الحاشية على مدارك الأحكام - ج ٢

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

الحاشية على مدارك الأحكام - ج ٢

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-170-2
ISBN الدورة:
964-319-168-0

الصفحات: ٤٣١

المعارض بالإجماع.

وهذا وإن كان مرجّحا آخر مورثا وهنا آخر في طرف المعارض ، لأنّ العامّ المخصّص ليس مثل العامّ الغير المخصّص إلاّ أنّه أيّده وتمّم مرجّحيته بالاعتبار ، وأيضا (١) الفقهاء ـ رضي الله عنهم ـ يجعلون الاعتبار من المؤيّدات ( لأنّه يحصل منه ظنّ ما ، كما لا يخفى على من تتّبع كلامهم ، حيث يقولون : مؤيّده الاعتبار ، فتأمّل ، إلاّ أنّه لا يجوز أن يجعله دليلا على الحكم ، لا أنّه لا يجوز أن يجعل من المؤيّدات ، كيف؟! والمؤيّدات ) (٢) والمرجّحات لا يجب أن تكون ممّا هو حجّة شرعية بنفسه ، بل ليس كذلك قطعا ، إذ غالبها ممّا لا يصحّ أن يجعل بنفسه دليلا ، ولا يجوز ذلك بالنسبة إليه ، كما لا يجوز بالنسبة إلى القياس ، فإذا كانوا يجعلون الاعتبار من المؤيّدات ، فكيف لا يتأتّى للعلاّمة أن يجعله من مؤيّدات المرجحّات ومتمّمات المؤيّدات؟! سيّما بالنسبة إلى راجح برجحان آخر معتدّ به عندهم ، فتأمّل جدّا.

قوله : ويمكن ترجيح الثاني. ( ٢ : ٢٦١ ).

قد مرّت الإشارة إلى ما به يرجّح الأوّل ، ويؤيّده أنّ عبد الله بن سنان من أعاظم ثقات الأجلّة ، ولا غبار فيه أصلا ، بخلاف أبي بصير ، فإنّه لا يخلو عن غبار ما ، وأنّ رواية ابن سنان متأيّدة بأخبار أخر ، مثل : ( ما روى عنهم عليهم‌السلام في كتاب المطاعم والمشارب : أنّ « ذرق الخطّاف طاهر ، لأنّه يحلّ أكله » (٣) و) (٤) ما في الكافي بسنده ـ كالصحيح ـ عن زرارة أنّهما قالا :

__________________

(١) ليس في « ب » « ج » « د ».

(٢) ما بين القوسين ساقط من « ج » « د ».

(٣) الوسائل ٢٣ : ٣٩٣ أبواب الصيد ب ٣٩ ح ٥.

(٤) ما بين القوسين ليس في « ب » « ج » « د ».

١٦١

« لا تغسل ثوبك من بول شي‌ء يؤكل لحمه » (١).

وفي الموثّق عن عمّار ، عن الصادق عليه‌السلام قال : « كلّ ما أكل لحمه فلا بأس بما يخرج منه » (٢).

وفي القوي عن زرارة عن أحدهما عليه‌السلام في أبوال الدواب تصيب الثوب ، فكرهه. فقلت : أليس لحومها حلالا؟ قال : « بلى ولكن ليس ممّا جعله الله للأكل » (٣) إلى غير ذلك.

وسيجي‌ء في كتاب الصلاة الموثّق كالصحيح بابن بكير : أنّ كلّ شي‌ء حرام أكله فالصلاة في كلّ شي‌ء منه حرام ، حتى في بوله وروثه (٤) ، ومضمونه إجماعي ، كما سيجي‌ء (٥) ، فإذا كان الصلاة في بوله وروثه حراما باطلا فكيف يقول هنا : لا بأس أصلا؟! مع أنّ العمدة في أمثال المقام هي الصلاة وجوازها فيه ، بل الأمر بالغسل وعدم المنع عن الغسل يرجعان إلى الصلاة بلا تأمّل ، كما عرفت الوجه.

بل بملاحظة هذه الرواية الموثّقة وما وافقها ( من الأخبار الكثيرة الصحيحة والمعتبرة ) (٦) وطريقة الشيعة في العمل ، وكونه شعارهم ، وكون العمل بما خالفها شعار العامة ـ مضافا إلى ما ذكره الشيخ في بول الخشّاف ـ

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٧ / ١ ، الوسائل ٣ : ٤٠٧ أبواب النجاسات ب ٩ ح ٤.

(٢) التهذيب ١ : ٢٦٦ / ٧٨١ ، الوسائل ٣ : ٤٠٩ أبواب النجاسات ب ٩ ح ١٢.

(٣) الكافي ٣ : ٥٧ / ٤ ، التهذيب ١ : ٢٦٤ / ٧٧٢ ، الوسائل ٣ : ٤٠٨ أبواب النجاسات ب ٩ ح ٧.

(٤) الكافي ٣ : ٣٩٧ / ١ ، التهذيب ٢ : ٢٠٩ / ٨١٨ ، الوسائل ٤ : ٣٤٥ أبواب لباس المصلّي ب ٢ ح ١.

(٥) يأتي في ص ٣٤٥.

(٦) ما بين القوسين ليس في « ب » « ج » « د ».

١٦٢

يترجّح كون رواية أبي بصير موافقة للتقية ، لو كان عمومها باقيا على حاله.

وممّا يرجّح أيضا أنّ رواية ابن سنان أعلى سندا ، وتكرّر الطريق إليه.

وسيجي‌ء في ذرق الدجاج الإجماع على نجاسة ذرق الجلاّل منه ، معلّلا بأنّه غير مأكول اللحم (١) ، والشيخ حمل رواية فارس عليه (٢) ، فتأمّل.

قوله : والمدّعى أعمّ من ذلك. ( ٢ : ٢٦٢ ).

لا يخفى أن المدّعى يتمّ بضميمة عدم القول بالفصل.

قوله : وقد ظهر من ذلك. ( ٢ : ٢٦٢ ).

لا يخفى ما في دعوى القطع في أمثال هذه الأحكام ، سيّما مع ما عرفت.

قوله : إنّ فرض وقوعه. ( ٢ : ٢٦٢ ).

الرواية التي هي المستند صريحة في الوقوع ، فلا وجه للتأمّل فيه والاستناد إليها ، فتأمّل.

قوله (٣) : وهذه الرواية أوضح سندا. ( ٢ : ٢٦٢ ).

فيه تأمّل.

قوله : بالشذوذ والحمل على التقية. ( ٢ : ٢٦٢ ).

لا يخفى أنّ المرجّحات من قبيل العدالة والأعدلية ، والشهرة والأشهرية ، والشذوذ ، والتقية التي نعتبرها غالبا إنّما هي ظنيّة حاصلة لنا من أقوال الشيخ وأمثاله من المقاربين للعهد والمطّلعين الخبيرين ، فلا وجه للحكم بالإشكال.

__________________

(١) المدارك ٢ : ٢٦٥.

(٢) الاستبصار ١ : ١٧٨.

(٣) هذه الحاشية ليست في « أ » « و».

١٦٣

مع أنّه لم يظهر مانع ومخالف لما ذكره الشيخ أصلا ، ويؤيّده ادعاء العلاّمة الإجماع (١) ، وكون الراوي من العامة.

ومن جملة مرجّحات رواية داود أنّها وإن كانت ضعيفة إلاّ أنّها منجبرة بفتاوى الأصحاب ، لو لم نقل بحجّية الإجماع المنقول ( أو تحقّقه ) (٢) وهذه الرواية ضعيفة لا جابر لها ، بل ومضعّفاتها كثيرة ، كما عرفت ، ومن جملة مضعّفاتها ما ذكرنا في ترجيح رواية ابن سنان على رواية أبي بصير.

قوله : خصوص حسنة الحلبي. ( ٢ : ٢٦٣ ).

لا يخفى أنّ الشارح ذكر في صدر المسألة أنّ النجاسة إنّما استفيدت من أمر الشارع بالغسل (٣) ، فكيف يستدلّ بهذه الحسنة على النجاسة؟! مع أنّ مقتضاها أنّه لا يغسل بل يصبّ عليه الماء ، مع أنّه في كثير من الموارد ورد الأمر بالرشّ والصبّ ، مثل الكلب إذا لاقى يابسا ، وغيره ، كما سيجي‌ء (٤). مع أنّه رحمه‌الله لا يعمل بالإجماع المنقول بخبر الواحد ، سيّما مثل هذا الإجماع ، ولذا لم يقل : بالإجماع قاله فلان ، بل قال : المشهور أنّه نجس.

وأمّا العمومات فوجود عمومات تدلّ على نجاسة البول من غير تحقّق غسل فيه ، واعتباره له بأن ليس الغسل مذكورا فيها محلّ تأمل واضح ، فلاحظ العمومات وتأمّل.

__________________

(١) المختلف ١ : ٢٩٩.

(٢) ما بين القوسين ليس في « ا ».

(٣) المدارك ٢ : ٢٥٩.

(٤) انظر المدارك ٢ : ٣٤١ ـ ٣٤٣.

١٦٤

وسيجي‌ء في مسألة غسل المربية للصبي أنّها تغسل ثوبها كلّ يوم مرّة (١) ما يمكن أن يستدلّ به ، مضافا إلى الإجماع ، فتأمّل.

وفي كشف الغمة ، عن زينب بنت جحش قالت : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نائما فجاء الحسين عليه‌السلام ـ إلى أن قالت ـ فاستيقظ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يبول ، فقال : « دعي ابني حتى يفرغ من بوله » ، ثمّ دعا بماء فصبّ عليه ، ثم قال : « يجزي الصبّ على بول الغلام ويغسل بول الجارية » (٢) وسنذكر في بحث غسل النجاسات واستثناء بول الرضيع ما ينبغي أن يلاحظ.

قوله : ومن أنّ ما لا نفس له. ( ٢ : ٢٦٣ ).

كون هذا منشأ للتردّد محلّ نظر ظاهر ، بل الأظهر أنّ منشأ التردّد شمول عموم الأمر الذي ذكره ، بأنّ الحجّة وما يجب اعتباره هو أصالة حمل اللفظ ـ أي لفظ العامّ ـ على معناه الحقيقي ، وإن كان بعض أفراده من النادر بحيث لا ينصرف الذهن إليه عند الاستعمال والإطلاق ، أو الحجّة وما هو معتبر هي الأفراد التي ينصرف الذهن إليها وتكون متعارفة ، أو أنّه بعد اعتبار الثاني لا يدرى أنّه غير المأكول من جملة المتعارف المذكور أم لا؟

ويمكن أن يكون مراده أنّ من الاستقراء يظهر أنّ ما هو طاهر الميتة والدم يكون فضلاته طاهرة ، وهذا الظنّ يعارض ظنّ العموم والشمول ، بحيث يحصل الشكّ في الإرادة والفهم ، فتأمّل.

قوله : قاله في المختلف ، لأنّه غير مأكول اللحم ( ٢ : ٢٦٥ ).

يظهر من هذا أنّ كلّ ما لا يؤكل لحمه ، بوله وروثه (٣) نجس عندهم‌

__________________

(١) المدارك ٢ : ٣٥٥.

(٢) كشف الغمة ٢ : ٥٧.

(٣) في « ب » و « ج » و « د » : ذرقة.

١٦٥

البتّة ، وهذا أيضا من مؤيّدات حسنة ابن سنان ومرجّحاتها على حسنة أبي بصير.

قوله : بل هما طاهران. ( ٢ : ٢٦٦ ).

مرّ الكلام في ذلك في مبحث الوضوء (١).

قوله : والأمر بالاستصباح. ( ٢ : ٢٦٨ ).

الأمر الذي أورده على العلاّمة رحمه‌الله وارد عليه من دون تفاوت وفرق ، فإنّ مراد العلاّمة من قوله : تحريم ما ليس بمحرّم ، التحريم الوارد في الأخبار ، فكيف لا يكون التحريم الوارد في الأخبار الشاملة لما ذكره من الروايات وغيرها دليلا على النجاسة ويكون ما ذكره دليلا؟! وقوله : غير صريح ، ظاهر في أنّها ظاهرة في النجاسة ، والظهور يكفي للحكم ، فيثبت مراد العلاّمة رحمه‌الله. غاية الأمر أنّ الشارح رحمه‌الله ادعى الظهور من غير تعرض لقوله : تحريم ما ليس بمحرّم ولا فيه ضرر ظاهر في ذلك. ولا شكّ في أنّه لا بدّ من اعتبار ذلك ، إذ الزيت لو كان حراما لما دلّ النهي عن أكله على النجاسة ، وكذا لو كان فيه ضرر كالسمّ ، بأن صبّ فيه سمّ. ولذا لو كان في الحديث موضع الفأرة الحيّة أو غيرها ممّا فيه سمّ لما دلّ الحديث على النجاسة أصلا ، لا ظاهرا ولا نصّا ، كما أنّه لو كان موضع الزيت السمّ أو لبن الخنزير أو غيرها من المحرّمات لما دلّ على النجاسة أصلا ، فتأمل.

نعم ربما كان الظاهر من كلام العلاّمة أنّ ما ذكره مختصّ بالحيوان المأكول اللحم ونفس ميتته لا أعمّ منه ومن غير المأكول اللحم وممّا لاقاه ،

__________________

(١) راجع ج ١ : ٢١٠ ـ ٢١١.

١٦٦

ولعلّ بناء كلامه على التعميم أولى ، فتأمّل.

قوله : لكنّه غير صريح في النجاسة. ( ٢ : ٢٦٨ ).

وإن لم تكن صريحة لكنّها ظاهرة ، سيّما مع ملاحظة اختصاص المنع بالمائع دون الجامد ، وظهور الاستفصال فيها. وكذا تدلّ الأخبار الواردة في المنع عن استعمال الماء الذي وقعت فيه ، وخصوصا إذا أنتنت وتغيّر الماء بسببه ، وسيّما بعد ملاحظة الإجماع والأخبار الدالة على أنّ الماء إذا تغيّر بالنجاسة أحد أوصافه الثلاثة ينجس ، مع أنّ نجاسة الأشياء كثيرها لم يثبت إلاّ من الأمر بالغسل أو التنزّه.

قوله : لا يتعيّن كونه للنجاسة. ( ٢ : ٢٦٨ ).

لا يخفى أنّ الظاهر أنّه للنجاسة ، إذ لا يفهم من مجرّد الغسل إزالة الأجزاء العالقة.

مع أنّه لو علم تعلّقها به فزوالها من مجرّد الغسل لعلّه غير ممكن ، لأنّها لو انقلعت من الجلد بقلع الأشياء لانقلعت متصلة بها منضمّة معها ، وإن لم تتعلق فلا علوق.

مع أنّ منها ما لا علوق له بالجلد أصلا.

مع أنّ طريقة الإزالة غير منحصرة بالغسل ، بل غيرها أولى بها منه.

مع أنّ المناسب على ما ذكرت أن يقول عليه‌السلام : لا تأخذها بالقلع والنتف ، بل خذها بالجزّ ومثله.

مع أنّ بنتف مثل الصوف لا يتحقّق العلم بالعلوق ، بل ولا الظنّ ، فإيجاب الغسل بمجرّد الاحتمال فيه ما لا يخفى ، وكذا حمل إيجابه على صورة تحقّق العلم أو الظنّ لا مطلقا ، أو حمله على الاستحباب. وأمّا قلع مثل القرن فغير خفي أنّ الغسل لا يزيل ما تعلّق به بسبب القلع قطعا ، مع‌

١٦٧

أنّ تقييد المفهوم بخصوص عدم جواز الصلاة ربما لا يخلو عن خروج عن الظاهر.

مع أنّ هذه الشهرة العظيمة بين الأصحاب في نجاستها ـ بل الظاهر أنّه إجماعيّ ، وقد ادعى الإجماع الشيخ ، والمصنّف ، والعلاّمة ، وابن زهرة ، والشهيد (١) ـ ممّا يرجّح حمل الروايات على النجاسة وإرادتها ، بل الظاهر أنّ المشايخ المتقدّمين على الشيخ ما كانوا يفهمون منها إلاّ النجاسة.

وممّا يرشد اتّفاق الأصحاب سوى ابن الجنيد على عدم مطهّرية الدباغ ، وقول ابن الجنيد بالمطهرية (٢) ، فتدبّر.

قوله : بل يحتمل أن يكون لإزالة. ( ٢ : ٢٦٨ ).

لا يخفى أنّ بمجرّد احتمال العلوق لا يحكم الشرع بالغسل مطلقا.

قوله : كما يشعر به. ( ٢ : ٢٦٨ ).

لا إشعار فيه أصلا إن لم نقل بالاشعار على خلافه ، كما هو الطريقة في معرفة النجاسات بمجرّد الغسل.

قوله (٣) : فلم أقف فيها على نصّ. ( ٢ : ٢٦٨ ).

فيه ـ مضافا إلى ما عرفت من النصّ ، بل النصوص الكثيرة ـ أنّ مرسلة الصدوق دلالتها على الطهارة من جهة صحة الاستعمالات والانتفاعات المذكورة ، [ و ] (٤) الأخبار الصحيحة مانعة عن الانتفاع به مطلقا ، كما اعترف ، فكيف يجوز له التمسّك بهذه المرسلة؟! بل يمكن أن‌

__________________

(١) الخلاف ١ : ٦٠ ، المعتبر ١ : ٤٢٠ ، نهاية الإحكام ١ : ٢٦٩ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥١ ، الذكرى : ١٣.

(٢) حكاه عنه في المختلف ١ : ٣٤٢.

(٣) هذه الحاشية ليست في « أ » و « و».

(٤) في النسخ : في ، والظاهر ما أثبتناه.

١٦٨

يكون مراد الصدوق جلود ما لا نفس له ، لما ذكر ، ولما دلّ على نجاسة ما له نفس.

قوله : روى في أوائل كتابه. ( ٢ : ٢٦٨ ).

يعارضها ما دلّ على عدم الانتفاع من الميتة بوجه من الوجوه ، وما يظهر منه نجاسة أجزاء الميتة التي تحلّ فيها الحياة ، مثل رواية الحلبي الآتية ، وغيرها ، وكذا الإجماعات التي أشرنا إليها ، وغيرها ممّا ذكرنا ، فكيف تقاوم جميع ما ذكر؟! وإن صحّ سندها ، مع أنّها غير صحيحة.

والشارح رحمه‌الله لم يعتبر ما ذكره الصدوق لصحّة روايته في مقام ، بل يشترط العدالة ، بل صرّح بأنّ الخبر الذي ليس بصحيح لا يكون حجّة وإن انجبر بعمل الأصحاب وفتاواهم ، بل قال : اتفاق الأصحاب إن بلغ حدّ الإجماع فهو حجّة برأسه ، وإلاّ فلا فائدة فيه (١) ، فكيف يمكنه الحكم بالحجّية بمجرّد تصحيح واحد من الفقهاء؟! وليس إلاّ واحدا من الألف ، والألف لا ينفع فكيف الواحد ينفع؟! فتأمّل.

قوله : إنّما قصدت إلى إيراد ما افتي به واعتقد فيه أنّه حجّة. ( ٢ : ٢٦٩ ) (٢).

لا يخفى أنّه كثيرا يروي في الفقيه ما يعلم أنّه ليس فتواه ، أو يظنّ ، أو صرّح هو فيه ، فهو إمّا يرجع عمّا قال كما صرّح به جدّي (٣) ، أو أنّه قائل بشمولها وتوجيهها.

__________________

(١) انظر المدارك ١ : ٧٥.

(٢) هذه الحاشية ليست في « أ » و « و».

(٣) انظر روضة المتقين ١ : ١٧ ـ ١٩ ، ١٤ : ٣٥٠.

١٦٩

كما ذكر الكليني الأحاديث الظاهرة في الجبر وغيره ، ممّا هو كيف (١) والشيعة مبرّؤن عنه ، من دون إظهار توجيه وتأويل ، وأنّ الظاهر ليس معتقده ، بل وكثيرا ما يروي في فروع الفقه وغيرها أخبارا نجزم أنّه ليس قائلا بظواهرها ، من دون تعرّض منه إلى توجيه ، وكذلك الحال بالنسبة إلى غير الكليني والصدوق ـ رحمهما الله.

ومن هذا روى في الفقيه مقدّما على المرسلة المذكورة مرسلة أخرى ظاهرها طهارة جلد الخنزير ، وعدم انفعال الماء القليل ، وعدم انفعال البئر بالملاقاة (٢) ، مع أنّ شيئا من ذلك ليس برأيه جزما ، فظهر أنّه كان قائلا بها بعنوان التأويل ، كما روى ما يظهر منه وجوب الأدعية والأذكار في التعقيب والأيّام وغيرها.

ويحتمل أن يكون مراده الجلود المدبوغة ، ( ويكون قائلا بالطهارة بالدباغة وأنّها في مقام العمل بالتقية ، ولا تأمّل في ظهورها في الجلود المدبوغة ) (٣) إذ لا يجعل ظرف اللبن والسمن ( غيرها ) (٤) على الدوام ، على ما يشير إليه قوله : « تجعل » الظاهر في الاستمرار التجديدي ، بل لا يبعد في أنّ هذه تكون مضمون صحيحة الحسين بن زرارة عن الصادق عليه‌السلام في جلد شاة ميتة يدبغ ويصبّ فيه اللبن والماء ، فأشرب منه وأتوضّأ؟ قال : « نعم » ، وقال : قال : « يدبغ فينتفع به ولا يصلّى فيه » الحديث (٥).

قوله : وإطلاق الروايتين. ( ٢ : ٢٧٠ ).

__________________

(١) كذا في النسخ ، ولعله تصحيف.

(٢) الفقيه ١ : ٩ / ١٤.

(٣) ما بين القوسين ليس في « ج » و « د ».

(٤) في النسخ : وغيرهما ، والظاهر ما أثبتناه.

(٥) التهذيب ٩ : ٧٨ / ٣٣٢ ، الوسائل ٢٤ : ١٨٦ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٣٤ ح ٧.

١٧٠

ليس كذلك ، إذ مقتضاهما وجوب غسل الشي‌ء الذي أصاب الثوب ، وإزالته عنه بالماء ، فتكونان ظاهرتين في الرطوبة وما يسري إلى الثوب ويتصل به ، ويدلّ على ذلك ( أيضا ) (١) ما في الرواية الأخرى : « إن كان غسّل فلا تغسل منه ما أصاب ثوبك ، وإن كان لم يغسّل فاغسل ما أصاب ثوبك منه » (٢) ، فتأمّل.

( ومنع دلالتهما على نجاسة الميت ـ كما صدر من صاحب المفاتيح (٣) ـ فاسد ، إذ لو كان طاهرا لم يجب إزالة رطوباته وغيرها عن الثوب ، واحتمال كون المانع عن الصلاة فيه والمقتضي لوجوب الغسل هو الموت فاسد ، لأنّ كلمة « ما » من أدوات العموم اللغوي ، ومع ذلك لم يقل أحد بوجوب الغسل من جهة الموت خاصّة ، بل كلّ من أوجب الغسل حكم بالنجاسة ، لعدم القائل بالفصل وغير خفي أنّ دلالة الأخبار بمعونة الإجماع عدّ لنا وفي بحث النجاسات ) (٤). ولا دلالة في شي‌ء من الأخبار على ما ذكره ، فربما كان الظاهر النجاسة والتأثير في حال الرطوبة لا اليبوسة أيضا ، فتأمّل.

قوله : إلاّ مع الرطوبة للأصل. ( ٢ : ٢٧٠ ).

وصحيحة علي بن جعفر السابقة ، وبعض الأخبار الأخر منها الصحيح : وقع ثوبه على كلب ميّت ، قال : « ينضحه ويصلّي فيه ، ولا بأس » (٥).

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « ج » و « د » وبدله في « أ » و « و» : بالضرورة.

(٢) الكافي ٣ : ٦١ / ٥ ، التهذيب ١ : ٢٧٦ / ٨١١ ، الوسائل ٣ : ٤٦١ أبواب النجاسات ب ٣٤ ح ١.

(٣) المفاتيح ١ : ٦٦.

(٤) ما بين القوسين ليس في « أ » و « و».

(٥) الفقيه ١ : ٤٣ / ١٦٩ ، التهذيب ١ : ٢٧٧ / ٨١٥ ، مسائل علي بن جعفر : ١١٧ / ٥٢ ، الوسائل ٣ : ٤٤٢ أبواب النجاسات ب ٢٦ ح ٧.

١٧١

قوله (١) : ومقتضى كلامه أنّ ما لاقى. ( ٢ : ٢٧١ ).

وفيه : أنّ صدر العبارة وإن أوهم ذلك ، إلاّ أنّ تعليله كالصريح في نجاسة الملاقي ، وأنّه إذا لاقى المائع لجسده ، نجس كما لا يخفى.

قوله : وإنّما يتعلّق به الحكم المذكور. ( ٢ : ٢٧١ ).

في الاحتجاج عن مولانا القائم عليه‌السلام : « إذا مسّ الميت بحرارته لم يكن عليه إلاّ غسل يده » (٢).

قوله : وضعفه ظاهر. ( ٢ : ٢٧٢ ).

لعلّ نظر العلاّمة إلى العلّة المنصوصة في صحيحة الحلبي الآتية ، فإنّ الظاهر منها أنّ النجاسة من جهة ذهاب الروح وتحقّق الموت ، فلا حظ وتأمّل. ( بل ما رواه الفضل بن شاذان في علله عن الرضا عليه‌السلام (٣) صريح في ذلك ، فلاحظ ) (٤).

ويؤيّده أيضا ما ذكره في المسألة السابقة من : أنّ نجاسة الميّت إنّما هي بعد برده ، لعدم تحقّق انتقال الروح منه بالكلّية ، فتأمّل.

ويعضده أيضا الأخبار الآتية عند قول المصنف : ويجب الغسل على من مسّ ميّتا ، فتأمّل.

قوله : ما يستفاد من الأخبار. ( ٢ : ٢٧٢ ).

لو تمّ ما ذكره يلزم طهارة الميت الثابت نجاسته بمجرّد تفريقه وتقطيعه ، بل وبقدّه نصفين ، بل وبانفصال جزء منه بحيث لا يصدق على ما‌

__________________

(١) هذه الحاشية ليست في « أ » و « و».

(٢) الاحتجاج : ٤٨٢ ، الوسائل ٣ : ٢٩٦ أبواب غسل الميت ب ٣ ح ٥.

(٣) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ١١٤ / ١ ، الوسائل ٢ : ٤٧٨ أبواب غسل الميت ب ١ ح ٤.

(٤) ما بين القوسين ليس في « ا » « ج » « د ».

١٧٢

بقي جسد الميّت ، بل ومطلقا أيضا ، لأنّ المتبادر من جسد الميت على الإطلاق هو التّام الكامل ، فيلزم ممّا ذكره كون التقطيع من جملة المطهّرات. مع أنّ ميتة مأكول اللحم إذا صارت طاهرة بمجرّد التقطيع يمكن الحكم بحلّية الأكل أيضا ، لأنّ الأصل في الأشياء الإباحة ، والمانع كان نجاسة الميتة وقد ارتفع ، فتأمّل.

على أنّه سيذكر في نجاسة الكلب والخنزير : أنّ الكلّ إذا كان نجسا يلزم أن يكون جميع الأجزاء نجسا أيضا حتى الشعر وأمثاله (١) ، فكيف يتأمّل هنا؟! ( مع أنّ الأدلّة التي استدلّ بها على النجاسة ليس فيها كون النجاسة متعلّقة بجسد الميت من حيث هو جسد الميّت ، كما لا يخفى ، بل ) (٢) صحيحة حريز في غاية الوضوح في نجاسة الأجزاء التي يكون فيها روح ، وكذا ما أشرنا إليه من الأخبار ، فتأمّل.

قوله : وترك الاستفصال. ( ٢ : ٢٧٢ ).

لا يخلو عن ظهور في ما ذكره ، لأنّه عليه‌السلام استفصل في خوف خروج الدم ، فيظهر أنّه عليه‌السلام في مقام إتمام المسألة للعمل ودفع المفسدات الشرعية ، ورطوبة اليد ويبوستها في درجة خوف الدم لو لم يكن أقرب ، فتأمّل.

قوله (٣) : ويدلّ عليه صحيحة حريز. ( ٢ : ٢٧٢ ).

ويدلّ على ذلك رواية فضل بن شاذان أيضا في علله عن الرضا عليه‌السلام (٤).

__________________

(١) المدارك ٢ : ٢٧٥ ـ ٢٧٦.

(٢) ما بين القوسين ليس في « ب » و « ج » و « د ».

(٣) هذه الحاشية ليست في « أ ».

(٤) لم نعثر عليه فيه.

١٧٣

قوله : قال النجاشي : إنّه كان كذّابا. ( ٢ : ٢٧٤ ).

كذبه أنّه نقل للرشيد : أنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « لا سبق إلاّ في خفّ أو حافر أو ريش » (١) فقال الرشيد : أشهد أنّ قفاه قفا كذّاب على رسول الله (٢). فاشتهر بالكذب ، لكن لا يخفى أنّ الحديث بهذا المضمون ورد في كتبنا المعتبرة (٣) على وجه يظهر أنّ الإلحاق المذكور ليس كذبا ، بل في الحقيقة صحيح ، لكن لمّا لم يكن ذلك في أحاديث العامة نسبوه إلى الكذب واشتهر به ، مع أنّه قال بعض الماهرين : إنّ الحديث والحكاية كان من غياث بن إبراهيم (٤) ، وقيل : كان عن حفص بن غياث (٥) ، ولم يظهر بعد أنّه كان عن وهب ، وقد حقّق في الرجال.

على أنّ الحديث الضعيف يصير حجّة بانجباره من جوابر ، والجابر هنا قول ابن إدريس في السرائر : هذا اللبن نجس بغير خلاف عند المحصّلين ، لأنّه مائع في ميتة (٦). ووافقه على الحكم جماعة من أصحابنا منهم الفاضلان (٧) ، ويعضد هذا الجابر ما ورد في الأخبار المسلّمة من أنّ الفأرة إذا ماتت في السمن والزيت وغيره أنّه ينجس ويحرم أو يسرج به (٨) ،

__________________

(١) في « ب » زيادة : فألحق الريش.

(٢) انظر تفسير القرطبي ١ : ٧٩ ، ميزان الاعتدال ٣ : ٣٣٨ ، حياة الحيوان ١ : ٣٧٠ الشهيد في الدراية : ٥٦ ، باختلاف في المتن والمسند والمسند إليه.

(٣) لاحظ الفقيه ٣ : ٣٠ / ٨٨ ، والتهذيب ٦ : ٢٨٤ / ٧٨٥ ، الوسائل ٢٧ : ٤١٣ أبواب الشهادات ب ٥٤ ح ٢ ، ٣.

(٤) تاريخ بغداد ١٢ : ٣٢٤.

(٥) ملاذ الأخيار ١٠ : ١٧٤.

(٦) السرائر ٣ : ١١٢.

(٧) المحقق في شرائع الإسلام ٣ : ٢٢٣ ، والعلاّمة في نهاية الأحكام ١ : ٢٧٠.

(٨) الوسائل ٢٤ : ١٩٤ أبواب الأطعمة المحرّمة ب ٤٣.

١٧٤

واللبن في الضرع رقّته أزيد ومساورته أشدّ.

ويعضده أنّ كل نجس من نجاسات الشرع ينجس كل رطب ، وكل رطب من الأشياء ينجّسه كلّ نجاسة ، حتى هذا اللبن لو لاقاه نجاسة أيّ نجاسة تكون ينجس ، حتى أنّه لو خرج عن الضرع فلاقاه جسد هذه الميتة أو وقع فيه جلد من هذه الميتة أو لحم منه ينجس ، وورد منهم عليه‌السلام « أنّ كلّ حديث ورد إليكم فأعرضوه على سائر أحكامنا ، فإن كان يشبه تلك الأحكام فهو منّا ، وإلاّ فلا ( تعملوا به » أو « زخرف » أو غير ذلك من أمثال ما ذكر ، وليس ببالي ، وورد أيضا عنه « أعرضوه على السنّة ، فإن كان يشبه سائر الأحكام فهو منّا ، وإلاّ فلا » (١) ) (٢).

ويعضده أيضا أنّ كل متنجّس ينجّس كل شي‌ء ، فكيف النجس لا ينجّس؟! ويعضده أيضا أنّ هذه الميتة لو لاقت الماء ينجس ، إلاّ أن يكون قدر كرّ ، والماء أقوى من اللبن ، لوقوع الخلاف في انفعال الماء القليل ، والوفاق في عدم انفعال بعض منه ، وعدم انفعال الكثير.

على أنّا نحكم حكما قطعيا (٣) بأنّ الميتة ينجّس الأشياء الرطبة والمائعات من دون تأمّل ولا تزلزل ، وليس في هذا الحكم سبب وجهة سوى إجماع أو حديث.

فإمّا ( أن يقال : ) (٤) إنّ كل موضع موضع بخصوصه ورد فيه إجماع أو حديث دالاّن على انفعال ذلك الموضع بخصوصه وتنجسه من حيث‌

__________________

(١) الوسائل ٢٧ : ١٠٦ أبواب صفات القاضي ب ٩.

(٢) ما بين القوسين ليس في « د ».

(٣) في « ب » زيادة : باتّا.

(٤) ما بين القوسين ليس في « ا ».

١٧٥

الخصوص ، بحيث لا يمكن الحكم بنجاسة موضع آخر من جهة هذا الحديث وهذا الإجماع ، لاختصاص دلالة هذا الحديث وهذا الإجماع بهذا الموضع بخصوصه ، و (١) يكون الحكم بنجاسة موضع آخر من حديث آخر على حدة وإجماع آخر على حدة وهكذا الحال في كلّ موضع بخصوصه.

فلما لم نر في اللبن الخارج من ضرع الميتة إجماعا ولا حديثا يدلّ على نجاسته سوى الرواية الضعيفة ، نحكم بعدم ثبوت النجاسة فيه ، لأنّ الإجماع والحديث الوارد في موضع آخر لا يشمل هذا اللبن ، لاختصاص كل موضع بحديث خاصّ به أو إجماع خاصّ به لا يتعدّى إلى غيره.

وإن كان جميع المواضع بحيث لا يشذّ عنها موضع ورد في كل منها بخصوصه حديث مختصّ به أو إجماع كذلك لا يتعدّى إلى غير نفسه ، حتى أنّ هذا اللبن لو خرج من ضرع الميتة فلاقاه جسد الميتة من خارج ، أو بعض لحم ، أو شي‌ء ممّا تحلّ فيه الحياة ، يكون تنجس الميتة بإجماع مختصّ بكل واحد من الجسد أو بعض اللحم أو شي‌ء تحلّ فيه الحياة على حدة ، وهكذا حديث على حدة ، لكن لمّا لم يتحقّق إجماع بخصوصه ، ولا حديث كذلك في اللبن الخارج عن الضرع يحكم بالطهارة من جهة عدم دليل النجاسة ، مضافا إلى الصحيحتين المذكورتين.

لكن غير خفّي ، أنّ هذا فاسد قطعا ، والوجدان يكذّبه جزما ، لأنّا لا نرى إجماعا إجماعا في خصوص موضع موضع ، وكذلك حديثا حديثا ، بل كلّ موضع يحكم فيه بالنجاسة فإنّما هو بدليل مشترك بينه وبين الموضع الآخر الذي يحكم فيه بالنجاسة ، من دون تفاوت أصلا ولا خصوصية‌

__________________

(١) في « أ » و « ب » و « و» : أو.

١٧٦

مطلقا.

وهذا لا يكون إلاّ أن يكون مقتضى الدليل قضية كلّية وقاعدة عامّة شاملة لكل موضع موضع ، من دون تفاوت ولا خصوصية ، ولا كون القضية الثابتة مهملة ، لأنّها مرادفة للجزئية المجملة التي لا تنفع أصلا ، ولا تجري في موضع مطلقا ، ولا يمكن إثبات حكم موضع واحد فضلا عن جميع المواضع ، بل القضية الثابتة من الدليل الذي يكون مستند حكمنا ـ إجماعا يكون المستند أو الحديث ـ هي الكلّية التامّة العامّة الشاملة الجارية في كلّ موضع ، كما قلنا ، بحيث لو لم يرد في اللبن الخارج عن ضرع الميتة حديث أو أمر آخر لكنّا نحكم بنجاسته أيضا ، كما كنّا نحكم بنجاسة غيره من دون تفاوت أصلا ، وليس هذا الحكم إلاّ من دليل البتّة.

فهذا الدليل في الحقيقة معارض للصحيحتين الدالّتين على الطهارة ، ومعاضد لرواية وهب المعتضدة بما ذكرنا ، ففي مقام التعارض لا بدّ من ملاحظة قوّة كلّ واحد من المتعارضين ومقاومتهما ، فلاحظ تلك القوّة الحاصلة في ذهنك عند حكمك بنجاسة المواضع الأخر بأنّها بأيّة مرتبة تكون تلك القوّة لك؟ واطمئنانك بأيّ قدر يكون؟ ثم ضمّ إلى تلك القوّة الحاصلة الظنّ الحاصل كذلك من رواية وهب وما يعضدها ، واجعل المجموع معا معارضا للصحيحتين وما يعضدهما ، فتأمّل ، ولا تقنع ببادئ نظرك ، إذ ربما كنت في مقام الحكم بنجاسة سائر المواضع مطمئنّا غاية الاطمئنان ، فكيف إذا انضمّ إلى هذا الاطمئنان التامّ الظنّ الحاصل لك من ملاحظة رواية وهب وما يعضدها؟

فإذا كان فقيه في مقام حكمه بنجاسة سائر المواضع جازما يكون جزمه من اعتقاد حصل له بإجماع ، فكيف يمكنه العمل بمضمون‌

١٧٧

الصحيحتين؟ لأنّ الظنّ لا يعارض الجزم. وإذا لم يكن جازما بل يكون ظانا ، لكن ظنّه أقوى من الحاصل من الصحيحتين ، فيكون الظاهر عنده إجماع ظنّي بظنّ قوي ، فهو أيضا يشكل أن يعمل بالصحيحتين ويطرح ما هو أقوى منهما ، سيّما مع انضمام الأقوى برواية ابن وهب المعتضدة ، ومرادي من الصحيحتين الصحيحتان مع دعوى الشيخ في الخلاف الإجماع في جميع المراتب ، فإذا تساوى القوّتان أو ترجّح الثانية إذن يفتي بالحلّية ، لكن يحتاط ، سيّما في صورة التساوي ، فتأمّل.

قوله : لنا قول الصادق عليه‌السلام. ( ٢ : ٢٧٦ ).

الأولى الاستدلال بصحيحة ابن مسلم الآتية في بحث نجاسة الكلب والخنزير : أنّ الكلب إذا أصاب ثوب الرجل يغسل ذلك المكان الذي أصابه (١) ، بحملها على صورة الرطوبة ، لعدم غسل الملاقي بعنوان اليبوسة ، فليتأمّل.

وأمّا غير الصحيحة فلا دلالة له ، لدلالته على رطوبة الكلب والخنزير ، ولا كلام فيه.

وأمّا هذه الرواية فإنّه سيعترض بمنع دلالة لفظ النجاسة على هذا المعنى الشرعي (٢) ، فالرجس لا يدل بطريق أولى ، على تقدير كون الشعر داخلا في مسمّاه حقيقة ، فتأمّل. مع أنّه يختار هنا طهارة شعر الكافر مع أنّه قد ورد فيه ( إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ) (٣) وغير ذلك ، فتأمّل.

قوله : أمّا الكافر فلم أقف على نصّ. ( ٢ : ٢٧٦ ).

__________________

(١) انظر المدارك ٢ : ٢٨٥.

(٢) انظر المدارك ٢ : ٢٩١ ، ٢٩٤.

(٣) التوبة : ٢٨.

١٧٨

لا يخفى أنّه يصير قولا بالفصل ، وسيجي‌ء الكلام في ما دل على نجاسته (١) ، فربما ورد فيه نظير ما ورد في الكلب ، فتأمّل.

قوله : ويجب الغسل على من مسّ ميتا. ( ٢ : ٢٧٧ ).

أمّا كون وجوب هذا الغسل لنفسه أو لغيره فقد مرّ الكلام فيه في أوّل الكتاب (٢). ويدل على كون المسّ حدثا وهذا الغسل طهارة له (٣) (٤) عبارة الفقه الرضوي : وإنّ من صلّى قبل هذا الغسل عليه إعادة الصلاة بعد هذا الغسل (٥) ، وفي بحث أنّ كل غسل قبله وضوء إلاّ الغسل من الجنابة التصريح أيضا بأنّ من صلّى ونسي هذا الوضوء أنّ عليه إعادة تلك الصلاة بعد ما توضّأ (٦).

ويدلّ عليه أيضا : وفاق الأصحاب على الظاهر ، لأنّ منهم من صرّح (٧) ، والباقي يقسّمون الغسل إلى واجب ومندوب ، ثم يقولون : فالواجب من الغسل ما كان لأحد الأمور الثلاثة ـ أي الصلاة والطواف ومسّ كتابة القرآن ـ ثم يذكرون أمورا ، ثم في ذكر الواجب من الغسل يقسّمونه إلى ستّة ويذكرون هذا الغسل منها.

وغسل [ الميت ] (٨) يخرج من القرينة ، أو أنّه أيضا شرط للصلاة على‌

__________________

(١) يأتي في ص ١٩٩ ـ ٢٠٢.

(٢) راجع ج ١ : ٢٦.

(٣) في « ب » زيادة : صريح.

(٤) من هنا إلى قوله : على ذلك أيضا ، ليس في « ا ».

(٥) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٧٥ ، المستدرك ٢ : ٤٩٤ أبواب غسل المسّ ب ٨ ح ١.

(٦) فقه الرضا عليه‌السلام : ٨٢ ، المستدرك ١ : ٤٧٦ أبواب الجنابة ب ٢٦ ح ١.

(٧) انظر الذكرى : ٢٣.

(٨) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.

١٧٩

الميت ، فتأمّل جدّا.

وممّا يدل أيضا : أنّ صيغة الأمر في الأحداث والأخبار يتبادر [ منها ] (١) الوجوب للغير مثل الصلاة أو غيرها ، بلا تأمّل من أحد من الإشارة إلى وجهها ، وليس في جميع ما هو مسلّم عند الشارح ومن وافقه ( في المناقشة ) (٢) في المقام ما يدلّ على كون الوجوب لأجل الصلاة. وأمّا ما ورد في بعضه ممّا يدل عليه لا ينفع بالنسبة إلى ما لم يرد ، على تقدير صحة هذه المناقشة. ومع ذلك في المقام الذي ورد ربما لا يستجمع شرائط الحجّية عند مثل الشارح ، ومع ذلك لا يتوقّف فهم الوجوب على ملاحظته ، بل يتبادر كون الوجوب لمثل الصلاة لا لنفسه ، وإن لم يدر ورود ما يدل على ذلك ، مع أنّ ما يدل ظنّي والتبادر قطعي.

وممّا يدل على ذلك أيضا : ما ورد : من أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام اغتسل حين غسّل الرسول لجريان السنّة ، وإلاّ فالرسول طاهر مطهّر (٣) ، هذا مضمون الحديث ، وليس متنه ببالي.

وفي العلل ـ في باب غسل الميت والغسل من مسّه ـ بسنده عن الباقر عليه‌السلام : « علّة غسل الميت لأنّه جنب ، ولتلاقيه الملائكة وهو طاهر ، وكذلك الغاسل لتلاقيه المؤمنين » (٤) وفي حديث آخر : « الميت إذا خرج الروح عنه بقي أكثر آفته ، فلذلك يتطهّر له ويطهر » (٥).

__________________

(١) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.

(٢) بدل ما بين القوسين في « ب » : الثابتة. وفي « ج » و « د » : من الناس.

(٣) التهذيب ١ : ٤٦٩ / ١٥٤١ ، الوسائل ٣ : ٢٩١ أبواب غسل المسّ ب ١ ح ٧.

(٤) علل الشرائع : ٢٩٩ / ٢ ، الوسائل ٢ : ٤٨٨ أبواب غسل الميت ب ٣ ح ٦.

(٥) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٨٩ / ١ ، علل الشرائع : ٣٠٠ / ٣ ، الوسائل ٣ : ٢٩٢ أبواب غسل المسّ ب ١ ح ١٢.

١٨٠