الحاشية على مدارك الأحكام - ج ٢

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

الحاشية على مدارك الأحكام - ج ٢

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-170-2
ISBN الدورة:
964-319-168-0

الصفحات: ٤٣١

للنساء ، فحرّم على الرجال لبسه والصلاة فيه (١) ، ويظهر منه ومن الصدوق أنّ كلّ واحد من الروايتين صحيحة ، وفي الفقه الرضوي : « ولا تصلّ في جلد الميتة على كلّ حال ولا في خاتم ذهب » (٢).

لكن في الكافي بسنده إلى الباقر عليه‌السلام : أنّه استرخت أسنانه فشدّها بالذهب (٣). إلاّ أن يقال : المتبادر من الصلاة فيه كونه ملبوسا ، لكن الظاهر من رواية النميري أنّه أعمّ منه ومن الاستصحاب.

وكيف كان ، الأولى والأحوط الاجتناب ، خصوصا في صورة اللبس ، وربما يؤيّده كونه مثل الحرير في حرمة اللبس ، وأنّ الإنسان في حال الصلاة لا بدّ أن لا يكون مشتغلا بأمر حرام ، وهذا وإن كان أعمّ من حال الصلاة إلاّ أنّ حال الصلاة أهمّ فأهمّ ، فتأمل ، بل يظهر من الأخبار هذا المعنى ، فلاحظ ، هذا.

لكن مع خوف الضياع وغيره من أسباب الحاجة يصلّي معه من غير حاجة إلى الاحتياط أصلا ، كما يشير إليه ما ورد في طريق الحجّ للحاجّ : أنّه يجوز أن يجعل نفقته في الهميان ويشدّه في وسطه (٤). وظاهر أنّ النفقة أعمّ من الدينار والدرهم ، بل الدينار أظهر فرديها ، كما لا يخفى ، وفي رواية النميري أيضا ما يشير إلى الجواز ، فلاحظ ، وما نقلناه عن الكافي أيضا شاهد ، ( بل روى بسنده عن داود بن سرحان أنّه ليس بحلية‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٠٠ / ١٣ ، التهذيب ٢ : ٢٢٧ / ٨٩٤ ، الوسائل ٤ : ٤١٩ أبواب لباس المصلي ب ٣٢ ح ٦.

(٢) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٥٧ ، المستدرك ٣ : ٢١٨ أبواب لباس المصلي ب ٢٤ ح ٢.

(٣) الكافي ٦ : ٤٨٢ / ٣ ، الوسائل ٤ : ٤١٦ أبواب لباس المصلّي ب ٣١ ح ١.

(٤) الوسائل ١٢ : ٤٩١ أبواب تروك الإحرام ب ٤٧.

٣٦١

المصاحف والسيوف بأس (١) ، وعن عبد الله بن سنان عنه عليه‌السلام : ليس بتحلية السيف بالذهب والفضة بأس (٢) (٣).

قوله : فهو اختيار الأكثر. ( ٣ : ١٧٦ ).

بل قال المحقق الشيخ عليّ : أجمع أهل الإسلام على الجواز إلاّ الصدوق (٤).

قوله : ويؤيّد ذلك. ( ٣ : ١٧٧ ).

لا يخلو عن مناقشة ، فإنّ العبرة بعموم اللفظ في الجواب لا خصوص محلّ السؤال ، كما حقّق.

لكن يمكن أن يقال : ما دل على جواز اللبس للنساء أيضا مطلق ، فيصلح كلّ منهما لأن يكون مقيّدا للآخر ، والترجيح للمشهور ، لأصالة البراءة واستصحاب الحالة السابقة ، والشهرة التي كادت أن تكون إجماعا ، وللموثق كالصحيح الآتي ، وما سنذكر في الحاشية الآتية.

مضافا إلى كثرة ما دل على الجواز ، وكونها أقوى دلالة بلا شبهة ، وكون الرواية المانعة مع العلّة مكاتبة ، وهي أضعف بالقياس إلى غيرها ، مع ضعف الدلالة ، إذ ربما كان المتبادر منها الرجال بملاحظة ما ذكره الشارح رحمه‌الله وما أشرنا إليه.

قوله : ويشهد له أيضا موثقة عبد الله بن بكير. ( ٣ : ١٧٧ ).

لا يخفى أنّها كالصحيحة ، ومع ذلك منجبرة بعمل الأصحاب ، بل‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ٤٧٥ / ٧ ، الوسائل ٥ : ١٠٥ أبواب أحكام الملابس ب ٦٤ ح ٣.

(٢) الكافي ٦ : ٤٧٥ / ٥ ، الوسائل ٥ : ١٠٤ أبواب أحكام الملابس ٦٤ ح ١.

(٣) ما بين القوسين ليس في « أ » و « و».

(٤) انظر جامع المقاصد ٢ : ٨٤.

٣٦٢

ربما كان إجماعا ، لعموم البلوى وشدّة الحاجة ، وكون المرأة تحلّ لها لبسه ، فلو كان نزعه واجبا عليها في حال الصلاة لشاع وذاع إلى أن لا يبقى خفاء بمقتضى العادة ، لا أن يكون الأمر بالعكس بحسب الفتوى ، بل وعمل المسلمين في الأعصار والأمصار ، فتأمّل جدّا.

قوله : لأنّ وجود المنهي عنه كعدمه. ( ٣ : ١٧٨ ).

في هذا التعليل نظر ، لأنّ الصلاة عاريا يستلزم فوت واجبات كثيرة ، ركنا وغير ركن ، وشرطا ، والواجب تركه حرام ، فالعمدة هو الإجماع الذي يظهر من قوله : عندنا ، إن كان متحقّقا.

قوله (١) : وابن إدريس وأبي الصلاح. ( ٣ : ١٧٨ ).

والمصنّف في المعتبر والنافع أيضا ، والشهيدين والعلاّمة في بعض كتبه مثل الإرشاد (٢) ، ولكن في التحرير يظهر منه التوقّف (٣) ، بل ربما يظهر منه الجواز ، وكون الأحوط المنع ، بملاحظة عدم القول بالفصل في المقام وفي ما لا تتمّ فيه الصلاة في ما لا يؤكل ، فلاحظ وتأمّل. وفي المختلف قوّى المنع (٤) ، وكذا في المنتهى بعد الاستبصار (٥).

قوله (٦) : ومستنده رواية الحلبي. ( ٣ : ١٧٨ ).

استدلوا بالأصل ، وعدم وجود المنع أيضا ، مع كون صحيحة‌

__________________

(١) هذه التعليقة ليست في « أ » و « و».

(٢) المعتبر ٢ : ٨٩ ، المختصر النافع : ٢٤ ، الدروس ١ : ١٥٠ ، روض الجنان : ٢٠٧ ، إرشاد الأذهان ١ : ٢٤٦.

(٣) انظر التحرير ١ : ٣٠.

(٤) المختلف ٢ : ١٠٠.

(٥) المنتهى ١ : ٢٢٩ ، الاستبصار ١ : ٣٨٥.

(٦) هذه التعليقة لا توجد في « أ » و « و».

٣٦٣

محمد بن عبد الجبار حجّة عندهم قطعا ، وهذا يشهد على ما سنذكر من تبادر الثوب من لفظ الحرير ، بل ظهر ذلك من المختلف في مسألة المكفوف صريحا (١) ، فلاحظ وتأمّل.

قوله (٢) : وهو ضعيف. ( ٣ : ١٧٨ ).

إلاّ أنّه يروي عن ابن أبي عمير ، ومثل هذه الرواية معتبرة عند علماء الرجال ، لما ذكر في ترجمته (٣).

قوله (٤) : ويدل عليه عموم الأخبار المانعة من الصلاة في الحرير. ( ٣ : ١٧٩ ).

لم نجد منها ما يدل على العموم المذكور ، [ بل إنّما ] (٥) ورد النهي عن ثوب الحرير ـ كما مرّ في صحيحة إسماعيل بن سعد (٦) ـ ولباسه إلاّ حالة الحرب من غير مدخلية كون الصلاة فيه ، مع تبادر الثوب من اللباس المطلق في ما ورد بلفظ اللباس ، مع دعم معلومية صحة السند ، نعم ورد خبر ضعيف بمضمون صحيحة إسماعيل بن سعد السابقة (٧).

قوله : وروى محمد بن عبد الجبار في الصحيح أيضا. ( ٣ : ١٧٩ ).

__________________

(١) المختلف ٢ : ١٠٤.

(٢) هذه التعليقة ليست في « ب » و « ج » و « د ».

(٣) انظر ص ٣٦٧.

(٤) هذه التعليقة واللتان بعدها ليست في « أ » و « و».

(٥) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.

(٦) الكافي ٣ : ٤٠٠ / ١٢ ، التهذيب ٢ : ٢٠٥ / ٨٠١ ، الاستبصار ١ : ٣٨٥ / ١٤٦٣ ، الوسائل ٤ : ٣٦٧ أبواب لباس المصلي ب ١١ ح ١.

(٧) انظر التهذيب ٢ : ٢٠٨ / ٨١٤ ، والوسائل ٤ : ٣٦٩ أبواب لباس المصلّي ب ١١ ح ٧.

٣٦٤

هذه هي التي سبقت ما حكم (١) في الصلاة في ما لا يؤكل لحمه (٢) ، وأنّها لعلها محمولة على التقيّة بالوجوه التي ذكرت ، فلعل الصحيحة الأولى أيضا كذلك ، لاشتراك الوجوه أكثرها مع أحاديثها (٣) سندا ومتنا ودلالة وغير ذلك ، فلاحظ وتأمّل.

قوله : من أنّ ابتناء العام. على ذلك السبب. ( ٣ : ١٧٩ ).

فيه ما ذكرناه هناك من أنّ ذلك لا يخرجه عن العموم الذي يقبل التخصيص ، لأنّ كالنص ليس مثل النص في عدم قبوله للتخصيص ، غاية الأمر أنّه يصير قوي الدلالة ، والعامّ القوي الدلالة يخصّص بالخاصّ ، بل العامّ القطعي السند القوي الدلالة يخصّص فضلا عن الظنيّ الذي حجيته معركة للآراء ومحلّ إشكال عظيم ، فإنّ المكاتبة وقع النزاع في حجيتها ، حتى أنّ القائلين بالجواز صرّحوا بضعف المكاتبة (٤).

والحقّ أنّ فيها ضعفا من جهة الخط ، وإن أخبر الثقة أنّه خطّه ، لأنّ الخط غير معتبر شرعا ، كما اتفقوا في مقام الشهادة ، ولأنّها لا يؤمن من أن يطّلع عليها من لا يرضى الإمام عليه‌السلام بالاطلاع عليها ، ولذا لا تكاد تخلو مكاتبة عن حزارة ، كما شهد به الوجدان ، وصرّح به جدّي رحمه‌الله (٥) ، فالمكاتبة وإن كانت صحيحة إلى محمد بن عبد الجبار إلاّ أنّها ضعيفة من الجهات المذكورة ، سيّما مع معارضتها لما سيجي‌ء من الأدلة المسلّمة عند‌

__________________

(١) كذا في النسخ.

(٢) راجع ص ٣٤٩.

(٣) كذا في « ج » و « د » ، وفي « ب » : إجازتها ، ولعلّ الصحيح : اتحاد بينهما.

(٤) انظر : المعتبر ٢ : ٥٦ ، روض الجنان : ٢٠٧ و ٢١٤.

(٥) روضة المتقين ٢ : ١٥٦.

٣٦٥

القائلين بالمنع ، بل معارضة للصحيح وغيره ، على ما مرّ في الثوب المحشوّ (١).

وممّا يوهنها موافقتها للصحيحة السابقة في حكم ما لا يؤكل لحمه (٢) سندا ومتنا ومضمونا وراويا وكونها مكاتبة ، مع تضمّنها لصحة الصلاة في ما لا يؤكل لحمه في الجملة ، وقد عرفت ما فيها ، وربما كانت محمولة على التقيّة ، فتأمّل.

وممّا يوهنها أيضا أنّ الحرير لغة هو الثوب المتخذ من الإبريسم المحض ، والمتبادر من لفظه المطلق الخالي عن القرائن لعله ذلك ، فلاحظ. نعم كثر استعمالا في ما ينسج من الإبريسم ، فيكون الجواب مطابقا للسؤال ، لكن ليس هذا نصا حتى يقابل النص ، لما عرفت من احتمال عدم المطابقة لما رأى المصلحة فيه. وعرفت منشأ هذا الاحتمال ، ولو كان مخالفا للظاهر ، لعدم استحالة عدم المطابقة من جهة المصلحة ، وقد وجد كثيرا (٣) ، ونبّه عليه الشيخ في التهذيب والاستبصار مكرّرا ، فتتبّع وتأمّل.

وأمّا رواية الحلبي وإن كان فيها ابن الهلال الغالي إلاّ أنّها مروية عن ابن أبي عمير ، وابن الغضائري توقّف في حديثه إلاّ ما يرويه عن ابن أبي عمير والحسن بن محبوب ، وقد سمع هذين الكتابين جلّ أصحاب الحديث واعتمدوا عليهما (٤) ، والنجاشي قال : صالح الرواية ، يعرف منها‌

__________________

(١) راجع ص ٣٥٨.

(٢) راجع ص ٣٤٩ ـ ٣٥٠.

(٣) راجع ص ٣٤٩.

(٤) انظر الخلاصة : ٢٠٢.

٣٦٦

وينكر (١). ولعله يشير إلى ما ذكره ابن الغضائري. والطبرسي قال : كتاب المشيخة لابن محبوب أشهر من كتاب المزني عند المخالفين (٢).

ونوادر ابن أبي عمير ذكر في أوّل الفقيه حاله (٣) ، وابن الغضائري ـ مع أنّه لا يكاد يسلم عن قدحه جليل ـ قبل ما رواه عن ابن أبي عمير ، وتوقّف في غيره ولم يروه ، والنجاشي وافقه في الجملة ، مع أنّه سمع جلّ أصحاب الحديث على ما ذكر في محلّه ، وكثيرا ما عمل القدماء ـ بل المتأخرون أيضا ـ بروايته ، مثل ما مرّ في غسالة الجنب.

على أنّ أحمد هذا كان على الاستقامة ، ثم رجع فخرج التوقيع بلعنه والأمر بالبراءة منه ، فتبرّأ الشيعة منه ، وكانوا يقولون : ما يتفرّد به ابن هلال لا يجوز استعماله. سيّما سعد بن عبد الله الجليل ، فلاحظ ، فكيف يروي هذه الرواية عنه بواسطة موسى بن الحسن الثقة الجليل؟ وبالجملة : لاحظ ما ذكرته في الرجال (٤) يظهر عليك الحال.

ومع ذلك جلّ من أسّس اصطلاح المتأخرين من اقتصار الصحيح في رواية العادل عن العادل ومعظم من اعتبر العدالة رجّح في المقام هذه الرواية وقدّمها على الصحيحة من حيث كونها خاصّا والخاصّ مقدّم ، وجميع ما صار موهنا للصحيحة صار مقوّيا لهذه الرواية في تقديمها على الصحيحة فتأمّل جدّا ، وكيف كان ، الروايات مشكل ، والاحتياط واضح.

قوله : فإنّ النهي إنّما تعلّق بلبسه. ( ٣ : ١٨٠ ).

__________________

(١) رجال النجاشي : ٨٣ / ١٩٩.

(٢) إعلام الورى ٢ : ٢٥٨.

(٣) الفقيه ١ : ٣ ـ ٥.

(٤) انظر تعليقات الوحيد على منهج المقال : ٤٨ ـ ٤٩.

٣٦٧

قد ورد في بعض الأخبار إطلاق التحريم ، وهو يرجع إلى العموم ، إلاّ أن يقال : المطلق في المقام ينصرف إلى اللبس ، لأنّه المتعارف الشائع ، فتدبّر.

قوله : لصدق اسم اللبس عليه. ( ٣ : ١٨٠ ).

هذا ممّا لا يخلو عن تأمّل ، ولذا حكم جدّه رحمه‌الله بأنّه مثل الافتراش (١) ، فتأمّل.

قوله : لأنّ الكراهة كثيرا ما تستعمل في الأخبار بمعنى التحريم. ( ٣ : ١٨١ ).

مجرّد كثرة الاستعمال لا يقتضي عدم الدلالة ، كيف؟ والعام قد كثر استعماله في الخاص ، والأمر في الندب ، إلى غير ذلك. وبناؤه على عدم ثبوت الحقيقة الشرعية فيه ـ كما هو عنده ـ يغني عن هذا التعليل.

إلاّ أن يقال : على هذا التقدير أيضا له ظهور ، لظهور المسامحة التي لا تناسب الواجبات ، إلاّ أنّه ظهور مّا وليس بنص تفي دلالته لتخصيص العمومات ، نعم لو كان في الأخبار لا تستعمل إلاّ في المصطلح مطلقا أو إلاّ نادرا يمكن أن تكون دلالته وافية ، لقوة الظهور.

ويمكن أن يقال : قوة ظهور شمول العمومات لما نحن فيه محلّ تأمّل ، حتى الشامل للتكة والقلنسوة نصا ، إذ بين مثل التكّة وبين ما نحن فيه فرق ظاهر.

مضافا إلى ما رواه الشيخ في الصحيح عن صفوان بن يحيى ـ وهو ممّن لا يروي إلاّ عن الثقات ، وممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما‌

__________________

(١) روض الجنان : ٢٠٨.

٣٦٨

يصح عنهم ـ عن يوسف بن إبراهيم ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال : « لا بأس بالثوب أن يكون سداه وزرّه وعلمه حريرا ، وإنّما كره الحرير المبهم للرجال » (١).

وهذه الرواية رواها المحمدون الثلاثة ، مع أنّ الصدوق والكليني ـ رحمهما الله ـ قالا في صدر كتابهما ما قالا ، والشيخ روى مفتيا بها. وهذا ـ مع قوة السند ، بل وصحته ، وصراحة الدلالة ، والموافقة للشهرة ـ ربما يظهر منه أنّ الحرير المحض الوارد في الأخبار ، المراد منه كون نفس الثوب حريرا محضا ، وكذا ما يماثل الثوب مثل التكّة.

لا يقال : لا يظهر منه صحة الصلاة ، فيجوز أن يكون لبسه في غير الصلاة جائزا.

لأنّا نقول : تجويز كون الثوب زرّه وعلمه حريرا مطلقا من غير تعرّض لمنع الصلاة وأمر بالنزع فيها ظاهر في العموم.

ويؤيّده أيضا الجمع بينهما وبين السدي في الحكم ، فتأمّل.

مع أنّه على ما ذكرت لا معارضة بين رواية جرّاح وقوله عليه‌السلام : « لا تحلّ الصلاة في حرير محض ». وأمّا ما ذكره من أنّ الاحتياط للعبادة فلعله كذلك.

قوله : أعني القيام والقعود. ( ٣ : ١٨٢ ).

لا شكّ في أنّ الحركات منهي عنها ، لكونها في ملك الغير بغير إذن صاحبه ، ويكون المتصرف مشغول الذمّة في أجرته وعوض ما تلف من‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ٤٥١ / ٥ ، الفقيه ١ : ١٧١ / ٨٠٨ ، التهذيب ٢ : ٢٠٨ / ٨١٧ ، الوسائل ٤ : ٣٧٥ أبواب لباس المصلّي ب ١٣ ح ٦ ، و: ٣٧٩ ب ١٦ ح ١.

٣٦٩

الحركات أو تفاوت القيمة بسببها ، ولا شكّ في أنّه يجب المنع عن الحركات من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وأيضا الكون في الثوب استدامة منهي عنه ـ كما اعترف ـ وليس ذلك إلاّ مجموع أجزاء من الكون ، والنهي عن الكلّ نهي عن جميع أجزائه ، وتتفاوت الحرمة (١) بحسب الأجزاء قلّة وكثرة. وأيضا لا شكّ في عدم الفرق بين الجزء الأوّل وسائر الأجزاء.

وأيضا سيعترف الشارح ( في بحث مكان المصلّي ) (٢) : أنّ الحركات والسكنات الواقعة فيه منهي عنها (٣) ، ولا شكّ في أنّه لا فرق بينه وبين الثوب ، إذ علّة الحرمة هو التصرّف في ملك الغير بغير إذنه.

قوله : أمّا جواز الصلاة في الساتر لظهر القدم ذي الساق. ( ٣ : ١٨٣ ).

في الاحتجاج في توقيعات الصاحب عليه‌السلام إلى الحميري : تجوز الصلاة وفي الرجل بطيط لا يغطّي الكعبين (٤). وربما كان فيه شهادة للمنع عن مثل الشمشك ، فتأمّل.

قوله : ولعل الإطلاق أولى ( ٣ : ١٨٥ ).

محلّ تأمّل لما ذكره ، لأنّ المطلق ينصرف إلى المتعارف ، وليس ها هنا عموم لغوي.

__________________

(١) في « ج » و « د » : الحركة.

(٢) ما بين القوسين ليس في « ب » و « ج » و « د ».

(٣) المدارك ٣ : ٢١٧.

(٤) الاحتجاج : ٤٨٤ ، الوسائل ٤ : ٤٢٧ أبواب لباس المصلّي ب ٣٨ ح ٤ ، والبطيط : رأس الخف بلا ساق ، القاموس ٢ : ٣٦٣.

٣٧٠

قوله : وحصول الستر. ( ٣ : ١٨٧ ).

فيه : أنّ الحاصل هو ستر اللون دون ستر الحجم ، إلاّ أنّ ستر اللون مجمع عليه بخلاف ستر الحجم ، والأصل عدم زيادة التكليف وبراءة الذمّة. ويمكن أن يقال : إنّ مقتضى الأخبار الستر مطلقا لا الستر في الجملة ، فإنّه إذا رئي الحجم وظهر لا يقال في العرف : إنّه ستر عورته بعنوان الإطلاق ، فتأمّل.

ويؤيّده صحيحة ابن مسلم الآتية في ستر المرأة (١).

والأصل إنّما يجري إذا كانت الصلاة اسما لمطلق الأركان ، لا خصوص الصحيحة منها كما قال به بعض الفقهاء ، إذ على هذا القول يشكل جريان الأصل ، وثبوت كونها اسما لمجرّد الأركان ربما لا يخلو عن الإشكال ، فتأمّل.

وما استدل به بعض الفقهاء (٢) على عدم وجوب ستر الحجم بقوله عليه‌السلام : « إنّ النورة سترة » جوابا لمن قال : رأيت عورتك (٣) ، ظاهر الفساد ، لعدم حكاية الحجم في النورة ، إذ حكاية الحجم هي أن يرى الحجم بنفسه خلف ثوب رقيق أو مثل الثوب الرقيق ، لا أن يرى النورة المطلية على الحجم وشكل مجموع النورة والحجم ، ولذا تكون المرأة اللابسة للثوب مستورة قطعا ، فتدبّر.

قوله : والدرع لا يستر اليدين ولا القدمين بل ولا العقبين غالبا. ( ٣ : ١٨٩ ).

__________________

(١) المدارك ٣ : ١٨٨.

(٢) انظر الذخيرة : ٢٣٦ ، والبحار ٨٠ : ١٨٧.

(٣) الفقيه ١ : ٦٥ / ٢٥٠ ، الوسائل ٢ : ٥٣ أبواب آداب الحمّام ب ١٨ ح ١.

٣٧١

قميص نساء العرب غير ظاهر كونه غير ساتر للقدمين والعقبين وأنّه كان كذلك في زمن الباقر عليه‌السلام ، إلاّ أن يتمسّك بالأصل ، فلم تكن الرواية دالة ، ومع ذلك إنّما يتمّ التمسّك به إذا كانت الصلاة اسما لمجرّد الأركان لا خصوص الصحيح وإلاّ أشكل التمسّك.

قوله : لا تدل على الوجوب. ( ٣ : ١٩٠ ).

لكن فيها إشعار بأنّ الخمار ممّا يواري الشعر عند نساء العرب ، والآن نشاهد نساءهم على هذا النحو خمارهم ، والظاهر أنّ الملحفة والمقنعة الواردتين في الصحيحتين السابقتين الخمار ، بل على أيّ حال مقنعتهنّ وملحفتهنّ تستر شعرهنّ ، بل وعنقهنّ على ما نشاهد ، بل ربما كان في قوله عليه‌السلام : « وتجلل بها » إيماء إلى ذلك ، وكيف كان الأحوط الستر.

قوله : ويدل عليه قوله عليه‌السلام في صحيحة علي بن جعفر المتقدّمة. ( ٣ : ١٩١ ).

هذه الصحيحة دالة على حكم المضطر لا المختار ، فلا تعارض صحيحة زرارة. نعم الأخبار الدالة على تعيين العورة (١) تدل على تعيين ما ذكره ، وتعارض صحيحة زرارة من حيث أنّها منجبرة بعمل الأصحاب والشهرة بينهم.

قوله : قال : « لا ينبغي إلاّ أن يكون عليه رداء ». ( ٣ : ١٩٢ ).

أقول : سيجي‌ء في الصحيح أنّ الباقر عليه‌السلام أمّ الناس في قميص وحده ، وقال : « إنّ قميصي كثيف فيجزئ عن الرداء » (٢) فالظاهر عدم‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٤ أبواب آداب الحمّام ب ٤.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٨٠ / ١١١٣ ، الوسائل ٤ : ٣٩١ أبواب لباس المصلّي ب ٢٢ ح ٧ ، وانظر المدارك ٣ : ٢٠٢.

٣٧٢

الكراهة إذا كان كثيفا ، فيمكن حمل هذه الصحيحة على كونه غير كثيف ، على ما هو الأغلب في قميصهم ، أو الحمل على ما هو أعمّ من الاستحباب ، إذا الاستحباب لا تأمّل فيه وإن كان كثيفا.

قوله : مفهوم الشرط. ( ٣ : ١٩٢ ).

هذا الاستدلال فرع أن يرد حديث يدل على اشتراط الساتر ، ولم يرد ولم يستدل به ، بل الدليل هو الإجماع المنقول وصحيحة علي بن جعفر المذكورة ها هنا.

والإجماع أمر معنوي لا لفظي حتى يقال : إنّ الساتر المذكور فيه إطلاقه ينصرف إلى الثياب.

وأمّا صحيحة علي بن جعفر فغاية ما يظهر منها أنّ المتعارف إطلاق الساتر على الثياب ، ومراد الشارح رحمه‌الله من الاستدلال بها أيضا ليس إلاّ هذا ، إذ لا تدل على اشتراط الساتر أصلا ، يعني بالمعنى الذي ذكره. نعم تدل على اشتراطه بالمعنى الأعمّ ، مع أنّ الصحيحة ليست بصحيحة عند الشارح وأمثاله ، كما يظهر من ملاحظة سندها ، فلاحظ ، هذا.

ورواية أبي يحيى الواسطي التي هي المستند في تعيين العورتين في الرجل صريحة في أنّ الستر غير منحصر في الثوب ، حيث قال : « الدبر مستور بالأليتين » (١) إلاّ أن يقال : لا يظهر أنّه ستر للصلاة أو عن النظر المحرّم ، والثاني لا شكّ في كفاية كلّ ما يكون ساترا وحاجبا عن النظر.

قوله : وهو بعيد. ( ٣ : ١٩٣ ).

__________________

(١) الكافي ٦ : ٥٠١ / ٢٦ ، التهذيب ١ : ٣٧٤ / ١١٥١ ، الوسائل ٢ : ٣٤ أبواب آداب الحمّام ب ٤ ح ٢.

٣٧٣

منشأ استبعاده ظاهر صحيحة علي بن جعفر.

قوله : استضعافا للرواية. ( ٣ : ١٩٥ ).

الحديث إلى ابن مسكان صحيح وهو ممّن أجمعت العصابة ، ومع ذلك انجبرت بالشهرة ، ومع ذلك الأصل القيام مع الإمكان وعدم مانع ، لأنّه من واجبات الصلاة ، بل ركن فيها ، بل ركنان ، بل أركان فيها. وتدل على ذلك صحيحة علي بن جعفر ، وصحيحة ابن سنان صريحة في وجود المطلع أو الناظر المحترم ، وهذا مانع عن القيام.

وأمّا حسنة زرارة ـ فمع كونها حسنة والحسنة لا تقاوم الصحيحة ـ حملها على وجود الناظر في غاية القرب.

قوله (١) : وكلّ ذلك تقييد للنص من غير دليل. ( ٣ : ١٩٥ ).

سوى جعل السجود أخفض من الركوع ، لورود الأخبار به ، كصحيحة زرارة المروية في الفقيه ، فإنّ في آخرها : « ويكون سجوده أخفض من ركوعه » (٢) ومثلها ما رواه في قرب الاسناد عن السندي بن محمد ، عن أبي البختري عن الصادق عليه‌السلام قال : « من غرقت ثيابه فلا ينبغي له أن يصلّي حتى يخاف ذهاب الوقت ، يبتغي ثيابا ، فإن لم يجد صلّى عريانا جالسا يومئ إيماء ، ويجعل سجوده أخفض من ركوعه » الحديث (٣).

قوله : لقوله عليه‌السلام في صحيحة عبد الرحمن. ( ٣ : ١٩٥ ).

لا يخفى أنّ صلاة المريض غير ما نحن فيه فمن أين ظهر اتحاد حكمهما؟ وما ذكره الشهيد أولى ممّا ذكره ، لأنّ مستنده ما سيذكر من‌

__________________

(١) هذه الحاشية وأربع بعدها ليست في « أ » و « و».

(٢) انظر الفقيه ١ : ٢٣٦ / ١٠٣٧ ، ١٠٣٨ ، الوسائل ٥ : ٤٨٥ أبواب القيام ب ١ ح ١٥ ، ١٦.

(٣) قرب الاسناد : ١٤٢ / ٥١١ ، الوسائل ٤ : ٤٥١ أبواب لباس المصلّي ب ٥٢ ح ١.

٣٧٤

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إذا أمرتكم بشي‌ء » الحديث (١) ، وقول علي عليه‌السلام : « الميسور لا يسقط بالمعسور » (٢) ، وقوله عليه‌السلام : « ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه » (٣) ، والله يعلم.

قوله : لتعلّق النهي به. ( ٣ : ١٩٦ ).

لا يخفى أنّ النهي المطلق ينصرف إلى الأفراد الشائعة ، إلاّ أن يكون اتفاق الخاصّة ( والعامّة ) (٤) على المنع ، وإلاّ فلا شكّ في تقديم الصلاة مع الركوع والسجود على مجرّد الإيماء ، للأخبار المتواترة في وجوبهما ، فتأمّل. والأحوط الجمع بين الصلاتين ، والله أعلم.

قوله : لأنّ مانعه عرضي. ( ٣ : ١٩٧ ).

لا يخفى فساده ، مع أنّ الحرير غير ممنوع بالنسبة إلى النساء ، بل الرجال أيضا في بعض الوجوه.

قوله : وإطلاق النهي عن لبس الحرير. ( ٣ : ١٩٧ ).

فيه ما عرفت ، مضافا إلى أنّ لبس الحرير حال الاضطرار جوازه إجماعي ، بل وجوبه ، نعم مع وجودهما لبس النجس مقدّم.

قوله : ويحتمل وجوب الاستمرار مطلقا. ( ٣ : ١٩٧ ).

لا خفاء في ضعف هذا الاحتمال.

قوله (٥) : إنّما يلزم من الجوانب التي جرت العادة. ( ٣ : ١٩٧ ).

__________________

(١) عوالي اللآلي ٤ : ٥٨ / ٢٠٦ ، سنن البيهقي ١ : ٢١٥ ، بتفاوت.

(٢) عوالي اللآلي ٤ : ٥٨ / ٢٠٥ ، بتفاوت.

(٣) عوالي اللآلي ٤ : ٥٨ / ٢٠٧.

(٤) ما بين القوسين ليس في « ب » و « د ».

(٥) هذه الحاشية ليست في « أ » و « و».

٣٧٥

لا خفاء في وجوب سترها مطلقا عقلا ونقلا وعدم جواز كشفها كذلك ، وأيّ عاقل يرضى بأن يكشف عورته على الناس من تحت لكون الكشف عن تحت حلال؟! أيّ عاقل يرضى بالحليّة والكشف بوجه من الوجوه؟!

قوله : ليس الستر معتبرا في صلاة الجنازة. ( ٣ : ١٩٧ ).

هذا الاستدلال فرع أن يرد : لا صلاة إلاّ بالستر ، ولم يرد. وأمّا صحيحة عليّ بن جعفر (١) التي استدل بها على ستر الحشيش والورق ، فالظاهر منها غير صلاة الميت ، بل صريحها ، وإن قلنا بأنّها صلاة حقيقة.

قوله : فلا يحسن وصفها بالحسن. ( ٣ : ١٩٨ ).

لا شبهة في أنّه ليس مراده الحسن الاصطلاحي ، بل الحسن من حيث العمل ، لأنّ ابن جبلة وإن كان واقفيا إلاّ أنّه موثق ، وكذا الحال في إسحاق إن لم يكن ابن عمار بن حيان الكوفي الثقة الإمامي الجليل ، بل الظاهر أنّه هو ، وقد حقّقنا حجيّة الموثق (٢) ، وفي المشهور أيضا أنّه حجّة ، ونبّه على ذلك في المعتبر (٣) ، فتأمّل ، ومع ذلك هذا الموثق موافق للأصل من وجوب الركوع والسجود مع عدم مانع منهما ، فتأمّل.

قوله : والأظهر العدم. ( ٣ : ١٩٩ ).

ربما يظهر من العمومات حسن الستر والحياء مهما أمكن ، وأمّا الرواية مع ضعفها ربما تكون واردة مورد التقية ، لأنّ عمر كان أمر بضرب‌

__________________

(١) انظر المدارك ٣ : ١٩٠ ، ١٩٢.

(٢) انظر تعليقات الوحيد على منهج المقال : ٤ ـ ٥.

(٣) انظر المعتبر ٢ : ٨٨.

٣٧٦

الأمة لذلك أو كان يضرب (١) ، وكان هذا مشهورا منه ، مع أنّ الضرب أذيّة لا يجوز أن يرتكب إلاّ لفعل حرام أو ترك واجب ، وليس سترها حراما اتفاقا ، وورد النهي الشديد في ضرب المملوك والأمر بالعفو عنه ، حتى أنّهم عليهم‌السلام أمروا بالعفو عنه سبعين مرّة ، وعن ضربه في النسيان والزلّة (٢) ، فكيف إذا كان مرادها الستر والعفاف والحياء؟ مع أنّ الظاهر من الرواية الضرب من دون تقديم منع وإصرار منها ، وفيه ما فيه. مع أنّ التعليل بمعرفة المملوكة عن الحرّة أيضا فيه ما فيه ، فإنّها معروفة عنها بلا شبهة ، فتأمّل.

قوله (٣) : والصلاة على ما افتتحت عليه. ( ٣ : ٢٠٠ ).

وهي معارضة بالقاعدة الكلية المسلّمة : الضرورات تتقدّر بقدرها.

قوله : عن قدر الطهارة وركعة. ( ٣ : ٢٠٠ ).

الظاهر عدم الحاجة إلى الطهارة مع حصولها ، إذا الصلاة الفريضة بالطهارة المستحبة لا تأمّل في صحتها لو لم نقل بالأولوية ، فتأمّل.

قوله : قال الجوهري. إذا تقلّد بهما. ( ٣ : ٢٠٣ ).

ليس في الصحاح عبارة : إذا تقلّد بهما ، ولا يوجد منها فيه أثر أصلا ، فلاحظ ، نعم في القاموس ذلك (٤) ، وقول الصحاح أصحّ من قول القاموس مطلقا عند المحقّقين ، ومع ذلك يكون المكروه على هذا مطلق التقليد فوق القميص ، والمتبادر الشائع تقلّد غير الثوب من الحمائل والتمائم والسيف‌

__________________

(١) كنز العمال ١٥ : ٤٨٦ / ٤١٩٢٥ ، ٤١٩٢٨ ، المغني لابن قدامة ١ : ٦٧٤.

(٢) انظر البحار ٧١ : ١٣٩.

(٣) هذه الحاشية واللّتان بعدها ليست في « أ » و « و».

(٤) القاموس ١ : ٢٦٤.

٣٧٧

عند العرب ، والكلّ كان عادة الكلّ من غير اختصاص بأهل الجاهلية أو اليهود أو الجبابرة ، وأنّه لهذا كره في الصلاة. مع أنّ الظاهر أنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة عليهم‌السلام وأولادهم كانوا يقلّدون الحمائل والسيف والتمائم ، مع أنّ أحدا من الفقهاء لم يفت بكراهة تقليد أمثال ما ذكر ، والله يعلم.

قوله : قال ابن بابويه في من لا يحضره الفقيه :. ( ٣ : ٢٠٤ ).

لا يخفى أنّ الصدوق رحمه‌الله أيضا فهم من التوشّح الائتزار ، وهو الظاهر من غير واحد من الأخبار ، مثل رواية زياد بن المنذر عن الباقر عليه‌السلام : الرجل يخرج من الحمّام فيتوشّح ويلبس قميصه فوق الإزار فيصلي كذلك ، قال : « هذا عمل قوم لوط » قلت : فإنّه يتوشّح فوق القميص ، فقال : « هذا من التجبر » (١) الحديث ، وصحيحة ابن مسلم أنّه سأل الصادق عليه‌السلام : الرجل يصلّي في قميص واحد أو قباء طاق وليس عليه إزار؟ فقال : « إذا كان القميص صفيقا والقباء ليس بطويل الفرج والثوب الواحد إذا كان يتوشّح به والسراويل بتلك المنزلة ، كلّ ذلك لا بأس به » (٢) الحديث ، إلى غير ذلك من الأخبار.

قوله : والمستفاد من الأخبار. ( ٣ : ٢٠٥ ).

لكن روى ابن أبي جمهور في العوالي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : النهي عن الصلاة مقتطعا ، رواه مكرّرا عنه (٣) ، مع أنّ الإجماع المنقول يكفي ، بل‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٦٨ / ٧٩٥ ، التهذيب ٢ : ٣٧١ / ١٥٤٢ ، الوسائل ٤ : ٣٩٦ أبواب لباس المصلّي ب ٢٤ ح ٤.

(٢) الكافي ٣ : ٣٩٣ / ١ ، التهذيب ٢ : ٢١٦ / ٨٥٢ ، الوسائل ٤ : ٣٩٠ أبواب لباس المصلّي ب ٢٢ ح ٢.

(٣) عوالي اللآلي ١ : ٧٤ / ١٤٣ ، و ٢ : ٢١٤ / ٦ ، المستدرك ٣ : ٢١٥ أبواب لباس المصلّي ب ٢١ ح ٢ ، و: ٢٧٨ أبواب أحكام الملابس ب ٢٣ ح ١١.

٣٧٨

الشهرة أيضا ، للتسامح في أدلة السنن والمكروه ، مع أنّه يظهر من الأخبار أنّ ما هو ممنوع في نفسه ممنوع الصلاة فيه.

قوله : وهو فاسد ، لأنّ شدّ القباء غير التحزّم. ( ٣ : ٢٠٨ ).

لا يخفى أنّه إذا نهي عن التحزّم فالشدّ منهي عنه بطريق أولى ، لأنّ التحزّم قليل شدّ ، إلاّ أن يقال : الفقهاء لم يفتوا بكراهة التحزّم ، والقياس بطريق أولى حجّة إذا كان المقيس عليه صحيحا يقولون به ، إذا لا معنى للقول بالفرع مع عدم القول بالأصل.

ويمكن أن يقال بكراهة التحزّم أيضا ، أي استحباب عدمه ، والمستحب يسامح في دليله ومأخذه ، ولا يجب أن يكون له قائل من الفقهاء ، كما لا يخفى ، فتأمل.

تذنيب : في جامع الأخبار عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لو أنّ رجلا متعمّما صلّى بجميع أمتي بغير عمامة يقبل الله صلاتهم جميعا من كرامته عليه » (١) وفيه أيضا : « من صلّى ركعتين بعمامة فضله على من لم يتعمّم كفضل النبي على أمّته » (٢) وفي الكافي عن الصادق عليه‌السلام : « صلاة متطيّب أفضل من سبعين صلاة بغير طيب » (٣) وفي العوالي عن الحسن بن علي عليهما‌السلام : أنّه كان إذا قام إلى الصلاة لبس أجود ثيابه ، وكان يقول : « إنّ الله تعالى جميل يحب الجمال » (٤) ، لكن في التهذيب روى عن الصادقين عليهما‌السلام أنّهما كانا يلبسان أخشن ثيابهما وأغلظهما في الصلاة (٥) ، ولعله لإظهار التواضع والحاجة إليه‌

__________________

(١) جامع الأخبار : ٧٧.

(٢) جامع الأخبار : ٧٧.

(٣) الكافي ٦ : ٥١٠ / ٧ ، الوسائل ٤ : ٤٣٤ أبواب لباس المصلّي ب ٤٣ ح ٢.

(٤) عوالي اللآلي ١ : ٣٢١ / ٥٤ ، تفسير العياشي ٢ : ١٤ / ٢٩ ، المستدرك ٣ : ٢٢٦ أبواب لباس المصلّي ب ٣٦ ح ٢.

(٥) التهذيب ٢ : ٣٦٧ / ١٥٢٥ ، الوسائل ٤ : ٤٥٤ أبواب لباس المصلّي ب ٥٤ ح ٣.

٣٧٩

تعالى.

قوله : وهذا الحكم ـ أعني كراهة الإمامة بغير رداء ـ مشهور. ( ٣ : ٢٠٩ ).

لعل الشهرة كافية في مقام المسامحة في الدليل ، بل ربما يفتون بالاستحباب أو الكراهة بمجرّد فتوى فقيه واحد ، منها ما سيجي‌ء في الصلاة إلى باب مفتوح وغيره ، ويؤيّدها صحيحة زرارة الآتية ، كما لا يخفى عند التأمّل.

قوله : ولا تجوز الصلاة إذا كان مع الإنسان شي‌ء من حديد مشتهر. ( ٣ : ٢١٠ ).

الظاهر من الكليني والصدوق أيضا المنع (١) ، والأخبار الدالة عليه كثيرة ، منها موثقة عمار ، حيث نهى فيها عن الصلاة وعليه خاتم حديد ، وعلّل بأنّه لباس أهل النار (٢) ، فإن لم نقل بأنّ الموثق حجّة فالحكم الكراهة ، كما هو المشهور ، فإنّ الأخبار غير الصحيحة وإن اتفقوا على العمل بها في المقام إلاّ أنّه لم يثبت أزيد من كون العمل على سبيل المسامحة في أدلة السنن والكراهة ، فلا يمكن الحكم بالحرمة ، لما مرّ مرارا.

وأمّا على القول بأنّ الموثق حجّة فيمكن إثبات الحرمة ، إلاّ أن يقال : تعليل المنع عن الصلاة فيه ومعه بكونه نجسا شاهد واضح على الكراهة ، لعدم كونه نجسا بالإجماع ، ولذا تجوز الصلاة معه مستورا ، مع أنّ متون روايات عمار ربما لا تخلو عن التشويش ، فالمراد كراهة الاستصحاب ، فقد‌

__________________

(١) انظر الكافي ٣ : ٤٠٤ ، و ٦ : ٤٦٨ ، والفقيه ١ : ١٦٤ ، وعلل الشرائع : ٣٤٨.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٧٢ / ١٥٤٨ ، الوسائل ٤ : ٤١٨ أبواب لباس المصلّي ب ٣٢ ح ٥.

٣٨٠