جواهر الكلام - ج ٣٢

الشيخ محمّد حسن النّجفي

الرابع والخامس :

طلاق المختلعة والمبارأة ما لم ترجعا في البذل ، فان رجعا به كان رجعيا ، فتلحقه أحكامه في الأقوى : من وجوب الإنفاق والإسكان وتحريم الأخت والخامسة وغيرها ، فهو حينئذ بائن في حال ورجعي في آخر ، كما تعرف ذلك إنشاء الله في محله.

والسادس :

المطلقة ثلاثا بينها رجعتان ولو بعقد جديد بمعنى الرجوع إلى نكاحها ، لما ستعرف من عدم اعتبار خصوص الرجعتين بالطلاق في بينونته وحرمتها عليه حتى تنكح زوجا غيره.

والرجعي هو الذي للمطلق مراجعتها فيه ، سواء راجع أو لم يراجع بلا خلاف ولا إشكال ، وهو ما عدا الستة المزبورة كتابا (١) وسنة (٢) وإجماعا اعتدت بالأقراء أو الشهور أو الوضع.

وأما طلاق العدة ـ الذي هو قسم مركب من البائن والرجعي بناء على أنه مجموع الثلاث ، ولذلك جعله المصنف كما عن التحرير قسيما لهما لا قسما من أحدهما ـ ( فـ ) قال هو أن يطلق على الشرائط ، ثم يراجعها قبل خروجها من عدتها ويواقعها قبلا أو دبرا ثم يطلقها في طهر آخر غير طهر المواقعة ، ثم يراجعها ويواقعها ، ثم يطلقها في طهر آخر ، فإنها تحرم عليه حتى تنكح زوجا آخر غيره بلا خلاف ولا إشكال ، وقد سمعت تفسيره بذلك في صحيح زرارة (٣)

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٢٨.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب أقسام الطلاق.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ١.

١٢١

السابق ( فان نكحت وخلت ثم تزوجها فـ ) ان اعتمد ما اعتمده أولا حرمت في الثالثة عليه أيضا حتى تنكح غيره ، فان نكحت ثم خلت فنكحها ثم فعل كالأول حرمت في التاسعة تحريما مؤبدا بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه.

ول‌ خبر أبى بصير (١) سأل الصادق عليه‌السلام « عن الذي يطلق ثم يراجع ثم يطلق ، ثم يراجع ثم يطلق ، قال : لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره فيتزوجها رجل آخر فيطلقها على السنة ثم ترجع إلى زوجها الأول ، فيطلقها ثلاث تطليقات ، فتنكح زوجا غيره ، ثم ترجع إلى زوجها الأول ، فيطلقها ثلاث مرات على السنة ، ثم تنكح ، فتلك التي لا تحل له أبدا ».

وخبر جميل بن دراج (٢) عن أبى عبد الله عليه‌السلام وإبراهيم بن عبد الحميد عن أبى عبد الله وأبي الحسن عليهما‌السلام قال : « إذا طلق الرجل المرأة فتزوجت ، ثم طلقها زوجها فتزوجها الأول ، ثم طلقها فتزوجت رجلا ، ثم طلقها فتزوجها الأول ، ثم طلقها الزوج الأول ، فإذا طلقها على هذا ثلاثا لم تحل له أبدا ».

وخبر زرارة وداود بن سرحان (٣) عن الصادق عليه‌السلام « إن الذي يطلق الطلاق الذي لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ثلاث مرات لا تحل له أبدا ».

ومكاتبة محمد بن سنان (٤) للرضا عليه‌السلام « وعلة تحريم المرأة بعد تسع تطليقات فلا تحل له أبدا عقوبة لئلا يتلاعب بالطلاق ولا تستضعف المرأة ، وليكون ناظرا في أموره متيقظا معتبرا ، وليكون يأسا لهما من الاجتماع بعد تسع تطليقات ».

إلا أن الجميع كما ترى لا صراحة فيه في اشتراط التحريم بالتسع بالطلاق‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٢.

(٢) أشار إليه في الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد الحديث ٢. من كتاب النكاح وذكره في الكافي ج ٥ ص ٤٢٨.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٤.

(٤) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٨.

١٢٢

العدي على الوجه المزبور ، بل ظاهره الإطلاق ، فالعمدة حينئذ الإجماع.

مؤيدا بمفهوم القيد في‌ المروي (١) عن الخصال في تعداد المحرمات بالسنة قال : « وتزويج الرجل امرأة قد طلقها للعدة تسع تطليقات ».

وبمفهوم الشرط في المحكي عن‌ الفقه الرضوي (٢) فإنه بعد أن ذكر كيفية طلاق العدة على ما سمعته قال : « فان طلقها ثلاث تطليقات على ما وصفته واحدة بعد واحدة فقد بانت منه ، ولا تحل له بعد تسع تطليقات أبدا ، واعلم أن كل من طلق تسع تطليقات على ما وصفت لم تحل له أبدا » مضافا إلى عدم تعرضه للتحريم أبدا فيما ذكره من طلاق السنة أيضا.

وب‌ خبري معلى بن خنيس (٣) عن الصادق عليه‌السلام واللفظ لأحدهما « في رجل طلق امرأته ثم لم يراجعها حتى حاضت ثلاث حيض ، ثم تزوجها ، ثم طلقها فتركها حتى حاضت ثلاث حيض ، ثم تزوجها ، ثم طلقها من غير أن يراجع ، ثم تركها حتى حاضت ثلاث حيض ، قال : له أن يتزوجها أبدا ما لم يراجع ويمس » باعتبار ظهور لفظ التأبيد أو صراحته في العموم لما لو طلقت كذلك طلقات عديدة ولو تجاوزت التسع ، وأنها لا تحرم بذلك إلا مع حصول الأمرين : من الرجوع والوقوع ، وليس نصا في مختار ابن بكير ، فيطرح لقبوله التقييد بحصول التحليل بعد كل ثلاث ، ومقتضاه حينئذ أنه يتزوجها أبدا بعد حصول المحلل لا مطلقا ، وإن كان هو كما ترى.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ١ من كتاب النكاح.

(٢) المستدرك الباب ـ ٤ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٦.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ١٣ بسندين راجع الكافي ج ٦ ص ٧٧.

١٢٣

ونحوه التأييد بما في‌ الموثق الذي رواه ابن بكير (١) دليلا له عن أبى جعفر عليه‌السلام « فان فعل هذا بها ـ مشيرا إلى طلاق السنة ـ مأة مرة هدم ما قبله وحلت بلا زوج » باعتبار أن خروج الذيل عن الحجية بالإجماع والمعتبرة لا يقتضي خروج الجميع عنها ، فقد يكون من إلحاق ابن بكير الذي في سنده به لاجتهاده ، ويؤيده اعترافه بعدم سماعه رواية من أحد غير هذا الخبر ، إلا أن ذلك كله كما ترى ، ضرورة أن مبنى الحل فيه أبدا على عدم الاحتياج إلى المحلل ، لانهدام الطلاق بتزويجه ، وقد عرفت أن عنوان المحرمة أبدا في التسع في خبر زرارة وداود بن سرحان هي التي تطلق الطلاق الذي لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ثلاث مرات.

نعم قد يؤيد أيضا بتصريح النصوص (٢) بالفرق في الحكم بين السني والعدي ، وليس إلا في التحريم أبدا بالتسع في الأخير ، للتصريح بها بالاحتياج إلى المحلل فيهما ، لكن فيه أيضا أن في بعض النصوص تصريحا أيضا بالتحريم أبدا بالتسع في طلاق السنة ، كالصحيح (٣) « إذا طلق الرجل المرأة فتزوجت ، ثم طلقها زوجها فتزوجها الأول ، ثم طلقها فتزوجت رجلا ، ثم طلقها فتزوجها الأول ، ثم طلقها هكذا ثلاثا لم تحل له أبدا » لكنه شاذ لم نجد عاملا به. و ( بالجملة ) قد عرفت أن العمدة الإجماع ، فلا وجه لتوقف بعض متأخري المتأخرين في الحكم المزبور.

هذا وفي الروضة وغيرها أن إطلاق الطلاق العدي على التسع المرتبة مجاز ، لأن الثالثة من كل ثلاث ليست للعدة ، فإطلاقه عليها إما إطلاق لاسم الأكثر على الأقل ، أو باعتبار المجاورة ، وفيه أنه يمكن دعوى وضع الطلاق العدي للثلاث‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ١٦ عن عبد الله بن بكير عن زرارة.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ و ٢ ـ من أبواب أقسام الطلاق.

(٣) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد الحديث ٢ من كتاب النكاح.

١٢٤

المزبورة على الوجه المزبور ، فلا مجاز حينئذ.

ومن هنا قال في كشف اللثام « إن الظاهر من عبارة المصنف وكثير أن مجموع الثلاث الطلقات صورة طلاق العدة ، وربما يتوهم من الخبر (١) ـ ثم قال ـ : والأجود ما مر في النكاح ويظهر مما سيأتي ونص عليه جماعة منهم ابني إدريس وسعيد من أنه الطلاق الذي يراجع في عدته ، والخبر بهذا المعنى ، فإنه تفسير للاية (٢) وقد أمر بها ( فيها خ ل ) ولا يظهر وجه للأمر بالثلاث ، فالمراد في الخبر بقوله عليه‌السلام : « ثم يطلقها. ثم يطلقها » إن أراد وكذا الباقي ».

وفي الرياض « المستفاد من قوله في تفسيره : « ما يرجع فيه ويواقع ثم يطلق » هو أن المعتبر فيه أن يطلق ثانيا بعد الرجوع والمواقعة خاصة ، وعن بعضهم عدم اعتبار الطلاق ثانيا والاقتصار على الرجعة ».

وعن النهاية وجماعة « أن الطلاق الواقع بعد المراجعة والمواقعة يوصف بكونه عديا وإن لم يقع بعده رجوع ووقاع ، لكن الطلاق الثالث لا يوصف بكونه عديا إلا إذا وقع بعد الرجوع والوقاع ، قيل : وفي بعض الروايات دلالة عليه ».

قلت : لا ريب في ظهور النصوص وكثير من الفتاوى بكون الطلاق العدي المجموع المركب من الثلاثة على الوجه المزبور ، وحينئذ لا يتصور التفريق فيه ، ضرورة خروجه بالتفريق بين طلقاته عن كونه عديا حينئذ.

نعم يتصور التفريق بين طلقاته التسع بأن يطلق بعد الفرد الأول منه وحصول المحلل للسنة مثلا ، ثم يتزوجها بعد العدة لها أيضا ، فيطلقها ، ثم يتزوجها بعد العدة ، ثم يطلقها ، ثم يصيبها المحلل ، ثم يتزوجها ، ثم يطلقها طلاقا عديا للعدة ثلاثا ، ثم يصيبها المحلل ، ثم يتزوجها فيطلقها طلاقا عديا ، وبالجملة لم تتوال أفراد الطلاق العدي ، والظاهر ترتب التحريم عليه أبدا ، لصدق حصوله ثلاثا.

ولكن في الروضة بعد أن ذكر ما سمعت قال : « وحيث كانت النصوص‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ١.

(٢) سورة الطلاق : ٦٥ ـ الآية ١.

١٢٥

والفتاوى مطلقة في اعتبار التسع للعدة في التحريم المؤبد كان أعم من كونها متوالية ومتفرقة ، فلو اتفق في كل ثلاث واحدة للعدة اعتبر فيه إكمال التسع كذلك » وظاهره إمكان التفرق بين ثلاثة ، فيكون الطلاق هو الذي يراجع في عدته ويواقع فيها.

وفي الرياض « وللنظر فيهما مجال ، أما في الأول فتعليق التحريم المؤبد فيه على وقوعها بحيث يحتاج كل ثلاث منها إلى محلل ، ألا ترى إلى الموثق (١) المصرح بأن الذي يطلق الطلاق الذي لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ثلاث مرات ويتزوج ثلاث مرات لا تحل له أبدا ، ولا شي‌ء من الطلاقات الثلاث العديات المتفرق كل منهما (٢) في ثلاث يحتاج إلى محلل ، وقد اعترف به في توجيهه احتمال اغتفار الثالثة من كل ثلاث وقع فيها عدية واحدة بأنه المعتبر عند التوالي ، وأن الثالثة لم يتحقق اعتبار كونها للعدة ، وإنما استفيد من النص التحريم بالست الواقعة بها ، فيستصحب الحكم مع عدم التوالي ، فبعد الاعتراف بكون المستفاد من النص التحريم بالست الواقعة لها المنحصرة هي في التوالي كيف يمكن دعوى شموله للتسع المتفرقة؟! واعترف به أيضا في توجيهه احتمال عدم الاغتفار الذي قواه بأن ثبوته مع التوالي على خلاف الأصل ، وإذا لم يحصل اعتبرت الحقيقة ، خصوصا مع كون طلقة العدة هي الأولى خاصة ، فإن علاقتى المجاورة والأكثرية منتفيتان عن الثالثة ، إذ لا مجاورة للعدية ولا أكثرية لها ، بخلاف ما لو كانت العدية هي الثانية ، فإن علاقة المجاورة موجودة ، وأما في الثاني فلتصريح علي بن إبراهيم (٣) في المحكي‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٤.

(٢) هكذا في النسختين الأصليتين : المسودة والمبيضة ، الا أن الموجود في الرياض « كل منها » وهو الصحيح ، راجع الرياض في أواخر البحث عن السبب الرابع من أسباب التحريم من كتاب النكاح.

(٣) البحار ج ١٠٤ ص ٢ الطبع الحديث.

١٢٦

عنه بعين ما في الرضوي (١) مصرحا في آخره بأن هذه هي التي لا تحل لزوجها الأول أبدا الظاهر في الحصر الحقيقي والمجازي على خلاف الأصل ، ونحوه الصدوق في الفقيه ، بل ظاهرهما كالرضوي اشتراط الترتيب في تأبد التحريم ، لتصريحه بأنه الطلقات التسع التي كل ثلاث منها لا بد أن يكون كل واحد منها واحدا بعد واحد المتبادر منه ذلك ».

قلت : لا يخفى عليك بعد الإحاطة بما ذكرناه سقوط كثير من هذا الكلام ، ضرورة عدم تحقق الطلاق العدي المفسر بما سمعت في التفريق على الوجه المزبور الذي مقتضاه تحقق التحريم بعد الدخول في الخامسة والعشرين إن كان العدية هو الأولى من كل ثلاث ، أو السادسة والعشرين إن كان الثانية بغير طلاق ، بل قيل : ولو توقف على طلاق آخر بعده ولم يكن ثالثا كما في الأول لزم جعل ما ليس بمحرم محرما والحكم بالتحريم بدون طلاق موقوف على التحليل ، وكلاهما بعيد وذلك أمارة لزوم الاقتصار على مورد النص.

نعم قد عرفت شموله للتفريق بالمعنى الذي ذكرناه وإن كان الذي ينساق في بادئ النظر خلافه أيضا ، كما أنه ينساق منه حصول التحريم بمطلق التسع التي تخللها المحلل ، خرج ما خرج منها بالإجماع ، وهو الخالي عن طلاق عدي ، وبقي صور التفريق ، لكن دقيق النظر يقتضي خلافهما ، فلاحظ وتأمل ، ولكن على كل حال ذلك كله في الحرة.

أما الأمة فقد استفاض في النصوص (٢) والفتاوى تحريمها المحتاج إلى محلل بطلقتين بينهما رجعة ووقاع ، أما تحريمها أبدا بتكرر ذلك ثلاثا فتحرم حينئذ بالست كذلك فلم أقف فيه على دليل بالخصوص ، ومن هنا احتمل بعضهم بل جزم آخر إن لم يكن إجماع بعدم حرمتها مطلقا وإن تكرر ذلك أزيد من ذلك ، اللهم إلا أن يدعى استفادته من الحكم في الحرة بناء على أنها على النصف منها في هذه ،

__________________

(١) المستدرك الباب ـ ٤ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٦.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب أقسام الطلاق.

١٢٧

ولم يتصور التنصيف في الطلقة ، فجعل عدتها طلقتين ، وبتكراره ثلاثا يحصل التحريم به أبدا في حرة أو أمة وإن اختلف موضوعه فيهما ، بل يمكن استفادة ذلك من التأمل في النصوص (١) المزبورة ، فلاحظ وتأمل مراعيا للاحتياط الذي لا يخفى حاله في جميع أفراد المقام.

وكيف كان فلا إشكال بل ولا خلاف معتد به كما ستعرف في أنه لا يقع الطلاق للعدة ما لم يطأها بعد المراجعة ، ولو طلقها بعد المراجعة قبل المواقعة صح ، ولكن لم يكن للعدة الذي من شرطه المواقعة بعدها ، فلا يترتب على التسع به تحريم الأبد ، بل ولا من السنة بالمعنى الأخص ، نعم هو منها بالمعنى الأعم ، وبه وبغيره من الافراد يعلم عدم انحصار أفراد الطلاق في السني بالمعنى الأخص والعدي وإن أوهمته بعض النصوص (٢) لكن لا بد من حملها على ما لا ينافي ذلك.

وكذا لا إشكال ولا خلاف معتد به في أن كل امرأة حرة استكملت الطلاق ثلاثا حرمت حتى تنكح زوجا غير المطلق ، سواء كانت مدخولا بها أو لم تكن ، راجعها في العدة وواقعها أو لم يواقعها ثم طلقها ، ثم راجعها كذلك ثم طلقها أو لم يراجعها فيها بل تركها إلى أن انقضت عدتها ، ثم تزوجها بعقد جديد ثم طلقها ، وهكذا ثلاثا.

وبالجملة لا فرق في ذلك بين العدي والسني بالمعنى الأخص والأعم ، وستسمع شذوذ ابن بكير في تخصيص ذلك بالطلاق العدي دون السني ، كشذوذ بعض النصوص (٣) المتضمنة لذلك ، لمعارضتها بالمستفيض من النصوص (٤) أو المتواتر‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب أقسام الطلاق.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب أقسام الطلاق.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ١١ و ١٢ و ١٣.

(٤) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب أقسام الطلاق.

١٢٨

الموافق لإطلاق الكتاب (١) ولإجماع الأصحاب بقسميه ، فالمسألة بحمد الله من الواضحات ، وستسمع إنشاء الله فيما يأتي ما يزيدها وضوحا.

مسائل ست :

الأولى :

إذا طلقها فخرجت من العدة ثم نكحها مستأنفا ثم طلقها وتركها حتى قضت العدة ثم استأنف نكاحها ثم طلقها ثالثة حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره ، فإذا فارقها واعتدت جاز له مراجعتها ، ولا تحرم هذه في التاسعة ، ولا يهدم استيفاء عدتها تحريمها في الثالثة بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك بيننا إلا في الأخير من ابن بكير والصدوق ، فجعلا الخروج من العدة هادما للطلاق ، فله حينئذ نكاحها بعد الثلاث بلا محلل ، ولكن قد سبقهما الإجماع ولحقهما ، بل يمكن دعوى تواتر النصوص (٢) بالخصوص بخلافهما ، منها ما تقدم في تفسير السني والعدي ، فضلا عن إطلاق الكتاب (٣) والسنة (٤).

نعم روى أولهما الذي هو ليس من أصحابنا عن‌ زرارة في الصحيح (٥) « سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : الطلاق الذي يحبه الله تعالى والذي يطلقه الفقيه وهو العدل بين المرأة والرجل أن يطلقها في استقبال الطهر بشهادة شاهدين وإرادة في القلب ، ثم يتركها ثم تمضي ثلاثة قروء ، فإذا رأت الدم في أول قطرة من الثالثة وهو آخر القرء لأن الأقراء هي الأطهار فقد بانت منه ، وهي أملك بنفسها ، فان شاءت تزوجته وحلت له بلا زوج ، فان فعل هذا بها مأة مرة هدم ما قبله وحلت بلا زوج ، وإن راجعها قبل أن تملك نفسها ثم طلقها ثلاث مرات يراجعها ثم يطلقها لم تحل‌

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٣٠.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب أقسام الطلاق.

(٣) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٣٠.

(٤) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب أقسام الطلاق.

(٥) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ١٦.

١٢٩

له إلا بزوج ».

لكن قال الشيخ : « إنه يجوز أن يكون ابن بكير أسند ذلك إلى زرارة عن أبى جعفر عليه‌السلام نصرة لمذهبه الذي كان أفتى به ، لما رأى أصحابه لا يقبلون ما يقوله برأيه : وليس هو معصوما لا يجوز عليه هذا ، بل وقع عنه من العدول عن مذهب الحق إلى اعتقاد مذهب الفطحية ما هو معروف من مذهبه ، والغلط في ذلك أعظم من إسناده فيما يعتقد صحته بشبهة إلى بعض أصحاب الأئمة عليهم‌السلام.

ولعل السبب في ذلك ما‌ عن ابن سماعة (١) « من أن الحسين بن هاشم سأل ابن بكير هل سمعت فيما ذكرته شيئا؟ فقال : رواية رفاعة ، فقال له : إن رفاعة روى إذا دخل بينهما زوج فقال : زوج وغير زوج عندي سواء ، فقال له : هل سمعت في هذا شيئا؟ فقال : لا ، هذا مما رزق الله من الرأي ـ ولذا ـ قال ابن سماعة : وليس لأحد يأخذ بقول ابن بكير ، فإن الرواية إذا كان بينهما زوج » وما عن ابن المغيرة (٢) أيضا من « أنى سألت ابن بكير عن رجل طلق امرأته واحدة ثم تركها حتى بانت منه ثم تزوجها ، قال : هي معه كما كانت في التزويج ، قال : قلت : فإن رواية رفاعة إذا كان بينهما زوج ، فقال لي عبد الله : هذا زوج ، وهذا مما رزق الله من الرأي ، ومتى ما طلقها واحدة فبانت ثم تزوجها زوج آخر ثم طلقها زوجها فتزوجها الأول فهي عنده مستقبلة كما كانت ، قال : فقلت لعبد الله : هذه رواية من؟ قال : هذا مما رزق الله من الرأي » إذ لو كان عنده رواية زرارة لأسند فتواه إليها لا إلى ما ذكره من الرأي.

على أن رواية رفاعة ظاهرة بل صريحة في خلافه ، قال معاوية بن حكيم : روى أصحابنا عن رفاعة بن موسى (٣) ، « أن الزوج يهدم الطلاق الأول ، فإن تزوجها‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ١١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ١٢ ولكن أسقط ذيله وذكره في الكافي ج ٦ ص ٧٨.

(٣) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٢.

١٣٠

فهي عنده مستقبلة ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : يهدم الثلاث ولا يهدم الواحدة والثنتين؟ » بل‌ عن ابن المغيرة (١) ، أن رفاعة روى عن أبى عبد الله عليه‌السلام « طلقها ثم تزوجها رجل ثم طلقها فتزوجها الأول إن ذلك يهدم الطلاق الأول » فلا ريب أن ابن بكير قد توهم ذلك من رواية رفاعة التي عرفت أنها بخلافه.

بل مما ذكرنا قد ينقدح الشك في‌ موقوفة عبد الله بن سنان (٢) الموافقة لما ذكره ابن بكير قال : « إذا طلق الرجل امرأته فليطلق على طهر بغير جماع وشهود ، فان تزوجها بعد ذلك فهي عنده على ثلاث ، وبطلت التطليقة الأولى ، فإن طلقها اثنتين ثم كف عنها حتى تمضي الحيضة الثالثة بانت منه بثنتين ، وهو خاطب من الخطاب ، فان تزوجها بعد ذلك فهي عنده على ثلاث تطليقات ، وبطلت الاثنتان ، فان طلقها ثلاث تطليقات على العدة لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره » أو أنه ذكر ذلك عن ابن بكير وأصحابه أو صدر منه تقية.

كخبر المعلى بن خنيس (٣) عن أبى عبد الله عليه‌السلام « في الرجل يطلق امرأته ، ثم لم يراجعها حتى حاضت بثلاث حيض ، ثم تزوجها ثم طلقها فتركها حتى حاضت ثلاث حيض ، ثم تزوجها ثم طلقها من غير أن يراجع ، ثم تركها حتى حاضت ثلاث حيض ، قال : له أن يتزوجها أبدا ما لم يراجع ويمس » أو غير ذلك.

وكيف كان فقد استقر المذهب على خلاف ابن بكير ، وأنه لا فرق بين العدي والسني والمركب منهما في اشتراط الحل بالمحلل بعد الثلاث كما عرفته سابقا ، والله العالم.

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ٧٧.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ١٥.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ١٣.

١٣١

المسألة الثانية :

إذا طلق الحامل وراجعها جاز له أن يطأها ويطلقها ثانية بعد شهر أو مطلقا للعدة إجماعا في القواعد ومحكي الإيضاح وشرح الصيمري وإن أطلق المنع الصدوقان اللذان لحقهما الإجماع إن لم يكن قد سبقهما ، لإطلاق الأدلة أو عمومها ، وموثق إسحاق بن عمار (١) « قلت لأبي إبراهيم عليه‌السلام : الحامل يطلقها زوجها ثم يراجعها ثم يطلقها ثم يراجعها ثم يطلقها الثالثة ، قال : تبين منه ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ».

وموثقه الآخر (٢) عن أبي الحسن عليه‌السلام « سألته عن رجل طلق امرأته وهي حامل ثم راجعها ثم طلقها ثم راجعها ثم طلقها الثالثة في يوم واحد تبين منه ، قال : نعم ».

وموثقه الآخر (٣) عن أبى الحسن عليه‌السلام الأول « سألته عن الحلبي تطلق الطلاق التي لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ، قال : نعم ، قلت : ألست قلت لي إذا جامع لم يكن له أن يطلق؟ قال : إن الطلاق لا يكون إلا على طهر قد بان أو حمل قد بان ، وهذه قد بان حملها ».

ومرسل ابن بكير (٤) قال : « في الرجل تكون له المرأة الحامل وهو يريد أن يطلقها ، قال : يطلقها إذا أراد الطلاق بعينه ، ويطلقها بشهادة الشهود ، فان بدا له في يوم أو من بعد ذلك أن يراجعها يريد الرجعة بعينها فليراجع وليواقع ، ثم يبدو له فيطلق أيضا ، ثم يبدو له فيراجع كما راجع أولا ، ثم يبدو له فيطلق ، فهي التي لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره إذا كان إذا راجع يريد المواقعة والإمساك ويواقع ».

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٥.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ١٠.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٨.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٩.

١٣٢

وخبر يزيد الكناسي (١) « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن طلاق الحبلى ، فقال : يطلقها تطليقة واحدة للعدة بالشهود والشهور ، قلت له : فله أن يراجعها قال : نعم وهي امرأته ، قلت : فان راجعها ومسها ثم أراد أن يطلقها تطلية اخرى ، قال : لا يطلقها حتى يمضي لها بعد ما مسها شهر ، قلت : فان طلقها ثانية وأشهد على طلاقها ، ثم راجعها وأشهد على رجعتها ومسها ، ثم طلقها التطليقة الثالثة وأشهد على طلاقها لكل عدة شهر ، هل تبين منه كما تبين المطلقة على العدة التي لا تحل لزوجها حتى تنكح زوجا غيره؟ قال : نعم ، قلت : فما عدتها؟ قال : عدتها أن تضع ما في بطنها ، ثم قد حلت للأزواج ».

ولا ينافي ذلك النصوص (٢) الكثيرة التي فيها الصحيح وغيره المتضمنة لكون طلاق الحامل واحدة ، بل في خبر منصور الصيقل (٣) عن الصادق عليه‌السلام النهي عن طلاقها بعد المراجعة فيها حتى تضع ، إلا أنها شاذة لعدم القائل بمضمونها إلا ما سمعته من إطلاق الصدوقين ، ومحتملة لإرادة الاتحاد صنفا بمعنى أنه لا فصل بينهما بانقضاء طهر أو خلو من عدة ، واستحباب الاتحاد ، بل كراهة التعدد ، وغير ذلك مما لا بأس به بعد ترجيح النصوص السابقة بالموافقة لعموم الكتاب (٤) والسنة (٥) والعمل من زمنهما ، بل وقبله إلى زماننا ، مع اختلاف الأمصار وتفاوت المشارب ، فمن الغريب وسوسة بعض متأخري المتأخرين في الحكم المزبور.

نعم قيل والقائل الشيخ في المحكي من نهايته وابنا البراج وحمزة : لا يجوز طلاقها للسنة بالمعنى الذي هو خلاف العدي ، أى طلاقها بعد المراجعة بلا مواقعة ، لا السني بالمعنى السابق الذي لا يتصور في المقام ، لكون انقضاء عدتها وضع الحمل الذي تخرج به عن وصف الحامل التي هي موضوع البحث.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ١١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب أقسام الطلاق.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٧.

(٤) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٢٩.

(٥) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب أقسام الطلاق.

١٣٣

ودعوى بعض الناس خروجها عن العدة بالثلاثة أشهر فيتصور فيها حينئذ طلاق السنة واضحة الفساد ، كما تعرفه في محله وإن‌ قال الصادق عليه‌السلام هنا في خبر الكناني (١) « طلاق الحامل واحدة وعدتها أقرب الأجلين » لكن‌ في الصحيح (٢) « طلاق الحبلى واحدة ، وأجلها أن تضع حملها ، وهو أقرب الأجلين ».

مضافا إلى ما في الكتاب (٣) والسنة (٤) : من أن عدتها وضع الحمل ، فلا طلاق سني لها بالمعنى الأخص قطعا ، بل لو فرض إرادة الشيخ ذلك كان المعنى أنه لا يصح طلاقها للسنة بمعنى عدم تصوره ، وإن كان حمل النصوص عليه حينئذ لا يخلو من صعوبة.

وعلى كل حال فما أطنب به في المسالك وأتباعها في تحقيق ذلك في غير محله قطعا.

وكيف كان فلا دليل له سوى أنه جمع بين النصوص ، لكن لا شاهد له سوى مرسل ابن بكير (٥) الذي لا جابر له بحيث يصلح للحكم به على النصوص السابقة ، بل الموهن متحقق.

ومن هنا كان الجواز أشبه بأصول المذهب وقواعده ، فضلا عن خصوص إطلاق الأدلة السابقة ، ضرورة كونها زوجة بالرجوع الذي لا يعتبر في صحته المواقعة نصا (٦) وفتوى ، فهي محل للطلاق بعموم الأدلة وإطلاقها.

وكذا ما عن ابن الجنيد من اعتبار الشهر وإن توهمه بعض الناس من بعض العبارات القديمة ، لكنه ليس له إلا الخبر المزبور (٧) المعرض عنه بين الأصحاب‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب العدد الحديث ٢.

(٣) سورة الطلاق : ٦٥ ـ الآية ٤.

(٤) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب العدد.

(٥) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٩.

(٦) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من أبواب أقسام الطلاق.

(٧) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ١١.

١٣٤

قديما وحديثا على وجه لا يصلح معارضا لإطلاق النصوص السابقة فضلا عن صريحها ، خصوصا بعد إمكان حمله على ضرب من الندب باعتبار حصول البعد فيه عن مشابهة العامة الذين يصححون الطلاق ثلاثا في مجلس واحد إرسالا وترتيبا من دون تخلل رجعة ، فضلا عن المواقعة ، كما تسمع نظيره في حمل النصوص في المسألة الاتية.

وأوضح من ذلك احتمالها كون المراد احتساب طلاق الحامل واحدة وإن كان في طهر المواقعة ، لا أنه باطل لذلك كما يتوهم ، وربما أرشد لذلك خبر إسحاق ابن عمار (١) السابق.

وبذلك كله ظهر لك وجه استقرار كلمة الأصحاب على الجواز بالمواقعة وبدونها بعد مضى الشهر وقبله ولو ساعة واحدة.

وربما جمع بين النصوص بحمل نصوص الواحدة (٢) على من لم يرد بالرجعة الإمساك ، وإنما أرادها مقدمة لطلاقها ، فإنه غير جائز ، بخلاف ما لو رجع بها الإرادة إمساكها ومواقعتها ثم بدا له فطلقها ، وهو مع أنه غير جامع لجميع النصوص لا قائل به ، على أن هذا الجمع ونحوه إنما هو بعد فرض المتكافئة المعلوم فقدها في المقام ، فليس حينئذ إلا العمل بالنصوص المزبورة المعتضدة بما عرفت ، وذكر وجه المنصوص المقابلة غير مناف لذلك إن أمكن ، وإلا أطرحت وأو كل العلم بها إلى قائلها كما هو مقتضى أصول المذهب وقواعده.

( المسألة الثالثة : )

إذا طلق الحائل طلاقا رجعيا ثم راجعها فان واقعها وطلقها في طهر آخر صح إجماعا بقسميه ونصوصا (٣) مستفيضة أو متواترة ، بل هو‌

__________________

(١) الوسائل في الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٨.

(٢) الوسائل في الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب أقسام الطلاق.

(٣) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٦ والباب ـ ٢ ـ من أبواب أقسام الطلاق.

١٣٥

من قطعيات أصول المذهب وقواعده ، فضلا عما دل عليه بالخصوص وإن طلقها في طهر آخر من غير مواقعة فيه روايتان : إحداهما لا يقع الثاني أصلا.

وهي‌ صحيحة ابن الحجاج (١) عن أبى عبد الله عليه‌السلام « الرجل يطلق امرأته له أن يراجع؟ قال : لا يطلق التطليقة الأخرى حتى يمسها ».

ورواية المعلى بن خنيس (٢) عن أبى عبد الله عليه‌السلام « في الرجل يطلق امرأته تطليقة ثم يطلقها الثانية قبل أن يراجع ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : لا يقع الطلاق الثاني حتى يراجع ويجامع ».

وموثقة إسحاق بن عمار (٣) عن أبي إبراهيم عليه‌السلام « سألته عن رجل يطلق امرأته في طهر من غير جماع ، ثم راجعها من يومه ذلك ثم يطلقها ، أتبين منه بثلاث طلقات في طهر واحد؟ فقال : خالف السنة ، قلت : فليس ينبغي له إذا هو راجعها أن يطلقها إلا في طهر آخر ، قال : نعم ، قلت : حتى يجامع ، قال : نعم ».

وصحيحة أبي بصير (٤) عن أبى عبد الله عليه‌السلام « سألته عن طلاق السنة ـ إلى أن قال ـ : وأما طلاق الرجعة فأن يدعها حتى تحيض وتطهر ثم يطلقها بشهادة شاهدين ثم يراجعها ويواقعها ، ثم ينتظر بها الطهر ، فإذا حاضت وطهرت أشهد شاهدين على تطليقة أخرى ، ثم يراجعها ويواقعها ، ثم ينتظر بها الطهر ، فإذا حاضت وطهرت أشهد شاهدين على التطليقة الثالثة ، ثم لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ، وعليها أن تعتد بثلاثة قروء من يوم طلقها التطليقة الثالثة ، فإن طلقها واحدة على طهر بشهود ثم انتظر بها حتى تحيض وتطهر ثم طلقها قبل أن يراجعها لم يكن طلاقه الثاني طلاقا ، لأنه طلق طالقا ، لأنه إذا كانت المرأة مطلقة من زوجها كانت‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٥.

(٣) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٦.

(٤) ذكر صدرها في الوسائل في الباب ـ ١ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٣ وذيلها في الباب ـ ٢ ـ منها الحديث ٢.

١٣٦

خارجة عن ملكه حتى يراجعها ، فإذا راجعها صارت في ملكه ما لم يطلق التطليقة الثالثة ، فإذا طلقها التطليقة الثالثة فقد خرج ملك الراجعة من يده ، فان طلقها على طهر بشهود ثم راجعها وانتظر بها الطهر من غير مواقعة فحاضت وطهرت ثم طلقها قبل أن يدنسها بمواقعة بعد الرجعة لم يكن طلاقه لها طلاقا ، لأنه طلقها التطليقة الثانية في طهر الأولى ، ولا ينقضي الطهر إلا بمواقعة بعد الرجعة ، ولذلك لا يكون التطليقة الثالثة إلا بمراجعة ومواقعة بعد المراجعة ثم حيض وطهر بعد الحيض ثم طلاق بشهود ، حتى يكون لكل تطليقة طهر من تدنيس المواقعة بشهود ».

ورواية أبي بصير (١) عنه عليه‌السلام أيضا « المراجعة في الجماع وإلا فإنما هي واحدة » بناء على أن المراد منه بقرينة ما سبق عدم احتساب الطلقة بعد المراجعة طلقة أخرى إلا مع الجماع وإلا فهي الطلقة الأولى ، إلى غير ذلك من النصوص.

والرواية الأخرى يقع الطلاق ويكون ثانيا ( وهو الأصح خ ل ) ثم لو راجعها وطلقها ثالثة في طهر آخر حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره.

وهي‌ موثقة إسحاق بن عمار (٢) عن أبي الحسن عليه‌السلام « قلت له : رجل طلق امرأته ، ثم راجعها بشهود ، ثم طلقها ، ثم بدا له فراجعها بشهود ، ثم طلقها فراجعها بشهود ، تبين منه؟ قال : نعم ، قلت : كل ذلك في طهر واحد ، قال : تبين منه ».

وصحيحة عبد الحميد ومحمد بن مسلم (٣) « سألنا أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل طلق امرأته وأشهد على الرجعة ولم يجامع ، ثم طلق في طهر آخر على السنة ، أتثبت التطليقة الثانية من غير جماع؟ قال : نعم إذا هو أشهد على الرجعة ولم يجامع كانت التطليقة ثانية ».

وصحيحة البزنطي (٤) « سألت الرضا عليه‌السلام عن رجل طلق امرأته بشاهدين ،

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٥.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٢.

١٣٧

ثم يراجعها ولم يجامعها بعد الرجعة حتى طهرت من حيضها ، ثم طلقها على طهر بشاهدين ، أيقع عليها التطليقة الثانية وقد راجعها ولم يجامعها؟ قال : نعم ».

وحسنة أبي على بن راشد (١) « سألته عليه‌السلام مشافهة عن رجل طلق امرأته بشاهدين على طهر ، ثم سافر وأشهد على رجعتها ، فلما قدم طلقها من غير جماع أيجوز ذلك له؟ قال : نعم قد جاز طلاقها ».

مؤيدة بعموم ما دل على وقوع الطلاق على الزوجة كتابا (٢) وسنة (٣) الشامل لموضع النزواع بعد معلومية صيرورتها زوجة بالرجعة ولو من غير جماع نصا (٤) وفتوى ، فطلاقها حينئذ من أهله في محله.

ولا ريب في أن هذا هو الأصح بل هو المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة لا بأس بدعوى الإجماع معها ، إذ لم أجد قائلا بالأولى إلا ما يحكى عن ابن أبى عقيل وقد لحقه الإجماع ، فلا إشكال حينئذ في ترجيح هذه النصوص على السابقة ، وحملها على ضرب من الاستحباب.

ومن فقهائنا من حمل رواية الجواز على طلاق السنة الذي هو بمعنى خلاف العدي لا الأخص الذي قد عرفته سابقا ورواية المنع على طلاق العدة الذي قد عرفت اعتبار المواقعة بعد الرجعة فيه ، مستشهدا على ذلك بخبر المعلى بن خنيس (٥) عن أبى عبد الله عليه‌السلام « الذي يطلق ثم يراجع ثم يطلق فلا يكون فيما بين الطلاق والطلاق جماع فتلك تحل له قبل أن تتزوج زوجا غيره ، والتي لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره هي التي تجامع فيما بين الطلاق والطلاق ».

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٤.

(٢) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٣٠.

(٣) الوسائل الباب ـ ١ و ٢ ـ من أبواب أقسام الطلاق.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من أبواب أقسام الطلاق.

(٥) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٣.

١٣٨

مؤيدا بخبر أبى بصير (١) « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الطلاق الذي لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ، فقال : أخبرك بما صنعت أنا بامرأة كانت عندي فأردت طلاقها فتركتها حتى ( إذا أخ ل ) طمثت وطهرت ، ثم طلقتها من غير جماع ، وأشهدت على ذلك شاهدين ، ثم تركتها حتى إذا كادت أن تنقضي عدتها راجعتها ودخلت بها ، وتركتها حتى طمثت وطهرت ، ثم طلقتها على طهر من غير جماع بشاهدين ، ثم تركتها حتى إذا كان قبل أن تنقضي عدتها راجعتها ودخلت بها ، حتى إذا طمثت وطهرت طلقتها على طهر بغير جماع بشهود ، وإنما فعلت ذلك لأنه لم يكن لي بها حاجة ».

ولكنه كما ترى ، ضرورة عدم دلالة الخبر الأول فضلا عن الثاني إلا على اشتراط التوقف على المحلل بالجماع بين الطلاقين ، وهو غير التفصيل المزبور ، على أنه مناف لما سمعته من النص والإجماع على عدم اشتراطه بذلك ، وأن مطلق الطلاق ثلاثا يقتضي توقف الحل على المحلل.

ولعله لذا قال المصنف هو تحكم لأنه لا شاهد له ، وقوله عليه‌السلام في خبر ابن مسلم (٢) : « على السنة » إنما يراد به الجامع للشرائط الشرعية لا السني بالمعنى الأخص ، بل قيل : إن بعض أخبار المنع لا تقبله ، لظهورها أو صراحتها في عدم وقوع الطلاق رأسا ، خصوصا خبر أبى بصير (٣) المشتمل على التعليل السابق.

لكن لا يخفى عليك أن قول الشيخ ليس تفصيلا في المسألة ، ضرورة أن المفروض ـ وإن قلنا بشرعيته ـ ليس من العدي قطعا ، لما عرفت من اعتبار المواقعة فيه بعد الرجعة ، وإنما ذكر ذلك محملا للنصوص النافية ، ولا ريب في قابليتها لذلك ، خصوصا خبر أبي بصير (٤) الذي قد ذكر ما في ذيله لبيان الوجه فيما اعتبره في‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٢.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٢.

١٣٩

الطلاق العدي من الرجعة والمواقعة ، فيراد حينئذ بيان نفي الفاقد لأحدهما عن كونه من العدي.

وعلى كل حال فالأمر في ذلك سهل وإن كان الأولى منه ما قلناه من بيان ضرب من الأولوية والكراهة ، والوجه في ذلك أنه قد اشتهر بين العامة صحة الطلاق في مجلس واحد بالإرسال والترتيب من دون تخلل رجعة ، ولهذا أشار عليه‌السلام (١) إلى ردهم في الثاني بأنه طلق مطلقة ، فلا ريب في أن المراد من هذه النصوص التعريض بهم ، وأن أولى الأفراد ما كان أبعد عما عندهم ، وهو المشتمل على المراجعة والمواقعة المستلزمة لاعتبار طهر آخر غير الأول ، ودونه الطلاق بعد الرجعة في طهر آخر غير الأول ، ودونهما الطلاق في ذلك الطهر بعد المراجعة ، والكل غير ما عندهم من تعدد الطلاق من غير تخلل رجعة ، ولكن الأفضل الفرد الأول ، وهو الذي أشار إليه الإمام عليه‌السلام بكون غيره مخالفا للسنة ، أي المستحب ، ولهذا ذكره بلفظ « ينبغي » كما ذكر الباقر عليه‌السلام ما صنعه هو (٢).

وبالجملة من تأمل في النصوص يكاد يجزم بكون المراد منها ذلك ، وأنها خرجت لبيان هذا الأمر.

وبذلك كله ظهر لك أن الإطناب في المسالك والحدائق في المقام لا حاصل له ، خصوصا بعد استقرار كلمة الأصحاب من زمن ابن أبي عقيل إلى يومنا هذا على ذلك إلا من بعض أهل الوسوسة ممن لم يعض على الأمر بضرس قاطع ، والله العالم.

وربما جمع بين النصوص بأنه إن كان غرضه من الرجعة التطليقة الأخرى إلى أن تبين منه فلا يتم مراجعتها ، ولا يصح طلاقها بعد المراجعة ، ولا تحسب من الثلاث حتى يمسها ، وإن كان غرضه من الرجعة أن تكون في حباله ، وله فيها حاجة ثم بدا له أن يطلقها فلا حاجة إلى أمس ، ويصح طلاقها ، ويحسب من الثلاث ،

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٣.

١٤٠