جواهر الكلام - ج ٣١

الشيخ محمّد حسن النّجفي

فالنقص قبل القبض مضمون عليه ، فلا تضمن له ما هو في ضمانه ، وإن كانت القيمة يوم القبض هي الأكثر فهي زيادة في ملكها ، فلا تضمن له ما هو لها ، هذا خلاصة ما ذكره.

وفيه أن القيم السوقية غير مضمونة بحال ، والمتجه لو لا ما سمعته من خبر علي ابن جعفر (١) من ضمان القيمة يوم القبض لا أقل الأمرين ما بينه وبين العقد ، كما سمعته من المشهور ضمانها القيمة يوم التلف باعتبار تعلق حق الاستعادة في العين ما دامت موجودة ، فمع تلفها يتعلق بقيمتها في ذلك اليوم الذي هو ابتداء تعلق الحق المزبور أو ضمانها القيمة يوم الطلاق الذي هو يوم تملك النصف من العين أو من قيمتها في ذلك اليوم ، إلا أن ذلك كله من الاجتهاد في مقابلة النص بعد ما سمعته من خبري علي بن جعفر (٢) فضلا عما سمعته من المشهور المبني على ما عرفت مما لا يخفى ما فيه ، خصوصا قولهم : « إنها لا تضمن له ما هو لها » ضرورة أن المال في يدها وإن كان لها ، إلا أنه مضمون عليها ، بمعنى أنه لو طلق قبل الدخول كان له عليها القيمة لو كانت العين تالفة ، وهذا معنى الضمان ، فتأمل جيدا ، هذا كله مع بقاء العين بحالها.

وأما لو زال ملكها على المهر قبل الطلاق بوجه لازم كالبيع والعتق والهبة اللازمة لزمها مثل النصف أو قيمته ، ضرورة كونه حينئذ كالتالف ، بل لو عاد إلى ملكها بعد أن دفعت له المثل أو القيمة لم يكن له الرجوع ، نعم لو عاد قبل الدفع رجع ، لزوال المانع من الرجوع قبل سقوط حقه منها بأخذ المثل أو القيمة ، ولأن الرجوع إليهما لتعذر العين مع كونهما أقرب الأشياء إليها ، ولا تعذر حينئذ ،

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب المهور الحديث ٢ ، الا أنه لم يتقدم لعلى ابن جعفر ما يدل على ذلك. والظاهر أنه سهو من قلمه الشريف ، والصحيح « ما تسمعه ».

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب المهور الحديث ٢ بسندين أحدهما عن على بن جعفر والثاني عن السكوني ولم يتقدم لعلى بن جعفر خبر يدل على ذلك ، والظاهر أنه سهو من قلمه الشريف هنا أيضا ، والصحيح « ما تسمعه » فإنه ( قده ) ذكرهما بعد قليل.

٨١

مع احتمال العدم أيضا ، لسقوط حقه من العين أولا ، وكون العود مملكا لا من جهة الصداق ، ولأنه بالطلاق تعلق خطاب المثل أو القيمة ، ولا دليل على ارتفاعه وإن كان قد يناقش بمنع سقوط الحق مطلقا ، وعدم منافاة تملكه بالعود للتملك بالطلاق الذي هو سبب جديد لذلك ، لا أنه التمليك باعتبار تسببه فسخ السبب الأول الذي ملكت به المرأة حتى يقال : إن العود مملك غير الصداق ، وتعلق خطاب المثل أو القيمة على جهة التزلزل لمكان التعذر كما هو واضح.

ولو تعلق به حق لازم من غير انتقال كالرهن والإجارة ففي القواعد « تعين البدل ، فان صبر إلى الخلاص فله نصف العين ، ولو قال : أنا أرجع فيها وأصبر حتى تنقضي الإجارة احتمل عدم وجوب الإجابة وإجباره على أخذ القيمة إذا دفعتها ، لأنه يكون حينئذ مضمونا عليها ، ولها أن تمتنع منه ، إلا أن يقول أنا أقبضه وأرده أمانة ، أو يسقط عنها الضمان على إشكال فله ذلك » وفي كشف اللثام « أنه يشكل الحكم بتعيين البدل مع كون الطلاق مملكا فان التمليك إذا كان قهريا والعين باقية في ملكها لزم التعلق بها كالإرث » وفيه أيضا احتمال وجوب الإجابة عليها مطلقا ، لتعلق حقه بالعين أولا ، ولا ينافيه تعلق حق الغير بها من جهة أخرى ، فإذا رضي بالعين مسلوبا عنها المنافع مدة الإجارة أو الارتهان لزمتها الإجابة.

قلت : قد يقال : ليس له إلا البدل مطلقا ، لعدم بقاء ما فرضه كما فرضه ، والطلاق إنما يملك قهرا إذا كانت العين موجودة على الحال التي دفعها ، ورضاه بغير ماله لا يوجب الإجابة عليها ، وقد يفرق بين الارتهان والإجارة ، خصوصا مع كون المدة قليلة ، فتأمل.

ولو انتقل عنها لا على جهة اللزوم كما لو باعته بخيار تخيرت بين الرجوع ودفع نصف العين وعدمه ودفع نصف القيمة.

ولو نقصت عينه أو صفته مثل عور الدابة أو نسيان الصنعة قيل والقائل الشيخ في المحكي من مبسوطة ويحيى بن سعيد في المحكي عن جامعه كان له نصف القيمة سليما تنزيلا للتعيب بذلك منزلة التلف ، وله نصف العين أي بلا‌

٨٢

أرش على الظاهر منهما ، لأن الرجوع إلى القيمة لكونها أقرب الأشياء إلى العين فالعين أولى ، ولقوله تعالى (١) ( فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ ) وهي عين المفروض ، وإن بقيت ولما كان التعيب في ملكها لم نضمن الأرش وحينئذ ف لا يجبر على أخذ نصف العين كما لا يجبر على أخذ نصف القيمة ، لما عرفته من التخيير.

ولكن فيه تردد ونظر ، وذلك لأن العين المفروضة إن كانت بهذه الحالة قائمة فاللازم أخذها من غير انتقال إلى القيمة ، وإن كانت بهذا التغيير غير مفروض كما اعترفوا به فلا وجه للرجوع بالعين ، ولأن التعيب ـ وإن كان في ملكها ـ لا ينافي ضمانها الأرش للزوج ، ضرورة كونه كتلف العين على ملكها الموجب لضمانها قيمتها له ، بل ضمانها مستلزم لضمان أجزائها وصفاتها وأرش ذلك كقيمة نفس العين.

فالمتجه حينئذ كما في القواعد والمسالك الرجوع بنصف العين مع الأرش ، لأن التعيب بذلك خصوصا مثل نسيان الصنعة لا يخرج العين عن حقيقتها ، وبقبضها العين تدخل في ضمانها كلا أو جزءا أو صفة.

ومن ذلك يظهر لك ما في المحكي عن المهذب من « أن العيب إن كان منها أو من الله تعالى تخير بين أخذ نصفه ناقصا أو أخذ القيمة يوم القبض ، وإن كان من أجنبي تعين أخذ القيمة يوم القبض ، فإنه إن كان من أجنبي استحقت عليه الأرش ، فكان المهر الموجود مع الأرش ، فالنقصان محسوب ، فيكون كالتالف ، وان كان منها أو من الله تعالى لم يحسب النقصان فكانت العين كالتامة من وجه والتالفة من آخر » وفي كشف اللثام « قد يقال : منشأ الخلاف أن معنى ( ما فَرَضْتُمْ ) هل هو الماهية وحدها أو مع صفاتها؟ فعلى الأول يتعين الرجوع في نصف العين ، وعلى الثاني يتخير أو يتعين القيمة ».

قلت : قد يستفاد من‌ خبر علي بن جعفر (٢) عن أخيه عن أبيه عليهما‌السلام

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٣٧.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب المهور الحديث ٢.

٨٣

« إن عليا عليه‌السلام قال في الرجل : يتزوج المرأة على وصيف فيكبر عندها ، ويريد أن يطلقها قبل أن يدخل بها ، قال : عليها نصف قيمته يوم دفعه إليها ، لا ينظر في زيادة ولا نقصان » ‌تعين القيمة على الوجه المزبور من غير أرش بناء على أن المراد عدم النظر إلى زيادة العين ونقصها وإن لم أجده قولا لأحد ، بل لعل‌ صحيحه (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « إن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : في المرأة تتزوج على الوصيف فيكبر عندها فيزيد أو ينقص ثم يطلقها قبل أن يدخل بها » ‌دال على ذلك أيضا وإن كان ظاهره إرادة زيادة القيمة ونقصها بسبب الكبر ، بل هو حينئذ قرينة على إرادة هذا المعنى من خبره الأول.

لكنه أيضا دال على المطلوب ، بتقريب أن عدم النظر الى الكبر الذي هو سبب زيادة القيمة ونقصها يقتضي عدم النظر إلى كل صفة تجددت في العين اقتضت زيادتها أو نقصها ، وأنها توجب الانتقال إلى القيمة على الوجه المزبور ، فيكون المدار حينئذ في رد نصف العين على بقاء العين غير متغيرة بشي‌ء يقتضي زيادة قيمتها أو نقصها ، وإلا فالقيمة وقت القبض.

ومنه يعلم أن المراد ما فرضتم العين وصفاتها ، كما أن منه يعلم أن الواجب رد نصف القيمة لا قيمة النصف ، بل ويعلم أن الواجب قيمته يوم الدفع لا الأقل.

أما لو نقصت قيمته لتفاوت السعر كان له نصف العين قطعا ، وكذا لو زادت قيمته لزيادة السوق ، إذ لا نظر إلى القيمة مع بقاء العين على حالها التي بها يتحقق نصف ما فرضتم ، لكن في القواعد بعد أن ذكر ذلك قال : « وتضمن ـ أي الزوجة للزوج ـ النقص ـ أي للقيمة لتفاوت السعر ـ مع التلف دون الزيادة ، يعني إذا نقصت القيمة بعد القبض لنقصان السعر ثم تلفت العين ثم طلقها كان عليها رد نصف القيمة قبل القبض ، لأنه لا عبرة بالنقص بعد القبض ، لتعلق حق الاستعادة به حين التسليم ، ولو زادت القيمة بعد القبض لزيادة السعر ثم تلفت كان عليها رد نصف القيمة قبل‌

__________________

(١) أشار إليه في الوسائل في الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب المهور الحديث ٢ عن السكوني كما في الكافي ج ٦ ص ١٠٨.

٨٤

الزيادة ، إذا الزيادة بعد القبض أولى بعدم الاعتبار من النقصان بعد القبض » وهو جيد موافق للخبر (١) المزبور.

لكن قد يقال : إنه مناف لما سبق منه ومن غيره من ضمان الأقل من حين العقد إلى حين القبض الشامل لما كانت قيمته حال القبض أعلى منها حال العقد الذي يقتضي الخبر المزبور زمان قيمته حال القبض لا حال العقد الذي هو الأقل ، فتأمل جيدا.

وكذا لو زاد بكبر أو سمن ونحوهما من الزيادات المتصلة التي لا يمكن قطعها ، كتعلم الصنعة وقصارة الثوب وصبغه كان له نصف قيمته من دون الزيادة التي هي ملك الامرأة وليست مما فرض ، وقد سمعت خبر علي بن جعفر (٢).

وحينئذ ف لا تجبر المرأة على دفع العين مجانا ولا بعوض على الأظهر خلافا للمحكي عن المبسوط فجعل له الرجوع بنصف العين مع زيادتها ، للاية (٣) التي قد سمعت عدم تناولها الزيادة ، نعم لو دفعتها هي باختيارها جاز ، لأن الحق لها بل المعروف وجوب قبوله ، لأنها حقه مع زيادة ، والمانع امتزاج الحقين ، وقد انتفى برضاها ، وليس ذلك من المنة التي تدفع وجوب قبوله ، خصوصا بعد معاوضة التشطير ، وربما كانت القيمة أرضى له ، فلا منة بالعين.

كما أن المعروف أيضا وجوب قبوله القيمة لو بذلتها له ، لوجوب تجنبه عن حقها بغير إذنها ، ولا يتم إلا بالتجنب عن العين رأسا ، ولدوران حقه بين الأمرين ولا اختيار له ، فيلزمه قبول ما اختارته له ، وليس له تأخير المطالبة حتى تفوت العين فيلزمها القيمة ، أو يفوت كمالها فيلزمها من العين ، لتضررها بشغل الذمة ، كما ليس له اختيار نصف العين مجردة عن الزيادة على وجه يشاركها بالنسبة ، كما في كشف اللثام من « أن الزيادة لا تستقل بالتقويم ، ولا بد حينئذ من تقويمها منفردة ، فإنه إذا شاركها في السمين مثلا كان لها نصف العين وكل السمن ، وإذا شاركها‌

__________________

(١) و (٢) الوسائل الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب المهور الحديث ٢.

(٣) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٣٧.

٨٥

فيما كبر عن صغر كان لها نصف العين وكل الكبر ونحو ذلك » وإن كان هو كما ترى ، خصوصا بعد ملاحظة غير المقام مما لا تمنع فيه الزيادة عن الاستقلال بالرجوع ، كما إذا أفلس المشتري بالثمن وأراد البائع الرجوع في المبيع مع الزيادة المتصلة وأراد الواهب الرجوع في العين مع الزيادة ، أو رد المشتري المبيع بالعيب وأراد الرجوع في العوض المشتمل على الزيادة المتصلة وغير ذلك.

لكن في المسالك الفرق بأن الملك في هذه المسائل يرجع بطريق الفسخ الذي يرفع العقد من أصله أو من حينه ، فعلى الأول يكون كأنه لا عقد ، وتكون الزيادة على ملك المالك الأول ، وعلى الثاني فالفسوخ محمولة على العقود ومشبهة بها ، والزيادة تتبع الأصل في العقود وكذلك في الفسوخ ، وعود الملك في تشطير الطلاق ليس على سبيل الفسخ ، بل ملك مبتدأ ، ألا ترى أنه لو سلم العبد الصداق من كسبه ثم عتق وطلق قبل الدخول يكون التشطير له لا للسيد؟ ولو كان سبيله سبيل الفسوخ لعاد إلى الذي خرج عن ملكه ، وإنما هو ابتداء ملك يثبت فيما فرض صداقا للاية (١) وليست الزيادة فيما فرض ، فلا يعود شي‌ء منها إليه.

وفيه أنه إذا كانت من التوابع للملك لم يكن فرق في تبعيتها بين الملك بالعقد وشبهه وبين غيرهما ، وعدم كونها من المفروض لا ينافي ملكيتها بالتبعية له ، على أن دعوى جريان الفسوخ مجرى العقود واضحة البطلان ، كما أن دعوى عدم كون الطلاق من قبيل الفسوخ لا تخلو من نظر.

نعم العمدة في وجوب القيمة هنا ما سمعته من النص (٢) المعتضد بالفتاوى ، إلا أن المتجه عليه تعين القيمة عليها على وجه لو أراد إجبارها عليه كان له ، مؤيدا بأنه لا نظير لهذا التخيير في الشرع بمعنى عدم تعين الواجب عليها أولا ويكون الثاني كالعوض عنه ، كتخيير المكلف في الزكاة بين دفع العين وبين القيمة عنها ، وتخير الوارث بين دفع التركة للديان وبين دفع القيمة عنها.

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٣٧.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب المهور الحديث ٢.

٨٦

اللهم إلا أن يقال هنا : أيضا إنه كان مقتضى الخبر تعين القيمة ، ولكن جاز دفع العين عنها لما عرفت ، مؤيدا بفتاوى الأصحاب ، فإنه لا خلاف بينهم على الظاهر في ذلك ، فيكون كالعين المستقرضة ، فإنها ملك المستقرض بالقرض ، ولا يجبر على دفعها لو أراد المقرض ، لكن لو دفعها وجب عليه قبولها ، فتأمل جيدا.

وأما لو زاد من جهة ونقص من أخرى ، كما إذا أصدقها عبدا فتعلم صنعة مثلا ونسي أخرى ، أو أصابه عور وسمن ، أو كان بسبب واحد ، كما لو كان عبدا صغيرا فكبر ، فإنه نقصان من جهة نقصان القيمة ، ومن جهة أن الصغير يصلح لما لا يصلح له الكبير ، وأبعد من الغوائل ، وأشد تأثيرا بالتأديب والرياضة ، وزيادة من جهة قوته على الشدائد والاسفار ، وأحفظ لما يستحفظ ، إذ لا يشترط في الزيادة زيادة القيمة بها : بل ما فيه غرض مقصود ، ومن هنا كان الكبر في العبد زيادة من جهة ونقص من اخرى ، ولعل حمل الأمة كذلك ، أما حمل البهيمة فهو زيادة محضة إلا إذا أثر في فساد اللحم ، كما أن الزرع للأرض ينقصها.

وعلى كل حال فالمتجه بناء على ما سمعت تعيين القيمة ، بل لعله المراد من‌ قوله عليه‌السلام : « يزيد وينقص » في صحيح علي بن جعفر (١) ‌لكن في المسالك « الأمر موقوف هنا على تراضيهما ، فان تراضيا برد النصف فذاك ، وأيهما امتنع لم يجبر الأخر عليه ، للزيادة على تقدير طلب الزوج والنقيصة على تقدير طلبها ، وحينئذ تتخير المرأة بين دفع قيمة النصف مجردا عن الزيادة والنقيصة وبين دفع نصف العين مع أرش ، أما الأول فلان فيه جمعا بينه وبينها ، حيث لم يمكن وصوله إلى العين إلا بأخذ حقها في الزيادة ، ولا دفعها إليه إلا بالنقيصة التي ليست العين معها نصف المفروض ، وأما الثاني فلأنها إذا دفعت نصف العين كانت باذلة للزيادة ، فيجبر على قبولها كما مر ، وهي عين ما فرض ، فيجبر عليها ، والنقصان ينجبر بالأرش ، لأنه قيمة الفائت كالتالف ، وليس لها جبر النقص بالزيادة بدون رضاه لاختلاف الحقين » وفي القواعد « ولو زادت ونقصت باعتبارين ـ كتعليم صنعة ونسيان‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب المهور الحديث ٢.

٨٧

أخرى ـ تخيرت في دفع نصف العين أو نصف القيمة ، فإن أوجبنا عليه أخذ العين أجبر عليها وإلا تخير أيضا ».

قلت : لعل المتجه بناء على كلامهم إجباره على قبولها لو بذلتها بدون أرش بناء على عدم وجوبه له عليها أو معه بناء على وجوبه ، نعم يتجه عدم إجباره على ما سمعته منا من أنه ليس له إلا القيمة ، بل المتجه حينئذ إجبارها عليها لو طلبها منها ، هذا كله في التعيب في يدها.

أما لو تعيبت في يده ففي القواعد « لم يكن له إلا نصف ، فان كان قد دفع أرشا رجع بنصفه أيضا » قلت : قد يقال : إنه يجري على ما مر من تنزيل العيب منزلة التالف التخيير بين العين والقيمة أيضا ، ولا يعين العين أخذ المرأة لها ، فإنه لا يجعلها المهر المفروض ، ولذا قالوا : إذا تعيب المهر في يده تخيرت المرأة بين أخذ العين والقيمة ، لتلف العين بالتعيب ، فإذا رضيت بالعين فليس ، لأنه المفروض ، بل لأنه عوضه كالقيمة ، فللزوج إذا طلقها أن لا يرضى إلا بالقيمة ، فتأمل جيدا.

وأما لو حصل له نماء منفصل كاللبن والولد كان للزوجة خاصة سواء كان في يده أو يدها ، لأنه نماء ملكها وانما له نصف ما وقع عليه العقد وهو ليس منه.

ولو أصدقها حيوانا حاملا على وجه يدخل الحمل في الصداق بالشرط أو بالتبعية كان له النصف منهما وإن كان بعد الوضع ، لأن دخوله إن كان بالشرط فالشروط توزع عليها القيمة وتلحق بالمالية ، وإن كان بالتعبية فهو مما يفرد بالملك ، كما لو أذن مولى الأمة في النكاح دون مولى العبد ، فإنه يكون الولد لمولى الأب على القولين ، وحينئذ فيكون المفروض مهرا الحيوان وحمله ، ويحتمل على هذا القول كما عن بعضهم أو عليه وعلى الأول كما عن آخر اختصاص الأم بالرجوع ، لأن الولد زيادة ظهرت بالانفصال على ملكها ، إذ هو قبل الوضع لا يفرد بالتقويم ، نعم له أرش نقصانها بالولادة إن قلنا بضمانها مثل ذلك ، بل بناء‌

٨٨

على حرمة التفريق بين الولد وامه وكان الحيوان أمة غرمت له نصف قيمتها ، وأخذت الأم والولد ، وإلا فلا ، بل عن قوم تباع هي وولدها لهما ، فتختص هي بقيمة الولد ، وقيمة الأم بينهما نصفان.

ولكن في الجميع أنه مناف لما عرفت ، ولموثق عبيد بن زرارة (١) قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : « رجل تزوج امرأة على مأة شاء ثم ساق إليها الغنم ثم طلقها قبل أن يدخل بها وقد ولدت الغنم ، قال : إن كانت الغنم حملت عنده رجع بنصفها ونصف أولادها ، وإن لم يكن الحمل عنده رجع بنصفها ، ولم يرجع من الأولاد بشي‌ء » ‌وموثقه الآخر (٢) قال له عليه‌السلام أيضا : « رجل تزوج امرأة ومهرها مهرا فساق إليها غنما ورقيقا فولدت عندها ، فطلقها قبل أن يدخل بها ، قال : إن كان ساق إليها ما ساق وقد حملن عنده فله نصفها ونصف ولدها ، وإن كن حملن عندها فلا شي‌ء له من الأولاد » ‌والله العالم.

ولو أصدقها تعليم صناعة ثم طلقها قبل الدخول كان لها عليه نصف أجرة تعليمها لتعذر المهر حينئذ في يده إذ ليس للصنعة نصف ، فيكون كالتالف في يده الذي يرجع فيه إلى القيمة التي هي هنا الأجرة ولو كان علمها قبل الطلاق رجع بنصف الأجرة لتعذر رجوعه بعين ما فرض ، فيكون بمنزلة التالف في يدها ، كما هو واضح.

ولو كان تعليم سورة قيل والقائل الشيخ في المحكي من خلافه ومبسوطة : يعلمها النصف لكونه أمرا ممكنا في نفسه ، ولكن لما صار الزوج أجنبيا ينبغي أن يعلمها ذلك من وراء حجاب بناء على جواز سماع صوتها مطلقا أو للضرورة ، ولم يكن ثم خوف فتنة وخلوة محرمة ، والاعتبار في النصف بالحروف‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب المهور الحديث ١.

(٢) أشار إليه في الوسائل في الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب المهور الحديث ١ وذكره في التهذيب ج ٧ ص ٣٦٨ ـ الرقم ١٤٩١.

٨٩

ولكن فيه تردد ينشأ من التردد في حرمة سماع صوتها وإن كان الأقوى جوازه ، ومن اختلاف الألفاظ سهولة وصعوبة فلا يتعين النصف ، وقد يقال : إن ذلك لا يمنع معرفة النصف عرفا ، وفي كشف اللثام وغيره « إذا لم يمكن التعليم إلا بالخلوة المحرمة أو مع خوف الفتنة فالرجوع بنصف الأجرة قطعا » قلت : قد يقال : بوجوب استئجار من يعلمها ممن لا يحصل معه جهة محرمة مع إمكانه إذا لم يكن قد اشترط عليه المباشرة.

المسألة ( الرابعة )

لو أبرأته من الصداق ثم طلقها قبل الدخول رجع بنصفه وفاقا للمشهور ، لمضمر سماعة (١) « سألته عن رجل تزوج جارية أو تمتع بها ثم جعلته في حل ، قال : إذا جعلته في حل فقد قبضته ، فان خلاها قبل أن يدخل بها ردت المرأة على الزوج نصف الصداق ، » ‌مؤيدا بأن ذلك تصرف منها فيه تصرفا ناقلا له عن ملكها بوجه لازم وإسقاط ، فيلزمها عوض النصف كما لو نقلته إلى ملك غيره أو أتلفته ، لكن في القواعد ومحكي المبسوط والجواهر إنه يحتمل عدم رجوعه عليها بشي‌ء ، بل عن بعض العامة القول به ، لأنها لم تأخذ منه مالا ، ولا نقلت اليه الصداق ، ولا أتلفته عليه فلا تضمن ، أما الأول فظاهر ، وأما الثاني فلاستمحاله أن يستحق الإنسان شيئا في ذمة نفسه ، فلا يتحقق نقله إليه ، وأما الثالث فلأنه لم يصدر منها إلا إزالة استحقاقها في ذمته ، وهو ليس إتلافا عليه ، ومن هنا لو رجع الشاهدان بدين في ذمة زيد لعمرو بعد حكم الحاكم عليه وإبراء المشهود عليه لم يرجع عليهما ، لعدم تغريمهما له بشي‌ء ، ولو كان الإبراء إتلافا على من في ذمته غرما له.

وفيه مع أنه كالاجتهاد في مقابلة النص صدق التصرف به قطعا على وجه اقتضى فراغ الذمة منه وإسقاطه ، وذلك كاف في إيجاب نصف بدله ، فلا حاجة إلى تكلف‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤١ ـ من أبواب المهور الحديث ٢ مع سقط في الجواهر.

٩٠

الأول والثاني أو الثالث التي ليس واحد منها عنوان الحكم ، كما لا حاجة إلى ما في المسالك من تجشم الفرق بين المقام وبين عدم الرجوع على الشاهدين بما ذكره فيها ، ثم قال : « وفي الفرق نظر » ضرورة وضوح الفرق بينهما بأن مبنى رجوع المدعى عليه عليهما بما يغرمه قاعدة قوة السبب على المباشر ، فهما أولى بالاندراج في‌ قوله عليه‌السلام (١) « من أتلف » ‌والفرض عدم إتلافهما شيئا عليه ، لأنه أبرأه بخلاف ما لو دفعه له ثم وهبه له ، ضرورة صدق الغرامة التي لا ينافيها هبته له ذلك التي هي ملك جديد بسبب جديد ، فتأمل جيدا.

نعم قد يشكل الحال فيما ذكر المصنف وغيره بقوله وكذا لو خلعها به أجمع الذي معناه أنه كالإبراء والهبة ما لو بذلته له ليخلعها عليه فخلعها به ، فإنه يستحق عليها مقدار نصفه مضافا إلى ما خلعها به الذي بذلته له ، فكان بمنزلة إبرائها وهبتها إياه ، ضرورة وضوح الفرق بين المشبه والمشبه به الذي هو إتلاف للمهر قبل الطلاق على وجه يصادف وقوعه سبق انتقاله عنها ، فيستحق عليها حينئذ مقدار نصفه لتعذره ، بخلاف المشبه الذي لا يملكه من حيث الخلع إلا بتمام الطلاق المفروض أنه مملك للنصف ، لكونه قبل الدخول ، فيتحد حينئذ زمان السببين ، والفرض تنافيهما ، فلا يقع واحد منهما ، وإلا كان ترجيحا بلا مرجح ، وليس ذلك مثل ظهور استحقاق مال الخلع كي يتجه حينئذ ضمانها ذلك ، ولا أنه يتمحض بذلا للخلع ، فيوجب الطلاق مقدار نصفه في ذمتها لتعذره ، لأن كلا منهما مبني على‌

__________________

(١) المراد منه هو الحديث المشتهر على ألسنة الفقهاء « من أتلف مال الغير فهو له ضامن » الا أنه لم نجد نص ذلك مع التتبع في مظانها ، والظاهر أنه مستفاد من عدة روايات وردت في أبواب مختلفة : منها ما رواه في الوسائل في الباب ـ ١٠ و ١١ و ١٤ ـ من كتاب الشهادات والباب ـ ٧ و ٥ ـ من كتاب الرهن الحديث ٢ منهما والباب ـ ٢٩ ـ من كتاب الإجارة والباب ـ ١٨ ـ من كتاب العتق الحديث ١ و ٥ و ٩ والباب ـ ٢٢ ـ من أبواب حد الزنا الحديث ٤ والباب ـ ١ ـ من أبواب نكاح البهائم الحديث ٤ من كتاب الحدود.

٩١

ترجيح أحد السببين على الأخر بلا مرجح ، ودعوى ترجيح الثاني ـ بتقدم بعض سبب الملك وهو البذل وإن كان لا يتم إلا بتمام الطلاق وإلا فهو نفسه غير مملك ـ كما ترى ، اللهم إلا أن يقال إنه يبطل خلعا ويصح طلاقا كما في كل مقام يظهر فيه فساد الخلع ، فيكون ذلك ليس لتقديم أحدهما على الأخر مما تواردا عليه ، بل لأن ازدحامهما يبطل تأثيرهما ، فيفسد ما كان البذل ركنا فيه وهو الخلع ، بخلاف الطلاق الذي لا مدخلية له في ذلك ، فتأمل جيدا ، والله العالم.

المسألة ( الخامسة )

إذا أعطاها عوضا عن المهر عبدا آبقا وشيئا آخر ثم طلقها قبل الدخول كان له الرجوع بنصف المسمى الذي هو المفروض دون العوض بلا خلاف ولا إشكال ، قال الفضيل بن يسار (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل تزوج امرأة بألف درهم فأعطاها عبدا آبقا وبردا حبرة بالألف التي أصدقها ، فقال : إذا رضيت بالعبد وكانت قد عرفته فلا بأس ، إذ هي قبضت الثوب ورضيت بالعبد ، قلت : فان طلقها قبل أن يدخل بها ، قال : لا مهر لها ، وترد عليه خمسمائة درهم ، ويكون العبد لها » ‌ولعل ذكر الضميمة مع الآبق قرينة على إرادة وقوع ذلك معها على جهة البيع ، أو أن الدفع للآبق وفاء يعتبر فيه ما يعتبر في البيع من اعتبار الضميمة فيه.

وعلى كل حال فالثابت بالطلاق نصف المسمى دون المدفوع وفاء إلا إذا كان فردا للكلي الذي وقع عليه العقد ، فإنه باعتبار حلول الكلي فيه يكون هو المفروض ، بل الظاهر أنه لو دفعه إليها معيبا ورضيت به وطلقها قبل الدخول كان له نصف المعيب ، لكونه المفروض دون الصحيح ، مع احتماله ، لأنه المفروض ، ولذا كان لها الامتناع عن قبض المعيب وفاء ، ورضاها بالعيب لا يصيره المفروض المنصرف‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب المهور الحديث ١.

٩٢

إلى الصحيح.

نعم قد يقال : إن له نصف المعيب مع الأرش لا نصف الصحيح ، أو يفرق بين قبضها المعيب غير عالمة به وبين قبضها له عالمة راضية به وفاء عن ذلك الكلى ، فيجب الأرش مع الأول ، لأنه مستحق لها ، فان لم تأخذه منه كان ذلك منها عفوا له ، بخلاف الثاني الذي لم يثبت لها فيه استحقاق أرش ، والفرض أنه أحد أفراد الكلي ، فليس لها حينئذ إلا نصفه ، بل قد يحتمل ذلك أيضا في الأول وإن أخذت الأرش ، فضلا عما إذا لم تأخذه مع استحقاقها له باعتبار كونه المفروض ، والأرش إنما هو سبب المعيب منه لا أنه من المفروض ، فتأمل جيدا.

وكذا لو أعطاها متاعا أو عقارا أو حيوانا أو غير ذلك مما هو ليس من أفراد الكلي المسمى في العقد ـ سواء وقع ذلك وفاء ، وقلنا أنه معاوضة برأسها أو باعها ذلك مثلا بمالها في ذمته ـ ف انه على كل حال ليس له لو طلق قبل الدخول إلا نصف ما سماه وفرضه لها كما هو واضح ، فتأمل جيدا ، والله العالم.

المسألة ( السادسة )

إذا أمهرها مدبرة فعن النهاية والمهذب لا يبطل التدبير بامهارها ، لكونه عتقا معلقا ، أو لأن الملك المتجدد لا يبطله وإن قلنا : إنه وصية بالعتق ، وحينئذ فلو فعل ذلك ثم طلقها قبل الدخول صارت بينهما نصفين ، فإذا مات تحررت كل ذلك لخبر المعلى بن خنيس (١) « سئل أبو عبد الله عليه‌السلام وأنا حاضر عنده عن رجل تزوج امرأة على جارية له مدبرة قد عرفتها المرأة وتقدمت على ذلك ، وطلقها قبل أن يدخل بها ، قال : فقال : أرى للمرأة نصف خدمة المدبرة يكون للمرأة يوم في الخدمة ، ويكون لسيدها الذي دبرها يوم في الخدمة ،

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب المهور الحديث ١.

٩٣

قيل له : فان ماتت المدبرة قبل المرأة والسيد لمن يكون الميراث؟ قال : يكون نصف ما تركته للمرأة ، والنصف الأخر لسيدها الذي دبرها ».

لكن لضعفه وعدم صراحته في بقاء التدبير وانه لا خلاف فيما تضمنه من غير ذلك قيل والقائل ابن إدريس وغيره على ما حكي : لا يصح جعلها وهي مدبرة مهرا بل يبطل التدبير بجعلها مهرا كما لو كانت موصى بها لزيد مثلا ، فان تجدد الملك يبطل ذلك ، ضرورة تعلق الوصية في ملكه ، فمع فرض خروجها عن ملكه فيعدم موضوع الوصية ، والتدبير نوع منها.

بل قد يقال ببطلانه أيضا لو قيل بأنها تملك بالإمهار النصف والأخر يبقى على ملك الزوج حتى يدخل ، وإن كان المنساق على هذا التقدير بقاء التدبير في النصف ، إلا أنه يمكن القول ببطلانه باعتبار إقدام المدبر على فسخه بجعله مهرا متحملا لتمام سبب انتقاله عنه بالدخول ، فينعدم التدبير ، فيكون ذلك منه رجوعا عن التدبير ، نحو ما لو أوصى به لزيد فوهبه من عمرو ثم رجع بالهبة قبل أن يقبض المتهب ، فان ذلك منه يكون فسخا للوصية وإن لم يتم منه سبب الانتقال عنه ، إلا أن الانصاف إمكان منع ذلك في المقيس والمقيس عليه ، بناء على أن فسخ الوصية بالتضاد بينها وبين ما أوصى به ، ولا تضاد هنا مع فرض عدم انتقاله عن ملكه ، نعم لو كان هذا الفعل منه ظاهرا في الرجوع بالوصية اتجه حينئذ انفساخها بقصده لا بفعله.

وعلى كل حال هو أشبه عند المصنف ومن تبعه ، لأن التدبير وصية تنفسخ بنحو ذلك ، والخبر (١) المزبور لا صراحة فيه في بقاء التدبير ، مع احتماله ما عن ابن إدريس من كون التدبير واجبا بنذر ونحوه مما لا يصح الرجوع معه منه ، أو عن غيره من احتماله اشتراط بقاء التدبير ، فإنه يكون حينئذ لازما‌ لعموم « المؤمنون » (٢) ‌ولأنه كشرط العتق في البيع ونحوه ، ويظهر من‌ قوله عليه‌السلام

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب المهور الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المهور الحديث ٤.

٩٤

في الرواية : « قد عرفتها وتقدمت على ذلك » ‌كونه قد شرط عليها بقاء التدبير.

وربما ردا معا ببطلان جعلها مهرا حينئذ ، وفيه أنه لا دليل على اعتبار تمامية الملك في المهر على وجه يمنع جعل المدبر لذلك بناء على تسليمه في البيع ، ضرورة كونه مالا مملوكا قبل موت المدبر ، وخروجه عن المالية بالحرية فيما بعد لا ينافي جعله مهرا الان ، نعم لو دلسه عليها أمكن حينئذ وجوب القيمة عليه أو مهر المثل أو غير ذلك مع الفسخ فيها ، ومن هنا قال في الرواية : إنها علمت به وقدمت عليه.

وبذلك يظهر دلالة الخبر المزبور على بقاء التدبير ، مضافا إلى قوله فيه : « فان ماتت المدبرة » وغير ذلك مما يؤكد هذا المعنى ، فلا يبعد القول بعدم انفساخ التدبير بنقله عن الملك من بين الوصايا ، ولعله لبناء العتق على التغليب ، ويخرج الخبر المزبور شاهدا على ذلك ، فيصح حينئذ جعله مهرا ، بل لا مانع من جواز بيعه مدبرا بناء على الدليل على اعتبار تمامية الملك على وجه تمنع بيع مثل ذلك المشمول لعدم الأدلة إن لم يكن إجماعا ، أما المقام فلا إجماع قطعا بل ولا شهرة محققة على البطلان ، فتأمل جيدا ، والله العالم.

المسألة ( السابعة )

إذا شرط في العقد ما يخالف المشروع مما لم يكن فيه خلل بمقصود النكاح على وجه يكون منافيا لمقتضى العقد مثل اشتراط أن لا يتزوج عليها أو لا يتسرى أو لا يقسم لضرتها أو لا يمنعها من الخروج من المنزل متى شاءت أو نحو ذلك بطل الشرط اتفاقا كما في كشف اللثام وغيره ، لقوله (١) صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من اشترط شرطا سوى كتاب الله فلا يجوز له ولا عليه » ‌وصح العقد اتفاقا لكونه ليس معاوضة محضة ، ولذا لا يبطل ببطلان المهر‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب المهور الحديث ٢.

٩٥

الذي هو كالركن فيه ، فضلا عما يذكر شرطا فيه ، بل المشهور صحة العقد والمهر بل قد يظهر من محكي المبسوط الاتفاق عليه لإطلاق ما دل على صحته من الكتاب والسنة وغيرهما ، فلا تلازم بينه وبين الشرط الذي هو ليس من المهر قطعا وان كان له دخل في قلته وكثرته ، وربما أومأ إلى ذلك‌ خبر محمد بن قيس (١) عن الباقر عليه‌السلام « في رجل تزوج امرأة وشرط لها إن هو تزوج عليها امرأة أو هجرها أو اتخذ عليها سرية فهي طالق ، فقضى في ذلك أن شرط الله قبل شرطكم ، فان شاء وفى لها ما يشترط ، وإن شاء أمسكها واتخذ عليها ونكح عليها ».

وكذا في صحة العقد والمهر وبطلان الشرط خاصة ما لو شرط تسليم المهر في أجل ، فان لم يسلمه كان العقد باطلا عند المشهور بيننا أيضا ، تصريحا من جماعة منهم بأنه متى فعل ذلك لزم العقد والمهر وبطل الشرط خاصة وظاهرا من آخرين ، لما عرفت وصحيح محمد بن قيس (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام أيضا « في الرجل تزوج المرأة إلى أجل مسمى فان جاء بصداقها إلى أجل مسمى فهي امرأته وإن لم يأت بصداقها فليس له عليها سبيل ، وذلك شرطهم بينهم حين أنكحوه ، فقضى للرجل أن بيده بضع امرأته وأحبط شرطهم ».

وربما يومئ أيضا إلى بطلان الشرطين الأولين ما رواه‌ زرارة (٣) « من أن ضريسا كان تحته بنت حمران بن أعين فجعل لها أن لا يتزوج عليها ولا يتسرى أبدا في حياتها ولا بعد موتها على أن جعلت له هي أن لا تتزوج بعده أبدا ، وجعلا عليهما من الهدى والحج والبدن وكل مالهما في المساكين إن لم يف كل واحد منهما لصاحبه ، ثم إنه أتى أبا عبد الله عليه‌السلام فذكر له ذلك ، فقال : إن لابنة حمران لحق وحرمة عندي. ولن يحملنا ذلك على أن لا نقول لك الحق ، اذهب فتزوج وتسر ، فإن‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب المهور الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب المهور الحديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المهور الحديث ٢.

٩٦

ذلك ليس بشي‌ء ، وليس عليك شي‌ء ولا عليها ، وليس ذلك الذي صنعتما بشي‌ء ، فجاء وتسرى وولد له بعد ذلك أولاد » ‌فإن ذلك ليس إلا لكونه غير مشروع في نفسه ، وإلا لانعقد النذر عليه ، وخبر ابن سنان (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في رجل قال لامرأته : إن نكحت عليك أو تسريت فهي طالق ، قال : ليس ذلك بشي‌ء ، إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : إن من اشترط شرطا سوى كتاب الله فلا يجوز ذلك له ، ولا عليه ».

لكن قد يشكل ذلك بما في‌ خبر محمد بن مسلم (٢) عن أحدهما عليهما‌السلام « في الرجل يقول لعبده : أعتقك على أن أزوجك ابنتي فإن تزوجت أو تسريت عليها فعليك مأة دينار ، فأعتقه على ذلك وتسرى أو تزوج ، قال : عليه شرطه » وخبر بزرج (٣) قلت لأبي الحسن موسى عليه‌السلام وأنا قائم : « جعلني الله فداك إن شريكا لي كانت تحته امرأة فطلقها فبانت منه ، فأراد مراجعتها ، فقالت المرأة : لا والله لا أتزوجك أبدا حتى تجعل الله لي عليك أن لا تطلقني ولا تتزوج على ، قال : وقد فعل ، قلت : نعم قد فعل جعلني الله تعالى فداك ، قال : بئس ما صنع ، وما كان يدريه ما يقع في قلبه في جوف الليل أو النهار؟ ثم قال : أما الان فقل له : فليتم للمرأة شرطها ، فان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : المسلمون عند شروطهم ». وخبره الآخر (٤) عن عبد صالح عليه‌السلام قلت : « إن رجلا من مواليك تزوج امرأة ثم طلقها فبانت منه ، فأراد أن يراجعها فأبت عليه إلا أن يجعل لله عليه أن لا يطلقها ولا يتزوج عليها ، فأعطاها ذلك ، ثم بدا له في التزويج بعد ذلك ، فكيف يصنع؟ قال : بئس ما صنع ، وما كان يدريه ما يقع في قلبه في الليل والنهار؟ قل له : فليف‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب المهور الحديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب المهور الحديث ١.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٤٠٤ عن منصور بن بزرج.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المهور الحديث ٤ وهو خبر منصور بن بزرج.

٩٧

للمرأة بشرطها ، فان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : المؤمنون عند شروطهم » ‌وغير ذلك مما يدل على مشروعية هذا الشرط ، وعدم كونه مخالفا للمشروع ، اللهم إلا أن يحمل ذلك على التقية ، لموافقته العامة كما عن الإستبصار ، أو يفرق بين النذر والشرط ، كما عن الشيخ في التهذيبين ، وإن كان هو كما ترى وعلى كل حال فالمعروف ما عرفت من فساد الشرط وصحة العقد والمهر.

نعم في القواعد والمسالك وغيرهما احتمال فساد المهر ، لأن الشرط كالعوض المضاف إلى الصداق أو البضع ، ومع فساده يتعذر الرجوع إلى القيمة ، فيتجهل المهر ولو بجهالة ما يخص الشرط منه إذا كان عليها ، بل في المسالك « هو متجه إلا أن يزيد المسمى عنه والشرط لها أو ينقص والشرط عليها ، فيجب المسمى حينئذ لأنه قد رضي ببذله مع التزام ترك حق له ، فمع انتفاء اللزوم يكون الرضا به أولى ، ولأنها في الثاني قد رضيت به مع ترك حق لها ، فبدونه أولى ، ومع ذلك فينبغي احتساب المسمى من مهر المثل ، وإكماله من غيره حيث يفتقر إليه ، لاتفاقهما على تعيينه في العقد » وفيه أنه غير مجد مع فرض فساده ، ولذا أطلق في القواعد وجوب مهر المثل على هذا الاحتمال ، والله العالم.

ولو شرط أن لا يقتضها لزم الشرط لعموم الوفاء (١) ‌و « المؤمنون عند شروطهم»(٢)‌ وخبر سماعة (٣) عنه عليه‌السلام قلت : « جاء رجل إلى امرأة فسألها أن تزوجه نفسها ، فقالت : أزوجك نفسي على أن تلتمس مني ما شئت من نظر والتماس وتنال مني ما ينال الرجل من أهله إلا أنك لا تدخل فرجك في فرجي فإني أخاف الفضيحة ، قال : ليس له منها إلا ما اشترط » ‌وغيره من النصوص.

نعم لو أذنت بعد ذلك جاز عملا بإطلاق الرواية‌ عن إسحاق بن عمار (٤)

__________________

(١) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المهور الحديث ٤.

(٣) و (٤) الوسائل الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب المهور الحديث ١ ـ ٢

٩٨

عن الصادق عليه‌السلام قلت له : « رجل تزوج بجارية على أن لا يفتضها ثم أذنت له بعد ذلك قال : إذا أذنت له فلا بأس ».

ولكن مع ذلك قيل والقائل الشيخ في المحكي من مبسوطة ، وابن حمزة في المحكي من وسيلته ، بل في المسالك نسبته إلى جماعة من المتقدمين والمتأخرين : منهم العلامة في المختلف وولده في الشرح يختص لزوم هذا الشرط بالنكاح المنقطع الذي هو مورد النصوص التي منها‌ خبر عمار بن مروان (١) عن الصادق عليه‌السلام « في رجل جاء إلى امرأة فسألها أن تزوجه نفسها متعة ، فقالت : أزوجك نفسي » ‌إلى آخر ما في‌ خبر سماعة المتقدم الذي قد يظهر إرادة ذلك أيضا ، خصوصا مع قولها فيه : « إني أخاف الفضيحة » ولأنه هو الذي لم يطلب فيه النسل ، وإنما يراد منه الاستمتاع المتحقق بغيره ، ولذا لم ينافه الشرط المزبور بخلافه في الدائم المراد منه النسل والتوالد ، فهو حينئذ خلاف مقتضي العقد ، بل لعله أيضا من خلاف المشروع باعتبار تصريح الكتاب (٢) والسنة (٣) بأن له الوطء أنى شاء ، فيكون شرط عدمه خلاف المشروع ، وربما يومئ إليه الحكم بفساد اشتراط جعل الوطء والطلاق بيد الزوجة في غير واحد من النصوص (٤) وأنه من خلاف السنة ، ولا ريب في أن اشتراط عدم الوطء أصلا أولى بذلك منه ، بل لعله مناف لمقتضى العقد ، أو مخالف للمشروع في الدائم والمنقطع ، لكن خرج عنه في الأخير للنصوص بخلاف الأول ، فإنه لا نص يقتضيه عدا الخبرين ، وهما مع ضعفهما يمكن إرادة المؤجل منهما ، لكون المتعارف اشتراط ذلك فيه ، بل قد عرفت القرينة عليه في أحدهما.

وهو كما ترى تحكم بلا حاكم ، ضرورة عدم الفرق بين الدائم‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب المتعة الحديث ١.

(٢) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٢٣.

(٣) الوسائل الباب ـ ٧٩ و ٨٣ ـ من أبواب مقدمات النكاح.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب المهور.

٩٩

والمنقطع في ذلك ، بل ربما كان الوطء في الأخير أشد فلاحظه ، وخبر إسحاق بن عمار وغيره مطلق ، والضعف إن كان منجبر بالشهرة ، ولو أن الوطء من مقتضيات النكاح على وجه يستلزم اشتراط عدمه بطلانه لم يجز نكاح المتعذر وطئها أو وطئه ، وهو معلوم الفساد ، وانما الوطء غاية من الغايات ، والنصوص (١) المتضمنة لبطلان اشتراط كون ولاية الجماع بيدها وولاية الطلاق كذلك إنما هو لمخالفة نحو قوله تعالى (٢) ( الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَى النِّساءِ )‌ و « الطلاق بيد من أخذ بالساق » (٣) ‌ونحو ذلك ، وهو غير عدم الوطء.

ومن ذلك كله يعلم ما في القول ببطلان العقد والشرط فيهما معا الذي هو كالاجتهاد في مقابلة النص ، كالقول بفساد الشرط خاصة مطلقا ، كما عن جماعة منهم الحلي ، أو في الأول خاصة وصحتهما في الثاني ، كما عن ابن حمزة.

وكذا الاشكال من بعضهم في جواز الوطء بالاذن على تقدير الصحة ، لتوقف إباحة البضع على العقد ، وعدم كفاية الإذن فيها ، وقد سمعت التصريح به في النص ، على أن المبيح إنما هو العقد ، ولكن كان الشرط كالمانع ، فمع فرض الاذن يزول المانع ، فيبقى المقتضي على مقتضاه ، بل لو عصى وخالف الشرط لم يكن زانيا ، ويلحق به الولد ، كما هو واضح.

والظاهر إلحاق غير الوطء من وجوه الاستمتاع به في جميع ما ذكرناه ، لما عرفته من صلاحية العموم الذي لا فرق فيه بين الوطء وغيره مدركا لذلك.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب المهور.

(٢) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٣٤.

(٣) سنن البيهقي ج ٧ ص ٣٦٠ وفيه‌ « انما يملك الطلاق من أخذ بالساق » ‌

.

١٠٠