الحاشية على مدارك الأحكام - ج ٢

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

الحاشية على مدارك الأحكام - ج ٢

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-170-2
ISBN الدورة:
964-319-168-0

الصفحات: ٤٣١

وكلّ شي‌ء منه جائزة إذا علمت أنّه ذكي قد ذكّاه بالذبح ». الحديث.

وأيضا روى في الكافي بسنده إلى علي بن أبي حمزة قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام وأبا الحسن عليه‌السلام عن لباس الفراء والصلاة فيها ، فقال : « لا تصلّ فيها إلاّ ما كان منه ذكيّا » الحديث (١).

وأيضا سيجي‌ء الأخبار الدالة على أنّ ما يؤخذ من غير سوق المسلمين يجب السؤال عن تذكيته ، وكذا ما يؤخذ من يد المشرك ، وأنّ ما يؤخذ من يد من يستحلّ الميتة لا يجوز أن يباع على أنّه ذكيّ وإن أخبر ذو اليد أنّه ذكي ، وغير ذلك (٢) ، والأخذ من المسلم أو من سوق المسلمين موجب للحكم بالتذكية ، لحمل أفعال المسلم على الصحة ، ولما استدل به الشارح في ما سيأتي من صحيحة الحلبي وصحيحة ابن أبي نصر وصحيحة الجعفري وغيرها من الأخبار الدالة على أنّ ما يؤخذ من السوق يجوز الصلاة فيه (٣). وظاهر أنّ المتبادر والظاهر هو سوق المسلمين. ولئن سلّمنا عدم الظهور لا نسلّم العموم ، والمناط الظهور ، مع أنّه ليس ها هنا ما يدل على العموم لغة ، فتأمّل.

قوله : وقد ورد في عدّة أخبار. ( ٣ : ١٥٨ ).

إن أراد من الأخبار ما استدل بها فالظاهر منها الأخذ من المسلم أو سوق المسلم ، ولا تأمّل في ثبوت التذكية به ، كما ستعرف. وإن أراد غير ذلك فلا بدّ من ذكره حتى يعرف حاله.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٩٧ / ٣ ، التهذيب ٢ : ٢٠٣ / ٧٩٧ ، الوسائل ٤ : ٣٤٥ أبواب لباس المصلّي ب ٢ ح ٢.

(٢) انظر الوسائل ١ : ٤٩٠ أبواب النجاسات ب ٥٠.

(٣) المدارك ٣ : ١٥٩.

٣٤١

وفي الصحيح عن عبد الله بن المغيرة ـ وهو ممّن أجمعت العصابة ـ عن إسحاق بن عمار ، عن الكاظم عليه‌السلام : « لا بأس بالصلاة في الفراء اليماني وفي ما صنع في أرض الإسلام » قلت : فإن كان فيها غير أهل الإسلام؟ قال : « إذا كان الغالب عليها المسلمون فلا بأس » (١).

وفي التهذيب ، بسنده عن أبي الحسن عليه‌السلام أنّه سئل عن جلود الفراء يشتريها الرجل في سوق من أسواق الجبل ، يسأل عن ذكاته إذا كان البائع مسلما غير عارف؟ قال : « عليكم أن تسألوا إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك ، وإذا رأيتم يصلّون فيه فلا تسألوا عنه » (٢).

وفي الحسن كالصحيح عن الصادق عليه‌السلام : « تكره الصلاة في الفراء إلاّ ما صنع في أرض الحجاز ، أو ما علمت منه ذكاة » (٣) ، فتأمّل.

وفي كالصحيح عن الهاشمي : أنّه سئل الصادق عليه‌السلام عن لباس الجلود ، والخفاف ، والنعال ، والصلاة فيها ، إذا لم تكن من أرض المسلمين (٤) ، فقال : « أمّا النعال والخفاف فلا بأس بها » (٥) ، وظاهرها أنّ لباس الجلود لا يجوز ، وأنّ عدم المنع من النعال والخفاف من جهة كونهما ممّا لا تتمّ الصلاة فيه ، ولا مانع إذا كان نجسا بالإجماع والأخبار ، فتأمّل.

قوله (٦) : أو في سوق المسلمين ( ٣ : ١٥٨ ).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٦٨ / ١٥٣٢ ، الوسائل ٤ : ٤٥٦ أبواب لباس المصلّي ب ٥٥ ح ٣.

(٢) الفقيه ١ : ١٦٧ / ٧٨٨ ، التهذيب ٢ : ٣٧١ / ١٥٤٤ ، الوسائل ٣ : ٤٩٢ أبواب النجاسات ب ٥٠ ح ٧.

(٣) الكافي ٣ : ٣٩٨ / ٤ ، الوسائل ٣ : ٥٢٦ أبواب النجاسات ب ٧٩ ح ١.

(٤) كذا في النسخ والوافي ( ٧ : ٤١٨ ) وفي بقيّة المصادر : المصلّين.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٣٤ / ٩٢٢ ، الوسائل ٤ : ٤٢٧ أبواب لباس المصلّي ب ٣٨ ح ٣.

(٦) هذه الحاشية ليست في « أ ».

٣٤٢

من يد من لا يظهر كفره.

قوله : يسأله عن الفرو والخف. ( ٣ : ١٥٩ ).

لا يخفى أنّ المطلق منصرف إلى الأفراد الشائعة ، وهي ما يؤخذ من سوق المسلمين أو من يد المسلم.

قوله : وعن عبد الرحمن بن الحجاج. ( ٣ : ١٦٠ ).

هذا الخبر ظاهر في كون أفعال المسلم محمولا على الصحة إذا كان موافقا لرأيه واعتقاده ، لأنّ الراوي قال : ما أفسد ذلك؟

مع أنّ الكلام هو الذي قال المعصوم عليه‌السلام في الجواب ، وأمّا مجرّد قول المسلم بأنّه كذا ، لا يقتضي أن يكون في الواقع كذا. نعم في الواقع هو قال كذا ، ومع ذلك استبعد الراوي عدم الحكم بكونه في الواقع كذا بمجرّد قول المسلم ، فسأل عن السبب ، والمعصوم عليه‌السلام أقرّه على معتقده وأجاب بأنّ العلة أمر آخر وهو استحلالهم بحسب معتقدهم ، فتدبّر.

قوله : وانتفاء ما يدل على عموم المنع. ( ٣ : ١٦١ ).

سيّما في مثل القمل والبرغوث والبقّ والذباب والنمل ونظائرها. وفي التهذيب عن عليّ بن مهزيار ، وفي الفقيه عن إبراهيم بن مهزيار ، عن أبي محمد عليه‌السلام أنّ الصلاة يجوز في القرمز (١) ، فليتأمّل.

وأمّا ما هو من قبيل السمك فربما يظهر من بعض الروايات المنع عنه مثل رواية محمد بن سليمان الديلمي التي وردت في تحقيق الخزّ (٢) ،

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٧١ / ٨٠٦ ، التهذيب ٢ : ٣٦٣ / ١٥٠٢ ، الوسائل ٤ : ٤٣٥ أبواب لباس المصلّي ب ٤٤ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٣٩٩ / ١١ ، التهذيب ٢ : ٢١١ / ٨٢٨ ، الوسائل ٤ : ٣٥٩ أبواب لباس المصلّي ب ٨ ح ٤.

٣٤٣

فليلاحظ وليتأمّل.

قوله : بل الظاهر تحريم استصحاب غير الملبوس أيضا لقوله عليه‌السلام. ( ٣ : ١٦١ ).

وما رواه في التهذيب عن ابن محبوب ، عن عبد الله بن جعفر أنّه كتب إلى أبي محمد عليه‌السلام : يجوز للرجل أن يصلّي ومعه فارة المسك؟ فكتب : « لا بأس به إذا كان ذكيّا » (١). وفسّره في الذكرى بالطاهر (٢) ، وفيه ما فيه.

وما رواه الصدوق رحمه‌الله عن الصادق عليه‌السلام : « لا بأس بتقليد السيف في الصلاة فيه الفراء والكيمخت ما لم يعلم أنّه ميتة » (٣) وكذا رواية علي بن أبي حمزة الواردة بهذا المضمون (٤). لكن قد مرّ الرواية الدالة على عدم البأس في الصلاة في الخفاف والنعال المأخوذة من أرض غير المسلمين ، والمنع من الصلاة في الجلود المأخوذة منها.

قوله : فهو إجماعي أيضا على ما نقله جماعة. ( ٣ : ١٦١ ).

والإجماع المنقول بخبر الواحد حجة ، كما حقّق في محلّه ، بل ربما كان المنع من شعار الشيعة يعرفون بذلك ويتقون به من العامّة.

قوله : عن الصلاة في جلود السباع. ( ٣ : ١٦٢ ).

في كتاب علل الشرائع بسنده المرفوع إلى الصادق عليه‌السلام أنّه قال : « لا تجوز الصلاة في شعر ووبر ما لا يؤكل لحمه لأنّ أكثرها مسوخ » (٥).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٦٢ / ١٥٠٠ ، الوسائل ٤ : ٤٣٣ أبواب لباس المصلّي ب ٤١ ح ٢.

(٢) الذكرى : ١٤٩.

(٣) الفقيه ١ : ١٧٢ / ٨١١ ، الوسائل ٣ : ٤٩٣ أبواب النجاسات ب ٥٠ ح ١٢.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٦٨ / ١٥٣٠ ، الوسائل ٣ : ٤٩١ أبواب النجاسات ب ٥٠ ح ٤.

(٥) علل الشرائع : ٣٤٢ / ١ ، الوسائل ٤ : ٣٤٧ أبواب لباس المصلّي ب ٢ ح ٧.

٣٤٤

وفي الفقه الرضوي : « لا تجوز الصلاة في سنجاب ، وسمّور ، وفنك ، وإيّاك أن تصلّي في الثعالب ، وفي ثوب تحته جلد الثعالب » (١) ، وفيه أيضا : سألته عمّا يخرج من منخر الدابّة إذا أنخرت فأصاب ثوب الرجل ، قال : « لا بأس ، ليس عليك أن تغسله » (٢).

قوله : وابن بكير وإن كان ضعيفا. ( ٣ : ١٦٢ ).

تضعيف ابن بكير ضعيف ، للتوثيق الصريح مع إجماع العصابة على تصحيح ما يصح عنه ، وكونه من فقهاء أصحابنا ، ولقول النجاشي : كتابه كثير الرواة (٣) ، الدال على الوثوق والاعتبار ، كما حقّقناه في الرجال ، ولقول الشيخ في العدّة : إنّ الطائفة أجمعت على العمل بروايته (٤) ، وقول المفيد رحمه‌الله في رسالته : إنّه من فقهاء الأصحاب والرؤساء الأعلام المأخوذ عنهم الحلال والحرام والفتيا والأحكام ، وهم أصحاب الأصول المدوّنة والمصنّفات المشهورة (٥) ، إلى غير ذلك مثل كونه كثير الرواية ، ومقبول الرواية ، وسديد الرواية ، وأنّه يروي عنه الثقات الأجلّة ، وغير ذلك ممّا ذكرناه في موضعه وحقّقنا الأمر فيه. وأمّا الفطحية فالنجاشي لم يتعرّض ، وفي ترجمة هشام ابن سالم : أنّ الفطحية رجعوا عن رأيهم إلاّ طائفة عمار (٦).

__________________

(١) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٥٧ ، المستدرك ٣ : ١٩٩ أبواب لباس المصلّي ب ٤ ح ٢ ، وص ٢٠١ ب ٧ ح ١.

(٢) المستدرك ٢ : ٥٦١ أبواب النجاسات ب ٧ ح ١ ، البحار ٧٧ : ٧٢ ، ولم نعثر عليه في فقه الرضا عليه‌السلام.

(٣) رجال النجاشي : ٢٢٢ / ٥٨١.

(٤) عدّة الأصول ١ : ٣٨١.

(٥) رسالة الشيخ المفيد في العدد والرؤية : ١٤.

(٦) انظر رجال الكشي ٢ : ٥٦٧.

٣٤٥

وبالجملة : غاية الأمر أن يكون موثّقا كالصحيح ، بل روايته أقوى من كثير من الصحاح ، ومع ذلك منجبر سندها بالشهرة العظيمة بل الإجماع ، وكذا منجبر بالأخبار الصحيحة (١) الدالة على المنع في جلود السباع والثعالب والأرانب وغير ذلك ممّا ستعرف ، ولا قائل بالفصل.

وأيضا الراوي عنه في هذه الرواية ابن أبي عمير ، وهو أيضا ممّن أجمعت العصابة ، وممّن لا يروي إلاّ عن ثقة ، كما صرّح به في العدّة (٢) ، إلى غير ذلك ممّا يذكر في ترجمته ، ويظهر من حاله.

والأخبار الدالة على المنع في خصوص الأشياء وعمومها كثيرة غاية الكثرة ، يظهر منها أنّ هذا الحكم كان مشتهرا بين رواة الأئمّة عليهم‌السلام حتى أنّهم كانوا يسألون عن شعر الإنسان وظفره (٣).

قوله : ثم استدل عليه أيضا. ( ٣ : ١٦٢ ).

سيجي‌ء استدلاله بأخبار كثيرة وقوله بأنّ العمل بها لازم (٤).

قوله : أو قصور في دلالة. ( ٣ : ١٦٣ ).

الشارح ربما يتمسّك لإتمام الدلالة بعدم القول بالفصل كغيره من الفقهاء ، وتمسّكه كذلك كثير ، فلا مانع من أن يتمسّك به ها هنا ، سيّما مع الانضمام بما عرفت ، وبعد تتبّع الأحاديث حتى الأخبار الواردة في استثناء مثل الخزّ وشعر الإنسان وظفره ( إذ يظهر أنّ الحكم عند الشيعة في ذلك الزمان كان في غاية الظهور والمسلّمية ، فلاحظ وتأمّل ) (٥).

__________________

(١) ليس في « ا ».

(٢) عدّة الأصول ١ : ٣٨٦.

(٣) انظر الوسائل ٤ : ٣٨٢ أبواب لباس المصلّي ب ١٨.

(٤) المدارك ٣ : ١٦٥.

(٥) ما بين القوسين ليس في « ج ».

٣٤٦

قوله : وقد استثني من هذه الكلّية أشياء. ( ٣ : ١٦٣ ).

وشمول الكليّة لمثل دود القزّ ونحل العسل والبقّ والذباب والبرغوث محلّ تأمّل من أصله ، لعدم كونها بحيث تكون لها قابلية الأكل ومن شأنها ذلك ، لعدم تبادر مثل تلك من الخبر ، بل وعدم تبادر الإنسان أيضا ، فلا يحتاج إلى القول بأنّ القزّ خارج بالإجماع والأخبار والاجتناب عن غيره ، مع أنّه ربما يظهر من طريقة المسلمين في الأعصار عدم الاجتناب عن عرق الإنسان وريقه ووسخه وأمثال ذلك ، وكذا الذباب والبرغوث والعسل والشمع ، بل ربما يظهر بعضها من الأخبار أيضا ، فتأمّل.

ثم اعلم أنّ الظاهر من غير واحد من الفقهاء أنّ المنع غير مختصّ باللبس ، بل شامل للاستصحاب أيضا (١) ، لأنّهم يذكرون الأخبار الدالة على ذلك في جملة أدلتهم من دون تعرّض لكون مدلولاتها غير المطلوب ، بل ويذكرون ما دل على جوازه ويتعرضون للعلاج من غير تعرّض بأنّ ذلك غير المطلوب في المقام ، وسيجي‌ء ما ذكرناه عن الشارح أيضا ، وأرى العلماء وأسمع أنّهم يتنزّهون عنه البتّة.

والأخبار الدالة على المنع : رواية إبراهيم بن محمد ، قال : كتبت إليه : يسقط على ثوبي الوبر والشعر ممّا لا يؤكل لحمه من غير تقيّة ولا ضرورة ، فكتب : « لا تجوز الصلاة فيه » (٢). وما ورد من المنع عن الصلاة في الثوب الذي تحت أو فوق هذه الجلود والأوبار (٣). وما ورد من المنع عن الصلاة‌

__________________

(١) انظر جامع المقاصد ٢ : ٨١ ، وكشف اللثام ١ : ١٨٤ ، والكفاية : ١٦.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٠٩ / ٨١٩ ، الوسائل ٤ : ٣٤٦ أبواب لباس المصلّي ب ٢ ح ٤.

(٣) الكافي ٣ : ٣٩٩ / ٨ ، التهذيب ٢ : ٢٠٦ / ٨٠٨ ، الوسائل ٤ : ٣٥٧ أبواب لباس المصلّي ب ٧ ح ٨.

٣٤٧

في القلنسوة التي عليها وبر (١) ، إلى غير ذلك ، بل رواية ابن بكير أيضا ظاهرة فيه ، فإنّ الصلاة في الروث مثلا ظاهرة في المعيّة ، وتقدير الكلام بإرادة الثوب الذي يتلوّث به غلط ، لأنّ الأصل عدم التقدير ، سيّما مثله ، وقرّر في الأصول أنّه إذا دار الأمر بين المجاز والإضمار فالمجاز مقدّم ومتعيّن.

ويعضده تتبّع الأخبار الواردة في هذا الباب ، كما أشرنا إليه ، والأخبار الواردة في باب كراهة الحديد والمنع عن الذهب ، كما سنشير إليه (٢) ، بل التتبّع يكشف عن أنّ الظاهر أنّ الأمر كان كذلك عند الشيعة ، ولذا كانوا يسألون فيجابون على نحو ربما يظهر منه تقريرهم ، فتأمّل جدا. ويعضده أيضا فهم الأصحاب ، مضافا إلى إطلاق لفظ الروث وغيره ، فتأمّل جدّا.

وبالجملة : الأحوط الاجتناب مهما أمكن البتّة ، سيّما على القول بأنّ العبادات أسام للصحيحة منها ، مع أنّ شغل الذمّة اليقيني يستدعي البراءة اليقينية ، إلى غير ذلك ممّا ستعرف ، وسيجي‌ء تتمّة الكلام في المقام ، فتأمّل.

قوله (٣) : فإنّ كلّ ما دلّ على جواز الاستعمال شامل للأمرين. ( ٣ : ١٦٣ ).

يمكن أن يقال : إنّ الإطلاق ينصرف إلى المتعارف الشائع ، والاستعمال ليس سابقا متعارفا ، كما هو ظاهر.

قوله : ولا تصح الصلاة في شي‌ء من ذلك إذا كان ممّا لا يؤكل‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٠٧ / ٨١٠ ، الوسائل ٤ : ٣٧٧ أبواب لباس المصلّي ب ١٤ ح ٤.

(٢) انظر ص ٣٥٩ و ٣٨٠.

(٣) هذه الحاشية ليست في « أ » و « و».

٣٤٨

لحمه. ( ٣ : ١٦٤ ).

لا يخفى أنّ مراده من : ما لا يؤكل لحمه ، هو حرام الأكل ، كما تدل عليه رواية ابن بكير التي هي الأصل في هذا الباب ، وما ذكرنا من رواية سماعة المتضمّنة لجواز الصلاة في الكيمخت (١).

قوله : صحيحة محمد بن عبد الجبار. ( ٣ : ١٦٦ ).

لا دلالة لها على ما ذكره ، كما لا يخفى على المتأمّل ، مع أنّ التذكية ليست شرطا لحلّية الصلاة في الوبر وغيره ممّا لا تحلّه الحياة ، بإجماع الفقهاء والأخبار ، ومسلّم ذلك عند الشارح رحمه‌الله كما مرّ ، ففي الرواية شي‌ء لا يقول به أحد ، ومخالف للإجماع والأخبار ، ومثل هذا مانع عن الاحتجاج بها عند الشارح ، كما صرّح به مكرّرا.

ويمكن أن يكون المراد من التذكية كونه ممّا يؤكل لحمه ، ويشير إلى ذلك بعض الأخبار ، مثل رواية علي بن أبي حمزة عن الصادق والكاظم عليهما‌السلام في الصلاة في الفراء ، فقال : « لا تصلّ فيها إلاّ ما كان ذكيّا » ، قال : قلت : أليس الذكي ما ذكّي بالحديد؟ فقال : « بلى ، إذا كان ممّا يؤكل لحمه » الحديث (٢). ومثل رواية ابن أبي يعفور الواردة في معرفة الخزّ (٣).

ولعلّ المعصوم عليه‌السلام عبّر هنا كذلك ، لكون حكمه في جواب المكاتبة ، وكان عادتهم في جواب المكاتبات يفعلون أمثال ما ذكر تقيّة وتنبيها للراوي على ذلك ، كما لا يخفى على المطّلع بأجوبة المكاتبات‌

__________________

(١) راجع ص ٣٤٤ رقم ٣.

(٢) الكافي ٣ : ٣٩٧ / ٣ ، التهذيب ٢ : ٢٠٣ / ٧٩٧ ، الوسائل ٤ : ٣٤٥ أبواب لباس المصلّي ب ٢ ح ٢.

(٣) راجع ص ٣٤٣ رقم ٢.

٣٤٩

منهم عليهم‌السلام ، وصرّح بذلك جدّي رحمه‌الله (١).

( فعلى هذا يمكن أن تكون هذه الرواية خارجة مخرج التقيّة ، لأنّ أحمد قال بعدم جواز الصلاة في الحرير المحض مطلقا بل بطلانها فيه (٢) ، فعلى هذا يكون قوله عليه‌السلام فيه : « إذا كان ذكيّا » تقيّة من أحمد المذكور ، والشافعي ، حيث شرطا كون الشعر ونحوه مأخوذا من الحيّ أو بعد التذكية ، وإذا أخذ من الميت فهو نجس لا تصح الصلاة فيه (٣) ، فيكون ما ذكر شاهدا آخر على التقيّة ، إذ معلوم أنّ أحمد كان معاصرا للرضا عليه‌السلام ، والصحيحة مكاتبة العسكري عليه‌السلام ، وعرفت أنّ المكاتبة لا تخلو عن التقيّة ، إذا التقية مشاهدة مع ظهور توجيههم فيه ، فهذا أيضا مؤيّد آخر للحمل على التقيّة ، فتأمّل جدّا ) (٤).

قوله : وصحيحة علي بن ريّان. ( ٣ : ١٦٦ ).

الظاهر عدم دلالة هذه أيضا ، لأنّ الظاهر أنّ المراد ممّا لا يؤكل لحمه غير الإنسان ، ولعل الأمر عند الأصحاب أيضا كذلك (٥).

__________________

(١) انظر روضة المتقين ٢ : ١٥٦.

(٢) انظر المجموع ٣ : ١٨٠.

(٣) الأمّ ١ : ٥٤.

(٤) ما بين القوسين ليس في « أ » و « و».

(٥) في « ب » و « ج » و « د » زيادة : في الكافي بسنده عن الباقر عليه‌السلام أنّه سئل عن القرامل التي تصنعها النساء في رؤوسهنّ ، يصلنه بشعورهنّ؟ فقال : « لا بأس على المرأة بما تزيّنت به لزوجها » قلت : بلغنا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعن الواصلة. ، الحديث ، فلاحظ في كتاب النكاح. وفي رواية أخرى عن الصادق عليه‌السلام : « يكره للمرأة أن تجعل القرامل من شعر غيرها ، فإن وصلت شعرها بصوف أو بشعر نفسها فلا يضرّها ». وفي أخرى : « إن كان صوفا فلا بأس ، وإن كان شعرا فلا خير فيه من الواصلة والموصولة » فتأمّل.

٣٥٠

بل يمكن القطع بخروجه ، لأنّ لعاب كلّ واحد من الزوجين وسائر رطوباته يصل إلى الآخر بالتقبيل والملاصقة والملاعبة والمضاجعة غالبا ، وكذا لبن الزوجة ، وكذا الحال بالنسبة إلى الأطفال وغيرهم ، حتى أنّ المؤمنين في المصافحة والتقبيل وسائر ملامساتهم يصل رطوباتهم إلى الآخر ، سيّما في فصل الصيف وخصوصا في البلاد الحارّة ، مع أنّهم كانوا يصلّون في ثياب الآخر ، وورد جواز ذلك في الأخبار أيضا ، مع أنّه قلّما ينفكّ الثياب الملبوسة عن الفضلات.

وبالجملة : الفرقة الناجية في جميع الأمصار والأعصار السابقة واللاحقة كانوا يتنزهون عن فضولات الإنسان ورطوباته في الصلاة ، وما كانوا يعاملون فيها معاملتهم في السّمور والفنك وغيرهما ممّا اتفقوا على المنع عن الصلاة أو اختلفوا ، مع أنّ العبادة تقتضي بالنصوص المتواترة ، لعموم البلوى وشدّة الحاجة وغلبة التحقّق ، لا الاكتفاء بخبر واحد غير ظاهر الدلالة ، بل المتبادر منه غير الإنسان.

مع أنّ صحيحة ابن ريّان وردت بطريقين : أحدهما ما ذكره الشارح رحمه‌الله والثاني يظهر منه أنّ المراد شعر نفس المصلّي (١) ، وخروج فضلات المصلّي نفسه لا شكّ فيه ، فتدبّر ، وورد في الذي شرب المسكر وتفل ، أنّهم عليهم‌السلام قالوا بعدم وجوب غسله (٢) ، فلاحظ.

__________________

الكافي ٥ : ١١٩ / ٣ ، و: ٥٢٠ / ٣ ، ٤ ، التهذيب ٦ : ٣٦١ / ١٠٣٦ ، الوسائل ١٧ : ١٣٢ أبواب ما يكتسب به ب ١٩ ح ٥ ، و ٢٠ : ١٨٧ أبواب مقدّمات النكاح ب ١٠١.

(١) انظر الفقيه ١ : ١٧٢ / ٨١٢.

(٢) التهذيب ١ : ٢٨٠ / ٨٢٥ و ٢٨٢ / ٨٢٧ ، الوسائل ٣ : ٤٧٣ أبواب النجاسات ب ٣٩.

٣٥١

قوله : لرواية إبراهيم بن محمد الهمداني وهي ضعيفة جدّا. ( ٣ : ١٦٦ ).

لا يخفى أنّ إبراهيم هذا هو الوكيل الجليل الذي هو وأولاده كانوا وكلاء ، والوكالة تستلزم العدالة ، كما اعترف به غير واحد من المحققين (١) وحقّقناه في الرجال (٢) ، مع أنّه روى الكشّي فيه روايات متضمّنة لعدالته وجلالته (٣) ، والظاهر اعتماد الكشي عليها ، وحقّقنا أيضا اعتبار مثله لثبوت العدالة ، فيظهر أنّه لا يضرّ إضماره ، لأنّ الظاهر أنّ مثله لا يروي ( مثل هذا ) (٤) ، إلاّ عن المعصوم الذي وكّله.

وأمّا محمد بن علي الراوي عنه ، فهو يروي عنه محمد بن أحمد بن يحيى كثيرا ، وما استثنى القميون روايته ، وهو دليل على عدالته ، كما لا يخفى على من تأمّل في ترجمته ، فالرواية معتبرة جدّا ، بل صحيحة على الظاهر. مع أنّ الدليل غير منحصر فيها ، بل موثقة ابن بكير الذي هي العمدة والأصل في هذا الباب ، عمومها شامل لما نحن فيه.

وأيضا روى علي بن مهزيار في الصحيح : أنّ رجلا سأل الماضي عليه‌السلام عن الصلاة في جلود الثعالب فنهى عن الصلاة فيها ، وفي الثوب الذي يليه ، فلم أدر أيّ الثوبين : الذي يلصق بالوبر ، أو الذي يلصق بالجلد؟ فوقّع بخطّه : « الذي يلصق بالجلد » وذكر أبو الحسن ـ يعني علي ابن مهزيار ـ أنّه سأله عن هذه المسألة فقال : « لا تصلّ في الذي فوقه ولا‌

__________________

(١) انظر منتقى الجمان ١ : ١٩ ، والوسائل ٣٠ : ٢٨٩ ، وحكاه عن الشيخ البهائي في مقباس الهداية ٢ : ٢٥٩.

(٢) تعليقات الوحيد على منهج المقال : ٢١.

(٣) رجال الكشي ٢ : ٨٣١ ، ٨٦٩.

(٤) ما بين القوسين ليس في « أ ».

٣٥٢

في الذي تحته » (١) وسنذكر عن الفقه الرضوي ما يؤيده (٢) ، وكذا عن صحيحة أبي علي بن راشد (٣) ، فتدبّر.

قوله : والنهي إنّما تعلّق بالصلاة في غير المأكول. ( ٣ : ١٦٧ ).

هذه التفرقة غير واضحة بحسب الدليل ، مع أنّ رواية ابن بكير الذي هي الأصل في هذا الباب إنّما تضمّنت فساد الصلاة في حرام الأكل ، وربما يظهر منها أنّ المنع في الأخبار الأخر عن الصلاة فيه كناية عن فسادها ، ويؤيّده كلام الفقهاء بل فهمهم أيضا. فعلى هذا نقول : إنّ المعلومية والمشكوكية أمران خارجان عن مفهوم حرام الأكل ، وفساد الصلاة إنّما تعلّق بمفهومه ، فإذا صلّى في ما يحتمل كونه حرام الأكل فالفساد محتمل قطعا ، والصحة مشكوك فيها جزما ، كما ذكره العلاّمة رحمه‌الله فيبقى المكلّف تحت العهدة ، لعدم ثبوت الامتثال وتحققه.

وأمّا الصحيحة المؤيّدة فظهور شمولها لما نحن فيه لا يخلو من تأمّل ، ولذا جعله رحمه‌الله من المؤيّد ، وكذا شمول ما ورد من عدم التكليف عند عدم العلم ، فتدبّر.

قوله : ولا نعلم به قائلا. ( ٣ : ١٧١ ).

لا يخفى أنّ الرواية الأخيرة أيضا لا قائل بمضمونها ، لمكان العلّة المنصوصة التي هي حجّة عند المحقّقين ، وعلى ما هو الحق ، وعند الشارح أيضا.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٩٩ / ٨ ، التهذيب ٢ : ٢٠٦ / ٨٠٨ ، الوسائل ٤ : ٣٥٧ أبواب لباس المصلّي ب ٧ ح ٨.

(٢) انظر ص ٣٥٤.

(٣) انظر ص ٣٥٧.

٣٥٣

قوله : إلاّ أنّ ذلك غير قادح عند التحقيق كما بيّناه مرارا. ( ٣ : ١٧١ ).

الذي قاله مرارا على تقدير تسليمه إنّما هو إذا كان الخبر صحيحا ولم يوجد قائل بمضمونه ، لا الذي أفتى الأصحاب بخلاف مضمونه وطرحوه وأعرضوا عنه ، كما هو الحال في ما نحن فيه ، فإنّهم بأجمعهم أفتوا بالمنع من غير استثناء هذه الأشياء ، فالخبر يصير من الشواذّ التي يجب ترك العمل بها عند الكلّ حتى عند الشارح رحمه‌الله أيضا ، كما صرّح به مرارا ، على أنّ هذا يصير سببا للمرجوحية عند التعارض قطعا ، مع أنّ المعارض في غاية القوّة ، كما عرفت. مع أنّ الشيخ رحمه‌الله لا يمكنه الاستدلال بها ، ولم يقل أحد بالفصل ، والشارح رحمه‌الله كثيرا ما يستدل بعدم القول بالفصل ، فالحمل على التقيّة متعيّن. إلاّ أنّه ربما أشكل المنع عن السّمور في صحيح ابن راشد ، إلاّ أن يكون هناك مندوحة بالنسبة إليه ، فتأمّل ، أو يكون بعض العامّة راضيا بالمنع وإن لم نعرفه ، فتأمّل.

وفي الفقه الرضوي : « ولا تجوز الصلاة في سنجاب ولا سمّور وفنك » إلى أن قال : « وإيّاك أن تصلّي في الثعالب وفي ثوب تحته جلد الثعالب » (١).

والصدوق رحمه‌الله يظهر منه في أماليه ـ عند وصفه دين الإمامية ـ الرخصة في الصلاة في كلّ ما ذكر ، وأنّ الأولى الترك (٢). والظاهر أنّ نظره كان إلى هذه الأخبار ، وأن ما ذكره توهّم منه ، كما توهّم في غيره من‌

__________________

(١) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٥٧ ، المستدرك ٣ : ١٩٩ أبواب لباس المصلّي ب ٤ ح ٢ وص ٢٠١ ب ٧ ح ١.

(٢) أمالي الصدوق : ٥١٣.

٣٥٤

المواضع ، كما لا يخفى.

قوله : يجعلها كالنص في المسؤول عنه. ( ٣ : ١٧١ ).

إن أراد من المماثلة عدم القابلية للتخصيص ، فلا يخفى فسادها : إذ يصحّ أن يقول : إلاّ السنجاب وما يؤدّي مؤدّاه متصلا بالجواب أو منفصلا عند وقت الحاجة.

وإن أراد قوّة الدلالة في الجملة ، فغير خفي أن القوّة فيها لا تأبى عن التخصيص ، إذ يجوز أن يكون الخاصّ أقوى أو مساويا ، مع أنّ طريقته البناء على التخصيص مطلقا ، استنادا إلى أنّ الجمع بين الأدلة أولى من طرح أحدهما بالمرّة ، ولا يراعي عدم التفاوت في القوّة ، بل غالب المواضع التي يرتكب التخصيص فيها القوّة فيها متفاوتة ، بل في كثير منها تفاوت القوّة زائد ، وهذا هو الطريقة المتعارفة بين أكثر المتأخرين.

وإن أراد عدم القابلية لخصوص التخصيص بالمنفصل ، فهو أيضا فاسد ، لما أشرنا إليه ، مع أنّ هذا التفصيل غريب وخلاف ما حقّق في الأصول ، وما عليه محققوهم ، وما عليه فقهاؤنا في الفقه أيضا.

مع أنّه يجوز أن يكون هنا قرينة حالية فهم منها خروج مثل السنجاب عن عموم الجواب ، ويكشف عنها الأخبار الواردة في جواز الصلاة في السنجاب ، والخبر الوارد بأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّما نهى عن السباع وما يأكل اللحم دون ما لا يأكل (١). ويظهر ذلك من غير واحد من الأخبار أيضا (٢).

وبالجملة : لا فرق في أنّ السائل يقول في سؤاله : ما تقول في الصلاة‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٩٧ / ٣ ، التهذيب ٢ : ٢٠٣ / ٧٩٧ ، الوسائل ٤ : ٣٤٨ أبواب لباس المصلّي ب ٣ ح ٣.

(٢) انظر الوسائل ٤ : ٣٤٧ أبواب لباس المصلّي ب ٣.

٣٥٥

في ما لا يؤكل لحمه؟ فيجاب بالمنع عموما ، أو يقول في السؤال : ما تقول في الصلاة في الثعالب والفنك والسنجاب وغيره من الوبر؟ فيجاب بالمنع عموما في صحة التخصيص بالمتصل والمنفصل ، فإنّ ما ورد منهم عليهم‌السلام من النص على صحة الصلاة في السنجاب في الأخبار الأخر كما يصح أن يصير مخصّصا في الصورة الأولى كذا يصح أن يصير مخصّصا في الصورة الثانية من دون مانع.

ويرشد إليه أنّ الخزّ تصح الصلاة فيه قطعا وخارج عن عموم الجواب البتّة ، مع أنّ من جملة سؤال السائل الصلاة في الأوبار أيضا ، فتأمّل ، لكن عرفت حال المخصّص وأنّه يشكل العمل به وإن لم يكن له معارض ، فكيف إذا كان معارض قوي في غاية القوّة؟!

قوله : من حيث صحّة أخبار الجواز. ( ٣ : ١٧٣ ).

لا يخفى أنّ أخبار الجواز أكثرها يتضمّن صحة الصلاة في ما لا يقول به الأصحاب ، وقد مرّ الكلام في ذلك وأنّ الحمل على التقيّة متعيّن ، سيّما وعلي بن يقطين كان وزير الخليفة ، فكان يناسبه التقيّة.

وأمّا صحيحة جميل فالحكم بصحتها مشكل ، لأنّ الشيخ رحمه‌الله رواها بسند آخر عن جميل ، عن الحسين (١) بن شهاب ، عن الصادق عليه‌السلام (٢) والظاهر أنّ الروايتين واحدة ، وإلاّ كان اللازم عليه أن يذكر لهذا الراوي روايته عن الصادق عليه‌السلام بلا واسطة ، والراوي الأوّل روايته بالواسطة ، كما هو الظاهر من حالهم ، ولو قلنا بعدم ظهور الاتحاد فظهور التعدّد محلّ نظر ظاهر ، وكيف كان ، ثبوت العدالة بالنسبة إلى الجميع محلّ تأمّل.

__________________

(١) في المصادر : الحسن.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٦٧ / ١٥٢٧ ، الوسائل ٤ : ٣٥٨ أبواب لباس المصلّي ب ٧ ح ١٠.

٣٥٦

سلّمنا ، لكنّها رواية واحدة تعارضها صحيحة علي بن مهزيار التي ذكرناها في مسألة الشعرات الملقاة (١) ، وصحيحة أبي علي بن راشد حيث قال في آخرها : قلت : الثعالب يصلّى فيها؟ قال : « لا ، ولكن يلبس بعد الصلاة » قلت : أصليّ في الثوب الذي يليها؟ قال : « لا » (٢).

وكذا تعارضها صحيحة ريّان بن الصلت عن الرضا عليه‌السلام وسنذكرها ، وكذا صحيحة ابن مسلم ، فإنّ : ( لا أحبّ ) يعارض : ( لا بأس ) لكونه نكرة في سياق النفي ، وكذا رواية ابن بكير ، وهي صحيحة ، على ما عرفت (٣) ، بل أقوى من الصحاح. ويعضدها الإجماعات والأخبار الكثيرة الواردة في المنع عن الثعالب (٤) ، وعبارة الفقه الرضوي (٥) ، وكذا الأخبار المتعدّدة الواردة في المنع عن كلّ ما لا يؤكل لحمه (٦).

وكذا الكلام في الأرانب ، مع أنّ الشارح ما ذكر صحيحا يدل على الجواز فيها ، وصحيحة محمد بن عبد الجبار جعلها الشارح دليلا في الشعرات التي ذكر أنّه لا مانع منها مطلقا ، مع أنّك عرفت ما في تلك الصحيحة (٧) ، فما ذكره رحمه‌الله في هذا الكتاب أولى وأظهر ممّا ذكره في المعتبر ، فتدبر.

قوله : وهو غير جيّد. ( ٣ : ١٧٥ ).

__________________

(١) راجع ص ٣٥٢.

(٢) التهذيب ٢ : ٢١٠ / ٨٢٢ ، الوسائل ٤ : ٣٥٦ أبواب لباس المصلّي ب ٧ ح ٤.

(٣) راجع ص ٣٤٥ ـ ٣٤٦.

(٤) الوسائل ٤ : ٣٥٥ أبواب لباس المصلّي ب ٧.

(٥) راجع ص ٣٥٤.

(٦) الوسائل ٤ : ٣٤٥ أبواب لباس المصلّي ب ٢.

(٧) راجع ص ٣٤٩.

٣٥٧

هو جيّد ، كما حقّقناه في ما سبق ، على أنّ وقفه محلّ تأمّل ، كما حققناه في الرجال (١) ، فلاحظ.

قوله : وحملها الصدوق في الفقيه على قزّ الماعز. ( ٣ : ١٧٥ ).

حيث روى عن إبراهيم بن مهزيار أنّه كتب إلى أبي محمد عليه‌السلام (٢).

وروى الشيخ في الصحيح عن ريّان بن الصلت عن الرضا عليه‌السلام عن لبس السّمور والسنجاب والحواصل وأشباهها والمحشوّ بالقزّ والخفاف من أصناف الجلود ، قال : « لا بأس بهذا كلّه إلاّ الثعالب » (٣).

قوله : دون قزّ الإبريسم. ( ٣ : ١٧٥ ).

ويظهر من الشيخ الموافقة له (٤) ، وربما كان بناء حملها عليه ومنشؤه أنّ حشو الثوب يكون إبريسما أمر غير معهود أصلا ( في بلاد الراوي وما والاها ) (٥) ولا يصدر عن عاقل ، لعلوّ القيمة وعدم المنفعة والزينة ، بخلاف قزّ الماعز ، سيّما في البلاد الباردة بالنسبة إلى أهل الفقر والمسكنة ، لحصول كمال الدف‌ء مع رخص القيمة.

مضافا إلى أنّ حملها على الظاهر ربما كان عندهما مخالفا لمذهب الشيعة ، كما يظهر من المؤلّف والعلاّمة رحمه‌الله حيث نسبا الخلاف إلى خصوص الشافعي من العامّة (٦). مضافا إلى معارضة العمومات الدالة على‌

__________________

(١) تعليقات الوحيد على منهج المقال : ١٧٤.

(٢) الفقيه ١ : ١٧١ / ٨٠٧ ، الوسائل ٤ : ٤٤٤ أبواب لباس المصلّي ب ٤٧ ح ٤.

(٣) انظر التهذيب ٢ : ٣٦٤.

(٤) في « ا » : عملها ، وفي « و» : عملهما.

(٥) ما بين القوسين ليس في « ب » و « ج » و « د ».

(٦) المعتبر ٢ : ٩١ ، التذكرة ٢ : ٤٧٥ ، وانظر الأمّ ١ : ٢٢١.

٣٥٨

المنع حتى من مثل القلنسوة والتكّة (١). هذا كلّه مع قرب عهدهما إلى زمان صدور الرواية والأمور المعهودة في ذلك الزمان.

ويمكن أن يقال : إنّ السؤال إنّما هو على سبيل الفرض ، بناء على ما عهد من العامّة من فرضهم هذه المسألة وتكلّمهم فيها ، وذهب الشافعي إلى الجواز ، فإذا كان المخالفة من العامّة على حسب ما مرّ فلا يبعد الحمل على التقيّة.

ويؤيّده أنّ المكاتبات ليست بمأمونة عن الأخذ والاطلاع على ما فيها ، ولذا كثر تحقّق التقيّة فيها ، على ما صرّح جدّي رحمه‌الله (٢) ، مضافا إلى أنّ المشهور عند العامّة صحة الصلاة في الحرير مطلقا.

ويؤيّده أيضا ما ورد في رواية ريّان بن الصلت الموافقة لهذه من جواز الصلاة في السمّور وسائر أصناف الجلود ، فاقتضى وجوه ثلاثة حملها على التقيّة ، أشدّها أوسطها ، فتأمّل.

قوله : وتعلّق النهي في أكثر الروايات. ( ٣ : ١٧٦ ).

لا يخفى ما فيه ، سيّما بعد ملاحظة ما أشرنا إليه في الحاشية السابقة.

تذنيب :

اعلم أنّه لم يتوجّه المصنف ولا الشارح إلى حكم الصلاة في الذهب ، وحكم العلاّمة في التذكرة والتحرير والشهيد في البيان والدروس بالمنع عن الصلاة فيه للرجال ، بل ومن المموّه به أيضا ، وكذا الافتراش ، بل وببطلان الصلاة في الخاتم منه ومن المموه به (٣) ، معلّلا بالنهي عن‌

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٣٦٧ أبواب لباس المصلّي ب ١١ و ٣٧٦ ب ١٤.

(٢) انظر روضة المتقين ٢ : ١٥٦.

(٣) التذكرة ٢ : ٤٧١ ، التحرير ١ : ٣٠ ، البيان : ١٢١ ، الدروس ١ : ١٥٠.

٣٥٩

الكون فيه ، وبقول الصادق عليه‌السلام : « جعل الله الذهب حلية أهل الجنّة ، فحرّم على الرجال لبسه والصلاة فيه » (١).

والصدوق في كتابه العلل قال : باب العلّة التي من أجلها لا يجوز للرجل أن يتختم بخاتم حديد ولا يصلّي فيه ولا يجوز له أن يلبس الذهب ولا يصلّي فيه ، وروى موثقة عمار عن الصادق عليه‌السلام المتضمّنة لمنع الصلاة في الحديد ، لأنّه من لباس أهل النار ، ومنع من الصلاة في الذهب ، لأنّه من لباس أهل الجنّة ، ورواية أبي الجارود عن الباقر عليه‌السلام : « قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي عليه‌السلام : إنّي أحبّ لك ما أحبّ لنفسي ، وأكره لك ما أكره لنفسي ، لا تتختّم خاتم ذهب فإنّه زينتنا في الآخرة » الحديث (٢).

وعن ابن الجنيد أنّه قال : ولا يختار للرجل خاصّة الصلاة في الحرير والذهب (٣) ، وفي الدروس : وقول أبي الصلاح بكراهة المذهّب ضعيف (٤) ، والصدوق رحمه‌الله في الفقيه نقل موثقة عمار المذكورة (٥) ، فيظهر منه أنّه مفت بمضمونها فيه ، والكليني رحمه‌الله روى رواية موسى بن أكيل النميري ، فيظهر أنّه أيضا معتقد به ، والشيخ نقلها على سبيل الاعتداد والاعتماد عليها ، ومضمون هذه الرواية أنّه قال الصادق عليه‌السلام في الحديد : إنّه حلية أهل النار ، والذهب حلية أهل الجنّة ، جعله الله في الدنيا زينة‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٢٧ / ٨٩٤ ، الوسائل ٤ : ٤١٤ أبواب لباس المصلي ب ٣٠ ح ٥.

(٢) علل الشرائع ٣٤٨ / ١ ، ٣ ، الوسائل ٤ : ٤١٤ أبواب لباس المصلي ب ٣٠ ح ٦ ، وب ٣٢ ح ٥.

(٣) نقله عنه في المختلف ٢ : ١٠٠.

(٤) الدروس ١ : ١٥٠ ، وانظر الكافي في الفقه : ١٤٠.

(٥) الفقيه ١ : ١٦٤ / ٧٧٣.

٣٦٠