جواهر الكلام - ج ٣٢

الشيخ محمّد حسن النّجفي

وأما احتمال عدم وقوع الطلاق بأحدهما ، لعدم النطق بلفظ يعين المطلقة ـ بل جعله في كشف اللثام هو الظاهر ـ ففيه أنه يكفى اللفظ الغلطى مع فرض القصد به ، والله العالم.

ولو قال : « زينب طالق بل عمرة » طلقتا جميعا ، لأن كل واحدة منهما مقصودة في وقت التلفظ باسمها فتندرج في إطلاق الأدلة ، بل في كشف اللثام « أن « بل » ليست نصا في الإنكار أو النقض ، فلتحمل على الجميع » وإن كان فيه أن الظاهر ثبوت الحكم حتى على فرض إرادة النقض الذي لا يرجع فيه إليه بعد فرض حصول سببه الشرعي ، نعم لو رجع ذلك إلى إرادة بيان الغلط اللساني في « زينب » اتجه الفساد حينئذ فيها بناء على قبوله منه ، ولكن ذلك خروج عن الفرض.

وعلى كل حال فقال المصنف فيه إشكال ينشأ من اعتبار النطق بالصيغة التي هي « أنت مثلا طالق » وتبعه الفاضل في القواعد ، فلا يكفي العطف خصوصا إذا كان بلفظ « بل » ولا أقل من الشك ، والأصل عدم حصوله ، بل في المسالك « الأقوى توقف الثانية على الصيغة التامة مطلقا أى من غير فرق بين العطف بالواو وغيره ، نعم لو وقع ذلك على وجه الإقرار حكم بطلاقهما ، لأنه أقر بطلاق المذكورة أولا ثم رجع مستدركا وأقر بطلاق الثانية ، فلا يقبل رجوعه عن الأولى ، ويؤاخذ بالثاني ، كما لو قال : له علي درهم بل دينار ».

قلت : قد عرفت البحث سابقا في الاكتفاء بحرف العطف عن إعادتها ، من غير فرق بين الواو وغيرها وإن كان ربما فرق بينها وبين « بل » فحكم بالصحة بها نظرا إلى مقتضى الجمع بين المعطوف والمعطوف عليه ، فيكون قوله : « طالق » في الأولى مرادا في الثانية ، بخلاف المعطوف ببل ، لأنها تفيد الإضراب عن الأولى وإثباته للمعطوفة ، فإذا بطل حكم « طالق » في الأولى لم يكن مؤثرا في الثانية ، لكنه كما ترى.

هذا ولقد أكثر العامة في ذكر الفروع المتعلقة بالإبهام ، والتعليق ، والحلف بالطلاق ، وتعقيب الصيغة بالمنافي ، وغير ذلك ، وقد أطنب الشيخ في المبسوط في‌

١٠١

ذكر الصحيح منها على أصولنا والفاسد ، وبملاحظتها يعلم ما هو المراد من نصوص الحصر (١) وغيرها من التعريض بهم ، بل من ذلك يعلم أن الحصر في النصوص المزبورة من الباب التي ينفتح منها ألف باب ، لكون المراد به فساد كثير مما ذكروه.

( الركن الرابع )

( الاشهاد )

كتابا (٢) وسنة (٣) وإجماعا بقسميه ، بل المحكي منهما مستفيض أو متواتر كالسنة ، قال أمير المؤمنين عليه‌السلام في خبر ابن مسلم (٤) لمن سأله عن طلاقه : « أشهدت رجلين عدلين كما أمر الله عز وجل؟ فقال : لا فقال : اذهب ، فليس طلاقك بطلاق » وقال الباقر والصادق عليهما‌السلام في حسن زرارة ومحمد بن مسلم ومن معهما (٥) : « وإن طلقها في استقبال عدتها طاهرا من غير جماع ولم يشهد على ذلك رجلين عدلين فليس طلاقه إياها بطلاق » وقال الباقر عليه‌السلام في حسنهما أيضا (٦) : « الطلاق لا يكون بغير شهود » وقال الصادق عليه‌السلام : في خبر أبي الصباح (٧) « من طلق بغير شهود فليس بشي‌ء » وقال أبو الحسن عليه‌السلام في حسن أحمد بن محمد بن أبى نصر (٨) : « يطلقها إذا طهرت من حيضها قبل أن يغشاها بشاهدين عدلين ، كما قال الله عز وجل في كتابه ، فإن خالف ذلك رد إلى كتاب الله عز وجل » إلى غير

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب مقدمات الطلاق.

(٢) سورة الطلاق : ـ ٦٥ ـ الآية ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب مقدمات الطلاق.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٧.

(٥) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٣.

(٦) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٣.

(٧) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٦.

(٨) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٤.

١٠٢

ذلك من النصوص التي سيمر عليك جملة منها.

نعم الظاهر الاكتفاء بشهادة إنشاء الطلاق من الأصيل أو الوكيل أو الولي ، ولا يعتبر العلم بالمطلق والمطلقة على وجه يشهد عليهما لو احتيج إليه ، لإطلاق الأدلة.

لكن عن سيد المدارك في شرح النافع اعتبار ذلك ، قال : « واعلم أن الظاهر من اشتراط الإشهاد أنه لا بد من حضور شاهدين يشهدان بالطلاق ، بحيث يتحقق معه الشهادة بوقوعه ، وإنما يحصل ذلك مع العلم بالمطلقة على وجه يشهد العدلان بوقوع طلاقها ، فما اشتهر بين أهل زماننا ـ من الاكتفاء بمجرد سماع العدلين صيغة الطلاق وإن لم يعلما المطلق والمطلقة بوجه ـ بعيد جدا ، بل الظاهر أنه لا أصل له في المذهب ، فان النص والفتوى متطابقان على اعتبار الاشهاد ، ومجرد سماع صيغة لا يعرف قائلها لا يسمى إشهادا قطعا. وممن صرح باعتبار علم الشهود بالمطلقة الشيخ في النهاية ، قال : « ومتى طلق ولم يشهد شاهدين ممن ظاهره الإسلام كان طلاقه غير واقع ـ ثم قال ـ : وإذا أراد الطلاق فينبغي أن يقول : « فلانة طالق » أو يشير إلى المرأة بعد أن يكون العلم قد سبق بها من الشهود ، فيقول : هذه طالق » ويدل على ذلك ـ مضافا إلى ما ذكرناه من عدم تحقق الاشهاد بدون العلم بالمطلقة ـ مكاتبة محمد بن أحمد بن مطهر إلى العسكري عليه‌السلام (١) « إنى تزوجت بأربع نسوة لم أسأل عن أسمائهن ثم أريد طلاق إحداهن وتزويج امرأة أخرى ، فكتب : انظر إلى علامة إن كانت بواحدة منهن ، فتقول : اشهدوا أن فلانة التي بها علامة كذا وكذا هي طالق ثم تزوج الأخرى إذا انقضت العدة » (٢).

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد الحديث ٣ من كتاب النكاح.

(٢) الى هنا ينتهى كلام سيد المدارك ( قده ) في شرح النافع. والموجود في النسخة المخطوطة منه في عام ١١٦٧ المخزونة في ( مكتبة السيد الحكيم قدس‌سره العامة ) في النجف الأشرف : « لا بد من حضور شاهدين يسمعان الطلاق بحيث يتحقق معه الشهادة بوقوعه ».

١٠٣

وأطنب في الحدائق في رده ، وقال : « إن اعتبار العلم في الجملة مما لا إشكال فيه ولا مرية تعتريه ، لا من أهل زمانه ولا من غيرهم ، وهو الذي جرى عليه كافة من حضرنا مجالسهم من مشايخنا المعاصرين ، وأما العلم الموجب لتميزهما وتشخيصهما فلا أعرف له دليلا واضحا ، وجميع ما استدل به لا يخلو من نظر واضح ، بل صريح الدليل خلافه ، إذ ما ذكره ـ من عدم تحقق الاشهاد بدون العلم ـ ففيه منع واضح إن أراد العلم بالمعنى الذي ذكره ، بل هو عين المدعى ، وإن أراد في الجملة فهو مسلم ، فإنه لو قال : « فاطمة زوجتي طالق » والشهود ليس لهم معرفة سابقه إلا بهذا الاسم الذي ذكره ، صح ، وكذلك المطلق ، إذا علموا أن اسمه زيد مثلا فإنه يكفي في العلم به ، ولا يشترط أزيد من ذلك.

وعبارة الشيخ في النهاية إنما تدل على ذلك ، فان المراد بقوله : « فينبغي » إلى آخره تسمية المطلقة باسمها العلمي ، ومع عدم معرفة الاسم العلمي فلا بد من شي‌ء يدل على التعيين ، لوجوبه في صحة الطلاق كما تقدم ، بأن يشير إلى امرأة جالسة ويقول « هذه طالق » بعد علم الشهود بها ولو في الجملة ، بأن تكون بنت فلان ، أو أخت فلان ، أو البصرية ، أو الكوفية ، أو نحو ذلك مما يفيد العلم في الجملة.

وأما الخبر فالمراد منه اعتبار ما يدل على التعيين من علامة ونحوها بعد تعذر الاسم ، بل هو ظاهر في الاجتزاء به مع فرض معرفته ، فيكون حينئذ ظاهرا فيما ذكرناه لا فيما ذكره.

بل يدل على ذلك صريحا‌ خبر أبى بصير المرادي أو صحيحه (١) « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل تزوج أربع نسوة في عقدة واحدة أو قال في مجلس واحد ومهورهن مختلفة قال : جائز له ولهن ، قلت : أرأيت إن هو خرج إلى بعض البلدان فطلق واحدة من الأربع وأشهد على طلاقها قوما من أهل تلك البلاد وهم لا يعرفون المرأة ثم تزوج امرأة من أهل تلك البلاد بعد انقضاء عدة المطلقة ثم مات بعد‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ١.

١٠٤

ما دخل بها كيف يقسم ميراثه؟ قال : إن كان له ولد فإن للمرأة التي تزوجها أخيرا من تلك البلاد ربع ثمن ما ترك ، وإن عرفت التي طلقت بعينها ونسبها فلا شي‌ء لها من الميراث ، وليس عليها العدة ، قال : وتقسم الثلاث نسوة ثلاثة أرباع ثمن ما ترك ، وعليهن العدة ، وإن لم تعرف التي طلقت من الأربع قسمن النسوة ثلاثة أرباع ثمن ما ترك بينهن جميعا ، وعليهن جميعا العدة » ورواه الشيخ في الصحيح عن الحسن ابن محبوب‌ وطريقه إليه صحيح ، وهو مع صحة سنده صريح في طلاق من لم يعرفها الشهود لشخصها ، ولا ينافي ذلك اعتبار التعيين في صحة الطلاق ، فان الاشتباه المذكور في ذيله يمكن أن يكون لعروض نسيان لهم أو غيره.

نعم ربما يدل على ما ذكره‌ حسن حمران (١) عن أبى عبد الله عليه‌السلام « لا يكون خلع ولا تخيير ولا مباراة إلا على طهر من المرأة من غير جماع وشاهدين يعرفان الرجل ويريان المرأة ويحضران التخيير وإقرار المرأة أنها على طهر من غير جماع يوم خيرها ، قال : فقال له محمد بن مسلم : ما إقرار المرأة هنا؟ قال : يشهد الشاهدان عليها بذلك للرجل حذار أن يأتي بعد فتدعي أنه خيرها وهي طامث فيشهدان عليها بما سمعا منها » إلا أن هذا الخبر لم يتضمن الطلاق ، ويمكن حمله على الاستحباب والاحتياط ـ ثم قال ـ :

وبالجملة فإن ما ذكرناه من الاكتفاء بالمعرفة الإجمالية هو الذي جرى عليه مشايخنا الذين عاصرناهم ، وحضرنا مجالس طلاقهم كما حكاه هو أيضا عما اشتهر في زمانه ، وأما ما ادعاه فلم أقف له على موافق ، ولا دليل يعتمد عليه. ولم أقف لأحد من أصحابنا على بحث في هذه المسألة سوى ما نقلناه عنه ، وقد عرفت ما فيه » (٢).

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من كتاب الخلع الحديث ٤.

(٢) الى هنا ينتهى كلام صاحب الحدائق في مناقشة سيد المدارك قدس‌سرهما مع تغيير بعض الجملات بالنقل الى المعنى.

١٠٥

وتبعه على ذلك في الرياض ، فإنه ـ بعد أن ذكر إطلاق المستفيضة المكتفية بشهادة الشاهدين للصيغة خاصة من دون مراعاة الزائد عليها بالمرة ـ قال : « وهي وإن اقتضت صحة الطلاق مطلقا ولو من دون علمهما بالمطلقة ولو بالاسم أو الإشارة بالمرة إلا أن اللازم مراعاة المعرفة في الجملة بنحو من الاسم أو الإشارة تحقيقا لفائدة الشهادة ، والتفاتا إلى بعض المعتبرة ـ أي المكاتبة المذكورة ثم قال ـ : وبه صرح شيخنا في النهاية ، ولعل هذا أيضا مراد بعض متأخري الطائفة من اعتباره في صحة الاشهاد علم الشاهدين بالمطلق والمطلقة ، ولو أراد العلم بهما من جميع الوجوه لكان بعيدا غاية البعد ، بل فاسدا بالضرورة ، لاستلزامه تقييد الأدلة من غير دلالة ، مع استلزام مراعاته الحرج المنفي آية (١) ورواية (٢) ومخالفة الطريقة المستمرة بين الطائفة ، مع اندفاعه بخصوص الصحيحين ـ أى خبري أبي بصير (٣) ثم قال ـ : ربما أشعرت بذلك عموم أخبار (٤) صحة طلاق الغائب ، لكون الغالب في شهوده عدم المعرفة بالمطلقة ، وسيما إذا كانت الغيبة إلى البلاد البعيدة ، وبالجملة الظاهر من الأدلة كفاية المعرفة بنحو من الاسم أو الإشارة من دون لزوم مبالغة تامة في المعرفة ».

قلت : هما وإن أجادا في الإنكار عليه باعتبار العلم المزبور ، لكن فيما اعتبراه أيضا من اعتبار العلم في الجملة بحث ، بل فيه من الإجمال ما لا يخفى ، على أنه لا وجه له إذا كان مبنى عدم اعتبار العلم بالمعنى المزبور هو كون المراد من‌

__________________

(١) سورة الحج : ٢٢ ـ الآية ٧٨.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الوضوء الحديث ٥ من كتاب الطهارة.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ١ بسندين راجع الباب ـ ٩ ـ من أبواب ميراث الأزواج من كتاب المواريث والتهذيب ج ٨ ص ٩٣ وج ٩ ص ٢٩٦ و ٣٨٤.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢٥ من أبواب مقدمات الطلاق.

١٠٦

الكتاب (١) والنص (٢) والفتوى هو حضور العدلين إنشاء الطلاق من منشئه من غير اعتبار لاتصافهما بالشهادة على وجه يعتبر فيهما ما يعتبر في الشهادة ، على ( إلى ظ ) غير ذلك من تشخيص المشهود عليه ونحوه.

بل يمكن دعوى الاكتفاء بشهادة العدلين ذلك وإن لم يقبل شهادتهما على المطلق أو المطلقة لأمر لا ينافي العدالة من خصومة أو أبوه أو رقية أو نحو ذلك بناء على اعتبار ذلك في قبولها ، واعتبار التعيين أو ذكر ما يفيده في صحة صيغة الطلاق لا مدخلية له في الإشهاد بالمعنى المزبور ، فلو قال : « زوجتي طالق » أو « فاطمة طالق » وكان الاسم مشتركا بين نسائه وقصد به معينا صح الطلاق وإن لم يعلم الشاهدان المعينة عنده.

بل لو أنشأ منشئ الطلاق بحضور عدلين من غير علم لهما بكونه وكيلا أو زوجا أو وليا صح ، وكذا لو أنشأه بمحضر ممن لا يبصره ولا يعرفه لعمى أو غيره ـ فضلا عن معرفة المطلقة ـ صح أيضا ، لإطلاق الأدلة.

وبالجملة لا يعتبر في شاهدي الطلاق كونهما شاهدين على المطلق أو المطلقة مقبولي الشهادة عليهما كي يعتبر في صحة الطلاق صحة شهادتهما عليهما.

نعم لو قلنا باستفادة اعتبار كونهما شاهدين من الأمر بالإشهاد في الكتاب (٣) والسنة (٤) لاتجه ما قاله السيد المزبور لا ما قالاه ، بل اتجه اعتبار كونهما مقبولي الشهادة عليهما ، كما عساه يومئ إليه حسن حمران (٥) السابق المحمول على ضرب من الاحتياط ، لعدم القائل بمضمونه حتى السيد المزبور ، لكن قد عرفت عدمه ، بل ظاهر الأدلة بل صريح بعضها خلافه ، وذكر العلامة في المكاتبة لإرادة التعيين لا يقتضي ذلك.

ولعله لذا قال المصنف في تفسير اعتبار الإشهاد : أنه لا بد من حضور‌

__________________

(١) سورة الطلاق : ٦٥ ـ الآية ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب مقدمات الطلاق.

(٣) سورة الطلاق : ٦٥ ـ الآية ٢.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب مقدمات الطلاق.

(٥) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من كتاب الخلع الحديث ٤.

١٠٧

شاهدين يسمعان الإنشاء أو يريانه في إشارة الأخرس وكتابة العاجز سواء قال لهما : اشهدا أو لم يقل ضرورة عدم توقف صدق شهادتهما بل ولا إشهادهما على ذلك ، مضافا إلى‌ حسن ابن أبى نصر (١) « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل كانت له امرأة طهرت من محيضها فجاء إلى جماعة فقال : فلانة طلاق يقع عليها الطلاق ولم يقل اشهدوا؟ قال : نعم » ونحوه حسن صفوان بن يحيى (٢) عنه عليه‌السلام.

نعم قد يقال باعتبار اقتضاء اعتبار الأمر بالإشهاد في الآية (٣) وغيرها قصد إيقاع الطلاق بحضورهما ، فلو طلق من دونه لم يصح وإن سمعه منه من لم يعلم به من وراء جدار مثلا ، وإن لم أجد المصرح بذلك إلا أنه يمكن دعوى ظهور كثير من الكلمات فيه.

وعلى كل حال فلا إشكال ولا خلاف في أن سماعهما التلفظ بإنشاء الطلاق أو ما يقوم مقامه شرط في صحة الطلاق حتى لو تجرد عن الشهادة لم يقع ولو كملت شروطه الأخر بل قد عرفت أن ذلك مما تطابق عليه الكتاب (٤) والسنة (٥) والإجماع بقسميه.

وكذا تطابقت على اعتبار التعدد فيهما والعدالة (٦) وحينئذ فـ ( لا يقع ) الطلاق بشاهد واحد ولو كان عدلا بل معصوما ولا بشهادة فاسقين فصاعدا ولو بلغ الشياع ، بل وما يفيد العلم وإن توهم بعض الناس الاكتفاء بالأخير ، معللا له بأنه ليس بعد العلم من شي‌ء إلا أنه كما ترى ، ضرورة عدم مدخلية العلم بوقوعه فيما يعتبر في صحته بل لا بد حال وقوعه من حضور شاهدين عدلين ، نعم يكفي كون ظاهرهما العدالة.

ومن فقهائنا كالشيخ في نهايته والقطب الراوندي فيما يحكى عنه من‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢١ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢١ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٢.

(٣) سورة الطلاق : ٦٥ ـ الآية ٢.

(٤) سورة الطلاق : ٦٥ ـ الآية ٢.

(٥) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب مقدمات الطلاق.

(٦) سورة الطلاق : ٦٥ ـ الآية ٢ والباب ـ ١٠ ـ من أبواب مقدمات الطلاق.

١٠٨

اقتصر على اعتبار الإسلام فيهما ومقتضاه الاجتزاء بالمسلمين الفاسقين فضلا عن المؤمنين.

ولا ريب في أن الأول أظهر بل ينبغي القطع به ، إذ دعوى عدم اعتبارها فيه بعد اتفاق الكتاب والسنة والإجماع بقسميه عليه واضحة الفساد ، كدعوى تحققها بالإسلام وإن قارن سائر المعاصي ، ضرورة صدق اسم الفاسق عليه الذي يمتنع معه صدق اسم العدل ، بل لا ينبغي نسبة هذا القول لأحد من أصحابنا المنزهين عن أمثال ذلك.

ولعل ما في النهاية من « أنه متى طلق بمحضر من رجلين مسلمين ولم يقل لهما اشهدا وقع طلاقه ، وجاز لهما أن يشهدا بذلك » غير مساق لبيان ذلك ، لأنه قد تقدم له قبل ذلك بأسطر « أن من الشرائط العامة لجميع أنواع الطلاق أن يكون طلاقه بمحضر من شاهدين مسلمين عدلين ، ويتلفظ بلفظ مخصوص » إلى آخره وهو صريح في اشتراط العدالة ، كما أنه ظاهر أو صريح في أنها أمر زائد على الإسلام ، نحو قوله تعالى (١) ( وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ ) خصوصا بعد ما تقدم له سابقا في كتاب الشهادات من تعريف العدل بمضمون ما في صحيح ابن أبى يعفور (٢) بل اعتبر نحو ذلك أيضا في شهادة النساء.

فمن الغريب نسبة بعض إليه هنا عدم اعتباره العدالة أو أنها هي الإسلام ، ولعل النسبة إلى القطب كذلك ، إذ لم يحضرنا كلامه.

وأغرب من ذلك الاحتجاج لهما بما في‌ حسن البزنطي (٣) عن أبى الحسن عليه‌السلام « قلت : فإن أشهد رجلين ناصبيين على الطلاق أيكون طلاقا؟ فقال : من ولد على الفطرة أجيزت شهادته على الطلاق بعد أن يعرف منه خير » وصحيح عبد الله بن‌

__________________

(١) سورة الطلاق : ٦٥ ـ الآية ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤١ ـ من كتاب الشهادات الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٤.

١٠٩

المغيرة (١) قلت للرضا عليه‌السلام : « رجل طلق امرأته وأشهد شاهدين ناصبيين ، قال : كل من ولد على الفطرة وعرف بالصلاح في نفسه جازت شهادته » المحمولين بشهادة العدول عن جواب السؤال على التعبير بما هو جامع بين التقية والحق الذي لا زالوا يستعملونه ، حتى قالوا لبعض أصحابهم في‌ بعض (٢) نصوص الطلاق ثلاثا معلمين لهم : « إنكم لا تحسنون مثل هذا » أي فتجمعون بينهما بالعبارة الجامعة ، فيراد حينئذ بمعرفة الخير فيه والصلاح في نفسه المؤمن العدل الذي قد يقال : إنه مقتضى الفطرة أيضا ، لا الناصب الذي هو كافر إجماعا ، بل ولا مطلق المخالف الذي هو الشر نفسه.

فما في المسالك من الميل إلى القول المزبور واضح الفساد ، ونحوه قد وقع له في كتاب الشهادات ، وقد ذكرنا هناك ما عليه ، ومن العجيب موافقة سبطه له هنا على ذلك في المحكي عن شرحه على النافع ، ولعله لقرب مزاجه من مزاجه باعتبار تولده منه.

نعم لا عذر للكاشاني في مفاتيحه ، سواء قالوا بعدم اعتبار العدالة في شاهدي الطلاق أو قالوا بأنها فيه مجرد الإسلام ، فإن الأمرين كما ترى.

وأغرب من ذلك قوله في المسالك بعد أن ذكر رواية البزنطي (٣) : « وهذه الرواية واضحة الاسناد والدلالة على الاكتفاء بشهادة المسلم في الطلاق ، ولا يرد أن‌ قوله عليه‌السلام « بعد أن يعرف منه خير » ينافي ذلك ، لأن الخير قد يعرف من المؤمن وغيره ، وهو نكرة في سياق الإثبات لا يقتضي العموم ، فلا ينافيه مع معرفة الخير‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤١ ـ من كتاب الشهادات الحديث ٥.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٦ وفيه « قال : ثم التفت الى فقال : فلان لا يحسن أن يقول مثل هذا » كما في الاستبصار ج ٣ ص ٢٩٠ الرقم ١٠٢٥ الا أن الموجود في التهذيب ج ٨ ص ٩٢ « قال : ثم التفت الى فقال : يا فلان لا تحسن أن تقول مثل هذا ».

(٣) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٤.

١١٠

منه بالذي أظهره من الشهادتين والصلاة والصيام وغيرهما من أركان الإسلام أن يعلم منه ما يخالف الاعتقاد الصحيح ، لصدق معرفة الخير منه معه ، وفي الخبر ـ مع تصديره باشتراط شهادة عدلين ، ثم الاكتفاء بما ذكر ـ تنبيه على أن العدالة هي الإسلام ، فإذا أضيف إلى ذلك أن لا يظهر الفسق كان أولى ».

ضرورة كونه من الكلام الذي لا يستأهل ردا وإن أطنب في الحدائق ، بل والرياض ، بل لعل القول به مع عدم الإضافة المزبورة التي جعلها أولى مناف للضروري بين العلماء ، كما أنه مناف معها أيضا لعلماء الفرقة المحقة ، كما أوضحنا ذلك في كتاب الشهادات.

ثم إن الظاهر المنساق من الأدلة اعتبار شاهدين خارجين عن المطلق وإن كان وكيلا أو وليا ، لكن في المسالك بعد أن اعترف باعتبار ذلك قال : « ثم إن كان هو الزوج فواضح ، وإن كان وكيله ففي الاكتفاء به عن أحدهما وجهان : من تحقق اثنين خارجين عن المطلق ، ومن أن الوكيل نائب عن الزوج ، فهو بحكمه ، فلا بد من اثنين خارجين عنهما ، وفيه أن أحدهما أعني الزوج أو الوكيل خارج ، لأن اللفظ لا يقوم باثنين فأيهما اعتبر اعتبر شهادة الأخر » قلت : يصدق المطلق على كل منهما باعتبار ، فلا بد من شاهدين غيرهما ، كما هو واضح.

ومن ذلك يعلم ما في القواعد « ولو كان أحدهما ـ أي الشاهدان ـ الزوج ففي صحة طلاق الوكيل إشكال ، فإن قلنا به ـ أي الوقوع ـ لم يثبت ـ أي الطلاق ـ بشهادته ، لأنه هو المدعي ».

ثم إن المراد من قول المصنف ره : « ظاهرهما » إلى آخره بيان أن العدالة وإن كانت شرطا لكن يكفي في الحكم بحصولها على وجه يترتب عليه المشروط بها حسن الظاهر ضرورة تعذر الاطلاع على نفس الأمر أو تعسره ، ولهذا اتفق النص (١) والفتوى على الاكتفاء بذلك في الحكم بحصولها ، فلا يقدح حينئذ فسقهما في نفس‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤١ ـ من كتاب الشهادات الحديث ٣.

١١١

الأمر في الحكم بصحة الطلاق ظاهرا لغير العالم بحالهما ، بل لا يشترط حكم الحاكم بذلك ، كما في غيره من الموضوعات التي علق عليها الحكم.

بل في المسالك « هل يقدح فسقهما في نفس الأمر بالنسبة إليهما حتى لا يصح لأحدهما أن يتزوج بها أم لا ، نظرا إلى حصول شرط الطلاق ، وهو العدالة ظاهرا؟ وجهان ، وكذا لو علم الزوج فسقهما مع ظهور عدالتهما ، ففي الحكم بالوقوع بالنسبة إليه ، حتى يسقط عنه حقوق الزوجية ويستبيح أختها والخامسة وجهان. والحكم بصحته فيهما لا يخلو من قوة ».

وقد تبع ببعض ذلك الفاضل في القواعد « ولو أشهد من ظاهره العدالة وقع وإن كان في الباطن فاسقين أو أحدهما ، وحلت عليهما على اشكال ـ لكن قال ـ : أما لو كان ـ أي المطلق ـ ظاهرا ـ أي مطلعا ـ على فسقهما فالوجه البطلان » ولعله لما في كشف اللثام من أن ظهور العدالة إن أفاد إنما يفيد في نظر المطلق ، فهما حينئذ ليسا بظاهري العدالة.

قلت : قد يقال إن مقتضى قاعدة وضع اللفظ للواقع بطلان الطلاق لكل من هو مطلع على فسقهما فيه ، حتى هما أيضا ، والاجتزاء بالظاهر للنص (١) والفتوى إنما هو لغير منكشف الحال.

نعم لو قلنا إن العدالة هي نفس حسن الظاهر واقعا اتجه الصحة حينئذ حتى مع علم الزوج إذا فرض على وجه لا ينافي صدق حسن الظاهر ، لكن لا يخفى ما فيه من البعد.

ودعوى ظهور ما دل علي الاجتزاء بالظاهر من النص (٢) والفتوى في ترتب الحكم المعلق عليه وإن بان بعد ذلك خلافه كما في الائتمام ونحوه إن لم نقل إنه عدالة لا دليل عليها ، بل ظاهر الأدلة في الشهادات وغيرها خلافها ، والائتمام مداره على الصلاة خلف من وثق به ، فلا يقدح في صدق الامتثال ظهور الفسق بعد‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤١ ـ من كتاب الشهادات الحديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤١ ـ من كتاب الشهادات الحديث ٣.

١١٢

ذلك ، على أن الكلام هنا في علم الشاهدين بأنفسهما أو الزوج أو غيرهما المقارن لحال الطلاق.

فالتحقيق حينئذ اتحاد حكم هذا الموضوع مع غيره من الموضوعات وإن اجتزئ في الحكم بتحققه بظاهر الحال ، لكن ما دام الأمر مستورا فمتى انكشف الحال ولو بعد ذلك لم يحكم بصحة الطلاق ، فضلا عمن كان الحال مكشوفا لديه من الزوج أو الشاهدين أو غيرهم.

كما أن المتجه الصحة لو طلق بمحضر من مجهولي الحال فبان عدالتهما ، بل وكذا الفاسقين في الظاهر وإن جعله في كشف اللثام أحد الوجهين.

هذا ولا ريب في أن ظاهر الكتاب العزيز والسنة وصريح الفتاوى بل الظاهر الاتفاق عليه اعتبار اجتماع العدلين في حضور إنشاء الطلاق ، بل هو صريح‌ حسن البزنطي (١) « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل طلق امرأته من غير جماع وأشهد اليوم رجلا ثم مكث خمسة أيام ثم أشهد آخر ، فقال : إنما أمر أن يشهدا جميعا » الذي ينافيه‌ صحيح ابن بزيع (٢) عن الرضا عليه‌السلام « سألته عن تفريق الشاهدين في الطلاق ، فقال : نعم ، وتعتد من أول الشاهدين ، وقال : لا يجوز حتى يشهدا جميعا » المحمول بقرينة ما في آخره على إرادة التفريق في الأداء لا في حضور الإنشاء وبذلك كان الاعتداد من أول شهادة الشاهدين ، لأنه يكون قد وقع بهما ، فإذا شهد أولهما بوقت كان الأخر شاهدا به كذلك وإن تأخر في الأداء.

وحينئذ فـ ( لو شهد أحدهما بالإنشاء ثم شهد الأخر به بانفراده لم يقع الطلاق ) بلا خلاف أجده فيه ، لما عرفت من اعتبار الاجتماع في شهادة الإنشاء ، والفرض عدمه في كل من الإنشائين.

أما لو شهدا بالإقرار بالطلاق ولو المحمول على الوجه الصحيح لم يشترط الاجتماع فيحكم حينئذ به وإن اختلف وقت أدائهما ، سواء شهد على إقراره الواحد شاهدان أو شهدا على إقراره في وقتين ، لأن صحة الإقرار لا يشترط فيها الاشهاد ،

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٢.

١١٣

وإنما المعتبر ثبوته شرعا ، وهو يحصل مع تعدده وشهادة كل واحد من الإقرارين ، لأن مؤداهما واحد ، كما لو أقر بغيره من الحقوق.

نعم لو سمع الإنشاء واحد ثم أقربه عند آخر ، أو لم يسمع الإنشاء شاهد أصلا ثم أشهدهما على الإقرار لم يقع قطعا ولذا قال المصنف لو شهد أحدهما بالإنشاء والأخر بالإقرار لم يقبل لأن الإقرار إخبار عما وقع سابقا ، فإذا لم يصح السابق لفقد شرطه لم يصح الإقرار ، ولذا‌ قال أمير المؤمنين عليه‌السلام (١) لرجل أتاه بالكوفة فقال : « إنى طلقت امرأتي بعد ما طهرت من حيضها قبل أن أجامعها ، فقال : أشهدت رجلين ذوي عدل كما أمرك الله تعالى؟ فقال : لا ، فقال : اذهب فإن طلاقك ليس بشي‌ء ».

وكذا ظاهر الكتاب (٢) والسنة (٣) والفتاوى اعتبار كونهما ذكرين فـ ( لا تقبل شهادة النساء في ) إنشاء الطلاق بل ولا الخنائى لا منفردات ولا منضمات إلى الرجال ولو ألفا ، بل هو صريح‌ حسن البزنطي (٤) قال للرضا عليه‌السلام : « فان طلق من غير جماع بشاهد وامرأتين ، فقال : لا تجوز شهادة النساء في الطلاق ، وتجوز شهادتهن مع غيرهن في الدم إذا حضرته » وصحيح الحلبي (٥) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سأل عن شهادة النساء في النكاح ، قال : تجوز إذا كان معهن رجل ، وكان على عليه‌السلام يقول : لا أجيزها في الطلاق » وخبر داود بن الحصين (٦) عنه عليه‌السلام أيضا « كان أمير المؤمنين عليه‌السلام لا يجيز شهادة امرأتين في النكاح ، ولا يجيز في الطلاق إلا شاهدين

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٧.

(٢) سورة الطلاق : ٦٥ ـ الآية ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب مقدمات الطلاق.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٤.

(٥) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من كتاب الشهادات الحديث ٢.

(٦) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من كتاب الشهادات الحديث ٣٥ « يجيز شهادة امرأتين في النكاح. » كما في التهذيب ج ٦ ص ٢٨٢ والاستبصار ج ٣ ص ٢٦.

١١٤

عدلين » إلى غير ذلك من النصوص ، بل الظاهر الاتفاق عليه ، وما عن ابني أبي عقيل والجنيد بل والشيخ في المبسوط من قبول شهادتين مع الرجال محمول على ثبوته بذلك بعد إيقاعه بشهادة الذكرين ، فلا خلاف حينئذ في المسألة ، وقد ذكرنا بعض الكلام في ذلك في كتاب الشهادات.

ولو طلق ولم يشهد ثم أشهد كان الأول لغوا بلا خلاف ولا إشكال ووقع الطلاق حين الإشهاد إذا أتى باللفظ المعتبر في الإنشاء قاصدا به ذلك ، بأن قال : « اشهدا بأن زوجتي فلانة طالق » وناويا بذلك إنشاء الطلاق وإيقاعه ، لا الاشهاد على وقوع الطلاق السابق الفاقد للإشهاد ، فان كلا منهما حينئذ باطل وإن كان الأول لعدم الاشهاد ، والثاني لعدم الإنشاء ، والفارق بينهما قرائن الأحوال أو إخباره أو نحو ذلك.

وعليه ينزل‌ صحيح أحمد بن محمد (١) « سألته عن الطلاق فقال : على طهر ، وكان علي عليه‌السلام يقول : لإطلاق إلا بالشهود ، فقال له رجل : فان طلقها ولم يشهد ثم أشهد بعد ذلك بأيام فمتى تعتد؟ فقال : من اليوم الذي أشهد فيه على الطلاق » كي يوافق ما سمعته من النصوص السابقة المعتضدة بما عرفت.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من كتاب الشهادات الحديث ١٠.

١١٥

( النظر الثاني )

( في أقسام الطلاق )

ولفظه الذي هو الأعم من الصحيح والفاسد لغة وشرعا وعرفا يقع على البدعة والسنة فيقال : طلاق سني ، وطلاق بدعي نسبته إليهما ، بمعنى البدعة المحرمة والسنة المشروعة ، وجوبا مخيرا ، كطلاق المولى والمظاهر الذي يؤمر بعد المدة بالفي‌ء أو الطلاق ، كما ستعرف إنشاء الله ، وندبا ، كالطلاق مع الشقاق وعدم العفة ، أو كراهته كالطلاق عند التيام الأخلاق.

وعلى كل حال فـ ( طلاق البدعة ) اصطلاحا ثلاث طلاق الحائض الحائل بعد الدخول مع حضور الزوج معها بل ومع غيبته دون المدة المشترطة على حسب ما تقدم سابقا وكذا النفساء فإنها كالحائض في الأحكام أو في طهر قربها فيه مع عدم اليأس والصغر والحمل ومضي المدة مع حضوره أو مطلقا على البحث السابق. وطلاق الثلاث من غير رجعة بينها مرسلة أو مترتبة. والكل محرم عندنا بعنوان الشرعية ، بل عند علماء الإسلام ، كغيره من الطلاق الباطل بفقد بعض شرائط الصحة وإن اختصت الثلاثة باسم البدعة اصطلاحا.

وربما قيل : إن الوجه في اختصاصها بذلك اختصاصها بورود النهي (١) عنها بخلاف غيرها من الطلاق الباطل لفقد الشرط ، ولذا اختص الإثم بها دونه ، إلا أنه كما ترى مجرد دعوى ، وخصوصا الأخير ، فإنه لا ريب في حرمته مع الإتيان به بعنوان الشرعية وعدمها مع عدمه ، إذ التلفظ بالصيغة من حيث كونه كذلك لا دليل على حرمته حتى في الثلاثة.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٨ و ٢٩ ـ من أبواب مقدمات الطلاق.

١١٦

وعلى كل حال فهو باطل عندنا فـ ( لا يقع ) معه الطلاق إلا الأخير ، فإنه لا خلاف في وقوع الواحدة به مع الترتيب ، وعلى الخلاف في المرسلة ، ولعل إطلاق المصنف البطلان بمعنى عدم ترتب الأثر عليه كملا ، خلافا للعامة ، فيقع به على بدعيته ، وبالتأمل فيما ذكرنا يظهر لك عدم ورود ما ذكره في المسالك ، والأمر سهل.

وأما السنة فقد ذكر المصنف أنها تنقسم أقساما ثلاثة : بائن ورجعي وطلاق العدة ولكن المعروف جعل الأخير قسما من الثاني لا قسيما له ، وحينئذ فينقسم طلاق السنة إلى بائن ورجعي ، والرجعي إلى عدي وغيره ، وفي القواعد قسم الطلاق الشرعي الذي هو طلاق السنة بالمعنى الأعم إلى طلاق عدة وسنة بالمعنى الأخص ، وهو أن يطلق على الشرائط ، ثم يتركها حتى تخرج من العدة ، سواء كانت العدة رجعية أو بائنة ، ثم يتزوجها بعقد جديد ، وهذه القسمة وإن لم تكن متداخلة إلا أنها غير حاصرة ، فإن الطلاق الشرعي أعم منهما ، ثم بعد ذلك قسمه إلى البائن والرجعي ، وكذلك فعل في الإرشاد ، إلا أنه قدم التقسيم إلى البائن والرجعي على السني والعدي.

وفي المسالك « التحقيق أن الطلاق العدي من أقسام الرجعي ، والطلاق السني ـ بالمعنى الأخص ـ بينه وبين كل واحد من البائن والرجعي عموم وخصوص من وجه ، يختص البائن عنه بما إذا لم يتزوجها بعد العدة مع كونه بائنا ، ويختص السني عنه بما إذا كان رجعيا فلم يرجع ويتزوجها بعد العدة ، ويتصادقان فيما إذا كان الطلاق بائنا وتزوجها بعد العدة ، ويختص العدي عنه بما إذا رجع في العدة ، ويختص السني عنه بما إذا كان الطلاق بائنا وتزوج بعد العدة ، ويتصادقان فيما إذا كان الطلاق رجعيا ولم يرجع فيه إلى أن انقضت العدة ثم تزوجها بعقد جديد ، فالأجود في التقسيم أن يقسم الطلاق السني إلى البائن والرجعي ، والقسمة حاصرة غير متداخلة ، ويقسم أيضا إلى طلاق العدة وطلاق السنة بالمعنى الأخص وغيرهما ، لا أن يقتصر‌

١١٧

عليهما ، وما ذكرناه من أن الطلاق السني بالمعنى الأخص أعم من البائن والرجعي هو مدلول فتاوى الأصحاب أجمع ، وسيأتي بيانه في عبارة المصنف ، ولكن الظاهر من الأخبار اختصاصه بالطلاق الرجعي ، وعلى هذا فيكون من أقسامه كطلاق العدة ».

قلت : هذه المتعبة لا حاصل لها إذا كان المراد منها مجرد بيان اصطلاح لا بيان عنوانات أحكام شرعية مختلفة ، وليس إلا في الطلاق العدي بالنسبة إلى تحريم الأبد في التسع ، ولا خلاف نصا (١) وفتوى في أنه ما سمعته في عبارة المصنف دون غيره ، وحينئذ ليس هذا الاختلاف إلا مجرد اصطلاح ونحوه مما لا يترتب عليه حكم شرعي ، فيكون الأمر فيه سهلا.

لكن قد استفاضت النصوص في تقسيم الطلاق إلى طلاق العدة وطلاق السنة ، بل في‌ صحيح زرارة (٢) عن الباقر عليه‌السلام « كل طلاق لا يكون على السنة أو على العدة فليس بشي‌ء ، قال زرارة : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : فسر لي طلاق السنة وطلاق العدة ، فقال : أما طلاق السنة فإذا أراد الرجل أن يطلق امرأته فلينتظر بها حتى تطمث وتطهر ، فإذا خرجت من طمثها طلقها تطليقة من غير جماع ، ويشهد شاهدين على ذلك ، ثم يدعها حتى تطمث طمثتين ، فتنقضي عدتها بثلاث حيض ، وقد بانت منه ، ويكون خاطبا من الخطاب ، إن شاءت تزوجته ، وإن شاءت لم تتزوجه ، وعليه نفقتها والسكنى ما دامت في عدتها ، وهما يتوارثان حتى تنقضي العدة ، قال : وأما طلاق العدة الذي قال الله تعالى (٣) ( فَطَلِّقُوهُنَّ ) ـ إلى آخره ـ فإذا أراد الرجل منكم أن يطلق امرأته طلاق العدة فلينتظر بها حتى تحيض وتخرج من حيضها ، ثم يطلقها تطليقة من غير جماع ، ويشهد شاهدين عدلين ، ويراجعها في يومه ذلك إن أحب‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب أقسام الطلاق.

(٢) ذكر صدره في الوسائل في الباب ـ ١ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ١. وذيله في الباب ـ ٢ ـ منها الحديث ١.

(٣) سورة الطلاق : ٦٥ ـ الآية ١.

١١٨

أو بعد ذلك بأيام قبل أن تحيض ، ويشهد على رجعتها ، ويواقعها حتى تحيض ، فإذا حاضت وخرجت من حيضها طلقها تطليقة أخرى من غير جماع ، ويشهد على ذلك ، ثم يراجعها أيضا متى شاء قبل أن تحيض ، ويشهد على رجعتها ، ويواقعها وتكون معه إلى الحيض أي الحيضة الثالثة ، فإذا خرجت من حيضها الثالثة طلقها التطليقة الثالثة بغير جماع ، ويشهد على ذلك ، فإذا فعل ذلك فقد بانت منه ، ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ، قيل له : فان كانت ممن لا تحيض ، فقال : مثل هذه تطلق طلاق السنة ».

وفي‌ صحيح ابن مسلم (١) عنه عليه‌السلام أيضا « طلاق السنة يطلقها تطليقة على طهر من غير جماع بشهادة شاهدين ، ثم يدعها حتى تمضي أقراؤها ، فإذا مضت أقراؤها فقد بانت منه ، وهو خاطب من الخطاب ، وإن أراد أن يراجعها أشهد على رجعتها قبل أن تمضي أقراؤها ، فتكون عنده على التطليقة الماضية ».

وفي‌ صحيح أبى بصير (٢) عن الصادق عليه‌السلام تفسير طلاق السنة بما سمعته في صحيح زرارة ، قال : « وأما طلاق الرجعة فأن يدعها حتى تحيض وتطهر ، ثم يطلقها بشهادة شاهدين ، ثم يراجعها ويواقعها ، ثم ينتظر بها الطهر ، فإذا حاضت وطهرت أشهد شاهدين على تطليقة أخرى ، ثم يراجعها ويواقعها ، ثم ينتظر بها الطهر ، فإذا حاضت وطهرت أشهد شاهدين على التطليقة الثالثة ، ثم لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ، وعليها أن تعتد ثلاثة قروء من يوم طلقها التطليقة الثالثة ». إلى غير ذلك من النصوص.

وكيف كان‌ فالبائن ما لا يصح للزوج بعده ( معه خ ل ) الرجعة بها ، وهو ستة بلا خلاف نصا (٣) وفتوى

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٢.

(٢) ذكر صدره في الوسائل في الباب ـ ١ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٣ وذيله في الباب ـ ٢ ـ منها الحديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ١ و ٢ و ٣ و ٨ ـ من أبواب العدد والباب ـ ٣ ـ من أبواب أقسام الطلاق.

١١٩

الأول :

طلاق التي لم يدخل بها وإن خلا بها خلوة ، فإنه وإن حكم باعتدادها ظاهرا لكنها بائن باعتبار عدم الدخول قبلا ودبرا ، فإنه معتبر كالقبل ، لصدق المس والإدخال والدخول والمواقعة والتقاء الختانين إن فسر بالتحاذى ، وإمكان سبق المني فيه إلى الرحم ، وكونه أحد المأتين (١) ، نعم يعتبر كون الدخول موجبا للغسل بغيبوبة الحشفة وإن لم ينزل ، لخروج ما دونها عما ذكر.

والثاني :

طلاق اليائسة وهي من بلغت خمسين أو ستين سنة على ما تقدم في كتاب الحيض.

والثالث :

من لم تبلغ سن إمكان المحيض أي التسع وإن دخل بها ، للأمن من اختلاط المائين ، ول‌ قول الصادق عليه‌السلام في خبر عبد الرحمن (٢) : « ثلاثة يتزوجن على كل حال : التي لا تحيض ومثلها لا تحيض ، قال : وما حدها؟ قال : إذا أتى لها أقل من تسع سنين ، والتي لم يدخل بها ، والتي يئست من المحيض ومثلها لا تحيض » الحديث.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الجنابة الحديث ١ من كتاب الطهارة.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب العدد الحديث ٤.

١٢٠