جواهر الكلام - ج ٣١

الشيخ محمّد حسن النّجفي

١

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‌

( النظر الثاني في المهور )

جمع مهر ، ويسمى الصداق بفتح الصاد وكسرها ، والنحلة والأجر والفريضة والعقر والصدقة بفتح الصاد مع ضم الدال وإسكانها وفتحها وبضمها والعليقة ، والحباء بالمد وكسر الحاء المهملة ثم موحدة ، والطول ، وهو كما في المسالك مال يجب بوطء غير زنا منها ولا ملك يمين أو بعقد النكاح أو تفويت البضع قهرا على بعض الوجوه ، كارضاع ورجوع شهود ، وكأنه أخذه من بعض العامة ، قال : « إنه في الشرع اسم لما وجب في مقابلة البضع بنكاح أو وطء أو موت أو تفويت البضع قهرا ـ ثم قال ـ : وقولنا : أو تفويت البضع قهرا يدخل فيه الرضاع ورجوع الشهود ووطء الأب زوجة ابنه وبالعكس بالشبهة فيهما ، ووطء الأب جاريته ، وإقرار الامرأة بعد إقرارها لزوج قبله ، وغير ذلك من المواضع المعروفة في أبوابها » قلت : ذلك ونحوه سبب في الرجوع بالمهر الذي هو مقابل لتملك منفعة البضع أو استيفائها بغير زنا منها ، والأمر سهل كسهولته في الأسماء المزبورة التي من المحتمل اختصاص اسم الأجر منها في مهر المتعة. بل قد يمنع تسميته بالنحلة ، وإنما وقع في الآية (١) وصفه بها ، كما أنه قد يمنع تسميته بالفريضة ، وانما يوصف بها باعتبار كونه فرضا على الزوج ونحو ذلك مما لا طائل تحته.

__________________

(١) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٤.

٢

( و ) على كل حال فـ ( ـفي ) البحث عنـ ( ـه أطراف )‌

( الطرف الأول في المهر الصحيح )

الأول في المهر الصحيح في نكاح المسلمين وهو كلما يصح أن يملك ه‍ المسلم عينا كان أو منفعة لعقار أو حيوان أو إنسان عبد أو حر ولو الزوج نفسه ، للأصل والمعتبرة المستفيضة في تحديد الصداق بما تراضيا عليه وأن المنساق منها ذلك بالنسبة إلى الكثيرة والقلة ، ففي صحيح الكناني (١) « سألت عن المهر ما هو؟ فقال : ما تراضي عليه الناس » وصحيح زرارة (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام « الصداق كل شي‌ء يتراضى عليه الناس قل أو كثر » ‌وصحيح فضيل (٣) عنه عليه‌السلام أيضا « الصداق ما تراضى عليه الناس من قليل أو كثير فهو الصداق » وفي الصحيح الآخر (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سألته عن المهر ، فقال : هو ما تراضى عليه الناس أو اثنتا عشرة أوقية ونش أو خمسمائة درهم » ‌مضافا إلى‌ الصحيح (٥) عن أبي جعفر عليه‌السلام « جاءت امرأة إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقالت : زوجني ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من لهذه؟ فقام رجل فقال : أنا يا رسول الله ، زوجنيها ، فقال : ما تعطيها؟ فقال : ما لي شي‌ء ، فقال : لا ، قال : فأعادت ، فأعاد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الكلام ، فلم يقم أحد غير الرجل ثم أعادت ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المرة الثالثة : أتحسن من القرآن شيئا؟ قال : نعم ، قال : قد زوجتكها على ما تحسن من القرآن فعلمها إياه » ‌

وفي آخر (٦) عنه عليه‌السلام أيضا « سألته عن رجل تزوج امرأة على أن يعلمها سورة‌

__________________

(١) و (٢) و (٣) و (٤) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب المهور الحديث ١ ـ ٦ ـ ٣ ـ ٤

(٥) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب المهور الحديث ١.

(٦) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب المهور الحديث ٢.

٣

من كتاب الله عز وجل فقال : ما أحب أن يدخل بها حتى يعلمها السورة ويعطيها شيئا ، قلت : أيجوز أن يعطيها تمرا أو زبيبا؟ فقال : لا بأس بذلك إذا رضيت به كائنا ما كان».

وقد بان لك من ذلك أنه لا إشكال في أنه يصح العقد على منفعة الحر كتعليم الصنعة والسورة من القرآن والشعر والحكم والآداب وكل عمل محلل ، بل وعلى إجارة الزوج نفسه مدة معينة أو على عمل مخصوص ، وفاقا للمشهور لما عرفت وقيل والقائل الشيخ في النهاية وجماعة على ما حكي بالمنع استنادا إلى رواية لا تخلو من ضعف في السند مع قصورها عن افادة المنع وهي‌

رواية البزنطي (١) عن الرضا عليه‌السلام « في الرجل يتزوج المرأة ويشترط لأبيها إجارة شهرين فقال : موسى على نبينا وآله وعليه السلام علم أنه سيتم له شرطه فكيف لهذا بأن يعلم أنه سيبقى حتى يفي ، وقد كان على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تتزوج المرأة على السورة وعلى الدراهم وعلى القبضة من الحنطة » ‌إذ هو ـ مع احتماله الكراهة وعدم مكافأته لما سمعت من وجوه ـ غير واضح الدلالة ، ضرورة ظهوره في كون المانع عدم علمه بالبقاء إلى أن يفي ، فلو فرض علمه بذلك صح ، بل مقتضاه فساد الإصداق بنحو تعليم سورة وغيره الذي قد تضمن هو جواز جعله مهرا فضلا عن الإجماع ودلالة المعتبرة السابقة.

اللهم إلا أن يقال : إن محل النزاع الاصداق بإجارة خصوص نفسه لا الاصداق بعمل في ذمته كلي غير مشروط عليه المباشرة بنفسه ، فان ذلك جائز عند الجميع ، وهو مضمون المعتبرة المستفيضة (٢) والمحكي عليه الإجماع ، ومن هنا صرح بعضهم بل لعله ظاهر المتن أيضا بكون النزاع في جعل الزوجة المهر استئجار‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب المهور الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب المهور الحديث ١ والباب ٧ منها الحديث ٢ والباب ـ ١٧ ـ منها الحديث ١ والباب ـ ٢٢ ـ منها الحديث ١.

٤

الزوج لأن يعلم أو يعمل هو بنفسه لها أو لوليها مدة معينة ، كشهر أو شهرين أو سنة.

وربما كان وجه المنع فيه حينئذ عدم الطمأنينة للامرأة بحصول المهر لاحتمال موته قبل العمل ، والفرض عدم كون الشي‌ء في ذمته حتى يؤخذ لها من تركته ، وليس هو كالإجارة على ذلك التي لا إشكال فيها مع عمله ومع عدمه يرجع بأجرته إذا انفسخت بموت ونحوه.

قلت : فيه ( أولا ) أنه إذا جعل عمله نفسه مهرا فان فعل فلا إشكال وإن مات بعد الدخول مثلا ولم يعمل كان لها قيمة ذلك العمل من تركته ، إذ هو مضمون عليه حتى يوصله إليها ، وليس هو كالإجارة في الانفساخ بتلف العين المستأجرة على أنه لو سلم يكون لها مهر المثل حينئذ لعدم خلو البضع عن المهر ، والفرض انفساخ العقد بالنسبة إلى المسمى.

و ( ثانيا ) أن الأصل في هذا الشيخ في النهاية وظاهر الخلاف ، وليس في كلامهما تعرض للفرق بين العمل في الذمة وبين إجارة النفس ، بمعنى اشتراط المباشرة أو على كونه كالأجير الخاص.

قال في النهاية : « يجوز العقد على تعليم آية من القرآن أو شي‌ء من الحكم والآداب ، لأن ذلك له أجر معين وقيمة مقدرة ، ولا يجوز العقد على إجارة ، وهو أن يعقد الرجل على امرأة على أن يعمل لها أو لوليها أياما معلومة أو سنين معينة ».

وقال في محكي المبسوط : « يجوز أن تكون منافع الحر مهرا ، مثل أن يخدمها شهرا ، أو على خياطة ثوب ، أو على أن يخيط لها شهرا وكذلك البناء وغيره ، وكذلك تعليم القرآن والشعر المباح ، كل هذا يجوز أن يكون صداقا ، وفيه خلاف ، غير أن أصحابنا رووا أن الإجارة مدة لا يجوز أن تكون صداقا ، لأنه كان يختص موسى عليه‌السلام ».

وفي محكي الخلاف بعد أن ذكر أن الصداق ما تراضيا عليه مما يصلح أن‌

٥

يكون ثمنا لمبيع أو أجرة قليلا كان أو كثيرا واستدل على ذلك بإجماع الفرقة وأخبارهم ، قال : « مسألة يجوز أن تكون منافع الحر مثل تعليم قرآن أو شعر مباح أو بناء أو خياطة أو غير ذلك مما له أجرة صداقا ، واستثنى أصحابنا من جملة ذلك الإجارة ، وقالوا : لا يجوز ، لأنه كان يختص موسى عليه‌السلام ، وبه قال الشافعي ولم يستثن الإجارة ، بل أجازها ، ثم حكى عن أبي حنيفة وأصحابه أنه لا يجوز أن تكون منافع الحر صداقا بحال سواء كانت حجا أو غيره ـ ثم قال ـ : دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم ، وأيضا روى سهل الساعدي » (١) وساق الحديث السابق.

وليس في شي‌ء من كلامه في كتبه الثلاثة الإشارة إلى الفرق بما عرفت ، ولا يبعد أن يكون مراده باستثناء الإجارة بقرينة ذكر قضية موسى عليه‌السلام جعل الصداق الإجارة نفسها على وجه يكون البضع اجرة كما كانت الإجارة مهرا ، على معنى تزويج المرأة نفسها بإجارة نفسه لها شهرا أو على عمل بحيث ، يكون الصداق عقد الإجارة ، أو يذكر العمل فيه على إرادة عقد الإجارة ويجعل البضع نفسه أجرة لذلك ، كقول شعيب عليه‌السلام لموسى عليه‌السلام (٢) ( عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ ) ولا ريب في عدم صحة ذلك ، ضرورة عدم صلاحية البضع لأن يكون أجرة ولا ثمنا لمبيع ولا عوضا في جميع المعاوضات ، مضافا إلى ما تسمعه من خبر حمادة (٣) وظاهر الآية مع فرض إرادته مختص بموسى عليه‌السلام ، كما أنه اختص به جعل تلك الإجارة التي منفعتها لشعيب عليه‌السلام مهرا كما أومى إليه في خبر السكوني (٤) الذي رواه المشايخ الثلاثة قال : « لا يحل النكاح اليوم في الإسلام بإجارة ، بأن تقول : أعمل عندك كذا وكذا سنة على أن تزوجني ابنتك أو أختك ، قال : هو حرام ، لأنه ثمن رقبتها ، وهي أحق بمهرها ».

__________________

(١) المستدرك الباب ـ ٢ ـ من أبواب المهور الحديث ٢ وسنن البيهقي ج ٧ ص ٢٤٢.

(٢) سورة القصص : ٢٨ ـ الآية ٢٧.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المهور الحديث ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب المهور الحديث ٢.

٦

ومن ذلك يعلم ما في كلام بعضهم من تحرير محل النزاع جعل ذلك مهرا لها أو لوليها ، حتى أنه جعل المشهور الجواز ، وربما تسمع لذلك تتمة إنشاء الله ، كما أن منه يعلم ما في تأويل ما في المتن ونحوه في تحرير النزاع من التعبير بإجارة الزوج نفسه بأن المراد جعل العمل الذي يكون موردا للإجارة ، لا أن المراد الإجارة نفسها ، بل منه يعلم أيضا أنه لا وجه للاستدلال للشيخ بالخبر المذكور أولا وإن كان فيه ذكر قصة موسى عليه‌السلام والتعليل بما عرفت الذي لا يمنع من أن يكون المنع فيه لعلة أخرى ، وهي ما سمعت ، بل الأولى الاستدلال بما دل على عدم جواز جعل الإجارة مهرا كخبر السكوني.

وربما احتمل في كلام الشيخ أن محل نزاعه في خصوص العمل مدة ، لكنه كما ترى ، وكذا احتمال كون نزاعه جعل العمل للغير مهرا نحو ما وقع من موسى عليه‌السلام ، فان كلامه الذي سمعته صريح في خلاف ذلك ، ولعل التدبر في كلامه في كتبه الثلاثة يقتضي ما قلناه ، بل ظاهره في الخلاف أن ذلك أمر معروف عند الأصحاب وعدم كون ذلك من خواصه ، ولذا نسبه إلى استثناء الأصحاب ثم حكى عن أبي حنيفة ما سمعت المبني على عدم مالية منافع الحر ، ولذا لا تضمن بالفوات ، فلا تصح أن تجعل مهرا نعم لو قوبلت بمال كما في الإجارة ، وهو كالاجتهاد في مقابلة النص ، بل هو منه ، على أنه لا فرق في ماليتها في المعاوضات بين المقابلة بمال وعدمه ، ولذا جاز استئجار الشخص الحر على عمل بعمل آخر من المستأجر كما هو واضح.

وعلى كل حال فقد عرفت أن المدار في المهر على المالية التي تصح أن تكون عوضا من غير فرق بين العين والعروض والمنافع والأعمال ونحوها ، بل الظاهر جواز جعل المهر حقا ماليا كحق التحجير ونحوه مما يصح المعاوضة عليه.

أما الحقوق التي يصح المعاوضة عن إسقاطها كحق الدعوى واليمين والخيار والشفعة ونحوها ففي صحة جعلها مهرا وجهان ينشئان من عموم‌ قوله عليه‌السلام (١) « ما تراضيا عليه » ‌وأولوية المهر من غيره من المعاوضات ، باعتبار كونه ليس عوضا صرفا ومن إطلاق الفتاوى اعتبار كونه مملوكا على وجه ينتقل إلى الزوجة ، ويقبل التنصيف‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب المهور الحديث ٣.

٧

لو احتيج اليه بطلاق قبل دخول ونحوه ولو بتقويمه ، واحتمال الالتزام بالتقويم في الفرض حينئذ يدفعه عدم كون مثل ذلك من المتقومات العرفية ، وإنما تقع المعاوضة عليه بما يتراضيان عليه ، اللهم إلا أن يدعى إمكان تقويمه ولو بملاحظة الدعوى مثلا ، لكنه كما ترى ، مضافا إلى‌ خبر حمادة بنت أخت أبي عبيدة الحذاء (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل تزوج امرأة وشرط لها أن لا يتزوج عليها ورضيت أن ذلك مهرها ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : هذا شرط فاسد ، لا يكون النكاح إلا على درهم أو درهمين ».

ثم إن المراد من قول المصنف : « كلما يصح أن يملك المسلم » الصحة المحققة على وجه ينتقل منه إلى غيره كي يتجه حينئذ جعل الزوج له مهرا منتقلا إلى الامرأة ، وربما خرج بذلك العقد على مال الغير بغير إذنه ، فإنه لا يصح ملكه فعلا لمسلم بدون إذن مالكه ، ويمكن أن يكون المصنف أراد الاحتراز عن مثله بمثل هذه العبارة ، وعدم جواز جعله مهرا لحرمة التصرف في مال الغير وإن صدق عليه صحة تملك المسلم له ، بل قد يمنع صحته مهرا حتى مع إذن المالك إذا لم يكن على وجه يدخل في ملك الزوج ، لكون المهر كالأعواض التي لا يصح أن تكون لمالك والمعوض لاخر ، اللهم إلا أن يمنع اعتبار ذلك في المهر وإن اعتبر مثله في المعاوضات ، لكن ليس هو منها ، فيصح حينئذ بذل الغير له ، بل يصح العقد للزوج على أن يكون المهر في ذمة غيره ، وقد يشهد له في الجملة ما تسمعه إنشاء الله من كون المهر في ذمة الوالد لو زوج ولده الصغير المعسر ، بل يظهر من الفاضل في القواعد وغيره المفروغية من مشروعية بذل الغير المهر عن الولد الموسر الصغير بل وغيره ، فلاحظ ما ذكره في الفرع الرابع عشر وهو : لو زوج الأب أو الجد له الصغير إلى آخره ، ولعله الأقوى خصوصا مع ملاحظة مخالفة معاوضة المهر لأحكام المعاوضة في كثير من المقامات ، وربما يأتي لذلك تتمة إنشاء الله.

وكيف كان ف لو عقد الذميان أو غيرهما من أصناف الكفار على‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المهور الحديث ١.

٨

خمر أو خنزير أو نحوهما مما لا يصح من المسلم صح العقد والمهر حكما إذا كان كذلك في دينهم ، بمعنى إقرارهم على ما في أيديهم وعدم التعرض له ، وإلزامهم بما ألزموا به أنفسهم ولأنه في دينهما يملكانه فيصح ذلك بالنسبة إليهم عقدا ومهرا وحينئذ ف لو أسلما أو أسلم أحدهما بعد القبض فلا إشكال ، وإن كان ذلك قبل القبض دفع الزوج القيمة عند مستحليه لتعذر ما استحقته الزوجة بالعقد ب خروجه عن صلاحية ملك المسلم له ، والفرض ضمانه عليه حتى يوصله إلى الزوجة ، فيكون حينئذ كالمثلي الذي قد تعذر مثله في الانتقال إلى القيمة ، ضرورة أنه بإسلامهما يمتنع قبضه وإقباضه في دين الإسلام عليهما ، وكذا إن كان المسلم الزوج الذي لا يصح له إقباضه ولا دفعه نحو الزوجة التي لا يصح لها قبضه حينئذ ، فليس حينئذ إلا القيمة التي هي أقرب شي‌ء إليه سواء كان الخمر والخنزير المجعولان مهرا عينا مشخصة أو كليا مضمونا في الذمة ، مؤيدا ذلك كله بخبر عبيد بن زرارة (١) قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : « النصراني يتزوج النصرانية على ثلاثين دنا خمرا وثلاثين خنزيرا ثم أسلما بعد ذلك ولم يكن دخل بها ، قال : ينظر كم قيمة الخمر؟ وكم قيمة الخنازير؟ فيرسل بها إليها ثم يدخل عليها ، وهما على نكاحهما الأول » ‌وقد مر تحقيق في المسألة في نكاح الكفار وذكر الأقوال فيها.

لكن ينبغي أن يعلم هنا أن ما يظهر من المصنف وغيره من ملكية الكافر للخمر والخنزير ونحوهما مناف لقاعدة تكليف الكافر بالفروع ، ولما دل (٢) على عدم قابليتهما للملك شرعا من غير فرق بين المسلم والكافر ، وعدم التعرض لما في أيديهم من أديانهم لا يقتضي ملكيتهم ذلك في ديننا ، بمعنى أن المسلم فيه لا يملك بخلاف الكافر ، فإنه يملك ذلك ، ضرورة منافاته لما عرفت ، ولنسخ دينهم ، فهو‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب المهور الحديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٥٥ و ٥٧ ـ من أبواب ما يكتسب به.

٩

حرام عليهم ، والثمن الذي يأخذونه في مقابلته حرام عليهم ، وتصرفهم فيه حرام أيضا وإن جاز لنا تناوله منهم ، ومعاملته معاملة المملوك ، وإجراء حكم الصحيح عليه إلزاما لهم بما ألزموا به أنفسهم ، فتأمل جيدا ، فإنه دقيق نافع.

كما أنه ينبغي أن يعلم أيضا أنه قد يقال بعدم وجوب القيمة في المقام لو كان المهر مثلا خمرا معينا وقد أسلم الزوج وقد قبضته هي من دون إذن منه أو مع عدم منعه ، لعدم جواز تعرضه لها في ملكها ، بل من يتلف على الذمي خمرا يضمنه له ، فوجوب القيمة في ذلك محل نظر وإن لم أجد ذلك لأحد من أصحابنا ، نعم عن بعض العامة الفرق بين الدين والعين ، وهو جيد في هذا الفرد ، لا فيما إذا أسلمت الزوجة قبل القبض وكان مهرها خمرا معينا فإنه بإسلامها تعذر عليه قبضها وتلف عليها ، والفرض ضمانه في يد الزوج ، وليس ذلك تفريطا بعد أن كانت مأمورة به شرعا ، فالإسلام يرفعها ويعزها وقد أومأنا إلى ذلك في ذلك المقام ، والله العالم بحقيقة الحال.

ولو كانا أي الزوج والزوجة مسلمين أو كان الزوج مسلما وعقدا على خمر أو خنزير مثلا عالمين بعدم صحة ذلك أو جاهلين أو مختلفين قيل والقائل جماعة منهم الشيخان في المقنعة والنهاية والقاضي والتقي على ما حكي : يبطل العقد لتعليق الرضا بالباطل المقتضي لارتفاعه بارتفاعه ، ولأنه حيث يذكر المهر فيه عقد معاوضة ، ضرورة اتحاده مع عقود المعاوضة في القصد ودخول الباء ونحو ذلك ، ولذا أطلق عليه اسم الأجر في قوله تعالى (١) ( فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) فينبغي أن يعتبر فيه ما يعتبر فيها من توقف الصحة على صحة العوض كالبيع ونحوه ، وصحته بلا مهر لا ينافي جريان حكم المعاوضة عليه مع ذكر المهر ، بل قد يؤيد ذلك ما في المعتبرة المستفيضة (٢) من أن المهر ما تراضيا عليه المنعكس بعكس النقيض إلى أن ما لا يتراضيان عليه لا يكون مهرا المقتضي عدم غير المذكور في‌

__________________

(١) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٢٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب المهور.

١٠

العقد مهرا فينافي ما دل على عدم إخلاء البضع عن المهر ، فليس حينئذ إلا البطلان.

وقيل والقائل المشهور يصح العقد ، بل عن بعض نفي الخلاف فيه إلا من مالك وبعض الأصحاب ، للعمومات السالمة عن معارضة غير ما عرفت من التعليق المذكور الذي يمكن منعه بعدم ظهور المعاوضة في ذلك ، وانما تقتضي معنى التعاوض والتبادل عرفا من غير اعتبار معنى التعليق بل ذلك فيها شبه الداعي يعني أن الزوجة مثلا رضيت بالنكاح ورضيت بكون الخمر ملكا لها ، والزوج رضي بكونها زوجة وأنها مالكة للخمر عليه ، لا أن المراد إنشاء معلقا على وجه يكون الرضا معلقا عليه ، فيكون حاصله أن الزوجة قد أنشأت الرضا بالنكاح معلقة ذلك على أن يكون الخمر ملكا لها ، بحيث إن لم يكن ملكا لها فلا رضا لها بالنكاح ، ضرورة عدم إرادة ذلك في المعاوضة وإن انساق إلى ذهن غير المحصل ابتداء والتحقيق ما عرفت ، وحينئذ فلم يحصل في العقد المفروض إلا هذا التقابل ، وهو مقتض للبطلان في العقد الذي اعتبر الشارع فيه العوض ، كالبيع والإجارة ، أما نحو النكاح المسلم عند الخصم عدم اعتبار العوض فيه لا دليل على اقتضاء بطلانه بطلانه ، بل الدليل من العمومات وغيرها يقتضي الصحة.

( وبالجملة ) بطلان عقود المعاوضات ببطلان العوض العرفي شرعي لا لانتفاء الرضا ، فالمعاوضة حينئذ عرفية وشرعية وهي المشتملة على العوض الصحيح شرعا وشرعية لا عرفية ، لوجوب مهر المثل بالدخول وقيمة الشي‌ء بتلفه ، وعرفية لا شرعية ، وهي المشتملة على العوض الفاسد ، وهذه إن اعتبر الشارع فيها العوض تكون باطلة لذلك ، وإلا كان العقد صحيحا للعمومات والتعاوض باطلا ، وما نحن فيه من ذلك ، ضرورة تسليم الخصم عدم اعتبار العوض فيه فيصح بلا مهر ، بل وتسليمه صحة العقد مع ظن كونه خلا فبان خمرا ، أو حيوانا مملوكا فبان خنزيرا ، أو ماله فظهر مستحقا للغير ، ونحو ذلك مما قيل فيه إن العقد صحيح قولا واحدا ، ولا وجه له إلا ما ذكرناه الذي منه يستفاد الصحة في الفرض ، وكذا فحوى ما دل عليها في‌

١١

النكاح المشتمل على الشروط الفاسدة التي هي كالمهر من حيث الرضا المزبور ، بل ربما كانت الدعوى فيه أظهر مع حكمهم بالصحة وإن فسد الشرط ، وليس ذلك إلا لما عرفت ، كل ذلك مضافا إلى صحيح الوشاء (١) في المسألة الاتية المصرح فيه بصحة العقد وبطلان ما جعل فيه من المهر لأبيها.

وكأنه إلى بعض ما ذكرنا أشار بعض الأفاضل في الاستدلال على الصحة في الفرض بالعمومات ، قال : « ولا يخرج عنها سوى اشتراطه بالتراضي المفقود هنا بناء على وقوعه على الباطل المستلزم لعدمه بدونه ، فلا يكون الرضا بالتزويج باقيا بعد المعرفة ببطلان المرضى به » وفيه أن الشرط حصوله وقد وجد فتثبت الصحة المشروطة به ، وبطلان المتعلق غير ملازم لبطلانه أولا ، وعلى تقديره فاللازم منه ارتفاع الرضا من حين المعرفة بالبطلان ، وعدم البقاء ليس شرطا في الصحة ، بل الوجود وقد حصل ، ودعوى استلزام بطلان المرضى به بطلان أصل الرضا وعدم حصوله فاسدة بالضرورة هنا وإن كان بعض ما ذكره لا يخلو من نظر.

ومن ذلك بان ما في جميع أدلة الخصم حتى الأخير الواضح فساده ، ضرورة أنه بعيد تسليم مقدماته الفاسدة يقتضي عدم كونه غير ما تراضيا عليه مهرا في العقد وهو لا ينافي ثبوت المثل بالدخول لا بالعقد ، كما هو واضح. نعم لا ريب في اقتضاء ما ذكرناه انحصار ما أوجبه العقد في ملكية البضع خاصة من غير مهر.

فدعوى ـ إيجابه مع ذلك مهر المثل أو قيمة الخمر أو التفصيل في المذكور بين ما له قيمة ولو عند مستحليه وغيره كالحر ، فيوجب مهر المثل في الثاني والقيمة في الأول ، والتفصيل بين ما علم كونه خمرا أو خنزيرا وبين غيره مما ظن كونه خلا وحيوانا مملوكا فبان خمرا أو خنزيرا ، فيجب بالعقد مهر المثل في الأول والقيمة في الثاني أو مقدار ذلك الخمر خلا أو غير ذلك ـ من الأقوال والاحتمالات التي لا ينبغي أن تصدر ممن له أدنى نصيب في الفقه ، ضرورة عدم إيجاب العقد ما لم يذكر‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب المهور الحديث ١.

١٢

فيه ، ولا ريب أن مهر المثل أو القيمة أو غير ذلك أشياء لم يذكرها المتعاقدان في العقد لا لفظا ولا تقديرا ، وقيمة الشي‌ء انما تجب حكما من الشارع بعد استحقاق ذلك الشي‌ء لا قبل أن يستحق عليه.

فما وقع من جماعة ـ من نحو هذه الأقوال حتى أنه أوجبوا النصف بالطلاق والجميع بالموت ـ واضح الفساد ، بل لعل المتجه عدم جعل محل البحث من المفوضة ، للعلم بعدم وقوع معنى التفويض منها ، بل ما وقع منها من القصد إلى مهرية الخمر والخنزير ينافيه ، فلا متعة لها لو طلقت قبل الدخول ، بناء على اختصاصها بها ، كما لا شي‌ء مع الموت.

وانما يثبت لها مع الدخول مهر المثل الذي لا مدخلية للعقد في وجوبه ، ولذا قد يجب بالوطء شبهة بدون عقد وحينئذ فما قيل : لا يجب مهر المثل لها بل الواجب لها قيمة الخمر أو مقداره خلا أو غير ذلك من الأقوال التي قد عرفت فسادها ـ لا ينبغي الالتفات إليه.

وقد ظهر لك من ذلك أن القول الثاني أي القول بصحة العقد ، وأن لها مهر المثل مع الدخول مع كونه أشهر أشبه بأصول المذهب وقواعده ، كما عرفته بما لا مزيد عليه ، والله العالم بحقيقة الحال.

ولا تقدير في المهر في جانب القلة بل ما تراضي عليه الزوجان وإن قل ما لم يقصر عن التقويم كحبة من حنطة ونحوها مما يعد نقله عوضا من السفه والعبث ، بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك نصا (١) وفتوى ، بل لعل الإجماع بقسميه عليه.

وكذا لا حد له في الكثرة على المشهور بين الأصحاب ، شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا ، بل لعلها كذلك ، لإطلاق الأدلة وعمومها كتابا (٢) وسنة (٣)

__________________

(١) و (٣) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب المهور.

(٢) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٢٤ و ٢٠ وسورة البقرة : ٢ الآية ٢٣٧.

١٣

من آية الأجور و ( ما فَرَضْتُمْ ) (١) وغيرها ، ولأنه نوع معاوضة فيتبع اختيار المتعاوضين في القدر كغيره من المعاوضات وخصوص المعتبرة (٢) المحددة له بما تراضيا عليه قل أو كثر ، وقوله تعالى (٣) ( وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً ) الذي هو المال العظيم (٤) أو وزن أربعين أوقية من ذهب أو فضة أو ألف ومأتا أوقية (٥) أو سبعون ألف دينار (٦) أو ثمانون ألف دينار (٧) أو مأة رطل من ذهب أو فضة (٨) أو مل‌ء مسك ثور ذهبا أو فضة (٩) وقضية (١٠) عمر مع المرأة التي حجته بهذه الآية حين نهى عن المغالاة في المهر حتى قال : « كل الناس أفقه منك يا عمر حتى المخدرات » معروفة ، وصحيح الوشاء (١١) عن الرضا عليه‌السلام « سمعته يقول : لو ان رجلا تزوج امرأة وجعل مهرها عشرين ألفا وجعل لأبيها عشرة آلاف كان المهر جائزا والذي سماه لأبيها فاسدا » وصحيح الفضيل (١٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل تزوج امرأة بألف درهم فأعطاها عبدا آبقا وبردا بألف درهم التي أصدقها ، قال : إذا رضيت بالعبد وكانت قد عرفته فلا بأس ، إذ هي قد قبضت الثوب ورضيت بالعبد » ‌وعن‌ الشيخ في المبسوط أنه روى فيه « عن عمر أنه لما تزوج أم كلثوم بنت‌

__________________

(١) في النسخة الأصلية المبيضة « ما عرضتم » والصحيح ما أثبتناه كما في النسخة الأصلية المسودة بخط المصنف طاب ثراه.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب المهور.

(٣) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٢٠.

(٤) مجمع البيان سورة النساء ذيل الآية ٢٠.

(٥) و (٦) و (٧) و (٨) سنن البيهقي ج ٧ ص ٢٣٣.

(٩) مجمع البيان سورة آل عمران ذيل آية ١٤.

(١٠) سنن البيهقي ج ٧ ص ٢٣٣. راجع الغدير للامينى ( قده ) ج ٦ من ص ٩٥ الى ٩٨.

(١١) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب المهور الحديث ١.

(١٢) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب المهور الحديث ١.

١٤

علي عليه‌السلام أصدقها أربعين ألف درهم » (١) ‌وأن أنس بن مالك تزوج امرأة على عشرة آلاف (٢) ‌و « أن الحسن بن علي عليهما‌السلام تزوج امرأة فأصدقها مأة جارية ، مع كل جارية ألف درهم » (٣) بل ربما روى أزيد من ذلك في عهد الصحابة والتابعين من غير نكير من أحد منهم.

ولكن مع ذلك قيل والقائل المرتضى بل حكي عن الإسكافي والصدوق بالمنع من الزيادة عن مهر السنة وهو خمسمائة درهم بل لو زاد عليه رد إليها بل في الانتصار دعوى إجماع الطائفة عليه ، قال فيه : « ومما انفردت به الإمامية أنه لا يتجاوز بالمهر خمسمائة درهم جياد ، قيمتها خمسون دينارا ، فما زاد على ذلك رد إلى هذه السنة ، وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك ـ إلى أن قال ـ : والحجة بعد إجماع الطائفة أن قولنا : مهر يتبعه أحكام شرعية ، وقد أجمعنا على أن الأحكام الشرعية تتبع ما قلناه إذا وقع العقد عليه ، وما زاد عليه لا إجماع على أنه يكون مهرا ، ولا دليل شرعي ، فيجب نفي الزيادة».

وفي محكي الفقيه « والسنة المحمدية في الصداق خمسمائة درهم ، فمن زاد على السنة رد إليها » ونحوه عن هدايته ثم ذكر « أنه إذا أعطاها درهما واحدا من الخمسمائة ودخل بها فلا شي‌ء لها بعد ذلك ، وكان ذلك صداقها إلا أن تجعله دينا فتطالب به في الحياة وبعد الممات ، وإذا لم تجعله دينا فالأولى أن لا تطالب به‌ ـ ثم قال ـ : وإنما صار مهر السنة خمسمائة درهم ، « لأن الله تعالى أوجب على نفسه ما من مؤمن كبره وسبحه وهلله وحمده وصلى على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مأة مأة ثم قال : اللهم زوجني الحور العين إلا زوجه الله حوراء من الجنة ، وجعل ذلك مهرها » (٤).

وأما ابن الجنيد فالمحكي عنه بعد أن ذكر أن كل ما صح الملك له والتمول‌

__________________

(١) و (٣) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب المهور الحديث ٢ ـ ٣

(٢) سنن البيهقي ج ٧ ص ٢٣٣ وفيه « على عشرين ألفا » ‌

(٤) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب المهور الحديث ٢.

١٥

من قليل أو كثير فينتفع به في دين أو دنيا من عروض أو عين أو يكون له عوض من أجرة دار أو عمل إذا وقع التراضي بين الزوجين ، فالفرج حينئذ يحل به بعد العقد عليه ـ قال ـ : « وسأل المفضل (١) أبا عبد الله عليه‌السلام » إلى آخر الخبر المذكور دليلا للمرتضى وهو « دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام فقلت له : أخبرني عن مهر المرأة الذي لا يجوز للمؤمن أن يجوزه ، فقال : السنة المحمدية صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خمسمائة درهم ، فمن زاد على ذلك رد إلى السنة ، ولا شي‌ء عليه أكثر من الخمسمائة درهم ، فإن أعطاها من الخمسمائة درهم درهما أو أكثر من ذلك ثم دخل بها فلا شي‌ء عليه ، قال : قلت : فان طلقها بعد ما دخل بها ، قال : لا شي‌ء لها ، إنما كان شرطها خمسمائة درهما فلما أن دخل بها قبل أن تستوفى صداقها هدم الصداق فلا شي‌ء لها إنما لها ما أخذت من قبل أن يدخل بها ، فإذا طلبت بعد ذلك في حياته أو بعد موته فلا شي‌ء لها ».

لكن لا يخفى عليك عدم صراحة كلام الإسكافي في موافقة المرتضى ، بل ولا ظهوره ، بل لعل ظاهره خلافه ، كما أنه قد يظهر من الصدوق إرادته الاستحباب الذي لا كلام فيه للتأسي وغيره ، بل لا يبعد كراهة الزيادة خصوصا من المحكي عنه في المقنع قال : « وإذا تزوجت فانظر أن لا يتجاوز مهرها مهر السنة ، وهو خمسمائة درهم ، فعلى هذا تزوج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نساءه ، وعليه زوج بناته ، وصار مهر السنة خمسمائة لأن الله أوجب على نفسه » إلى آخر ما سمعته ، فانحصر الخلاف حينئذ في المرتضى خاصة ، ومنه يعلم ما في دعواه إجماع الطائفة على ذلك.

كما يعلم مما عرفت ما في الاستدلال له بالخبر المزبور الذي هو في غاية الضعف سندا ، ومشتمل على بعض الأحكام الغريبة الذي لم يقل به أحد ، ولذا سمعت الصدوق ذكر مضمونه على معنى رضاها بالدرهم وإبراؤها إياه عن الباقي فلا بأس بحمله على الندب والكراهة كخبر محمد بن إسحاق (٢) « قال أبو جعفر عليه‌السلام :

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب المهور الحديث ١٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب المهور الحديث ٦.

١٦

« تدري من أين صار مهور النساء أربعة آلاف درهم؟ قلت : لا ، قال : إن أم حبيبة بنت أبى سفيان كانت في الحبشة فخطبها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فساق عنه النجاشي أربعة آلاف درهم ، فمن ثم هؤلاء يأخذون به ، أما الأصل فاثنتا عشرة أوقية ونش » ‌الذي هو مع الضعف لا دلالة فيه على ذلك ، بل لعله ظاهر في عكسه ، والتأسي به بعد العلم بكون ذلك منه على الندب بالأدلة السابقة يراد منه الاستحباب ، ولعله لما سمعت قال المصنف وليس بمعتمد.

ولكن مع ذلك كله فالأولى الاقتصار على الخمسمائة تأسيا بهم وإن أريد الزيادة نحلت على غير جهة المهر ، كما فعله الجواد عليه‌السلام لابنة المأمون (١) قال : « وبذلت لها من الصداق ما بذله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأزواجه ، وهو اثنتا عشرة أوقية ونش على تمام الخمسمائة ، وقد نحلتها من مالي مأة ألف ».

بل قد يقال : إن المرتضى أجل من أن يخفى عليه ما في الكتاب (٢) والسنة (٣) المتواترة وفعل الصحابة والتابعين وتابعيهم وما عليه الطائفة المحقة واحتجاج الامرأة على عمر وغير ذلك ، واحتمال الاعتذار عنه ـ بأن ذلك منه بناء على مذهبه من أنه ليس للعموم صيغة تخصه ، فحينئذ‌ قوله عليه‌السلام (٤) : « ما تراضى عليه الزوجان » ‌لا دلالة فيه على العموم ـ يدفعه ( أولا ) عدم حصر الدليل في نحو ذلك كما عرفت و ( ثانيا ) أنه وإن قال : إنه ليس له لغة لكنه وافق على كونه في الشرع كذلك و ( ثالثا ) أن النصوص المزبورة فيها ما يدل على إرادة العموم ، كقوله عليه‌السلام (٥) « قل أو كثر » ‌

__________________

(١) البحار ج ١٠٣ ص ٢٦٤.

(٢) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٢٠.

(٣) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب المهور.

(٤) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب المهور الحديث ٣ و ٩ وفيهما‌ « ما تراضيا عليه » ‌وفي الحديث ١ و ٤ و ٥ و ١٠‌ « ما تراضى عليه الناس » ‌وفي سنن البيهقي ج ٧ ص ٢٤١‌ عن على عليه‌السلام « ما تراضى به الزوجان» ‌(٥) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب المهور الحديث ٦ و ٩.

١٧

ونحو ذلك ، كاحتمال الاعتذار عنه ـ بأن مراده الاستحباب وكراهة الزيادة ، واستحباب العفو عنها مع فرض حصولها ونحو ذلك ـ مما ينافيه ظاهر كلامه أو صريحه.

نعم قد يقال : إن مراده أن المهر وإن لم يكن له وضع شرعي إلا أن له مسمى كذلك ، وكل حكم في الشريعة كان عنوانه لفظ مهر يراد منه الشرعي ، فإذا أمهرت الامرأة أزيد من الخمسمائة كان الجميع واجبا على الزوج قطعا ، إلا أن المهر الشرعي منه الخمسمائة والزائد مهر عرفي واجب شرعي على الزوج أيضا ، وإن شئت فسمه نحلة ، وكأنه إليه أومأ الجواد عليه‌السلام فإذا قال الشارع مثلا : « للامرأة الامتناع عن الزوج حتى تتسلم المهر » ولم تكن ثم قرينة على أراه العرفي كان الواجب الشرعي ، وهكذا ، ولعله إلى ذلك أشار المرتضى رحمه‌الله بقوله : « قولنا مهر » إلى آخره.

وحينئذ فالوجه في رده منع المسمى الشرعي للمهر على الوجه المزبور كمنع وضعه كذلك وإن اشتهر التلفظ بمهر السنة في النصوص وغيرها ، لكن ليس المراد منه مسمى شرعي للمهر على وجه يكون عنوانا للأحكام الشرعية المعلقة على المهر الظاهر عرفا بالعوض المقابل للبضع في العقد ، لا رده بالاية (١) والروايات (٢) وفعل الصحابة وغير ذلك مما سمعت ما لا ينكره بناء على ما ذكرنا والله العالم بحقيقة الحال.

وعلى كل حال يكفي في المهر مشاهدته إن كان حاضرا ولو جهل وزنه وكيله وعده وذرعه كالصبرة من الطعام والقطعة من الذهب والصبرة من الدراهم والثوب والأرض ونحو ذلك ، بلا خلاف أجده فيه ، بل نسبه بعضهم إلى قطع الأصحاب ، لإطلاق الأدلة التي منها ما سمعته من المعتبرة (٣) المشتملة‌

__________________

(١) سورة النساء : ٤ الآية ٢٠.

(٢) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب المهور.

(٣) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب المهور.

١٨

على تحديد المهر بما تراضيا عليه ، وأنه كان على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تتزوج الامرأة على السورة وعلى القبضة من الحنطة ، مضافا إلى فحوى الاكتفاء بالقبضة ونحوها في نصوص المتعة (١) التي يعتبر في صحتها المهر بخلاف المقام الذي هو ليس على حد المعاوضات المعتبر فيها العلم الذي لا يكفي فيه المشاهدة وإن ارتفع بها معظم الغرر الذي يكفي هنا فيغتفر حينئذ ما عداه.

وحينئذ فإن قبضته ولم يتوقف الأمر على العلم بقدره أو علماه بعد ذلك فلا كلام ، وإن استمر مجهولا واحتيج إلى معرفته قبل التسليم أو بعده وقد طلقها قبل الدخول ليرجع بنصفه فالوجه الرجوع إلى الصلح ، لانحصار الطريق فيه ، واحتمال وجوب مهر المثل حينئذ كما عن بعضهم مناف لأصول المذهب وقواعده حتى لو فرض تلفه قبل القبض ، فان ضمان المهر عندنا ضمان يد لا ضمان معاوضة ، ولذا وجبت قيمته لو تلف في يد الزوج ، وليس هذا كما لو تزوجها ابتداء على المجهول الذي لا يجوز جعله مهرا ، لعدم إمكان استعلامه في نفسه بلا خلاف أجده فيه ، بل ربما ظهر من بعضهم الإجماع عليه لامتناع تقويم المجهول ، ولاعتبار العلم به في المتعة التي لم يثبت الفرق بينها وبين غيرها بالنسبة إلى ذلك ، بل ظاهر الأدلة اتفاقهما في المهرية وإن اختلفا في اشتراط صحتها به دون غيرها إلا أن ذلك أمر خارج عما نحن فيه.

فحينئذ ولذا قال في القواعد : « إنه يشترط في صحته ـ أي المهر ـ مع ذكره التعيين إما بالمشاهدة وإن جهل كيله ووزنه ، كقطعة من ذهب وقبة من طعام ، أو بالوصف الرافع للجهالة مع ذكر قدره إن كان ذا قدر ، فلو أبهم فسد المهر وصح العقد » بل لم أجد خلافا بينهم في ذلك ، نعم ستسمع البحث فيما لو جعل المهر خادما آبقا لكن التأمل التام يورث إشكالا في المقام ، ضرورة أن المهر إن كان مع ذكره يعتبر فيه ما يعتبر في المعاوضات ـ كما صرح به غير واحد ، بل نفي عنه الخلاف ، بل ربما نسب إلى قطع الأصحاب ـ ينبغي أن لا يكتفى فيه بالمشاهدة التي قد عرفت نفي الخلاف عن الاكتفاء بها أيضا كما لم يكتف فيها ، وإن لم يعتبر فيه ذلك فلا‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢١ ـ من أبواب المتعة.

١٩

وجه للبطلان بالجهالة في بعض الأوصاف والقدر ونحو ذلك ، ضرورة كونه حينئذ من قبيل الخطابات الشرعية في الزكاة والكفارة والعتق والنذر والوصية ونحوها مما لا يعتبر فيها المعلومية ، ويكفى المطلق عنوانا لها.

نعم يمكن اعتبار الوسط من الأفراد كما في الزكاة ، مؤيدا بخبر ابن أبي عمير عن علي بن أبي حمزة (١) قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : « تزوج رجل امرأة على خادم ، فقال : لها وسط من الخدم قال : قلت : على بيت ، قال : وسط من البيوت » ومرسله الآخر عن بعض أصحابنا (٢) عنه عليه‌السلام « في رجل تزوج امرأة على دار ، قال : لها دار وسط » وخبر علي بن أبي حمزة (٣) « سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن رجل زوج ابنه ابنة أخيه وأمهرها بيتا وخادما ثم مات الرجل ، قال : يؤخذ المهر من وسط المال ، قلت : والبيت والخادم ، قال : وسط من الخدم ، قلت : ثلاثين أربعين دينارا ، والبيت نحو من ذلك ، فقال : هذا ـ يعنى البيت ـ سبعين ثمانين دينارا مأة » ‌المحكي على مضمونها الشهرة بين الأصحاب ، بل في الخلاف دعوى إجماع الفرقة بعد أن نسبه إلى رواية أصحابنا ، بل قال : « إنه ما اختلفت رواياتهم ولا فتاواهم » وفي المبسوط فيما إذا أصدقها عبدا مجهولا : « قد روى أصحابنا أن لها خادما وسطا ، وكذلك قالوا في الدار المجهولة ، وهو الذي نفتي به » وفي موضع آخر منه « لها عبد وسط عندنا وعند جماعة ـ إلى أن قال ـ : وكذلك إذا قال : تزوجتك على دار مطلقا ، فعندنا يلزم دارا بين دارين » وقد تبعه عليه ابنا زهرة والبراج ، بل لعله هو الظاهر من ابن إدريس أيضا ، بل هو خيرة المصنف في النافع والفاضل في الإرشاد.

لكن ظاهر الجميع الاقتصار على هذه الثلاثة ، بل لعله صريح المبسوط ، نعم قال بعض الأفاضل من متأخر المتأخرين : الظاهر ان الاقتصار على الخادم والدار والبيت إنما كان لأن السؤال وقع عنها لا لخصوصيتها ، وإلا فالملحفة والخمار والقميص‌

__________________

(١) و (٢) و (٣) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب المهور الحديث ٢ ـ ٣ ـ١ مرسل موسى بن عمر الا أن الموجود في التهذيب ج ٧ ص ٣٧٥ ـ الرقم ١٥٢٠ موسى بن عمر عن ابن أبى عمير عن بعض أصحابنا.

٢٠