الحاشية على مدارك الأحكام - ج ١

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

الحاشية على مدارك الأحكام - ج ١

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-169-9
ISBN الدورة:
964-319-168-0

الصفحات: ٤١٥

يعني أن العلة لم تظهر أنها ما هي ، فضلا عن أن تكون يقينية ، حتى يصير تنقيح المناط الذي هو حجة عند الشيعة أيضا. إلاّ أن يقال : العلة صدق الامتثال بالترديد ، فيرجع إلى الدليل الأول.

ويمكن أن يكون المنقح هو الإجماع المركب ، بأن من قال بالخمس قال هنا بالصلاتين ، ومن اكتفى بالثلاث اكتفى هنا بواحدة. ويمكن أن يتمسك به من أول الأمر من دون توسيط تنقيح العلة ، لكن لا بدّ من التأمّل في ثبوت الإجماع.

قوله : والامتثال يقتضي الإجزاء. ( ١ : ٢٦٤ ).

لو تم ما ذكره لزم عدم وجوب الإعادة في صورة من صور المسألة ، مع أنّه ـ رحمه‌الله ـ علّل وجوب الإعادة بتحصيل اليقين بالبراءة.

وبالجملة : لا دليل على كون مثل هذا الامتثال مقتضيا للإجزاء والخروج عن العهدة مع الكشف عن كون المكلف به ليس هذا بل غيره في الواقع.

إلاّ أن يكون نظره إلى ما ذكره سابقا من احتمال كون المكلف به قصد الوجه في الجملة ، وكون المكلف مأمورا بإيقاع الطهارة على ذلك الوجه بحسب الظاهر عنده ، لكن قد عرفت ما فيه ، فتأمّل.

قوله : ويتخير في الفريضة. ( ١ : ٢٦٥ ).

فيه إشكال ظهر وجهه مما ذكرناه سابقا ، إذ لم نجد دليلا على الاكتفاء بواحدة عن ثلاث سوى صدق الامتثال بالترديد ، وهو لا يتم بالقياس إلى الجهر والإخفات ، نعم في صورة النسيان يكون الأمر كذلك ، لورود النص المنجبر بالشهرة ، ومقتضى ذلك النص التخيير ، فتأمّل.

قوله : وبين الأداء والقضاء. ( ١ : ٢٦٥ ).

لا يتصور التخيير بينهما ، بل غايته النية المرددة على تقدير وجوب‌

٣٢١

قصد الأداء والقضاء ، وهو غير واجب ، كما سيجي‌ء (١).

قوله : وتدل عليه. ( ١ : ٢٦٦ ).

في استدلاله بهذه الأخبار على العموم المذكور نظر ، إذ العموم لو كان فإنما هو بالنسبة إلى الأفراد الشائعة ، كما اعترف الشارح وصرح مرارا ، مع أن بعضها لا عموم فيها ، فتأمّل.

إلاّ أن الحكم إجماعي بل الظاهر أنّه ضروري.

قوله : لأنها صفات لازمة. ( ١ : ٢٦٦ ).

يتوجه على دليله هذا ما ذكره ـ رحمه‌الله ـ ردّا على جماعة من الأصحاب من جواز عموم الوصف ، إلاّ أن يدعي اليقين بكون هذه الصفات من خواص المني ، لكن يتوجه عليه صورة فقدها ، فتأمّل.

قوله : وهو مشكل. ( ١ : ٢٦٧ ).

لا شبهة في أن الغالب اتصاف المني بالوصفين المذكورين ، فيحصل المظنة من جهتهما.

نعم ، في اعتبار المظنة إشكال ، بل مقتضى الأدلة عدم اعتبارها مطلقا إلاّ أن يدل على اعتباره دليل شرعي ، وإن كان مقتضى الدليل الأول الذي ذكره الشارح اعتبارها عند الاشتباه. والحق أنه ليس بدليل ، بل الدليل هو صحيحة علي بن جعفر ، نعم هو يصلح للتأييد.

وما اشتهر من أن المرء متعبد بظنه لم نجد له أصلا بعنوان الإطلاق والكلية ، نعم ظن المجتهد حجة ، وليس هذا منه ، لأنه من ظنون المكلفين من حيث هم مكلفون لا من ظنون المجتهدين من حيث هم مجتهدون ، والفرق بينهما واضح ، والدليل الذي يدل على حجية ظن المجتهد لا يشمل‌

__________________

(١) انظر المدارك ٣ : ٣١١.

٣٢٢

هذا ، لأنه يدل على أن التكليف بشي‌ء إذا كان يقينيا وذلك الشي‌ء غير متيقن أنه ما ذا ، وطريق العلم به يكون مسدودا والطريق إلى معرفته يكون منحصرا في الظن من حيث هو ظن ، وأين هذا مما نحن فيه ، لأن التكليف ليس بيقيني ، والأصل براءة الذمة ، والطهارة السابقة مستصحبة ، فتأمّل جدا.

قوله : مع التحقق. ( ١ : ٢٦٩ ).

أي مع تحقق أنه مني ، ومقتضى كلام العلاّمة ـ رحمه‌الله ـ أن المني لا يصير منيا حتى يستحيل من مرتبة كونه دما إلى مرتبة كونه منيا ، فمقتضى كلامه ـ رحمه‌الله ـ أيضا أن مع تحقق كونه منيا يجب فيه الغسل ، إلاّ أنّه ما دام هو على لون الدم لم يصر منيا.

ونقل الشارح الإجماع على وجوب الغسل إذا تيقن أن الخارج مني ، فالواجب في ما نحن فيه الرجوع إلى العرف ، ومراعاة أمارات الحقيقة والمجاز.

والأحوط الغسل مع حصول الاشتباه بعد الرجوع والمراعاة ، وإن كان الأصل براءة الذمة عنه حينئذ وعدم الوجوب.

قوله : ولا بأس به. ( ١ : ٢٧١ ).

اختار هنا جواز الاحتياط ، وفي مبحث الوضوء اختار عدمه (١) وحالهما متقارب بالنظر إلى الأدلة ، فلاحظ وتأمّل.

قوله : ويمكن الاكتفاء. ( ١ : ٢٧٢ ).

ليس بشي‌ء ، لأن الصحيحة محمولة على الغالب ، كما مر وجهه مرارا ، سيما مع كونها مقيدة بالأخبار والإجماع فتأمّل. نعم الأحوط مراعاته.

قوله : والمسألة محل تردد. ( ١ : ٢٧٤ ).

__________________

(١) انظر المدارك ١ : ٢٥٧.

٣٢٣

لا يخفى أن الأصل براءة الذمة ، وعدم الوجوب ، وبقاء الطهارة السابقة ، فإن كان دليل الوجوب محل نظر عنده فكيف يقرب الوجوب؟! إلاّ أن يقول : النظر ضعيف ، وهو كذلك ، لأن الخبر وإن كان مرسلا إلاّ أنّه منجبر بالشهرة ، والإجماع المنقول ، والآية تؤيده ، وكذا ما ذكره من الأخبار هذا مع أنّ الشيخ رجع عن قوله (١) ، لأنّ باقي تصانيفه متأخرة عن النهاية والاستبصار ، فتأمّل.

قوله : وهذا مما لا سبيل إليه. ( ١ : ٢٧٥ ).

لا يخفى على المطلع أنّ الشارح ـ رحمه‌الله ـ والشهيد والمحقق وغيرهم من الفقهاء في كثير من المسائل يتمسكون بالإجماع على وجه الاعتماد والاعتداد ، بحيث لا يبقى شبهة ولا ريبة ولا تأمّل أصلا على الملاحظ ، والكثرة بمكان لا يمكن التعداد.

مع أنّ أمثال ما ذكروه شبهة في مقابل البديهة ، كما حقق في الأصول ، وكيف لا يكون كذلك مع أن ضروري الدين والمذهب لا يحصل العلم بهما من حيث الفطرة ، لأنّهما ليسا من الفطريات قطعا بل حصوله بملاحظة حال المسلمين والمؤمنين قطعا من غير شك وشبهة ، مع أن أمثال ما ذكر من الشبهات واردة فيه أيضا.

وبالجملة : إذا كان منشأ العلم هو الحدس فكما يحصل بالضرورة من دون مصادمة الشبهة كذا يجوز حصوله من الكسب من دون المصادمة ، بل بطريق أولى. نعم في كثير من المواضع لا يحصل العلم بل يحصل الظن ،

__________________

(١) المبسوط ٤ : ٢٤٣ ، وانظر المبسوط ١ : ٢٧ ، والخلاف ١ : ١١٦ ، والتهذيب ٤ : ٣١٩.

٣٢٤

فما دل على حجية ظن المجتهد على سبيل العموم يشمل هذا. والتزام أن كل واحد واحد من الظنون التي يعتمدون عليها عليه دليل قطعي بخصوصه سوى أمثال ما نحن فيه لعله جزاف وخروج عن الإنصاف ، وغير خفي على الملاحظ المتأمّل الفطن ، فتأمّل.

قوله : بأن ذلك يخرج الخبر. ( ١ : ٢٧٥ ).

دخوله في المرسل إنما يكون إذا كان الناقل للإجماع لا يكون هو مطلعا على الإجماع وعالما به وإنما نقله بواسطة أو وسائط وأسقط الواسطة ، وليس كذلك ، بل عبارات الناقلين في غاية الوضوح في دعواهم الاطلاع ، لا أنّه لا اطلاع لهم ، بل أخبرهم مخبر عن مخبر لم يذكروه وأخبروا على سبيل الخبر وكون العهدة على المخبر ، بل هذا فاسد قطعا.

ودعوى عدم إمكان حصول الاطلاع لهم في غاية الفساد ، كيف ونحن الآن في كثير من المسائل حصل لنا العلم والاطلاع ، وادعى الشارح ـ رحمه‌الله ـ الإجماع في كثير من المواضع على سبيل الاستناد والاحتجاج ، كما لا يخفى على المطلع ، منها في بحث نجاسة المني (١) وغير ذلك مما لا يحصى كثرة.

والناقلون للإجماع أقرب عهدا من الشارح وأعرف وأشدّ مهارة وأزيد اطلاعا بمراتب ، بل العوام حصل لهم اليقين بوجود « رستم » وأمثاله مع أنهم ما سمعوا وجودهم إلاّ من قليل من الناس ، وما اطلعوا على ذلك إلاّ من نادر من الكتب من دون أن يطلعوا على أن الناقلين ممن سمعوا ، فضلا عن أن يطلعوا على أن من سمعوه منه كان بعدد التواتر ، وهكذا إلى زمان رستم ، بل طريق علمهم التظافر والتسامع والتحدس والتفرس ، فلو أخبر العامي بوجود‌

__________________

(١) انظر المدارك ٢ : ٢٦٦.

٣٢٥

رستم مثلا لا يكون خبرا مرسلا ، كما لو أخبر بوجود الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكذا في ادعائه الرسالة وأمثال ذلك.

على أن الوسائط في نقل الإجماع لو كانت فإنما هم الفقهاء الفحول والأجلة ، وليس هذا شأن غيرهم بلا شبهة ، فالخبر في حكم المسند الصحيح.

مع أنّه أي فرق بين أمثال زماننا وزمان الحضور في حصول العلم بقول كل مجتهد مجهول ، مع أن الشيعة لم يعتبروا كون الاتفاق في عصر واحد في تحقق الإجماع.

مع أن في الضروري يحصل العلم بقول كل مجهول ، فأي مانع في النظري؟ مع أن الناقل يمكن أن يكون مراده الإجماع الضروري ، إذ ربما يكون ضروريا عند الأولين نظريا عند الآخرين ، ولا هذا ولا ذاك عند بعض ، مع أنّا حققنا أنّه لا يحتاج في العلم بالإجماع إلى قول مجهول النسب ، فتأمّل.

قوله (١) : ما شاءا إلاّ السجدة. ( ١ : ٢٧٨ ).

لا يخفى أن السجدة بنفسها لا تقرأ ، لأنها وضع الجبهة ، فلا تمكن إرادة نفسها. فإما أن يراد منها سببها وموجبها من قبيل إطلاق السبب على المسبب ، أو يضمر لفظ العبارة والكلام ونحوهما ، أو يكون المراد منها سورة السجدة ، كما يقال : أقرأ البقرة ، أو آل عمران ، أو الأنعام ، أو الحمد ، أو الرحمن أو الواقعة ، إلى غير ذلك ، كما هو الحال في جميع سور القرآن من أولها إلى آخرها أنه يطلق اللفظ الذي ذكر من السورة ويراد منه نفس السورة إذا كانت تلك السورة تعرف بذلك اللفظ المذكور فيها.

__________________

(١) هذه الحاشية ليست في « أ » و « و ».

٣٢٦

مثلا سورة البقرة تذكر بلفظ البقرة على الإطلاق كما تذكر بإضافة لفظ السورة إليها ، فإذا قيل : لا تقرأ البقرة ، ليس المراد خصوص قوله تعالى : بقرة في قوله تعالى ( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ) ، وكذلك قوله لا تقرأ الحمد أو آل عمران وغيرهما.

وكذلك السجدة ليس المراد نفس السجدة المذكورة في الأمر بها بل سورتها ، كما يراد من لفظ سورة السجدة ، فإذا قيل : لا تقرأ السجدة يكون المراد سورة السجدة ، كما يقال : لا تقرأ سورة السجدة ، فإن المتعارف المعهود بين المتشرعة إرادة سورة السجدة من إطلاق السجدة ، كما هو الحال في ما ذكرنا من السور إلى آخر القرآن ، مثل الفيل ، وقريش ، والكافرون ، والفتح ، إلى غير ذلك ، فإذا قيل : اقرأ القرآن إلاّ الكافرون ليس المراد في لفظ قل يا أيها الكافرون.

قوله : وليس في هاتين الروايتين. ( ١ : ٢٧٨ ).

في الفقه الرضوي : « ولا بأس بذكر الله وقراءة القرآن وأنت جنب إلا العزائم التي تسجد فيها ، وهي ألم تنزيل ، وحم السجدة ، والنجم ، وسورة اقرأ ، ولا تمس القرآن إذا كنت جنبا أو على غير وضوء ومسّ الأوراق » (١) ، انتهى.

قوله : لا تخلو من ضعف. ( ١ : ٢٧٩ ).

فيه ما ذكرنا في مبحث الوضوء (٢).

قوله : مع أن أبا الربيع. ( ١ : ٢٨٠ ).

__________________

(١) فقه الرضا عليه‌السلام : ٨٤ ، المستدرك ١ : ٤٦٥ أبواب الجنابة ب ١٢ ح ١.

(٢) راجع ص ٣٠٣.

٣٢٧

يمكن الجمع بحمل هذه على مسّ غير الاسم ، على ما يومئ إليه قوله : وفيها اسم الله ، فتأمّل.

قوله : لنا قوله تعالى. ( ١ : ٢٨٠ ).

في الاستدلال به إشكال ظاهر.

قوله : والضرائح المقدسة. ( ١ : ٢٨٢ ).

ورد في بعض الأخبار في المنع عن دخول بيوت الأئمة عليهم‌السلام جنبا ، فلاحظ ، حيث قال للراوي معترضا عليه : أهكذا تدخل بيوت الأنبياء (١)؟ ، على ما هو ببالي ، فلاحظ.

قوله : قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الجنب. ( ١ : ٢٨٢ ).

وفي الفقه الرضوي : « وليس للحائض والجنب أن يضعا في المسجد شيئا ، لأنّ ما فيه لا يقدران على أخذه من غيره ، وهما قادران على وضع ما معهما في غيره » (٢).

قوله (٣) : وروي أن الأكل. ( ١ : ٢٨٣ ).

وروى الحلبي عن الباقر عليه‌السلام : « إذا كان الرجل جنبا لم يأكل ولم يشرب حتى يتوضأ » (٤).

قوله : على كراهة الأكل. ( ١ : ٢٨٤ ).

دليل الكراهة هو الخبران المذكوران عن الصدوق ، المنجبران بعمل‌

__________________

(١) رجال الكشي ١ : ٣٩٩ / ٢٨٨ ، الوسائل ٢ : ٢١٢ أبواب الجنابة ب ١٦ ح ٥.

(٢) فقه الرضا عليه‌السلام : ٨٥ ، المستدرك ١ : ٤٦٣ أبواب الجنابة ب ١٠ ح ١ ، بتفاوت يسير.

(٣) هذه الحاشية ليست في « ا ».

(٤) الفقيه ١ : ٤٧ / ١٨١ ، الوسائل ٢ : ٢١٩ أبواب الجنابة ب ٢٠ ح ٤.

٣٢٨

الأصحاب ، مضافا إلى المسامحة في أدلة السنن والمكروهات ، وقد مر وجهها في صدر الكتاب ، والصحيحان المذكوران يؤيدان أيضا.

وفي الموثق كالصحيح عن الصادق ٧ : « الجنب يأكل ويشرب ويقرأ ويذكر الله تعالى ما شاء » (١).

قوله : لضعف سند الرواية. ( ١ : ٢٨٧ ).

ليس في سندها إلاّ ضعيف واحد مشاركا مع مجهول ، فانضمامهما معا يوجب قوة ، مع أن السيد الذي لا يقول بحجية أخبار الآحاد إذا قال بحجيتها يظهر منه كونها من الأخبار المتواترة ، أو المحفوفة بالقرينة القطعية ، ويحصل من هذا ظن في غاية القوة ، والمدار عند الشارح أيضا في تصحيح الأخبار على الظنون ، بل والظنون الضعيفة ، كما لا يخفى على ( المطلع ، فتأمّل ) (٢).

قوله : فإن الحدث الذي يمكن. ( ١ : ٢٩٠ ).

سيجي‌ء في مبحث التيمم فساد ما ذكره الشارح (٣) ، فلاحظ.

قوله : أنه يجب تخليل الشعور. ( ١ : ٢٩١ ).

في الفقه الرضوي : « وميز شعرك بأناملك عند غسل الجنابة ، فإنه روي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن تحت كل شعرة جنابة ، فبلغ الماء تحتها في أصول الشعر كلها ، وانظر أن لا يبقى شعرة من رأسك ولحيتك إلاّ وتدخل تحتها الماء » (٤).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٠ / ٢ ، الوسائل ٢ : ٢١٥ أبواب الجنابة ب ١٩ ح ٢.

(٢) بدل ما بين القوسين في « ا » : المتأمّل.

(٣) راجع ج ٢ : ١٢٣ ، ١٢٤.

(٤) فقه الرضا عليه‌السلام : ٨٣ ، المستدرك ١ : ٤٧٩ أبواب الجنابة ب ٢٩ ح ٣.

٣٢٩

قوله : ونقل الشيخ في الخلاف فيه الإجماع. ( ١ :٢٩٣ ).

وكذا المرتضى ، وابن زهرة ، وابن إدريس والعلاّمة (١).

قوله (٢) : ورواية زرارة. ( ١ : ٢٩٤ ).

لكن تدل على أن أجزاء الغسل ثلاثة : صبّ على الرأس ، وصبّ على المنكب الأيمن ، وصب على المنكب الأيسر ، لا أن له جزئين : صبا للرأس ، وصبا للجسد ، بل تدل على أن كل واحد من الأجزاء الثلاثة يجب تحققه لتحقق ماهية الغسل للأمر بكل واحد منها في مقام بيان الغسل ، لا أن الواجب هو الصب على الرأس والصب على مجموع الجسد ، كما نسب إلى الشاذّ منا ، فيثبت المطلوب بضميمة عدم القول بالفصل.

مضافا إلى أن الواجبين الآخرين لا يمكن تحققهما دفعة ، بل لا بدّ من تقدم أحدهما وكونه المتحقق عقيب الواجب الأول.

فإمّا أن يكون نسبة هذا المعنى إلى كل واحد منهما على السواء من دون رجحان أصلا ، أو يكون الرجحان لوجوب الصب على الأيمن ، والثاني هو الأرجح والأظهر بحسب فهم العرف.

فإن الظاهر والمتبادر من قوله عليه‌السلام : « ثم صب على منكبه الأيمن » بعد قوله : « ثم صب على رأسه » بلا فصل ، كون الصب على الأيمن بعد الصب على الرأس وكذلك المتبادر من قوله : « وعلى منكبه الأيسر » بعد ذكر قوله : « على منكبه الأيمن » في ضمن السياق المزبور كون الصب على الأيسر بعد الصب على الأيمن ، سيما بعد ملاحظة ما ورد من أنّ الله تعالى‌

__________________

(١) الانتصار : ٣٠ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٤ ، السرائر ١ : ١٣٥ ، التذكرة ١ : ٢٣١.

(٢) هذه الحاشية ليست في « أ ».

٣٣٠

يحب التيامن في كل شي‌ء (١) ، وما ورد من أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان إذا اغتسل بدأ بميامنه (٢).

مضافا إلى أن فعله عليه‌السلام في مقام بيان ماهية العبادة ومعرفتها حجة ، كما حقق.

مع أن الترتيب الذكري في مقام بيان الأمور التوقيفية يرجح في نظر العرف كون الفعل بذلك الترتيب ، فلاحظ طريقة فهمهم ومكالمات الأطباء في مقام المعالجة وأمثال ذلك حتى يظهر عليك.

ومثل الحسنة المزبورة موثقة زرارة كالصحيحة عن الباقر عليه‌السلام : سألته عن غسل الجنابة؟ فقال : « أفض على رأسك ثلاث أكف ، وعن يمينك ، وعن يسارك ، إنما يكفيك مثل الدهن » (٣).

مضافا إلى أن الإفاضة على الرأس مقدمة على الإفاضة على اليمين قطعا ، فيظهر من السياق أن الإفاضة على اليمين أيضا مقدمة على الإفاضة على اليسار ، سيما بملاحظة قوله عليه‌السلام : « إنما يكفيك » ، لأن الظاهر منه أنّه عليه‌السلام في صدد بيان أقل ما يتحقق به الغسل ، ومع ذلك أمر بالإفاضة على اليمين على حدة ، وبالإفاضة على اليسار على حدة. ومثل هذا الكلام في قوله عليه‌السلام : « فما جرى » في حسنة زرارة.

قوله : لورودها في مقام البيان. ( ١ : ٢٩٥ ).

لعل المراد أن اشتراك المجموع في عدم بيان الترتيب بين الجانبين يدل على عدم اشتراطه ووجوبه ، لكن لا يخفى أن الأخبار التي هو أتى بها‌

__________________

(١) عوالي اللآلي ٢ : ٢٠٠ / ١٠١.

(٢) صحيح مسلم ١ : ٢٥٦ / ٤٣.

(٣) التهذيب ١ : ١٣٧ / ٣٨٤ ، الوسائل ٢ : ٢٤١ أبواب الجنابة ب ٣١ ح ٦.

٣٣١

ظاهرة في عدم الترتيب مطلقا ، والأخبار الأولة في وجوبه بين الرأس والبدن ، وكيف التعارض في مقام البيان! فظهر أن ما أتى به ليس في مقام البيان البتة ، لمنافاته الإجمال. مع أن الظاهر منها ـ خصوصا الآخرين ـ أن المراد بيان أنّه لا وضوء فيه ، كما يقول به العامة (١) ، كما لا يخفى على المتأمّل المنصف.

ومما يومئ أنّه توجه عليه‌السلام في أوله إلى الآداب والمستحبات ، إلى أن وصل إلى نفس الغسل ، فلم يذكر إلاّ أنّه يغسل جسده ولا وضوء فيه ، من غير توجه إلى مستحبات وآداب مع أن فيه آداب ومستحبات البتة.

وأهم من ذلك عدم ذكر تقديم الرأس ، إذ لا أقل من أنّه مستحب في غاية الشدة ونهاية التأكيد.

ثم لا يخفى أن غرض الشارح إن كان نفي ثبوت الترتيب بين خصوص الجانبين ، وإن وجب بين الرأس والجسد ، كما يظهر من قوله : بين الجانبين ، ففيه ما عرفت وستعرف ، وإن كان نفي الترتيب مطلقا فمع كونه خلاف ظاهر كلامه ـ مضافا إلى ما عرفت أيضا ـ أنّه إحداث قول ثالث ، والشارح بأضعف من هذا ربما يتمسك ، فتأمّل.

وبالجملة : الأخبار الأخيرة هو لا يقول بمضمونها ، والأولة لم يقل به أحد من الفقهاء بما يظهر منها على تقدير تسليم ظهور التفصيل ، بل إما حملت على الاستحباب ، أو طرحت ، أو قيل بأن المراد منها وجوب الترتيب مطلقا ، سكت المعصوم عليه‌السلام عن التنصيص بالنسبة إلى الجانبين ، بناء على ظهور أن الترتيب هو كذلك ، وكانوا يعرفون من الطريقة المستمرة بين المسلمين ، فتأمّل.

__________________

(١) انظر بداية المجتهد ١ : ٤٤ ، والمغني لابن قدامة ١ : ٢٤٩.

٣٣٢

مع أنّه ورد في الأخبار الكثيرة أنّ غسل الميت يترتب بين الجانبين.

وروى في الاستبصار حديثا ظاهره الصحة ، عن محمّد بن مسلم ، عن الباقر عليه‌السلام ، قال : « غسل الميت ) (١) مثل غسل الجنب » (٢). ويؤيده أيضا ما في الأخبار من أن غسل الميت من جهة أنّه يخرج منه النطفة التي خلق منها (٣). ويعضده أيضا أنّ الميت الجنب يغسل غسلا واحدا (٤) ، فتأمّل ، بل صرح عليه‌السلام في بعضها أنّه يغسل غسل الجنابة (٥).

وفي كتاب العلل في الصحيح إلى ابن أبي نصر ـ وهو ممن أجمعت العصابة ، وممن لا يروي إلاّ عن ثقة ـ عن عبد الرحمن بن حماد عن الكاظم عليه‌السلام ، عن الميت لم يغسل غسل الجنابة؟ قال : « إن الله. » (٦) ، وذكر وجهه.

ومرّ الإجماعات التي نقلناها مع عدم ظهور مخالف وثبوته ، مع أنّه على تقدير الثبوت خروج معلوم النسب ضرره غير ظاهر.

وربما كان في حسنة زرارة أيضا إيماء إلى ذلك.

وبالجملة : مع ملاحظة جميع ما ذكرنا ـ مضافا إلى أنّ العبادة توقيفية ـ ربما يشكل الاكتفاء بترتيب الرأس دون الجانبين ، سيما مع مشاهدة عمل المسلمين في الأعصار والأمصار من عدم الاقتصار على ترتيب الرأس ، ولعله غير مأنوس من طريقتهم ، مع أن الغسل من الأمور التي يعم بها البلوى ، فلو‌

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « ا ».

(٢) الاستبصار ١ : ٢٠٨ / ٧٣٢.

(٣) انظر الوسائل ٢ : ٤٨٦ أبواب غسل الميت ب ٣.

(٤) انظر الوسائل ٢ : ٥٣٩ الباب ٣١ من أبواب غسل الميت ب ٣١.

(٥) انظر الهامش ٣.

(٦) علل الشرائع : ٣٠٠ / ٥ ، الوسائل ٢ : ٤٨٨ أبواب غسل الميت ب ٣ ح ٨.

٣٣٣

كان خصوص هذا الترتيب واجبا دون غيره لشاع ذلك ، ولا أقل من أن يكون مذهبا شائعا من المذاهب ، بل ولا أقل من أن يكون مذهبا معروفا من أحد من القدماء ، بل ولم نجد من المتأخرين أيضا من يفتي بذلك ، فكيف يخفى مثل هذا العام البلوى ، الكثير الحاجة ، المتوفر الدواعي على المعرفة والضبط على جميع الفقهاء من المتأخرين والقدماء؟! فتأمّل.

وأيضا (١) : كما أنّ الوضوء ماهية واحدة فكذلك الغسل ، ولذا وردت وضوءات كثيرة واجبة ومستحبة ولم يتأمّل أحد في ماهية واحد منها وأنها بأي هيئة ، وكذلك الغسل ، فإنّ الأغسال الواجبة كثيرة والمستحبة أكثر وأكثر ، ولم يتوقف أحد في واحد منها بأنها بأي كيفية ، ولم يرد في خبر من الأخبار لا كيفية الواجب ولا المستحب أصلا سوى غسل الجنابة ببعض الوجوه وغسل الميت ، وأما باقي الأغسال فلم يذكر ماهيتها أصلا ورأسا ، والبناء ليس إلاّ على كون الكل بهيئة واحدة ، وعرفت أن غسل الميت ورد فيه الترتيب بين اليمين واليسار كثيرا بحيث لم يبق مجال التوهم فيه ، ولا أقل في كون الغسل المذكور ( في موضع من المواضع الواجبة والمستحبة ) (٢) هل هو بهيئة غسل الجنابة أو بهيئة غسل الميت ، إذ لم يتوقف أحد في ذلك قطعا.

على أن الشارح في مبحث تداخل الأغسال اختار وحدة الجميع من جهة صدق الامتثال (٣) ، وليس هذا إلاّ من جهة أن جميع الأغسال بهيئة واحدة لا تفاوت فيها أصلا.

وأيضا : ترتيب الغسل وارتماسه وعدم وجوب الموالاة فيه وغير ذلك‌

__________________

(١) من هنا إلى آخر الحاشية ليس في « أ ».

(٢) ما بين القوسين ليس في « و ».

(٣) أنظر المدارك ١ : ١٩٤.

٣٣٤

إنّما ورد في الأحاديث في خصوص غسل الجنابة فقط ، مع أنّه يفهم منه أن جميع الأغسال هكذا ، واتفقت الفتاوي والأفهام على ذلك ، وليس ذلك إلاّ من بداهة اتحاد الهيئة ، وفي غسل الميت اتفق الأفهام والفتاوي والأخبار على الترتيب بين اليمين واليسار.

قوله : ولو قيل بسقوط الترتيب بالمرة. ( ١ : ٢٩٦ ).

كما يقول به المشهور ، والمراد هنا إظهار الفائدة بين قول المشهور وقول القائل ، وكذا في قوله : وفيما لو نذر. ، فإنّه يبرأ على قول القائل بمجرد الارتماس ( لا الارتماس ) (١) الذي يجعله بالقصد مرتبا.

وإنما قيده كذلك لإظهار الفائدة والفرق بين المعنيين أيضا ( وبأنه كما تظهر الفائدة بين المشهور وبين القائل تظهر الفائدة بين المعنيين أيضا ) (٢).

وقوله : لأنّه ذكره. تعليل لحصول تلك الفائدة إذا كان مراد القائل المعنى الآخر الذي تحت لفظ عبارته ، وحصول الترتيب فيه حكما وكونه في حكم المترتب واحد لا فرق بينهما ، فتأمّل.

قوله (٣) : لعدم الوحدة المذكورة. ( ١ : ٢٩٦ ).

الظاهر اتفاق الأصحاب على اشتراط الوحدة المذكورة في الارتماس كاتفاقهم على اشتراط الترتيب في الترتيبي ، والشرط المذكور شرط للصحة والإجزاء ، أو تحقق الماهية على القول بكون ألفاظ العبادات أسامي للصحيحة منها.

والدليل على الشرط المذكور ما ورد في الأخبار : « إذا ارتمس ارتماسة‌

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « ج » و « د » و « و ».

(٢) ما بين القوسين ليس في « ا ».

(٣) هذه الحاشية ليست في « أ ».

٣٣٥

واحدة أجزأه عن غسله » ، فما لم يتحقق الشرط لم يتحقق الإجزاء والصحة ، فيكون باطلا.

وأيضا : الترتيب شرط ، كما ثبت ، فلو لم يتحقق في الترتيبي بطل ، وإذا ارتمس بالوحدة المذكورة أجزأ عن الترتيب ، فلو لم يتحقق تلك الوحدة بطل قطعا ، لعدم تحقق الترتيب ولا ما هو مسقط للترتيب.

بل الأصحاب يجعلون الأصل في الغسل هو الترتيبي ، لأنهم يذكرون أنّ من شرائط الغسل هو الترتيب ، ثم يذكرون أنّه إذا ارتمس ارتماسة واحدة أجزأه عن الترتيب وسقط ، والسقوط لا يكون إلاّ في ما هو ثابت ، والإجزاء لا يكون إلاّ بالنسبة إلى ما هو أصل ، بل في الأخبار أن الارتماسة الواحدة تجزئ عن غسله.

ويظهر من الأخبار أن المتعارف في ذلك الزمان كان هو الترتيبي ، مع أن في تلك الرواية أنّه أجزأه ما جرى الماء قليله وكثيره ، وفيه شهادة على إرادة الترتيبي ، إذ لا مناسبة لقلة الماء وكثرته في الماء الجاري على جسده في الارتماسي ، مع أن الظاهر الإجزاء عن الدلك ، كما ستعرف ، ولا دلك في الارتماسي ، فتأمّل.

ومما ذكر ظهر فساد ما اختاره في القواعد ، من كفاية غسل تلك اللمعة المغفلة في الارتماسي (١) ، وجعله أوسع من الترتيبي ، من جهة أن الترتيبي يجب فيه غسل تلك اللمعة مع ما بعدها إن لم تكن في طرف اليسار. والظاهر أنّه استند في حكمه في الارتماسي إلى قول الصادق عليه‌السلام : « الجنب ما جرى عليه الماء من جسده قليله وكثيره فقد أجزأه » (٢).

__________________

(١) قواعد الأحكام ١ : ١٤.

(٢) الكافي ٣ : ٢١ / ٤ ، التهذيب ١ : ١٣٧ / ٣٨٠ ، الاستبصار ١ : ١٢٣ / ٤١٦ ، الوسائل ٢ : ٢٤٠ أبواب الجنابة ب ٣١ ح ٣.

٣٣٦

وفيه : أن المطلق ينصرف إلى الشائع المتعارف ، وهو الترتيبي ، كما عرفت ، مع أن المطلق يحمل على المقيد ، وقد عرفت أنّ الارتماسي شرطه الوحدة المذكورة ، وأنّ هذا الشرط موضع الترتيب في الترتيبي ، وأنّه مسقط للترتيب الذي هو شرط للصحة إجماعا ، ولذا لو غسل من اليمين شيئا قبل غسل الرأس يكون باطلا عندهم قطعا ، بل الظاهر البطلان واقعا ، كما عرفت ، وهذا كيف يجتمع مع ما ذكره من الإجزاء في الأجزاء من دون تحقق الوحدة التي هي شرط نصا ووفاقا ، بل هما متنافيان بالبديهة فكيف يجتمعان؟! ولا يمكن منع اشتراط الوحدة المذكورة أيضا.

مع أنّه لم يرض بكونه ترتيبا حكما فكيف رضي بما ذكر؟! لأن إجزاء بعض الأجزاء قبل بعض ترتيبي حقيقي ، فإن أكثر الأجزاء تطهّر ، وغسل ، وأجزأه غسله مع عدم غسل اللمعة وعدم الإجزاء فيها ، بل يصير ترتيبيا بترتيبات لا يمكن عدها من الكثرة ، بل بعكس ترتيب الترتيبي ، لأن العادة في الارتماس بتأخير الرأس عن الجسد ، والإطلاق ينصرف إلى ما هو المعتاد والمتعارف ، فيصير هذا المعتاد والمتعارف شرطا ، لأنهم عليهم‌السلام جعلوه شرطا بقولهم : « إذا ارتمس » ، إذ كلمة « إذا » ليست من أدوات العموم فيكون المطلق باقيا على إطلاقه ، فتأمّل جدا.

على أن ظاهر قوله عليه‌السلام : « فما جرى عليه الماء » فاسد ، لأن الضمير في أجزأه يرجع إلى الجنب ، فيصير المعنى أنه أيّ قدر من جسده جرى عليه الماء أجزأه في غسله ولا يحتاج إلى أمر آخر ، وفيه ما فيه. وتأويله بما أراده ليس بأولى من تأويله بأن المراد : إذا جرى في جسده الماء سواء كان قليل الماء أو كثيرة أجزأه عن الدلك ، كما يظهر من غيره من الأخبار.

٣٣٧

على أن ما أراده ـ على فرض ظهوره ـ ليس بحيث يقاوم ما ذكرنا من الأخبار والوفاق ، فضلا عن أن يغلب عليهما ، سيما وأن يكتفي في مقام تحصيل البراءة اليقينية لشغل الذمة اليقيني.

هذا مضافا إلى ما ستعرفه في مبحث وقوع الحدث في الأثناء.

ولما ذكرنا اعتبر المحقق الشيخ علي قصر الزمان في غسل اللمعة ، وأنّه لو طال يجب عليه الإعادة (١) ، والظاهر أن ما اعتبره لأجل الوحدة التي هي شرط.

لكن إن كان مراده غسلها تحت الماء حال الارتماس فلا فرق بين الطول والقصر وخرج عن محل النزاع ، وإن أراد بعد ما خرج عن الماء ففيه منع تحقق الوحدة العرفية على سبيل الحقيقة لا المجاز ، سيما بملاحظة أنّه عليه‌السلام قال : « إذا ارتمس أجزأ » والارتماس هو الدخول تحت الماء ، فمقتضاه تحقق الإجزاء حين ما هو داخل ولم يخرج ، لا أنّه لم يتحقق الإجزاء إلاّ بعد الخروج وبعد غسل اللمعة بعد ما خرج ، وأين هذا من ذاك ، فكيف يكون داخلا في الأخبار الدالة على إجزاء الارتماسة الواحدة؟!.

ومما ذكر ظهر فساد ما قاله في الذخيرة (٢) من كفاية الارتماسة الواحدة وإن لم يتحقق شمول الماء لجميع الجسد إلا بعد ما خرج ، وغسل تلك اللمعة خارجا عن الماء وإن طال الزمان أيضا.

قوله : لا على معنى الاعتقاد المذكور. ( ١ : ٢٩٦ ).

يعني أنّه بمجرد الارتماس يصير بريئا وإن لم يصدر منه الاعتقاد‌

__________________

(١) جامع المقاصد ١ : ٢٨٠.

(٢) الذخيرة : ٥٧.

٣٣٨

المذكور ، لأن القائل ذكره. ، يعني أن مقتضى كلامه أن الغسل الارتماسي غسل ترتيبي حكما وإن لم يكن ترتيبيا فعلا ، والناذر نذر الغسل مرتبا بحسب الشرع من غير تقييد بالفعلي. أما لو كان مراده أنّه يعتقد الترتيب حال الارتماس فلا يبرأ إلاّ بعد الاعتقاد ، وبغير الاعتقاد لا يصير ترتيبيا.

هذا على ما أفهمه مما نقله في هذا الكتاب ، وليس عندي الذكري. وعدم الفرق بين ما هو في حكم الترتيب وما هو ترتيبي حكما (١) يحتاج إلى التأمّل ، سيّما فيما إذا نذر الاغتسال مرتبا ، فإن الظاهر منه الترتيب الفعلي إلاّ أن يكون ناويا المعنى الأعم ، فتأمّل.

مع أن كون الفائدة ما ذكره في وجود اللمعة أيضا محل نظر ظاهر (٢).

قوله : لما فيه من الاستظهار. ( ١ : ٢٩٨ ).

وهو مستحب ، لقوله عليه‌السلام : « دع ما يريبك إلى ما لا يريبك » (٣) ، وأمثاله ، هذا على تقدير تحقق الامتثال العرفي بدونه ، وإلاّ فهو واجب ، فتأمّل.

قوله : وإن لم يدلك جسده. ( ١ : ٢٩٨ ).

في دلالته على استحباب الدلك في صورة وصول الماء بدونه نظر ، وأما في صورة عدم الوصول بدونه فلا شبهة في الوجوب ، والدليل على استحباب الإمرار هو اتفاق الأصحاب ، كما نقله بعض (٤).

__________________

(١) في « د » زيادة : لا.

(٢) ليس في « ب ».

(٣) عوالي اللآلي ١ : ٣٩٤ / ٤٠ ، ٣ : ٣٣٠ / ٢١٤.

(٤) انظر المعتبر ١ : ١٨٥.

٣٣٩

قوله : لما فيها من الإسراع. ( ١ : ٢٩٨ ).

ولأن البقاء على الجنابة مكروه شرعا إلاّ في صورة قصد الإعادة ، مع أنّ الظاهر من الأخبار استحباب عدم البقاء حينئذ أيضا.

ومن جملة الأدلة على استحباب الموالاة الأسوة بالنبيّ والأئمة صلوات الله عليهم ، فإنها هي المعروفة عنهم.

قوله : ولا بأس بالوجوب. ( ١ : ٢٩٨ ).

أي البناء في العمل عليه ، نظير ما سيذكره الشارح في الاستبراء (١) ، ولقوله : لا بأس ، فتأمّل. وكذا لما يظهر من أدلته ، فتأمّل ولعل مراد الشيخ من الوجوب أيضا ذلك ، فتأمّل.

قوله : وهو خلاف المدعى. ( ١ : ٢٩٩ ).

بل يدل على عدم الوجوب ، من جهة أنهم عليهم‌السلام ما أنكروا على السائلين في ترك البول ، مع أنّه يظهر من تلك الروايات أن المغتسلين كانوا يتركون البول على عدم وجوبه عليهم ، فهم عليهم‌السلام قرروهم على اعتقادهم ، فلاحظها حتى يظهر عليك ما قلناه.

قوله : وخلو الأخبار. ( ١ : ٢٩٩ ).

لم يدّع أحد أنه داخل في ماهية الغسل ، فالأخبار الواردة في بيان ماهية الغسل وكيفيته لا دخل لها في عدم وجوبه ، وأمّا عدم الصراحة فغير مضر بعد تسليم الظهور ، كما يشعر به كلامه هنا ، وصرح به مرارا لأن الظهور يكفي ، مضافا إلى أنّه في مقام بيان الغسل.

ولعل مراده أنّه وإن كان ظاهرا فيه إلاّ أن خلو الأخبار في بيان الغسل ظاهر في خلافه ، وقد عرفت حالها.

__________________

(١) المدارك ١ : ٣٠٠.

٣٤٠