الحاشية على مدارك الأحكام - ج ١

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

الحاشية على مدارك الأحكام - ج ١

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-169-9
ISBN الدورة:
964-319-168-0

الصفحات: ٤١٥

الفقهاء فسر الآية بذلك (١) ، ونسبه الشيخ إلى أهل اللغة (٢) ، وحكي ذلك عن تغلب (٣).

قوله : وهذا التوجيه. ( ١ : ٢٧ ).

الاستدلال لا يمكن بالاحتمال ، فضلا عن أن يكون بعيدا أو توجيها ، ولعل مبنى استدلاله هو ما أشرنا ، بضميمة عدم القول بالفصل بين السماء وغيره ، فيحتاج إلى الإجماع.

وما ارتكبه الصدوق من أن كل ماء من السماء (٤) ، يتوقف على الثبوت.

ومع ذلك المتبادر منه النازل منه الآن ، لا الذي نزل بالأصل ، فالتعدي مشكل ، سيما على طريقة الشارح.

والتوجيه من بعض العامّة (٥) ، ورجحه الشارح ـ رحمه‌الله ـ على توجيه الشيخ ، وفيه نظر لا يخفى على من أمعن النظر في كلامه في التهذيب ، فإنه ليس على ما ذكره الشارح هاهنا.

قوله : يتناول الأمرين. ( ١ : ٢٧ ).

__________________

(١) منهم الشيخ في التبيان ٧ : ٤٩٦ ، والعلامة في المنتهى ١ : ٤ ، والشيخ البهائي في مشرق الشمسين ( الحبل المتين ) : ٣٤٧ ، والفاضل الجواد في مسالك الأفهام ١ : ٨٩.

(٢) التهذيب ١ : ٢١٤.

(٣) حكاه عنه في الكشاف ٣ : ٢٨٤ والمصباح المنير : ٣٧٩ ومجمع البحرين ٣ : ٣٨٠ ومعجم مقاييس اللغة ٣ : ٤٢٨ ، وفيه عن ثعلب ، بالمثلثة ، والظاهر أنّه أحمد بن يحيى الشيباني صاحب الفصيح في اللغة ، ولقبه مردد بينهما في كتب التراجم ، ولعل الصحيح أنه بالمثلّثة ، كما في معجم الأدباء ٥ : ١٠٢ ، الأعلام للزركلي ١ : ٢٦٧ ، الكنى والألقاب ٢ : ١١٥ ، وفيه : سمّي الرجل ثعلب لأنّه كان إذا سئل عن مسألة أجاب من هاهنا وهاهنا ، فشبّهوه بثعلب إذا أغار.

(٤) الفقيه ١ : ٦.

(٥) التفسير الكبير للفخر الرازي ٢٤ : ٩٠.

٤١

أي الطاهرية والمطهرية للغير ، فلا بدّ أولا من ثبوت الحقيقة الشرعية. وثانيا ثبوتها في الطهور الاسمي ، لأن الغسل ـ مثلا ـ يتحقق فيه الحقيقة الشرعية أو المتشرعية ، ولم يتحقق في الغسول وكذا الوضوء. وثالثا ثبوتها بحيث يتناول الأمرين ، بناء على عدم ثبوت الملازمة بينهما بإجماع أو غيره من الأدلة ، ولا هي من المسلمات ، كما سيجي‌ء في بحث الغسالة ومطهرية الأرض وغيرهما. لكن في الغسالة يظهر منه قبول التلازم.

لا يقال : الحمل على الفرد الأكمل يغني عن ثبوت الحقيقة الشرعية على الوجه المزبور ، لأن المطهر الطاهر الشرعي هو الفرد الأكمل.

لأنا نقول : لا يصلح ذلك للصرف عن الحقيقي وتعيين المجازي ، إذ الأول هو الأصل ، ولا يعدل عنه بمثل ذلك. ولهذا لا يحمل الآية وغيرها مما هو في معرض الامتنان على أي مجاز يقتضي زيادة الامتنان ، نعم ذلك يصلح لترجيح أحد الاحتمالين.

قوله : والمراد بها اللون. ( ١ : ٢٨ ).

قيل : لم نجد في الأخبار الخاصية ما يدل على ذلك (١).

قلت : روى في زيادات التهذيب بسنده عن العلاء بن الفضيل عن الصادق عليه‌السلام ، عن الحياض يبال فيها ، قال : « لا بأس بها إذا غلب لون الماء لون البول » (٢) ، وفي الفقه الرضوي ذكر نجاسة الماء بتغير اللون مكررا (٣).

__________________

(١) قاله الشيخ البهائي في الحبل المتين : ١٠٦ ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : ١١٦.

(٢) التهذيب ١ : ٤١٥ / ١٣١١ ، الاستبصار ١ : ٢٢ / ٥٣ ، الوسائل ١ : ١٣٩ أبواب الماء المطلق ب ٣ ح ٧.

(٣) فقه الرضا عليه‌السلام : ٩١ ، المستدرك ١ : ١٩٩ ، ٢٠١ أبواب الماء المطلق ب ١٠ ، ١٣ ح ٢ ، ٣.

٤٢

قوله : من حيث الاستثناء. ( ١ : ٢٩ ).

الاستفادة من هذه الجهة في غاية الظهور ، نعم الخفاء في لفظ النجاسة والاستيلاء ، فالأولى أن يقول : الظاهر من النجاسة نجس العين ، والظاهر (١) كونه بالملاقاة.

وعن الشيخ ـ رحمه‌الله ـ تنجسه بتغيره من المتنجس أيضا (٢) ، ولعله لعموم النص النبوي ، خرج ما خرج بالوفاق.

إلاّ أن يقال : الحديث ـ في الحقيقة ـ ليس بحجة ، والمعتبر الأخبار الخاصية. أو : أن المراد شي‌ء من نجس العين بقرينة تلك الأخبار ، فتأمّل. أو يقال : إنه نكرة في سياق الإثبات فلا يعم ، والإطلاق في مثله لا يرجع إليه ، لأن رجوع المطلق إليه في صورة لم يفد الكلام بدون الرجوع ، وذكره هنا لبيان حكم آخر لا حكم نفسه ، وببيان ذلك ظهرت الفائدة. وأما كون « ما » نكرة فلكونها موصوفة معناها إلاّ شي‌ء يغيره ، بقرينة المستثنى منه. مع أنّ الاحتمال كاف. فتدبر.

وقوله : وهو كذلك ، هذا على تقدير بقاء الماء على إطلاقه ، ووجهه :

الأصل ، والعمومات ، وأما إذا خرج عن الإطلاق فسيجي‌ء حكمه.

قوله : لأن التغير حقيقة. ( ١ : ٢٩ ).

لفظ التغير موضع للانتقال من حال إلى حال في الواقع ، لا مدخلية للحس فيه ، نعم من شأنه أن يحس إذا كان من قبيل ما نحن فيه ، وظاهر أن هذا هو المراد ، والتقديري ليس بانتقال حقيقة ، فليس من شأنه أن يحس ،

__________________

(١) كما في « أ » وفي سائر النسخ : والاستيلاء.

(٢) حكاه عنه في الذخيرة : ١١٦.

٤٣

فهو مجاز بدليل صحة السلب.

لكن هذا إنما يتم لو كان الوارد مجرد لفظ التغير ، والمستفاد من بعض الأخبار تضمن معنى الغلبة ، فلعل ذلك منشأ اختلاف الفهم ، فلا بدّ للشارح ـ رحمه‌الله ـ إما من منع التضمن أو إثبات عدم ضرره.

ثم اعلم أن اعتبار التقدير في مثل الميتة في ماء البئر وما ماثل الميتة فاسد قطعا ، ولعل في الجاري والراكد أيضا كذلك ، سيما بملاحظة ما ورد من أن الميتة مع وجود الرائحة لا تنجس إلا إذا غلب على رائحة الماء (١) ، ولا يكاد يمكن حمل الريح على التقديري ، فلعل القائل بالتقديري مطمح نظره مثل البول الممزوج بالماء.

فعلى هذا نقول : صور المسألة ثلاث :

الأولى : استهلاك النجاسة الماء بحيث يقال : إنّه بول.

الثانية : عكس ذلك ، وهذه يتمشى فيها النزاع وثمرته.

الثالثة : أن لا يكون بولا فقط عرفا ، ولا ماء فقط ، أعم من أن يكون البول أكثر ، أو الماء ، أو تساويا ، فإذا كان المزج عرفا لا يجوز استعمال ذلك في الشرب والتطهير ، حتى الغسل ارتماسا ، لعدم صدق الارتماس في الماء.

ولو قيل بعدم تحقق مركب من مائعين ممزوجين : أحدهما نجس والآخر طاهر ، يكون الكل حينئذ نجسا.

بل الأحوط مراعاة التقدير في الصورة الثانية أيضا ، وإن كان الأقوى ما ذكره الشارح ، فتدبر.

__________________

(١) الوسائل ١ : ١٣٧ أبواب الماء المطلق ب ٣.

٤٤

قوله : يحمل على حقيقته. ( ١ : ٢٩ ).

هذا على تقدير بقاء الماء على إطلاقه ، وعلى تقدير استهلاكه بحيث يقال عرفا : إنه بول فنجس ، كما قال بعد هذا.

ولم يتعرض لذكر ما ليس هذا ولا ذاك ، ولعل بناؤه ـ رحمه‌الله ـ على الانحصار فيهما ، وفيه تأمل ظاهر ، ومر في الحاشية السابقة. فظهر ما في قوله : فإن المخالف يقول. ، فتدبر.

قوله : دائر مع الأوصاف. ( ١ : ٢٩ ).

لا يخفى أنها مختلفة ، فلذا قيل باعتبار الأشد (١) ، وقيل باعتبار الأوسط (٢) ، وقيل باعتبار الأضعف (٣) ، تغليبا لجانب الطهارة.

قوله : غاية الأمر. ( ١ : ٣٠ ).

قد ظهر مما ذكرناه مراده من الحسي ، لكن يشكل الأمر هنا ، لإمكان أن يقال : لم يتغير لمانع عنه ، أو أنه بعد بلونه السابق.

وبالجملة : لم يظهر أنه انتقل لونه إلى الحمرة بسبب الدم ، لعدم حصول تفاوت أصلا من جهة الدم. وما ذكره إنما يتم إذا تغير من الدم ، وعرضته حمرة لاحقة تمنع عن إدراك السابقة. هذا.

فظهر مما ذكره هنا ما في قوله السابق آنفا ، ويتوجه إليه ما سبق ، إذ يمكن أن يقال : التغير حينئذ هناك متحقق ، غايته أنه مستور عن الحس ، فإن ملوحة الماء تمنع مثلا عن ظهوره ، والفرق بين الصفات الطارية والكائنة من‌

__________________

(١) انظر الذكرى : ٨.

(٢) قاله المحقق الثاني في جامع المقاصد ١ : ١١٥.

(٣) حكاه صاحب الحدائق ( ١ : ١٨٥ ) : عن بعض فضلاء متأخري المتأخرين.

٤٥

قبل النفس لا يخلو من إشكال.

قوله : لأنها مخلوقة. ( ١ : ٣٠ ).

العلامة ـ رحمه‌الله ـ قائل بهذا الأصل بلا شك ، وثبوت عدم قبول الأشياء الطاهرة بالأصل للنجاسة العارضة ، بهذا الأصل ، محل نظر. نعم يثبت بالاستصحاب ، وليس بحجة عند الشارح ، ـ رحمه‌الله.

إلاّ أن يقال : كلامه إشارة إلى قوله تعالى ( خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ) (١) ، وهو في معرض الامتنان ، فالحمل على ما هو الأكمل أولى.

لكن إثبات الحكم الشرعي بأمثال ذلك لا يخلو عن مناقشة.

فالأولى التمسك بأصالة البراءة ، لأن النجاسة تكليف بالتجنب.

وبقوله عليه‌السلام : « كل شي‌ء نظيف حتى تعلم أنه قذر » (٢) ، وهي موثقة ، فتكون حجة ، كما بيناه في موضعه ، مع أنّ مضمونها مقبول عند الأصحاب. وهما دليلان لأصالة طهارة الأشياء.

مضافا إلى ما يظهر من تتبع تضاعيف الأحاديث والأحكام الواردة فيها ، وطريقة المسلمين في عملهم في الأعصار والأمصار ، واتفاق فتاوى فقهائهم.

قوله : وصحيحة حريز. ( ١ : ٣١ ).

في الصحة تأمل ، لأنّ الكليني روى عنه عمن ذكره ، عن الصادق عليه‌السلام ، وهو أضبط من الشيخ. مع أنّ الراجح السقوط لا الزيادة. ويؤيده ما ذكره يونس من أنه ما سمع عن الصادق عليه‌السلام إلاّ حديثين (٣). مع أنه‌

__________________

(١) البقرة : ٢٩.

(٢) التهذيب ١ : ٢٨٤ / ٨٣٢ ، الوسائل ٣ : ٤٦٧ أبواب النجاسات ب ٣٧ ح ٤.

(٣) رجال النجاشي : ١٤٤ / ٣٧٥.

٤٦

تحقق الاضطراب المانع عن ثبوت الصحة. وإن كان الأظهر عندي حجية أمثال هذه الأحاديث.

وقوله : الماء يمرّ به الرجل وهو نقيع.

الأظهر أنّه غير الجاري. ولعل وجه الاستدلال أن وضع الظاهر موضع المضمر في قوله عليه‌السلام : إن كان الماء. ، ظاهر في أن ما ذكر حكم مطلق الماء.

لكن إن حمل على ما يعم القليل يشكل حمله على خصوص الجاري ، وكذا على الأعم والبناء على إرادة خصوص الكثير بالنسبة إلى الراكد ، والأعم إلى غيره ، لأنّ السؤال كان عن الراكد ، لأن البناء على أن السؤال لما كان عن الكثير منه ـ كما هو الظاهر ـ صح الحمل المذكور يوجب رفع الوثوق بالنسبة إلى عموم غيره أيضا ، فتأمّل.

قوله : إلى الماء القليل. ( ١ : ٣١ ).

لعل الأظهر أنه الراكد ، إذ الغالب في التعبير عن الجاري بالعين أو الجاري. مع ندرة تحقق جار يكون مجموعه أقل من الكر ، سيما في بلاد السائل والمسؤول ، وسيما مع أن يكون ـ مع كونه أقل منه ـ يغترف فيه الإناء.

إلاّ أن لا يكون المراد من القليل هو الأقل ، فيسقط حينئذ عن الاحتجاج.

إلاّ أن يقال : فالجاري بطريق أولى ، أو أنه لم يقل أحد حتى العلامة ـ رحمه‌الله ـ باشتراط الكرية في خصوص غير الراكد ، لكنه يتوجه حينئذ أن الشارح ـ رحمه‌الله ـ غير قائل بطهارة القليل من الراكد ، إلاّ أن يقول : الحمل على الجاري أقرب محامله ، وفيه ما فيه ، وسيجي‌ء الكلام فيه إن شاء الله تعالى.

قوله : جعل العلة في عدم. ( ١ : ٣٢ ).

لعله الأظهر ، ويؤيده ما سيجي‌ء في ماء الحمام.

٤٧

قوله : أو في طهارته. ( ١ : ٣٢ ).

علته أنه إذا كانت رافعة للنجاسة فكونها دافعة اولى ، بل لعله يفهم أن وجود المادة مع عدم التغير سبب للطهارة مطلقا ، فتأمل.

وقوله : والعلة المنصوصة. ، لفهم ذلك عرفا ، فلا يضره المناقشات.

ثم لا يخفى أنه يمكن الاستدلال بما سيجي‌ء في ماء الحمام من الاخبار ، ومنها ما سيذكره الشارح ، وما سنذكره أيضا ، مثل : « ماء الحمام كماء النهر يطهر بعضه بعضا » (١) ، لظهور أنه بمجرد الملاقاة وحين تحققها يطهر ، من دون تراخي زمان أصلا ، وهذا في حكم عدم الانفعال.

مع أن الثمرة متحققة قطعا ، بل لعله كناية عن عدم الانفعال.

قوله : لفقد اللفظ. ( ١ : ٣٢ ).

ولأنه يكفي لتحقق فائدة الشرط تحقق المخالفة في الجملة ، ولعدم فهم العموم في المنطوق ، فلا داعي إلى اعتبار أزيد من هذا.

ويمكن أن يستدل على إفادته العموم بأن عدم الانفعال من حيث هو هو مشروط بالكرية ، كما هو ظاهر العبارة ، لا خصوص ماء ، والمشروط عدم عند عدم الشرط. ولأنّه لو لم يفد العموم لزم خلو حكم المفهوم عن الفائدة ، على قياس ما قيل في المطلق وإفادته العموم.

على أن غالب ما كان الرواة محتاجين إليه هو المياه القليلة ، لغلبة وجودها عندهم ، فكيف يناسبها الإجمال في حكمها؟! مضافا إلى أنّهم لما كانوا يسمعون هذه الأحاديث يقنعون ويسكتون.

ويؤيده أيضا أنه لو لم يكن الشرط بالنسبة إلى كل فرد فرد لزم أن لا يكون الكرية فقط شرطا ، بل كون الماء جاريا ـ مثلا ـ شرط آخر أو جزء‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٤ / ١ ، الوسائل ١ : ١٥٠ أبواب الماء المطلق ب ٧ ح ٧.

٤٨

الشرط ، فلم قال عليه‌السلام : إن كان كرا لا ينفعل؟! وأيضا فرق بين أن يقال : الماء طاهر ، وأن يقال : الماء لا ينجسه شي‌ء إن كان كرا ، وكما أن الأول يرجع إلى العموم فكذا الثاني ، فتأمل.

وبالجملة : الظاهر أنه لا وجه للتأمل في إفادته العموم ، لكن بالنسبة إلى غير الصورة النادرة ، كما أن الحال في غالب المنطوقات في إفادة العموم أيضا كذلك ، لو لم نقل : كلها ، فتأمّل.

ولعله لما ذكرنا ذهب أكثر فقهائنا (١) إلى عموم الانفعال في الراكد ، وما وجد منهم تأمل في إفادة المفهوم العموم ، مثل ما وجد من الشارح ـ رحمه‌الله ـ وغيره ممن وافقه على عدم الإفادة في أمثال زماننا وما يقرب منه.

ومما ذكرنا ظهر حال جميع المفاهيم في إفادة العموم وعدمها.

قوله : تعارضا من وجه. ( ١ : ٣٢ ).

صحيحة محمّد بن إسماعيل تعارضها مع المفهوم وإن كان من وجه لكن كون القياس المنصوص العلة منطوقا محل تأمل ، وبعد التسليم كون مثله أقوى من المفهوم محل نظر كيف ومعظم المحققين على أن المفهوم حجة ، بخلاف المنصوص العلة ، فإن الكثير لم يذهبوا إلى حجيته.

إلاّ أن يكون مراده أنه أقوى من عموم المفهوم لا نفسه ، ولا بدّ من تأمل فيه. مضافا إلى أنّه خلاف ما يظهر من العبارة.

وأمّا غير الصحيحة فالتعارض بحسب الظاهر ليس من وجه. إلاّ أن يكون مراده أنه مخصص ومختص بغير الراكد القليل ، لما سيجي‌ء من خصوص النصوص الواردة في انفعال الراكد القليل ، فيكون المراد من هذه العمومات أن غير الراكد القليل لا ينفعل ، والعام المخصص حجة في‌

__________________

(١) في « ج » و « د » : الفقهاء.

٤٩

الباقي ، ودلالته من باب المنطوق وإن كان مجازا ، فالمعارضة بينه وبين المفهوم ، لا المعنى الحقيقي ، لكونه غير مراد.

لكنه يخدشه أنه موقوف على ثبوت تقدم المنصوص بالخصوص على المفهوم ، بل لم يوجد إلا عمومات مطلقات وخصوصات كذلك (١) ، وكل واحد ( أعم مطلقا و) (٢) أخص مطلقا.

وبالجملة : غاية ما يثبت أن الراكد القليل خارج منها ، ولا ينافي ذلك خروج غيرها ، نعم لو كان يظهر ذلك لكان الأمر كذلك ، فتأمّل.

ويمكن أن يقال : أقربية المجازات ترجح عدم الخروج ، إلاّ أنّها لا تقاوم العمومات التي في الخاص ، ولا توجب تخصيصا ، لأن بقاء هذا العام على عمومه أقوى من أقربية المجاز ، وإلا ليفسد الأمر في العام والخاص المطلقين ، فتأمّل.

إلاّ أن يقول : إن عموم المفهوم ضعيف ، يعارضه ويقاومه الأقربية ، وتترجح عليه أو تساويه ، وحينئذ يحصل الاحتمال المنافي للاستدلال ، لكن هذا يرد على الشارح أيضا عند استدلاله بالمنطوقات العامة ، إلاّ ان الشارح التزم بما ذكر على ذلك التقدير فقال : عمومان تعارضا.

مع أن عموم المفهوم بالنسبة إلى القليل الجاري أضعف البتة ، لندرة تحققه في بلد السائل والمسؤول ـ وفيما بينهما أيضا ـ غاية الندرة ، بل غير ظاهر التحقق. هذا.

والأولى في الجواب أن يقال : إن اختار العلامة العموم من وجه فالأمر على ما ذكره الشارح ـ رحمه‌الله ـ وإن اختار العموم المطلق ، كما هو مقتضى‌

__________________

(١) في « ب » و « ج » و « د » زيادة : أي مطلق لا من وجه.

(٢) ما بين القوسين أثبتناه من « ه‍ ».

٥٠

استدلاله ، نقول : الخاص مقدم إذا كان دلالته قوية ، بل وأقوى ، لأن عموم المفهوم ـ على تقدير تحققه ـ ليس بحيث يقاوم المنطوق ، فضلا عن أن يكون أقوى ، سيما مع اعتضاده بأمور كثيرة :

( منها الكثرة ) (١) ، ومنها العلة المنصوصة ، ومنها ما سنذكر في ماء الحمام ، ومثل نفي البأس أصلا ورأسا في البول في الجاري ، كما ورد في غير واحد من الأخبار (٢) ، سيما بملاحظة الحكم بالكراهة في الراكد ، ومنها الإجماع المنقول ، ومنها اشتهار الفتوى ، وشذوذ الفتوى بالآخر ، ومنها الأصول المتعددة التي مرت ، ومنها الأوفقية للشريعة السمحة السهلة ، والإطلاقات في إزالة الأحداث والأخباث ، وقوله تعالى ( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا ) (٣) ، ومنها وهن العموم في المفهوم بما سيجي‌ء في مباحث البئر وماء المطر وغيرهما ، ومنها الاعتضاد بظواهر القرآن.

فظهر عدم جواز التخصيص على المذهب الآخر أيضا ، وهو كفاية المقاومة والمقابلة للخاص مع العام في مقام التخصيص ، من دون اشتراط كون الخاص أقوى ، لكونه للجمع بين الأدلة. مضافا إلى أن الجمع غير منحصر في ما ذكر للعمل به في الراكد القليل ، لكونه مرادا على أي تقدير.

قوله : وقوة دلالة. ( ١ : ٣٢ ).

فيه : أنّه قد ورد بعض ما دل بالمنطوق ، مثل ما ورد في الصحيح من أن الدجاجة والحمامة إذا كانت تطأ العذرة وتدخل الماء لا يتوضأ منه إلاّ أن يكون كرا (٤).

__________________

(١) ما بين القوسين غير موجود في « ج » و « د ».

(٢) الوسائل ١ : ١٤٣ أبواب الماء المطلق ب ٥.

(٣) النساء : ٤٣ ، المائدة : ٦.

(٤) التهذيب ١ : ٤١٩ / ١٣٢٦ ، الاستبصار ١ : ٢١ / ٤٩ ، مسائل علي بن جعفر :

٥١

لكن في استفادة العموم منه سيما بحيث يقاوم ما أشرنا تأمل ، لأن الظاهر منه غير الجاري ، لأن السابق إلى الذهن منه أنه الذي وطأته الدجاجة والحمامة ، والجاري غالبا لا يقف ، بل يذهب ويجي‌ء موضعه غيره ، ويكون كثيرا أزيد من كر ، فضلا عن أن يكون أقل منه.

مع أن تحقق الجاري الأقل من الكر في بلد السائل والمسؤول مما يكاد يحكم بعدمه ، بل ويحكم ، سيما وأن يكون في الدور والمساكن ، بحيث تطأ الدجاجة والحمامة وتدخله.

ومما ذكر ظهر الوهن في عموم المفهوم أيضا.

قوله : لو نقص. ( ١ : ٣٣ ).

يعني الذي يمتزج بالماء بعنوان الدفعة العرفية ، لو شرطها ، أو مجموع ما بين المتغير وأصل المنبع ، لو لم يشترط ، فتأمل. والمراد التدافع من قبل المنبع ، وعلى خصوص المتغير ، فتأمل.

قوله : بجهالة بكر. ( ١ : ٣٤ ).

لا يخفى أن مضمون الرواية لا تأمل فيه ، لما سنذكره ، فلا وجه للقدح في سندها.

مضافا إلى أن المشايخ ذكروها على سبيل الاعتماد والاعتداد ، ووافقها غيرها من المعتبرة. مع أن سندها إلى صفوان صحيح ، وهو عن منصور الثقة ، عنه ، وصفوان ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه ، وكذا ممن لا يروي إلاّ عن ثقة ، كما صرح به الشيخ في العدة (١).

قوله : وعدم اعتبار. ( ١ : ٣٤ ).

عدم انفعال الجاري إنما هو من جهة أن له مادة متصلة به ، وماء‌

__________________

١٩٣ / ٤٠٣ ، الوسائل ١ : ١٥٩ أبواب الماء المطلق ب ٩ ح ٤.

(١) عدة الأصول ١ : ٣٨٦.

٥٢

الحمام حكم فيها بأنه بمنزلته ، مع أن المتعارف أن له مادة قطعا ، والجواب هو ما سيذكره.

لكن يمكن أن يستدل له بعموم المنزلة ، والظاهر أنّ وجه الاستدلال هو هذا ، وظاهر أنّ الجاري لم يعتبر فيه الكرية أصلا ، ولو كان من الأفراد النادرة. إلاّ أن يمنع الشارح ـ رحمه‌الله ـ عمومها ، وعلى فرض تمشي المنع فهو جواب آخر ، فتأمّل.

وبما قررنا ظهر أنّه لا حاجة إلى اعتبار المادة ، بل يكفي المنزلة ، فتأمّل.

قوله : لما سيجي‌ء. ( ١ : ٣٤ ).

ما سيجي‌ء ليس إلاّ المفاهيم ـ ولا عموم لها عنده ـ وما ورد في الموارد الخاصة ، وغير خفي أنّها ظاهرة في غير الحمام ، ولم يثبت إجماع مركب ينفع المقام حتى يستعين به ، سيما بعد ما اعترف بقوله : والحال يقتضي العكس ، كما صرحوا به ، فكيف يمكن بعده دعوى الإجماع المركب ، وعدم جواز القول الثالث.

فلا يمكن دعوى تنقيح المناط أيضا ، سيما بعد ورود ظواهر من الأخبار أيضا ، منها ما ذكره ، ومنها ما ورد عنهم : « انّ ماء الحمام كماء النهر يطهر بعضه بعضا »(١).

وروي أيضا في الصحيح : انّ ماء الحمام الذي فيه الجنب وغيره ينضح على الرجل ، فقال عليه‌السلام : « أليس هو بجار؟ » ، فقيل : بلى ، فقال : « لا بأس » (٢).

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٤ / ١ ، الوسائل ١ : ١٥٠ ، أبواب الماء المطلق ب ٧ ح ٧.

(٢) الكافي ٣ : ١٤ / ٣ ، التهذيب ١ : ٣٧٨ / ١١٦٩ ، الوسائل ١ : ٢١٣ أبواب الماء المضاف ب ٩ ح ٨. بتفاوت يسير.

٥٣

وعن أبي يحيى الواسطي (١) ، عن بعض أصحابه ، عن أبي الحسن الهاشمي : عن ماء الحمام يقوم عليه الرجال ، لا أعرف اليهودي من النصراني ، والجنب من غير الجنب ، قال : تغتسل منه ولا تغتسل من ماء آخر ، فإنه طهور (٢).

وفي الفقه الرضوي : ماء الحمام سبيله سبيل الجاري إذا كان له مادة (٣).

بل بعد تأمل لعله لا يبقى فرق معتد به بينه وبين الجاري ، بالنظر إلى الأدلة ، وحكاية عدم اشتراط الكرية ، وما استدل به الشارح ـ رحمه‌الله ـ عليه في الجاري يمكن أن يستدل به أيضا في المقام ، وما أورده يمكن أن يرد عليه هنا ، فتأمل.

قوله : ولأن المادة. ( ١ : ٣٤ ).

لا يخلو بحسب الظاهر عن مصادرة ، إلاّ أن يكون مراده أنه كذلك بالقياس إلى الأدلة والقواعد الشرعية الممهدة. والفرق بينه وبين السابق أنه إشارة إلى ما يظهر منه المانع عن الانفعال ، والأول إلى ما دل على الانفعال ، فتأمّل.

قوله : لعموم قوله. ( ١ : ٣٥ ).

يعني أنه يصدق على المجموع أنّه قدر كر ، فيشمله العموم ، وإن لم يصدق عليه الوحدة عرفا ، كما سيصرح بذلك. لكن لا نزاع في العموم ولا شموله لكل ماء واحد حقيقة ، وإنما الكلام في دخول الكر المتصل فيه ، مع‌

__________________

(١) في النسخ : أبي الحسن الواسطي : والصحيح ما أثبتناه من المصدر.

(٢) التهذيب ١ : ٣٧٨ / ١١٧١ ، الوسائل ١ : ١٤٩ أبواب الماء المطلق ، ب ٧ ح ٦.

(٣) فقه الرضا : ٨٦ ، المستدرك ١ : ١٩٤ ، أبواب الماء المضاف ب ٧ ح ٢.

٥٤

عدم صدق الوحدة عرفا ، وسيجي‌ء الكلام فيه.

قوله : ومن العجب. ( ١ : ٣٥ ).

لم نجد فيه تعجبا ، لأنّ اعتباره الكرية بناء على ما هو الغالب فيه من النزول من مثل الميزاب ، وقد اعترف الشارح ـ رحمه‌الله ـ بعدم صدق الوحدة ، كما سيجي‌ء كلامه ، ومقتضى هذا الانفعال عندهم بالنسبة إلى ماء الحمام الذي هو عبارة عما في الحياض الصغار ، كما صرح به.

وأمّا عدم استشكاله في الحمام فللأخبار المعمول بها ، وفتاوى الأصحاب ، بل الإجماع ، إذ لا شك في عدم انفعال مثل هذا عند كافة المسلمين ، وأنّهم في الأعصار والأمصار كانوا يتطهرون به. وبهذا يظهر وجه استشكاله [ في ] انسحابه إلى غيره.

وأمّا تصريحه بتقوّي الأسفل فلعله في صورة الانحدار ، بناء على أنّه لما كانت النجاسة لا تسري إلى الفوق فكذا الطهارة.

لكن يرد عليه ما سيورده من انفعال النهر العظيم المنحدر (١). والأظهر أن رأيه تغير ، وهو غير عزيز من المجتهدين ، لأنّه شاهد على تجدد النظر وتكراره والإمعان والدقة ، وعدم المساهلة والتقليد وجمود القريحة. ولذا جعل عدم التغير قدحا في الاجتهاد ، لكونه كاشفا عن المسامحة أو شائبة تقليد أو جمود القريحة ، إذ عادة لا يمكن استقرار الرأي مطلقا ، أما عند من اشترط التجدد فظاهر ، وأمّا عند من لم يشترط إذا اتفق التجدد ، مع أنّه لا تأمّل في حسنه ، فتأمّل.

( ويمكن أن يكون حكمه في الحمام بكرية المادة بناء على ما هو المتعارف فيه من أخذ مائه في استعماله وذهابه على سبيل التدريج ، فلا يبقى‌

__________________

(١) انظر المدارك ١ : ٤٥.

٥٥

قدر الكر ، وأنّ استعمالاته ربما تغير شيئا منه ، وأمّا الغديران فربما حكم فيه بمجرد الملاقاة ، فتأمّل ) (١).

قوله : إنّما هو لصيرورة. ( ١ : ٣٦ ).

كونها علة لعدم قبول الوارد من الخارج ودفعه إياها لا يستلزم عليتها لعدم قبوله للداخلة ورفعها إياها ، وهل هو إلاّ قياس مع الفارق؟! لأن الدفع أهون.

وقوله : امتزاج كل جزء. ، بناء على أن المطهر لا بدّ أن يماس المطهر حتى يطهر ، إذ لا يكفي مماسة الجار.

وقوله : لعدم العلم. ، مبني على استصحاب النجاسة حتى يتحقق العلم بالمزيل ، وأنّ شرط الطهارة المماسة ، فالشك فيها يوجب الشك فيها ، وهو أيضا مبني على الاستصحاب ، وإلاّ فالأصل في الماء الطهارة ، فيكفي الشك في النجاسة لحصول الطهارة.

اللهمّ الا أن يريد العلم بالعدم ، وفيه منع ظاهر ، إذ ربما يتحقق العلم العادي بالمماسة ، كما في مثل السكنجبين.

لا يقال : لا بدّ من العلم بالوصول وهو متصل بالمادة.

لأنا نقول : يتحقق بالنسبة إلى الطبقة الأولية ، ثم بعد طهارة تلك الطبقة يتحقق مزج تلك الطبقة مع ممزوجها بالطبقة الثانية ، وهكذا. سيما مع أن الأصل في الماء الطهارة حتى يتحقق العلم بنجاسته.

وقوله : لم يكن. أيضا قياس مع الفارق ، لأن الاتصال المشوب بالمزج ليس مثل غير المشوب في الضعف.

وقوله : بعدم طهارته. أي البعض الأخر ، فيه أنه يلزم القول بعدم‌

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « ا ».

٥٦

الطهارة من الحين ، أما بعد مضي قدر استعمل فيه أسباب الخلط وإدخال البعض الأول مع الممزوج به في هذا الآخر ، فإنه يتحقق العلم بالمزج في غاية القرب ، لغلبته وكثرته الزائدة ، فتأمّل.

وقوله : انّ المداخلة ممتنعة. ، إن أراد التداخل الحكمي فلا شك في امتناعه ، كما أنه لا شك في عدم الداعي إليه ، وإن أراد دخول البعض في خلل البعض بحيث يتحقق المماسة التي أشرنا إليها فلا شك في عدم امتناعه ، إلاّ أن يريد امتناع العلم ، وفيه ما مر ، وكذا في قوله : فالمعتبر.

قوله : اعتبار حسن. ( ١ : ٣٦ ).

نبه بذلك على فساد الأدلة السابقة ، ومع ذلك حسنه موقوف على ثبوت العموم ، كما سيذكر (١).

قوله : وذلك يقتضي. ( ١ : ٣٧ ).

فيه ما أشرنا في بحث التغير التقديري ، مضافا إلى أصالة بقاء النجاسة ، وأصالة عدم الطهارة ، فتأمّل.

قوله : بأصالة عدم الطهارة. ( ١ : ٣٧ ).

الظاهر أن مراده ـ رحمه‌الله ـ استصحاب النجاسة إلى أن يثبت المزيل ، والشارح غير قائل بحجية الاستصحاب ، لكن سيصرح في زوال التغير من قبل نفسه بأن مرجع هذا الاستصحاب إلى عموم الأدلة الدالة على النجاسة وعلى المنع من الاستعمال ، مثل قوله : « كل ماء طاهر حتى تعلم أنّه قذر » (٢) ، إذ المستفاد منه أن غاية ما يجوز الحكم بطهارته حصول العلم بالنجاسة ، وأنّ الحكم بها مستصحب إلى ذلك الحين خاصة ، وبعده لا‌

__________________

(١) في « ه‍ » : سنذكره.

(٢) الوسائل ١ : ١٣٣ أبواب الماء المطلق ب ١ ح ٢ ، ٥.

٥٧

يجوز الحكم بها مطلقا ، بل الحكم بالنجاسة مطلقا ، ووجوب التنزه عنه بالمرة رأسا. ويؤيده ما ورد من الأمر بالتنزه عن الإنائين المشتبهين ، وبصب المياه النجسة (١) ، وغير ذلك.

على أن الظاهر أن الطهارة والنجاسة من الأمثلة التي تظهر من تتبع تضاعيف الأحكام الواردة في الأحاديث وأقوال الفقهاء في الموارد والمقامات الخاصة أنها مستصحبة إلى أن يثبت خلافها ، بل في المقام أيضا يظهر اتفاقهم على الاستمرار إلى أن يثبت خلافها ، حتى أنه لو لم يكن الاتصال مطهرا شرعيا عند القائل به لكان قائلا بالنجاسة البتة ، وكون النجاسة مستصحبة إلى حين الاتصال ، مع عدم كونه مطهرا شرعيا ، خلاف ما يظهر من الأدلة وكلامهم. على أنه سيظهر لك أن حجية الاستصحاب قريبة.

ويحتمل أن يكون المراد من الأصل القاعدة ، وهي أن الطهارة الشرعية تحتاج إلى دليل شرعي ، ولا عموم للأصل والعمومات حتى يشمل ما نحن فيه ، فتأمّل.

قوله : لكن في إثبات العموم نظر. ( ١ : ٣٧ ).

استدل عليه بالإطلاقات الواردة في ان الماء طهور ، ومضى الكلام في أن المراد منه المطهرية ، ومنع رجوع مثل هذا الإطلاق إلى العموم.

ويمكن أن يستدل عليه بما في بعض الأخبار من « ان ماء الحمام كماء النهر يطهر بعضه بعضا » (٢) ، لإفادة شمول مطهرية الماء لنفسه أيضا ، وأنه بمجرد الملاقاة والاتصال ، حيث لم يشترط فيه المزج ، إذ لو كان شرطا لذكره ، إذ المقام يحتاج إلى ذلك ، وليس الاستعمال حال الملاقاة بنادر التحقق حتى يقال بكفاية الندرة عن الحاجة إلى ذكر الشرط ، فتأمّل.

__________________

(١) انظر الوسائل ١ : ١٥٠ أبواب الماء المطلق ب ٨.

(٢) الكافي ٣ : ١٤ / ١ ، الوسائل ١ : ١٥٠ أبواب الماء المطلق ب ٧ ح ٧.

٥٨

وهذا وإن ورد في الحمام والجاري إلاّ أنّه يمكن أن يتمم بعدم القول بالفصل ، وما ورد في بعض الأخبار من قوله عليه‌السلام : « أليس هو بجار » (١). فتأمّل.

مضافا إلى عدم ظهور مآخذ القول بالمزج أصلا من الأخبار والأدلة ، إذ ما استدل له ظاهر الفساد ، ولم يدّع إجماع فيه ، ولا استند القائل به عليه. ومجرد الاتفاق هنا يكون إجماعا اصطلاحيا يحتاج إلى تأمّل.

وأيضا لم يعلم القدر المعين منه بحيث يكون هو مناطا للحكم. فتأمّل.

إلاّ أن يؤول كلامه إلى ما ذكرنا في الحاشية السابقة عند قوله : إنما هو لصيرورة. فتأمّل.

فإن قلت : ظاهر الخبر الاختصاص بالحمام والجاري ، حيث قال : « ماء الحمام كماء النهر ».

قلت : مفهوم اللقب ليس بحجة على المشهور ، لما ذكر في موضعه ، سيما بعد ما أشرنا هنا.

مضافا إلى أنّ منشأ التخصيص والتمثيل كونهما مقرونين مع المطهر ، وكونه من أنفسهما ، فلا يحتاج إلى كلفة ، بخلاف غيرهما ، لاحتياجه إلى كلفة ، مع مهانة الماء غالبا ، وارتكاب مثل هذه الكلفة في تحصيل هذا المهين مرجوح في نظر الشارع ، إذ لا عناية له بها فيه ، فتأمّل. والاحتياط مراعاة الامتزاج.

قوله : ويلوح. ( ١ : ٣٧ ).

مشكل ، لما في ماء الحمام عندهم من الخصوصية ، هذا مع ما‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٤ / ٣ ، الوسائل ١ : ٢١٣ أبواب الماء المضاف ب ٩ ح ٨.

٥٩

ستعرف.

قوله : أطبق علماؤنا. ( ١ : ٣٨ ).

يشعر العبارة بأنّ ابن أبي عقيل ربما يكون مخالفا للإجماع ، ويؤيّده أن الصدوق ـ رحمه‌الله ـ في خصاله قال : من دين الإمامية الإقرار بأن الماء كله طاهر حتى تعلم أنه قذر ، ولا يفسد الماء إلاّ ما كانت له نفس سائلة (١) ويؤكده أيضا ما ستعرف.

قوله : والمعتمد. ( ١ : ٣٨ ).

ما دل على الانفعال نصا أو ظاهرا في غاية الكثرة ، بل ربما يظهر من ملاحظة مجموع ما ورد في مباحث المياه ، مثل مبحث الجاري ، والحمام ، والبئر ، وتعيين الكر والأشبار (٢) ، واشتباه الإنائين النجسين (٣) ، والغسالة ، ومباحث النجاسات ، وتطهير الأواني سيما مبحث الولوغ ، والثياب ، وإدخال مثل الجنب يده في الماء القليل ، ومبحث ماء المطر ، وبحث الوضوء ، وبحث الوضوء والغسل ، وقضاء الصلوات وإعادتها ، والأطعمة والأشربة ، ومتعلقات هذه المباحث ، ونصوصها وأدلتها ، وكذا غير ذلك من المواضع. والحاصل أن أدلته وأخباره متواترة معنى.

مضافا إلى أن كثيرا منها اشتهر بها الفتوى من القدماء والمتأخرين ، بل ربما لا يظهر له مخالف ، بل ربما صرحوا بالإجماع ، وربما فرعوا تفريعات اعتنى بشأنها القدماء والمتأخرون ، فتتبع وتأمّل.

وصرح جدي العلامة المجلسي ـ رحمه‌الله ـ بما أشرنا إليه من التواتر‌

__________________

(١) لم نعثر عليه في الخصال ، ووجدناه في الأمالي : ٥١٤.

(٢) في « ه‍ » : والأسآر.

(٣) في « ه‍ » : النجس.

٦٠