جواهر الكلام - ج ٣١

الشيخ محمّد حسن النّجفي

المسألة ( الثالثة )

قد ذكر غير واحد من الخاصة والعامة أن للمفوضة المطالبة بفرض المهر ، وأن لها حبس نفسها عليه وعلى تسلمه بعده ، وأنهما لو تراضيا بعد العقد بفرض المهر جاز ، لأن الحق لهما ، سواء كان بقدر مهر المثل أو أزيد أو أقل ، وسواء كانا عالمين أو جاهلين ، أو كان أحدهما عالما دون الأخر لأن فرض المهر إليهما ابتداء فجاز انتهاء بل ذلك بعد تراضيهما لازم لهما ، فليس لأحدهما الرجوع عما وقع التراضي عليه ، بل يكون حينئذ كالواقع في العقد ، نعم إن اختلفا وكان مفروض الزوجة حينئذ بقدر مهر السنة فصاعدا ففي المسالك « في لزومه من طرفها وجهان من أنه لو فوض إليها التقدير لما كان لها الزيادة عليه ، وكذا للحاكم لما سيأتي ، ومن أن البضع يقتضي مهر المثل والخروج عنه في بعض المواضع ( الموارد خ ل ) على خلاف الأصل فيقتصر عليه ، وكون ذلك للحاكم ممنوع » وفي القواعد وغيرها « وإن اختلفا ففي فرض الحاكم إذا ترافعا إليه نظر ، أقربه أنه يفرض مهر المثل » ولعل وجه النظر أنه إثبات للمهر في ذمة الزوج ، ولا يصح إلا بتراضي الزوجين ، ولا مدخل فيه لغيرهما ، وفيه أن الحاكم معد لقطع الخصومات وليس ذلك منه إثبات مهر في ذمة الزوج ، ضرورة أنها بالعقد ملكت أن تملك ، نعم لا يفرض إلا مهر المثل كما في قيم المتلفات ما لم يتجاوز السنة ، فيرد إليها كما عن التحرير التصريح به ، وأما لو رضيا بفرضه لزمهما ما فرضه مطلقا وافق مهر المثل أو لا ، وافق السنة أو لا ، والأمر في هذا كله سهل.

انما الكلام في دليل الأحكام الأول التي هي المطالبة بالفرض وحبس نفسها عليه وعلى تسليمه ، وأنهما يلتزمان بما تراضيا عليه ، ولعل الوجه فيها بعد ظهور ذكرهم لها ذكر المسلمات في الإجماع عليها أنها بالعقد ملكت أن تملك المهر عليه بالفرض أو الدخول ، فكان لها المطالبة بذلك كي تعرف استحقاقها بالوطء‌

٦١

أو الموت أو الطلاق ، ورضاها بالتفويض إنما هو بالنسبة إلى خلو العقد عن المهر لا عدمه مطلقا الذي قد عرفت عدم اعتبار رضاها بالنسبة إليه.

ومنه يعلم كون النكاح معاوضة في الواقع وإن خلا عقده عن ذكر العوض ، فجرى عليه حينئذ حكمها من المطالبة بتعيين العوض ، وحبس المعوض حتى تسلم العوض ، وغير ذلك من أحكامها.

وأما الالتزام بما يتراضيان عليه من الفرض بعد العقد فهو لإطلاق ما دل على وجوب الفرض كتابا (١) وسنة (٢) الشامل لحالي العقد وما بعده ، مؤيدا بما دل (٣) على أن المهر ما تراضيا عليه الشامل لما هو في العقد وبعده ، وبما دل (٤) على لزوم الشرط بعد النكاح دون ما قبله ، فمتى حصل التراضي منهما حينئذ كان مهرا ، ودخل في ملك الزوجة فعلا عينا كان أو دينا حالا أو مؤجلا ، ويجري عليه حينئذ ما يجري على المذكور في العقد.

ولو كان الفارض أجنبيا ففي لزوم فرضه عليها مع رضاهما به وجهان ينشئان من إطلاق أدلة الفرض وكونه كفرض الزوجة ، ضرورة ظهور قوله تعالى (٥) : ( فَرَضْتُمْ ) في كون الفرض للزوج ، ومن قاعدة الاقتصار على المتيقن ، وحينئذ فلو فرضه الأجنبي ودفعه إلى الزوجة ثم طلقها قبل الدخول احتمل المتعة ، فيرد المدفوع إلى الأجنبي بناء على أن فرضه لا يوجب على الزوج شيئا ، فوجوده كعدمه ، واحتمل الصحة بناء على صحة فرضه ، فيرجع النصف إلى الزوج بالطلاق المملك لذلك وإن لم يكن المهر من الزوج نحو ما إذا أدى الأب مهر زوجة ابنه الصغير‌

__________________

(١) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٢٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب عقد النكاح.

(٣) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب المهور.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب المتعة.

(٥) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٣٧.

٦٢

من ماله فبلغ وطلق قبل الدخول ، فإنه يرجع النصف إليه لا إلى الأب ، فما في القواعد ـ من احتمال رجوعه إلى الأجنبي على ذلك أيضا ، لأنه دفعه ليقضى به ما وجب لها عليه ، وبالطلاق سقط وجوب النصف ، فيرد النصف إليه ، لأنه لم يسقط به حق عمن قضاه ـ واضح الضعف ، والله العالم.

المسألة (الرابعة )

لو تزوج المملوكة ثم اشتراها قبل الدخول بها فسد النكاح قطعا لما عرفته سابقا من عدم اجتماع سببية ولا مهر لها ولا متعة وإن كانت مفوضة ، ضرورة عدم استحقاق السيد الأول المهر مع الانتقال عن ملكه وفسخ النكاح ، ولا متعة لعدم كونه طلاقا ، ولأنها حال استحقاقها غير مملوكة للسيد الأول ، ولا يستحق المشتري على نفسه مالا ، وكذا لو كان لها مهر مسمى في العقد وقد اشتراها قبل الدخول ، كما هو مفروض المسألة ، نعم لو كان قد اشتراها بعد الدخول كان للسيد الأول المسمى أو مهر المثل ، كما هو واضح.

المسألة ( الخامسة )

يتحقق التفويض في البالغة الرشيدة قطعا وإن كانت بكرا بناء على الأصح من أن أمرها إليها ولا يتحقق في الصغيرة ولا المجنونة ولا في الكبيرة السفيهة قطعا أيضا ، لأنه ليس لهن التزويج بالمهر فضلا عن التفويض.

انما الكلام في جواز ذلك للولي ، فعن بعضهم عدم جواز ذلك ، بل لا يجوز له التزويج بدون مهر المثل وحينئذ ف لو زوجها الولي بدون مهر المثل أو لم يذكر مهرا صح العقد بلا خلاف ولا إشكال مع المصلحة فيه أو عدم المفسدة ،

٦٣

وبطل التفويض والنقص من مهر المثل. ويثبت لها مهر المثل بنفس العقد لأنه‌ « لا نكاح إلا بمهر » (١) ‌فمع فرض فساد التفويض والمسمى ليس إلا مهر المثل الذي هو عوض شرعي فهو حينئذ إتلاف لبضع الغير بغير عوض ، فلا يجوز كما لا يجوز في المعاوضات على الأموال ، ونسب هذا القول إلى مبسوط الشيخ ، ولم نتحققه.

ومع ذلك فيه تردد منشؤه أن الولي له نظر المصلحة فيصح منه التفويض معها وثوقا بنظره ، وهو أشبه بإطلاق الأدلة المقتضي جواز تصرف الولي في البضع والمال وغيرهما مع المصلحة أو عدم المفسدة ، ولأن له العفو عن المهر أصلا ، كما أشار إليه في الآية الشريفة (٢) ( أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ ) فالمتجه حينئذ صحة ذلك معها ، نعم لو لم يكن ثم مصلحة في أصل النكاح أو في خصوص المهر بالأقل أو التفويض كان العقد أو المهر فضوليا أو باطلا أو أن لها الخيار على ما تقدم الكلام فيه سابقا ، بل لو سلم عدم جواز التفويض له أو المهر بالأقل كان المتجه ثبوت مهر المثل بالدخول لا بالعقد الذي لم يذكر ذلك فيه صريحا ولا مقدرا ، ولا تلازم بين بطلان التفويض وثبوت مهر المثل بالعقد ، كما هو واضح.

وكيف كان ف على التقدير الأول لو طلقها قبل الدخول كان لها نصف مهر المثل الذي فرض ثبوته بالعقد ، وعلى ما اخترناه من صيرورتها مفوضة لها المتعة حينئذ كما في غيرها ، هذا وفي المسالك « وأما على تقدير تزويجها بدون مهر المثل فان جوزناه بالمصلحة فلها مع الطلاق قبل الدخول نصف المسمى ، وإن أوقفناه على رضاها به بعد الكمال كما هو المشهور فان طلقها قبل الكمال فلها نصف المسمى ، وإن طلقها بعده روعي في الواجب رضاها به أو‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ٢ و ٤ و ٦ وفيها « فلا يصلح نكاح الا بمهر ».

(٢) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٣٧.

٦٤

فسخه ، فترجع إلى مهر المثل ، وإن جعلنا الواجب حينئذ مهر المثل بالعقد إلحاقا لهذه التسمية بالفاسدة حيث وقعت بغير عوض المثل وجب بالطلاق نصف مهر المثل » قلت : قد يقال بالمراعاة المزبورة أيضا فيما لو طلقها قبل الدخول ، لاتحاد الوجه فيهما فتأمل.

ولا إشكال كما لا خلاف في أنه يجوز أن يزوج المولى أمته مفوضة ، لاختصاصه بالمهر بخلاف المولى عليها لصغر ، وحينئذ يلحقها حكم المفوضة من الفرض والمتعة ومهر المثل بالدخول كما عرفت ، فان بقيت على ملكه إلى أن دخل بها الزوج استقر ملكه على مهر المثل ، وإن اتفق على فرضه هو والزوج قبل الدخول صح ، لأنه يملك بالعقد ما تملكه المفوضة ، ولحق المفروض حينئذ حكم المسمى في العقد ، كما هو واضح.

المسألة ( السادسة )

إذا زوجها مولاها مفوضة ثم باعها من آخر كان فرض المهر بين الزوج والمولى الثاني الذي هو المالك حين الفرض إن اختار النكاح ، ويكون المهر المفروض أو مهر المثل المستحق بالدخول له دون الأول نعم إن فسخ النكاح بطل العقد وتبعه المهر ولو أعتقها الأول قبل الدخول فرضيت بالعقد كان المهر لها خاصة سواء كان مهر المثل الذي تستحقه بالدخول أو المهر الذي قد تراضت مع الزوج على فرضه بعد تحريرها ، وهذا بخلاف ما لو أعتقت بعد تزويجها وتعيين المهر في العقد ، فإنه يكون للمولى كما مر ، والفرق أن المهر يملك بالعقد والمالك لمهر الأمة هو السيد بخلاف المفوضة ، فإن ملك المهر يتوقف على الفرض أو الدخول كما مر ، فقبله لا مهر ، وقد حصل الانتقال عن ملكه قبل تحققه ، فيكون لها لحدوثه على ملكها ، وأما المشتري فإنه يملك‌

٦٥

مع الإجازة على التقديرين ، وقد تقدم الكلام في ذلك في محله ، فلاحظ وتأمل والله العالم.

وأما القسم الثاني ـ وهو تفويض المهر ـ فهو أن يذكر على الجملة ويفوض تقديره إلى أحد الزوجين بعينه ، كما عن ظاهر التحرير وغيره ، وفي كشف اللثام أو مطلقا ، كما ربما يظهر من الخلاف والمبسوط والسرائر ، وإليهما جميعا كما فيها وفي التحرير ، للأصل ولعموم كون‌ المؤمنين عند شروطهم (١) ، والأولوية من تفويض البضع مع الاتفاق في المقتضى وفي القواعد أو أجنبي على إشكال من ذلك أيضا ، حتى الأولوية بناء على فرض الأجنبي في المفوضة للبضع ، وأنه كالنائب عنهما ، ومن انتفاء النص ، لاقتصاره على أحدهما وأنه معاوضة ، فتقدير العوضين إنما يفوض إلى المتعاوضين دون الأجنبي ، وفي كشف اللثام وضعفهما ظاهر بعد ما عرفت.

قلت : الذي عثرنا عليه من النصوص‌ خبر زرارة (٢) « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل تزوج امرأة على حكمها ، قال : لا تتجاوز بحكمها مهر نساء محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اثنتي عشرة أوقية ونش ، وهو وزن خمسمائة درهم من الفضة ، قلت : أرأيت إن تزوجها على حكمه ورضيت بذلك؟ فقال : ما حكم من شي‌ء فهو جائز عليها قليلا كان أو كثيرا ، قال : قلت له : فكيف لم تجز حكمها عليه وأجزت حكمه عليها؟ قال : فقال :

لأنه حكمها ، فلم يكن لها أن تجوز ما سن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتزوج عليه نساءه ، فرددتها إلى السنة ، ولأنها هي حكمته ، وجعلت الأمر إليه في المهر ، ورضيت بحكمه في ذلك ، فعليها أن تقبل حكمه قليلا كان أو كثيرا » وصحيح ابن مسلم (٣) عنه عليه‌السلام أيضا « في رجل تزوج امرأة على حكمها أو على حكمه فمات أو ماتت قبل أن يدخل بها ، قال : لها المتعة والميراث ولا مهر لها ، قلت : فان طلقها وقد تزوجها على حكمها ، قال : إذا طلقها وقد تزوجها على حكمها لم يتجاوز بحكمها عليه‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المهور الحديث ٤.

(٢) و (٣) الوسائل الباب ـ ٢١ ـ من أبواب المهور الحديث ١.

٦٦

أكثر من وزن خمسمائة درهم فضة ، مهور نساء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » وخبر أبي جعفر (١) قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل تزوج امرأة بحكمها ثم مات قبل أن يحكم ، قال : ليس لها صداق ، وهي ترث » وخبر أبي بصير (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يفوض اليه صداق امرأته فتنقص عن صداق نسائها ، قال : يلحق بمهر نسائها » ‌وهي كما ترى مشتملة على التفويض للزوج بعينه أو الزوجة كذلك.

لكن قد يقال : إن مبنى ذلك إطلاق الأدلة وعمومها الذي لا فرق فيهما بين هذين القسمين وغيرهما ، ضرورة أنها مفوضة البضع ، إلا أنه اشترط في العقد تعيين الفارض للعقد ، وبذلك افترقت عن موضوع مفوضة البضع الذي هو إهمال ذكر المهر أصلا في العقد حتى اشتراط فرضه ، فليس حينئذ تفويض المهر قسما من المهر المجهول صح للأدلة الخاصة حتى يقتصر فيه على ما تضمنته دون غيره من الأقسام ، إذ لم يذكر مهرها في العقد بلفظ مشترك لفظا أو معنى مرادا منه فرد خاص وفرض تعيينه إلى الزوجة أو الزوج حتى يكون من المهر المجهول ، بل المراد أنه فوض في عقدها أصل تقدير المهر إلى الزوج أو الزوجة ، فهي في الحقيقة مفوضة البضع ، إلا أن الفرق بينهما بأن الفرض في مفوضة البضع لم يتعرض في العقد إليه ولا إلى من يفرضه ، بخلاف مفوضة المهر ، فإنه قد تعرض في عقدها إلى تعيين من يفرض مهرها ، فلا مهر في عقدها كي يكون مجهولا.

فالمراد حينئذ من ذكر المهر في الجملة المذكور في المتن وغيره ذكره بالطريق الذي قلناه ، بمعنى أنه تعرض في عقدها إلى تعيين من يفرضه بخلاف مفوضة البضع التي أهمل فيه ذكر المهر أصلا حتى بذلك ، بل المراد بما‌ في النصوص « من تزوج المرأة بحكمها أو بحكمه » ‌هذا المعنى أيضا وليس هو من المهر المجهول الذي هو بمعنى ذكر مشترك لفظا أو معنى وأريد منه فرد خاص وفوض تعيينه إلى أحدهما ، فإن هذا ونحوه المهر المجهول.

ومن ذلك ظهر لك خطأ المخالفين في إبطال هذا القسم من التفويض وجعله‌

__________________

(١) و (٢) الوسائل الباب ـ ٢١ ـ من أبواب المهور الحديث ٣ ـ ٤

٦٧

من المهر الفاسد وإجراء حكمه عليه.

كما أنه ظهر لك جواز اشتراط جميع أفراد الفرض الجائزة في مفوضة البضع من دون اشتراط للاندراج تحت‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) : « المؤمنون عند شروطهم » ‌الذي قد استدل به هنا غير واحد من الأصحاب فضلا عن الإطلاقات والعمومات والأولوية التي سمعتها من كشف اللثام.

وعلى كل حال فان كان الحاكم الذي اشترط في العقد هو الزوج لم يتقدر في طرف الكثرة التي هي حكمه على نفسه ولا القلة إلا بما يتمول ويصح جعله مهرا التي هي حكم على الزوجة برضاها.

ولذلك جاز أن يحكم بما شاء بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه مضافا إلى ما سمعته من الصحيح (٢) وغيره (٣) ومن هنا وجب حمل خبر أبي بصير (٤) على الندب ، أو على ما عن الشيخ من أنه فوض إليه صداق امرأته على أن يجعله مثل مهور نسائها فنقصها ، أو غير ذلك الذي هو أولى من الطرح.

ولو كان الحكم إليها لم يتقدر في طرف القلة إلا بما عرفت ، لأنه حكم على نفسها ويتقدر في طرف‌الكثرة بما لا مزيد عن مهر نساء محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبناته اللاتي (٥) هن أعلى من كل امرأة إذ لا يمضي حكمها فيما زاد عن مهر السنة ، وهو خمسمائة درهم بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى الصحيح السابق وغيره ، ومنه يعلم وجه الفرق بين مضي حكمه عليها دون حكمها عليه ، باعتبار أن لها حدا لا يجوز لها أن تتجاوزه بخلافه ، فإنه لا حد له كما أومأ إليه في الصحيح (٦).

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المهور الحديث ٤.

(٢) و (٣) و (٤) الوسائل الباب ـ ٢١ ـ من أبواب المهور الحديث ١.

(٥) وفي النسخة الأصلية « التي ».

(٦) الوسائل الباب ـ ٢١ ـ من أبواب المهور الحديث ٢.

٦٨

ولو كان الحاكم الأجنبي فقيل : الظاهر الاقتصار على مهر المثل إلا أن يصرحا بالرضا بما يفرضه أيا كان ، وفيه أنه لا فرق بين التصريح بذلك والظهور ، ولو من حيث إطلاق الحكم نحو إطلاق الحكم للزوج الذي قد عرفت مضي حكمه على كل حال ، نعم لو فرض تحكيم الأجنبي على وجه يكون نائبا عنها لا عن الزوج أو بالعكس أو عنهما جميعا جرى على الأولين حكم المنوب عنه ، وعلى الثالث يتقيد بما لا يزيد عن مهر السنة ، لكن من جعل الحكم إلى الأجنبي كان حاكما أصليا لا نائبا على وجه يراعى فيه حكومة المنوب عنه ، فالمتجه حينئذ مضي حكمه على كل حال ، كتحكم الزوج ، ولا يتقيد بما تقيد به تحكم الزوجة المنصوص عليه بخصوصه.

ولو كان الحكم إليهما فلا إشكال مع التراضي ، ومع التخالف قيل : يوقف حتى يصطلحا ، كما عن المبسوط والتحرير ، ويحتمل الرجوع إلى الحاكم وإلى مهر المثل ، قلت : قد يقال : إذا بذل الزوج لها ما يساوى مهر السنة لم يكن لها اقتراح الزائد ، لظهور الخبر المزبور (١) في ذلك ، سواء كان الحكم لها خاصة أو مشتركا بينها وبين غيرها ، نعم لو حكم بالأقل من ذلك كان لها خلافه ، فيحتاج حينئذ إلى الحاكم ، فتأمل جيدا ، والله العالم.

وعلى كل حال ف لو طلقها قبل الدخول وقبل الحكم الزم من اليه الحكم أن يحكم مقدمة لإيصال الحق إلى صاحبه وكان لها النصف من ذلك ولا تسقط حكومته بالطلاق ، للأصل وعموم « المؤمنون عند شروطهم » (٢) والصحيح (٣) السابق متمما بعدم القول بالفصل ، وبذلك ظهر الفرق بينها وبين مفوضة البضع الذي لا فرض لها بعد الطلاق.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢١ ـ من أبواب المهور الحديث ٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المهور الحديث ٤.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢١ ـ من أبواب المهور الحديث ٢.

٦٩

ولو كانت هي الحاكمة فلها النصف ما لم تزد في الحكم عن مهر السنة فان زادت ردت إليه في ذلك الحكم على الأقوى ، ويحتمل إلزامها بفرض آخر لفساد فرضها الأول بالزيادة.

ولو امتنعت عن الحكم على وجه لا يمكن إجبارها احتمل قيام الحاكم مقامها ، يحكم لها بما لا يزيد عن مهر السنة ، ويحتمل إيقاف حقها حتى تحكم.

ولو امتنع الزوج عن الحكم على وجه لا يمكن إجباره عليه احتمل قيام الحاكم مقامه ، فيحكم عليه بما لا يزيد على مهر المثل أو السنة ، ويحتمل الإيقاف حتى يتمكن من إلزامه بالحكم.

ولو جن مثلا من إليه الحكم قام وليه مقامه في وجه ، والحاكم في آخر وبطلان الحكومة وإيجاب المتعة لها لصدق كونها مطلقة قبل المس ولا فرض لها ، وكذا لو طلقت قبل الدخول ومات من له الحكم ، ولعله لا يخلو من قوة ، وربما كان في صحيح ابن مسلم (١) المتضمن للمتعة بالموت إيماء إليه في الجملة.

وكيف كان ف لو مات الحاكم قبل الحكم وبعد الدخول فلها مهر المثل مطلقا أو ما لم يزد عن مهر السنة ، خصوصا إذا كان الحكم إليها وقد مات قبله بلا خلاف وو لا إشكال ، وإن كان قبل الدخول قيل والقائل المشهور نقلا أو تحصيلا سقط المهر ، ولها المتعة لصحيح ابن مسلم (٢) السابق المؤيد بأنها ليست مفوضة بضع حتى يقال : إنها أقدمت على المجانية ولا مسمى لها في العقد ، ولا مقتضي لمهر المثل إذ الفرض كونه قبل الدخول ، فليس حينئذ إلا المتعة وبذلك ظهر الفرق بينها وبين مفوضة البضع التي لا شي‌ء لها عندنا في مفروض المسألة.

والمناقشة في الصحيح ـ بأن النشر على ترتيب اللف فيكون الحكم بالمتعة فيما إذا مات المحكوم عليه لا الحاكم ، وباختصاص الجواب فيه بموت الزوج ، إذ لو ماتت لم يكن لها ميراث ، ولا تتم المقايسة بإيجاب المتعة لها والميراث له ـ يدفعها‌

__________________

(١) و (٢) الوسائل الباب ـ ٢١ ـ من أبواب المهور الحديث ٢.

٧٠

أنه لا فرق بين الموتين وأنه لا جهة لثبوت المتعة بموت المحكوم عليه مع بقاء الحاكم ، فإن المؤمنين عند شروطهم ، وانعقد النكاح على حكمه ، فإذا كان باقيا كان له الحكم ، ولا أثر لموت المحكوم عليه ، كيف وقد نص في الخبر بعد ما ذكر على أن له الحكم مع الطلاق القاطع لعلاقة الزوجية بخلاف الموت ، فلا بد من الحمل على موت الحاكم جمعا بين طرفيه وبين الأصول ، كل ذلك مضافا إلى فهم المراد منه عرفا ، كما هو واضح.

ومنه يعلم حينئذ ما في قواعد الفاضل من وجوب مهر المثل ، لأنها لم تفوض بضعها ، بل سمى لها في العقد مهر مبهم ، فاستحقت المهر بالعقد ، ولما لم يتعين وجب الرجوع إلى مهر المثل ، مع أنه لم نره لأحد قبله ولا بعده ، وإن حكى عن الشيخ إلا أنا لم نتحققه ، بل لعل المحقق عنه خلافه ، ضرورة كونه من الاجتهاد في مقابلة النص ، على أن مهر المثل لم يذكراه في العقد ولا كان في قصدهما ، فكيف يتصور وجوبه به؟ ودعوى أن كل مهر في العقد قد تعذر تعيينه يقتضي الانتقال إلى مهر المثل ممنوعة على مدعيها ، بل قد يمنع أصل تسمية المهر في العقد في مفروض المسألة الذي قد عرفت أنه من مفوضة البضع إلا أنه تعرض في العقد لذكر الفارض كما أوضحناه في السابق.

ومن هنا كان المتجه مع قطع النظر عن الصحيح المزبور ما عن ابن إدريس رحمه‌الله من عدم وجوب شي‌ء لها لا متعة ولا غيرها ، وهو الذي أشار إليه المصنف بقوله : وقيل : ليس لها أحدهما ولكن قد عرفت أن الأول مروي صحيحا ، وقد عمل به المعظم ، فلا محيص عنه حينئذ ، ووجوب المتعة حينئذ له لا على أصولنا من حجية مثله (١) لا للقياس الفاسد عند الإمامية ، كما هو واضح.

__________________

(١) هكذا في النسختين الأصليتين والصحيح « ووجوب المتعة حينئذ له على أصولنا من حجية مثله ».

٧١

( الطرف الثالث في الأحكام )

( وفيه مسائل : )

( الاولى )

إذا دخل الزوج قبل تسليم ما في ذمته من المهر الحال فضلا عن المؤجل أو بعضه كان جميعه أو الباقي منه دينا عليه ، ولم يسقط بالدخول ، سواء طالت مدتها عنده أو قصرت ، طالبت به أو لم تطالب به للأصل والإجماع بقسميه ، والعمومات من قوله تعالى (١) ( وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً ) وغيره ، وخصوص المعتبرة المستفيضة أو المتواترة (٢) الصريحة في ذلك المعتضدة بأصول المذهب وقواعده ولكن مع ذلك فيه رواية أخرى (٣) متعددة ، وبعضها معتبر السند ، لكنها مهجورة بين الطائفة وإن قيل في التهذيبين عن بعض الأصحاب السقوط بالدخول ، ولم نتحققه.

نعم عن الصدوق والحلبي أنها إن أخذت منه شيئا قبل الدخول سقط الباقي إلا أن توافقه على بقاء الباقي عليه دينا ، ولعله ليس خلافا في المسألة ، ضرورة كون ذلك منهما باعتبار ظهور حال رضاها بما دفع إليها وتسليمها نفسها بذلك في العفو عنه ، لا مع عدم ظهور ذلك ، كما هو ظاهر القول بأن الدخول من حيث كونه دخولا مسقطا للمهر ، واحتمال إرادة دلالته على الاسقاط خلاف ظاهر القول ودليله ، ولو سلم فلا ريب في ضعفه ، لما ستعرف من عدم كونه كذلك عرفا ، إذ‌

__________________

(١) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب المهور.

(٣) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب المهور الحديث ٤ و ٥ و ٦ و ٨ و ١٤ و ١٥.

٧٢

هو أعم ، ولا شرعا لعدم ما يصلح له على وجه يقاوم ما يدل على غيره ، ويمكن أن يكون ما عن الصدوق والحلبي في المسألة المشهورة بين الأصحاب ، بل عن ابن إدريس وغيره الإجماع عليها ، وهي في المفوضة التي لم يسم لها مهرا إذا قدم لها شيئا قبل الدخول ثم دخل بها ساكتة عن ذكر المهر كان ذلك مهرها وليس لها بعد المطالبة بمهر المثل ، بل ولا بمهر السنة ، ولعل ذلك هو المراد من‌ صحيح الفضيل (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام « في رجل تزوج امرأة ودخل بها ثم أولدها ثم مات عنها فادعت شيئا من صداقها على ورثته فجاءت تطلبه منهم وتطلب الميراث ، فقال : أما الميراث فلها أن تطلبه ، وأما الصداق فالذي أخذت من الزوج قبل أن يدخل بها فهو الذي حل للزوج به فرجها قليلا كان أو كثيرا إذا قبضته منه ودخلت عليه به ، ولا شي‌ء لها بعد ذلك » ‌بل يمكن تنزيل غيره من بعض النصوص الاتية عليه.

وعلى كل حال فالرواية التي أشار إليها المصنف هي‌ خبر محمد بن مسلم (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام « في الرجل يتزوج المرأة ويدخل بها ثم تدعى عليه مهرها ، قال : إذا دخل بها فقد هدم العاجل » ‌وخبر عبيد بن زرارة (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في الرجل يدخل بالمرأة ثم تدعى عليه مهرها ، قال : إذا دخل بها فقد هدم العاجل » وخبره الآخر (٤) عنه عليه‌السلام أيضا « دخول الزوج على المرأة يهدم العاجل » ‌وخبر علي بن كيسان (٥) « كتبت إلى الصادق عليه‌السلام أسأله عن رجل يطلق امرأته وطلبت منه المهر ، وروى أصحابنا إذا دخل بها لم يكن لها مهر ، فكتب : لا مهر لها » ‌وخبر عبد الرحمن (٦) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الزوج والمرأة يهلكان جميعا ، فيأتي ورثة المرأة فيدعون على ورثة الرجل الصداق ، فقال : وقد هلكا وقسم الميراث؟ فقلت : نعم ، فقال : ليس لهم شي‌ء ، قلت : وإن كانت المرأة حية فجاءت بعد موت زوجها تدعي صداقها فقال : لا شي‌ء لها ، وقد أقامت معه مقرة حتى هلك زوجها ، فقلت : فان ماتت وهو حي فجاء ورثتها يطالبون بصداقها ،

__________________

(١) (٢) و (٣) و (٤) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب المهور الحديث ١٣ ـ ٦ ـ ٤ ـ ٥

(٥) و (٦) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب المهور الحديث ١٥ ـ ٨

٧٣

فقال : وقد أقامت حتى ماتت لا تطلبه؟ فقلت : نعم ، قال : لا شي‌ء لهم ، قلت : فان طلقها فجاءت تطلبه صداقها؟ قال : وقد أقامت لا تطالبه حتى طلقها؟ قال : لا شي‌ء لها ، فقلت : فمتى حد ذلك الذي إذا طلبته كان لها؟ قال : إذا أهديت إليه ودخلت بيته ثم طلبت بعد ذلك فلا شي‌ء لها ، إنه كثير لها أن يستحلف بالله ما لها قبله من صداقها قليل ولا كثير » ‌وخبر المفضل بن عمر (١) عن الصادق عليه‌السلام المتقدم سابقا في مهر السنة ، قال فيه : « فان أعطاها من الخمسة مأة درهم درهما أو أكثر من ذلك ثم دخل بها فلا شي‌ء عليه ، قلت : فان طلقها بعد ما دخل بها ، قال : لا شي‌ء لها إنما كان شرطها خمسمائة درهم ، فلما أن دخل بها قبل أن تستوفى صداقها هدم الصداق ، فلا شي‌ء لها إنما لها ما أخذت من قبل أن يدخل بها ، فإذا طلبت بعد ذلك في حياته أو بعد موته فلا شي‌ء لها ».

لكن لقصورها عن معارضة ما عرفت من وجوه وجب طرحها أو حملها على هدم المطالبة للتمكين ثانيا ، أو على أن الظاهر من التمكين إما القبض أو الإبراء ، خصوصا إذا تأخرت المطالبة عن الطلاق أو الموت ، فلا يقبل قولها في الاستحقاق ، قال الصادق عليه‌السلام في خبر الحسن بن زياد (٢) : « إذا دخل الرجل بامرأته ثم ادعت المهر وقال الزوج : قد أعطيتك فعليها البينة وعليه اليمين » ‌بل‌ قوله عليه‌السلام في خبر عبد الرحمن (٣) منها : « وكثير لها منه » ‌إلى آخره كالصريح في خلاف ما يقوله الخصم ، ضرورة أنه لا وجه لليمين مع فرض السقوط بالدخول ، بل هو حينئذ دال على المختار ، كخبر ابن زياد ، وذلك واضح.

بل قد يقال : إن القول قول الزوج في عدم استحقاقها المهر عليه مطلقا ، ضرورة أن صيرورتها زوجة له أعم من استحقاقها عليه ذلك ، وإن كان النكاح لا يخلو من مهر ، إذ من المحتمل كون المهر شيئا له كان في ذمتها أو عينا عندها أو غير ذلك ، واحتمال القول : إن ملك البضع أو الدخول به يستدعي عوضا ـ فيحصل حينئذ سبب استحقاقها ، ويكون بذلك القول قولها ، خصوصا مع أصالة عدم وصول شي‌ء‌

__________________

(١) و (٢) و (٣) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب المهور الحديث ١٤ ـ ٧ ـ ٨

٧٤

منه إليها ـ يدفعه ظاهر النص والفتوى ، وستسمع لذلك تتمة إنشاء الله في مسائل التنازع.

ومن الغريب بعد ذلك كله ما في وافي الكاشاني حيث إنه بعد ذكر جميع النصوص قال : « ويخطر بالبال أن يحمل مطلق هذه الأخبار على مقيدها ، أعني يحمل سقوط مطلق الصداق على سقوط العاجل منهم ، فإنهم كانوا يومئذ يجعلون بعض الصداق عاجلا وبعضه آجلا ، كما مر التنبيه عليه في بعض ألفاظ خطب النكاح وكان معنى العاجل ما كان دخوله به مشروطا على إعطائه إياها ، فإذا دخل بها قبل الإعطاء فكأن المرأة أسقطت حقها العاجل ورضيت بتركه له ، ولا سيما إذا أخذت بعضه أو شيئا آخر ، كما دل عليه حديث الفضيل ، وأما الأجل فلما جعلته حين العقد دينا عليه فلا يسقط إلا بالأداء ، وعليه يحمل أخبار أول الباب » ضرورة معلومية قصور المقيد عن مقاومة المطلق من وجوه ، على أن بعض تلك النصوص كالصريح في عدم سقوط العاجل بالدخول ، وأنه يكون دينا ، كما أن بعض هذه النصوص ظاهر في سقوط الأجل بالدخول ، وهو‌ خبر أبي بصير (١) عن أحدهما عليهما‌السلام « في رجل زوج مملوكته من رجل على أربعمائة درهم فيحل له مأتي درهم ، وأخر عنه مأتي درهم ، فدخل بها زوجها ، ثم إن سيدها باعها من رجل ، لمن يكون المائتان المؤخرتان على الزوج؟ قال : إن لم يكن أوفاها بقية المهر إن كان الزوج دخل بها وهي معه ولم يطلب السيد منه بقية المهر حتى باعها فلا شي‌ء له عليه ولا لغيره ، وإذا باعها السيد فقد بانت من الزوج الحر إذا كان يعرف هذا الأمر » ‌وحينئذ فالتحقيق ما عرفت ، والله العالم.

وكيف كان فالمشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة أن الدخول الموجب للمهر هو الوطء قبلا أو دبرا على وجه يتحقق عليه الغسل وإن لم ينزل دون غيره ، للأصل وظاهر قوله تعالى (٢) ( ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ ) المتفق على‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٨٧ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١.

(٢) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٣٦.

٧٥

أنه بمعنى الوطء ، على أنه متردد بين إرادة المعنى اللغوي والشرعي ، والأول باطل اتفاقا فيبقى الثاني ، وهو الوطء ، واستفاضة النصوص أو تواترها على تعليق ذلك عليه ، قال الصادق عليه‌السلام في خبر ابن البختري (١) : « إذا التقى الختانان وجب المهر والعدة والغسل» وفي خبر داود بن سرحان (٢) « إذا أولجه فقد وجب الغسل والجلد والرجم ووجب المهر» وسأله عليه‌السلام يونس بن يعقوب (٣) أيضا « عن رجل تزوج امرأة فأغلق بابا وأرخى سترا ولمس وقبل ثم طلقها ، أيجب عليه الصداق؟ قال : لا يوجب الصداق إلا الوقاع » وقال عبد الله بن سنان (٤) : سأله عليه‌السلام أيضا أبي وأنا حاضر « عن رجل تزوج امرأة فأدخلت عليه فلم يمسها ولم يصل إليها حتى طلقها هل عليها عدة منه؟ فقال : إنما العدة من الماء ، قيل له : فان كان واقعها في الفرج ولم ينزل ، قال : إذا أدخله وجب الغسل والمهر والعدة » وقال يونس بن يعقوب (٥) سمعته عليه‌السلام أيضا يقول : « لا يوجب المهر إلا الوقاع في الفرج » ‌وقال ابن مسلم (٦) « سألت أبا جعفر عليه‌السلام متى يجب المهر؟ قال : إذا دخل بها » ‌وقال يونس (٧) : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل تزوج امرأة فأدخلت عليه ، فأغلق الباب وأرخى الستر وقبل ولمس من غير أن يكون وصل إليها بعد ثم طلقها على تلك الحال ، قال : ليس عليه إلا نصف المهر » ‌إلى غير ذلك من النصوص (٨) الواردة في العنين وغيره.

وحينئذ ف لا يجب بالخلوة وإن كانت تامة بحيث لا مانع من الوطء حتى الإنزال في الفرج من دون وطء ولكن مع ذلك قيل : يجب بالخلوة أيضا على‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب المهور الحديث ٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب المهور الحديث ٥.

(٣) الوسائل الباب ـ ٥٥ ـ من أبواب المهور الحديث ١.

(٤) و (٤) و (٥) و (٦) الوسائل الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب المهور الحديث ١ ـ ٦ ـ ٧

(٧) الوسائل الباب ـ ٥٥ ـ من أبواب المهور الحديث ٥.

(٨) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب العيوب والتدليس الحديث ٥ والباب ١٥ منها الحديث ١ والباب ـ ١٧ ـ منها الحديث ٣.

٧٦

معنى أنها سبب تام في وجوبه كالدخول ، إلا أنا لم نتحقق القائل به ، وإن حكي عن خلاف الشيخ أنه حكاه عن قوم من أصحابنا ، نعم في النهاية « متى خلا الرجل بامرأته وأرخى الستر ثم طلقها أوجب عليه المهر على ظاهر الحال ، وكان على الحاكم أن يحكم بذلك وإن لم يكن قد دخل بها ، إلا أنه لا يحل للمرأة أن تأخذ أزيد من النصف » ونحوه حكي عن ابن البراج والكيدري ، بل عن ابن أبي عمير « أنه اختلف الحديث في أن لها المهر كملا أو بعضه ، قال بعضهم : نصف المهر ، وإنما معنى ذلك أن الوالي إنما يحكم بالحكم الظاهر إذا أغلق الباب وأرخى الستر وجب المهر ، وإنما هذا عليها إذا علمت أنه لم يمسها فليس لها فيما بينها وبين الله إلا نصف المهر ».

بل لعله هو مراد الصدوق في محكي المقنع « إذا تزوج الرجل المرأة وأرخى الستور وأغلق الباب ثم أنكرا جميعا المجامعة فلا يصدقان ، لأنها ترفع عن نفسها العدة ويرفع عن نفسه المهر » مشيرا بذلك إلى ما في‌ خبر أبي بصير (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قلت له : « الرجل يتزوج المرأة فيرخي عليه وعليها الستر أو يغلق الباب ثم يطلقها فتسأل المرأة هل أتاك؟ فتقول : ما أتاني ، ويسأل هو هل أتيتها؟ فيقول : لم آتها فقال : لا يصدقان ، وذلك لأنها تريد أن تدفع العدة من نفسها ، ويريد أن يدفع هو المهر » ‌وهو أحد نصوص المختار ، ضرورة أنه لو كانت الخلوة نفسها موجبة لم يكن لعدم تصديقهما مدخلية في ذلك.

ولعله عليه يحمل‌ خبر زرارة (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام : « إذا تزوج الرجل المرأة ثم خلا بها وأغلق بابا وأرخى سترا ثم طلقها فقد وجب الصداق ، إخلاؤه بها دخول » وخبر السكوني (٣) عن أبي جعفر عن أبيه عليهما‌السلام : « إن عليا عليه‌السلام كان يقول :

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥٦ ـ من أبواب المهور الحديث ١.

(٢) و (٣) الوسائل الباب ـ ٥٥ ـ من أبواب المهور الحديث ٣ ـ ٤ عن إسحاق ابن عمار كما في التهذيب ج ٧ ص ٤٦٤ الرقم ١٨٦٤ والاستبصار ج ٣ ص ٢٢٧ الرقم ٨٢٢.

٧٧

من أجاف من الرجال على أهله بابا أو أرخى سترا فقد وجب عليه الصداق » ‌كما عن الشيخ التصريح بحملهما على ذلك مستدلا عليه بخبر أبي بصير السابق ، قال : « ومتى كانا صادقين أو كان هناك طريق يمكن أن يعرف به صدقهما فلا يوجب المهر إلا المواقعة » مستدلا عليه بخبر زرارة السابق ، ثم حكي ما سمعته من ابن أبي عمير ، وقال : « هذا وجه حسن ولا ينافي ما قدمناه ، لأنه ، إنما أوجبناه نصف المهر مع العلم بعدم الدخول ومع التمكن من معرفة ذلك ، فأما مع ارتفاع العلم وارتفاع التمكن فالقول ما قاله ابن أبي عمير ».

ومن ذلك كله ظهر لك الوجه في نصوص الخلوة التي منها ما سمعت ، و ( منها )

حسن الحلبي (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سألته عن الرجل يطلق المرأة وقد مس كل شي‌ء منها إلا أنه لم يجامعها ، إلها عدة؟ فقال : ابتلى أبو جعفر عليه‌السلام بذلك ، فقال له أبوه علي بن الحسين عليهما‌السلام : إذا أغلق بابا وأرخى سترا وجب المهر والعدة ».

و ( منها ) خبر محمد بن مسلم (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام « سألته عن المهر متى يجب؟ قال : إذا أرخيت الستور وأجيف الباب ، وقال : إنى تزوجت امرأة في حياة أبى علي بن الحسين عليهما‌السلام وإن نفسي تاقت إليها فذهبت إليها فنهاني أبي ، فقال : لا تفعل يا بنى ، لا تأتها في هذه الساعة ، وإنى أبيت إلا أن أفعل ، فلما دخلت عليها قذفت إليها بكساء كان علي وكرهتها ، وذهبت لأخرج ، فقامت مولاة لها فأرخت الستر وأجافت الباب ، فقلت : قد وجب الذي تريدين » ‌إلى غير ذلك من النصوص المحمولة على ما عرفت أو على التقية ، لقصورها عن معارضة ما سمعت من وجوه.

وأما ما يحكى عن ابن الجنيد ـ من وجوب المهر بالجماع في غير الفرج والتقبيل وسائر أنواع الاستمتاع إذا كان بتلذذ والإنزال بالملاعبة ـ فلم أجد له في هذه النصوص ما يدل عليه ، ويمكن أن يكون قد أخذه من النصوص (٣) الدالة‌

__________________

(١) و (٢) الوسائل الباب ـ ٥٥ ـ من أبواب المهور الحديث ٢ ـ ٦

(٣) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.

٧٨

على قيام نحو ذلك مقام الوطء في حرمة مملوكة الولد على الوالد وبالعكس ، باعتبار تنزيل ذلك منزلة الجماع ، لكنه كما ترى.

ومن ذلك كله ظهر لك أن الأقوال أربعة وأن الأول منها أظهر ، بل هو الأصح ، والله العالم.

المسألة ( الثانية )

قيل والقائل الشيخان وسلار وبنو زهرة وإدريس وسعيد على ما حكى عنهم إذا لم يسم لها مهرا في العقد ولا بعده وقدم لها قبل الدخول شيئا ثم دخل بها كان ذلك مهرها ، ولم يكن لها مطالبته بعد الدخول ، إلا أن تشارطه قبل الدخول على أن المهر غيره أو أن ما قدمه لها بعض المهر وهو تعويل على تأويل رواية (١) واستناد إلى قول مشهور بل لا أجد فيه خلافا ، بل في محكي السرائر أن دليل هذه المسألة الإجماع مؤيدا بما عن المقنعة من دلالة التمكين على الرضا بذلك مهرا ، وإن كان فيه ما فيه ، وبصحيح الفضيل (٢) المتقدم وإن لم يكن صريحا في ذلك ، بل ربما كان المراد منه وقبلته مهرا ، بل ظاهر قول المصنف « تأويل رواية » أن ذلك ليس مدلولها ، وإنما هو تأويل ، بل ظاهره التردد فيه ، بل ظاهر ثاني الشهيدين عدمه والرجوع إلى القواعد الشرعية ، وهي إن رضيت به مهرا لم يكن لها غيره ، وإلا فلها مع الدخول مهر المثل ، ويحتسب ما وصل إليها منه إذا لم يكن على وجه التبرع كالهدية.

لكن لا يخفى عليك ما في ذلك كله بعد الإجماع المزبور المعتضد بفتوى المعظم الذي به تجبر دلالة الصحيح المتقدم ، فلا بأس بخروج هذه المسألة عن‌

__________________

(١) المستدرك الباب ـ ٨ ـ من أبواب المهور الحديث ٨ و ١٣ و ١٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب المهور الحديث ١٣.

٧٩

القواعد لذلك ، ولا حاجة إلى ما عن المختلف من أنه كانت العادة في الزمن الأول تقديم المهر على الدخول ، والان بخلافه ، ولعل المنشأ في الحكم العادة ، فإن كانت العادة في بعض الأزمان والأصقاع كالعادة القديمة كان الحكم ذلك ، وإلا فلا ، فان تنزيل ما عرفت على ذلك لا يخفى ما فيه ، نعم ينبغي الاقتصار فيه على المتيقن ، وهو خصوص المفوضة الساكتة على ما قدم لها من شي‌ء ، وهل يعتبر فيه مع ذلك قصد الزوج أن ذلك مهرها أو لا يعتبر ، بل يكفى تقديمه ساكتا أيضا؟ وجهان ، مقتضى الاقتصار على المتيقن الأول ، والله العالم.

المسألة ( الثالثة )

إذا طلق قبل الدخول كان عليه نصف المهر المسمى في العقد أو المفروض بعده بلا خلاف فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى الكتاب (١) والسنة (٢) فان كان دينا عليه ولم يكن قد دفعه برأت ذمته من نصفه ، وإن كان عينا كانت مشتركة بينه وبينها ولو كان دفعه إليها استعاد نصفه إن كان باقيا ، أو نصف مثله إن كان تالفا ، ولو لم يكن له مثل فنصف قيمته التي هي أقرب شي‌ء إليه ، وتقوم مقامه عند التعذر ولو اختلفت قيمته في وقت العقد ووقت القبض لزمها أقل الأمرين على المشهور ، لأنه ملكته بتمامه بالعقد على الأصح فالزيادة حينئذ لها ، وليس النقصان عليها ، فإنه ليس مضمونا عليها للزوج ، لأنه ملكها ، خصوصا ولم يسلم إليها ، فإن زادت حين التسليم لم يستحق الزيادة ، وإن نقصت حينه لم يضمن له النقصان ، وإن نقصت في البين ثم زادت والزيادة متجددة غير مستحقة له فهي لها ( وبالجملة ) إن كانت القيمة يوم العقد هي الأكثر‌

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٣٧.

(٢) الوسائل الباب ـ ٥١ ـ من أبواب المهور.

٨٠