الحاشية على مدارك الأحكام - ج ٢

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

الحاشية على مدارك الأحكام - ج ٢

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-170-2
ISBN الدورة:
964-319-168-0

الصفحات: ٤٣١

متعدد لما اقتصر بالواحد ، يظهر القطع بذلك لمن تتبع كلماتهم ، سيّما وأن يذكروا معرّفا باللام مع ضمير الفصل ، ويقولوا : الصعيد هو التراب ، فإنّ الحصر في غاية الظهور.

مع أنّ ما ذكره إثبات اللغة بالترجيح ، وهو فاسد ، لأنّه سماعي. بل ما ذكره ردّ على اللغوي لا بيان لكلامه ، كما لا يخفى.

مع أنّ استعماله في الأرض محلّ منع ، ولو سلّم فكون الاستعمال ظاهرا في الحقيقة وأصلا فيه ممنوع أيضا ، لأنّ الاستعمال أعم من الحقيقة ، وصرّح بعض المحقّقين بأنّ المجاز هو الأصل والظاهر ، لأنّ أكثر الاستعمالات مجاز ، وكذا اللغات أكثرها مجازات ، كما صرّح به ، وكون الأصل هو الحقيقة إنّما هو في موضع علم المعنى الحقيقي وشكّ في استعماله فيه ، وأمّا في ما نحن فيه فلا ، كما عرفت.

ولو سلّم كون الأصل فيه أيضا الحقيقة لا جرم يتحقّق الاشتراك ، لأنّ الاستعمال إنّما وقع في خصوص التراب لا الطبيعة الأرضية الكائنة فيه ، وحمل كلام اللغوي عليه فاسد ، إذ متى ذكروا للفظ معنى وأرادوا منه نصفه وبعضه؟

مع أنّ ما ذكره لو سلّم فإنّما هو في استعمالات أهل المحاورات ، بناء على أنّهم يستعملون مع القرينة ، فيمكن أن يكون مرادهم من اللفظ خصوص القدر المشترك ، ومن القرينة الخصوصية ، وأين هذا من قول أهل اللغة من أنّ لفظ كذا معناه كذا؟

ويمكن أن يقال من قبل الشارح : إنّ الإجماع واقع على جواز التيمم‌

١٠١

بغير التراب ، وورد منهم عليهم‌السلام أنّ ( الطهور إنّما هو الماء والصعيد ) (١).

وفيه : أنّ التيمم جائز بالغبار قطعا مع أنّه ليس من الصعيد عند الشارح ، فتأمّل.

على (٢) أنّا نقول : عمدة الأرض التراب ، بل أصلها التراب ، وغير التراب عرضتها حرارة إحالتها إلى الحجرية والرملية وأمثالهما ، ولذا يقال : أرض ذات أحجار ، وذات الحصاة وذات الرمل وأمثال ذلك ، ولا يقال : أرض ذات تراب ، أو أرض فيها تراب ، نعم يقال : ترابها خالص ، ويقال : أرض فيها أحجار وحصاة ورمل ، ومن هذا قوله تعالى ( أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً. وَالْجِبالَ أَوْتاداً ) (٣).

مع أنّ معظم الأرض التراب وغالبها ، والإطلاق ينصرف إلى الغالب. مع أنّ استعمال الكلّي في الفرد حقيقة متعارف شائع ، وبهذا يحصل الجمع بين أقوال اللغويين ، سيّما استعمال لفظ الأرض في خصوص التراب ، لأنّه حقيقة شائعة في الأخبار. نعم الجوهري وصاحب القاموس أظهرا المخالفة بينهما بحسب الواقع (٤) ، فتأمّل.

وممّا يؤيّد المطلوب أنّ المعادن مثل الزرنيخ والكحل ونحوهما إذا كانت في محالّها يطلق عليها اسم الأرض ، ولذا جوّز بعض العلماء التيمم بها حينئذ (٥) والمشهور نافون له متحاشون عنه ، كما سيجي‌ء ، وإذا أخذ‌

__________________

(١) في النسخ : التيمم إنّما هو بالماء والصعيد ، والصواب ما أثبتناه ، انظر التهذيب ١ : ١٨٨ / ٥٤٠ ، والاستبصار ١ : ١٤ / ٢٦ ، والوسائل ١ : ٢٠١ أبواب الماء المضاف ب ١ ح ١.

(٢) من هنا إلى آخر هذه الحاشية ليس في « أ » و « و».

(٣) النبإ : ٦ ، ٧.

(٤) انظر الصحاح ٢ : ٤٩٨ و ٣ : ١٠٦٤ ، والقاموس ١ : ٣١٨ و ٢ : ٣٣٥.

(٥) حكاه في المعتبر ١ : ٣٧٢ عن ابن أبي عقيل.

١٠٢

النورة والجصّ ـ بل والحجر أيضا ـ عن محالّها فغير معلوم إطلاق لفظ الأرض على القطعة المأخوذة المنفردة عرفا ، ومن هذا قال ابن إدريس بأنّ الجصّ والنورة معدنيان (١) ، فتأمّل.

وفي المختلف ـ بعد أن نقل من الشيخ في النهاية ، والمفيد ، وابن إدريس ، وسلاّر ، المنع من التيمم بالحجر مع وجود التراب ، ومن ابن الجنيد المنع منه مطلقا ـ قال : احتجّ المانع بأنّ المأمور به التيمم بالصعيد ، والصعيد هو التراب ، وإنّما سمّي صعيدا لتصاعدها على وجه الأرض ، فلا يجزي ما عداه. وأجاب بالمنع من عدم الحقيقة في التراب ، فإنّه تراب اكتسب رطوبة لزجة ، وعملت حرارة الشمس فيه حتى تحجّر ، فإذا كانت الحقيقة فيه دخل تحت الأرض ، ولأنّها لو لم تكن باقية لم يكن التيمم بها مجزيا عند فقد التراب ، كالمعدن ، والتالي باطل إجماعا فكذا المقدم (٢). انتهى.

ويظهر منه أنّ سلار ، وابن إدريس ، والشيخ في النهاية شركاء مع المفيد في كون الصعيد هو التراب ، وكذلك ابن الجنيد ، إلاّ أنّه لم يجوّز مطلقا ، والباقون جوّزوا مع فقد التراب ، للإجماع الذي ادعاه ، والعلاّمة أيضا مسلّم كون الصعيد هو التراب ، إلاّ أنّه ادعى عدم خروج الحجر من الحقيقة ، مثل ما ادعوا في الخزف ، كما سيجي‌ء ، وهذا دعوى آخر ، إلاّ أنّ الصعيد ليس لغة اسم التراب بل هو أعم ، ولذا قال في الجواب : إنّه لغة هو الأرض ، وما تمسك بقول لغوي في ذلك ، وهذا ينادي بأنّه لم يكن معتقدا بأنّه لغة اسم الأرض ، وأنّ لغويا قال كذلك.

__________________

(١) السرائر ١ : ١٣٧.

(٢) المختلف ١ : ٢٦٠ ، ٢٦١.

١٠٣

كما أنّ المحقق في مقام الجواب عن استدلال السيد بأنّه لغة هو التراب لم يذكر قول لغوي بأنّه الأرض مع غاية إصراره في الجواب عن دليل السيد ، وفي الصعيد اسما للأرض ، حتى أنّه تمسك بما تمسك في مقام الردّ على قول اللغوي وأثبت اللغة بالدليل ، ولا يخفى شناعته. ولعل رأيه رأي العلاّمة من كون الأرض هو التراب الخالص ، والمستحيل بما لا يخرج من الحقيقة.

وممّا ذكر [ ظهر ] (١) أنّ الأكثر يقولون بكون الصعيد اسما للتراب ، وليس كما ذكره الشارح ، فتأمّل.

قوله : فليمسح من الأرض. ( ٢ : ١٩٧ ).

ظاهر « من » هنا أنّه للتبعيض ، كما هو ظاهر الآية أيضا ، فظاهره العلوق والمسح به ، فظاهرها التراب ، لأنّ الحجر لا يمسح منه وغالب أجزاء الأرض هو التراب ، والغالب أنّ التيمم يكون به ، وليس في لفظ الأرض عموم ، بل هو مطلق ، والمطلق يرجع إلى العموم حيث لا يكون شائع ينصرف إليه ، فتأمّل.

مع أنّه يرجع إلى العموم إذا كان في مقام بيان حكم نفسه لا أنّه ذكر تقريبا لحكم آخر ، لأنّ البناء على العموم بسبب أن لا يخرج كلام الحكيم عن الفائدة ، وإذا ذكر تقريبا لحكم آخر ، فالفائدة حاصلة بني على العموم أم لا ، ولا حاجة لها فيه.

وبالجملة : أمثال هذه الأخبار لا يخلو عن الضعف في الدلالة لتطرّق هذه المناقشات فيها. مضافا إلى أنّ غير واحد منها ذكر فيها الأمر بنفض اليد‌

__________________

(١) أضفناه لاستقامة العبارة.

١٠٤

بعد الضرب على الأرض (١) ، وهذا ظاهر في أنّهم عليهم‌السلام وإن كانوا يذكرون لفظ الأرض إلاّ أنّهم يريدون منها جزءها الغالب الذي هو التراب.

وممّا يؤيّد : ما مرّ في الحاشية السابقة من ظهور اشتراط العلوق والمسح به من الآية والحديث ، وما مرّ فيها من ظهور كون الصعيد هو التراب ورجحانه ، وورد في الحديث أنّ الطهور إنّما هو الماء والصعيد (٢).

وممّا يؤيّد : أنّ الفقهاء ـ إلاّ من شذّ منهم ـ فهموا من الصعيد التراب ، ولذا حكموا بكون الحجر بعد العجز عن التراب ، وفي حالة الاضطرار ، بل وبعضهم أخّره عن الغبار وغيره (٣).

وممّا يؤيّد : ما سنذكر من الأخبار الدالة على أنّ التيمم يكون بالتراب ، فلاحظ وتأمّل.

وبالجملة : لا شك في أنّ التراب أرض ومعظم الأرض ، فإطلاق لفظ الأرض عليه من قبيل إطلاق لفظ الكلي على الفرد ، مع أنّ ما نحن فيه معظم الأفراد ، وإطلاق الكلي على الفرد شائع ، بل وحقيقة (٤) ، غاية الأمر أن يكون خلاف الظاهر بالقياس إلى إطلاقه على نفس القدر المشترك ، لا أنّه خلاف النص.

مع أنّك عرفت ما به يضعف هذا الظهور مطلقا أو ضعفا في الجملة ، فتأمّل.

على أنّه لعله لا تأمّل في صحة التيمم بالأرض من حيث هي هي في‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣٥٨ أبواب التيمّم ب ١١ ح ٧ وب ١٢ ح ٢.

(٢) راجع ص ١٠٢.

(٣) كالكاشاني في المفاتيح ١ : ٦١.

(٤) في « ا » زيادة : عرفا.

١٠٥

الجملة ، إنّما التأمّل في الصحة مطلقا واختيارا ، وسيجي‌ء ، فتأمّل.

قوله : احتج السيد. ( ٢ : ١٩٨ ).

ويدل على مذهبه أيضا أنّ العبادات وظيفة شرعية موقوفة على نصّ الشرع ، كنفس الأحكام الشرعية ، ولم تثبت صحة التيمم بغير التراب ، مثل الحجر وغيره ، أو (١) لم يثبت كونه تيمما ، لاختلاف الأدلة والأمارات ، ولو لم نقل برجحان أدلة السيد وأماراته.

ويدل عليه أيضا حسنة رفاعة عن الصادق عليه‌السلام : « إذا كانت الأرض مبتلّة ليس فيها تراب ولا ماء فانظر أجفّ موضع تجده فتيمم منه ، فإنّ ذلك توسيع من الله » إلى أن قال : « فإن كان لا يقدر إلاّ على الطين فلا بأس أن يتيمّم منه » (٢) ، فلو كان التيمم بالحجر مثل التراب من دون تفاوت لما قال : فإن لم تجد ترابا فانظر أجفّ موضع. مضافا إلى أنّ التيمم بالصخر والحجر لا مانع منه أن يكون مبتلاّ ، فإنّه حجر والضرب يقع عليه ، وفي قوله : « منه » في الموضع إشارة إلى العلوق والمسح به.

وقريب من الحسنة رواية علي بن مطر ، عن بعض أصحابنا ، عن الرضا عليه‌السلام ، عن الرجل لا يصيب الماء ولا التراب ، أيتيمم بالطين؟ قال : « نعم ، صعيد طيب ، وماء طهور » (٣) ( وفيه أيضا شهادة ما على كون الصعيد هو التراب ) (٤) ، ( والمستفاد من الأخبار وكلام الفقهاء أنّ التيمم بالطين بعد‌

__________________

(١) في « ا » : إذ.

(٢) التهذيب ١ : ١٨٩ / ٥٤٦ ، الاستبصار ١ : ١٥٦ / ٥٣٩ ، الوسائل ٣ : ٣٥٤ أبواب التيمّم ب ٩ ح ٤.

(٣) التهذيب ١ : ١٩٠ / ٥٤٧ ، الوسائل ٣ : ٣٥٤ أبواب التيمّم ب ٩ ح ٦.

(٤) ما بين القوسين ليس في « ب » و « ج » و « د ».

١٠٦

العجز عن التراب ) (١) أو الأرض ، ولم يقل عليه‌السلام هل عنده حجر أم لا؟ ، فإن كان فليتيمم به. ويؤيّده أيضا قوله عليه‌السلام في صحيحة جميل ، في إمام القوم الجنب يتيمم ويصلي بهم : « إنّ الله جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا » (٢) وأمثال هذه ممّا يتضمّن لفظ التراب ، مثل قوله عليه‌السلام : « التراب طهور المسلم » (٣) ، وقوله في حسنة معاوية بن ميسرة : الرجل في السفر لا يجد الماء ، ثم صلى ، ثم أتى الماء ـ إلى قوله ـ : « يمضي على صلاته ، فإنّ ربّ الماء ربّ التراب » (٤) ، وغير ذلك ، ومرّ في الحاشيتين السابقتين ما يصلح للاستناد والاستدلال على مذهب السيد.

وأقوى ما يمكن أن يقال من طرف المحقّق وموافقيه إنّ الوصف في هذه الأخبار خارج مخرج الغالب ، لكن هذا يوجب ضعف دلالة لفظ الأرض في أخبارهم على العموم ، كما لا يخفى.

وكيف كان ، الحكم بصحة التيمم بالحجر ومثله مع وجود التراب والتمكن منه لا يخلو عن إشكال ، بملاحظة ما ذكرنا في هذه الحواشي ، سيّما وأن يكتفى به في تحصيل البراءة عن شغل الذمّة اليقيني ، والخروج عن عهدة الأمر الجزمي القطعي.

وأمّا في صورة عدم التمكن من التراب أو عدم التمكن عن غير الحجر مثلا فيشكل ترك التيمم به بعد ما ظهر من بعض الأخبار من صحة التيمم بالأرض من حيث إنّها أرض ، وأنّ الصلاة لا تفوت إلاّ بفوت‌

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « ا ».

(٢) الفقيه ١ : ٦٠ / ٢٢٣ ، الوسائل ٣ : ٣٨٦ أبواب التيمم ب ٢٤ ح ٢.

(٣) انظر المعتبر ١ : ٣٧٣.

(٤) التهذيب ١ : ١٩٥ / ٥٦٤ ، الاستبصار ١ : ١٦٠ / ٥٥٤ ، الوسائل ٣ : ٣٧٠ أبواب التيمم ب ١٤ ح ١٣.

١٠٧

الأرض (١) ، للإشكال في شمول أدلة السيد لهذه الصورة ، بحيث يرتفع بسببها هذا الظنّ والظهور أصلا ورأسا ، ولعله لهذا اختار المفصّل التفصيل ، فتأمّل.

قوله : تمسك بدلالة الخطاب. ( ٢ : ١٩٨ ).

السيد رحمه‌الله لم يستدل بمفهوم الوصف ، فإنّه ليس حجة عنده ، بل استدل بأنّ الأرض لو كانت هي الطهور فالطهور صفتها وحالها وحكمها ، لا التراب ، والأرض مذكورة في العبارة بلفظها ومصرّح بها ، والطهور المذكور وصف هذه الأرض المذكورة وحالها ومن أحكامها ، فاللازم أن يسند إليها ، لا إلى التراب الذي ليس هذا الوصف المذكور وصفه وحكمه ، فلا بدّ من أن يكون ذكره لغوا محضا وفاسدا ظاهرا ، سيّما وهو مذكور في معرض التسهيل والتخفيف والتوسيع منه تعالى ، وإظهار منّته سبحانه على هذه الأمّة ، وشفقته على خاتم الرسل.

فلو كان غير التراب أيضا طهورا لكان التخصيص بذكر التراب غلطا مخلاّ بالمقصود مخرجا عن البلاغة ، لعدم جريان الكلام على مقتضى الحال ، بل وجريانه على ضدّ مقتضى الحال ، ولا يخفى أنّ آحاد الناس بل والأطفال منهم لا يفعل كذلك ، فضلا عن أفصح العرب وأعلمهم بالبلاغة وأشدّهم بمراعاتها.

والاحتمالات التي ذكرت في نفي حجّية المفهوم وجعلت مساوية لنفي الحكم فيه غير ملائمة للمقام ولا مقاومة لما ذكرنا بلا تأمّل ، فتأمّل. ويستدل الشارح والمحقّق وغيرهما ( من المحققين ) (٢) بمقام الامتنان بما‌

__________________

(١) انظر الوسائل ٣ : ٣٤٩ أبواب التيمّم ب ٧ و ٣٨٤ ب ٢٢.

(٢) ليس في « أ ».

١٠٨

هو أدنى ممّا في المقام بمراتب شتى ومسلّم ذلك عندهم ، فتأمّل.

قوله : إنّ الرواية موجودة. ( ٢ : ١٩٨ ).

الذي يظهر من كلام السيد الذي لا يعمل بأخبار الآحاد والظنون أنّ هذه الرواية على ما هو قطعي مذكور فيها لفظ التراب ، فلو وجد في الآحاد وبطريق مظلم بغير هذا اللفظ لا يضرّه ، سيّما مع ظهور أنّ السقط أولى وأقرب من الازدياد وأظهر جزما ، فتأمّل.

قوله (١) : على حجّة يعتد بها. ( ٢ : ٢٠٠ ).

قد أشرنا إلى ما يصلح لكونه حجّة لهم ، مضافا إلى ما ادعاه في المختلف من الإجماع (٢).

قوله (٣) : ويجوز التيمم بأرض النورة. ( ٢ : ٢٠١ ).

جواز التيمم بأرض النورة ، لا نفس النورة ، ولعل مراده : إذا كانت على الأرض يسمي أرضا ، وإلاّ فلا.

قوله : ومتى ثبت ذلك جاز التيمم بهما. ( ٢ : ٢٠١ ).

لا يخفى أنّ بناءه على أنّ صدق الأرض عليهما حقيقة بلا ريبة ولا شبهة ، فلا وجه للترديد ، كما أنّه لا وجه للترديد المذكور في الحجر ، لأنّ الشيخ في النهاية جمع بينهما وبين الحجر في الحكم ، كما نقل عنه سابقا (٤).

وقد أشرنا إلى وجه اختيار الأكثر هذا التفصيل ، لأنّ اختيار عملهم‌

__________________

(١) هذه الحاشية ليست في « ب » و « ج » و « د ».

(٢) المختلف ١ : ٢٦١.

(٣) هذه الحاشية ليست في « أ » و « و».

(٤) المدارك ٢ : ١٩٩.

١٠٩

بعينه هو نفس فتواهم ، وهذه طريقتهم ، ولا يخفى حسنها ، لأنّ الفتوى فائدتها العمل ، لا مثل طريقة الشارح ومن وافقه ، من أنّهم يناقشون في دليل الفقهاء مناقشات ثم يقولون : إلاّ أنّ العمل على ما ذكروه ، أو ما يقرب هذه العبارة ، مثل أن يقولوا : لا ريب في أنّ اختيار ما ذكروه أولى وأحوط ، وغير ذلك من أمثال هذه العبارات ، حتى أنّه وقع اصطلاح جديد : أنّ مقام الإفتاء غير مقام العمل.

ومنها ما ذكره الشارح هنا ، فإنّه بعد المناقشة الطويلة في أدلة السيد في أنّ التيمم بالتراب ، وتسقيم تلك الأدلة وتضعيفها ، قال : ولا ريب أنّ التيمم بالتراب الخالص أولى وأحوط. وغير خفي أنّه رحمه‌الله عمله مقصور على ما ذكره مهما أمكنه ، وكذا أمره لغيره مقصور في اختياره في العمل ذلك مهما أمكنه ، كما هو طريقة غيره من فقهائنا في أمثال هذه الأزمان ، وطريقتنا أيضا كذلك ( ولا شك في أنّه متى يمكننا التيمم بالتراب لا نعدل إلى التيمم بمثل الحجر في مقام العمل كما أنّ الشارح أيضا كان كذلك ) (١).

ثم إنّه لو تعذر التراب فلا شك أنّ الشارح كان يتيمم بالحجر وأمثاله في مقام العمل ، وكان يأمر غيره أيضا بذلك في ذلك المقام كما أن غيره من فقهائنا في هذه الأزمان أيضا كذلك ، ونحن أيضا كذلك ، وهذا التفصيل في العمل هو بعينه نفس فتوى المشهور من فقهائنا ، إلاّ من مثل ظاهر عبارة ابن الجنيد والشيخ في الخلاف والمبسوط.

مع أنّا قد أشرنا إلى وجه فتواهم أيضا بأنّه لا شك في أنّ الفتوى منوطة بالظنّ والوثوق والاعتماد فبعد التمكن من التراب والحجر لا شك‌

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « أ ».

١١٠

في أنّ شغل الذمّة بالصلاة يقيني كما أن بعد التمكن من التراب خاصة أيضا كذلك ، وبعد التمكن منهما لو اخترنا التراب فلا شك في حصول البراءة ، وأمّا لو اخترنا الحجر فلا يحصل العلم بل ولا الظنّ بحصول البراءة حينئذ ، لما عرفت من تعارض الأدلة والأمارات بحيث لا يمكن ترجيح يعتمد عليه ويستند إليه ، سيّما في مقام تحصيل البراءة عن شغل الذمّة اليقيني.

وأمّا بعد العجز عن التراب ووجود مثل الحجر فيحصل للمجتهد ـ بملاحظة بعض الأخبار المتضمّنة لكون التيمم بالأرض ـ الظنّ بوجوب التيمم بما يسمى أرضا ، أي شي‌ء كان ، وأنّه لا تفوت الصلاة إلاّ أن تفوت الأرض أصلا وبالمرة (١).

وبالجملة : دلالتها على كون التيمم بالأرض من حيث هي أرض ظاهرة في الجملة لا تأمّل فيها ، إلاّ أنّ عمومها وشمولها لجميع الأحوال والأوقات حتى مع وجود التراب ـ بحيث يقاوم ذلك العموم والشمول مقتضى ما دل على خصوص التراب وظهر منه ، بل ويغلب عليه إلى أن يحصل للمجتهد الظن والوثوق والاعتماد على تيمم الحجر أيضا ـ محلّ نظر ، يظهر وجهه من ملاحظة ما ذكرناه في الحواشي السابقة.

كما أنّ شمول ما دل على التراب لجميع الأحوال والأوقات ـ حتى حال فقد التراب ـ واقتضاءه ترك الصلاة وفوتها حينئذ بحيث يقاوم دلالة تلك الأخبار المقتضية لكون التيمم على الأرض من حيث هي أرض واجبا وصحيحا ، وأنّ الصلاة لا تفوت إلاّ بفوت جميع ما هو أرض ، وعدم وجدان أرض أصلا ورأسا أيضا محلّ تأمّل ، هذا.

__________________

(١) راجع ص ١٠٦.

١١١

مع أنّهم ادّعوا الإجماع على التيمم بمثل الحجر في الجملة ـ على ما أظنّ ـ كما أشرنا ، فلاحظ المختلف (١) ، ويظهر ذلك بملاحظة فتاواهم ، إذ المخالف هو ظاهر عبارة ابن الجنيد ، كما مرّ ، فتدبّر.

قوله (٢) : لخروجه بالطبخ عن اسم الأرض. ( ٢ : ٢٠٢ ).

ورد في التيمم لصلاة الجنازة الأمر بضرب اليد على حائط اللبن والتيمم به (٣) ، وظاهره المنع من الآجر مع كون غالب حيطان الكوفة بالآجر ، وغالب حيطان المدينة ومكة وأمثالهما بالأحجار ، فيظهر منه [ المنع ] (٤) عن التيمم بالحجر أيضا ، فتأمّل.

قوله : إلى أمر خارج عن العبادة. ( ٢ : ٢٠٣ ).

لا يخفى أنّه في التيمم ضرب على التراب ، ومسح على الوجه واليدين ، والضرب والمسح حركة وسكون ، وهما كونان ، ولا أقل من الحركة وهي كون قطعا ، مع أنّ المنهي ليس إلاّ التصرف في ملك الغير غصبا ، وهذه الحركة تصرف ، بل التيمم فعل وعمل في ملك الغير ، وهو هواؤه المملوك ، فتأمّل.

قوله : فلا بأس أن يتيمم. ( ٢ : ٢٠٤ ).

إن أمكن أن يطلي به شيئا ويجفف لا إلى حدّ يصير ترابا بل مثل التراب المبلّل فهو أيضا أولى وأحوط ، كما هو الظاهر من حسنة رفاعة ، وإن لم يمكن أو يكون عسرا وحرجا فيتيمم بالطين ، ولم يبين في الأخبار‌

__________________

(١) راجع ص ١٠٣.

(٢) هذه الحاشية ليست في « أ » و « و».

(٣) الكافي ٣ : ١٧٨ / ٥ ، الوسائل ٣ : ١١١ أبواب صلاة الجنازة ب ٢١ ح ٥.

(٤) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.

١١٢

كيفية التيمم به ، والظاهر من الاخبار أنّ كيفية التيمم به كيفية التيمم بالتراب.

وقيل : يضع يديه على الطين ، ثم يصبر حتى ييبس ثم يتيمم (١).

وهو خلاف ما يظهر من الأخبار ، فالعمل به مشكل ، سيّما مع تضمّنه عدم الموالاة ، والظاهر من الأخبار أنّ التيمم بالطين متأخر عن كل ما يمكن التيمم به مثل الغبار والحجر ، فربما يظهر منها عدم التيمم بالثلج ، فتأمّل.

قوله : في الحسن عن أبي عبد الله عليه‌السلام. ( ٢ : ٢٠٤ ).

وزرارة في الموثق عن الباقر عليه‌السلام (٢).

قوله : وما أصاب الخليط من اليد لم يماسّ التراب. ( ٢ : ٢٠٥ ).

هذا على تقدير أن لا يصعد من جهة الضرب تراب وغبار منه يحيط بجميع الكف ويلصق به ، أمّا مع الصعود والإحاطة فالحكم بالبطلان مشكل ، وإن كان الاحتياط عدم الاعتداد به.

مع أنّه يمكن المناقشة في الأوّل أيضا بأنّه تحقّق ضرب اليد على التراب عرفا في صورة يتحقّق ، ولعلها محلّ نظر العلاّمة رحمه‌الله أو الأوّل حيث قال : لا يمنع الحائل. ، فتأمّل.

وعلى أي تقدير ، الاحتياط مع الشارح رحمه‌الله ولا عدول عنه في مقام العمل والأمر به.

قوله : فإنّ الرمل أجزاء أرضيّة. ( ٢ : ٢٠٥ ).

ببالي أنّه ورد رواية تدل على أنّ الرمل ليس من جنس الأرض.

__________________

(١) الوسيلة : ٧١ ، التحرير : ٢٢.

(٢) التهذيب ١ : ١٨٩ / ٥٤٥ ، الوسائل ٣ : ٣٦٠ أبواب التيمّم ب ٩ ح ٢.

١١٣

قوله (١) : لا تخرج به عن الحقيقة الأرضية. ( ٢ : ٢٠٥ ).

في الكافي في الصحيح عن محمد بن الحسين أنّ بعض أصحابنا كتب إلى أبي الحسن الماضي يسأله عن الزجاج ، قال : فلمّا نفذ كتابي إليه تفكرت وقلت : هو ممّا أنبتت الأرض ، وما كان لي أن أسأل عنه ، قال : فكتب إليّ : « لا تصلّ على الزجاج وإن حدّثتك نفسك أنّه ممّا نبتت الأرض ، ولكنه من الملح والرمل وهما ممسوخان » (٢).

قوله : وخلاف بعض العامة. ( ٢ : ٢٠٥ ).

في غاية البعد ، بل لعله لما أشرنا إليه من وجود الرواية ( الصحيحة وكونه مسخا كالملح ) (٣).

قوله : ولرواية غياث بن إبراهيم. ( ٢ : ٢٠٦ ).

الظاهر منها الكراهة ، وأنّ الكراهة لأجل الاستطراق ، كما رواه هو بطريق آخر أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : « لا وضوء من موطإ ». أي ما تطأ عليه برجلك (٤) ، فظهر أنّه ليس من جهة كونه من المهابط.

قوله : والمستند فيه رواية أبي بصير. ( ٢ : ٢٠٦ ).

إنّها صحيحة عندي ، إلاّ أنّها قوية عند المشهور ، لاشتراك أبي بصير عندهم بين الثقة والموثق.

قوله : على أنّ تنفضه ( ٢ : ٢٠٦ ).

__________________

(١) هذه الحاشية ليست في « أ » و « و».

(٢) الكافي ٣ : ٣٣٢ / ١٤ ، التهذيب ٢ : ٣٠٤ / ١٢٣١ ، الوسائل ٥ : ٣٦٠ أبواب ما يسجد عليه ب ١٢ ح ١.

(٣) ما بين القوسين ليس في « أ » و « و».

(٤) الكافي ٣ : ٦٢ / ٥ ، التهذيب ١ : ١٨٦ / ٥٣٧ ، الوسائل ٣ : ٣٤٩ أبواب التيمّم ب ٦ ح ١.

١١٤

الظاهر منها وقوع النفض أوّلا ثم التيمم بما نفضه ، كما عليه بعض الأخيار مثل سلار وظاهر المفيد وغيرهما (١). وقال الشيخ : يتيمم بغبار ثوبه وغيره (٢) ، ولعله الأظهر بملاحظة مجموع الأخبار ، وإن كان الأحوط والأولى هو الأوّل إن أمكن. ثم المستفاد من الأخبار اشتراط وجود الغبار والإحساس به.

قوله : لأنّه لا يسمى صعيدا ( ٢ : ٢٠٧ ).

الحكم بعدم التسمية عرفا لعله محلّ إشكال ، لأنّهم يطلقون عليه لفظ التراب ويقولون : تراب الغبار ، إذا اجتمع الغبار ، وربما يظهر ذلك من ملاحظة أنّ الطين الذي هو من الصعيد ـ وورد أنّه صعيد طيب وماء طهور (٣) ـ مؤخر عنه بالنصوص والإجماع ، مع أنّهم عليهم‌السلام في الغبار أمروا بالتيمم منه ، وأمّا الطين فقالوا : لا بأس بالتيمم منه ، فيؤذن هذا بصعوبة ما في الطين من جهة الماء المخلوط به وإن كان هو من الصعيد ، والغبار لا تأمّل فيه أصلا ولا صعوبة فيه رأسا.

وورد أنّ التيمم إنّما هو من الماء والصعيد (٤) ، وورد : « جعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا » (٥) بالتقريب الذي مرّ (٦) ، وورد : « إنّ الله جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا » (٧) ، وورد أن الطهورين الماء‌

__________________

(١) المراسم : ٥٣ ، المقنعة : ٥٩ ، الهداية : ١٩.

(٢) انظر النهاية : ٤٩.

(٣) التهذيب ١ : ١٩٠ / ٥٤٩ ، الوسائل ٣ : ٣٥٤ أبواب التيمّم ب ٩ ح ٦.

(٤) راجع ص ١٠٢ و ١٠٦.

(٥) الفقيه ١ : ١٥٥ / ٧٢٤ ، الوسائل ٣ : ٣٥٠ أبواب التيمّم ب ٧ ح ٢.

(٦) راجع ص ١٠٧.

(٧) الفقيه ١ : ٦٠ / ٢٢٣ ، الوسائل ٣ : ٣٨٦ أبواب التيمّم ب ٢٤ ح ٢.

١١٥

والصعيد (١) ، وغير ذلك ، فتأمّل ، بل ربما لا يظهر من الأخبار تأخير الغبار عن التراب أصلا ، وفيه أيضا إشعار ، ويؤيّده أيضا التيمم للنوم ، مع عدم اشتراطه بفقد التراب ، فتأمّل.

لكن العمل على المشهور.

قوله : والثالثة بحال الثلج المانعة. ( ٢ : ٢٠٧ ).

فيه منع بملاحظة ذيل الرواية. مع أنّ الرواية الأولى لا ضعف فيها ، لأنّ أبا بصير مشترك بين ثقات ، كما حقّق في محلّه ، ومع ذلك منجبر بعمل الأصحاب على تقدير ضعفه. وفي الموثق كالصحيح عن زرارة عن الباقر عليه‌السلام : « إن أصابه الثلج فلينظر لبد سرجه فيتيمم من غباره أو من شي‌ء معه ، فإن كان في حال لا يجد إلاّ الطين فلا بأس أن يتيمم منه » (٢).

ثم إنّه ظهر من هذه الأخبار أنّه لا ترتيب في الأمور المغبرة التي يتيمم بغبارها ، خلافا لها ذكره الشيخ من الترتيب (٣) ، فتأمّل.

قوله : وظاهر المرتضى. ( ٢ : ٢٠٨ ).

ونقل عن سلار أيضا (٤) ، وأنّه احتج بصحيحة محمد بن مسلم عن الصادق عليه‌السلام : الرجل يجنب في السفر ، فلا يجد إلاّ الثلج أو ماء جامدا؟ قال : « بمنزلة الضرورة يتيمّم ، ولا أرى أن يعود إلى هذه الأرض التي توبق دينه » (٥) ولعل مستند غيره أيضا هذه الصحيحة ، لكن الدلالة غير واضحة ، إذ لعل المراد التيمم بالصعيد ، وأنّه لا يجد إلاّ الثلج والماء الجامد لا غير‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٩٧ / ٥٧١ ، الوسائل ٣ : ٣٧٠ أبواب التيمّم ب ١٤ ح ١٥.

(٢) راجع ص ١١٣.

(٣) النهاية : ٤٩.

(٤) المراسم : ٥٣.

(٥) المراسم : ٥٣.

١١٦

الجامد وإن وجد التراب ، كما هو الغالب ، فتأمّل.

قوله : أجمع الأصحاب على عدم جواز. ( ٢ : ٢٠٨ ).

الظاهر أنّه في صورة رجاء التيمم في الوقت وبعد دخوله ، أمّا لو علم يقينا أو ظنّ أنّه بعد دخول الوقت لا يمكن التيمم مطلقا ، أو لا يمكن التيمم إلاّ بالطين مثلا فالحكم بعدم الجواز مشكل ، لشمول كثير من الأدلة ، مثل كونه بمنزلة المائية ، ويكفيك الصعيد عشر سنين وغير ذلك ، ولأنّه واجد للطهور ومتمكن من أداء الصلاة وإيجادها في وقتها ، فيجب ، لعموم ما دل عليه ، وعدم سقوطها عن كل مكلف ولو بغير ستر العورة وغيره من الشرائط المماثلة له ، وبغير الحمد والسورة والركوع وغيرها من الأجزاء.

وبالجملة لا يسقط إلاّ أن يموت المكلف ، أو يخرج عن التكليف ، أو لا يتمكن منها أصلا ورأسا ، فتأمّل.

هذا ، مع عدم ظهور شمول إجماعهم لمثل ما نحن فيه ، لكونه من الفروض النادرة ، فلم يظهر دخوله تحت إطلاق كلام المجمعين. مضافا إلى عدم ثبوت هذا الإجماع ، لما مرّ عن الشهيد من نقل القول بوجوب الطهارات أجمع لأنفسها وجوبا موسّعا (١) ، غاية ما في الباب أن يكون إجماعا منقولا بخبر الواحد ، فعلى القول بحجّيته وأنّه لا يضرّ خروج الفقيه الغير المعروف لا شبهة في كونه ظنيّا ( فلا يقاوم ما ذكرناه من العموم ، لأنّه أقوى ، كما أشرنا ) (٢) ، مضافا إلى ضعف دلالته أيضا ، كما أشرنا.

ويعضد ما ذكرنا ما ورد من المنع عن السفر إلى بلد يحتاج فيه إلى التيمم للصلاة ، وعدّهم عليهم‌السلام ذلك هلاك الدين ، فكيف يجوّزون ترك‌

__________________

(١) مدارك الأحكام ١ : ١٠.

(٢) ما بين القوسين ليس في « ج ».

١١٧

التيمم أيضا مع التمكن والوجدان العقلي والعرفي ، فيترك الصلاة لأجله ، مع كونه من مقدمات الواجب المطلق لا المشروط ، وحاله حالها ، مع أنّ المقدمات ترتكب قبل دخول الوقت البتّة ، ولا مانع في غير الموضع ، مع التمكن منها في الوقت فكيف مع عدم التمكن ، مثل تحصيل الدلو والرشاء لاستقاء ماء الطهارة واشتراء أسباب السفر للحج وغير ذلك ، ومفهوم : « إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة » (١) يقتضي عدم الوجوب لا عدم الجواز ، وعدم الوجوب العقلي الذي هو في المقدّمات ، مع التأمّل في عموم المفهوم ، ثم شموله للفرد النادر ، ثم مقاومته لما أشرنا.

وممّا ذكرنا ظهر أنّ قبل الوقت لو تمكن من الوضوء والغسل تعين إتيانهما حينئذ لو علم أو ظنّ عدم التمكن منهما في الوقت ، فتأمّل.

قوله : وجمع من الأصحاب. ( ٢ : ٢٠٩ ).

منهم أبو الصلاح ، وسلار ، وابن حمزة ، وابن إدريس وظاهر المفيد (٢).

قوله : ونقل عليه السيد الإجماع. ( ٢ : ٢٠٩ ).

والشيخ أيضا ، كما سيذكر.

قوله (٣) : وقوّاه في المنتهى. ( ٢ : ٢٠٩ ).

والتحرير أيضا (٤).

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٢ / ٦٧ ، التهذيب ٢ : ١٤٠ / ٥٤٦ ، الوسائل ١ : ٣٧٢ أبواب الوضوء ب ٤ ح ١.

(٢) الكافي في الفقه : ١٣٦ ، المراسم : ٥٤ ، الوسيلة : ٧٠ ، السرائر ١ : ١٣٥ ، المقنعة : ٦١.

(٣) هذه الحاشية أثبتناها من « و».

(٤) تحرير الأحكام ١ : ٢٢.

١١٨

قوله : وقال ابن الجنيد. ( ٢ : ٢٠٩ ).

وظاهر الجعفي وظاهر البزنطي على ما نقل (١).

قوله : واختاره العلاّمة في أكثر كتبه. ( ٢ : ٢٠٩ ).

ويومئ إليه كلام ابن أبي عقيل ( على ما قيل ) (٢).

قوله (٣) : احتج الشيخ. ( ٢ : ٢٠٩ ).

في الفقه الرضوي : « وليس للمتيمم أن يتيمم إلاّ في آخر الوقت » (٤).

قوله : أمّا الإجماع فبالمنع منه. ( ٢ : ٢١٠ ).

فإنّ الخلاف وإن لم يضرّ الإجماع المعتبر عندنا ، لعدم كونه وفاق الكل ، إلاّ أنّه يضرّه من حيث إنّه يمنع من حصول العلم بقول المعصوم ، لأنّ العلم على فرض حصوله من مجرّد الاتفاق فإنّما يحصل من اتفاق جميع الفقهاء بحيث لا يشذّ عنهم أحد ، وأمّا مع اتفاق بعضهم فحصول العلم غير ممكن ، إلاّ بضميمة قرينة تفيد ضمّها العلم ، وهي في أمثال زماننا مفقودة إلاّ ما شذّ ، مثل العلم بحرمة القياس ونظائرها ، وما نحن فيه لا يوجد فيه قرينة ، بل القرائن على خلافه ، فإنّ كثيرا من الأخبار يظهر منها عدم وجوب التأخير إلى ذلك.

فإن قلت : الإجماع الذي هو حجّة لا ينحصر في القطعي ، لعموم ما دل على حجّية ظنّ المجتهد ، فيكفي كونه ظنيّا ، والعادل الضابط الماهر أخبر بالإجماع ، ومخالفة الغير غير مضرّ ، إذ لعله لم يحصل له العلم‌

__________________

(١) انظر الذكرى : ١٠٦.

(٢) لا يوجد في « أ » و « و». انظر الذكرى : ١٠٧.

(٣) هذه الحاشية ليست في « ج » و « د ».

(٤) فقه الرضا عليه‌السلام : ٨٩ ، المستدرك ٢ : ٥٤٧ أبواب التيمم ب ١٧ ح ١.

١١٩

وحصل لمدعي الإجماع ولا منافاة.

قلت : ربما يحصل بسببه الوهن في دعوى المدعي ، بسبب أنّ جمعا من الماهرين العادلين الضابطين ـ مع بذل جهدهم واستفراغ وسعهم ـ لم يتفطّنوا بهذا الإجماع مع اتحاد زمانهم بزمان المدعي ، أو قرب عهدهم أو تقدمهم عليه ، فإنّ هذا ربما يورث لنا الوهم والريبة ، فعلى تقدير بقاء ظنّ بعد ذلك فظنّ ضعيف لا يقاوم الأخبار ، بل ملاحظة الأخبار توجب ضعفا آخر زائدا على الأوّل.

مع أنّ من لم يقل بحجّية المنقول بخبر الواحد لا ينفعه هذا الإجماع أصلا وبالمرّة ، ومن يقول بها ولا يوجب له ما ذكرناه وهنا أصلا يكون عنده مثل الخبر ، فحكمه حكم خبر آخر رواه ، فيصير التعارض ، فلا بدّ من الجمع الوجيه أو الترجيح كذلك ، فتأمّل.

قوله : وأمّا الرواية الأولى. ( ٢ : ٢١٠ ).

يشكل هذا الجواب على الطريقة الأخرى في هذه الرواية ، فإنّه « فليمسك » بدل « فليطلب » ، كما ذكرنا (١) ، لكن الجواب عنه وقوع الاضطراب ، وعدم ظهور كون هذه الطريقة حقا ، سيّما والطريقة المذكورة في كلام الشارح أصح سندا وأشهر رواية.

قوله (٢) : يقتضي الشك. ( ٢ : ٢١٠ ).

يقتضي احتمال الفوت في الواقع ، لا بالنضر إلى رأي المكلف ، إذ كثيرا ما لا يرجو الماء ومع ذلك يحصل له ، بل وربما يقطع بعدمه ومع ذلك يوجد له ، وتخلف القطع غير نادر.

__________________

(١) راجع ص ٩٠.

(٢) هذه الحاشية ليست في « ا ».

١٢٠