جواهر الكلام - ج ٣١

الشيخ محمّد حسن النّجفي

وغيره نعم مع عدمه أي الأب أو فقره فعلى أب الأب الذي هو أب كما عرفت دون الأم ، خلافا لما عن بعض العامة ، فعلى الأم الثلث وعلى الجد الثلثان ، فان فقد الجد أو كان معسرا فعلى أب الجد وهكذا ، وإن علا لأنه أب حقيقة أو في خصوص النفقة ، والترتيب باعتبار آية أولى الأرحام (١) ولقول أمير المؤمنين عليه‌السلام في الخبر السابق (٢) : « خذوا بنفقته أقرب الناس منه في العشيرة كما يأكل ميراثه ».

ولو عدمت الإباء أو كانوا أجمع معسرين ولم يكن له ثم ولد ولو أنثى وكان معسرا أيضا فعلى أم الولد التي هي أقرب الناس إليه حينئذ ، ومشاركة للرجل في وجوب النفقة على الولد المعسر بقاعدة الاشتراك في الحكم.

ومع عدمها أو فقرها فعلى أبيها وأمها وإن علوا الأقرب فالأقرب لنحو ما سمعته في الإباء وإن كان الأقرب أنثى والأبعد ذكرا ، بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك ، بل عن جماعة الإجماع عليه.

ومع التساوي يشتركون بالسوية في الإنفاق وإن اختلفوا في الذكورة والأنوثة ، للإجماع بحسب الظاهر ، أو لدعوى انسياق ذلك من خطاب النفقة مع فرض تعدد عنوان أفراد المنفق أو لغير ذلك ، ولولاه لأمكن القول بالوجوب كفاية ، أو يكون التخيير بيد المنفق عليه ، نحو رجوع المالك على ذوي الأيدي أو بالقرعة لتعين من ينفق منهم ، وذلك لاقتضاء الخطاب تكليف كل واحد منهم بتمام النفقة لا النصف أو الثلث مع التعدد ، فتأمل وإن كان لا مناص عنه بعد ما عرفت.

فعلى أبوي الأم حينئذ النفقة بالسوية بخلاف جد الأم وأمها فإن النفقة على أمها ، وكذا جدتها مع أبيها ، فإنها على أبيها ، وهكذا. نعم لو كان معها أم أب شاركتهم للتساوي في الدرجة ، أما لو كان أبو الأب معهم فإن النفقة عليه وإن علا ، لأنه أب ومتقرب‌

__________________

(١) سورة الأنفال : ٨ ـ الآية ٧٥.

(٢) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب النفقات الحديث ٤.

٣٨١

بالأب ، فلا يضر مساواته في الدرجة لهم ، ( وبالجملة ) فالتساوي في الدرجة إنما يوجب الاشتراك في الإنفاق في الأقرباء من الأم ولو من جهة الأب ، لا فيهم مع الأقرباء من الأب وجدهم فإن أبا الأب وأمه إذا اجتمعا كانت النفقة على أبي الأب ، وفي شرح المقدس البغدادي بعد نفي الخلاف عن ذلك كله قال : « نعم يبقى حكم أبي أم الأب ، فلم يتعرضوا له ، فيبقى على أصل البراءة ».

قلت : قال في المسالك : « قد ذكر الشيخ وغيره من الأصحاب أن حكم آباء أم الأب وأمهاتها وإن علوا حكم آباء الأم وأمهاتها ، فيشتركون بالسوية مع التساوي في الدرجة ، ويختص الأقرب منهم بها مع عدم التساوي » وفي محكي المبسوط « أنه متى اجتمع اثنان ينفق كل واحد منهما على الأخر إذا انفرد لم يخل من ثلاثة أحوال : إما أن يكونا من قبل الأب أو من قبل الأم أو منهما ، فان كانا من قبل الأب نظرت فان اشتركا في التعصيب فلا يكونان على درجة ، ولا بد أن يكون أحدهما أقرب ، والأقرب أولى ، وإن تساويا في القرب وانفرد أحدهما في التعصيب مثل أم أب وأبى أب فالعصبة أولى ، فإن كان الذي له العصبة أبعدهما فهو أولى عندهم ، ولو بعد بمأة درجة ، وعندنا أن الأقرب أولى ، وإن لم يكن لأحدهما تعصيب ولا يدلي بعصبة فان كانا على درجة واحدة فهما سواء ، وإن كان أحدهما أقرب فالأقرب أولى بلا خلاف ، وإن لم يكن أحدهما عصبة لكن أحدهما يدلي بعصبة مثل أم أم أب وأم أبي أب فهما سواء عندنا ، وقال بعضهم : من يدلي بعصبة أولى ، فإن كانا من قبل الأم معا نظرت فان كانا على درجة فهما سواء ، وإن كان أحدهما أقرب فالأقرب أولى ، سواء كانا ذكرين أو أنثيين أو ذكرا وأنثى ، لأن الكل من ذوي الأرحام ، وإن كانا من الشقين معا فان كان أحدهما عصبة فهو أولى عندهم ، وإن تعدد عندنا هما سواء ، والأقرب أولى ، وإن لم يكن أحدهما عصبة ولا يدلي بعصبة فان كانا على درجة فهما سواء ، وإن كان أحدهما أقرب فالأقرب أولى ، مثل أم أم وأم أم أب ، فإن كان أحدهما يدلي بعصبة فان كانا على درجة واحدة مثل أم أم وأم أب فهما سواء عندنا ، وقال‌

٣٨٢

بعضهم : أم الأب أولى ، وإن اختلفا في الدرجة فالأقرب أولى ، مثل أم وأم أب أو أم أم وأم أبي أب فالأقرب أولى » وإن كان هو أيضا كما ترى ، وذلك لأن ما ذكره في القسم الأول من أولوية الأقرب وإن كان الأبعد عصبة مخالفا لما سمعته من أن أبا الأب وإن علا أولى من أم الأب ، وما ذكره في القسم الثالث من أنه إن كان أحدهما عصبة فهما سواء عندنا يخالف ما سمعته أيضا من أن أبا الأب أولى من أم الأم ، بل ولما قطع به نفسه من أن أبا الأب وإن علا أولى بالإنفاق من الأم.

وعلى كل حال فلا ريب في أن ما ذكرناه أولى ، وهو أن الأبوة وإن علت مقدمة في الإنفاق لكنها مترتبة على الأم وإن قربت ، ثم الأم بلا واسطة ، ثم من تقرب بها من أبويها وأبوي أم الأب يشتركون بها مع التساوي في الدرجة ، ويختص الأقرب منهم فالأقرب مع الاختلاف فيها ، فإنه المستفاد من الفتاوى وآية أولى الأرحام (١) والخبر (٢) المزبور وغير ذلك ، واقتصار بعضهم على أم الأب إنما هو في مقام بيان الدرجة بعد انتفاء الأم ، وليس بها حينئذ إلا أمها وأباها وأم الأب لأن أبا الأب داخل في الأبوة التي قد علمت تقدمها على الأمومة ، وفي الدرجة الثانية أبو أم الأب وأمها وأبو أم الأم وأمها وأبو أبيها وأمه وهكذا.

نعم هذا كله إذا لم يكن له ولد وإلا كان شريكا بالسوية للأب في النفقة وتختص به مع عدم الأب ، فعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣) « إن أطيب ما يأكل الرجل من كسبه وأن ولده من كسبه » وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٤) « إن أولادكم هبة من الله لكم ، ( يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ ) ، وأموالهم لكم إذا احتجتم إليها » بل مرتبة البنوة‌

__________________

(١) سورة الأنفال : ٨ ـ الآية ٧٥.

(٢) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب النفقات الحديث ٤.

(٣) سنن البيهقي ج ٧ ص ٤٧٩ و ٤٨٠.

(٤) سنن البيهقي ج ٧ ص ٤٨٠.

٣٨٣

بالنسبة إلى ذلك كالأبوة ، وحينئذ فالأب يختص بها مع عدم الولد وإن كان له ولد ولد ، لكونه الوالد حقيقة ، نعم يشترك ولد الولد مع الجد ، فهم بالنسبة إلى ذلك كالطبقة الواحدة ، الأقرب منهم أيضا بدرجة أولى من الأبعد ، ويشتركون فيها مع التساوي ، ولكن هي مقدمة على الأمومة ، فلو كان له ابن وأم فالنفقة على الابن دونها ، بل وكذا البنت ، لكن ستسمع التردد فيها من بعضهم ، بل ذكر غير واحد أن في اشتراك الأم والولد الموسرين في نفقة الولد المعسر واختصاص الولد بها وجهين ، من اتحاد الرتبة وكون الولد مقدما على الجد المقدم عليها وإن كان الأقوى الأخير منهما.

وعلى كل حال فقد تلخص من جميع ذلك أنه لو كان له أب وجد فالنفقة على أبيه الذي هو الوالد والمولود له والأقرب ، دون جده ، ولو كان له أم وجدة من قبل الأب أو الأم فالنفقة على الأم التي هي أحد الوالدين ، دون الجدة ، ولو كان له أم وجد لأب فالنفقة عليه ، دون الأم ، لما عرفت من أن الأبوة هي الأصل.

ولو كان له أولاد موسرون تشاركوا في الإنفاق وقدر النفقة إن كانوا ذكورا أو إناثا ، لاشتراك العلة من غير رجحان ، ولو كانوا ذكورا وإناثا ففي القواعد وكشف اللثام احتمل التشريك ، للتساوي في الولادة والكون من كسبه ، إما بالسوية لانتفاء المرجح أو على نسبة الميراث ، لقوله تعالى (١) ( وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ ) ولقول أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه (٢) : « خذوا بنفقته أقرب الناس إليه في العشيرة كما يأكل ميراثه » ‌واحتمل اختصاص الذكور ، لأنهم لما كانوا أكثر ميراثا كانوا أقرب ، بل قد يؤيد أن على الأب الإنفاق دون الأم إذا اجتمعا ، وأن‌

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٣٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب النفقات الحديث ٤.

٣٨٤

( الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَى النِّساءِ ) (١) وأنهم أقدر منهن على الكسب ، بل لعل الأصل في الإنفاق الرجال ، إلا أن الجميع كما ترى لا يصلح الخروج به عما دل على النفقة على الولد الشامل للذكر والأنثى المقتضي للاشتراك بالسوية مع التعدد.

ولو كان له ابن موسر فعلا والأخر مكتسب فهما سواء للإطلاق ، لكن في القواعد على إشكال ، وهو في غير محله مع فرض كون الكسب كاليسار فعلا.

ولو كان له بنت وابن ابن فالنفقة على البنت التي هي أقرب ، لكونه والدها.

ولو كان له أم وبنت ففي القواعد احتمل التشريك أي إما بالسوية أو على نسبة الميراث ، واختصاص البنت بالنفقة ، قلت : وهو الأقوى ، لأنه من كسبه ، ولوجود ما يدل على عدم الوجوب على الأم من الكتاب (٢) والسنة (٣) بخلاف البنت المأمورة بالمصاحبة بالمعروف التي هي أقرب وأكثر ميراثا.

ولو كان له أب وولد ولد فالنفقة على الأب ، ولو كان له جد وولد ولد له اشتركا فيها على حسب ما عرفت ، والله العالم.

المسألة ( الثانية )

في ترتيب المنفق عليه ، وقد عرفت فيما تقدم أن النفس أولى ، ولكن هل يدخل في النفس نفقة المملوك المحتاج إليه والدابة المحتاج إليها ، فتقدم حينئذ على نفقة الزوجة فضلا عن الأقارب؟ وجهان ، لا يخلو أولهما من قوة ، ثم الزوجة ثم الأقارب ، فإن فضل عنده ما يكفى الجميع وجب من غير فرق بين الإباء وإن علوا من جهة الأب أو من جهة الأم وبين الأولاد وإن نزلوا ذكورا أو إناثا أو أولاد ذكور أو إناث مع فرض تحقق الشرط ، وهو يساره وحاجتهم ولو لعدم‌

__________________

(١) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٣٣.

(٢) سورة الطلاق : ٦٥ ـ الآية ٦.

(٣) الوسائل الباب ـ ٧١ ـ من أبواب النفقات الحديث ١.

٣٨٥

ما ينفق عليهم ممن هو أولى بالوجوب منه ، نعم هم مترتبون مع فرض القصور ، فالأبوان والأولاد المتساوون في الدرجة مقدمون على غيرهم ، فان فضل فللأجداد وأولاد الأولاد ، وهكذا يتساوون الواقعون في درجة قريبة أو بعيدة في النفقة ، فإذا فضل عن الأدنى درجة ارتقى إلى الأبعد ، وإن لم يفضل اقتصر على الأدنى.

ف إذا كان له أبوان وفضل له ما يكفي أحدهما كانا فيه سواء مع فرض انتفاعهما به وكذا لو كان ابنا وأبا لما عرفت من أنهم مستوون في الدرجة ووجوب الإنفاق عليهم من حيث الوالدية والوالدية متحد ، نعم لو كان أبا وجدا أو أما وجدة مثلا خص به الأقرب الذي هو أولى بالمعروف ، ولو فرض عدم الانتفاع في الفاضل لأحد من كان في الدرجة مع شركة غيره فالوجه القرعة ، لأن النفقة عليهم إنما هي لسد الخلة ، فإذا لم ينسد خلة الجميع لزمه الإنفاق على من تنسد به خلته واحدا أو أكثر ، ولا يمكن الترجيح إلا بالقرعة ، وليست كالدين الذي يقتسمه الديانة وإن لم ينتفع أحد منهم بما يأخذه ، لكن عن المبسوط والسرائر احتمال القسمة للاشتراك في الاستحقاق ، واختصاص القرعة بما ينحصر المستحق فيه في واحد ولم يتعين ، ويندفع بما عرفت ، نعم قد يقال بالتخيير له في اختصاص من شاء إلا أن القرعة أعدل ، بل لو لا عدم ظهور المخالف في الاشتراك مع الانتفاع الذي لم يحصل به سد الخلة لأمكن القول بالقرعة فيه أيضا لأنه هو المكلف به المنفق ، والفرض عدم تمكنه إلا من واحد.

وعلى كل حال فإن أقرع وفضل من الغذاء شي‌ء أقرع بين من عدا الأول الذي اندفعت ضرورته الان منهم بخلاف غيره ، وفي القواعد احتمالها بين الجميع ، باعتبار عدم اندفاع ضرورة من خرجت القرعة له أو لا في بقية يومه ، فيبقى حينئذ استحقاقه معهم ، إلا أنه كما ترى.

والظاهر عدم اعتبار شدة الحاجة لصغر أو غيره في ترجيح أحد المتساوين‌

٣٨٦

في الدرجة وإن احتمله في القواعد ، لكنه لا دليل عليه ، فان أقصى ما يستفاد من آية أولى الأرحام (١) وغيرها تقديم الأقرب فالأقرب ، فلو كان له أب وجد معسران قدم الأب على الجد ، ثم الجد على أبيه وهكذا. نعم يتساوى الأجداد من الأب مع الأجداد من الأم مع التساوي في الدرجة ، لتساوى درجة الأبوين ، وولد الولد وإن نزل مع الجد وإن علا يتشاركان مع التساوي في النسبة إلى المنفق للتساوي في الدرجة وإن لم يرث الجد مع ولد الولد ، والذكور والإناث من الأولاد يتشاركون بالسوية وإن اختلفوا في الميراث ، لانتفاء الدليل هنا على الاختلاف ، كما يحكم بالتشارك بالسوية في الأبوين وفي الأجداد.

بقي شي‌ء ، وهو أن ظاهر الأصحاب وجوب النفقة على القريب مع الشرط ، وهو على إطلاقه مشكل ، إذ قد يمنع في ذات الزوج المعسر مثلا حتى لو كانت اما أو بنتا ، وإلا لكان الواجب لها نفقتين إحداهما دين على زوجها والأخرى على قريبها ، والمفهوم من الأدلة أن لا واجب إلا نفقة واحدة ، نعم لو فرض سقوط خطابه بها بالإعسار كما في نفقة القريب اتجه حينئذ خطاب البعيد بها ، فتأمل جيدا ، والله العالم.

وكيف كان فمما قدمناه سابقا في ترتيب المنفق ظهر لك الوجه في :

المسألة ( الثالثة )

وهي لو كان له أب وجد موسران فنفقته على أبيه دون جده ، ولو كان له ابن وأب موسران كانت نفقته عليهما بالسوية فلاحظ وتأمل ، ولو كان الأقرب مثلا معسرا والأبعد موسرا فدفع النفقة ثم أيسر الأقرب كانت النفقة على الأقرب ، ولكن لا رجوع للأبعد بها عليه ، نعم لو فرض يساره مع وجود عينها بيد المنفق عليه أمكن الرجوع بها ، لأنها إمتاع بيده ، والخطاب قد توجه إلى الأقرب بيساره ، ولو كان له ولدان‌

__________________

(١) سورة الأنفال : ٨ ـ الآية ٧٥.

٣٨٧

ولم يقدر إلا على نفقة أحدهما وله أب موسر قيل وجب على الأب نفقة الأخر ، فإن اختلفا في قدر النفقة وكان مال الأب يسع أحدهما بعينه كالأقل نفقة اختص به ، ووجبت نفقة الأخر على جده ، وإن تساويا في النفقة واتفقا على الشركة أو على أن يختص كل واحد منهما بواحد فذلك ، وإلا رجعا إلى القرعة.

قلت : قد يكون ذلك مؤيدا لما ذكرناه سابقا فيما لو تعدد المنفق الذي حكموا فيه بالاشتراك فيها ، ضرورة أنه يأتي فيه مثل ما هنا من احتمال القرعة ، وإلا كان المتجه فيه الاشتراك وإن كان الموضوع في المسألتين مختلفا فتأمل جيدا ، والله العالم.

المسألة (الرابعة )

إذا دافع بالنفقة الواجبة من خوطب بها متحدا أو متعددا أجبره الحاكم حسبة ، فان لم يكن فعدول المؤمنين ، بل إن لم يكونوا ففساقهم في وجه. فان امتنع حبسه إذا فرض توقف حصولها عليه لخفاء ماله مثلا وإلا ب أن كان له مال ظاهر جاز له أي الحاكم أن يأخذ من ماله ما يصرف في النفقة من غير حاجة إلى اعتبار رضاه ، فإنه وليه والحال هذه ، ولا حاجة إلى حبسه ليباشر الإنفاق ، لكنه لا دليل عليه.

وإن كان له عروض أو عقار أو متاع جاز له بيعه ، لأن النفقة حق كالدين الذي لا ريب في بيع الحاكم ذلك في الوفاء مع فرض امتناعه ، بل هي أعظم منه كما عرفت سابقا ، بل له الأمر بالاستدانة عليه ، بل قد عرفت القول بالاجتزاء بنية الرجوع من المنفق عليه مع تعذر الحاكم خاصة أو مع عدول المسلمين للحرج ، كما قد عرفت أن له صرف المال فيها ولو ببيع ونحوه مع الغيبة فضلا عن الامتناع ، قال في المسالك هنا : « ولو لم يقدر على الوصول إلى الحاكم ففي جواز استقلاله بالاستقراض عليه أو البيع من ماله مع امتناعه أو غيبته وجهان ، أجودهما‌

٣٨٨

الجواز ، لأن ذلك من ضروب المقاصة حيث يقع أخذ القريب في الوقت والزوجة مطلقا » وإن كان قد يناقش بمنع اندراجه في دليل المقاصة في القريب مطلقا وفي الزوجة قبل مضي المدة ، لعدم الملك حينئذ عليه ، على أنه لا دليل على جوازها لغير الحاكم مع الغيبة ونحوه ها مما لا امتناع منه ، ثم إن الاستدانة عليه لا مدخلية لها في المقاصة بوجه ، وإنما تتوقف على ثبوت ولاية للمستدين ، وهي لغير الحاكم ممنوعة كما أشرنا إلى ذلك سابقا ، والله العالم.

واما ( القول )

في نفقة المملوك فلا خلاف في أنه تجب النفقة على ما يملكه الإنسان من رقيق وبهيمة وإن كان لكل منهما أحكام تخصه أما العبد والأمة ف نفقتهما على مولاهما إجماعا بقسميه ونصوصا قال الصادق عليه‌السلام في‌ صحيح ابن الحجاج (١) : « خمسة لا يعطون من الزكاة شيئا : الأب والأم والولد والمرأة والمملوك ، وذلك لأنهم عياله لازمون له » ‌وفي‌ خبر ابن الصلت المروي عن الأمالي عن عدة من أصحابنا (٢) عنه عليه‌السلام أيضا « خمسة لا يعطون من الزكاة : الولد والوالدان والمرأة والمملوك ، لأنه يجبر على النفقة عليهم » والنبوي (٣) « للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف » ‌مضافا إلى قوله تعالى (٤) ( كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ ) إلى غير ذلك من النصوص المعمول عليها بين الأصحاب من غير خلاف يعرف فيه ، بل نفاه بعضهم من علماء الإسلام فضلا عن علماء الايمان ، من غير فرق في المملوك بين‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب المستحقين للزكاة الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب المستحقين للزكاة الحديث ٤ عن العلل.

(٣) سنن البيهقي ج ٨ ص ٦.

(٤) سورة النحل : ١٦ ـ الآية ٧٦.

٣٨٩

الصغير والكبير والصحيح والأعمى والمدبر وأم الولد والمنتفع به وغيره والمرهون والمستأجر والكسوب وغيرهم ، رفع السيد عنه وخلي بينه وبين نفسه أو لا.

نعم في الكسوب عبدا كان أو أمة مولاهما بالخيار في الإنفاق عليهما من خاصة ماله أو من كسبهما الذي هو أحد أمواله أيضا ، ولهذا لو قصر كسبه وجب التمام على السيد ، ولو زاد أخذه له ، ولكن قد‌ روى عنه عليه‌السلام (١) أنه قال : « لا تكلفوا الصغير الكسب ، فإنكم متى كلفتموه سرق ، ولا تكلفوا الأمة غير الصغيرة الكسب ، فإنكم متى كلفتموها الكسب اكتسبت بفرجها ».

وعلى كل حال ف لا تقدير في الشرع لنفقتهما ، بل الواجب قدر الكفاية وسد الخلة من إطعام وإدام وكسوة وغيرها مما عرفته سابقا في النفقات ، ولا يكفى قدر مثله مع فرض عدم سد خلته به وإن احتمله بعضهم ، إلا أن الأقوى خلافه ، وكذا في نفقة القريب.

نعم يرجع في جنس ذلك كله إلى عادة مماليك أمثال السيد من أهل بلده نحو ما سمعته في نفقة الزوجة ، إذ هو المعروف في الخبر المزبور (٢) ، والمنصرف إليه إطلاق الأدلة ، ولعله المراد مما عن المبسوط من أنه غالب قوت البلد وكسوته ، كما تقدم الكلام في نحو ذلك في نفقة الزوجة ، ومنه يعلم الحال فيما هنا ، لكن في المسالك « أنه يراعى حال السيد في اليسار والإعسار والمقام ، فيجب ما يليق بحاله من رفيع الجنس الغالب وخسيسة ، ولا يجوز الاقتصار في الكسوة عن ذلك وإن لم يتأذ بحر ولا برد ، لأن ذلك يعد تحقيرا وإذلالا ـ ثم قال ـ : ولو كان له مماليك لزمه التسوية بينهم مع اتفاقهم في الجنس وان اختلفوا في النفاسة والخسة ».

والجميع كما ترى للنظر فيه مجال ، وذلك لاتحاد الأدلة في جميع النفقات التي قد عرفت انسياق اعتبار حال المنفق عليه لا المنفق ، اللهم إلا أن يمنع ذلك‌

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٨ ص ٩ وفيه « الأمة غير ذات الصنعة ».

(٢) سنن البيهقي ج ٨ ص ٦.

٣٩٠

في خصوص نفقة القريب أو يقال : إنه لا مثل للعبد إلا بالنسبة إلى حال سيده المختلف باليسار والإعسار والمقام ، فتأمل جيدا.

وعلى كل حال فيستحب أن يطعمه مما يأكله ويلبسه مما يلبسه ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) : « إخوانكم حولكم جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل ويلبسه مما يلبس » وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) : « إذا جاء أحدكم خادمه بطعامه وقد كفاه حره وعمله فليقعده فليأكل معه وإلا فليناوله أكلة من طعام » وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣) : « إذا كفى أحدكم خادمه طعامه حره ودخانه فليدعه فليجلسه معه ، فان أبي فليروغ له اللقمة واللقمتين » وفي محكي المبسوط « والترويع أن يرويه من الدسم » وفي المسالك « وليكن ما يناوله من اللقمة كثيرة تسد مسدا ، دون الصغيرة التي تهيج ولا تقضى النهمة » بل فيها عن بعضهم وجوب أحد الأمرين : أي الاجلاس معه أو ترويغ اللقمة ، وأن الأول أفضل ، لكنه كما ترى ، ضرورة ظهور إرادة التواضع ومكارم الأخلاق ورد شهوة من عالج الطعام منهم من الخبرين كما هو واضح ، ولذا جزم في المسالك وغيرها باستحباب إجلاس رقيقه معه وإطعامه ». خصوصا إذا كان هو المعالج وإن كان قد يتوقف في ذلك تنزيلا للخبر المزبور على الخادم الحر لا المملوك الذي مرتبته أقل من ذلك ، وربما نافي السياسة في تأديبه وتعظيم السيد في نفسه ، والأمر سهل.

وكيف كان ف لو امتنع المولى عن الإنفاق مع قدرته عليه ولو بالتكسب من رقيقه أو منه نفسه ـ فان الظاهر وجوبه عليه بنفقته وإن لم نقل له بالنسبة إلى القريب ، لكونه محبوسا عليه ، ومنافعه مملوكة له ، بل في كشف اللثام أن نفقته أقوى من نفقة الزوجة.

__________________

(١) المستدرك الباب ـ ١٣ ـ من كتاب العتق الحديث ٨.

(٢) كنز العمال ج ٥ ص ١٧ الرقم ٣٧٤ وص ١٨ الرقم ٤٠٨ وص ٢٠ الرقم ٤٣٢ بألفاظ مختلفة متقاربة.

(٣) سنن البيهقي ج ٨ ص ٨.

٣٩١

أجبر على بيعه أو غيره مما يزيل حبسه وملكه عنه أو الإنفاق عليه ومع تعذر أحدهما يتعين الثاني كما هو الشأن في كل واجب مخير.

ويستوي في ذلك كله القن والمدبر بل قيل وأم الولد لكونه أقل ضررا من الاحتباس عليه مع فقد النفقة ، بل فيه حفظ النفس من الهلاك لكن قد يناقش بإطلاق دليل المنع ، وعدم انحصار طريق الخلاص في ذلك ، بل قد يقال بالإنفاق عليها من بيت المال المعد لذلك أو من الزكاة أو غير ذلك ، بل لو فرض تعذر ذلك كله وأدى بقاؤها إلى الهلاك وجب على الناس كفاية ، ولعله لذا حكي عن بعضهم الجزم بعدم إجباره على بيعها ، فتأمل وفي القواعد « لو عجز عن الإنفاق على أم الولد أمرت بالتكسب ، فان عجزت أنفق عليها من بيت المال ، ولا يجب عتقها ، ولو كانت الكفاية تحصل بالتزويج وجب ، ولو تعذر الجميع ففي البيع إشكال » وكأنه لما عرفت من أن به حفظا عن الهلاك الذي هو أولى لها من التشبث بالحرية ومن عموم النهي (١) واحتمال كونها كفقراء المؤمنين يلزمهم الإنفاق عليها ، فتأمل.

هذا وفي المسالك « أنه خرج بمن عدد من المماليك المكاتب ، فان نفقته تسقط عن المالك ، وتكون في كسبه ، وكذا لو اشترى مملوكا أو اتهب أو أوصى له حيث جوزناها ولو بأبيه وأمه » وفيه أن ذلك ليس سقوطا عن السيد ، ضرورة كون كسبه من أمواله ، ولذا لو فرض قصوره عنها وجب على السيد الإتمام ، وأما قبول اتهاب الوالد أو الولد أو الوصية بهما فقد صرح الفاضل في القواعد بجوازه ، ولزوم النفقة حينئذ له.

بل في كشف اللثام « وإن لم يأذن المولى ، لأن قبول الهبة والوصية لا يتضمن إتلاف مال ، ووجوب النفقة أمر خارج عن ذلك لازم للقرابة » ولكن لا يخلو من نظر ، ولذا كان المحكي عن المبسوط عدم جواز القبول إن كان ممن يلزمه نفقته ،

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب بيع الحيوان الحديث ١ من كتاب التجارة.

٣٩٢

لأنه يستقر بالإنفاق ، وفيه منع وجوب النفقة عليه بعد فرض عدم قدرته للحجر عليه بالنسبة إلى ذلك ، ويأتي تمام الكلام فيه في محله إنشاء الله فتأمل جيدا ، والله العالم.

ويجوز له أن يخارج المملوك بأن يضرب عليه ضريبة في كل يوم أو مدة يؤديها له ويجعل الفاضل له إذا رضي بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى‌

صحيح عمر بن يزيد (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أراد أن يعتق مملوكا له وقد كان مولاه يأخذ منه ضريبة فرضها عليه في كل سنة ورضي بذلك المولى فأصاب المملوك في تجارته مالا سوى ما كان يعطي مولاه من الضريبة ، قال : فقال : إذا أدى إلى سيده ما كان فرض عليه فما اكتسب بعد الفريضة فهو للمملوك. ثم قال أبو عبد الله عليه‌السلام : أليس قد فرض الله على العباد فرائض فإذا أدوها لم يسألهم عما سواها؟ قلت : فللمملوك أن يتصدق بما اكتسب ويعتق بعد الفريضة التي كان يؤديها إلى سيده ، قال : نعم ، وأجر ذلك له ، قلت : فإن أعتق مملوكا مما كان اكتسب سوى الفريضة لمن يكون ولاء العتق؟ فقال : يذهب فيتولى من أحب ، إذا ضمن جريرته وعقله كان مولاه وورثه ، قلت : أليس قد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الولاء لمن أعتق؟ فقال : هذا سائبة لا يكون ولاؤه لعبد مثله ، قلت : فان ضمن العبد الذي أعتقه جريرته وحدثه يلزمه ذلك ، ويكون مولاه ويرثه؟ فقال : لا يجوز ذلك ، لا يرث عبد حرا ».

ف لا إشكال حينئذ في أصل المخارجة التي يمكن وفاء العمومات بها أيضا ، خصوصا بعد أن كان حكمها من غير خلاف يعرف فيه أنه إن فضل قدر كفايته وكله إليه وإلا كان على المولى التمام وأنه لا يجوز أن يضرب عليه ما يقصر كسبه عنه ، ولا ما لا يفضل معه قدر نفقته إلا إذا قام بها المولى وأنه إن زاد على النفقة والضريبة كان مبرة من السيد إلى عبده ، وأنه كما لا تلزم ابتداء لا تلزم استدامة ، نعم لو قلنا بلزومها ولزوم دوام بذل السيد لتلك الزيادة على وجه لا يجوز‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب بيع الحيوان الحديث ١ من كتاب التجارة.

٣٩٣

له الرجوع بها أو نحو ذلك مما هو خارج عن القواعد اتجه حينئذ الاحتياج إلى دليل خاص ، إلا أني لم أقف على تصريح من الأصحاب بترتب أحكام خاصة عليها وإن كان هو مقتضى الصحيح المزبور.

وكيف كان فليس للعبد إجبار السيد عليها إجماعا ، بل في المسالك « ولا للسيد إجبار العبد على أصح القولين ، لأنه يملك استخدامه المعتاد لا تحصيل ذلك المطلوب منه بالكسب » وفي القواعد « ليس له أن يضرب مخارجة على مملوكه إلا برضاه » بل هو ظاهر اشتراط الرضا في المتن أيضا ، بل هو المحكي عن المبسوط أيضا ، ولكن قد يناقش بأنه مناف لعموم تسلط المولى عليه على وجه له نقل منافعه إلى غيره بالعوض على كره منه ، فالمخارجة مثله أو أولى بعد فرض اعتبار ما سمعت فيها من عدم تكليفه بما يشق عليه.

ولعله لذا كان المحكي عن التحرير جواز الإجبار ، بل هو خيرة الأصبهاني في كشفه أيضا ، بل هو الموافق لما صرحوا به من غير خلاف يعرف فيه بينهم من أن للسيد الاستخدام فيما يقدر عليه المملوك ولا يخرج عن وسعه عادة والملازمة عليه إلا في أوقات اعتيد فيها الاستراحة ، وأما الأفعال الشاقة الشديدة التي لا يمكن المداومة عليها عادة فله الأمر بها إذا قدر عليها في بعض الأوقات وعلى المملوك بذل الوسع في جميع ذلك ، ولا يكلفه الخدمة ليلا ونهارا معا لأنها فوق الوسع ، بل إذا عمل بالنهار أراحه ليلا أو بالعكس ويريحه في الصيف وقت القيلولة ، وبالجملة فالمتبع العادة الغالبة.

وأما نفقة البهائم المملوكة التي منها دود القز والنحل وغيرهما فواجبة بلا خلاف سواء كانت مأكولة اللحم أو لم تكن وسواء انتفع بها أو لا ، قال الصادق عليه‌السلام في خبر السكوني (١) : « للدابة على صاحبها ستة حقوق : لا يحملها فوق طاقتها ، ولا يتخذ ظهرها مجلسا يتحدث عليها ، ويبدأ بعلفها إذا نزل منها ، ولا يشتمها ، ولا يضربها في وجهها ، فإنها تسبح ، ويعرض عليها‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب أحكام الدواب الحديث ٦ من كتاب الحج.

٣٩٤

الماء إذا مر به » ‌وفي‌ خبره الآخر بإسناده (١) قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : للدابة على صاحبها خصال : يبدأ بعلفها إذا نزل ، ويعرض عليها الماء إذا مر به ، ولا يضرب وجهها ، فإنها تسمح بحمد ربها ، ولا يقف على ظهرها إلا في سبيل الله ، ولا يحملها فوق طاقتها ، ولا يكلفها من الشي‌ء إلا ما تطبق » وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) أيضا أنه قال : « اطلعت ليلة أسرى بي على النار فرأيت امرأة تعذب ، فسألت عنها ، فقيل : إنها ربطت هرة ولم تطعمها ولم تسقها ولم تدعها تأكل من حشاش الأرض حتى ماتت فعذبها بذلك ، وقال : واطلعت على الجنة فرأيت امرأة مومسة يعني زانية فسألت عنها ، فقيل : إنها مرت بكلب يلهث من العطش فأرسلت إزارها في بئر فعصرته في حلقه حتى روى فغفر الله لها ».

ولكن لا تقدير لنفقاتهن وإنما الواجب القيام بما تحتاج إليه من أكل وسقى ومكان وجل ونحو ذلك مما يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة.نعم يكفيها في إطعامها تخليتها ترعى من خصب الأرض فإن اجتزأت بالرعي فذلك وإلا علفها ، فان امتنع من الإنفاق عليها ولو بالتخلية للرعي الكافي لها أجبر ه‍ الحاكم على بيعها مثلا أو ذبحها إن كانت تقصد بالذبح للحم أو الإنفاق عليها ، فان تعذر إجباره ناب الحاكم عنه في ذلك على ما يراه ويقتضيه الحال ، فقد يبيع عقاره ونحوه في علفها مثلا إن لم يمكن التوصل إلى ما تعتلف به من ماله ، فان لم يكن له ملك أو كان بيع الدابة أنفع له بيعت عليه كلا أو كل يوم بقدر ما يفي بنفقتها إن أمكن ولم يكن بيع الكل أنفع للمالك ،

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب أحكام الدواب الحديث ١ من كتاب الحج.

(٢) روى الشيخ ( قده ) هذا الخبر بنصه في المبسوط ج ٦ ص ٤٧ كما روى القطعة الأولى منه نقلا بالمعنى في البحار ج ٦٥ ص ٦٤ و ٦٥ وكنزل العمال ج ٨ ص ١٧٣ من الرقم ٣٠٠١ الى ٣٠٠٥ والقطعة الثانية كذلك في البحار ج ٦٥ ص ٦٥ وكنز العمال ج ٣ ص ٢٧٧ الرقم ٤٥٤٨ و ٤٥٤٩.

٣٩٥

وإن أمكن إجارتها بما يفي بعلفها وكانت أنفع له أو جرت ( وبالجملة ) يراعي مصلحته في ذلك لكونه الولي عنه في هذا الحال ، بل قد عرفت سابقا أن للحاكم ذلك بمجرد الامتناع من غير حاجة إلى إجبار المالك على مباشرة ذلك.

وعلى كل حال فما ذكرناه من التخيير مع إمكان ما فرضناه من الأفراد وإلا وجب الممكن ، فلو فرض عدم وقوع التذكية عليها أجبر على الإنفاق أو البيع أو نحوه دون التذكية.

وهل يجبر على الإنفاق خاصة إن امتنع البيع في غير مأكول اللحم مما تقع عليه التذكية للجلد أو عليه أو على التذكية أيضا؟ وجهان بل قولان ، أقواهما الثاني ، لكون التذكية فيها كالتذكية في مأكول اللحم وفي كونها أحد طرق التخلص خلافا للمحكي عن ظاهر المبسوط فالأول خاصة ، ولعله لكونها غير مقصودة بالذبح في أصل الشرع ، إلا أنه كما ترى.

ولو لم يوجد ما ينفق على الحيوان ووجد عند غيره وجب الشراء منه ، فان امتنع من البيع ففي المسالك يجوز غصب العلف منه لإبقائها إذا لم يوجد غيره ، كما يجوز غصبه كذلك لحفظ الإنسان ، ويلزمه المثل أو القيمة ، وفي القواعد « كان له قهره عليه وأخذه منه غصبا إذا لم يجد غيره » وفي كشف اللثام « ولم تشتد حاجته إليه لنفسه أو مملوكه من انسان أو غيره وإن لم يحضره الثمن وأمكنه بيع مملوكه منه أو من غيره ـ إلى أن قال ـ : وكذا يجوز غصب الخيط لجراحته كما يجبر على الطعام لنفسه ، للاشتراك في حرمة الروح ونفي الضرار » ولكنه لا يخلو من نظر وتأمل ، ولعله لذا قال في كشف اللثام بعد ذلك : « والأحوط التوصل إلى الحاكم مع الإمكان ، وأنه إن أمكن البيع باع إن لم يحتج إليه ولو للشرف » قلت : بل قد يقال وإن احتاج إليه.

وكيف كان ف ان كان لها أي البهيمة ولد يرضع وفر عليه من لبنها قدر كفايته لكونه النفقة الواجبة عليه حينئذ فما عن بعض العامة من أنه إنما يجب إبقاء ما يقيم الولد حتى لا يموت واضح الضعف ، نعم له الفاضل بعد ذلك.

٣٩٦

وكذا لو اجتزأ الولد بغيره من رعى أو علف كلا أو بعضا جاز له أخذ اللبن كلا أو بعضا ، ولو كان أخذ اللبن مضرا بالدابة نفسها لقلة العلف لم يجز له أخذه وإن لم يضر ولدها بل يسقيها إياه ، نعم يكره له أو يحرم ترك الحلب مع عدم الإضرار بها وبولدها ، لما فيه من تضييع المال ، ولكن لا يستقصى في الحلب بل يبقى في الضرع شي‌ء لأنها تتأذى بذلك.

بل يستحب له أن يقص أظفاره تحرزا من إيذائها بالقرص ، ولا يكلفها ما لا تطيقه من تثقيل الحمل وإدامة السفر ، ولذا نهي (١) عن ارتداف ثلاثة عليها ، بل وكذا الشاق عليها المنافي للعادة.

وينبغي أيضا أن يبقى للنحل شي‌ء من العسل في الكوزة ، بل في المسالك وغيره « أنه لو احتاجت إليه كوقت الشتاء وجب إبقاء ما يكفيها عادة ، ويستحب أن يبقى أكثر من الكفاية إلا أن يضربها » بل فيها وفي غيرها أيضا « أن ديدان القز إنما تعيش بورق التوت ، فعلى مالكها بكفايتها منه ، وحفظها من التلف ، فان عز الورق ولم يعتن منها باع الحاكم من ماله واشترى لها منه ما يكفيها » قلت : ينبغي التخيير بين ذلك وبين البيع عليه نحو ما سمعته في الامتناع من نفقة الحيوان الذي هو منه ، ولكن إذا جاء وقتها جاز تجفيف جوزها في الشمس وإن أدى ذلك إلى هلاكها تحصيلا للغرض المطلوب منه ، وللسيرة المستمرة عليه في سائر الأعصار والأمصار ، هذا كله في المال ذي الروح.

أما ما لا روح فيه فالظاهر أنه لا خلاف في عدم وجوب عمارة العقار ونحوه بزرع أو غرس أو غيرهما ، بل في القواعد « ولو ملك أرضا لم يكره له ترك زراعتها » لكن في المسالك الجزم بالكراهة إذا أدى إلى الخراب ، بل في كشف اللثام أنه قد يحرم إذا أضر بها الترك للتضييع ، وفيه منع حرمة مثل هذا التضييع بل وكراهته بالخصوص ، نعم لو ملك زرعا أو شجرا أو نحوهما مما يحتاج إلى السقي ففي القواعد‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب أحكام الدواب الحديث ٣ من كتاب الحج.

٣٩٧

« كره له تركه لأنه تضييع ، ولا يجبر على سقيه ، لأنه من تنمية المال ، ولا يجب على الإنسان تملك المال ، فلا يجب تنميته » وفي المسالك « في وجوب سقى الزرع والشجر وحرثه من الإمكان قولان ، أشهرهما العدم » لكن في كشف اللثام في شرح ما سمعته مع القواعد « وفيه أنه إبقاء لما ملكه وصون له من الضياع ، وهو واجب ، نعم يمكن القول بأنه لا يجبر عليه ، لكنه ربما دخل بذلك في السفهاء فيحجر عليه » وفي التحرير « أن ما يتلف بترك العمل فالأقرب إلزامه بالعمل من حيث أنه تضييع للمال ، فلا يقر عليه ».

قلت : قد يقال : إن الأصل والسيرة وعموم تسلط الناس على أموالها (١) يقتضي عدم حرمة مثل هذا الإتلاف للمال المحتاج حفظه إلى معالجة وعمل ، بل لا يعد مثله سفها ، ومن ذلك يعلم ما في قوله أيضا « ويكره أو يحرم ترك عمارة الدار ونحوها حتى تخرب إن لم يكن الخراب أصلح لها ، والقول في الإجبار عليها وعدمه كما مر ، ضرورة اتحاد المدرك في الجميع ، وهو حرمة مثل هذا التضييع للمال ، من غير فرق في الأموال بين العقار والكتب والثياب وغيرها » والتحقيق عدم حرمة ما لا يعد سفها وسرفا منه.

والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا وله الشكر على توفيقه لإتمام كتاب النكاح الذي هو آخر قسم العقود ، والرجاء منه التوفيق لإتمام الباقي الذي منه القسم الثالث في الإيقاعات ، وهي أحد عشر كتابا ، وقد كان ذلك عند العصر تقريبا في يوم الأربعاء : رابع عشر من ربيع الثاني من سنة السابعة والأربعين بعد الألف والمأتين ، وهي السنة التي أدب الله في شوال سابقتها أي السادسة والأربعين أهل بغداد وفي ذي القعدة منها أهل الحلة وأهل النجف وأهل كربلاء وغيرهم بالطاعون العظيم الذي قد من علينا وعلى عيالنا وأطفالنا وبعض متعلقينا بالنجاة منه ، وكم له من نعمة ، فإنه المنان الكريم الرحمن الرحيم. وبهذا والحمد لله انتهت تعاليقنا على الجزء الحادي والثلاثين من كتاب ( جواهر‌

__________________

(١) البحار ج ٢ ص ٢٧٢.

٣٩٨

الكلام ) وقد بذلنا غاية المجهود في تنميقه والتعليق عليه ومقابلته بنسخة الأصل المخطوطة المصححة بقلم المصنف طاب ثراه ، فنشكره تعالى على ما وفقنا لذلك ، ونسأله أن يديم توفيقنا ويزيد من فضله.

كما وأنى في الختام أشكر أخي العلامة الشيخ محمد القوچاني على جهوده المتواصلة حيث كان عونا لي في سرعة الإنجاز وفقه الله تعالى لمراضيه.

وبهذا الجزء تم كتاب النكاح ويتلوه الجزء الثاني والثلاثون في كتاب الطلاق إنشاء الله.

النجف الاشراف

٢٠ ـ ذي القعدة ـ ١٣٩٥

محمود القوچاني

وتم تصحيحه وتهذيبه وترتيبه

في اليوم الثالث من ثاني الربيعين سنة ١٣٩٧

والحمد لله أولا وآخرا وذلك بيد العبد :

السيد إبراهيم الميانجى

عفى عنه وعن والديه‌

٣٩٩

فهرس الجزء ٣١ من كتاب

جواهر الكلام

العنوان

الصفحة

العنوان

الصفحة

النظر الثاني في المهور

٢

فيما لو أمهر المرأة مهرا وشرط أن يعطى أباها منه شيئا معينا

٢٩

المهر الصحيح في نكاح المسلمين

٣

لو أبهم المهر فسد وكان لها مع الدخول مهر المثل

٣٠

فيما لو عقد الذميان على خمر أو خنزير

٨

فما لو أصدق المرأة تعليم سورة

٣٠

في أنه لا تقدير في المهر قلة ولا كثرة

١٣

لو أصدق المرأة ظرفا على أنه خل فبان خمرا

٣٣

في كفاية المشاهدة في المهر

١٨

لو تزوجها على عبد فبان آخر أو مستحقا

٣٥

جوار تزويج امرأتين أو أكثر بمهر واحد

٢٢

لو تزوج المرأة بمهر سرا وبآخر جهرا

٣٧

٤٠٠