الحاشية على مدارك الأحكام - ج ٢

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

الحاشية على مدارك الأحكام - ج ٢

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-170-2
ISBN الدورة:
964-319-168-0

الصفحات: ٤٣١

قوله : معلوم ممّا قرّرناه. ( ٢ : ٣٢٠ ).

قد ظهر لك حال ما قرّره!

قوله : يتوقّف على الدلالة. ( ٢ : ٣٢٠ ).

يكفي للدلالة عدم عدّ أحد من الأمة هذا من خصائصه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، مع أنّ الاشتراك لعلّه الأصل ، إلاّ أن يظهر الاختصاص ، كما يظهر من المعاملة بالنسبة إلى سائر ما كلّف به ، مع أنّ الدليل غير منحصر في ما ذكر ، لأن الإطلاق والعموم موجود.

قوله : بأنّه مصادرة. ( ٢ : ٣٢٠ ).

قد عرفت أنّ نظره إلى الاستقراء لا أنّه مجرّد المصادرة ، ولا يخفى أنّه لم يقل : إنّ ما نحن فيه ليس فيه تفاوت أصلا ، حتى يكون مصادرة ، بل قال : إنّ القاعدة الظاهرة من تضاعيف مباحث النجاسات يقتضي ذلك ، فتأمّل جدّا.

قوله : لما أشرنا إليه سابقا. ( ٢ : ٣٢٢ ).

فيه : أنّ استثناء مثل التكّة والقلنسوة والكمرة (١) والنعل والخفّ والجورب وما أشبه ذلك ـ ممّا لا يتمّ فيه الصلاة منفردا ، من حيث إنّه لا يتم الصلاة فيه منفردا كما هو المستفاد من الأخبار وكلام الأصحاب ـ دليل على عموم المنع وشموله لغير الثوب عند الأصحاب ، موافقا لمدلولات الأخبار ، فلا يضرّ ضعف الاسناد ، للانجبار بعملهم وفاقا منهم في العمل ، على أنّا قد أثبتنا مشروحا في موضعه أنّ رواية الموثق حجّة ، سيّما وأن يكون مثل علي بن أسباط ، ورواية حماد فيها صفوان أيضا ، وهما ممّن أجمعت‌

__________________

(١) الكمرة : الحافظ ، وفي بعض كلام اللغويين : كيس يأخذها صاحب السلس ، مجمع البحرين ٣ : ٤٧٧.

٢٢١

العصابة على تصحيح ما يصح عنهم وبيّنا حجّية ما يصح عنهم ، مع أنّ صفوان ممّن لا يروي إلاّ عن الثقات ، وقد أشرنا إلى ذلك وإلى اعتبار ذلك.

وقوله عليه‌السلام في رواية زرارة : « فلا بأس أن يكون عليه الشي‌ء ».

وفي رواية ابن سنان : « كلّما كان على الإنسان أو معه » ظاهران في التعميم والمشول. وعبارة الصدوق أيضا كالنص في الشمول وعدم الاختصاص بالثوب ، واستثناؤه العمامة معلّلا بعدم تمامية الصلاة فيها وحده أيضا شاهد على ما ذكرنا ، فلعل مراده العامة الصغيرة ، إذ العمامة الكبيرة يصدق عليها عرفا أنّه يجوز الصلاة فيه وحده ويتم.

مع أنّ المحمدين الثلاث رحمهم‌الله رووا في الصحيح عن العيص بن القاسم عن الصادق عليه‌السلام : « الرجل يصلّي في ثوب المرأة ويعتمّ بخمارها إذا كانت مأمونة » (١) ، والظاهر منها المنع لو علم بنجاسته ، فتأمّل.

قوله (٢) : لا يصدق عليها اسم الثوب. ( ٢ : ٣٢٢ ).

إذا تعمم بثوب يصدق عليه أنّه ثوب يعمّم به ، فتأمّل.

قوله : لو جبره بعظم ميّت. ( ٢ : ٣٢٤ ).

لعل مراده غير ما لا يؤكل لحمه ، للمنع من الصلاة في شي‌ء يكون ممّا لا يؤكل لحمه وإن كان طاهرا ، إلاّ أن يقول : لا يصدق أنّه صلّى فيه ، لكن سيجي‌ء الكلام في موضعه إن شاء الله.

قوله : تعيين القول بالمنع. ( ٢ : ٣٢٤ ).

لعل مراده خصوص المنع عن الجبر ، لا حكاية الصلاة فيه ، لأنّ الأمر‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٠٢ / ١٩ ، الفقيه ١ : ١٦٦ / ٧٨١ ، التهذيب ٢ : ٣٦٤ / ١٥١١ ، الوسائل ٤ : ٤٤٧ أبواب لباس المصلّي ب ٤٩ ح ١.

(٢) هذه الحاشية ليست في « ب » و « ج » و « د ».

٢٢٢

بالشي‌ء ليس نهيا عن ضدّه عنده ، فتأمّل.

قوله : وإن كان في تعيينه نظر. ( ٢ : ٣٢٤ ).

لا تأمّل في وجوب الإخراج ، كما لا يخفى على المتأمّل في الأخبار والأدلة الدالة على المنع والتحريم ، إلاّ أن يريد ذلك بالقياس إلى صحة الصلاة فيه ، فتأمّل.

قوله : ولا ريب فيه. ( ٢ : ٣٢٦ ).

فيه : أنّ بناءه على أنّ الغسل مفهومه خال عن العصر ، كما هو الأظهر ، فبعد تحقّق الغسل يلزم عليه الحكم بالطهارة ، لأنّ المطهّر شرعا إنّما هو الغسل ، ومفروض الكلام أيضا ذلك ، فعدم تحقّق العصر الذي ليس داخلا في الغسل أيّ ضرر فيه؟

فإن قلت : العصر وإن لم يكن داخلا فيه إلاّ أنّه ربما يتوقّف عليه ، لأنّه ليس إلاّ إخراج النجاسة أو الشي‌ء من الثوب مثلا بالماء ، وربما لا يخرج بالماء إلاّ بمعونة العصر ، كالصابون ، فإنّ استعماله خارج قطعا ، لكن ربما يتوقّف الإخراج بالماء عليه ، بل ربما يتوقّف على أمر آخر في القير وأمثاله.

قلت : ما ذكرت حق ، إلاّ أنّه معلوم أنّ الغسالة نجسة عند المستدلّين إذا وقع الغسل في القليل ، فيكون حالها حال عين النجاسة ، والنجس أعمّ من نجس العين والمتنجّس ، والظاهر أنّ المراد إذا وقع الغسل بالقليل ، على ما يشير إليه الدليل الثاني والدليل الثالث.

( ويشهد على ما ذكرناه ـ من أنّ المراد الغسل بالقليل ـ ملاحظة كلام المحقّق في ما مضى في صدر الكتاب من الحكم بانفعال غسالة الجنب‌

٢٢٣

مطلقا ، وكذا في ما سيجي‌ء (١) ، فلاحظ ) (٢).

فعلى هذا نقول : إن وضعنا الثوب المتلطّخ بالعذرة مثلا في القليل ، وتركناه فيه إلى أنّ انماث (٣) العذرة فيه ، فصار الماء متغيّرا بلون العذرة أو رائحته ، ولم يبق في الثوب أجزاء العذرة أصلا ، أو يبقى أجزاء في غاية اللطافة والرقّة ممزوجة من الماء ، فأخرجنا الثوب من الماء ونشرناه على الشمس أو الريح ، فأزالت الشمس فقط ، أو بانضمام تصفيق الرياح جميع الماء المتغيّر بحيث لم يبق تغيّر في الثوب ، أو بقي لكن العبرة بإزالة العين لا اللون والرائحة ، والعين أزيلت من الثوب قطعا ، لعدم بقاء شي‌ء منها أصلا ، وهذا الفرض كثير الوقوع ، كما لا يخفى على المطلع ، فعلى هذا وقع الإزالة بالماء بمعونة الشمس والتصفيق ، ولا شكّ في عدم تحقّق الغسل والطهارة شرعا.

بخلاف ما لو وقع العصر موضع تجفيف الشمس والتصفيق ، بأنّ عصر الثوب بالماء بحيث لم يبق فيه من العين أثر ولا من الماء المتغيّر ، واكتفي بالمرّة المزيلة للعين ، فإنّه يحكم بالغسل والطهارة ، إلاّ أن يكون الاكتفاء بالمرّة عند القائل به في صورة عدم تغيّر الغسالة ، وفي صورة التغيّر يكون حكمها حكم عين النجاسة ، فلا بدّ من غسل الثوب مرّة ثانية.

فلو وضعنا في الماء القليل فلا شكّ في أنّه ينجس عند المستدل ، فالحكم بطهارة الثوب ونجاسة الماء الذي يكون الثوب منغمرا فيه ممّا لا يجتمع عنده ، مع أنّه لا معنى للطهارة إلاّ جواز الصلاة مثلا ، ولا يجوز‌

__________________

(١) انظر المدارك ١ : ١٢٠ ، و ٢ : ٣٧٧.

(٢) ما بين القوسين ليس في « ج » و « د ».

(٣) انماث ، أي : ذاب ، مجمع البحرين ٢ : ٢٦٥.

٢٢٤

الصلاة حينئذ البتّة.

فإن وقع العصر وإخراج النجاسة به تحقّق الغسل عرفا وشرعا ، وإن لم يقع العصر واخرج الثوب من دون عصر ونشر في الشمس أو في الريح أو ترك حتى يجفّ ، فمقتضى ما ذكر أنّه إلى حين الجفاف كان نجسا البتّة ، والشمس وغيرها ليست بمطهرة له ، لعدم معلومية إسناد إزالة النجاسة حينئذ إلى الغسل وإخراج الماء إيّاها عن الثوب ، لو لم نقل بظهور إسناد الإخراج إلى الشمس أو غيرها.

وبالجملة : القدر الثابت أنّ الغسل هو إخراج الماء شيئا على أن يكون المخرج لذلك الشي‌ء هو الماء ، وإن كان بمعونة شي‌ء ، لا أن يكون المخرج شي‌ء آخر بمعونة الماء ، ويكون نسبة الإخراج إليه حقيقة ، أو لا يكون الإسناد حقيقة إلى شي‌ء منهما ، بل إلى المجموع ، أو لا يعلم الإسناد.

وأيضا لو لم يعلم أنّه هل حصل طهارة الثوب مع نجاسة ما يلاقيه من الغسالة وينغمر فيها أم لا كيف يمكن إسناد الإزالة والطهارة بمجرّد الملاقاة للثوب إلى الماء؟! مع أن الأصل بقاء النجاسة إلى أن يثبت المطهّر الشرعي ، فبمجرّد النشر في الشمس ومثلها والجفاف منهما كيف يمكن الحكم بحصول الطهارة بالغسل؟! مع كون الثوب إلى الآن نجسا ، أو لم يعلم طهارته إلى الآن ، مع أنّه لا عموم يشمل صورة التجفيف بالشمس ، والإطلاق منصرف إلى المتعارف ، وهو حصول العصر وإخراج النجاسة به ، لا بمثل التجفيف والتصفيق وغيرهما ، فتأمّل.

قوله : فلأنّا لا نسلّم. ( ٢ : ٣٢٦ ).

لا يخفى أنّ الفقهاء يحكمون بوجوب الصبّ في بول الصبي‌

٢٢٥

لا الغسل ، مع حكمهم بوجوب إخراج عين النجاسة عن الثوب وإن كان بول الصبي ، فإذا كان الصبّ المخرج للعين صبّا لا غسلا ولا يكون إخراج عين النجاسة فارقا بل مشتركا بينهما فلا يبقى فرق آخر إلاّ العصر المتحقّق بالغمز والليّ والكبس ، وسيجي‌ء ما يتمّ به الكلام ، فتأمّل. وسيجي‌ء في بحث الصبّ في بول الصبي ما يظهر منه كون ذلك مسلّما عند العامة أيضا (١) ، فتأمّل.

قوله : بما تحصل به الإزالة. ( ٢ : ٣٢٦ ).

فيه بعد ، إذ الظاهر كون الإزالة بالإخراج عن الثوب حين الغسل ، لا الإبقاء حتى يخرج بمجرّد اليبوسة ، كما ذكرناه في الحاشية السابقة ، فتأمّل.

قوله : فدعوى مجرّدة عن الدليل. ( ٢ : ٣٢٦ ).

لعل الظاهر والمظنون صحة هذه الدعوى ، فيكفي كونه دليلا ، ( مع أنّ احتمال ذلك كاف ، لأنّ التكليف بالإزالة يقيني ، فلا يكتفى في التحقيق بمجرّد الاحتمال ) (٢). مع أنّه على ما ذكرت يكون المطهّر بحسب الحقيقة هو الجفاف الحاصل من الشمس أو غيرها لا الغسل ، لأنّ النجاسة معناها المنع من الاستعمال شرعا ، والمنع باق على حاله حال الغسل وبعده قبل الجفاف ، فلا يكون الغسل مطهّرا ، وهو كما ترى ، فتأمّل.

قوله : على أنّه يمكن أن يقال. ( ٢ : ٣٢٦ ).

بعد تسليم النجاسة بمجرّد الملاقاة فلا وجه لهذا المنع ، إذ النجاسة ليس معناها إلاّ وجوب التنزّه والإزالة وأمثال ذلك ، فكيف يبقى العموم مع‌

__________________

(١) انظر المدارك ٢ : ٣٣٢.

(٢) ما بين القوسين ليس في « ج ».

٢٢٦

ذلك على حاله؟!

والحكم بطهارة المتخلّف بعد العصر المتعارف إجماعي ، بل وضروري الدين ، ظاهر من الأخبار المتواترة أو المستفيضة ، بحيث لا يعارضه معارض ولا يقاومه مقاوم. والقياس عندنا باطل قطعا ، سيّما مع كونه مع الفارق ، والفارق في غاية الظهور ، ولذا العامّة القائلون بالقياس قالوا بطهارة المتخلّف قطعا ، مع التأمّل في نجاسة الغسالة بمجرّد الملاقاة أو الحكم بها ، على ما هو الظاهر منهم (١) ، فتأمّل.

قوله : والحكم واحد عند التأمّل. ( ٢ : ٣٢٦ ).

محلّ تأمّل ، إذ الأحكام منوطة بالمتعارف ، مثل قطنة المستحاضة ومقدار تربّصها ، في الفرق بين القليلة وغيرها ، ومثل ثلاثة أشبار ونصف ، في حدّ الكرّ ، وغير ذلك ممّا لا يحصى ، فتأمّل.

قوله : ويمكن حملها على الاستحباب. ( ٢ : ٣٢٧ ).

مع هذا الإمكان لا تكون متروكة عندهم ، مع إمكان الحمل على العصر المتعارف لأجل الجفاف.

ويمكن الحمل على ما إذا توقّف عليه زوال عين النجاسة ، على ما يومئ إليه لفظ « قليلا » ، بأن يكون مخيّرا بين الصبّ بالقليل والعصر ، أو الصبّ المتعارف المتوسط أو الكثير ، لأنّه يزيل العين ، فتأمّل ، وسيجي‌ء الكلام عن قريب ، فإنّه يقول : إنّ إخراج عين النجاسة واجب ، على القول بنجاسة بول الصبي ، فلو كان الغسل يتحقّق بالصبّ المخرج للنجاسة ـ سواء وقع العصر أم لا ، كما قاله ـ كان المعصوم عليه‌السلام يقول : اغسل البول‌

__________________

(١) انظر المغني لابن قدامة ١ : ٧٧.

٢٢٧

مرّتين ، وبول الصبي مرّة واحدة ، وهو خلاف ظاهر هذه الرواية ، وخلاف فتوى الأصحاب وفتوى الشارح أيضا.

إلاّ أن يلتزم الشارح بكفاية وصول الماء إلى البول ، وعدم لزوم إخراج عينه عن الثوب ، كما سيشير إليه بقوله : مع احتمال الاكتفاء به مطلقا (١).

وفيه : أنّه حكم غريب ، إذ بعد تصريح الشارح بنجاسة بول الصبي وكونه من الأعيان النجسة موافقا لغيره من الفقهاء ـ وخالف في ذلك ابن الجنيد (٢) ـ كيف يتأتّى له الحكم بطهارة الثوب الذي كان نجسا يقينا بسبب النجاسة العينية الموجودة فيه بمجرّد وصول ماء قليل إليه ، مع عدم إخراجه ذلك النجس أصلا ، وبقاء ذلك النجس العين في الثوب بحاله من دون خروج أو استهلاك؟! ولذا حكم أوّلا بوجوب الإخراج مرتين فظهر أنّه حكمه ، ثم ذكر الأخير من باب الاحتمال ، ومع ذلك اعترف بوجوب الإخراج عند القائل.

ومعلوم أنّ مذهبهم ذلك بلا تأمّل ولا تزلزل ، وبناء استدلال المستدل على هذا المذهب ، ردّا على من لا يعتبر العصر من الأصحاب لو كان موجودا ، أو إظهارا لمناط الحكم الذي هو من المسلّمات عندهم.

وغير خفي أنّ أحدا من الأصحاب لا يجوّز طهارة الثوب مع بقاء النجس العين فيه بحال ، وليس الاحتجاج على مثل الشارح أو لمثله ممّن ينكر أمثال هذه الأمور الظاهرة المسلّمة عندهم التي لعلها عندهم من البديهيات ، وإنكاره إنكار البديهي عندهم ، ولا يخطر ببالهم أصلا أنّه‌

__________________

(١) المدارك ٢ : ٣٣٣.

(٢) حكاه عنه في المختلف : ٥٦.

٢٢٨

سيجي‌ء في زمان شخص ينكر أمثال هذه حتى يكون ذلك الشخص مدّ نظرهم في مقام الاستدلال ، فتأمّل.

قوله : وربما كان الوجه فيه. ( ٢ : ٣٢٨ ).

لا يخفى أنّ المصنف في أوّل الكتاب قال : والماء المستعمل في غسل الأخباث نجس (١). ، وسيجي‌ء أيضا مثل ذلك عن قريب (٢) إلاّ أن يقال : إنّ المتبادر منه الغسل بالقليل ، لكن يمكن أن يقال : إنّ المتبادر منه هنا أيضا هو القليل ، لما أشرنا سابقا ، فتأمّل.

قوله : لما فيه من الاستظهار. ( ٢ : ٣٢٨ ).

لعل مراده من الاستظهار حصول الاطمئنان بزوال عين النجاسة ، وليس الغسل إلاّ بعنوان إزالة العين ، إذ بغيره لا يتحقّق الغسل ، والاطمئنان لا بدّ منه ، نعم ربما يحصل الاطمئنان بدون الدلك ، ولعل مراده رحمه‌الله فيما إذا لم يحصل إلاّ به ، وأنّه الغالب. وبالجملة : بناؤه على أنّ شغل الذمّة بالإزالة يقيني ، فلا بدّ من البراءة اليقينية ، فالحمل على الاستحباب على هذا لا وجه له ، فتأمّل.

ويظهر من الأخبار الواردة في الاستنجاء من البول وغسل البول من الجسد عدم الحاجة إلى الدلك فيه (٣).

قوله : لئلا يتصل. ( ٢ : ٣٢٨ ).

العلاّمة رحمه‌الله بناؤه على أنّ الفرض هو هذا ، وأنّه لا فرق بين الخمر وما هو مثلها من النجاسات ، فإنّ البول مثلا إذا كان مستكنا لا بدّ من إزالته‌

__________________

(١) المدارك ١ : ١١٨.

(٢) المدارك ٢ : ٣٧٧.

(٣) انظر الوسائل ١ : ٣٤٣ أبواب أحكام الخلوة ب ٢٦.

٢٢٩

لئلا يتصل بما فيه من المأكول والمشروب ، فعلى هذا قوله : واحتمال أن يكون. فيه ما فيه ، فتأمّل.

قوله : ولم لم تزل عين النجاسة. ( ٢ : ٣٢٩ ).

إن أراد : لو لم يعلم الإزالة إلاّ بالدلك ، فهو بعينه كلام العلاّمة ، إلاّ أن يدعي الكلية ، فالوجه منع هذه الدعوى حصول العلم بغيره أحيانا ، لا أنّ الاستظهار مستحب.

وإن أراد : لو لم تزل في الواقع وجب ، علمنا أو لم نعلم ، ففيه ما فيه.

وإن أراد : لو علمنا أنّها لا تزال إلاّ به وجب ، وأنّ الوجوب منحصر فيه ، ومع احتمال الزوال والشكّ فيه يكون الثوب طاهرا إلاّ أن يعلم بقاء العين ، فهذا أيضا فاسد ، لأنّه من المسلّمات عند الفقهاء وعند الشارح أيضا أنّ النجاسة ثابتة شرعا ، فلا بدّ من الحكم بزوالها شرعا ، فمجرّد احتمال الزوال كيف يكفي؟!

وإن أراد أنّه يكفي الظنّ ف ـ مع عدم ظهور ذلك من عبارته ـ الكلام في حجّية هذا الظنّ واعتباره ، فلا بدّ من الإتيان بالدليل الدال عليه حتى ينظر إليه وإلى تماميته ، إلاّ أن يريد منه العمومات والإطلاقات الواردة في الغسل ، لكن لا بدّ من التأمّل في أنّها هل تكون شاملة لصورة لم يتحقّق اطمئنان في زوال عين النجاسة ، واحتمال بقائها بعد موجود؟ سيّما بعد ملاحظة الأدلة الدالة على وجوب التنزّه عن النجاسة والاحتراز عنه مطلقا. مضافا إلى الاستصحاب ، وقوله : « لا تنقض اليقين إلاّ بيقين مثله » (١) فتأمّل.

__________________

(١) الوسائل ١ : ٢٤٥ أبواب نواقض الوضوء ب ١.

٢٣٠

قوله : « اغسل ما أصاب ». ( ٢ : ٣٢٩ ).

نظره في استدلاله إلى قوله عليه‌السلام : « اغسل ما أصاب منه » الظاهر في وجوب غسل جميع ما أصاب ، وغسل الجميع لا يتأتّى إلاّ بإيصال الماء إليه ، وإخراج عين النجاسة عنه ، ولا يتأتّى ذلك إلاّ بالدقّ والتغميز ، فتأمّل.

قوله : وهو مشكل. ( ٢ : ٣٣٠ ).

قد مضى الكلام فيه وأنّه لا إشكال ، ونقلنا الأقوال في الغسالة وأدلتهم (١).

قوله : وما جرى هذا المجرى لا يطهر. ( ٢ : ٣٣١ ).

الظاهر أنّ هذه في صورة سريان النجاسة في أعماقها ، وإلاّ فعند الأصحاب لا تسري النجاسة في الشي‌ء الرطب بمجرّد وصولها إليه ، فيكون صبّ الماء كافيا في التطهير عندهم. وأمّا مع سريان النجاسة في العمق فبمجرّد ملاقاة الماء مع عدم خروج النجاسة كيف يمكن الحكم بالتطهير؟ والرطوبة الكامنة فيها لا تدع أن يدخل الماء في العمق حتى يلاقي النجاسة ويذيبها ويغسلها ويزيلها ، إلاّ أن يكون مفروض الشارح : إذا كانت الأمور المذكورة يابسة وتترك في الماء حتى يدخل الماء في عمقها ، أو رطبة أيضا وتترك حتى يحصل العلم بالدخول في الأجزاء تماما والسريان فيها ، وأنّه يكفي حينئذ خروج الغسالة بجفاف من الشمس ، وإن كان عين النجاسة موجودة في الغسالة ، لأنّها يخرج مع الغسالة بمجرّد الجفاف.

والأصحاب لم يظهر منهم أنّهم حكموا بطهارة ما بقي بعد الدقّ‌

__________________

(١) انظر ج ١ : ١٨٦ ـ ١٨٨.

٢٣١

والتغميز ، وإن كان عين النجاسة موجودة فيه ، بل الذي يظهر منهم أنّ المحكوم بطهارته حينئذ هو الغسالة الخالية عن عين النجاسة ، بأن يكون من الغسلة الثانية أو الأولى ، بعد زوال عين النجاسة.

والحاصل أنّ في صورة عدم سريان النجاسة في العمق أصلا وتنجّس السطح الظاهر لا يحتاج إلى إدخال الماء أصلا ، ويكفي الصبّ البتّة ، والغسالة تنفصل من دون توقّف على عصر أصلا ، ولا حاجة إلى غمز مطلقا. وليس كلام الأصحاب في مثله البتّة.

وفي صورة سريان النجاسة وبكونها في الداخل إن كان رطبا ، فلا بدّ من خروج هذه الرطوبة النجسة ، لأنّها إمّا نجس العين أو متنجسة منه ، وعلى الأوّل : كيف يطهر نجس العين بمجرّد ملاقاة الماء؟ فإنّ نجس العين لا يصير طاهرا بنفسه إلاّ بالاستحالة أو الانتقال ، بل لو تغيّر الماء منه ينجس ، فكيف يطهّره الماء؟ سيّما بمجرّد الملاقاة.

وبالجملة : نجس العين لا شبهة في عدم قبوله للطهارة.

وأمّا المتنجس : فمع الرطوبة لا تدع الماء ينفذ فيه ، وعلى تقدير النفوذ فلا يكفي النفوذ في الجملة ، بل لا بدّ من الوصول إلى جميع الأجزاء ، مع بقائه على الإطلاق ، وعدم صيرورته ماء مضافا حال سريانه في الأعماق ونفوذه فيها ، وهذا أيضا لا يكفي ، بل لا بدّ من العلم به أو الظنّ المعتبر شرعا ، لأنّ النجاسة ثابتة ، فلا يحكم بالطهارة بمجرّد الاحتمال ، ولا يحصل العلم إلاّ في صورة اضمحلال جميع الأجزاء وتفشّيها في الماء ، وعدم الخروج عن كونه ماء مطلقا.

وأمّا إذا كانت يابسة وغسلت في القليل بمعنى أنّها تركت فيه إلى أن حصل العلم بوصول الماء المطلق بجميع الأجزاء ، مع بقائه على إطلاقه ،

٢٣٢

فإن قلنا بعدم انفعال الغسالة أمكن الحكم بطهارتها ، وإن قلنا بانفعالها بمجرّد الملاقاة ـ كما هو المشهور ـ فكيف يمكن الحكم بطهارتها وطهارة الغسالة مطلقا؟ ( وكيف يجتمع الحكم بنجاسة الغسالة بمجرّد الملاقاة مع الحكم بطهارة الغسالة مطلقا؟ ) (١) فإنّهما متضادّان لا يجتمعان أبدا ، إلاّ أن يكون مراده رحمه‌الله أنّ الطهارة يحصل بعد جفافها وذهاب الغسالة بالجفاف ، وغير خفي أنّهم متفقون على عدم الطهارة من جهة الجفاف ، وظهر وجهه في الجملة.

وممّا ذكر ظهر أنّ الحرج والضرر غير لازمين ، لأنّه على فرض السراية في الأعماق واليبوسة بعدها ، وكون الساري هو المتنجّس خاصّة ، وعدم إمكان عصر وإخراج الغسالة إلاّ بالتجفيف ، وعدم التمكن من الجاري أو الكرّ. وعدم تيسّرهما في غاية الندرة. مع أنّه لو تمّ ما ذكره رحمه‌الله لزم الحكم بطهارة الساري الذي هو نجس العين ، وغير ذلك من الفروض التي لا يرضى به الشارح.

والقول بأن ذلك خرج بالدليل ـ لأنّ الحرج والضرر غير عزيزين بعد اقتضاء الدليل الشرعي ـ يوجب القول بمثله في ما نحن فيه ، لما عرفت من أنّ كلامهم مبني على القول بانفعال الغسالة مطلقا ، وغير ذلك ، فتأمّل.

قوله : مع العلم بوصول الماء. ( ٢ : ٣٣٢ ).

هذا العلم لا يكفي ، بل لا بدّ من العلم ببقاء ذلك الماء الواصل إلى كل جزء على إطلاقه ، وعدم خروجه عن الإطلاق ، وعدم صيرورته مضافا.

قوله : لانتفاء العموم. ( ٢ : ٣٣٢ ).

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « أ » و « ب ».

٢٣٣

فيه ما مرّ في بحث نجاسة البول.

قوله : وثانيا بالحمل على الاستحباب. ( ٢ : ٣٣٣ ).

ويمكن حمله على العصر المتعارف الذي يرتكبونه في غسل الثوب ، والمراد أن ذلك يفعل بعد الصبّ من دون حاجة إلى الغسل ، فتأمّل. ومرّ الكلام فيه في بحث عصر الثياب في غسلها (١).

والفرق بين الغسل والصبّ أنّ العصر معتبر في الغسل ، إمّا في ماهيته أو في إخراج عين النجاسة أو الغسالة المتنجّسة ، بخلاف الصبّ ، فإنّه يكفي للتطهير ، أمّا لو لم يكن العين موجودة ـ مثل أن يكون البول يابسا ، والثوب جافّا ، أو أزيلت العين بمزيل غير الماء ـ فظاهر ، وأمّا مع بقائها وتوقّف إخراجها على الماء فالمطهّر هو الصبّ بشرط عدم العين.

وإخراجها كيف كان وبأي نحو يكون يكفي بعد ما تحقّق المطهّر.

وأمّا على احتمال احتمله الشارح فملاقاة الماء نجس العين يطهّر ذلك النجس العين أيضا ويصير طاهرا ، ومرّ الكلام فيه (٢) ، فتأمّل.

قوله : وهو بعيد. ( ٢ : ٣٣٣ ).

لا تأمّل عندهم في البعد ، إلاّ أنّ الأصحاب لمّا عملوا برواية السكوني المتضمّنة للأمر بغسل بول الجارية (٣) ، وغيرها من العمومات ارتكبوا هذا التوجيه في هذا الخبر.

نعم رواية السكوني تضمّنت الأمر بغسل لبن الجارية أيضا ،

__________________

(١) راجع ص ٢٢٣ ـ ٢٢٥.

(٢) راجع ص ٢٢٥ ـ ٢٢٦.

(٣) الفقيه ١ : ٤٠ / ١٥٧ ، التهذيب ١ : ٢٥٠ / ٧١٨ ، الوسائل ٣ : ٣٩٨ أبواب النجاسات ب ٣ ح ٤.

٢٣٤

والمشهور لا يقولون به ، والعمومات لا تقاوم الخاص ، لكن الشأن في مقاومة مثل هذا الخاص لها وتقديمه عليها ، بعد وقوع الشهرة العظيمة على خلافه ، وكون الخاص من الحسان ، فتأمّل. والاحتياط واضح. ولعل مستند المشهور الرواية التي رويناها عن كشف الغمة ، وذكرناها في بحث نجاسة بول الصبي (١).

وفي الفقه الرضوي : « وإن أصابك بول في ثوبك فاغسله بماء جار مرّة ومن ماء راكد مرّتين ، ثم أعصره ، وإن كان بول الغلام الرضيع فتصب عليه الماء صبّا ، وإن كان قد أكل الطعام فاغسله ، والغلام والجارية سواء » ثم نقل الحديث عن علي عليه‌السلام : لبن الجارية وبولها يغسل منهما الثوب دون الغلام (٢) ، فتأمّل.

قوله : ويشكل بأنّ تعيّن النجاسة. ( ٢ : ٣٣٤ ).

لا يخفى أنّ المستدل قال : لا بدّ من اليقين بالزوال ، لا زوال اليقين ، حتى تورد عليه بما ذكرت ، فإنّ كان ما ذكره تماما فلا وجه لهذا الإيراد أصلا ، وإلاّ فلا بدّ من مطالبته بالإتمام ، لا أن تورد عليه بذلك. وغير خفي أنّ مراده من اليقين اليقين الشرعي. وغير خفي أنّ النجاسة يثبت شرعا ، فلا بدّ لزوالها والحكم بالطهارة من دليل شرعي ، والمتحقّق إنّما هو في صورة غسل الجميع لا البعض.

ولا يخفى أنّ النجاسة بمحض احتمال الزوال لا يحكم بالزوال إجماعا ، واستصحابا للحالة السابقة ، وللعموم والإطلاق الواردين في المنع‌

__________________

(١) راجع ص ١٦٥.

(٢) فقه الرضا عليه‌السلام : ٩٥ ، المستدرك ٢ : ٥٥٣ أبواب النجاسات ب ١ ح ١ وب ٢ ح ١.

٢٣٥

والحكم بالنجاسة ، ولقوله عليه‌السلام : « لا تنقض اليقين إلاّ بيقين مثله » (١) ، والظاهر أنّ الاستصحاب في موضوع الحكم ليس محلاّ للخلاف ، ولو وقع خلاف ففي غاية الوهن والضعف ، إنّما النزاع في نفس الحكم ، فليتأمّل.

قوله (٢) : نعم لو قيل باختصاص. ( ٢ : ٣٣٦ ).

جميع ما ذكر كان موجودا في الثوب أيضا سوى عدم صحة سند المتضمّن مرّتين ، لكنه حسن ، وكثيرا ما يحتجّ بالحسن فقط (٣) ، ومع ذلك حسن معمول به ، ومع ذلك عدم القول بالفصل يقتضي العمل بالحسن ، وكثيرا ما يتمسّك بعدم القول بالفصل وإن لم يرد رواية أصلا (٤) ، فما ظنّك بما إذا ورد حديث حسن ، سيّما مثل ذلك الحسن.

قوله : وإنّما استفيد نجاستها من أحد أمرين. ( ٢ : ٣٣٨ ).

هذا الحصر محلّ تأمّل ، إذ ربما يثبت بأمر آخر ، مثل الحكم بإعادة الصلاة ، وصبّ الماء وغير ذلك.

قوله : لضعف التمسك به. ( ٢ : ٣٣٨ ).

الاستصحاب حجّة ، كما بيّناه في رسالة الاستصحاب (٥) ، وأشرنا إليه في مسألة عدم طهارة الماء المتغير بالنجاسة بمجرّد زوالها (٦) ، ومرّ عن الشارح رحمه‌الله التمسّك بقولهم : « لا تنقض اليقين بالشك أبدا » في مواضع‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٢٤٥ أبواب نواقض الوضوء ب ١.

(٢) هذه الحاشية ليست في « ا ».

(٣) انظر المدارك ٥ : ٥١ ، ٢٦٨ ، ٢٦٩ ، ٢٧٠ ، ٢٧١.

(٤) انظر المدارك ٢ : ٢٥٩ ، ٦ : ٣١٣ ، ٣١٩.

(٥) الرسائل الأصولية : ٤٢٣.

(٦) راجع ج ١ : ٩٠ ـ ٩٢.

٢٣٦

متعدّدة ، منها في المسألة السابقة (١) ، مع أنّ النجاسة إذا تحقّقت فالحكم بأنّ زوالها وحصول الطهارة منها يحتاج إلى دليل شرعي ، لعله ليس محلّ ( نزاع فقيه ) (٢).

قوله : إنّما يتمشّى في الحكم المطلق لا المقيد. ( ٢ : ٣٣٨ ).

قبل تحقّق الغسل كان الحكم بالنجاسة قطعيا ، أي وجوب التجنّب من حيث هو هو ، وهو مستصحب ـ على القول به ـ حتى يثبت خلافه شرعا ، وهذا يكفي في الاستصحاب ، بل الاستصحاب قلّما يحتاج إليه في الحكم المطلق الذي ذكرت إلاّ على الطريقة التي ذكرت من أنّ الاستصحاب يرجع إلى الإطلاق والعموم ، فتدبّر.

قوله : فإن غسلته بماء جار فمرّة واحدة. ( ٢ : ٣٣٩ ).

ظاهر هذا كونه مرّتين في غير الجاري ، لمفهوم الشرط ، إلاّ أن يقال بعدم العموم في المفهوم ، أو أنّ الراكد الكثير كان نادرا ، والإطلاق ينصرف إلى المتعارف ، ولذا حكم بأنّ الظاهر من الأخبار المتضمّنة للمرّتين كونه في القليل ، فتأمّل.

قوله : قال : وعليه إجماع العلماء. ( ٢ : ٣٤٠ ).

ويدل عليه أيضا أنّ النجس إنّما هو الدم مثلا لا لونه أو رائحته ، لعدم صدق الدم عليهما لغة وعرفا ، بل يصدق عليهما لون الدم ورائحته ، وهذان غير نفس الدم الذي هو النجس وإن قلنا بعدم انتقال العرض في مثل ما‌

__________________

(١) انظر المدارك ٢ : ٣٣٦.

(٢) بدل ما بين القوسين في « ج » و « د » : النزاع فيه.

٢٣٧

نحن فيه أيضا وبقاء الأجزاء الجوهرية ، لعدم صدق الدم عليها (١) ، والمناط في الشرع هو الصدق اللغوي والعرفي لا الضابطة الحكميّة ، سيّما وأن لا تكون ثابتة ، فتأمّل.

قوله : وهو مشكل لقبح تكليف الغافل. ( ٢ : ٣٤٤ ).

فيه ـ مضافا إلى ما ستعرف ـ : أنّ المكلف به إن كان هو الصلاة التي لا يعلم المكلف بها أنّه نجس جسده وثوبه وأنّ شرط صحتها عدم علم المكلف أنّه نجس ثوبا أو جسدا وأنّه إن علم النجاسة يكون مكلفا بالإزالة خاصّة ، فصلاة هذا المكلف صحيحة ، لأنّه لا يعلم أنّه نجس ، فصلاته صحيحة ، لأنّه صلّى صلاة مأمورا بها ، والامتثال يقتضي الإجزاء ، ولا حاجة إلى الإعادة ولا القضاء ، كما سيذكر في الناسي وجاهل نفس النجاسة.

وإن كان الصلاة التي شرط صحتها أن لا يكون بدنه وثوبه نجسا في الواقع ، ففيه : أنّه مناف لما سيصرّح به في الناسي والجاهل من أنّه صلّى صلاة مأمورا بها (٢).

ومع ذلك إذا ترك الصلاة مطلقا مع علمه بأنّ الله تعالى كلفه بها وعلمه بسائر شرائطها مضافا إلى علمه بواجباتها تماما هل هو معاقب عندك أم ليس بمعاقب في تركه جميع صلواته أصلا؟ فعلى الأوّل يكون مكلفا قطعا ، لأنّ العقاب فرع التكليف ، مع أنّه عندك غير مكلف أصلا بالصلاة! وعلى الثاني نقول : لا شك عند العقلاء في أنّ مثل هذا الشخص عاص معاند ، لأنّه يجزم بأنّه واجب عليه من الله تعالى صلوات كثيرة ، وأنّها كيت وكيت ، وأنّه يمكنه إتيانها بلا مشقة ، ومع ذلك يبني أمره على عدم الإطاعة‌

__________________

(١) في « أ » و « و» : عليهما.

(٢) انظر المدارك ٢ : ٣٤٩.

٢٣٨

أصلا ورأسا.

وأيضا إذا كان العلم شرطا للتكليف عندك فمع عدم العلم لا يكون مكلفا أصلا إلى حين العلم ، فلا معنى لقوله : لعدم حصول الامتثال المقتضي لبقاء المكلف تحت العهدة ، إذ لا تكليف ، فلا امتثال ، ولا عهدة ، ولا بقاء تحت العهدة أصلا ، بل في وقت العلم يتعلق به التكليف الآن ، كما لو بلغ الصبي وأفاق المجنون ، بل ولا قضاء أيضا ، لأنّ القضاء تدارك ما فات ، وان قلنا بأنّه فرض مستأنف ، فتأمّل.

قوله (١) : فإن ثبت مطلقا أو في بعض الصور ، ثبت الوجوب ، وإلاّ فلا. ( ٢ : ٣٤٤ ).

سيجي‌ء عن الشارح رحمه‌الله حكمه بالثبوت مطلقا.

قوله : لأنّ تكليف الجاهل بما هو جاهل به تكليف بما لا يطاق. ( ٢ : ٣٤٥ ).

إذا كان قادرا على تحصيل العلم والمعرفة كيف يكون تكليفا بما لا يطاق؟!

فإن قلت : هو غافل ، وتكليف الغافل قبيح.

قلت : كيف يكون غافلا؟ مع أنّه معلوم بالضرورة من الدين بعنوان الإجمال أنّ في الدين أحكاما كثيرة بالنسبة إلى أمّة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنّ رسول الله في هذه الأحكام مأمور بإبلاغها ، وأنّا أمّه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل وعلمنا أنّه يجب تعلّمها والتشرّع بها كالأمم السابقة بالنسبة إلى أحكامهم وشرعهم ، ففي الحقيقة هو عالم بها إجمالا من وجوه متعدّدة :

__________________

(١) هذه الحاشية ليست في « ج » و « د ».

٢٣٩

الأوّل : انّه يعلم أنّه من أمة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا يكون نبي عادة بغير شريعة.

الثاني : يعلم بالضرورة من الدين وجود تكاليف وبقاءها.

والثالث : يعلم بالضرورة خصوص الصلاة والصوم وأمثالهما ، وإن لم يكن تفصيلا ، ومتمكّن من التفصيل ، ومسامح فيه ، ومقصّر ، وتارك لما يعلمه إجمالا.

على أنّه على تقدير التسليم فمثل هذا التكليف لا يكون محالا ، لأنّ المكلف هو بنفسه جعله محالا على نفسه ، فتأمّل.

على أنّه على ما ذكره ربما يكون الصرفة بالنسبة إلى المكلفين عدم إطاعة الشارع مطلقا بان لا يتعلّموا مسائل دينهم أصلا حتى لا يكون عليهم تكليف إلاّ تكليف واحد ، وهو تكليف البحث إذا علم وجوبه ، إذ الغالب في المكلفين عدم خروجهم عن عهدة التكاليف ، وبحسب العادة يأثمون كثيرا ، والناجون من الرجال قليلون ، ومن النساء أقل وأقل.

على أنّه لو تمّ ما ذكره لزم أن لا يكون الكفار مكلفين بالفروع على ما ذهب إليه بعض العامة (١) ، وشنّع عليه باقي العامة وجميع الخاصّة ، والخاصّة مطبقون على تكليفهم بها.

وأيضا ليس حال هذا المكلف إلاّ حال عبد أعطاه سيده طومارا ملفوفا وقال : أمرتك فيه بأوامر لو تركتها أو تركت واحدا منها لعاقبتك ، وكذلك نهيتك عن أمور. ولا يفتح العبد الطومار ولا يعتني بشأنه أصلا ، استنادا إلى أنّي جاهل بما في الطومار ، وتكليف الجاهل قبيح ، بل وإنّه‌

__________________

(١) بدائع الصنائع ٢ : ٥ و ٦٩.

٢٤٠