جواهر الكلام - ج ٣١

الشيخ محمّد حسن النّجفي

وأخذ القيمة وبين الإمساك وأخذ الأرش بغير دليل مشكل ، لعدم وفاء القواعد به ، اللهم إلا أن يكون إجماعا ، فهو الحجة حينئذ ، هذا كله في العيب قبل العقد.

وأما لو عاب بعد العقد قيل والقائل الشيخ في محكي الخلاف وموضع من المبسوط والقاضي في محكي المهذب كانت بالخيار أيضا في أخذه مع الأرش ، لكونه مضمونا عليه ضمان يد أو أخذ القيمة بعد رده ، لأن العقد وقع عليه سليما فإذا تعيب كان له رده ، ولو قيل : ليس لها القيمة لأصالة لزوم ملكها له وإنما لها عينه وأرشه لكونه مضمونا ضمان يد كان حسنا بل في القواعد أنه الأقرب ، وهو كذلك.

وكيف كان ف لها أن تمتنع قبل الدخول بها من تسليم نفسها حتى تقبض مهرها اتفاقا ، كما في كشف اللثام وغيره ، لأن النكاح مع الاصداق معاوضة بالنسبة إلى ذلك ، لاتحاده معها في الكيفية المقتضية أن لكل من المتعاوضين الامتناع من التسليم حتى يقبض العوض ، ولخبر زرعة عن سماعة (١) « سأله عن رجل تزوج جارية أو تمتع بها ثم جعلته في حل من صداقها يجوز أن يدخل بها قبل أن يعطيها شيئا؟ قال : نعم إذا جعلته في حل فقد قبضته منه » ‌

وللحرج والعسر والضرر والظلم عليها إن لم يكن لها الامتناع ، لأن للبضع عوضا بالإجماع ، كان النكاح معاوضة أو لا ولاستفاضة الأخبار (٢) ، بأن ما يعطيها الزوج فتمكنه من الدخول به استحل فرجها.

هذا ولكن في محكي الحدائق تبعا لنهاية المرام أنه ليس لها ذلك ، ولا له ، بل كل منهما مخاطب بأداء ما عليه عصى الأخر أو أطاع ، وفيه ما لا يخفى ، ضرورة اقتضاء‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤١ ـ من أبواب المهور الحديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب المهور والباب ـ ٨ ـ منها الحديث ١٣ والباب ـ ٣٣ ـ منها الحديث ١ والباب ـ ٢٧ ـ من أبواب المتعة الحديث ٣ والباب ـ ٢٨ ـ منها الحديث ١.

٤١

المعاوضة ما عرفت.

نعم قد يشكل ذلك هنا بالنسبة إلى الزوج فيما لو امتنعا جميعا من التسليم حتى يقبض ، فان المذكور في المسالك وكشف اللثام « إبداع المهر من يثقان به ، فإذا وطأها قبضته ، لأن الوطء في النكاح هو القبض ، إذ البضع لا يدخل تحت اليد وإن كانت الزوجة أمة ، لأن ملك الرقبة لغير مالك الاستمتاع ، ولهذا لا يجب عليه عوض البضع بالغصب ما لم يطأ ».

قلت : هو ـ مع أن الوضع في يد العدل حكم على الزوج ـ لا دليل على وجوب امتثاله بناء على ثبوت الحق لكل منهما بمقتضى المعاوضة ، وإن وجهه في المسالك بأنه طريق جمع بين الحقين ، وعليه لا ينحصر الأمر في ذلك ، إذ الطرق متعددة قد يشكل بظهور الفتاوى كالعبارة ونحوها باستحقاق المرأة تسليم المهر أولا ، خصوصا مع اعتبار ذلك في النكاح ، والنصوص (١) الدالة على عدم الدخول بها حتى يقدم لها ولو شيئا ، وما سمعته سابقا في نكاح المتعة الذي لا فرق بينه وبين المقام بالنسبة إلى ذلك على الظاهر ، بل هو المأثور والسنة في النكاح.

ومن هنا احتمل في المسالك وكشف اللثام أنه يجبر الزوج على التسليم ، لأن فائت المال يستدرك دون البضع ، والإيقاف إلى أن يبادر أحدهما بالتسليم ، فيجبر الأخر ، وإن رد الأخير في المسالك بأنه قد يؤدى إلى بقاء النزاع بعدم بدأة أحدهما ، ولا بد من نصب طريق شرعي يحسم مادته ، وهو كذلك ، أما الاحتمال الأول فهو متجه وإن لم يكن فيه جمع بين الحقين ، لعدم حق للرجل في الفرض بناء على ما عرفت ، ولا استبعاد في اختصاص النكاح بذلك الذي هو ليس معاوضة حقيقة ، ويكفي في مشابهته لها في طرف واحد.

وعلى كل حال ذلك لها سواء كان الزوج موسرا أو معسرا ضرورة أن إعساره وإن أسقط حق المطالبة عنه بالأدلة الشرعية (٢) لكنه لا يرفع حقها المستفاد‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب المهور.

(٢) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٨٠ والوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب الدين والقرض من كتاب التجارة.

٤٢

من المعاوضة ، فما عن ابن إدريس ـ من منعها من الامتناع للإعسار المانع من المطالبة ـ واضح الضعف ، إذ امتناع المطالبة لا يوجب تسليم المعوض قبل العوض ، وإنما يختلف الحال بالايسار وعدمه بالإثم واستحقاق النفقة وإن لم تسلم نفسها إذا بذلت التمكين بشرط تسليم المهر ، لأن المنع حينئذ بحق ، فلا يقدح في التمكين ، وأما مع إعساره فلا إثم عليه بالتأخير ، وفي استحقاقها النفقة حينئذ وجهان : من انتفاء التمكين ، إذ هو متعلق بأمر ممتنع عادة ، وهو الذي جزم به الشهيد فيما حكي من شرح الإرشاد ، ومن أن المنع بحق كالموسر ، لاشتراكهما في بذل التمكين بشرط تسليم المهر ، وامتناع التسلم عادة لا دخل له في الفرق ، مع جواز الاجتماع بالاقتراض ونحوه ، وهذا يتجه كما اعترف به في المسالك.

وفيها أيضا « أنه فرق مع عدم الدخول بين كونها قد مكنت منه فلم يقع وعدمه ، فلها العود إلى الامتناع بعد التمكين إلى أن تقبض المهر ، ويعود الحكم إلى ما قبله ، لما تقرر أن القبض لا يتحقق في النكاح بدون الوطء » قلت : قد يقال : إن ذلك منها إسقاط لحقها وليس في الأدلة تعليق الحكم على الوطء.

ومن ذلك يعرف الحال فيما لو كان المهر كله مؤجلا فإنه ليس لها الامتناع قطعا ، لثبوت حقه عليها حالا ، فان امتنعت وحل المهر لم يكن لها الامتناع أيضا وفاقا لما عن الأكثر ، لاستقرار وجوب التسليم عليها قبل الحلول ، فيستصحب ، ولأنهما عقدا وتراضيا على أن لا يقف تسليم أحد العوضين على تسلم الأخر ، فبناء المعاوضة حينئذ على سقوط حق الامتناع بالنسبة إليها.

لكن ومع ذلك قد احتمل جواز الامتناع لها ، بل ربما حكي عن إطلاق النهاية ، لمساواته بعد الحلول للحال ، ولأن الأصل في المتعاوضين جواز الامتناع من التسليم قبل التسلم ، وانما يتخلف لمانع من تأجيل أحدهما دون الأخر ، فالزمان قبل الحلول مانع من الامتناع ، فإذا حل ارتفع المانع ، وفيه أن الأصل استحقاق التسلم بالتسليم ، واستحقاق كل منهما على الأخر التسليم لا الامتناع ، وأيضا قد عرفت اقتضاء المعاملة عدم الامتناع.

٤٣

ولو كان بعض المهر حالا وبعضه مؤجلا فلكل واحد حكم نفسه ، فلها أن تمتنع حتى تقبض الحال دون المؤجل وإن قل كما قرر.

ومن ذلك أيضا يعرف الحال في أنه هل لها ذلك أي الامتناع بعد الدخول؟ قيل والقائل المفيد فيما حكي عن مقنعته ، والشيخ فيما حكي من مبسوطة نعم لها ذلك ، لأن أحد العوضين وهو منفعة البضع تتجدد لا يمكن قبضه جملة ، والمهر بإزاء الجميع ، فبالتسليم مرة لم يحصل الإقباض ، فجاز الامتناع ، ولعموم العسر والحرج والضرر والظلم.

وقيل : لا وهو مع كونه أشهر ، بل المشهور ، بل عن السرائر الإجماع عليه ـ أشبه بأصول المذهب وقواعده ، لأن الاستمتاع حق لزم بالعقد خرج منه الاستمتاع قبل القبض بالإجماع ، فيبقى الباقي على أصله ، ولما سمعته من سقوط حقها برضاها ، ولا دليل على عوده.

بل في المسالك « وفي معناه ما لو سلم الولي من ليست بكاملة ولم يقبض الصداق ، فهل لها الامتناع بعد الكمال حتى تقبضه؟ وجهان ، وأولى بعدم الجواز لأن تسليم الولي شرعي ، إلا أن يمنع من جواز تسليمه لها قبل قبض المهر كغيره من المعاوضات ، فتساوي المكرهة في الحكم » وهو كما ترى.

على أنه قد ذكر في المسالك في مقدماته في المسألة « أنه هل يشترط في القبض وقوعه طوعا أم يكتفى به مطلقا؟ وجهان : من حصول الغرض ، وانتقال الضمان به كيف اتفق ، ومن تحريم القبض بدون الاذن ، فلا يترتب عليه الأثر الصحيح ، والحق أن بعض أحكام القبض متحققة كاستقرار المهر بالوطء كرها ، وبعضه غير متحقق قطعا كالنفقة ، ويبقى التردد في موضع النزاع حيث يدخل بها كرها هل لها الامتناع بعده من الإقباض حتى تقبض المهر أم لا؟ قلت : لا وجه للتردد هنا ضرورة عدم دليل على سقوط حق الامتناع بالوطء حتى أنه يصدق مع الإكراه ، وإنما هو حق اقتضته المعاوضة التي لا فرق في اقتضائها بين حالي الاختيار والإكراه ،

٤٤

بخلاف استقرار المهر الذي كان الحق عليه فيه لا له ، فإن إكراهه لها أولى في إفادة الاستقرار ، والله العالم.

ولو لم يكن المرأة مهيأة للاستمتاع بأن كانت مريضة أو محبوسة لم يلزمه تسليم الصداق بناء على اشتراط وجوبه عليه بالتقابض من الجانبين ، وقد يشكل ذلك بما لو كان قد عقدها غير مهيأة للاستمتاع ، ضرورة أنه هو الذي قد أقدم على تعجيل حقها دونه ، نحو ما ذكروه في الصغيرة التي لا يصلح للجماع إذا طلب الولي المهر ، فإنه وإن قال في المسالك : « فيه وجهان : من تعذر التقابض من الجانبين ، لعدم إمكان الاستمتاع ، وهو خيرة الشيخ في المبسوط ، ومن أن الصداق حق ثابت ، وقد طلبه المستحق ، فوجب دفعه إليه ، وعدم قبض مقابله من العوض قد أقدم الزوج عليه ، حيث عقد كذلك ، وأوجب على نفسه المال في الحال ، كالعكس لو كان المهر مؤجلا » لكن لا ريب في أن الأخير هو الأقوى ، كما اعترف هو به والفاضل في القواعد ، خلافا للمحكي عن المبسوط والكافي من العدم ، لتعذر التقابض.

ومحل الإشكال في الصغيرة ما لو لم تصلح للاستمتاع مطلقا أما لو صلحت لغير الوطء فطلبها الزوج لذلك ففي وجوب إجابته وجهان : من تحقق الزوجية المقتضية لجواز الاستمتاع ، فلا يسقط بعضه بتعذر بعض ، فيجب التسليم للممكن ، ومن أن القصد الذاتي من الاستمتاع الوطء والباقي التابع ، فإذا تعذر المتبوع انتفى التابع ، وإمساكها لغير ذلك حضانة ، والزوج ليس أهلا لها ، وإنما هي حق للأقارب ، ولأنه لا يؤمن إذا خلا بها أن يأتيها فتتضرر ، وعلى هذا فلو بذلت له لم يجب عليه القبول ، لأن حقه الاستمتاع ولم يخلق فيها ، ولو وجب للزمه نفقة الحضانة والتربية ، وفي المسالك « وهذا أقوى ، وهو خيرة المبسوط » قلت : وهو المحكي عن التحرير أيضا ، لكن قد يحتمل وجوب التسليم إن طلبها ، لإمكان الاستمتاع بغير الوطء كالحائض ، خصوصا في الكبيرة المريضة ، نعم قد يقوى المنع إذا لم يؤمن منه المواقعة.

ولو كانا صغيرين وطلب الولي المهر من الولي فالوجهان في الكبير مع‌

٤٥

الصغيرة ، بل وأولى بعدم الوجوب لو قيل به ثم ، لكن قد عرفت هناك أن الأقوى الوجوب ، فالمتجه حينئذ ذلك هنا أيضا ، ولو انعكس فكانت كبيرة والزوج صغير فالوجهان أيضا ، وعن المبسوط اختيار عدم وجوب تسليم المهر في الجميع ، كما لا تجب النفقة ، محتجا بأن الاستمتاع غير ممكن ، وفيه أنه يتم في النفقة لا في المهر.

هذا وفي القواعد « ولو منعت الزوجة مع تهيوئها للاستمتاع من التمكين لا للتسليم أي تسليم المهر إليها ففي وجوب التسليم إشكال » قلت : لا أعرف وجها للإشكال بعد البناء على اقتضاء المعاوضة التقابض المفروض انتفاؤه في المقام ، وتسليم المهر إنما يجب إذ امتنعت من التسليم لتتسلمه ، فإنه الامتناع المشروع ، فإذا امتنعت لغيره لم تبذل نفسها ، فلم تستحق عليه المهر ، وصدق الامتناع من التسليم ، وإن لم يكن لأجل التسليم لا يوجب تسليم المهر عليه ، كما هو واضح.

ولو دفع الصداق فامتنعت من التمكين أجبرت عليه إن لم يكن لها عذر ، لوجود المقتضي لوجوبه وانتفاء المعارض ، وفي القواعد « ليس له الاسترداد » ولعله لأنه حق لها ، فهو كالدين المؤجل إذا تبرع المديون بتعجيل أدائه ، قلت : قد يقال بناء على ما سمعته منا من وجوب تسليم المهر على الزوج أولا له الاسترداد ، فإنه يدفعه دفعا مراعي بسلامة العوض له ، فإذا امتنعت من التمكين استرد ، وفيها أيضا « أنه إذا سلم الصداق فعليه أن يمهلها مدة استعدادها بالتنظيف والاستحداد » أي إزالة الشعر بالحديد أو غيره ، كما عن المبسوط مجرى العادة به ، ولأنه ربما ينفر عنها إن لم تستعد له ، وربما يفهم من النهي (١) عن طروق الأهل ليلا‌ وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) : « أمهلوا كي تمشط الشعثة وتستحد المغيبة ».

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥٦ ـ من أبواب آداب السفر الحديث ٢ و ٣ من كتاب الحج.

(٢) صحيح البخاري ج ٧ ص ٦ ( باب ١٠ من النكاح ) وصحيح مسلم ج ٦ ص ٥٥.

٤٦

وأما التحديد بيوم ويومين وثلاثة كما عن المبسوط فلعل المراد به التمثيل وأن العبرة بزمان تستعد فيه ، وعن المبسوط « أنه نص على عدم امهالها أكثر من ثلاثة أيام إذا استمهلت ، لأن الثلاثة تسع لإصلاح حالها » قلت : لا يخفى عليك ما في أصل الحكم حينئذ من الوجوب ، ضرورة عدم صلاحية مثل ذلك دليلا ، ودعوى أن بناء استحقاقه تسليمها على ذلك واضحة المنع ، لمنافاتها جميع ما دل على تسلط الزوج على الزوجة كتابا (١) وسنة (٢) ولعله لذا كان المحكي عن التحرير أنه استقرب عدم وجوب الإمهال للأصل السالم عن المعارض.

ولا ريب في عدم وجوب إمهالها لأجل تهيئة الجهاز ، ولا لأجل الحيض ، لإمكان الاستمتاع بغير القبل ، كما هو واضح ، والله العالم.

ويستحب تقليل المهر بلا خلاف كما في المسالك ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣) : « أفضل نساء أمتي أصبحهن وجها ، وأقلهن مهرا » و « إن من شؤم المرأة كثرة مهرها » (٤) ‌و (٥) ‌« إن أعظم النكاح بركة أيسره مؤنة » ‌بل يكره أن يتجاوز مهر السنة ، وهو خمسمائة درهم‌ لأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما حكاه الباقر عليه‌السلام عنه (٦) « لم يتزوج ولا زوج بناته بأكثر من ذلك » ‌و « قد أمر أن يسن ذلك لأمته ففعل » (٧) ‌وحينئذ فما زاد عليه فهو شؤم المرأة الذي هو كثرة مهرها ، وفي خبر حسين بن خالد (٨) عن أبي الحسن عليه‌السلام « أيما مؤمن خطب إلى أخيه حرمة‌

__________________

(١) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٣٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ٧٩ و ٨٠ و ٨١ ـ من أبواب مقدمات النكاح.

(٣) و (٤) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب المهور الحديث ٩ ـ ٨

(٥) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب المهور الحديث ٣ و ١٠ وفيهما‌ « من بركة المرأة خفة مئونتها » ‌وفي سنن البيهقي ج ٧ ص ٢٣٥‌ « من أعظم النساء بركة أيسرهن صداقا » ‌

(٦) و (٧) و (٨) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب المهور الحديث ٤ ـ ٢ ـ ٢

٤٧

فبذل خمسمائة درهم فلم يزوجه فقد عقه واستحق من الله عز وجل أن لا يزوجه حوراء».

نعم في المسالك « ظاهره أن الكراهة متعلقة بالمرأة ووليها لا بالزوج ، وعبارة المصنف شاملة لهما ، ويمكن تعلق الكراهة به من حيث الإعانة عليه إن أمكنه النقصان ، وإلا فلا كراهة عليه ، وقد تقدم إمهار الحسن عليه‌السلام امرأة مأة جارية (١) قلت : ظاهر الفتاوى الكراهة أيضا للزوج ، بل هو مستفاد من التأمل في النصوص (٢) والله العالم.

وكذا يكره أن يدخل بالزوجة حتى يقدم مهرها أو شيئا منه أو غيره ولو هدية لخبر أبي بصير (٣) عن الصادق عليه‌السلام « إذا تزوج الرجل المرأة فلا يحل له فرجها حتى يسوق إليها شيئا ، درهما فما فوقه أو هدية من سويق أو غيره » ‌ولا يحرم للأصل وقصور الخبر عن إفادة الحرمة ، و‌خبر عبد الحميد الطائي (٤) قال له : « أتزوج المرأة وأدخل بها ولا أعطيها شيئا ، فقال : نعم يكون دينا عليك ».

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب المهور الحديث ٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤ و ٥ و ٩ ـ من أبواب المهور.

(٣) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب المهور الحديث ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب المهور الحديث ٩.

٤٨

( الطرف الثاني في التفويض )

وهو لغة إيكال الأمر إلى الغير ، ومنه ( أُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ ) (١) وقد يطلق ويراد به الإهمال ، ومنه « لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم » (٢).

وعلى كل حال ف هو قسمان : تفويض البضع وتفويض المهر ، أما الأول فهو أن لا يذكر في العقد مهرا أصلا ، مثل أن يقول الوكيل : زوجتك فلانة أو تقول هي : « زوجتك نفسي » فيقول الزوج قبلت وحينئذ هو من التفويض بمعنى الإهمال ، ضرورة عدم ذكر المهر فيه.

(وفيه مسائل : )

( الاولى )

قد عرفت فيما تقدم أيضا أنه لا خلاف في أن ذكر المهر ليس شرطا في صحة العقد ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى ظاهر آية ( لا جُناحَ ) (٣) والنصوص (٤) المستفيضة أو المتواترة ، وحينئذ فلو تزوجها ولم يذكر مهرا في العقد أو شرط أن لا مهر صح العقد قطعا مع إرادة نفي المهر المسمى في العقد ، أما لو أرادت نفيه حال العقد وما بعده ولو بعد الدخول فلا خلاف ولا إشكال‌

__________________

(١) سورة غافر : ٤٠ ـ الآية ٤٤.

(٢) هذا مصراع من شعر الأفوه الأودي من شعراء العصر الجاهلي وتمام البيت‌

« لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم

ولا سراة إذا جهالهم سادوا »

(٣) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٢٤.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٢ و ١٣ و ٢١ ـ من أبواب المهور والباب ـ ٥٨ ـ منها الحديث ٤ و ٧ و ٨ و ١١ و ٢٠ و ٢١ و ٢٢.

٤٩

في فساد الشرط ، بل المعروف فساد العقد أيضا ، ولعله لصحيح الحلبي (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة تهب نفسها للرجل ينكحها بغير مهر ، فقال : إنما كان هذا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأما لغيره فلا يصلح هذا حتى يعوضها شيئا يقدم إليها قبل أن يدخل بها ، قل أو كثر ولو ثوب أو درهم ، وقال : يجزئ الدرهم » وفي صحيح زرارة (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام « سألته عن قول الله عز وجل ( وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ ) (٣) فقال : لا تحل الهبة إلا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأما غيره فلا يصلح نكاح إلا بمهر » وفي المرسل عن عبد الله بن سنان (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في امرأة وهبت نفسها لرجل أو وهبها له وليها ، فقال : لا ، إنما كان ذلك لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وليس لغيره إلا أن يعوضها شيئا ، قل أو كثر » وفي مرسل ابن المغيرة (٥) عنه عليه‌السلام أيضا « في امرأة وهبت نفسها للرجل من المسلمين ، قال : إن عوضها كان ذلك مستقيما ».

خلافا للمحكي عن الشيخ من الصحة ، لأنه بمعنى « لا مهر عليك » فإنه أيضا نكرة منفية تفيد العموم ، فكما خص ذلك بمجرد العقد فكذا هنا ، ورد بأن العام يقبل التخصيص بخلاف التنصيص.

وفيه أن مرجع كلام الشيخ إلى فساد الشرط في الفرض دون العقد ، ضرورة كون محل البحث مع إرادة عدم التخصيص ، فليس حينئذ إلا القول بعدم التلازم بين فساد الشرط وبين فساد العقد هنا ، ولذا لم يفسد بفساد ما يذكر فيه من المهر الذي هو أعظم من الشرط باعتبار ذكره بصورة العوض ، وربما يؤيده ما تسمعه فيما يأتي من أن المعروف بين الأصحاب عدم فساد عقد النكاح بفساد الشرط فيه ولا صراحة في النصوص السابقة في فساد العقد ، بل قد يظهر من بعضها الصحة وإن وجب عليه أن يدفع عوضا ، ولا يخلو من قوة ، وربما احتمل صحة العقد وفساد التفويض ، فيثبت حينئذ مهر المثل بمجرد العقد ،

__________________

(١) و (٢) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب عقد النكاح ـ الحديث ١ ـ ٤

(٣) سورة الأحزاب : ٣٣ ـ الآية ٥٠.

(٤) و (٥) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب عقد النكاح ـ الحديث ٣ ـ ٥

٥٠

ولا ريب في ضعفه ، لأن غاية فساد الشرط كونه في حكم السكوت عن المهر.

وعلى كل حال فان طلقها قبل الدخول فلها المتعة حرة كانت أو مملوكة ، ولا مهر بلا خلاف أجده ، بل لعل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى ظاهر الكتاب (١) والسنة المستفيضة أو المتواترة (٢) فما عن مالك وجماعة من العامة من استحباب المتعة نظرا إلى قوله تعالى في آخر الآية (٣) ( حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ ) واضح الضعف ، ضرورة عدم اقتضاء ذلك الخروج عن ظاهر الأمر في الكتاب والسنة ، بل مقتضى قوله : « حقا » وقوله : « على » الوجوب ، والمراد بالمحسنين : من يحسنون بفعل الطاعة واجتناب المعصية ، وخصهم بالحكم تشريفا لهم ، أو أن المراد من أراد أن يحسن فهذا طريقه وهذا حقه ، بأن يعطي المطلقات ما فرض الله لهن.

وإن طلقها بعد الدخول وقبل الفرض فلها مهر أمثالها ولا متعة بلا خلاف ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى المعتبرة المستفيضة : منها‌ الصحيح (٤) « عن رجل تزوج امرأة فدخل بها ولم يفرض لها مهرا ثم طلقها فقال : لها مثل مهور نسائها ، ويمتعها » ونحوه الموثقان (٥) « في رجل تزوج امرأة ولم يفرض لها صداقا ، قال : لا شي‌ء لها من الصداق ، فان كان دخل بها فلها مهر نسائها ».

فان مات أحدهما قبل الدخول وقبل الفرض فلا مهر لها ولا متعة عندنا للأصل ، و‌صحيح الحلبي (٦) عن الصادق عليه‌السلام « في المتوفى عنها زوجها قبل الدخول إن كان فرض لها زوجها فلها ، وإن لم يكن فرض لها مهرا فلا مهر » وما رواه بعض العامة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٧) من أنه « قضى في تزويج بنت واشق وقد‌

__________________

(١) و (٣) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٣٦.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤٨ و ٤٩ و ٥٠ ـ من أبواب المهور.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب المهور الحديث ١.

(٥) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب المهور الحديث ٢ و ٣.

(٦) الوسائل الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب المهور الحديث ٢٢.

(٧) سنن البيهقي ج ٧ ص ٢٤٤.

٥١

نكحت بغير مهر فمات زوجها بمهر نسائها والميراث » ‌غير ثابت عند الأكثر منهم فضلا عنا وغيره (١) خلافا لبعض العامة فأوجب مهر المثل.

وفيه أنه لا يجب مهر المثل عندنا بالعقد ، وإنما يجب بالدخول المفروض انتفاؤه ، خلافا لبعضهم ، فأثبته فيه ، ولا ريب في ضعفه ، بل ظاهر الكتاب والسنة والإجماع على خلافه.

المسألة ( الثانية )

المعتبر في مهر المثل حال المرأة في الشرف والجمال وعادة نسائها والسن والبكارة والعقل واليسار والعفة والأدب وأضدادها ( وبالجملة ) ما يختلف به الغرض والرغبة اختلافا بينا ، فيكون المعتبر حينئذ المثلية بالأهل والصفات جميعا وإن كنا لم نعثر في شي‌ء مما وصل إلينا من النصوص على أزيد من‌ قول : « لها صداق نسائها » (٢) ‌و « مهر نسائها » (٣) ‌و « مهر مثل مهور نسائها » (٤) ‌اللهم إلا أن يراد بنسائها من ماثلها بالصفات من نساء أهلها ، ضرورة كون ذلك نوعا من التقويم الذي ينبغي فيه ملاحظة كل ماله مدخلية في ارتفاع القيمة ونقصانها حتى الزمان والمكان.

ومنه يعلم الوجه فيما ذكره غير واحد من الأصحاب من اعتبار كون أقاربها في أهل بلدها ، لتفاوت البلدان في المهور تفاوتا بينا ، فلو لم يعتبر البلد أشكل الأمر مع الاختلاف ، وكما اعتبر الاختلاف في الصفات لإيجابه اختلاف‌

__________________

(١) هكذا في النسختين الأصليتين والصحيح « وغيرهما » والضمير يرجع الى الأصل وصحيح الحلبي ، فإن الموجود في النسخة المخطوطة بقلمه الشريف كان « ولا متعة عندنا للأصل وغيره » ثم أضاف في الهامش بعد قوله : « للأصل » قوله : « وصحيح الحلبي » إلى « فضلا عنا » وغفل عن تثنية الضمير في قوله : « وغيره ».

(٢) و (٣) و (٤) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب المهور الحديث ٣ ـ ٢ ـ ١

٥٢

المهر لزم اعتبار الاختلاف في البلد ، والضرر العظيم إن لم نعتبر البلد ، ولأن الظاهر منها الرضا بمهر أمثالها في البلد إذا مكنت ، وحينئذ ، فاحتمال عدم اعتبار البلد لإطلاق الأخبار في غير محله.

بل لما ذكرنا اعتبر المشهور الأقارب مطلقا من غير فرق بين من يرجع منهم إلى الأب أو الأم ، ضرورة حصول الاختلاف في ذلك ، خلافا للمحكي عن المهذب والجامع ، فاعتبر الأقارب من قبل الأب دون الأم ، قالا : « فان لم يكن فغيرهم من ذوات الأرحام ، فان لم يكن فمثلها من نساء بلدها » لكنه كما ترى فان اختلاف المهر بالنسبة إلى الأم وأقاربها شرفا ودناءة اختلاف بين ، فلا بد من ملاحظته ، لما عرفت أن ذلك نوع من التقويم ، وحينئذ فالمثل مع مراعاة ذلك كله لا يختلف كقيمة الشي‌ء نفسه ، نعم قد يختلف بالنسبة إلى تقويم المقومين ، والظاهر أنه يجري فيه ما جرى في غيره مما اختلف في تقويمه ، فيؤخذ النصف من الاثنين ، والثلث من الثلاثة ، وهكذا بعد جمع الجميع ، أو نحو ذلك مما قرر في محله.

بل الظاهر اعتبار مهر مثلها مع فرض عدم معرفة أقاربها من الأب أو الأم ؛ فيلحظ مهر المرأة بالصفات فيها غير معرفة الأب والأم وهكذا.

بل ربما ظهر من بعضهم ملاحظة حال الزوج بالنسبة إلى مهرها ؛ لاختلاف مهر النساء باختلاف الأزواج اختلافا بينا ، ولا يخلو من وجه ، بل جزم به العلامة في القواعد.

ومن ذلك كله ظهر لك عدم الاختلاف في مهر المثل حينئذ وإن اختلف مهور نسائها باعتبار الزيادة على مهر أمثالهن والنقيصة ، فإن ذلك ليس اختلافا في مهر ، كما هو واضح.

ثم الواجب بالدخول أكثر مهر لمثلها من يوم العقد إلى الوطء أو يوم العقد؟ وجهان عند العامة ، ولعل الأقوى عندنا ثالث ، وهو يوم الدخول ، لأنه هو يوم الثبوت في ذمته ، كقيمة المال المضمون ، لكن في قواعد الفاضل اعتبار يوم العقد ،

٥٣

وفيه ما لا يخفى.

وعلى كل حال ففي المتن وغيره تقييد مهر المثل ب ما لم يتجاوز مهر السنة وهو خمسمائة درهم وإلا رد ، بل المشهور نقلا وتحصيلا ، بل عن الغنية وفخر المحققين الإجماع عليه ، وهو الحجة ، مضافا إلى‌ موثق أبي بصير (١) عن الصادق عليه‌السلام « سألته عن رجل تزوج امرأة فوهم أن يسمى صداقها حتى دخل بها ، قال : السنة ، والسنة خمسمائة درهم» ‌وإلى ما تقدم من‌ قوله عليه‌السلام أيضا في خبر المفضل ابن عمر (٢) « فمن زاد على ذلك رد إلى السنة ، ولا شي‌ء عليه أكثر من الخمسمائة درهم » ‌وإلى معلومية دون كل امرأة بالنسبة إلى بنات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اللاتي (٣) لم يتزوجن إلا بذلك (٤) وإلى فحوى ما ورد فيمن تزوج امرأة على حكمها من خبر زرارة (٥) وغيره (٦) وأنها لا تتجاوز ما سنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

والمناقشة في خبر أبي بصير مع فسادها في نفسها مدفوعة بالانجبار بما عرفت ، كالمناقشة في دلالتها بأنها ليست من المفوضة باعتبار نسيان ذكر الصداق ، ضرورة أنك قد عرفت أن موضوع المفوضة يشملها ، وكذا المناقشة في بعض ما ذكر مؤيدا للحكم المدلول عليه بما عرفت ، وحينئذ فلا محيص عن القول به ، فما وقع من ثاني الشهيدين وبعض من تأخر عنه ـ من الوسوسة في ذلك ، بل جزم بعضهم بعدم التحديد بذلك ، لإطلاق النصوص السابقة المؤيدة بظهور إقدامها بلا ذكر مهر في كون نظرها مهر أمثالها ـ واضح الفساد بعد الإحاطة بما ذكرناه ، والله العالم.

والمعتبر في المتعة عند المشهور بل عن الغنية الإجماع عليه حال‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب المهور الحديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب المهور الحديث ١٤.

(٣) في النسخة الأصلية « التي ».

(٤) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب المهور الحديث ٤.

(٥) و (٦) الوسائل الباب ـ ٢١ ـ من أبواب المهور الحديث ١ ـ ٠

٥٤

الزوج خاصة بالنسبة إلى السعة والإقتار ، لظاهر الآية (١) و‌خبر الكناني (٢) عنه عليه‌السلام « إذا طلق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها فلها نصف مهرها فان لم يكن سمى لها مهرا فمتاع بالمعروف على الموسع قدره وعلى المقتر قدره » لكن قد يقال : إن ذلك لا ينافي اعتبار حالها أيضا كما في‌ صحيح الحلبي (٣) عن الصادق عليه‌السلام « في رجل طلق امرأته قبل أن يدخل بها عليه نصف المهر إن كان فرض لها شيئا ، وإن لم يكن فرض لها فليمتعها على مثل ما يمتع مثلها من النساء » وخبر أبي بصير (٤) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل طلق امرأته قبل أن يدخل بها ـ إلى أن قال ـ : فإن لم يكن فرض لها شيئا فليمتعها على مثل ما يمتع مثلها من النساء ».

بل عن المبسوط أن الاعتبار بهما جميعا عندنا ، وقال قوم : الاعتبار به ، لقوله تعالى (٥) ( وَمَتِّعُوهُنَّ ) إلى آخره وهذا هو الأقرب ، ومنهم من قال : الاعتبار بها بحسب يسارها وإعسارها وكمالها ( وجمالها خ ل ) ولعله أشار في الأخير إلى ما عن الشافعي من اعتبار حالها خاصة ، نظرا إلى أنها عوض مهرها ، فيعتبر فيها ما يعتبر فيه ، لكن الكتاب والسنة والإجماع بخلافه ، وعلى كل حال فظاهر الآية (٦) وكثير من النصوص (٧) اعتبار حالين للزوج : السعة والإقتار.

لكن في المتن وغيره تقسيمه إلى ثلاثة فالغني يمتع بالدابة أو الثوب المرتفع أو عشرة دنانير ، والمتوسط بخمسة دنانير أو الثوب المتوسط ، والفقير بالدينار أو الخاتم وما شاكله ولعله لعدم اقتضاء الآية (٨) حصر المتعة في شيئين : عليا ودنيا ، وذلك لأن الناس ينقسمون باعتبار الإعسار واليسار إلى ثلاثة : أعلى ومتوسط وفقير ، ولكل مراتب ، فالغني يمتع بثوب نفيس أو فرس أو خادم أو‌

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٣٦.

(٢) و (٣) الوسائل الباب ـ ٤٨ ـ من أبواب المهور الحديث ٨ ـ ٧

(٤) أشار إليه في الوسائل في الباب ـ ٤٨ ـ من أبواب المهور الحديث ٧ وذكره في الكافي ج ٦ ص ١٠٨.

(٥) و (٦) و (٨) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٣٦.

(٧) الوسائل الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب المهور.

٥٥

عشرة دنانير أو نحو ذلك بحسب مراتبه في الغنى وإن كان يجزؤه كل من ذلك في أي مرتبة كان من الغنى ، ويستفاد حكم الوسط حينئذ إما لظهور إرادة المثال من الموسع والمقتر ، وإما لأن ذكر حكمها يقتضي حكمه ، إذ هو موسع بالنسبة ومقتر كذلك ، فله حينئذ الحالة الوسطى بين اليسار والإقتار ، ولعله إلى ذلك أومأ في‌ المحكي عن فقه الرضا عليه‌السلام (١) « يمتعها منه قل أو كثر على قدر يساره ، فالموسع يمتع بخادم أو دابة ، والوسط بثوب ، والفقير بدرهم أو خاتم ، كما قال الله : ( وَمَتِّعُوهُنَّ ) ـ إلى آخره » وفي محكي الفقيه « وروى (٢) أن الغني يمتع بدار أو خادم ، والوسط يمتع بثوب ، والفقير يمتع بدرهم أو خاتم وروى أن أدناه خمار وشبهه ».

وحينئذ فما في‌ خبر ابن بكير المروي عن قرب الاسناد (٣) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عز وجل ( وَمَتِّعُوهُنَّ ) ، ما قدر الموسع والمقتر؟ قال : كان علي بن الحسين عليهما‌السلام يمتع بالراحلة » وعن العياشي (٤) أنه رواه في تفسيره ثم قال : « يعني حملها الذي عليها » وخبر أبي بصير (٥) قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : « أخبرني عن قول الله تعالى (٦) ( وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ) ، ما أدنى ذلك المتاع إذا كان معسرا لا يجد؟ خمار وشبهه » وفي خبر الحلبي (٧) « إن كان الرجل موسعا عليه أن يمتع امرأته العبد والأمة ، والمقتر يمتع الحنطة والزبيب والثوب والدرهم ، وإن الحسن بن علي عليهما‌السلام متع امرأة له بأمة ، ولم‌

__________________

(١) المستدرك الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب المهور الحديث ٥.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب المهور الحديث ٣ و ٤.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب المهور الحديث ٥.

(٤) أشار إليه في الوسائل في الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب المهور الحديث ٥ وذكره في المستدرك في الباب ـ ٣٤ ـ منها الحديث ٢.

(٥) و (٧) الوسائل الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب المهور الحديث ٢ ـ ١

(٦) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٤١.

٥٦

يطلق امرأة إلا متعها » ‌خارج مخرج التمثيل لا الحصر.

وكيف كان ف لا تستحق المتعة إلا المطلقة التي لم يفرض لها مهر ولم يدخل بها كما هو ظاهر معظم النصوص (١) والفتاوى ، بل والآية (٢) باعتبار تعقيبها المتعة وإلا لناسب تأخيره ، لكن في‌ خبر زرارة (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام « متعة النساء واجبة دخل بها أو لم يدخل ، وتمتع قبل أن تطلق » وصحيح الحلبي (٤) « سألته عن رجل تزوج امرأة فدخل بها ولم يفرض لها مهرا ثم طلقها ، قال : لها مهر مثل مهور نسائها ويمتعها » وخبره الآخر (٥) عنه عليه‌السلام في قول الله عز وجل : ( وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ ) ـ إلى آخره ـ قال : متاعها بعد أن تنقضي عدتها ( عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ ) ، وكيف يمتعها وهي في عدتها ترجوه ويرجوها ويحدث الله بينهما ما شاء » ‌ونحوه خبر سماعة (٦) وما سمعته من « أن الحسن عليه‌السلام لم يطلق امرأة إلا متعها » (٧) ‌وقوله تعالى (٨) ( فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ ) إلى آخره.

مضافا إلى إطلاق‌ صحيح حفص (٩) عنه عليه‌السلام « في الرجل يطلق امرأته أيمتعها؟ قال : نعم ، أما يحب أن يكون من المحسنين؟ أما يحب أن يكون من المتقين؟ » وخبر البزنطي (١٠) « إن متعة المطلقة فريضة » وخبر جابر (١١) عن أبي‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤٨ و ٤٩ و ٥٠ ـ من أبواب المهور.

(٢) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٣٦.

(٣) و (٥) الوسائل الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب المهور الحديث ١ ـ ٢

(٤) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب المهور الحديث ١.

(٦) أشار إليه في الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب المهور الحديث ٢ وذكره في الكافي ج ٦ ص ١٠٥.

(٧) الوسائل الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب المهور الحديث ١.

(٨) سورة الأحزاب : ٣٣ ـ الآية ٢٨.

(٩) و (١٠) الوسائل الباب ـ ٤٨ ـ من أبواب المهور الحديث ٥ ـ ٢

(١١) الوسائل الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب المهور الحديث ٦ مع الاختلاف اليسير.

٥٧

جعفر عليه‌السلام « في قوله تعالى (١) ( فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَمِيلاً ) ، قال : متعوهن حملوهن بما قدرتم عليه من معروف ، فإنهن يرجعن بكآبة وخسارة ، وهم عظيم ، ومهانة من أعلاقهن ، فان الله كريم يستحيي ، ويحب أهل الحياء ، إن أكرمكم أشدكم إكراما لحلائلهم ».

إلا أن المطلق منها منزل على المطلقة المفوضة التي لم يفرض لها ولم يدخل بها حتى الآية ، خصوصا بعد ما قيل في نزولها (٢) من أنه لما نزل ( وَمَتِّعُوهُنَّ ) قال بعضهم : إن أحببت فعلت وإن لم أرد ذلك لم أفعله ، فنزل (٣) ( وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ ) إلى آخره ، أو أنها منسوخة بآية المتعة (٤) أو أن المراد من المتاع منها النفقة كما قيل ، أو غير ذلك ، والناص منها على ضرب من التقية ، لأنه مذهب قوم من العامة : منهم سعيد بن جبير والزهري والشافعي في الجديد ، أو على ضرب من الاستحباب كما عن الشيخ وجماعة ، بل تأكده للتعبير بلفظ الوجوب ونحوه ، ولا بأس به وإن أصبن شيئا جبرا لكسرهن ، ولأنه نوع إحسان ، وعليه ينزل قوله تعالى (٥) ( فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ ) أو أن ذلك من خواصه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو لفضل نسائه على غيرهن.

كل ذلك للإجماع بقسميه ، والنصوص (٦) على اختصاص الوجوب بالمطلقة المفوضة التي لم يفرض لها ولم يدخل بها باعتبار عدم إصابتها شيئا ، فناسب إكرامها بالمتعة جبرا لما أصابها من الخجل والهوان.

وربما الحق بها ـ المفوضة المفارقة من قبل الزوج بعيب ونحوه ، أو من قبله وقبلها كالخلع ، أو من أجنبي كالرضاع ـ في وجوب المتعة ، بل هو خيرة‌

__________________

(١) سورة الأحزاب : ٣٣ ـ الآية ٤٩.

(٢) الدر المنثور ج ١ ص ٣١٠.

(٣) و (٤) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٤١ ـ ٢٣٦

(٥) سورة الأحزاب : ٣٣ ـ الآية ٢٨.

(٦) الوسائل الباب ـ ٤٨ ـ من أبواب المهور الحديث ٧ و ٨ و ١٠ و ١٢.

٥٨

المحكي عن مختلف الفاضل ، بل ظاهر المحكي عن المبسوط الميل اليه إلا أنه لم نجد لهما موافقا منا ، وإنما هذا الكلام ونحوه مذكور في كتب العامة ، ولا دليلا سوى دعوى تنقيح المناط ، وما يشعر به خبر جابر من التعليل ، وهما معا كما ترى ، ضرورة عدم التنقيح المعتبر ، خصوصا بعد الشهرة العظيمة أو الإجماع على الاختصاص بالمطلقة ، وضعف الخبر المزبور الظاهر في جريان ما فيه مجرى الحكمة لا العلة ، ولعله لذا وافق الشيخ في المحكي من خلافه الأصحاب.

نعم قد يقال بالاستحباب كما عن بعضهم لذلك ، بل قد يقال به أيضا في مطلق المفارقة كالمطلقة للتسامح فيه ، فيكفي حينئذ إشعار الخبر المزبور.

هذا وفي الروضة « أنه ألحق بمفوضة البضع من فرض لها مهر فاسد ، فإنه في قوة التفويض ، ومن فسخت في المهر لخيار به مثلا » قيل : وفيه منع ، لدخولها فيها موضوعا بعد ما عرفته ، فلا دليل على ثبوت حكمها لها ، واحتمال كونها التي لم يذكر لها مهر صحيح لا دليل عليه ، فتأمل وقال بعض الأفاضل : « ظاهر الكتاب وكلام الأصحاب أن محل التمتع ما بعد الطلاق ، فإنه إنما يخاطب به بعده ، كما جاء في عدة أخبار (١) فيمن طلقت قبل الدخول فليمتعها ، بل إذا كان الدخول فمحله بعد انقضاء العدة حيث تبين ، لخبر الحلبي (٢) السابق ».

قلت : لا دلالة في شي‌ء منهما على عدم جواز تقديمها ، بل في كثير من الأخبار أنها قبله ، كخبر أبي حمزة (٣) « سألته عن الرجل يريد أن يطلق امرأته قبل أن يدخل بها ، قال : يمتعها قبل أن يطلقها ، فان الله تعالى قال ( وَمَتِّعُوهُنَّ ) » (٤) ‌إلى آخره ،و صحيح ابن مسلم (٥) عن أبي جعفر عليه‌السلام « سألته عن الرجل يطلق‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب المهور الحديث ١ والباب ـ ٤٨ ـ منها الحديث ٧ و ٨.

(٢) الوسائل الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب المهور الحديث ٢.

(٣) و (٥) الوسائل الباب ـ ٤٨ ـ من أبواب المهور الحديث ٤ ـ ١

(٤) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٣٦.

٥٩

امرأته قال : يمتعها قبل أن يطلق ، فان الله تعالى يقول ( وَمَتِّعُوهُنَّ ) » إلى آخره » وخبر زرارة (١) السابق ، بل هو ظاهر قوله تعالى (٢) ( فَتَعالَيْنَ ) إلى آخره نعم الظاهر أن ذلك من باب الاستحباب دون الاستحقاق الذي هو لا يتحقق إلا بعد تحقق الطلاق ، كما هو مقتضى قوله تعالى (٣) ( وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ ) إلى آخره بل قد عرفت خبر الحلبي (٤) وإن كان هو في المتعة المستحبة ، وحينئذ فإذا قدمها لا تكون متعة إلا بتعقيب الطلاق ، لكن بقوي حينئذ كونه كاشفا ، لما سمعته من النصوص (٥) الدالة على كونها متعة قبل أن يطلق.

ثم إن المتعة لا يعتبر فيها رضا الزوجة ، لظهور الآية والرواية في كون الخطاب للزوج ، خلافا لبعض العامة ، فجعلها كالمهر ما تراضى عليه الزوجان ، فان لم يتراضيا قدرها القاضي باجتهاده ولو فوق نصف المهر ، وعن آخر منهم أنها لا تزيد على النصف ، وعن ثالث منهم أنها لا تزيد على مهر المثل ، فليس في شي‌ء من أخبار الباب ولا فتاوى الأصحاب تعرض لذلك ، لما عرفت.

كما أنها هي بعد تحقق سبب وجوبها من الدين في ذمة الزوج ، فللامرأة مع عدم دفعها لها الضرب مع الغرماء بموت أو فلس ، ويبرء الزوج بدفعها لها كما وجبت عليه ، فان امتنعت الامرأة من قبضها قبضها الحاكم أو كان ذلك البذل بحكم القبض. وبالجملة حالها كحال غيرها من الديون ، ولو أبرأت المفوضة الزوج قبل الوطء والفرض والطلاق من مهر المثل أو المتعة أو منهما لم يصح ، لأنه إبراء ما لم يثبت ، والله العالم.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب المهور الحديث ١.

(٢) سورة الأحزاب : ٣٣ ـ الآية ٢٨.

(٣) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٤١.

(٤) الوسائل الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب المهور الحديث ٢.

(٥) الوسائل الباب ـ ٤٨ ـ من أبواب المهور الحديث ١ و ٤ والباب ـ ٥٠ ـ منها الحديث ١.

٦٠