جواهر الكلام - ج ٣١

الشيخ محمّد حسن النّجفي

والإزار والقرط والسوار والشاة والبعير ونحو ذلك من الحلي والحلل والأنعام وغيرها أولى بذلك ، لأنه أقل جهالة ، ولاتحاد مدرك الرجوع إليه إذ هو إما انصراف المطلق إلى الفرد الغالب ، وليس هو إلا الوسط بخلاف الأعلى والأدنى ، بل لا يكاد يتحقق الفرد الأقصى منهما ، وإما لأنه الجامع بين الحقين ، بل ظاهر النصوص المزبورة عدم الخصوصية بما فيها ، كما لا يخفى على من تأملها.

وحينئذ فما في جامع المقاصد ـ من طرح هذه الروايات ، للطعن في سندها بل وفي دلالتها ، ضرورة عدم انحصار الوسط ، وشدة اختلاف أفراده بما لا يتسامح فيه ، وتبعه عليه ثاني الشهيدين وغيره ـ واضح الضعف ، إذ هي ـ مع أن ابن أبي عمير في سندها وإرساله مقبول عند الأصحاب ـ منجبرة بما عرفت من الشهرة تحصيلا ونقلا وصريح الإجماع وظاهره ، واختلاف أفراد الوسط بعد أن اجتزأ الشارع بأي فرد منها كالاجتهاد في مقابلة النص ، إذ الوسط كالمطلق بالنسبة إليها ، نحو اجتزائه في الزكاة ، وإن أبيت عن الاجتزاء به كان المتجه الاجتزاء بكل فرد يتحقق به المطلق ، نحو الوصية والنذر ، والتخيير بيد الزوج ، كما أن التخيير فيها بيد الوارث ، واختلاف الأفراد ـ بعد أن كان المهر ليس من الأعواض التي يعتبر فيها العلم ، بقرينة الاكتفاء بالمشاهدة والقبض والشي‌ء من الزبيب ونحوه ، وما يحسن من القرآن والسورة والدار والخادم والبيت ، مع إطلاق تلك النصوص (١) المعتبرة تحديده بما يتراضيان عليه ، وعدم كونه ركنا في العقد ، ولذا لا يبطل ببطلانه ـ غير قادح ، وحديث الغرر (٢) مع أنه من طرق العامة إنما هو النهي عن بيع الغرر أو ما كان كالبيع في اعتبار المعلومية التي لا تكفي فيها المشاهدة ، كالأجرة في الإجارة وحينئذ فيصح جعل المهر « شيئا » ونحوه ، ويتعين على الزوج أقل ما يتمول ، على أنه ليس في شي‌ء من نصوص المقام اعتبار المعلومية فيه ، وإنما ورد (٣) ذلك في‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب المهور.

(٢) سنن البيهقي ج ٥ ص ٣٣٨.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب المتعة.

٢١

المتعة التي اكتفوا فيها بالمشاهدة أيضا يمكن الفرق بينهما بكونه ركنا في عقدها بخلاف نكاح الدوام.

والحاصل أن ما ذكروه ـ من الاكتفاء بالمشاهدة لعدم كونه معاوضة ، واعتبار حكم ثمن البيع في غير المشاهدة ، لأنه مع ذكره في العقد يعتبر فيه ما يعتبر في عوض المعاوضة ، حتى أنه صرح في جامع المقاصد باعتبار أوصاف السلم فيه عدا خصوص الخادم والدار والبيت بناء على العمل بتلك النصوص ، أو حتى هي أيضا بناء على طرحها ـ لا يتم إلا أن يكون إجماعا ، والله العالم بحقيقة الحال.

وكيف كان فلا خلاف أجده كما اعترف به بعضهم في أنه يجوز أن يتزوج امرءتين أو أكثر بعقد واحد ، بل صريح بعض وظاهر آخرين عدم الفرق في ذلك بين اتحاد الزوج وتعدده كما لو قال مثلا : « زوجت فاطمة زيدا وهندا بكرا » فقال وكيلهما : « قد قبلت » والمراد باتحاد العقد اتحاد إيجابه وقبوله أو أحدهما ، فتعدده يكون بتعدد إيجابه وقبوله ، وعلى ذلك يمكن اجتماع البيع والنكاح وغيرهما من العقود بعقد واحد فضلا عن اجتماع المنقطع والدائم بأن يقول : « بعتك العبد وآجرتك الدار وزوجتك فاطمة بكذا » فيقول الرجل مثلا : « قبلت كل ذلك » لإطلاق الأدلة وعمومها من الأمر بالوفاء بالعقود (١) وغيره ، وفرعوا على ذلك جواز ذكر عوض واحد للجميع ، ويكفى معلوميته في هذا العقد وإن جهل التقسيط ، فيصح مهر الامرأتين أو أزيد بشي‌ء واحد ، بل يصح جعله عوضا للنكاح والبيع والإجارة ، وذلك لأن المتيقن من اشتراط المعلومية حصولها في ذلك العقد ، وهو حاصل وإن جهل التقسيط ، نحو ما سمعته في كتاب البيع من جواز بيع المالين لمالكين من متحد أو متعدد بثمن واحد ، ويسقط حينئذ على ما يخص كل واحد بحسب قيمته.

نعم لو فرض تعدد العقد بتعدد إيجابه وقبوله وجب حينئذ معلومية عوضه ، ولا يكفى التقسيط حينئذ ، فلا يجوز مثلا « زوجت فاطمة زيدا وزوجت هندا بكرا‌

__________________

(١) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ١.

٢٢

بمأة » فقال كل منهما : « قبلت » ضرورة تعدد العقد حينئذ ، فلا يكفي معلومية العوض بالنسبة إلى العقدين ، مع احتماله أيضا اكتفاء بالمعلومية في هذه المقابلة وإن تعدد العقد ، لعدم دليل على اعتبار الأزيد ذلك ، كما لو قال : « بعت الدار زيدا وبعت العبد عمرا بمأة » فقال كل منهما : « قبلت » فتشتغل ذمة كل منهما بما يخص المبيع من التقسيط.

هذا ولكن المتجه بناء على ما عرفت فسخ العقد بوجود العيب في إحدى الزوجتين أو أحد الزوجين ، ضرورة اتحاد العقد ، ولا يتصور تبعيضه في الفسخ الطاري عليه ، كما لو باع شيئين وكان أحدهما معيبا ، ويلزم حينئذ رد نكاح الامرأة الصحيحة أو الرجل الصحيح من دون عيب ومع تراضي الزوجين وعدم إرادتهما الفسخ ، بل يتجه حينئذ مع نظم العقود المتحدة بقبول واحد فسخ النكاح منها وغيره بخيار في البيع مثلا ، لكون المفروض اتحاد العقد الذي لا يتبعض بالنسبة إلى ذلك ، ولو سلم إمكان التزام تعدد العقد في هذا الفرض وفرض تعدد الزوجة فلا محيص عن الحكم باتحاده مع تعدد الزوجة واتحاد الزوج ، فإن الإيجاب فيه والقبول كذلك ومقتضاه انفساخ نكاح الصحيحة بفسخه في المعيبة فينافي ما دل على عدم رد المرأة بغير العيوب السابقة (١) كما أنه قد يتوقف من نظم العقود بتعدد إيجابها واتحاد قبولها وعوضها في اندراجها تحت اسم أي عقد ، ومع فرض خروجه عنها ـ لكنه يندرج تحت ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٢) ـ يشكل جريان حكم كل عقد على متعلقة ، ويشكل فسخ النكاح بفسخ البيع وبالعكس.

ومن ذلك ونحوه قد يشك في أصل تعلق عقد النكاح الواحد بالمتعدد وإن لم يظهر فيه خلاف بينهم ، بل قد يفرق بينه وبين البيع في ذلك فضلا عن غيره بإمكان ملاحظة جهة الوحدة في المبيع وإن تعدد على وجه يكون المجموع من حيث كونه كذلك ، ولذا يثبت له خيار تبعض الصفقة بخلافه في النكاح ، فإن جهة الوحدة في‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب العيوب والتدليس.

(٢) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ١.

٢٣

النساء على معنى يكون المجموع من حيث كونه كذلك منكوحا غير صحيح وحينئذ يكون المدار في جواز التعدد وعدمه في العقود على ذلك ، لكنه مناف لكلام الأصحاب الذي يمكن ملاحظة جهة الوحدة الاعتبارية فيه ، أيضا ، كما أنه يمكن اعتبار ملاحظتها في الصحة ، للعمومات التي لا ينافي العمل بها التزام ما سمعته من الأحكام مع فرض اتحاد العقد ، نعم قد يمنع الاتحاد عرفا في بعض الصور المزبورة ، بل كل صورة تعدد فيها الإيجاب والقبول ، ضرورة عدم أولوية إلحاقه بالمتحد باعتبار الاتحاد في أحدهما من إلحاقه بالمتعدد باعتبار التعدد فيهما ، فالأولى حينئذ إلحاق حكم المتحد من جهة والتعدد من أخرى ، فيجري عليه حكم الواحد بالنسبة إلى مقابلة المهر ، فلا يقدح جهالة التقسيط وحكم المتعدد بالنسبة إلى الفسخ ونحوه ، فتأمل جيدا فاني لم أجده محررا ، والله العالم.

وعلى كل حال ففي مفروض المسألة لو جمعهما بمهر واحد كقوله : « بمأة وفرس » ونحو ذلك فهل يكون باطلا وإن لم يبطل به عقد نكاح كما عن بعضهم؟ لأن المهر هنا متعدد في نفسه وإن كان مجتمعا ، وحصة كل واحدة منه غير معلومة حال العقد ، وعلمها بعد ذلك لا يفيد الصحة ، كما لو كان مجهولا وعلم بعد ذلك.

بل قد يمنع صحة البيع للمالكين غير المشتركين بثمن واحد ، كما هو المحكي عن خلاف الشيخ وغيره ، لذلك ولأنه كالعقدين والثمن غير معلوم بالنسبة إلى كل واحد منهما ، بل عنه في المبسوط أيضا إذا اختلفت القيمتان ، ويكون لكل واحدة مهر المثل مع فساد المسمى ، أو أن المهر صحيح كالعقد كما هو مذهب الأكثر للعمومات التي لم يعلم تخصيصها بأزيد من العلم به جملة واحدة في العقد الواحد في البيع ، فضلا عن المهر الذي قد عرفت الحال فيه ، وأنه يحتمل من الجهالة ما لا يحتمله غيره ، لأنه ليس معاوضة محضة ، ويعلم حينئذ حصة كل واحد منهما بعد ذلك ، بل هو الموافق لقوله عليه‌السلام (١) « المهر ما تراضى عليه الزوجان » ‌الصادق‌

__________________

(١) راجع التعليقة (٤) من ص ١٧.

٢٤

على ذلك ، على أن المسمى في مقابلة البضعين من حيث الاجتماع ، ولا يلزم من التقسيط الحكمي التقسيط اللفظي ، وو لعل هذا هو الأقوى.

نعم هل يكون المهر بينهن بالسوية؟ كما عن مبسوط الشيخ ومن تبعه باعتبار عدم كونه عوضا حقيقة ، فيبقى حينئذ على الأصل في الاستحقاق لو قيل لفلان وفلان كذا المقتضى للتسوية إذ لا ترجيح في مقتضى التمليك وقيل : يقسط على مهور أمثالهن فيعطي كل واحدة ما يقتضيه التقسيط نحو البيع وهو مع كونه أشهر من الأول أشبه بأصول المذهب وقواعده ، لظهور إرادة معنى المعاوضة مع ذكر المهر ، ولذا يقع البحث في زيادته ونقصانه تبعا لزيادة قيمة المعوض ونقصانها ، وليس للبضع قيمة إلا مهر المثل ، فيقسط المسمى حينئذ عليه ، نحو تقسيطه في المبيعين لمالكين ، بل في المسالك احتمال تقسيطه كذلك حتى على القول ببطلان المهر ، قال : للفرق بينه وبين المجهول المطلق الذي لا يمكن تقويمه ، فان المتجه فيه مهر المثل ، بخلاف المقام الذي يمكن فيه توزيع المسمى على مهور أمثالهن ، فيكون لكل واحدة منه ما يقتضيه التوزيع ، وحينئذ يتجه مع القول بالصحة وإن كان فيه ما لا يخفى ، ضرورة عدم اعتبار توزيعه بعد فرض فساده ، وعدم عقد ملزم به ، وما ذكره بعد تسليمه يصحح جعله مهرا باعتبار عدم منع جهالته عن التقويم التي هي مدار المنع ، لا توزيعه بعد فرض عدم الالتزام به لفساده ، كما هو واضح.

هذا ولو زوج أمتيه من رجلين على صداق واحد صح النكاح والصداق قولا واحدا كما اعترف به في المسالك ، لأن المستحق هنا واحد ، فهو كما لو باع عبدين بثمن واحد ، ثم قال في المسالك : « ولو كان له بنات ولاخر بنين فزوجهن صفقة واحدة بمهر واحد بأن قال : « زوجت بنتي فلانة من ابنك فلان وفلانة من فلان وهكذا بألف » ففي صحة الصداق كالسابقة وجهان ، وأولى بالبطلان هنا لو قيل به ثم ، لأن تعدد العقد هنا أظهر ، لتعدد من وقع العقد له من الجانبين ».

قلت : قد عرفت التحقيق في ذلك ، وأنه يمكن القول بالصحة مع فرض تعدد‌

٢٥

العقد بتعدد إيجابه وقبوله ، فضلا عما فرضه من المثال المتحد فيه الإيجاب اكتفاء في العلم بالمهر بهذه المقابلة ، وأنه لا دليل على اعتبار الأزيد من هذ المعلومية ، خصوصا لو قلنا بالصحة في البيع لو قال : « بعت زيدا العبد وبعت عمرا الدار بمأة في ذمتيهما » وقال كل واحد منهما أو وكيله « قبلت ».

كما أنه عرفت تحقيق الحال فيما لو تزوجها على خادم غير مشاهدة ولا موصوفة وأنه قيل بل هو المشهور كان لها خادم وسط ، وكذا لو تزوجها على بيت مطلقا استنادا إلى رواية علي بن أبي حمزة (١) أو على دار على رواية ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي الحسن الكاظم عليه‌السلام (٢) بما لا مزيد عليه فلاحظ وتأمل ، والله العالم بحقيقة الحال.

ولو تزوجها على كتاب الله وسنة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يسم مهرا كان مهرها خمس مأة درهم بلا خلاف أجده فيه ، بل هو مجمع عليه مع قصدهما عالمين ، بل ظاهر الأصحاب ذلك مطلقا ، بل في الروضة وغيرها الإجماع عليه ، لإطلاق الأدلة وعمومها المؤيدة لما سمعته سابقا من احتمال المهر من الجهالة ما لا يحتمله غيره ، مضافا إلى‌ خبر أسامة بن حفص (٣) القيم لأبي الحسن موسى عليه‌السلام المعتبر بوجود المجمع على تصحيح ما يصح عنه في سنده ، وبالانجبار بما عرفت قال : « قلت له : رجل يتزوج امرأة ولم يسم لها مهرا وكان في الكلام أتزوجك على كتاب الله وسنة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فمات عنها أو أراد أن يدخل بها ، فما لها من المهر؟ قال : مهر السنة قال : قلت : يقول أهلها : مهور نسائها قال : فقال : هو مهر السنة ، وكلما قلت له شيئا قال : مهر السنة » ‌فلا وجه للإشكال في ذلك بعد ما عرفت بأن تزويجها على الكتاب والسنة أعم من جعل المهر مهر السنة ، كما لا يخفى ، إذ كل نكاح مندوب إليه بل جائز فهو على كتاب الله وسنة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب المهور الحديث ٢.

(٢) راجع التعليقة (٢) من ص ٢٠.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب المهور الحديث ١.

٢٦

ثم على تقدير إرادتهما بذلك كون المهر مهر السنة ففي الاكتفاء بذلك عن ذكر القدر في العقد نظر ، كما لو قال : « زوجتك على المهر الذي تزوج به فلان ».

ثم الزوجان قد يعلمان أن مهر السنة هذا المقدار ، وقد لا يعلمانه ، وقد يعلمه أحدهما دون الأخر ، والحكم بالصحة مطلقا يحتاج إلى سند صالح ، وكثير من المتقدمين كابن الجنيد وابن بابويه وسلار لم يذكروا هذه المسألة ، ضرورة ظهور هذه العبارة في كون المراد على ما أباحه الله من النكاح ودعى إليه وسنه رسوله فيه من المهر وغيره وجرى عليه ، ولما كان ذلك معلوما في الشريعة لم يضر خفاؤه عليهما لعدم الدليل على اعتبار المعلومية في المهر بأزيد من ذلك ، بل إن لم يقم إجماع على فساد المهر لو قال : « مهر فلانة أو أمها » أو غير ذلك مما هو معلوم ومضبوط كان المتجه فيه الصحة أيضا ، لما عرفته في محله ، نعم لو فرض كون المراد بهذه العبارة أنه نكاح غير سفاح ، ولم يقصد المهر لا عموما ولا خصوصا كان الواجب مهر المثل حينئذ ، لعدم ذكر المهر فيه حينئذ ، لكنه خروج عن فرض المسألة الظاهر فيما سمعت ، وحينئذ يكون المهر مذكورا في العقد ، ثابتا به لا بالدخول ، كمهر السنة الثابت للمفوضة في بعض الصور ، ولذا حكم بثبوته مع الموت في الخبر المزبور (١) فتأمل جيدا ، والله العالم.

ولو سمى للمرأة مهرا ولأبيها أو غيره واسطة على عمل مباح أو أجنبي شيئا معينا لزم ما سمى لها بلا خلاف ، بل عن الخلاف الإجماع عليه وسقط ما سمى لأبيها بلا خلاف محقق أيضا ، بل عن الغنية الإجماع عليه ، والأصل في ذلك‌ صحيح الوشاء (٢) عن الرضا عليه‌السلام « لو أن رجلا تزوج امرأة وجعل مهرها عشرين ألفا وجعل لأبيها عشرة آلاف كان المهر جائزا ، والذي جعله لأبيها فاسدا » ‌مضافا إلى معلومية كون المهر كالعوض الذي لا يصح أن يملكه في‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب المهور الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب المهور الحديث ١.

٢٧

عقد المعاوضة غير من له المعوض ، وقد سمعت ما في‌ خبر السكوني (١) من أنها « هي أحق بمهرها » ‌والشرط في العقد إنما يلزم إذا كان لمن له العقد ، وفرض ذلك على وجه يرجع إلى الزوجة ـ حتى أنه ربما كان السبب في رضاها بذلك المهر ـ يخرجه عن مفروض المسألة الذي هو جعل ذلك لأبيها على نحو جعل المهر لها.

ولا ريب في بطلانه بما عرفت ، من غير فرق بين المجعول لأبيها تبرعا محضا أو لأجل وساطة وعمل محلل ، ولا بين كون المجعول مؤثرا في تقليل مهر الزوجة بسبب جعله في العقد وقصدها إلزامه به وعدمه ، كما هو مقتضى الصحيح المزبور على ما اعترف به في المسالك وغيرها ، بل فيها أيضا « ولم يخالف في ذلك أحد من الأصحاب إلا ابن الجنيد ـ قال ـ : ولا يلزم الزوج غير المهر من جعالة لولي أو واسطة ، ولو وفي الزوج بذلك تطوعا كان أحوط ، لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) : « أحق الشروط ما نكحت به الفروج » ‌فان طلقها قبل الدخول عليها لم يكن لها إلا نصف الصداق ، دون غيره ، فان كان قد دفع ذلك يرجع عليها بنصف الصداق ، وكل الجعالة على الواسطة ـ نعم في آخر كلامه قال ـ : قد يشكل الحكم في بعض فروض المسألة كما لو شرطت لأبيها شيئا وكان الشرط باعثا على تقليل المهر ، وظنت لزوم الشرط ، فان الشرط حينئذ يكون كالجزء من العوض الذي هنا هو المهر ، فإذا لم يتم لها الشرط يشكل تعيين ما سمته من المهر خاصة ، كما سبق في نظائره من المعاوضات ، وذلك لا ينافي الرواية ، لأن ما عينته من المهر ثابت على التقديرين ، وانما الكلام في شي‌ء آخر ، ولو لا الرواية الصحيحة لكان القول بفساد المهر ووجوب مهر المثل قويا ، لاشتمال المهر على شرط فاسد ، فيفسده كما يفسد العقد لو كان العوض من لوازمه » وتبعه غيره في هذا الاشكال.

قلت : بل لا صراحة في كلام أبي على في الخلاف بعد ظهور إرادة الندب من‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب المهور الحديث ٢.

(٢) سنن البيهقي ج ٧ ص ٢٤٨ وفيه « أحق الشروط ان يوفى بها ما استحللتم به الفروج ».

٢٨

الاحتياط في كلامه المبنى على عدم إرادة الجعالة الاصطلاحية ، واحتمال وجوبه باعتبار كونه جعلا مصطلحا على عمل محلل ، فيجب حينئذ مع الفعل خروج عن مفروض المسألة الذي هو الوجوب من حيث التسمية في العقد.

ومن ذلك يعلم ما عن المختلف في المسألة من أن الوجه أن نقول : « إن كان قد جعل للواسطة شيئا على فعل مباح وفعله لزمه ، ولم يسقط منه شي‌ء بالطلاق ، لأنه جعالة على عمل محلل مطلوب في نظر العقلاء ، فكان واجبا بالعقد كغيره ، وإن لم يكن على جهة الجعالة بل ذكره في العقد لم يكن عليه شي‌ء ، سواء طلق أو لا » ضرورة خروج الوجوب بالجعالة أو الإجارة أو نحوهما عن مفروض المسألة الذي هو ما عرفت.

كما أنه قد يدفع إشكاله أن زعمها لزوم ذلك الجعل لا يقتضي فسادا في المهر وإن كان ذلك سببا في رضاها به ، ضرورة كون ذلك من الدواعي التي لا تؤثر شيئا ، إذ المهر ليس من العقود ، ولا يؤثر فساده في العقد شيئا ، فالرضا به لزعم شي‌ء آخر لا يقتضي فسادا ، وإن قلنا : إن الشرط الفاسد في عقد يقتضي فساد العقد ، لكن ذلك إنما هو لتعليق رضا التعاوض عليه ، وليس رضا معاوضة هنا كما هو واضح.

بل قد يظهر مما ذكرنا الوجه أيضا في المسألة الثانية وهي لو أمهرها مهرا وشرط أن يعطي أباها منه شيئا معينا فان المشهور كما في المسالك وغيرها على البطلان أيضا ، بل لم يعرف فيه خلاف إلا ما يظهر من المحكي عن أبي علي ، وهو الذي أشار إليه المصنف بقوله قيل : يصح المهر ويلزم الشرط بخلاف الأول نعم في المسالك عن ظاهر الشهيد في شرح الإرشاد الميل وكذلك المحقق الشيخ علي لعموم‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) : « المؤمنون عند شروطهم » والنبوي (٢) « أحق الشروط ما نكحت به الفروج » ‌وفيه ( أولا ) أنه لا صراحة في كلام ابن الجنيد بذلك ،

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المهور الحديث ٤.

(٢) سنن البيهقي ج ٧ ص ٢٤٨ وفيه‌ « أحق الشروط أن يوفى بها ما استحللتم به الفروج ». ‌

٢٩

إذ المحكي عنه أنه قال بعد العبارة السابقة : « فإن كانت المرأة اشترطت رجع عليها بنصف صداقها ونصف ما أخذه من شرطت له ذلك لأن ذلك كله بعض الصداق الذي لم ترض بالنكاح إلا به » وهو صريح في كون الشرط للمرأة ، وليس ذلك الذي حكم الأصحاب بفساده ، حتى عده بعضهم من الشرط المخالف للكتاب والسنة ، وإنما هو جعل الشرط للأجنبي على وجه يكون حق الشرطية نفسها للأجنبي ، لا أن الشرط للمرأة والمشترط له ، وذلك لا ريب في بطلانه ، لما عرفت من عدم صحة الشرط لغير المتعاقدين ، كما لا ريب في صحة الثاني ، ضرورة كونه شرطا للامرأة لها إسقاطه ولها المطالبة به ، وإن كان المشترط لغيرها نحو بيع الشي‌ء مثلا وشرط بناء دار زيد على المشتري ، فان الشرط للبائع نفسه ، وهو الذي ذكره ابن الجنيد ، فلا يكون مخالفا للأصحاب ، كما أن الظاهر عدم خلاف من عرفت في ذلك وإن حكموا بالصحة ، لكن فيما حكم به ابن الجنيد ، بل الظاهر أنه لم يخالف فيه أحد منهم ، وإنما المحكوم ببطلانه الجعل للأب تسمية أو شرطا على الذي ذكرناه ، كما هو ظاهر الصحيح المزبور والفتاوى ، فتأمل جيدا ، فإنه دقيق نافع.

وعلى كل حال فبناء على اعتبار المعلومية لا بد من تعيين المهر بما يرفع الجهالة ، فلو أصدقها تعليم سورة وجب تعيينها رفعا للجهالة ، ضرورة اختلاف أفرادها اختلافا شديدا وحينئذ ف لو أبهم فسد المهر ، وكان لها مع الدخول لا بدونه مهر المثل بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك ، وإن كان قد يشكل أصل الحكم بما سمعت ، بل قد تقدم ما في‌ خبر سهل الساعدي (١) من تزويج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إياه على ما يحسنه من القرآن‌ الذي استدل به في الرياض على اغتفار مثل هذه الجهالة في المهر ، كما أنه قد يشكل ما ذكره غير واحد من وجوب المتعة في الفرض لو طلق قبل الدخول ، بعد صدق التفويض عليه بناء على أنه ذكر المهر في العقد ، اللهم إلا أن يقال إن الفاسد بحكم العدم ، وستسمع إن شاء الله‌

__________________

(١) المستدرك الباب ٢ من أبواب المهور الحديث ٢ وسنن البيهقي ج ٧ ص ٢٤٢.

٣٠

التحقيق فيه.

وهل يجب تعيين الحرف أي القراءة من‌ قوله عليه‌السلام (١) : « نزل القرآن على سبعة أحرف » ‌بناء على أن المراد منه القراءات السبع وإن كان في نصوصنا (٢) نفي ذلك ، وأن المراد أنواع التراكيب من الأمر والنهي والقصص ونحوها؟ قيل والقائل بعض الأصحاب نعم يجب ذلك مع فرض عدم فرد ينصرف إليه الإطلاق ، لشدة اختلافها وتفاوت الأغراض فيها. وقيل والقائل الأكثر كما في كشف اللثام لا يجب للأصل وعدم تعيين النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذلك على سهل (٣) مع أن التعدد كان موجودا في ذلك الزمان واغتفار هذه الجهالة بعد فرض جواز الجميع ، وحينئذ فيلقنها الجائز منها ، سواء كان إحدى السبع أو الملفق منها ، بل في المسالك أن المتواترة لا تنحصر في السبع ، بل ولا في العشر كما حقق في محله وهو أشبه بإطلاق الأدلة وعمومها السالمة عن معارضة اعتبار الأزيد من ذلك ، والاقتصار على المتواتر لانصراف إطلاق التعليم إليه ، ثم إن التخيير إليه ، ضرورة كون الواجب في ذمته أمر كلي موكول إليه كغيره من الدين الكلي.

ولو أمرته بتلقين غيرها أي غير القراءة المعينة لو كانت أو غير القراءة التي اختارها وفاء لما وجب عليه لم يلزمه إجابتها لأن الشرط لم يتناولها كي يجب عليه امتثالها ، كما هو واضح.

وحد التعليم أن تستقل بالتلاوة ، لأنه المفهوم عرفا ، ولا يكفى تتبع نطقه ، ولو نسيت الآية الأولى بعد استقلالها بالتلاوة عقيب تلقين الثانية لم يجب إعادة التعليم ، لأن تعليم السورة لا يمكن إلا بتعليم آية آية ، فإذا كان المفروض‌

__________________

(١) الخصال ص ٣٢٧ ط النجف.

(٢) الكافي ج ٢ ص ٦٣٠.

(٣) المستدرك الباب ـ ٢ ـ من أبواب المهور الحديث ٢ وسنن البيهقي ج ٧ ص ٢٤٢.

٣١

استقلالها بتلاوة الآية الأولى مثلا حصل التعليم بالنسبة إليها ، ولا دليل على وجوب الإعادة ، نعم لا يكفى نحو كلمة وكلمتين ، لأنه لا يعد في العرف تعليما ، بل مذاكرة ، لكن مع ذلك لا يخلو من إشكال ، لأن المفهوم من التعليم هو الاستقلال بالتلاوة ، فتعليم السورة إنما يتحقق باستقلالها بتلاوتها بتمامها ، وللعامة وجه على ما قيل بأنه لا يتحقق التعليم بأقل من ثلاث آيات ، لأنها مقدار أقصر سورة ، وهي أقل مما يقع به الإعجاز.

ولو أصدقها تعليم صنعة لا يحسنها أو تعليم سورة كذلك جاز لأنه ثابت في الذمة سواء أصدقها التعليم مطلقا بنفسه أو بغيره أو التعليم بنفسه ، أما الأول فظاهر ، إذ لا يتوقف تحصيل التعليم على علمه ، نعم إن تعذر الغير ففي وجوب تعلمه ليعلمها إشكال ، من أنه كالتكسب لوفاء الدين ، أو من توقف الواجب عليه ، وهو الوجه ، وأما الثاني فلأنه يكفي القدرة على المهر ، ولا يشترط الفعلية ، وعن المبسوط وجه بالعدم ، وعن القاضي الاحتياط به ، إذ لا يصح إصداق منفعة شي‌ء بعينه وهو لا يقدر عليها ، كاصداق منفعة عبد لا يملكه والفرق ظاهر ، فإن منفعة الغير لا تثبت في الذمة.

نعم لو تعذر عليه التوصل إلى تعليمها بنفسه وغيره ، بل في القواعد أو تعلمت من غيره كان عليه أجرة مثل ذلك التعليم لأنها قيمة المهر حيث تعذر عنه ، بل ظاهر الأصحاب عدم الفرق في ذلك بين أن يكون قد اشترط تعليمها بنفسه فعرضت له ما منعه من ذلك وغيره ، بل لا فرق بين أن يكون منفعة عين مخصوصة وتعذرت وغيرها ، كل ذلك لأدلة وجوب المهر ، وكونه مضمونا على الزوج حتى يوصله إلى الزوجة بالمثل أو القيمة ، وليس الإمهار من قبيل عقد الإجارة الذي ينفسخ بتلف العين المستأجرة ويتعذر وقوع العمل من الأجير المشروط عليه المباشرة ، للأدلة الدالة على ذلك بخلاف ما هنا ، فان عقد النكاح المذكور فيه المهر لا ينفسخ بذلك قطعا ، لما عرفته من عدم كون‌

٣٢

المهر ركنا فيه ، والمهر ليس هو عقدا بنفسه ، وإنما هو واجب بعقد النكاح ، ومضمون على الزوج ضمان يد ، فمتى تعذر انتقل إلى المثل أو القيمة ، وفي الفرض أجرة مثل العمل المتعذر قيمته ، كما هو واضح. وحينئذ فما في جامع المقاصد وكشف اللثام من احتمال وجوب مهر المثل واضح الضعف.

نعم قد يشكل وجوبها فيما لو تعلمت بنفسها مع بذل الزوج التعليم واستناد التقصير إليها بترك التعلم ، وكذا لو أمهرها منفعة عين مخصوصة مدة وقد بذلها لها فلم تستوف منفعتها ، والظاهر سقوط مهرها في الثاني ، أما الأول فقد سمعت ما في القواعد وإطلاق غيرها ، ولعل وجهه ما عرفت لكنه محتاج إلى التأمل.

وعلى كل حال فهل يعتبر في تعليم غيره لها المحرمية الظاهر عدمه مع فرض عدم توقفه على ما يحرم من نظر أو لمس وفرض تجرده عن الريبة والفتنة كما سمعته في محله ، والله العالم.

ولو أصدقها ظرفا مخصوصا على أنه خل مثلا فبان خمرا فلا خلاف في صحة العقد ، بل في جامع المقاصد وغيره هو كذلك قولا واحدا إنما الكلام في المهر ف قيل والقائل الشيخ في المحكي عن مبسوطة وخلافه كان لها قيمة الخمر عند مستحليه لأنها أقرب شي‌ء إليه عند التعذر ، ولأنها عقدا على شخصي باعتبار ماليته ، فمع تعذره لظهور بطلان المعاوضة عليه يصار إلى القيمة.

وفيه أن الخمر غير مقصود أصلا ، ولا وقع عليه التراضي ، فكيف ينتقل إلى قيمته ، واعتبارها فرع صحة العقد على العين ، بل هو غير العقد على الخمر عالمين به الذي قد عرفت البحث فيه أيضا ، فإنهما قد تراضيا على العين ، فلا يمنع الانتقال إلى القيمة لتعذر العين.

ولذا أعرض عنه المصنف وقال ولو قيل : كان لها مثل الخل كان حسنا بل هو المحكي عن ابني الجنيد وإدريس والفاضل في المختلف ، لأنهما عقدا على الخل بهذا القدر وظناه خلا ، فإذا ظهر خمرا لزم مثله ، إذ هو مثلي فات ،

٣٣

فيلزم مثله الذي هو أقرب الأشياء إليه ، ولأن المعقود عليه خل منحصر في هذا الشخص ، فإذا لم يتم الانحصار بقيت الخلية ، بل رضاهما بالجزئي المعين الذي يظنان كونه خلا رضا بالخل الكلي مهرا ، إذ هو مستلزم للجزئي ، فالرضا به مستلزم للرضا به ، فإذا فات الجزئي لعدم صلاحية الملك بقي الكلي الذي هو أحد الأمرين الذي وقع التراضي بهما.

وفيه أن المفروض وقوع العقد على خصوص ما في الظرف لا على خل بهذا القدر ، فالمعقود عليه حينئذ الكلي المقترن بالمشخصات الموجودة ، وهذا يمتنع بقاؤه إذا ارتفعت المشخصات ، والمحكوم بوجوبه هو الكلي في ضمن شخص آخر لم يقع عليه التراضي أصلا ، فإيجابه حينئذ إيجاب لما لم يتراضيا عليه ، وكونه أقرب إلى المعقود عليه لا يستلزم وجوبه ، لأن المهر الذي يجب بالعقد هو ما يتراضيا عليه ، ولا يلزم من التراضي بأحد المثلين التراضي على الأخر.

وما في المسالك ـ من « ان الجزئي الذي وقع عليه التراضي وإن لم يساوه غيره من أفراد الكلي إلا أن الأمر لما دار بين وجوب مهر المثل أو قيمة الخمر أو مثل الخل كان اعتبار المثل أقرب الثلاثة ، لأن العقد على الجزئي المعين اقتضى ثلاثة أشياء : ذلك المعين بالمطابقة ، وإرادة الخل الكلي بالالتزام ، وكون المهر واجبا بالعقد بحيث لا ينفك المرأة من استحقاقه ، حتى لو طلق كان لها نصفه ، أو مات أحدهما فجميعه ، فإذا فات أحد الثلاثة وهو الأول يجب المصير إلى إبقاء الأخيرين بحسب الإمكان ، إذ‌ « لا يسقط الميسور بالمعسور » (١) وعموم « إذا أمرتكم بشي‌ء فأتوا منه ما استطعتم » (٢) ‌وهما لا يوجدان في ضمن وجوب مهر المثل ، لأنه لا يجب إلا بالدخول عند القائل به ، وإمكان وجودهما في ضمن قيمة الخمر قد عرفت فساده ، فلم يبق إلا المثل ، ولا شبهة في أن الرضا بالخل المعين في الظرف يستلزم إرادة‌

__________________

(١) رواه النراقي ( قده ) في عوائده ص ٨٨ عن غوالي اللئالي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام.

(٢) سنن البيهقي ج ٤ ص ٣٢٦.

٣٤

كون الخمر خلا بخلاف القيمة ونحوها » ـ من غرائب الكلام ، فإنه على طوله لا محصل له ، ولا ينطبق على شي‌ء من القواعد الشرعية ، بل هي منافية لها ، فلا ريب في أن الأحسن من ذلك وجوب مهر المثل ، وفاقا للفاضل في أكثر كتبه ، لعدم الرضا بالكلي إلا في ضمن الشخصي المعين المفروض بطلانه بخروجه عن المالية ، فيرجع الأمر إلى ذكر مهر لم يسلم لهما ، فينتقل إلى مهر المثل.

وإشكاله في المسالك ـ بأن مهر المثل ربما كان زائدا عن قيمة الخل كثيرا فلا يكون مقصودا للزوج أصلا أو ناقصا كثيرا فلا يكون مقصودا للزوجة ولا مرضيا به وقد‌

قال عليه‌السلام (١) : « المهر ما تراضي عليه الزوجان » ‌ولا يرد مثله في وجوب مثل الخل ، لأن ذلك أقرب إلى ما تراضيا عليه ، بل ربما لم يخالف ما تراضيا عليه إلا بمشخصات لا دخل لها في المقصود ولا في المالية ، فيلغو عند حصول هذا العارض ـ واضح الفساد ، ضرورة عدم القصد والرضا في وجوب مهر المثل الثابت بالشرع قهرا عليهما ، والأقربية لا دخل لها في إيجاب غير المذكور في العقد ، والكلية التي في ضمن الجزئي بعد فرض وقوع القصد والرضا عليه غير ملاحظة ولا منظور إليها كما هو واضح لا يحتاج إلى بيان.

وكذا الكلام فيما لو تزوجها على عبد فبان حرا أو مستحقا بل الرجوع في مثله إلى مهر المثل أقوى من الأول ، إذ لا مثل للحر كي يدفع عوضه ولا قيمة ، ودفع قيمته بعد تنزيله عبدا لم يقع عليها العقد.

هذا وفي المسالك بعد ما سمعت « هذا كله في المثلي كالخمر أما القيمي كالعبد إذا ظهر حرا فالانتقال إلى قيمته لقيامها مقام المثل في المثلي ، وليس هذا كالقول الثالث ، لأن ذاك يعتبر قيمة العين بالوصف الواقع الذي امتنع صحته عليه بواسطته ، وهنا اعتبرت القيمة باعتبار الوصف المقصود لهما ، وعلى هذا فيسقط القول الثالث في القيمي ، لأن الحر لا قيمة له ، نعم لو ظهر مستحقا كان اعتبار قيمته جاريا على القولين ، وعلى هذا فالقول بالمثل متعذر في القيمي مطلقا ، وبقيمة الواقع‌

__________________

(١) راجع التعليقة (٤) من ص ١٧.

٣٥

في الحر ، فليس فيه إلا القول بقيمته عبدا أو مهر المثل ، فإطلاقهم تشبيه الحكم في مسألة الحر بظرف الخمر لا يأتي على إطلاقه ، بل يحتاج إلى تنقيح » قلت :

هو متأت بناء على وجوب مهر المثل لفساد المسمى ، سواء كان مثليا أو قيميا ، أما على القولين الآخرين فليس إلا القيمة ولو بفرض العبد حرا ، نعم قد يتأتى بناء على ما سمعته منه في توجيه القول الثاني احتمال وجوب عبد عليه بأوصاف الحر الذي وقع عليه العقد ، وإن كان هو كما ترى كأصله.

بقي شي‌ء وهو أن ظاهر العلامة في القواعد الفرق بينما لو ظهر خمرا أو حرا وبينه لو خرج مستحقا ، فحكم في الأولين بمهر المثل وفي الأخير بالمثل أو القيمة ، واحتمل مهر المثل احتمالا ، ولم يظهر لنا وجه الفرق ، ضرورة اقتضاء ما سمعت مهر المثل مطلقا إذ ليس هو من قبيل ما إذا تلف المهر في يد الزوج بعد صحته في العقد كما هو واضح.

وعلى كل حال فلو أمهرها عبدين مثلا فبان أحدهما حرا لم ينحصر الصداق في الأخر كما عند أبي حنيفة لأنها لم ترض به ، بل يجب لها بقدر حصة الحر من مجموع المسمى إذا قوما من مهر المثل بناء على المختار ، إذ هو مقتضى الجمع بين الأدلة وكون المذكور في العقد قائما مقام مهر المثل ، يعنى أنه لولاه لوجب هو بالدخول ، فان فات أجمع ثبت بتمامه ، وإن فات بعضه ثبت فيه بمقدار الفائت على النسبة ، هذا كله على المختار ، وإلا فبناء على وجوب دفع القيمة فيجب دفع قيمة الفائت ، كما هو واضح ، وفي محكي التحرير « هل لها المطالبة بقيمتها ودفع الأخر؟ إشكال » قلت : لا إشكال عندنا بناء على عدم الفساد بتبعيض الصفقة عندنا ، ولا دليل على الخيار ، نعم يحكى عن الشافعية هنا أقوال بناء على الخلاف في تفريق الصفقة ، فإن بطل به بطل هنا ، فلها مهر المثل أو قيمتهما على القولين ، وإن اختارت فإما أن يلزمها الرضا بالباقي خاصة أو ليس عليها ذلك ، بل لها المطالبة بقيمة الأخر أو ما يخصه من مهر المثل ، وقد عرفت أن المتجه الأخير ، اللهم إلا أن يثبت بها خيار في المهر بهذا التبعيض ، فتفسخه حينئذ وترجع إلى مهر المثل ، بل‌

٣٦

لعل المتجه حينئذ ما سمعته من أبي حنيفة من الرضا خاصة أو الفسخ والرجوع إلى مهر المثل ، والله العالم.

وإذا تزوجها بمهر سرا وبآخر جهرا كان لها الأول عندنا ، سواء كان هو الزائد أو الناقص ، بلا خلاف ولا إشكال إذا كان قد أوقع العقد معها بمهر معين سرا ضرورة كون الثاني لغوا فلا يفيد شيئا ، نعم عن بعض العامة الخلاف في ذلك ، ولهم فيه تنزيلات مختلفة لا تنطبق على الأصول والضوابط الشرعية ، وإن كان المراد بذلك الاتفاق على ذكر ألفين مثلا ظاهرا وعلى الاكتفاء بألف باطنا في عقد واحد بأن يتواطئا على إرادة الألف بعبارة الألفين.

ففي المسالك « فيه وجهان مبنيان على أن اللغات هل هي توقيفية أو اصطلاحية؟ وعلى أن الاصطلاح الخاص يؤثر في الاصطلاح العام وبغيره أم لا؟ فعلى الأول يفسخ المهر ، لأن الألف غير ملفوظة ، والألفين غير مقصودة ، ولم تقع عبارة عنا لمباينتها لها ، وينتقل إلى مهر المثل ، وعلى الثاني يحتمل الصحة ، ويكون المهر الألف ، لاصطلاحهما عليه ، وكون الألفين بوقوع العقد عليه باتفاقهما ، والوضع العام لا يتغير ، وهذا الاحتمال يجري أيضا على الأول ، وقطع في المبسوط بوقوع ما يلفظانه ، ولا يلتفت إلى ما اتفقا عليه سرا ، محتجا بأن العقد وقع صحيحا سرا كان أو علانية ، وفيه نظر يعلم مما قررناه ـ إلى أن قال ـ وهذه الصورة لم يتعرض لها من أصحابنا غير الشيخ ، وكانت أحق بالبحث من الأولى لدقة مدركها وخفاء حكمها ».

قلت : عدم تعرض الأصحاب لوضوحها ، ضرورة اعتبار الألفاظ بسبب دلالتها على إرادة اللافظ مدلولها ، فمع فرض العلم بعدم إرادتهما المعنى من اللفظ لا جهة لالتزامهما بمعناه ، ولا مدخلية لتوفيقية اللغات واصطلاحيتها في ذلك ، إذ مع تسليم الأول إنما يكون ذلك على سبيل الغلط في اللغة منهما ، ولا يعتبر فيما عدا صيغة النكاح من مهر وغيره الجريان على القانون العربي ، ولعله إلى ذلك أشار‌ الباقر عليه‌السلام في خبر زرارة (١) في « رجل أسر صداقا وأعلن أكثر منه فقال : هو الذي أسر ،

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب المهور.

٣٧

وكان عليه النكاح ».

وما في كشف اللثام ـ من أن الصواب حمله على أن يعقد سرا وإرادة ذلك من‌ قوله : « وكان عليه النكاح » ‌ـ مناف لظاهرة أو صريحه ، كما أن ما فيه أيضا ـ من أنه لا يبعد القول بفسادهما ، لخلو العقد عن الأول ، وخلو لفظه عن قصد الثاني ـ واضح الضعف أيضا ، لعدم خلو العقد بعد تواطي المتعاقدين على إرادته من اللفظ وإن كان لا يفيده لغة لا حقيقة ولا مجازا.

وأوضح منه فسادا ما سمعته من المبسوط الذي حكي مثله في كشف اللثام عن المهذب من كون اللازم المذكور في العلانية ، لأنه الذي وقع عليه العقد ، ولا يعدل في الألفاظ عن موضوعاتها باصطلاح خاص بين اثنين ، ضرورة أنه لا وجه لالتزامهما بما لم يريداه ولم يتراضيا عليه ، وليس ذا عدولا عما كان بينهما في السر ، إذ هو خلاف المفروض ، وكان عدم تعرض الأصحاب لهذه الصورة لوضوحها وإن قال في المسالك ما سمعت ، لكن قد عرفت وضوح الأمر فيها.

نعم قد يتصور صورة أولى بالنظر منهما ، وهي ما لو تواطئا في السر مثلا على شي‌ء خاص وأظهرا في العلانية غيره مريدين ذكره في العقد قاصدين معناه ، إلا أنهما قد تواطئا على عدم الالتزام به ، ولم يريدا به ما تواطئا عليه في السر على وجه يكون كالاستعمال فيه ، ضرورة إشكال ما تواطئا عليه سرا لعدم ذكره في العقد ولو استعمالا غلطا ، كالإشكال في التزام ما وقع بالعلانية بعد فرض عدم قصدهما معا إلى عدم إيراد الالتزام به بالعقد وإن ذكراه فيه قاصدين معناه لكنه صوري ، مع احتماله أخذا بما وقع فيه وإن لم يقصدا الالتزام به ، لكون العقد ملتزما شرعيا غير متوقف على القصد ، وإن كان الأقوى الأول.

كما أن الأقوى كون مثل هذا العقد مما لم يذكر فيه مهر ، فلا يلزم بما في السر والعلانية إلا إذا أراداه فيه وبنياه عليه على وجه يضمراه فيه بقرينة بينهما ، فتأمل جيدا ، والله العالم.

والمهر مضمون على الزوج حتى يسلمه إلى الزوجة عينا كان أو دينا أو‌

٣٨

منفعة أو عملا بلا خلاف ولا إشكال ، بل لعل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى أصول المذهب وقواعده في الجملة.

إنما الكلام في أنه هل هو ضمان معاوضة لقوله تعالى (١) ( وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) وإطلاق اسم الثمن عليه ، والتعبير بلفظ المعاوضة في نحو « زوجتك بكذا » وجواز من التمكين قبل القبض ، ورده بالعيب كما ستعرف ، ونحو ذلك ، أو ضمان يد كالعارية المضمونة ، والمقبوض بالسوم ونحوهما ، لتسميته نحلة ، وجواز خلو العقد عنه ، وعدم انفساخه بتلفه ، وعدم سقوطه بامتناعها من التمكين إلى الموت ، ونحو ذلك؟ المعروف عندنا الثاني ، بل لم أجد الأول قولا لأحد من أصحابنا ، وإنما هو لبعض العامة ، إذ لو كان ضمان معاوضة لاقتضى تبعيض العقد ، ضرورة عدم انفساخه بتلفه ، الذي هو ليس بأولى من عدمه من أول الأمر ، وإنما ينفسخ بالنسبة إليه خاصة ، وهو تبعيض للعقد من غير دليل شرعي ، فليس هو حينئذ إلا ضمان معاوضة.

ولذا قال الشيخ في المحكي من مبسوطة بعد أن حكى عن العامة الخلاف : « والذي يقتضيه مذهبنا في كل مهر معين إذا تلف فإنه يجب قيمته ، ولا يجب مهر المثل ، وأما المهر إذا كان فاسدا فإنه يوجب مهر المثل بلا شك » وما سمعته منا ومن الفاضل من وجوب مهر المثل فيما لو بان خمرا ونحوه إنما هو إذا بان فساده ، لا ما إذا كان صحيحا ثم تلف ، والبحث السابق في الصحة ولو باعتبار إرادة القيمة أو المثل والفساد ، وقد عرفت أن الأقوى الأخير.

وحينئذ ف في الفرض لو تلف قبل تسليمه بفعل المرأة بري‌ء وكان الإتلاف منها كالقبض ، وإن تلف بفعل أجنبي تخيرت بين الرجوع على الأجنبي أو الزوج وإن كان لو رجعت على الزوج رجع هو به على الأجنبي ، وإن تلف بفعل الزوج أو بغير فعل أحد كان ضامنا له بمثله إن كان مثليا ، وبقيمته إن كان قيميا ، والأقوى اعتبار قيمته وقت تلفه وإن طالبته‌

__________________

(١) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٢٥.

٣٩

به فمنعه لا لعذر كما في نظائره على قول مشهور لنا ، لأنه وقت الانتقال إليها ، وأما القول بضمان أعلى القيم من حين العقد إلى حين التلف أو من حين المطالبة به إن كانت إليه فقد عرفت فساده في نظائره المسألة في محالها ، نعم لو كان نقصان القيمة لنقصان في العين ولو السمن لا لتفاوت السوق ففي احتمال ضمان ذلك الفائت قوة كما ذكرناه في محله ، ويأتي إن شاء الله في الغصب له تتمة.

هذا وفي المسالك « أن القول بالقيمة يوم التلف ليس هو المشهور وإن كان هو المنصور ، بل المشهور خلافه ، وسيأتي في الغصب نقل المصنف عن الأكثر ضمان المغصوب بقيمته يوم الغصب لا يوم التلف ، فناسبه القول هنا بضمان قيمته يوم العقد ، لكن لا قائل به هنا معلوما ، وكيف كان فاعتبار يوم التلف ليس هو القول المشهور ولا محل توقف عند المصنف ، فان اقتصاره على نسبته إلى القول يؤذن بتوقف فيه أو تمريض ، وإنما المراد ما ذكرناه سابقا من حكم ضمان القيمة أو المثل لا مهر المثل فإنه محل البحث والاشكال » قلت : قد عرفت أنه ليس محل بحث ولا إشكال عندنا لما يناسب المصنف التوقف فيه ، وأما القول بالضمان يوم التلف فهو إن لم يكن المشهور فهو قول مشهور لنا ، وقوته ظاهرة كما حرر في محله.

ولو وجدت به عيبا سابقا كان لها رده بالعيب ، والرجوع إلى قيمته بناء على ضمان اليد ، ولها إمساكه بالأرش ، لأن العقد انما وقع على السليم ، فإذا لم تجده كذلك أخذت عوض الفائت ، وهو الأرش ، كذا ذكروه بلا خلاف فيه.

لكن قد يشكل ( أولا ) باقتضاء رده فسخ العقد بالنسبة إليه ، وهو تبعيض محتاج إلى الدليل ، و ( ثانيا ) أن مقتضى ذلك الرجوع إلى مهر المثل ، ضرورة أنه بعد رده يكون العقد خاليا عن المهر ، والرجوع إلى القيمة إنما هو في الواجب بالعقد التالف في يد الزوج ، بل قد يشكل الأرش أيضا وإن ثبت في المبيع بدليل خاص ، مضافا إلى أنه جزء من الثمن مقابل الجزء الفائت من المبيع ، فالمتجه ملاحظته هنا بالنسبة إلى مهر المثل ، نحو ما سمعته سابقا فيما لو أمهرها بعبدين فبان حرية أحدهما ( وبالجملة ) إثبات هذا الحكم الذي هو الخيار بين الرد‌

٤٠