعله مقبول وإن كان على الوارث ، وينزل منزلة فعله في الصحة.

والوجه عند المصنف والفاضل في القواعد أنه لا يقبل بالنسبة إلى إرث ها وإن قبل في غيره كتزويجها ونحوه ، للتهمة التي هي الأصل في إرثها منه لو طلقها في حال المرض ، ولما في كشف اللثام من أنه إنما يقبل إقراره بما يحرمه الوارث لغيره ، وهنا لم يقر بما تحرمه الزوجة لأحد ، فإنما هو بالنسبة إليها مدع وإن استلزمت الدعوى ثبوت حصتها لسائر الورثة ، إلا أن الجميع كما ترى.

ولو قذفها وهو مريض فلاعنها وبانت باللعان لم ترثه بلا خلاف ولا إشكال لاختصاص موضوع الحكم نصا (٢) وفتوى بالطلاق وحرمة القياس عندنا ، فلا يلحق به اللعان ، ولا الفسخ بالعيب ولو من جهته ، ولا تجدد التحريم المؤبد برضاع منها أو لواط منه ، ولا غير ذلك.

وأولى من ذلك ما لو استند اللعان حال المرض إلى القذف حال الصحة ، ضرورة عدم إتيان القياس عند القائل به فيه ، لكن في القواعد في تجدد التحريم المؤبد المستند إليه كاللواط نظر ، وفي العيب إشكال إن كان من طرفه ، ولا وجه له سوى الإلحاق بالطلاق الذي لا يخرج عن القياس بعد فرض عدم علة في النصوص يتعدى بها ، ولو أريد في الأول أنه إذا طلقها مريضا ثم لاط لواطا أوجب تحريمها عليه أبدا كان المتجه إرثها منه ، لإطلاق الأدلة واستصحاب موجب الإرث.

وكيف كان فـ ( هل التوريث لمكان التهمة ) بإرادة الإضرار بها ، فيكون ذلك عقوبة من الشارع. كما سمعت التصريح به في مرسل يونس (٣) مضافا‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من كتاب الإقرار الحديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب أقسام الطلاق.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب ميراث الأزواج الحديث ٧ من كتاب المواريث.

١٥٣

إلى‌ مضمر سماعة (١) « سألته عن رجل طلق امرأته وهو مريض ، قال : ترثه ما دامت في عدتها ، وإن طلقها في حال الضرار فهي ترثه إلى سنة ، فان زاد على السنة يوما واحدا لم ترثه » قيل والقائل الشيخ في المحكي من استبصاره نعم.

ولكن الوجه وفاقا للأكثر تعلق الحكم بالطلاق في المرض لا باعتبار التهمة لأنه العنوان للحكم في أكثر النصوص على وجه لا يصلح ما عرفت لتقييدها بعد عدم الجابر وقوة إرادة الحكمة من العلة في المرسل (٢) السابق كما لا يخفى على من أحاط خبرا بنظائر المقام.

نعم في ثبوت الإرث مع سؤالها الطلاق تردد من إطلاق الأدلة ، ومن خصوص خبر الهاشمي (٣) السابق أشبهه أنه لا إرث ، وكذا لو خالعته أو بارأته للخبر المزبور (٤) المعتضد بالأصول ، بل وبخبر سماعة (٥) والمرسل (٦) وإن لم يحكم بهما في السابق ، لكن لا بأس بتقوية الدليل بهما.

ومن ذلك يعلم عدم التنافي بين كون عنوان الإرث المرض لا التهمة وبين عدم إرث الثلاثة للخبر (٧) المخصوص المعتضد بما عرفت ، فإن أقصى ذلك الرجوع إلى الإطلاق والتقييد ، لا أن مبنى عدم إرثهن عدم التهمة في طلاقهن ، فما في المسالك من الاعتراض على المصنف بذلك في غير محله.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب ميراث الأزواج الحديث ٩ من كتاب المواريث والباب ـ ٢٢ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب ميراث الأزواج الحديث ٧ من كتاب المواريث.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب ميراث الأزواج الحديث ١ من كتاب المواريث.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب ميراث الأزواج الحديث ١ من كتاب المواريث.

(٥) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب ميراث الأزواج الحديث ٩ من كتاب المواريث.

(٦) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب ميراث الأزواج الحديث ٧ من كتاب المواريث.

(٧) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب ميراث الأزواج الحديث ١ من كتاب المواريث.

١٥٤

( فروع : )

( الأول : )

لو طلق الأمة مريضا طلاقا رجعيا فأعتقت في العدة وماتت في مرضه ورثته في العدة بلا خلاف ولا إشكال ، لأنها زوجة ممنوعة بالرق والفرض زواله ، بل لا فرق بين الصحة والمرض في ذلك. ولم ترثه بعدها لانتفاء التهمة بإرادة حرمانها من الإرث وقت الطلاق لكونها غير وارثة على كل حال ، لكن فيه ما عرفت من أن ذلك حكمة لا علة يدور الحكم معها نفيا وإثباتا.

ومن هنا قال المصنف ولو قيل ترثه كان حسنا ، لكون ما بعد العدة نحو ما قبلها إلى تمام السنة في مطلقة المريض ، فهي فيها حينئذ وارثة قد ارتفع مانعها في وقت لها قابلية الإرث.

ومن هنا يتجه أنه لو طلقها بائنا فكذلك ضرورة كونها في الحالين وارثا قد ارتفع المانع عنها في وقت قابليتها لذلك إلى تمام السنة ، فهي حينئذ كغيرها من الورثة.

لكن ومع ذلك قيل : لا ترث ، لأنه طلقها في حال لم تكن لها أهلية الإرث فلا يندرج في نصوص (١) المقام الظاهرة في قابلية مطلقة المريض للإرث لو لا المرض ( الطلاق ظ ) ، خصوصا مع ملاحظة قاعدة الاقتصار على المتيقن ، والفرض عدم عموم أو إطلاق في النصوص صالح لتناول المفروض ، فيكون المانع ذلك ، لانتفاء التهمة الذي يرد عليه أنها حكمة على الأصح لا علة.

ومثله يجري في المطلقة رجعيا بعد العدة ، ضرورة كون المراد في النصوص‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب أقسام الطلاق والباب ـ ١٤ ـ من أبواب ميراث الأزواج من كتاب المواريث.

١٥٥

بناء على ما ذكرنا أن الزوجة الصالحة فعلا للإرث لو لا الطلاق إذا طلقت في المرض ترث إلى تمام السنة ، لا أن المراد إذا تجدد لها الصلاحية للإرث تمام السنة ، وفرق واضح بين الأمرين ، كوضوح ظهور النصوص في الأول.

وكذا الكلام فيما لو طلقها كتابية ثم أسلمت بعد العدة في أثناء السنة لو كانت رجعية ، أو مطلقا لو كانت بائنا ، نعم لو أسلمت في العدة الرجعية ورثت ، لأنها زوجة ، فليست في مفروض المقام الذي هو الإرث من حيث كون الطلاق في المرض كما هو واضح.

وبذلك يظهر لك النظر في ما في المسالك كما يظهر لك مما قدمناه سابقا أنه لا وجه لتعجبه من المصنف ، والله العالم.

( الثاني : )

إذا ادعت المطلقة أن الميت طلقها في المرض وأنكر الوارث ، وزعم أن الطلاق في الصحة ، فالقول قوله ، لتساوى الاحتمالين ، وكون الأصل عدم الإرث إلا مع تحقق السبب إذ الشك في الشرط شك في المشروط ، ولا شي‌ء من الأصول ـ سواء علم تاريخ الطلاق وجهل تاريخ المرض أو جهلا معا ـ صالح لتنقيحه على وجه يصدق عرفا لكون الطلاق في المرض الذي هو عنوان الحكم ، بل قد ذكرنا غير مرة أن الأصول بالنسيبة إلى ذلك مثبتة.

فمن الغريب ما في المسالك من المناقشة في تعليل المصنف الحكم بتقديم قول الوارث بتساوي الاحتمالين بأنه « إما أن يعلم أن له مرضا مات فيه أو لا يعلم فيه ذلك ، بأن احتمل موته فجأة وفي الأول الأصل استمرار الزوجية إلى حين المرض ، والطلاق حادث ، والأصل عدم تقدمه ، وذلك يقتضي ترجيح وقوعه في المرض بأصلين ، ومع الوارث أصالة عدم إرث البائنة في حال الحياة إلا مع العلم بسببه هنا ،

١٥٦

فالاحتمالان غير متساويين ، ضرورة معارضة قول الوارث بأصل من الأصلين ، فيبقى الأصل الآخر مرجحا للمرأة ، وأما الثاني ـ وهو أن لا يعلم له مرض مات فيه ـ فترجيح قول الوارث حينئذ واضح ، إذ لا معارض لأصله ، فالاحتمالان على كل حال غير متساويين ».

إذ هو كما ترى بعد ما عرفت من أن الأصلين المزبورين الأولين لا يصلحان لإثبات الطلاق في المرض الذي هو عنوان الحكم ، فلا ريب في بقاء أصل الطلاق المفروض تحققه على اقتضاء عدم الإرث ، فالمراد بتساوي الاحتمالين أنها من حيث دعواهما من مدعيهما على حد سواء لا شاهد لأحدهما في تشخيص ما ادعاه ، فيرجع إلى أصالة عدم الإرث ، لقاعدة عدم تحقق الشرط وغيره ، كما هو واضح.

( الثالث : )

لو طلق أربعا في مرضه وتزوج أربعا ودخل بهن ثم مات فيه كان الربع بينهن بالسوية ، ولو كان له ولد تساوين في الثمن وهكذا الحكم لو فرض أزيد من الثمانية ، بأن طلق الأربع المدخول بهن وتزوج أربعا آخر ودخل بهن ، فإن الاثنى عشر تشترك في الربع أو الثمن ، وقيد المصنف بالدخول لاشتراط الإرث بنكاح المريض له ، كما ستسمعه في محله إنشاء الله.

( الرابع : )

مدار الإرث على الموت في المرض مع الطلاق فيه ، فلو قتل في أثناء مرضه الذي طلق فيه لم يترتب الحكم المزبور مع احتماله ، إلا أن الأول أقوى.

١٥٧

الخامس :

الظاهر أن المدار أيضا على المرض الذي لا يلحق به غيره من الأحوال المحترمة ، كما أنه لا يلحق الفسخ في المرض من المرأة بالطلاق فيه ، لحرمة القياس عندنا ، بل الظاهر اعتبار المرض السابق على حال النزع ، فلا يترتب الحكم على الصحيح الذي حضره الموت وتشاغل بالنزع فيه ، مع احتمال عد مثله مرضا ، بل قد سمعت تعليق الحكم في الصحيح (١) السابق على حضور الموت ، ولكن قاعدة الاقتصار على المتيقن تقتضي الأول ، إلا إذا كان حضور الموت لحضور مرض اقتضاه ، والله العالم.

( المقصد الثاني )

( في ما يزول به تحريم الثلاث )

فنقول : قد عرفت سابقا أنه لا خلاف معتد به ولا إشكال في أنه إذا وقعت الثلاث على الوجه المشترط من كونها مترتبة لا مرسلة ، وبعد تخلل الرجعة لا قبلها حرمت المطلقة حتى تنكح زوجا غير المطلق من غير فرق بين السني والعدي وغيرهما ، كطلاق غير المدخول بها ، والتي رجع بها في العدة من غير المواقعة في ذلك الطهر ، أو غيره ، أو المراد بالوجه المشترط أي غير عدية ، بناء على إرادة بيان الحلية بنكاح غير المطلق دائما وأبدا بعد التسع وقبلها ، فإنها هي التي تكون كذلك ، بخلاف العدية التي تحرم أبدا بالتسع ، ولا ينفع المحلل فيها ، وقد تقدم‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٢.

١٥٨

حكمها سابقا ، ويمكن تحميل الوجه المشترط ما يشمل الأمرين والأمر سهل بعد وضوح الحال.

إنما الكلام فيما يعتبر في زوال التحريم بالثلاث من الشرائط ، والمعروف بين الأصحاب أنها ( شروط أربعة : )

أحدها

أن يكون الزوج المحلل بالغا فلا يكفى غير المراهق من الصبيان الذين لا يلتذون بالنكاح ولا يلتذ بهم قولا واحدا بين المسلمين فضلا عن المؤمنين وهو الحجة ، مضافا إلى ما ستعرف. نعم في المراهق للبلوغ منهم تردد وخلاف أشبهه أنه لا يحلل وفاقا للمشهور شهرة عظيمة ، للأصل ومكاتبة على بن الفضل الواسطي (١) المنجبرة بما عرفت « كتبت إلى الرضا عليه‌السلام رجل طلق امرأته الطلاق الذي لا تحل له ( حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ) ، فيتزوجها غلام لم يحتلم ، قال : لا ، حتى يبلغ ، فكتبت إليه ما حد البلوغ؟ قال : ما أوجب على المؤمنين الحدود » والمروي (٢) في طرق العامة والخاصة من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذريته من اعتبار ذوق العسيلة من الجانبين ، وهو لا يتحقق إلا في البالغ ، بناء على أن المراد منه الإنزال ، كما عن بعضهم ، الذي لا ينافيه ما عن النهاية وغيرها من تفسيره بلذة الجماع ، المحمول على إرادة الكاملة التي لا تحصل إلا بالإنزال.

كل ذلك مضافا إلى إمكان دعوى ظهور الكتاب (٣) والسنة (٤) في كون‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ١.

(٢) سنن البيهقي ج ٧ ص ٣٧٤ والوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ١ و ١٣ والباب ـ ٧ ـ منها الحديث ١ و ٣.

(٣) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٣٠.

(٤) الوسائل الباب ـ ٤ و ٧ ـ من أبواب أقسام الطلاق.

١٥٩

المحلل زوجا آخر مستقل بالعقد ، خصوصا وقد وقع في الآية بعد ذلك قوله تعالى : ( فَإِنْ طَلَّقَها ) ومن المعلوم أن الطلاق لا يصدر عن غير البالغ ، لا أقل من الشك في تناول الفرض ، والأصل البقاء على الحرمة.

فما عن أبي علي والشيخ في أحد قوليه ـ من الاكتفاء به ، كما عن العامة الذين جعل الله الرشد في خلافهم ـ واضح الضعف وإن جنح إليه في المسالك ، للإطلاق وأهلية المراهق لذوق العسيلة التي هي اللذة في الجماع ، وضعف الخبر المزبور ، إلا أن الجميع كما ترى بعد ما عرفت ، خصوصا الأخير الذي من المعلوم كون المذهب جواز العمل به بعد الانجبار بما سمعت.

(و) الثاني

أن يطأها إجماعا من المسلمين ممن عدا سعيد بن المسيب ، فاكتفى بالعقد ، ونصوصا (١) من الطرفين ، بل وكتابا (٢) بناء على أن النكاح الوطء أو المراد به هنا ذلك ، بل المعتبر الوطء في القبل بلا خلاف ، لأنه المنساق من نصوص (٣) ذوق العسيلة ، بل لا بد أن يكون وطء موجبا للغسل بغيبوبة الحشفة أو مقدارها من مقطوعها ، لأن ذلك مناط أحكام الوطء والدخول في كل مقام اعتبرا فيه ، ولانتفاء ذوق العسيلة من الجانبين بدونه غالبا ، ولأنه لم يعهد في الشرع اعتبار ما دونه ، فوقوعه بمنزلة العدم ، مضافا إلى أصالة بقاء الحرمة.

نعم ظاهرهم الاتفاق على الاكتفاء بذلك وإن لم يحصل تكرار منه ولا إنزال ، فإن تم إجماعا كان هو الحجة ، وإلا فهو محل للنظر ، لظهور نصوص (٤) ذوق‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب أقسام الطلاق وسنن البيهقي ج ٧ ص ٣٧٤.

(٢) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٣٠.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ١ والباب ـ ٧ ـ منها الحديث ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ١ والباب ـ ٧ ـ منها الحديث ٣.

١٦٠