الحاشية على مدارك الأحكام - ج ١

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

الحاشية على مدارك الأحكام - ج ١

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-169-9
ISBN الدورة:
964-319-168-0

الصفحات: ٤١٥

قوله : قد حقق فيما سبق. ( ١ : ٩٠ ).

فيه تأمّل أيضا ، إذ مراده الوقوع الواقع في ما دل على نزح سبع دلاء لا (١) مطلقا ، ولا ملازمة ، والفرق واضح.

قوله : إليه خاصة. ( ١ : ٩٠ ).

لا يخلو من تأمل بعد ملاحظة النهي بسبب الإفساد ، فتأمّل.

قوله : وليس بعد تحققه. ( ١ : ٩٠ ).

لو تم ما ذكره لزم أن لا يتحقق تكليف بمسبب أصلا ، بل يكون التكليف بسببه ، وهو فاسد ، كما حقق في محله. وأيضا لو تم ما ذكره لعله يلزم أن لا يتعلق التكليف بترك شي‌ء ، وهو أيضا خلاف التحقيق.

قوله : مع نفس الوقوع. ( ١ : ٩٠ ).

مجرد المعية غير مضر ، وكون نفس الغسل أو جزئه شخصا من أشخاص الوقوع المنهي عنه مما لا يكاد يتحقق ، إذ في أيّ صورة اتفق الوقوع يتحقق المنهي عنه قبل تحقق الغسل أو جزءه ، ولعله لهذا أمر بالتأمّل ، فتأمّل.

قوله (٢) : واعترض عليه. ( ١ : ٩١ ).

شناعة هذا الاعتراض على العلامة ـ رحمه‌الله ـ واضحة ، لأنّه صرح بأن علة عدم الاشتراط عدم وجوب شي‌ء عنده في ما لا نص فيه من جهة عدم الدليل ، وعنده وعند غيره أن الأصل العدم ، ولازم هذا كون السبع لمجرد دخول الجنب للاغتسال. ومما ذكر ظهر ما في قول الشارح ـ رحمه‌الله ـ وجوابه ، إذ ما سبق منه مع فساده ـ كما عرفت ـ لا يلائم كلام العلامة ، بل‌

__________________

(١) ليس في « ب » و « ج » و « د » و « ه‍ ».

(٢) هذه الحاشية ليست في « ب » و « ج » و « د ».

١٤١

وينافيه ، فكيف يصير جوابا له! فتدبر.

قوله : وهذا أقرب. ( ١ : ٩١ ).

فيه تأمّل ظاهر ، إذ خصوص كون سبع دلاء يزيل ثوران الحمأة في كل ثوران في كل بئر فاسد ، بل ربما يكون النزح مزيدا للعلة موجبا لزيادة الثوران.

على أنه لو تم ما ذكره لزم أن لا يكون لخصوصية الجنب مدخل في وجوب نزح السبع أو استحبابه ، بل كل من نزل في البئر أو كل شي‌ء وقع في البئر ينزح له سبع ، كما أنّه لو لم يقع ثوران من نزول الجنب لم يحتج إلى نزح أبدا ، فتأمّل.

قوله : ولم أقف على نص. ( ١ : ٩٢ ).

الظاهر أن المفيد ـ رحمه‌الله (١) ـ ومثله ممن حكم بهذا الحكم كان لهم نص ، إلاّ أن الشيخ ـ رحمه‌الله ـ لم يتفطن ، كما ينبه عليه ما سنذكر في بول الصبي (٢) ونجاسة عرق الجنب من الحرام (٣) وغيرهما.

قوله : بعدم ورود. ( ١ : ٩٣ ).

روى عمار عن الصادق عليه‌السلام : أن كل شي‌ء وقع في البئر وليس له دم سائل فلا بأس به (٤).

قوله : والأجود قصر الحكم. ( ١ : ٩٣ ).

لعل في الرواية ما يشير إلى ما فهمه القوم ، من أن المراد العصفور وما‌

__________________

(١) المقنعة : ٦٨.

(٢) في ص ١٤٣.

(٣) في ص ٢٠٥ ـ ٢٠٧.

(٤) التهذيب ١ : ٢٣٠ / ٦٦٥ ، الاستبصار ١ : ٢٦ / ٦٦ ، الوسائل ١ : ٢٤١ أبواب الأسار ب ١٠ ح ١ ، بتفاوت في العبارة.

١٤٢

أشبهه في الجثة ، فليلاحظ.

ونقل عن الراوندي استثناء الخفاش عن هذا الحكم (١) ، ولعله لما في بعض الأخبار من أنه مسخ (٢) ، لكن إن قال بنجاسة المسوخ فله وجه وإلا فلا ، فتأمّل.

قوله : اختلف الأصحاب. ( ١ : ٩٤ ).

بعد اختلافهم الشديد في تفسير هذا الصبي ، ففسره بعضهم بمن لم يأكل بعد (٣) ، وآخر بمن يغتذي باللبن في الحولين أو يغلب عليه (٤) ، وبعضهم بمن لم يغتذ بالطعام في الحولين اغتذاء غالبا أو مساويا (٥) ، وبعضهم بمن كان في الحولين مطلقا (٦) ، وبعضهم قيد الرضيع بكونه ابن المسلم (٧).

قوله : والظاهر أنه ـ رحمه‌الله. ( ١ : ٩٤ ).

لعل استدلاله بها بناء على حمل الصبي الفطيم على معناه المجازي ، وهو المشارف للفطام ، جمعا بينها وبين رواية منصور المتقدمة (٨) في حكم بول الصبي المفسر بالمفطوم ، المفتي بها بين الأصحاب ، المتضمنة لسبع دلاء ، كما أنهم يحملون اللفظ الذي هو حقيقة في الوجوب على الاستحباب ، بسبب معارضة خبر ، ويستدلون به على الاستحباب ،

__________________

(١) نقله عنه في المعتبر ١ : ٧٤.

(٢) الوسائل ٢٤ : ١٠٩ ، ١١١ أبواب الأطعمة المحرمة ب ٢ ح ١٢ ، ١٥.

(٣) كالشيخ في المبسوط ١ : ١٢.

(٤) كالشهيد في الذكرى : ١١.

(٥) كالشهيد الثاني في روض الجنان : ١٥٥.

(٦) كابن إدريس في السرائر ١ : ٧٨ ، لكنه عبر بالرضيع ، وكذا عبارة المبسوط والذكرى.

(٧) كالشهيد في البيان : ١٠٠.

(٨) المدارك ١ : ٨٦.

١٤٣

وكذا الحال في جل وجوه الجمع ، فإنهم يحملون على المجاز ويستدلون ، والحمل على تفاوت مراتب الاستحباب لا يلائم طريقتهم ، لقولهم بالوجوب ، ولذا فعلوا في باب النزح ما فعلوا.

مع أن الأخبار الواردة فيها في غاية الاضطراب ، وحمل هذه على الوجوب وتلك على الاستحباب وإن كان ممكنا لكنه أيضا لا يوافق طريقتهم المسلوكة في سائر أخبار هذا الباب غالبا ، بناء على أن المنع من الاستحباب يقيني عندهم ، فجواز الاستعمال موقوف على دليل ثابت ، ومجرد الاحتمال لا يكفي.

( وكون الجمع بالحمل على الاستحباب مجرد احتمال عندهم ، إذ ليس عليه دليل شرعي وإن شاع ذلك بين فقهاء أمثال زماننا ، بحيث صارت من المتعينات عندهم ) (١).

وما ذكرناه يظهر من كلام الشيخ في التهذيب وغيره (٢) ، فتأمّل.

هذا ، لكن في الفقه الرضوي : « وإن بال الصبي وقد أكل الطعام استقي منها ثلاثة دلاء ، وإن كان رضيعا استقي منها دلو واحد » (٣) ، وهذا هو مستند المفيد ـ رحمه‌الله ـ البتة ، وإن كان الشيخ استدل بالرواية المذكورة ، لأنه ـ رحمه‌الله ـ حين التأليف لم يكن متفطنا لأصل المستند ومتذكرا له ، فأتى بها له ، كما وقع منه ـ رحمه‌الله ـ مكررا ، كما لا يخفى على المطلع.

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « د ».

(٢) التهذيب ١ : ٢٤٣ ، الاستبصار ١ : ٣٤.

(٣) فقه الرضا « ع » : ٩٤ ، ٩٥ ، المستدرك ١ : ٢٠٣ أبواب الماء المطلق ب ١٥ ح ٢ ، بتفاوت يسير.

١٤٤

قوله (١) : ولم أقف لهما. ( ١ : ٩٤ ).

ادعى ابن زهرة إجماع الأصحاب عليه.

قوله (٢) : في بول الصبي. ( ١ : ٩٤ ).

ربما حمل على صورة التغير ، وفيه تأمل ، لكن مر في بول الرجل ما يأبى عن العمل بظاهرها على سبيل الوجوب (٣).

قوله : وإن كانت مبخرة. ( ١ : ٩٥ ).

بضم الميم وكسر الخاء ، أي منتنة ، أو بفتحهما ، أي مكان البخر ، كذا عن الشهيد (٤) ـ رحمه‌الله ـ ولعل ضمير « كانت » راجع إلى الأمور المذكورة ، أي الواقعة في الماء ، فتأمّل ، أو يكون راجعا إلى البئر ، ولا يضر ، لعدم معلومية كون البخر من خصوص النجس ، فتدبّر.

قوله : وهو كردويه. ( ١ : ٩٥ ).

إلاّ أن الراوي عنه هو ابن أبي عمير ، وهو ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم ، بل هو ممن لا يروي إلاّ عن الثقات ، كما في عدة الشيخ (٥) ، بل دائما هو يروي عن كردويه ، وفيه شهادة واضحة على وثاقته ، مضافا إلى حكاية إجماع العصابة. مع أنه على القول بالاستحباب تسامح في الحكم ، كما عرفت ، فتأمّل.

قوله : غير موثق. ( ١ : ٩٥ ).

إلاّ أنه من الحسان على المشهور ، والشارح يعمل بالحسان. وحسنه‌

__________________

(١) هذه الحاشية ليست في « ب » و « ج » و « د ».

(٢) هذه الحاشية ليست في « ج » و « د ».

(٣) انظر المدارك ١ : ٨٢.

(٤) انظر غاية المراد ١ : ٧٨.

(٥) عدة الأصول ١ : ٣٨٦.

١٤٥

لا تأمّل فيه عندهم ، وعند الشارح أيضا لعله كذلك.

قوله : إلى العرف العام. ( ١ : ٩٦ ).

العرف في ذلك غير منضبط ، بل لكل بئر دلو (١) ، وكذا في كل بلدة عادة. نعم لم تجر العادة بدلو يسع مثقالا أو مثاقيل قليلة ، ولعله لا يسمى مثله دلوا ، نعم الغالب في الدلاء أنها تسع قدرا معتدا به في الجملة ، ولعله مراد الشارح ـ رحمه‌الله ـ فتأمّل. لكن كونه مخالفا لما ذكره المصنف محل تأمّل ، فتدبر.

قوله : المراد بالدلو. ( ١ : ٩٦ ).

لعله مأخوذ من الفقه الرضوي (٢). ويمكن التأييد بأن الأحكام وألفاظها أنما ترد بالقياس إلى اصطلاح بلد حاكم الشرع ، كما هو العادة عند الإطلاق في المحاورات ، أو أنّ حمله على بلد السائل يوجب عدم انضباط الحكم ، ( ومع ذلك ربما يشكل الاستناد إليه ، بل ظاهر الأخبار خلافه ، فتأمّل ) (٣).

قوله : القدر من الماء. ( ١ : ٩٦ ).

سيما (٤) مع أمنه من انصباب الماء النجس عن الدلو في البئر إلاّ نادرا ، والأمر بالعدد وارد مورد الغالب ، فتأمّل.

قوله : ولأن الحكمة. ( ١ : ٩٦ ).

لعل مراده أن الحكمة في زوال النجاسة تعلقت بالعدد البتة ، وحصول تلك الحكمة بالعدد الحقيقي معلوم ، وأمّا حصولها بالعدد الحكمي فغير ظاهر ، فالحكم باق ، لعدم ثبوت المطهر شرعا ، فتدبر.

__________________

(١) ليس في « أ » و « ه‍ ».

(٢) فقه الرضا « ع » : ٩٢ ، المستدرك ١ : ٢٠٤ أبواب الماء المطلق ب ١٧ ح ٢.

(٣) ما بين القوسين ليس في « ب » و « ج » و « د ».

(٤) ليس في « ه‍ ».

١٤٦

ويؤيد المحقق أنهم أمروا بنزح العدد من غير تفصيل بين الدلو الصغير والكبير ، مع أن الغالب التفاوت بين الدلاء بكثير ، فتأمّل.

قوله : لأن الظاهر. ( ١ : ٩٦ ).

لا يخفى أن ما ذكره لا كلام فيه ، وإنّما الكلام والشبهة في أنه إذا كان الماء سابقا على الغور نجسا لا جرم يكون الملاقي له من أرض البئر متنجسا ، والمعروف من القائلين بالتنجيس انفعال الماء من أي نجس يكون ، ولو كان متنجسا ، إذ لم يفرق بين الأمرين عند الفقهاء.

مع أن الرطوبة لم تنعدم بالمرة ، إذ لم يعلم انعدامها ، والأصل بقاؤها حتى يعلم الانعدام ، إلاّ أن يكون مفروض المسألة العلم بالانعدام والزوال عن أرض البئر مطلقا ، لكن الفرض لعله بعيد ، مضافا إلى البعد عن ظاهر العبارة.

وكيف كان لا تنحسم مادة الشبهة ، لما عرفت.

إلاّ أن المنقول عن دليل المصرحين بالطهارة بالغور ليس مقصورا في ما ذكره الشارح ، بل له مقدمة أخرى (١) حذفها الشارح لعله لعدم اعتقاده بها ، وهي أن المقتضي للطهارة ليس إلاّ ذهاب الماء ، وهو يحصل بالغور كما يحصل بالنزح ، يعني أن الغرض هو إخراج الماء ، وهو كما يحصل بالإخراج من الفوق كذا يحصل بالإخراج من التحت ، مثل أن تنقب البئر من التحت بعنوان قناة أو غيره فيخرج الماء من النقب ، وخصوصية كون الإخراج من جهة الفوق لا يعقل أن يكون لها مدخل في التطهير ، بل إنما وردت مورد الغالب ، على قياس ما ذكره العلامة ـ رحمه‌الله ـ في النزح بإناء عظيم ، وكذا على قياس ما مر عن العلامة وغيره من الاكتفاء بنزح النساء في التراوح ونزح ما دون‌

__________________

(١) نقلها عنهم في الذخيرة : ١٣٧.

١٤٧

الأربعة فاستحسنها الشارح (١).

ثم لا يخفى أنه لا فرق بين الإخراج والخروج ، لأن النية غير معتبرة في المقام اتفاقا من الفقهاء.

إذا عرفت هذا فاعلم أنه لو سلمت تلك المقدمة يكون دليلهم تماما وافيا بمطلوبهم ، وإلاّ فلا ، فحذف الشارح إياها لا فائدة فيه ( بل ضرره أعظم ، لما عرفت من أن ما ذكره لا ربط له لدفع الشبهة ، إذ ليس الشبهة في المقام إلا ما أشرنا إليه ، فتأمّل ) (٢).

وتحقيق ذلك سيصرح الشارح ـ رحمه‌الله ـ في بحث ما لا نص فيه (٣) من أن مطهر نفس البئر هو الإجماع ، جوابا للاعتراض بأن نزح الجميع غير مقتض للقطع بجواز الاستعمال ، فتأمّل.

قوله : فروع ثلاثة. ( ١ : ٩٧ ).

وتتمّ بفروع أخر :

الأوّل : لا يعتبر في النزح النية ، وظاهرهم الاتفاق عليه ، فلو اتفق وقوعه لا بنية التطهير بل بقصود أخر يكفي ، كما أنه لا يحتاج إلى قصد القربة ، نعم هو شرط ترتب الثواب.

الثاني : لا يعتبر بلوغ النازح ولا عقله ولا إسلامه لو لم يباشر الماء ، بل لا يعتبر كونه إنسانا ، فلو نزح الدلاء بثور ونحوه يكفي ، نعم حكاية التراوح أمر آخر وقد مرّ.

الثالث : يجب إخراج النجاسة قبل الشروع في النزح ، والظاهر أنه اتفاق بين القائلين بالتنجيس ، بل لعله عند القائلين بعدمه أيضا كذلك.

__________________

(١) المدارك ١ : ٦٨ ، ٦٩.

(٢) ما بين القوسين ليس في « ج » و « د ».

(٣) المدارك ١ : ٩٩.

١٤٨

وأمّا الشعر فإن كان من نجس العين فكذلك على القول بنجاسته ، كما هو المشهور والحق.

قال في الذكرى : نزح الماء حتى يظن خروجه ، فإن استمر الخروج استوعب ، فإن تعذر لم يكف التراوح ما دام الشعر ، لقيام النجاسة ، والنزح بعد خروجها أو استهلاكها ، وكذا لو تفتت اللحم ، وأما شعر طاهر العين فأمكن الإلحاق بمجاورته النجس مع رطوبته ، وعدمه لطهارته وأصله (١). انتهى كلامه.

الرابع : هل طريق التطهير منحصر بالنزح أم يجوز تطهيرها بإلقاء الكر ، أو ممازجة الجاري ، أو نزول الغيث؟ يظهر من كلام المصنف في المعتبر (٢) الأوّل ، بل ظاهر هذا الكتاب أيضا ذلك ، بل الظاهر أنه هو الظاهر من فقهائنا ، وخالفهم في ذلك العلامة (٣) ، والشهيد أيضا على تفصيل (٤) ، ولا يخفى أن ظاهر الأخبار هو الأول ، فتأمّل.

هذا على القول بانفعال البئر ، وأمّا على القول بوجوب النزح تعبدا فلعله لا وجه للتأمّل في الانحصار ، فتأمّل ، وأما على القول باستحباب النزح فالظاهر أنه أيضا كذلك ، فتأمّل.

الخامس : يحكم بطهارة جوانب البئر التي أصابها الماء في حال النزح عند مفارقة آخر الدلاء. والمتساقط من الدلو الأخير معفو عنه للمشقة العظيمة ، ولأن الطهارة معلقة على النزح وقد حصل.

لكن الظاهر أن المعفو عنه هو المتساقط العادي ، فلو خرج عن العادة‌

__________________

(١) الذكرى : ١١.

(٢) المعتبر ١ : ٧٩.

(٣) المنتهى ١ : ١٨ ، التحرير ١ : ٥ ، القواعد ١ : ٦.

(٤) الذكرى : ١٠ ، الدروس ١ : ١٢٠.

١٤٩

مثل أن يكون في الدلو خرق ومزق بما يزيد عن العادة لم يكن معفوا عنه ، بل لم يكن الدلو محسوبا من العدد. وكذا لو تحرك الدلو بما هو زائد عن المعتاد فانصب منه كثير.

على أن في مطلق الخرق والتمزق إشكالا ، لأنّ المتبادر من الدلو هو الصحيح السالم. نعم ما يخرج من مسلمات (١) الدلو ومخارق الإبر لا يضر إذا كان الدلو من الدلاء المتعارفة.

السادس : الظاهر عندهم أن الدلو والرشاء ويد المستسقي حالها حال جوانب البئر.

السابع : لو لم يكن دلو وكان سطل أو غيره مما هو مثل الدلو هل يكفي النزح به؟ الظاهر نعم ، بل الظاهر الاكتفاء به مع وجود الدلو أيضا ، فتأمّل.

الثامن : صرح بعض الفقهاء بأن طهارة جوانب البئر والدلو والرشاء ويد النازح عند مفارقة آخر الدلاء من أمارات عدم انفعال البئر بالملاقاة (٢).

وهذا يقتضي أن لا يكون الحكم في صورة التغير كذلك ، كما هو الحال في غسالة الاستنجاء وما ماثلها ، فإن الدليل وإن اقتضى بظاهره العفو مطلقا إلاّ أنه يتقيد بصورة عدم التغير ، لأن المتغير نجس بالضرورة من الدين ، فكيف يناسبه العفو ، مع أنه متغير. ومجرد هذه الظواهر لا يكفي لمقاومة ما هو ضروري ، بل في بعض الصور عين النجس موجودة.

فعلى هذا يمكن أن يقال : يكفي لطهارة الجوانب سقوط القطرات من الدلاء الطاهرة عليها ، لأنّها تغسلها ، فلا يمكن الحكم بنجاسة ما يلاقي تلك الجوانب. وأما في غير الجوانب من الأمور المذكورة فيغسل إن لم يتحقق‌

__________________

(١) السمّ : الثقب. ومسامّ الجسد : ثقبه. القاموس ٤ : ١٣٣.

(٢) انظر : مجمع الفائدة ١ : ٢٥٨.

١٥٠

جريان عليها بحيث يغسلها ، وإن كان أقل جريان من الدلو الأخير ، فتأمّل.

التاسع : يكفي في الدلو المعتبر ملؤه العادي ، وهل يكفي نصفاه ـ مثلا ـ عن واحد؟ محتمل ، لكن الأحوط عدم الكفاية.

العاشر : في صورة نزح العدد لو صب أحد الدلاء في الماء ينزح عوضه ، ولا يوجب ذلك زيادة نزح عن العدد. والعلامة ـ رحمه‌الله ـ استوجه إلحاق صب الدلو الأخير بما لا نص فيه ، لأن البئر بعد انفصاله يطهر (١). وفي الفرق تأمّل.

قوله : أو البولية موجودة. ( ١ : ٩٧ ).

لعله قاس ذلك على النجاسات الواردة على مثل الثوب والبدن ، وفيه تأمّل ظاهر ، فتأمّل. مع أنّه لا يلائم مختاره في عدم الإجزاء في مسألة النزح بإناء عظيم وأمثالها ، لكن المنقول عن المعتبر أنه ليس على ما ذكره الشارح ، بل ذكر ذلك لأحد شقي ترديده ، فإنه متردد فيه أيضا ، فتأمّل.

قوله : لامتثال الأمرين. ( ١ : ٩٨ ).

لعله لا يخلو عن المصادرة ، إذ تحقق الامتثال العرفي غير ظاهر ، كما لا يخفى على من راجع الأمر في ذلك إلى أهل العرف. وتنظيره على الأغسال والغسلات لعله لا يخلو عن قياس ، فتأمّل.

قوله : فيجب القطع. ( ١ : ٩٨ ).

هذه الدعوى مشكلة بالنسبة إلى بول رجال متعددة كثيرين ، نعم يمكن دعوى الظن في بول رجل واحد إذا قطعه في الأثناء ثم خلاه في موضعه ، أما دعوى القطع فمحتملة أيضا ، مع أنها أيضا لا تخلو عن إشكال ، فتأمّل.

__________________

(١) المنتهى ١ : ١٨.

١٥١

قوله : فلا ريب في. ( ١ : ٩٨ ).

فيه ما عرفت وستعرف.

قوله : لا ريب في عدم زيادة. ( ١ : ٩٨ ).

هذا أيضا محل إشكال ، إذ لا نرى دليلا غير القياس بطريق الأولوية ، فلعل مثل المقام يتحقق العلم بالمناط ، وكونه في الفرع أولى ، لأن الشارح يشترط ما ذكر في حجية القياس بطريق أولى ، ومر أن بناء البئر على جمع المتباينات وتفريق المتماثلات ، واستجوده الشارح إذا كان النص صحيحا (١).

ولا يستحيل في نظرنا ورود نص صحيح على أن مثل الهرة الميتة المضمحلة المتفرقة الأجزاء التي تظهر بالاضمحلال ما في أمعائها من عذراتها وما في جوفها وعروقها من دمائها وقروحها وصديدها وتكون جائفة إذا وقعت في البئر ، أن يزيد نزحها عن نزح الهرة التي وقعت في البئر فماتت فيها.

بل لا يحصل القطع بعدم التفاوت بين الحي الواقع فيموت في البئر وبين الميت خارجا فيقع ، بل مر عن الشارح ـ رحمه‌الله ـ التأمّل في اتحاد حكمهما شرعا (٢) ، فكيف يدعي هنا هذا القطع ، إذ ما ذكره بقوله : لا يعقل. إنّما يتم إذا كان حكم الميت خارجا ثم وقع حكم الحي الواقع ثم يموت قطعا ، وقد عرفت أن الشارح ـ رحمه‌الله ـ متأمّل في ذلك ، نعم الظاهر عند الفقهاء الاتحاد ، لاستنباطهم أن الظاهر أن العلة هي الموت ، فتأمّل.

قوله : إذ لا يعقل زيادة. ( ١ : ٩٨ ).

فيه ـ مضافا إلى ما سبق ـ أن [ في ] (٣) بعض الأحكام الشرعية ربما‌

__________________

(١) مدارك الأحكام ١ : ٩٥ ، ٧٧.

(٢) مدارك الأحكام ١ : ٩٥ ، ٧٧.

(٣) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.

١٥٢

تتحقق زيادة حكم الجزء على الكل ، مثل أحكام الديات ، وأحكام الصيد في الإحرام أو الحرم ، وغير ذلك.

قوله : والمفروض عدمه. ( ١ : ٩٩ ).

المفروض عدمه على سبيل الخصوص لا مطلقا ، كيف والفريقان الأخيران يتمسكون بالنص ، سيما والقائلون بالاستحباب يسامحون في دليله ، والقائل بوجوبه تعبدا الشيخ والعلامة ـ رحمهما الله ـ وهما يتمسكان بالنص.

على أن الحكم بعدم الجريان بالاستدلال فيه تأمّل ، إذ لعلهم يقولون بها بدليل غير ورود الأمر ، وإن كان مدخولا ، فتأمّل.

قوله : ويمكن دفعه ( ١ : ٩٩ ).

يظهر منه تأمله في هذا الجواب أيضا ، وأين هذا مما ذكره سابقا بقوله :

ولو غارت. (١) ، إذ لم يذكر ذلك إلا للقائلين بالنجاسة ، وكذا أين هذا من قوله : وأما فيها فلا ريب في التداخل. (٢) ، وهو ـ رحمه‌الله ـ كثيرا ما يتأمّل في هذه الإجماعات ، ولم يدع أحد في مسألة الغور ولا في مسألة التداخل الإجماع ، ولم يظهر الوفاق ، بل الظاهر خلاف ذلك ، فتأمّل.

قوله : فظاهر الفساد ( ١ : ١٠٠ ).

دعوى ظهور الفساد محل تأمّل ، إذ دعوى القطع بعدم حصول ظن أصلا مما ذكر محل تأمّل ، سيما دعواه بالنسبة إلى كل الفقهاء.

فإن قلت : لعله لا يمنع حصول ظن منه إلاّ أنه يمنع حجية مثله.

قلت : عندهم أن ظن المجتهد حجة ، واستدلوا على ذلك ، والشارح أيضا يحصّل الظن ويعتمد عليه ، فكيف يمكنه دعوى ظهور القطع بعدم‌

__________________

(١) مدارك الأحكام ١ : ٩٦ ، ٩٨.

(٢) مدارك الأحكام ١ : ٩٦ ، ٩٨.

١٥٣

الحجية ، فتأمّل.

فإن قلت : لما كان من المسلمات عندهم ثبوت عدالة الراوي ولم يثبت هنا ادعى الظهور.

قلت : العادل أخبر بأنّ الشارع قال كذا ، فلا ينبغي التثبت.

فإن قلت : من المسلمات عندهم عدم حجية مراسيل العدول.

قلت : أما القدماء فبناء عملهم على القرائن ، والصحة عندهم غير مقصورة على العدالة ، ولا يخفى ذلك على أحد ممن له أدنى فهم.

وأما المتأخرون فمن لم يعمل بأمثال هذه المراسيل فعدم عمله إنما هو في غير المستحبات ، وأما فيها فيعملون بأدنى منها وأخس ، لتسامحهم ، وقد مر وجهه.

فالاعتراض غير وارد أصلا. إلاّ أن يكون اعتراضه على خصوص من تمسك بأن الشيخ ثقة ثبت. ، لكن من قال ذلك يعتمد عليه فلا اعتراض عليه ، كما أشرنا. بل يحكم بأن المرسل من ثقة أقوى من المسند ، لأنه في مقام الإرسال كان في غاية الاطمئنان ، ولأجل ذلك أسند إلى الشارع من غير تأمّل ولا تزلزل ، وأما في مقام الإسناد فاعتماده على السند ، ولذا جعل الحوالة إليه ، فتأمّل.

وبالجملة : دعوى ظهور الفساد في أمثال هذه المسائل الخلافية محل تأمّل.

قوله : فيثبت الأربعون. ( ١ : ١٠٠ ).

قيل : إنّ الأقوال منحصرة في الثلاثة ، فإذا بطل الأول تعين الثاني ، لأن النجاسة ثابتة شرعا يحتاج الحكم برفعها إلى دليل شرعي ، ولم يثبت في الثلاثين فتعين الأربعون ، إذ على أي تقدير يحصل الطهارة جزما ، بخلاف الاكتفاء بالثلاثين. واحتمال الأزيد من الأربعين الذي لم يكن نزح الجميع‌

١٥٤

خلاف المتفق عليه بين الشيعة ، فتأمّل.

ويرد عليه أن بطلان الأوّل غير ظاهر ، إما لأن القائل بالتنجيس لا يكتفي بزوال التغير ، أو يكتفي لكن لا يقول بالقياس بطريق الأولوية التي ادعيت ، لأن بانصباب الخمر مثلا يحكم بوجوب نزح الجميع ، والمذاهب المنقولة عنهم متفقة في عدم الاكتفاء ، فلاحظ. ولعله إلى ما ذكرنا أشار بقوله : وفيه ما فيه ، فتأمّل.

قوله : ويطيب الطعم. ( ١ : ١٠٠ ).

لا يخفى أنها ظاهرة في عدم انفعال البئر ، ولذلك استدل الشارح بها له ، وأقوى أدلته هي ، فكيف يتمسك بظاهرها للقائل بالتنجيس ، سيما وهم متفقون على عدم الاكتفاء بزوال التغير ، فتدبر.

وفي الفقه الرضوي : « وإن تغير الماء وجب أن ينزح الماء كله ، فإن كثر أو صعب نزحه وجب أن يكتري عليه أربعة رجال يستقون منها على التراوح من الغدوة إلى الليل»(١).

قوله : والأقوى تفريعا. ( ١ : ١٠١ ).

أشار بقوله : الأقوى. إلى احتمال وجوب نزح الجميع حينئذ أيضا ، لوروده في الأخبار (٢) ، ولأنّه ماء محكوم بنجاسته يقينا ، فلا بدّ للحكم بالطهارة من دليل تام مثبت لا تأمّل فيه ، والاكتفاء بنزح ما يزول به التغير لعله لا يخلو عن إشكال ، لمكان التعارض وعدم ترجيح يرتفع به اليقين بشغل الذمة ووجه كونه أقوى عند الشارح ظاهر ، كما لا يخفى على المطلع بطريقته ، والظاهر أن الأمر كما ذكره ، وإن كان نزح الجميع لا يخلو عن‌

__________________

(١) فقه الرضا « ع » : ٩٤ ، المستدرك ١ : ٢٠٧ أبواب الماء المطلق ب ٢٢ ح ٤.

(٢) الوسائل ١ : أبواب الماء المطلق الباب ١٤ ح ١٠ وب ١٩ ح ٤ وب ٢٢ ح ٧ وب ٢٣.

١٥٥

احتياط ، وأما كونه مطلوبا فيظهر من الأخبار صريحا ، فتأمّل.

قوله : فإنها صريحة. ( ١ : ١٠١ ).

وأمّا استيفاء المقدر وجوبا أو استحبابا فيحتمل أن يكون باقيا على حاله ، ويحتمل التداخل بنزح أكثر الأمرين من استيفاء المقدر وما يزول به التغير ، جمعا بين الواجب والمستحب ، فتأمّل.

قوله : ويحتمل قويا. ( ١ : ١٠١ ).

هذا الاحتمال أكثر القائلين بالتنجيس عنه متحاشون ، والتعليل بقوله :

لأن الخروج عنه. عليل ، لأن عدم الخروج عنه يوجب القول بعدم الانفعال ، وهم لا يرضون به بالسبب الذي مرّ.

ومذاهبهم في المقام ثمانية :

الأوّل : وجوب نزح الجميع ، ومع التعذر التراوح (١).

الثاني : نزح الجميع فإن تعذر فما يزول به التغير ، وهو مذهب الشيخ ـ رحمه‌الله ـ (٢) ، لكن الظاهر أنه قائل بعدم الانفعال.

الثالث : النزح حتى يزول التغير ، إن كان القائل قائلا بعدم الانفعال (٣).

الرابع : نزح أكثر الأمرين من المقدر وزوال التغير (٤).

الخامس : نزح أكثر الأمرين من المقدر وزوال التغير إن كان له مقدر ،

__________________

(١) ذهب إليه الصدوق في الفقيه ١ : ١٣ ، والشيخ في التهذيب ١ : ٢٤٢.

(٢) النهاية : ٧ ، المبسوط ١ : ١١.

(٣) ذهب إليه العلاّمة في القواعد ١ : ٦ ، والمختلف ١ : ٢٨ ، والمنتهى ١ : ١٧.

(٤) هو مذهب ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٥٢ ، وابن إدريس في السرائر ١ : ٧٠ ، ويحيى بن سعيد في الجامع للشرائع : ١٩ ، والشهيد في الذكرى : ٩.

١٥٦

وإلا فالجميع ، ومع التعذر فالتراوح (١).

السادس : نزح الجميع ، فإن غلب فأكثر الأمرين من المقدر وزوال التغير (٢).

السابع : نزح ما يزول به التغير أوّلا ، ثم نزح المقدر ، وإلا فالجميع ، فإن تعذر فالتراوح (٣).

الثامن : أكثر الأمرين إن كان له مقدر وإلاّ فزوال التغير (٤).

قوله : على المختار. ( ١ : ١٠٢ ).

مراده من المختار القول بعدم الانفعال ، وأنه مع التغير يكفي ما يزول به التغير ، ومراده من القول الآخر ما يقابله من القول بالانفعال أو عدم الانفعال ، إلاّ أنه لا بدّ من نزح الجميع في صورة التغير.

ويحتمل أن مراده من المختار خصوص كفاية نزح مزيل التغير ، وغير المختار وجوب الجميع ، أعم من القول بالانفعال أو عدمه ، فتأمّل.

وكيف كان على مختاره أيضا يحتمل نزح الجميع ، لعدم الأولوية ، أو ما يزول به التغير على تقدير بقائه ، وذلك لأن الشارع حكم بأن طهارته بنزح ما يزول به التغير ، ولم يوجد ، فتأمّل.

قوله : لمكان المادة ( ١ : ١٠٢ ).

ولعله لا يخلو عن إشكال ، أما على القول بأنه لا بدّ من المزج وعدم كفاية الملاقاة فظاهر ، وأمّا على القول الآخر فلأنّ المستفاد من الأخبار أنّ تطهير البئر عن التغير يحتاج إلى النزح ، وأن التطهير ينحصر فيه ، والأخبار‌

__________________

(١) ذهب إليه الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٣.

(٢) ذهب إليه المحقق في المعتبر ١ : ٧٦ ، والشهيد في الدروس ١ : ١٢٠.

(٣) نقله الشيخ حسن في معالم الفقه : ٨٨ عن بعض مشايخه المعاصرين.

(٤) اختاره السبزواري في الذخيرة : ١٢٦.

١٥٧

ظاهرة في هذا المعنى كادت أن تبلغ حد التواتر ، وربما يكون ما ذكره اجتهادا في مقابل النصوص ، فتأمّل.

وأيضا لا شك في أنّه حال التغير حكم بنجاسته شرعا ، فلا بدّ في الحكم بالطهارة من دليل شرعي ولم يثبت غير النزح.

ولأنه حال التغير حكم بأن مطهره النزح ، وأنه ما لم ينزح لم يطهر ، فما الذي أزال هذا الحكم بعد زوال التغير؟! أمّا على القول بالاستصحاب فظاهر ، وأما على القول بعدم الاستصحاب فلإطلاق وعموم الأدلة.

ولأنّه لو كان مجرد زوال التغير كافيا لكان المعصوم عليه‌السلام يقول في الأخبار ـ ولا أقل في خبر واحد وموضع من المواضع ـ : إنّ المطهر زوال التغير ، ولم يقل أبدا ، مع أنه أخصر ، وأظهر ، وأعم ، وأسهل على المكلفين ، وأوسع من خصوص ذكر النزح ، مع ما فيه من المشقة الشديدة ، لأن ماءه المنزوح المتغير نجس إجماعا ، بل بالضرورة من الدين وثابت من الأخبار على النص واليقين ، فيستلزم نجاسة المواضع التي يلاقيها ويسري فيها وما يلاقي ما يلاقيها ، فتأمّل.

ومما يؤيد ما ذكرنا من التأمّل أنّه وقع النزاع بين الفقهاء في أنّه هل ينحصر طريق تطهير البئر في النزح حيث يحكم بنجاستها أم تشارك غيرها من المياه في الطهارة بممازجة الجاري وإلقاء الكرّ ونزول الغيث ، فبعضهم ذهب إلى الانحصار ، وبعضهم إلى المشاركة في الأمور المذكورة (١) ، ورجّح الأول بأنّ ظاهر الأخبار هو الانحصار. على أنّ الذي ظهر من السابق تأمّله في كون مجرد الملاقاة مطهرا.

فإن قلت : حكم الشارح في المقام ليس من اختيار المطهرية بمجرد‌

__________________

(١) راجع ص ١٤٧.

١٥٨

الملاقاة ، بل للعلة المنصوصة ، وهي قوله : « لأنّ له مادّة ».

قلت : على تقدير تسليم ثبوت كون العلة كفاية النزح حتى يزول التغير لم يكن علة منصوصة لأجل عدم الحاجة إلى النزح لحصول التطهير ، كما لا يخفى على المتأمّل ، فتأمّل. وعلى تقدير التسليم كونها بحيث تقاوم المنطوقات وترجح لا بدّ من التأمّل فيه ، فتأمّل.

وبالجملة : ليس البئر بأقوى من الجاري البتة ، وقد مرّ عن الشارح ـ رحمه‌الله ـ في الجاري ما مر (١) ، ومر في بحث أنه هل يشترط الامتزاج أم يكفي الملاقاة في التطهير عن الشارح التردد بل والميل إلى اشتراط المزج (٢) ، كما لا يخفى على المتأمّل.

وبالجملة : الجاري ليس بأضعف من البئر قطعا لو لم يكن أقوى منه. قال في الذخيرة : تتوقف طهارة الجاري من نفسه على تدافع المياه وتكاثره عليه حتى يستهلكه إن اعتبرنا الامتزاج ، وأما على القول بالاكتفاء بالملاقاة فالمنقول عن ظاهر بعضهم توقفه على ذلك أيضا ، لأن الاتصال المعتبر في التطهير هو الحاصل بطريق العلو على النجس أو المساواة ، والمادة هنا لا يكون إلاّ الأسفل منه ، ويظهر من كلام العلامة ـ رحمه‌الله ـ أن النزح متعين وإن أمكن إزالة التغير بغيره (٣) ، فتأمّل.

قوله : ويحتمل الاكتفاء. ( ١ : ١٠٢ ).

هذا الاحتمال ضعيف عند القائل بالنجاسة كما مر ، فتدبر ، ولعل المناط في التقدير منحصر في العلم واليقين.

قوله : من باب مفهوم الموافقة. ( ١ : ١٠٢ ).

كونه من باب القياس بطريق أولى لا إشكال فيه ، وأمّا كونه من باب‌

__________________

(١) انظر المدارك ١ : ٣٣ ، ٣٧.

(٢) انظر المدارك ١ : ٣٣ ، ٣٧.

(٣) الذخيرة : ١٢٠.

١٥٩

مفهوم الموافقة ربما يحتاج إلى تأمّل ، وعندي فرق بين المقامين ، فتأمّل.

قوله : مع مهب الشمال. ( ١ : ١٠٣ ).

وذلك لأن الشمال مشرف على الجنوب بحسب وضع الأرض ، لأن كرة الأرض واقعة في البحر ، وثلثاها في الماء ، وثلثها خارج ، وقبة الأرض ورأسها محاذ للقطب الشمالي ، فالماء بالطبع يميل إلى الجنوب ، سواء كان فوق الأرض أو ساريا في أعماق الأرض ، وكيفما كان مائل إلى مركزه ، ومركزه في طرف الجنوب ، ولو كان خلاف ذلك فمن القاسر ، والكلام إنما هو بحسب الأصل ما لم يظهر خلافه ، فتأمّل.

وفي رواية قدامة ذكر عقيب ما نقله الشارح : ثم قال : « الماء يجري إلى القبلة إلى يمين ، ويجري من القبلة إلى يسار القبلة ، ويجري من يسار القبلة إلى يمين القبلة ، ولا يجري من القبلة إلى دبر القبلة » (١) ، فتأمّل.

( والمراد من قوله : إلى القبلة إلى يمين ، أن القبلة يعني قبلة أهل العراق الذين هم الرواة يمين الجنوب بشي‌ء يسير ، واعتبارهم القبلة لمعروفيتها عند عامة الناس مع عدم تفاوت مضر. فالمراد أن الماء من جهة ميله إلى مركزه شغله الميل إلى الجنوب ، لأنّ البحر في الجنوب ، فإلى أي جهة يميل يصل إلى البحر ، إلى القبلة أو يمينها أو يسارها ، بخلاف دبر القبلة ، فإنه لا يميل إلى خلاف المركز ، فتأمّل ) (٢).

قوله : يجري البول. ( ١ : ١٠٥ ).

ربما يظهر أن السؤال وقع في مكة المشرفة ، وأنّ المقام مقام يظهر من‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٨ / ٣ ، التهذيب ١ : ٤١٠ / ١٢٩١ ، الوسائل ١ : ١٩٨ أبواب الماء المطلق ب ٢٤ ح ٢.

(٢) ما بين القوسين ليس في « ب » و « ج » و « د ».

١٦٠