جواهر الكلام - ج ٣١

الشيخ محمّد حسن النّجفي

كما أن المتجه أيضا عدمها للفراق باللعان سواء كانت حائلا أو حاملا وكان اللعان لنفي الولد وفي كشف اللثام « وقلنا بكون النفقة للحمل وإلا ففيه الإشكال » قلت : قد عرفت ضعفه ، نعم في القواعد « لو أنفقت على الولد المنفي باللعان أي ولو متصلا إن قلنا بأن النفقة للحمل ثم كذب نفسه ففي رجوعها بالنفقة إشكال » ولعله من تسببه لحكم الحاكم عليها بالإنفاق ، وكون اللعان شهادة بالاية (١) وقد أوجبت النفقة عليها ، وإذا كذب الشاهد نفسه رجع عليه بما غرم ، لشهادته ونفى الضرر (٢) وهو خيرة المحكي عن المبسوط ، ومن أن نفقة القريب لا تقضى ، وستعرف ما فيه وما في قوله في القواعد أيضا من أن المعتدة عن شبهة إن كانت خلية عن نكاح فلا نفقة لها على الواطئ إلا مع الحمل ، فتثبت النفقة إن قلنا : إنها للحمل.

وعلى كل حال ف هل النفقة للحمل أو لامه؟ قال الشيخ ره في المحكي عن مبسوطة ، وتبعه عليه جماعة ، بل في الحدائق نسبته إلى الأكثر هي للحمل وعن ابن حمزة وجماعة هي للحامل وتظهر الفائدة في مسائل : ( منها ) في الحر إذا تزوج بأمة وشرط عليه مولاها رق الولد وقلنا بصحته ، فإنه لا نفقة عليه إذا أبانها حاملا لأن نفقة الرقيق على مولاه ، بخلاف ما إذا قلنا النفقة للحامل فان المتجه حينئذ وجوبها عليه.

و ( منها ) في العبد إذا تزوج أمة أو حرة وشرط مولاه الانفراد برق الولد من الحرة أو الأمة فأبانها حاملا إذ الولد حينئذ ملك للمولى ، فالنفقة عليه ، بل إن لم يشترط الرقية في ولد الحرة لم تجب النفقة على الزوج أيضا ، لأنه رقيق ولا نفقة عليه للقريب ولا على مولاه ، وهو ظاهر كظهور اشتراك المؤمنين في النفقة مع عدم اشتراط الانفراد بالولد من الأمة ( وبالجملة ) لا نفقة على الزوج الرقيق للحمل حرا كان أم رقا مشتركا أو مختصا ، فذكر المصنف وغيره شرط الانفراد لعله لدفع ما قد يتوهم من أنه مع اشتراطه تكون نفقته عليه من كسبه كنفقة‌

__________________

(١) سورة النور : ٢٤ ـ الآية ٦ الى ٩.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من كتاب احياء الموات.

٣٢١

زوجته ، أما على القول بكون النفقة للحامل فالمتجه حينئذ وجوبها على مولى العبد أو في كسبه على البحث السابق في نفقة زوجته.

و ( منها ) فيما إذا لم ينفق عليها حتى مضت مدة أو مجموع العدة فلا قضاء عليه على الأول ، لأن نفقة الأقارب لا تقضى بخلافه على الثاني ، فإن نفقة الزوجة تقتضي ، لا يقال : إن القضاء للزوجة من حيث كونها كذلك والفرض انتفاؤها ، لأنا نقول : إن المراد وجوبها لها على وجوبها للزوجة ، ولعله لكون النفقة حقا ماليا ، والأصل فيه القضاء.

و ( منها ) فيما لو كانت ناشزا وقت الطلاق أو نشزت بعده ، فان المتجه السقوط على الثاني ، لما عرفت من كون نفقة المطلقة كالزوجة تثبت حيث تثبت ، وتسقط حيث تسقط ، بخلافه على الأول الذي لا مدخلية للنشوز وعدمه ( فيه ظ ).

و ( منها ) فيما لو ارتدت بعد الطلاق ، فلا تسقط على الأول دون الثاني.

و ( منها ) صحة ضمان النفقة الماضية على الثاني دون الأول.

و ( منها ) سقوطها بموت الزوج على الأول دون الثاني ، فإن فيه قولين يأتيان.

و ( منها ) سقوطها بالإبراء بعد طلوع الفجر من نفقة اليوم على الثاني دون الأول.

و ( منها ) استرداد نفقة اليوم لو سلمها إليها إذا خرج الولد ميتا في أوله على الأول دون الثاني مع احتماله أيضا.

و ( منها ) وجوب الفطرة على الثاني ، لأنها من عياله دون الأول ، وربما احتمل الوجوب على القولين ، لكونها منفقا عليها حقيقة عليهما ، إلى غير ذلك من الفوائد التي لا تخفى ، وستسمع بعضها.

إنما الكلام في ترجيح أحد القولين اللذين قد استدل لأولهما بدوران النفقة معه وجودا وعدما ، ولانتفاء الزوجية التي هي أحد أسباب الإنفاق كالملك ، فليس إلا القرابة ، وبوجوبها له منفصلا فكذا متصلا ، وبنص الأصحاب على أنه ينفق عليها من مال الحمل ، ولثانيهما بأنه لو كانت للحمل لوجبت نفقته دون نفقتها ، ولما كانت‌

٣٢٢

نفقته مقدرة بحال الزوج ، لأن نفقة الأقارب غير مقدرة بخلاف نفقة الزوجة ، وبأنه لو كانت للحمل لوجبت على الجد كما لو كان منفصلا ، ولسقطت بيساره بإرث أو وصية قد قبلها وليه ، لكن عن الشيخ الالتزام بالأخيرين ، والجميع كما ترى.

ومن هنا قال في الرياض : « إن استند الجانبان إلى اعتبارات واهية ربما أشكل التمسك بها في إثبات الأحكام الشرعية ، لكن بعضها المتعلق بأنها للحمل قوى معتضد بالشهرة المحكية ، فالمصير إليه لا يخلو عن قوة » قلت :

بل القوة في القول الأخر ، ضرورة ظهور الآية (١) في الأعم من الرجعيات والبائنات ، ولا كلام في أن نفقة الأولى نفقة زوجة ، كما لا إشكال في ظهورها في اتحاد النفقة فيهما ، بل لعل هذا المعني هو المستفاد من النصوص (٢) خصوصا المعبرة بقول : « لها النفقة » الظاهر في ملكيتها لها ، فضلا عن إصافتها إليها ، بل لعل التأمل الصادق يشهد بفساد كثير مما ذكروه من التفريع على القولين ، ضرورة ابتنائه على كونه نفقة للحمل حقيقة حتى أنه أوجبه في كل حمل حتى للحامل من وطء الشبهة ، بل قد سمعت ما ذكروه من يسار الحمل وإعساره وغير ذلك مما هو واضح الفساد.

نعم قد يقال في تصور هذا النزاع بعد الاتفاق منهم جميعا على كون النفقة على الحامل أكلا وكسوة وسكنى ونحو ذلك مما كان يجب للزوجة : إنه لما انعقد الإجماع وتظافرت النصوص (٣) في الإنفاق على الحامل المطلقة المعلوم كون ذلك لأجل الحمل ـ ضرورة انقطاع حكم الزوجية التي هي سبب الإنفاق ـ حصل الشك في أن حكم هذه النفقة حكم نفقة الزوجة ، على معنى أن وجود الحمل يجعلها بحكمها كالرجعية في غيرها ، فيجري حينئذ على نفقتها حكم نفقة الزوجة ، أو أنه بسبب انقطاع الزوجية بينهما وكون الحمل علة في الإنفاق يجعلها بحكم نفقة‌

__________________

(١) سورة الطلاق : ٦٥ ـ الآية ٦.

(٢) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب النفقات.

(٣) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب النفقات.

٣٢٣

القريب ، فيجري عليها حينئذ حكمها ، لا أن المراد كونها نفقة للحمل حقيقة ، وإن توهمه بعضهم ، حتى أنه وجه ذلك باعتبار صيرورتها سببا لتعييش الحمل ، فاطعامها وكسوتها وسكناها مقدمة له ، فإن الإنفاق عليه إنما يكون بالإنفاق على أمه وهو كما ترى من المضحكات ، وإنما المراد ما عرفت من الإنفاق عليها لا عليه ولكن الشك في ذلك باعتبار ما سمعت ، ولا ريب في أن الأقوى كونها بحكم نفقة الزوجة ، لكن لا على حد السقوط بالنشوز والارتداد ونحوهما مما علم كون السبب في إسقاطها فوات التمكين وانقطاع الزوجية المعلوم عدمهما في المقام ، بل على حدها في الكيفية والقضاء وخطاب الزوج بها ونحو ذلك ، كما أن المراد بكونها نفقة للحمل الإنفاق عليها لأجل الحمل ، لا أن المراد نفقته على وجه يلاحظ يساره وإعساره اللذين يمكن منعهما حال كونه حملا كما ستسمعه إنشاء الله تعالى في المتوفى عنها زوجها.

ومن هنا يظهر لك النظر في كثير من الفروع السابقة ، بل وفي كثير من الكلمات التي لا مدرك لها ، خصوصا ما في القواعد ، وخصوصا ما في تعدية الحكم إلى الحمل في الفسخ وفي وطء الشبهة بناء على أن النفقة له وغير ذلك مما لا يخفى فساده ضرورة أن الحمل ممن لا نفقة له أصلا ، ولذا لم يجب في المتوفى عنها زوجها في الأشهر وفي غير ذلك ، فلا ريب في أن النفقة للأم هنا ، ولذا خص المصنف الحكم في المطلقة بعد ذكره المفسوخة ، لكن هل ثبوتها على حد نفقة القرابة باعتبار كونها السبب فيها أو نفقة الزوجية باعتبار كونها امرأته وفي عدته ومشغولة بما تحمل منه؟ وجهان ، ولا يخلو الثاني منهما من قوة كما عرفت ، وإن أبيت لكان المتجه ملاحظتها نفقة مستقلة يثبت لها حكم كل منهما إذا كان موافقا للقواعد العامة ، ضرورة كون المتجه مراعاة الأصول والقواعد في هذه النفقة بعد فرض عدم ظهور دليل يقتضي مساواتها لنفقة الزوجة أو القرابة ، كما هو واضح.

وأوضح منه أنه يلزم بناء على أن النفقة للحمل نفسه حقيقة كما هو مقتضى بعض الكلمات وجوب نفقتين للمطلقة الرجعية الحامل ، بل الزوجة الحامل كذلك‌

٣٢٤

أيضا ، إذ لا فرق في نفقة القريب بين المطلقة وغيرها ، ولا أظن التزامهم به ، هذا كله في المطلقة.

وأما الحكم في الحامل المتوفى عنها زوجها وهي حامل ففيه روايتان أشهر هما رواية وعملا أنه لا نفقة لها بل في الرياض أنه حكى الشهرة المطلقة عليه جماعة ، قال الصادق عليه‌السلام في‌ صحيح الحلبي أو حسنه (١) « في الحبلى المتوفى عنها زوجها أنه لا نفقة لها » وفي حسن الكناني (٢) « في المرأة الحامل المتوفى عنها زوجها هل لها نفقة؟ قال : لا » ‌وفي‌ خبر زرارة (٣) في « المرأة المتوفى عنها زوجها هل لها نفقة؟ قال : لا » وأحدهما عليهما‌السلام في صحيح ابن مسلم (٤) بعد أن سئل عن المتوفى عنها زوجها ، قال : « لا ، ينفق عليها من مالها ».

والرواية الأخرى ينفق عليها من نصيب ولدها وهي‌ قول الصادق عليه‌السلام في خبر الكناني (٥) : « الحبلى المتوفى عنها زوجها ينفق عليها من مال ولدها الذي في بطنها » ‌وربما وصفت بالصحة ، ولكن فيه أن في سندها محمد بن الفضيل ، وهو مشترك بين الثقة والضعيف ، نعم في‌ صحيح ابن مسلم (٦) عن أحدهما عليهما‌السلام « المتوفى عنها زوجها ينفق عليها من ماله » ‌وفي‌ خبر السكوني (٧) عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم‌السلام « نفقة الحامل المتوفى عنها زوجها من جميع المال حتى تضع ».

إلا أن الأول لا ذكر فيه للولد ، بل ولا للحمل ، وتقديره مرجعا للضمير بلا قرينة مخالف للضوابط ، خصوصا مع ظهوره في الزوج ، فيوافق الخبر الثاني في كونه من الشواذ التي لم يعمل بها أحد من الأصحاب ، إذ المحكي عنهم الخلاف من الإسكافي والصدوق وأبي الصلاح وابني البراج وحمزة قالوا بأن النفقة من نصيب‌

__________________

(١) و (٢) و (٣) و (٤) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب النفقات الحديث ١ ـ ٢ ـ ٣ ـ ٦

(٥) و (٧) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب النفقات الحديث ١ ـ ٢

(٦) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب النفقات الحديث ٤.

٣٢٥

الولد ، على أن المحكي في الكافي أنه أورد الصحيح الأول في باب الرجل يطلق امرأته ثم يموت قبل أن تنقضي عدتها ، وهو ظاهر في حمله الخبر على المطلقة قبل الوفاة وإن لم تكن حاملا ، وهو غير ما نحن فيه ، وربما حمل على استحباب ذلك للورثة ، كما أنه حمل خبر السكوني عليه ، أو على نصيب الولد فان له من جميع المال نصيبا ، أو لأن نصيبه بعد لم يتميز لعدم العلم بكونه ذكرا أو أنثى ، أو على التقية أو غير ذلك.

بل لو لا الإجماع لأمكن أن يقال في وجه العمل بالنصوص الثلاثة : إن الحامل المتوفى عنها زوجها لا تسقط نفقتها من جهة شغلها بالحمل ، إلا أنها من مال الحمل مع انفصاله ، لأولويته من غيره من الورثة بذلك ، وإلا فمن الجميع ، ضرورة رجوع المال المعزول إليهم أجمع ، فيصدق حينئذ أن نفقتها من جميع المال ومن مال الزوج ، فليس حينئذ إلا الخبر الأول الذي قد عرفت سنده مع عدم الجابر له.

بل قد يقال : إن الحمل لا يكون له مال حتى يولد حيا كما أوضحناه في محله ، بل عن تمهيد المفيد أنه أنكر ذلك أشد الإنكار ، وقال : إن الجنين وهو جنين لا يعرف له موت ولا حياة ، فلا ميراث له ولا مال ، فكيف ينفق على الحبلى من مال من لا مال له لو لا السهو في الرواية والإدخال فيها؟ وإن كان قد يقال : إن المراد من المال المعزول للولد ، فان خرج حيا حسب عليه وإلا استرد منها في وجه أو يكون تالفا على الجميع في آخر كما سمعته فيما تقدم ، فمن الغريب بعد ذلك دعوى الجمع بين النصوص بحمل الأولى على إرادة لا نفقة لها من مال الميت وإن كان لها نفقة من مال الولد ، إذ هو مع أنه فرع التكافؤ المفقود هنا قطعا من وجوه مناف لما في صحيح ابن مسلم (١) منها المصرح فيه بكون الإنفاق عليها من مالها ، وإن كان هو ليس في خصوص الحامل لكنه مطلق ، اللهم إلا أن يحمل على غير الحامل.

وأغرب منه ما عن المختلف من كون التحقيق بناء المسألة على أن النفقة‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب النفقات الحديث ٦.

٣٢٦

للحمل أو للحامل ، فعلى الأول يتجه الثاني وإلا فالأول ، ووجه بكون مراده بذلك الجمع بين النصوص بحمل الأولى على عدم النفقة لها من غير الولد ، إذ هو مع أن فيه أيضا ما عرفت لا وجه له ، ضرورة كون النزاع هناك في المطلقة باعتبار خطاب الزوج بالنفقة لها إلا أنه لم يعلم كونها نفقة زوج أو قريب ، وهنا لا إشكال في سقوط النفقة عن المتوفى ، فليس حينئذ إلا العمل بالخبر المزبور أو طرحه ، وقد عرفت أن القواعد تقتضي بالثاني لمرجوحيته بالنسبة إلى غيره من وجوه. ولعل حمله على إرادته أنه لو قلنا في تلك المسألة إن النفقة للحامل اتجه السقوط باعتبار موت المنفق ، وإن قلنا إنها للحمل لم تسقط باعتبار أن الحمل له مال فينفق حينئذ منه أولى من ذلك ، وإن كان فيه ما لا يخفى بعد الإحاطة بما ذكرناه في المسألة السابقة.

وأما ما عن بعض المحدثين ـ من الجمع بين النصوص بحمل الثاني منها على ما إذا كانت الأم محتاجة لأنه حينئذ تجب نفقتها عليه والأول على ما إذا لم تكن محتاجة ـ فهو مع أنه فاسد في نفسه مخالف للإجماع لا شاهد عليه فلا محيص حينئذ عن القول الأول ، والله العالم.

وكيف كان ف تثبت النفقة للزوجة مسلمة كانت أو ذمية بلا خلاف ولا إشكال ، لإطلاق الأدلة ، بل أو أمة إذا مكنه السيد منها ليلا ونهارا ، نعم لو لم يمكنه منها إلا ليلا بناء على أن له ذلك كما سمعته سابقا فالذي ذكره غير واحد من الأصحاب أنه لا نفقة حينئذ لها ، لعدم التمكين التام ، لأنها لكونها أمة ليست أهلا للاستقلال في التمكين ، لملك المولى منافعها إلا ما ملكه الزوج منها وهو الاستمتاع ، فلا عبرة إلا بتمكين المولى ، بخلاف ما إذا منع الأب أو غيره الحرة البالغة من زوجها ، فإنه لا عبرة به ، ولا تسقط نفقتها إذا كانت ممكنة ، لأنها مالكة لنفسها ، فهي مستقلة بالتمكين ، ويؤكد ذلك أنه لا نفقة للأمة إلا من مال المولى ، فإذا أراد إسقاطها عن نفسه لزمه التسليم الكامل ، فإذا لم يفعل لزمه النفقة ، بخلاف الحرة ، فربما تنفق على نفسها من مالها ، وجواز منع المولى للأمة نهارا‌

٣٢٧

بناء على بقاء حق الخدمة له لا يستلزم أن يكون التمكين التام بالنسبة إليها هو التمكين ليلا ليلزم به النفقة ، فإن الإجماع منعقد على أنه لا نفقة لها بانتفاء التمكين التام مع تفسيره بالتمكين كل حين في كل مكان.

وقد يقال إنما انعقد الإجماع على سقوط النفقة بالنشوز ، ولا نشوز هنا ، لوجوب طاعة المولى ، كما لا نشوز بالامتناع للحيض ونحوه ، ويدفعه أن الأصل البراءة إلا فيما أجمع فيه على الوجوب ، ولا إجماع هنا ، بخلاف الحائض ونحوها. قلت : قد عرفت فيما تقدم أنه لا دليل على شرطية التمكين على وجه يقتضي أن انتفاءه مطلقا يترتب عليه انتفاء الإنفاق ، ولذا أوجبوه للمريضة والمسافرة في المضيق والصائمة والحائض وغيرهن من ذوات الأعذار ، والمسلم من الإجماع ما ذكره أخيرا من أن انتفاءه على وجه النشوز يقتضي انتفاء الإنفاق ، فالمتجه حينئذ الإنفاق هنا ، ضرورة كونها حينئذ كباقي ذوات العذر في عدم التمكين ، بل ربما كانت أولى منهن باعتبار إقدامه في تزويجه بها على ذلك ، وما ذكره من أن الأصل البراءة فيه ما لا يخفى من وضوح عدم كون المدرك الإجماع على خصوصيات ذوات الأعذار ، وإنما هو ما عرفت مع إطلاق أدلة الإنفاق ، وهو بعينه جار في المقام ، ودعوى إجمال الإطلاقات فلا تعارض أصل البراءة واضحة الفساد ، بل لا يليق وقوعها ممن له أدنى نصيب في الفقه.

وكأن الذي أوقعهم في الشبهة في هذا المقام وغيره من المقامات معلومية مدخلية التمكين في الجملة في الإنفاق ، فظنوا أنه صار بذلك شرطا على وجه يقتضي انتفاء مشروطه بانتفائه كيف ما كان على ما هو القاعدة في الشروط ، وغفلوا عن أن ذلك يتوقف على ملاحظة دليل الشرطية ، فإن كان هو بحث يقتضي ذلك جرى عليه أحكامها وإلا فلا ، وليس في المقام دليل شرطية على الوجه المزبور وإلا لما صح لهم في إيجاب النفقة في ذوات الأعذار شرعا أو عقلا ودعوى أن ذلك للإجماع وغيره من الأدلة الخاصة معلومة البطلان لمن له أدنى فهم ودرية وملاحظة لكلمات الأصحاب ، خصوصا ما وقع لهم من الاستدلال على الإنفاق على ذوات الأعذار‌

٣٢٨

بالعذر ، فليس حينئذ إلا ما ذكرناه ، وبه ينكشف الغبار عن كثير من المقامات ، وربما يأتي لذلك تتمة إنشاء الله.

هذا ولا يخفى أن الحكم في النفقة التي لم تتوقف على التمليك ـ كالإسكان والكسوة على القول بأنها إمتاع ـ واضح ، لأن الأمة أهل للانتفاع المجرد عن الملك وإن توقف على الملك كالمئونة التي تملكها في صبيحة كل يوم ففيما حضرني من نسخة المسالك لكنها غير نقية من السقط والغلط « أنه يشكل الحكم بها للأمة ، إلا أن نقول يملكها بالمولى ، ويتلقى الانتفاع بها غيره عنه ، ويتوقف تصرفها فيها على إذنه ، إذ له إبدالها وإطعامها من غيرها ، ويمكن أن يجعل تزويجها بنفسه مفيدا للاذن لها في تناول المئونة وإن لم تكن مالكة ، عملا بشاهد الحال والعرف ، وهذا حسن ـ ثم قال ـ : وعلى القولين فللأمة أن تطالب بها الزوج ، كما لها أن تطالب السيد ، وإذا أخذت فللسيد الابدال ، لحق الملك ، والحاصل أن له في النفقة حق الملك ، ولها حق التوثق ، ويتفرع عليه أنه ليس للمولى الإبراء من نفقتها ، ولا بيع المأخوذ إلا أن يسلمها بدله ».

وفيه ( أولا ) إمكان منع التوقف على الملكية فيه أيضا ، فيكون حينئذ استحقاقها في الجميع الإنفاق ، و ( ثانيا ) منع عدم جواز الإبراء للسيد بعد فرض كونه المالك ، أقصى ذلك أنه يتعين عليه الإنفاق عليها كما إذا لم تكن ذات زوج ، ودعوى تعلق حق لها بها على نحو تعلق حق الدين بتركة الميت يدفعها أنه لا دليل عليها بعد أن صرفت أدلة الإنفاق المراد منها الملكية إلى السيد ، ضرورة كونها حينئذ كالمهر الذي تستحقه الزوجة بعقد النكاح أشد من استحقاق النفقة ، نعم مقتضى ذلك اختصاص تعلق حق هذه النفقة بالسيد ، وهو مخير بين دفعها إليها وبين غيرها من أمواله ، فإن عصى جبره الحاكم.

ومن ذلك يظهر لك ما في قوله فيها أيضا : « ولو اختلفت الأمة وزوجها في تسليم نفقة اليوم فالقول قولها مع يمينها ، ولا أثر لتصديق السيد الزوج ، مراعاة‌

٣٢٩

لحقها ، وفيها لو اختلفا في النفقة الماضية اتجه ثبوت المدعى بتصديق السيد ، وكذا الخصومة فيها ، لأنها حينئذ كالصداق ، وحقها إنما يتعلق بالحاضر » ونحوه ما في القواعد ، قال : « ولو اختلفا في النفقة الماضية فالغريم السيد ، فان صدق الزوج سقطت ، وإلا حلف وطالب ، أما الحاضرة فالحق فيها لها ، لأنها حق يتعلق بالنكاح ، فيرجع إليها كالإيلاء والعنة » وإن كان ربما أشكل بعدم جواز الحلف على نفى فعل الغير ، لكن قد يدفعه معلومية إرادة ما لو كان الاختلاف في الدفع بعد مضى جملة من الأيام ، فإن الغريم حينئذ السيد ، ولا يجدي تصديق الأمة ولا حلفها ولا نكولها ، لعدم تعلق حق لها به ، إذ هو دين محض للسيد ، ولا إذن للأمة في قبضه ، نعم لو كان الاختلاف بينهما في الدفع فيما مضى يوما فيوما فالخصم حينئذ ليس إلا الأمة ، فإذا صدقته سقطت ، ضرورة كونها مأذونه في قبضها وإن كان المالك السيد ، وإن أنكرت ولا بينة لها حلفت ، وتمحض الحق للسيد ، مع إمكان أن يقال : إنه كذلك أيضا ، ويكون الحلف منه على عدم وصول حقه إليه ولو في يد المأذون أو الوكيل ، فتأمل جيدا ، والله العالم.

وأما الكلام في قدر النفقة فضابطه القيام بما تحتاج المرأة إليه من طعام وإدام وكسوة وإسكان وإخدام وآلة الادهان تبعا لعادة أمثالها من أهل البلد للأصل وإطلاق الأوامر بالإنفاق كتابا (١) وسنة (٢) الذي يرجع في مثله إليها بعد أن لم يكن ثم تقدير شرعي ، على أنه صرح في‌ النصوص (٣) بأن « حق المرأة على الرجل أن يشبع بطنها ويكسو جنبها» ‌نعم في‌ صحيح شهاب بن عبد ربه (٤) قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام؟ « ما حق المرأة على زوجها؟ قال : يسد جوعتها ، ويستر عورتها ، ولا يقبح لها وجها ، فإذا فعل ذلك فقد أدى والله إليها حقها ، قلت : فالدهن ، قال : غبا يوم ويوم لا ، قلت : فاللحم ، قال : في كل ثلاثة أيام مرة ، فيكون في‌

__________________

(١) تقدمت الايات الدالة على ذلك في ص (٣٠٢).

(٢) و (٣) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب النفقات.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب النفقات الحديث ١.

٣٣٠

الشهر عشرة مرات لا أكثر من ذلك ، والصبغ في كل ستة أشهر ، ويكسوها في كل سنة أربعة أثواب : ثوبين للشتاء وثوبين للصيف ، ولا ينبغي أن يفقر بيته من ثلاثة أشياء : دهن الرأس والخل والزيت ، ويقوتهن بالمد ، فإني أقوت به نفسي وعيالي ، وليقدر لكل إنسان منهم قوته ، فان شاء أكله وإن شاء وهبة وإن شاء تصدق به ، ولا تكون فاكهة عامة إلا أطعم منها عياله ، ولا يدع أن يكون للعبد عندهم فضل في الطعام أن ينيلهم من ذلك شيئا لا ينيلهم في سائر الأيام ».

لكن الظاهر حمل ذلك فيه على ضرب من الندب أو على العادة في البعض أو غير ذلك ، وإلا فالواجب ما عرفت ، وقد تعرض بعض الأصحاب إلى بيان المعتاد من ذلك ، فأوجبوا فيها أمورا ثمانية : الأول الإطعام ، وإنما يجب منه سد الخلة أي حاجتها بحسب حالها ، بل في كشف اللثام « لعله يدخل في ذلك اختلافها شرافة ورضاعة ».

وفي تقدير ه‍ أي الإطعام خلاف فمنهم من قدره بمد للرفيعة والوضيعة من الموسر والمعسر ، وهو الشيخ في المحكي من خلافه محتجا بإجماع الفرقة وأخبارهم التي لم نعثر منها إلا على صحيح شهاب المتقدم الذي قد عرفت حمله على الفضل ، وما ورد (١) من تقديره في الكفارة التي لا يقاس ما نحن فيه عليها ، ومنهم هو أيضا في المحكي من مبسوطة ، فقدرة بذلك للمعسر وبمدين للموسر ومد ونصف للمتوسط ، كما عن الشافعي ، ولم نعثر له على دليل معتد به ومنهم من لم يقدر ه‍ بشي‌ء من ذلك واقتصر على سد الخلة ، وهو مع أنه أشهر بيننا ، بل المشهور شهرة عظيمة أشبه بأصول المذهب وقواعده.

وأما جنسه فقد قيل : إن المعتبر فيه غالب قوة البلد ، كالبر في العراق وخراسان ، والأرز في طبرستان ، والتمر في الحجاز ، والذرة في اليمن ، لأن شأن كل مطلق حمله على المعتاد ، ولأنه من المعاشرة بالمعروف ، وإن اختلف الغالب باختلاف الناس اعتبر حالها ، وفي محكي المبسوط « ويعتبر بغالب قوت أهل البلد ، وينظر إلى غالب قوته » ‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الكفارات من كتاب الإيلاء والكفارات.

٣٣١

فأوجب عليه كالإطعام في الكفارات ، ويحتمل أن يكون أراد به ما ذكره بعضهم من أنه إن لم يكن القوت الغالب أي لم يقدر عليه الزوج إما لعدمه أو عدم الوصول إليه فما يليق بالزوج ، لأنه لا تكلف نفسا إلا وسعها ، ولقوله تعالى (١) ( وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمّا آتاهُ اللهُ ) وفي المسالك « أنها ترجع فيما تحتاج إليه من طعام وجنسه من البر والشعير والتمر والزبيب والذرة وغيرها والإدام والسمن والزيت والشيرج واللحم واللبن ، والكسوة من القميص والسراويل والمقنعة والجبة وغيرها ، وجنسها من الحرير والقطن والكتان ، والإسكان في دار أو بيت لائقين ، والإخدام إذا كانت من أهله من ذوي الحشمة والمناصب المرتفعة ، وآلة الادهان التي تدهن به شعرها أو ترجله من زيت أو شيرج مطلق أو مطيب بالورد أو البنفسج أو غيرهما مما يعتاد لأمثالها والمشط ، وما يغسل به الرأس من السدر والطين والصابون على حسب عادة البلد ونحو ذلك مما يحتاج إليه في عادة أمثالها من أهل بلدها ، وإن اختلفت العادة ترجع إلى الأغلب ، ومع التساوي فما يليق منه بحاله ».

قلت : لعل ما في المسالك من الرجوع إلى عادة الأمثال من أهل البلد أولى من جعل المدار على القوت الغالب في الفطر أو البلد ، ضرورة انسياق الأول من إضافة ( رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ ) (٢) و « ستر عورتها وسد جوعتها » (٣) وكذا ما ذكره من الرجوع إلى الأغلب مع الاختلاف ، فإنه الأقرب إلى الإضافة المزبورة وإلى حمل الإطلاق ، نعم ما ذكره من الرجوع إلى ما يليق بحال الزوج مع التساوي لا يخلو من نظر ، فان المتجه في الفرض التخيير بين افراد ما يليق بها ، إذ هو الفرد القريب إلى الإضافة المزبورة وإلى المعاشرة بالمعروف ، كما أن ما ذكره غيره من أنه إن لم يقدر الزوج على القوت الغالب إما لعدمه أو عدم الوصول إليه فما يليق بالزوج كذلك أيضا ، لاحتمال‌

__________________

(١) سورة الطلاق : ٦٥ الآية ٧.

(٢) سورة البقرة : ٢ الآية ٢٣٣.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب النفقات الحديث ١ وفيه « يسد جوعتها ويستر عورتها ».

٣٣٢

احتساب ذلك عليه دينا خصوصا في الأخير ، ولو أخذ بإطلاق الآية (١) لكان المتجه اعتبار حال الزوج بالنظر إلى إعساره وإيساره وإن كان القوت الغالب موجودا ، ولعل الخصم لا يلتزم به.

اللهم إلا أن يقال : إن المراد عدم الشي‌ء في نفسه أو حصول المانع إليه من خوف عام أو نحو ذلك مما هو من عوارض النفقات في العرف والعادة أيضا لا من عوارض المنفق ، فإنه حينئذ قد يقال : العشرة بالمعروف هو المقدور ، بل يكون هو قوت الأمثال في هذا الحال ، فتأمل جيدا.

قال في كنز العرفان : « قال المعاصر في هذه الآية (٢) دلالة على أن المعتبر في النفقة حال الزوج لا الزوجة ، ولذلك أكده بقوله تعالى (٣) ( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاّ ما آتاها ) » إذ لو كان المعتبر حال الزوجة لا حال الزوج لأدى ذلك في بعض الأوقات إلى تكليف ما لا يطاق ، بأن تكون ذات شرف والزوج معسر ، وعندي فيه نظر أما ( أولا ) فلفتوى الأصحاب أنه يجب القيام بما تحتاج إليه المرأة من طعام وإدام وكسوة وإسكان تبعا لعادة أمثالها. و ( ثانيا ) فلأن قوله تعالى ( لا يُكَلِّفُ اللهُ ) إلى آخره قابل للتقييد ، أي في حال التي قدر فيها الرزق ، وحينئذ جاز أن يكون الواجب عليه ما هو عادة أمثالها ، فيؤدي ما قدر عليه الان ، ويبقى الباقي دين عليه ، فلذلك اتبع الكلام بقوله تعالى (٤) ( سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً ) ».

قلت : هو صريح فيما قلناه ، بل ظاهره الإجماع على ذلك ، على أنه يمكن تنزيل الآية على نفقة غير الزوجة التي يسقط بالإعسار ها هنا ما يعسر عليه حتى بالكسب بناء على وجوبه لنفقة القريب ، والله العالم.

وعلى كل حال فالثاني الإدام ، والبحث فيه جنسا وقدرا كالإطعام ، لاتحاد المدرك في الجميع ، لكن عن المبسوط أن عليه في الأسبوع اللحم مرة ، لأنه هو العرف ، ويكون يوم الجمعة لأنه عرف عام ، وعن أبي علي أن على المتوسط أن يطعمها اللحم في كل ثلاثة أيام مرة ، والأولى منه الرجوع فيه إلى العرف في أمثال الامرأة ويمكن إرادة الجميع‌

__________________

(١) و (٢) و (٣) و (٤) سورة الطلاق : ٦٥ الآية ٧.

٣٣٣

ذلك ، فلا يكون خلافا ، كما أنك قد عرفت المراد في صحيح الشهاب (١) السابق : بل هو المرجع في جنسه أيضا ، وكونه من الضأن وغيره وفي قدره وإن حكي عن بعضهم أنه رطل ، وعن آخر الزيادة عليه بيسير ، وحينئذ لو كان عادة أمثالها دوام أكل اللحم وجب ، لأنه هو المعاشرة بالمعروف في رزقهن ، بل في كشف اللثام « وكذا لو اعتادته هي مع التضرر بتركه وإن لم يكن الضرر إلا بمخالفة العادة » وإن كان لا يخلو من نظر ، كما أنه لا يخلو وجوب التنباك والترياق والقهوة لها إذا كان عادة لأمثالها أولها خاصة ولو مع التضرر بتركه ، من نظر أيضا نعم لو تبرمت بجنس من الإدام كان عليه الابدال مع فرض تعدده ، لأنه هو حينئذ المعاشرة بالمعروف ، بل لو كان عادة أمثالها أكل الشي‌ء العزيز من القند والمربيات ونحو ذلك وجب ، بل لو كان عادتها هي على وجه تتضرر بتركه أمكن وجوبه وإن كان ذلك كله لا يخلو من بحث أيضا.

وكيف كان فلها أن تأخذ الإدام والطعام وإن لم تأكل ، لما تعرف إنشاء الله من أنها تملكهما بالأخذ فلها التصرف بهما كيف شاءت ، وقد سمعت ما في صحيح شهاب (٢) السابق.

الثالث الكسوة ، والمرجع فيها وفي جنسها وفي قدرها إلى العادة أيضا وإن ذكر بعض أصحابنا أنه يجب منها أربع قطع : قميص وسراويل ومقنعة ونعل أو شمشك ، ويزيد في الشتاء الجبة ، بل ستسمع نحو ذلك من المصنف ، لكن مراد الجميع ملاحظة العادة في ذلك وفي الجنس أيضا ، فلو كان عادة الأمثال القطن أو الكتان وجب ، وكذا الخز والإبريسم ونحوهما دائما أو في وقت ، بل لو كانت من ذوي التجمل وجب لها زيادة على ثياب البدن الثياب له على حسب أمثالها ، فالضابط حينئذ ما عرفت ، وعليه يحمل ما في صحيح شهاب (٣) السابق ، كما أن ما عن كتب العامة من تعديد أشياء بخصوصها محمول عليه أيضا ، ولعل عدم التعرض لضبط ذلك أولى ، ضرورة شدة الاختلاف في الكم والكيف والجنس بالنسبة إلى ذلك‌

__________________

(١) و (٢) و (٣) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب النفقات الحديث ١.

٣٣٤

وخصوصا في البلدان.

الرابع الفراش الداخل في عموم الإنفاق والمعاشرة بالمعروف ، بل في كشف اللثام « يدخل بعضه في الكسوة » كما أن في القواعد « يجب لها حصير في السيف والشتاء ، فان كانت متجملة بالزينة والبساط وجب لها ذلك ليلا ونهارا ، ويجب لها ملحفة ولحاف في الشتاء ، ومضربة ومخدة ، ويرجع في جنس ذلك إلى عادة أمثالها في البلد » وفي محكي المبسوط « فأما الفراش والوسادة واللحاف وما ينام فيه قال قوم : يجعل لها فراش ووسادة من غليظ البصري ولحاف منه ، وقال قوم : الفراش الذي يجلس عليه نهارا هو الذي ينام عليه ليلا مثل لبد أوزولية ، فأما مضربة محشوة فلا ، لأن العرف هذا ، والأول أقوى ، لأنه العرف والعادة ، ويكون لها لحاف محشو وقطيفة ، فأما خادمتها فلها وسادة وكساء تتغطى به دون الفراش ، هذا في امرأة المؤسر ، وأما امرأة المعسر فدون هذا ، ويعطيها كساء تتغطى به ، ولخادمتها عبادة أو كساء غليظ تنام فيه أو فروة » قلت : لا يخفى عليك أن إحالة ذلك كله إلى العادة في القدر والجنس والوصف ونحو ذلك أولى ، بل هو المتعين ، ضرورة عدم دليل على الخصوصيات.

الخامس آلة الطبخ والشرب ، مثل كوز وجرة وقدر ومغرفة إما من خشب أو حجر أو خزف أو صفر بحسب عادة أمثالها.

السادس آلة التنظيف ، وهي المشط والدهن ، ولا يجب الكحل والطيب ، ويجب المزيل للصنان ، وله منعها من أكل البصل والثوم وكل ذي رائحة كريهة ، ومن تناول السم والأطعمة الممرضة ، ولا تستحق عليه الدواء للمرض ، ولا أجرة الحجامة ولا الحمام إلا مع البرد ، وعن المبسوط « أنه شبه الفقهاء الزوج بالمكتري والزوجة بالمكري دارا ، فما كان من تنظيف كالرش والكنس وتنقية الابار والخلاء فعلى المكتري لأنه يراد للتنظيف ، وما كان من حفظ البنية كبناء الحائط وتغيير جذع انكسر فعلى المكري ، لأنه الأصل ، وكذلك الزوج ما يحتاج إليه للنظافة وترجيل الشعر فعليه ، وما كان من الأشياء التي تراد لحفظ الأصل والبنية كالقصد‌

٣٣٥

والحجامة فعليها ، وإنما يختلفان في شي‌ء واحد ، وهو أن ما يحفظ البنية على الدوام وهو الإطعام فعليه دونها ، ففي هذا يفترقان وفي ما عداه يتفقان » وفيه ما لا يخفى.

السابع السكنى ، وعليه أن يسكنها دارا يليق بها ، إما بعارية أو إجارة أو ملك : الثامن نفقة الخادمة إن كانت من أهل الإخدام لشرف أو حاجة ، والمرجع فيه العرف ، فان كانت من أهل بيت كبير ولها شرف وثروة لا تخدم بنفسها فعليه إخدامها وإن تواضعت في الخدمة بنفسها ، وكذا إن كانت مريضة تحتاج إلى الإخدام لزم وإن لم تكن شريفة ، بل لو كانت الزوجة أمة تستحق الإخدام لجمالها لزم ذلك لها ، لقضاء العادة.

والمرجع في نفقة الخادمة جنسا وقدرا وغير ذلك العادة لأمثالها من الخدام أيضا ، وما عن بعض العامة من التقدير للموسر بمد وثلث وللمعسر بمد لا عبرة به عندنا ، وكذا الخلاف في أن الإدام دون إدام الزوجة أو مثله.

وقد أشار المصنف إلى أكثرها حتى آلة التنظيف المرادة من قوله : « آلة الادهان » بمعنى ما تدهن به شعرها وترجله وغيره ، كما سمعته من المسالك ، وحتى فراش النوم المشار إليه فيما يأتي بقوله « ولا بد » وحتى نفقة خادمها المشار إليها بقوله : « فالزوج بالخيار » نعم ليس في كلامه إشارة إلى آلة الطبخ والشرب ، ويمكن اكتفاؤه عن ذلك بالإطعام الذي هذه الأمور من مقدماته.

لكن لا يخفى عليك ما في هذه الكلمات من التشويش والاضطراب ، ولو أحالوا ذلك إلى العادة لكان أحسن ، وكأنهم تبعوا بذلك ما في كتب العامة من التعرض لأمثال هذه الأمور التي تستعملها قضاتهم لتناول العشر منها أو غير ذلك من المقاصد الفاسدة ، ضرورة أنه إن كان المدار في الإنفاق بذل جميع ما تحتاج إليه المرأة لم يكن لاستثناء الدواء والطيب والكحل وأجرة الحمام والفصد وجه ، وإن كان المدار على خصوص الكسوة والإطعام والمسكن لم يكن لعد الفراش والإخدام وخصوصا‌

٣٣٦

ما كان منه للمرض وغير ذلك مما سمعته في الواجب منها وجه ، وإن جعل المدرك فيه المعاشرة بالمعروف وإطلاق الإنفاق كان المتجه وجوب الجميع ، بل وغير ما ذكروه من أمور أخر لا حصر لها ، فالمتجه إحالة جميع ذلك إلى العادة في إنفاق الأزواج على الزوجات من حيث الزوجية لا من حيث شدة حب ونحوه ، من غير فرق بين ما ذكروه من ذلك وما لم يذكروه ، مع مراعاة حال الامرأة والمكان والزمان ونحو ذلك ، ومع التنازع فما يقدره الحاكم من ذلك لقطع الخصومة ، وإلا فليس على ما سمعته منهم إثباتا ونفيا دليل معتد به بالخصوص.

ومنه ما ذكره المصنف وغيره من أنه يرجع في الإخدام إلى عادتها ، فان كانت من ذوي الأخدام وجب للعشرة بالمعروف ، وإلا خدمت نفسها من غير فرق في ذلك بين إعسار الزوج وإيساره ، نعم الاعتبار بحال الامرأة في بيت أبيها دون أن ترتفع بالانتقال إلى بيت زوجها.

وأنه إذا وجبت الخدمة فالزوج بالخيار بين الإنفاق على خادمها إن كان لها خادم فيكون ذلك منه عوض الخدمة حينئذ وبين ابتياع خادم لها أو استيجارها حرة أو أمة أو استعارتها أو مملوكة له يأمرها بالخدمة أو الخدمة لها بنفسه وعن بعض العامة والخاصة بل ظاهر المسالك اختياره تقييد الأخير بما لا يستحيى منه ، كغسل الثوب وكنس البيت وطبخ الطعام ، أما ما يستحيي منه كالذي يرجع إلى خدمة نفسها من صب الماء على يدها وحمله إلى الخلاء وغسل خرقة الحيض فلها الامتناع من خدمته ، لما فيه من المشقة عليها المنافية للعشرة بالمعروف ، بل عن بعضهم أن لها الامتناع من قبول خدمته مطلقا ، لما فيه من الحياء والتعيير ، وعلى كل حال فالخيار في أفراد الخدمة له ، لأنه هو المكلف بها.

وليس لها التخيير فحينئذ لو اختارت خادما واختار الزوج غيره قدم اختياره ، وكذا اختار الخدمة بنفسه ، لكن عن الفاضل احتمال تقديم اختيارها لجواز كون ما تختاره أقوم بخدمتها ، ولاحتشامها الزوج عن الخدمة ، بل له إبدال‌

٣٣٧

خادمتها المألوفة لريبة أو غيرها ، لما عرفت من أن له الاختيار ابتداء فكذا استدامة ، واحتمال بعضهم عدمه لغير الريبة ، لعسر قطع المألوف ، قيل : وللعامة قول بعدم الإبدال مطلقا.

وأنه لا يلزمه أكثر من خادم واحد ولو كانت من ذوي الحشم ومن أجل الناس لأن الاكتفاء يحصل بها خلافا لما عن بعض العامة ، فأوجب خادما خارج الدار وآخر للداخل ، وعن آخر أنه أوجب لمن كانت شريفة زفت إليه مع جواز كثيرة الإنفاق على الجميع ، بل عن بعض الأصحاب احتماله ، لكونه من المعاشرة بالمعروف ، بل في المسالك احتمال اعتبار عادتها في بيت أبيها ، فإن كانت ممن تخدم بخادمين أو أكثر وجب ، لأنه من المعاشرة وإنه لو أرادت استخدام ثانية وثالثة من مالها فللزوج أن لا يرضى بدخولهن داره ، وكذا لو حملت أكثر من واحدة فله الاقتصار على واحدة وإخراج الباقيات من داره ، كما أن له تكليفها بإخراج مالها من داره ، ومنع أبويها وولدها من غيره أو غيرهم عن الدخول إليها في داره ، ومنعها من الخروج إليهم للزيارة وغيرها كما في صحيح ابن سنان (١) السابق.

وأن من لا عادة لها بالإخدام يخدمها مع المرض أو يمرضها نظرا إلى العرف ولا ينحصر هنا في واحد ، بل بحسب الحاجة.

إلى غير ذلك من كلماتهم المشتملة على التعليل الذي هو أعم من المدعي ، بل مع قطع النظر عما ذكرناه لا يخلو أصل وجوب الإخدام الذي لا تعلق له في الإنفاق من نظر ، ضرورة حصر الأدلة حقها في ستر العورة وسد الجوعة وإسكانها ( والإسكان خ ل ) فلا يجب حينئذ غير هذه الثلاثة ، وعلى تقديره من إطلاق الإنفاق والعشرة بالمعروف ونحوها فلا ينبغي عدم الالتفات هنا إلى ما تقتضيه عادة أمثالها في القدر والجنس أيضا ، ضرورة عدم الفرق بينه وبين غيره مما ادعى انصراف إطلاق الأدلة بل لا ينبغي إخراج الدواء وأجرة الحمام والفصد والحجامة ونحو ذلك ، إذ لا فرق بينها وبين الخادم لها عند المرض وبين غيرها مما أوجبوه للمعاشرة بالمعروف‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٩١ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ١.

٣٣٨

وإطلاق الإنفاق وكون الامرأة عيالا عرفا ، بل هو المراد من قوله تعالى (١) : ( ذلِكَ أَدْنى أَلاّ تَعُولُوا ) وعيال الرجل ثقله وكل عليه فالمناسب حينئذ جعل المدار ما أشرنا إليه سابقا مما يعتاد إنفاقه على الزوجات من حيث الزوجية ، ملاحظا فيه حد الوسط الذي هو المراد من المعروف ، لا الإسراف الذي يقع من المبذرين ، ولا التقتير الذي يقع من الباخلين ، ومع التنازع والتشاح ما يقدره الحاكم في قطع الخصومة ملاحظا الميزان المعلوم.

وكيف كان فقد عرفت فيما تقدم أنه يرجع في جنس المأدوم والملبوس لها ولخادمها إلى عادة أمثالها وأمثال خادم مثلها من أهل البلد ، وكذا في المسكن وإن كان لا يعتبر فيه تمليكها إياه ، لكونه إمتاعا فيكفي المستعار والمستأجر اتفاقا ، بل نص بعض الأصحاب على أنها لو كانت (٢) من أهل البادية لم يكلف الإسكان في بيت مدر وإن كانت من أهل الحضر ، بل كفاه بيت شعر يناسب حالها ، للزوم الحرج بالتكليف بذلك ، وقضاء العرف بالاكتفاء به ، ولقوله تعالى (٣) ( أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ ) ولعله لذا قيد بعض الناس وجوب المسكن المناسب بالقدرة.

ولكن ذكر غير واحد من الأصحاب أن لها المطالبة بالتفرد بالمسكن عن مشاركة غير الزوج ضرة أو غيرها ، من دار أو حجرة منفردة المرافق مع القدرة عليه ، لأنه من المعاشرة بالمعروف والإمساك بالمعروف ، ولفهمه من قوله تعالى (٤) ( وَلا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ ) وإن كان لا يخلو‌

__________________

(١) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٣.

(٢) هكذا في النسختين الأصليتين الا أن الموجود في كشف اللثام « لو كان من أهل البادية » وهو الصحيح والظاهر ان المراد من بعض الأصحاب هو الفاضل الهندي ( قده ) فإن العبارة إلى آخر الآية الاتية مأخوذة من كشف اللثام.

(٣) و (٤) سورة الطلاق : ٦٥ ـ الآية ٦.

٣٣٩

من نظر مع فرض عدم كون عادة أمثالها كذلك وعدم تضرر لها به وإلا وجب من هذه الجهة ، لا أن ذلك حق لها من حيث كونها زوجة ، ولعل الرجوع فيه إلى الضابط الذي ذكرناه أولى.

وكذا تقدم أنه لا بد في الكسوة من زيادة في الشتاء للتدثر ، كالمشحوة لليقظة واللحاف للنوم وغير ذلك مما يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والنساء ، بل لو كانت من أهل الاصطلاء بالنار وجب الحطب والفحم وغيرهما ، كما أنه يجب ملاحظة حال أمثالها في ثياب الضيف.

ويرجع في جنسه أي الدثار وغيره إلى عادة أمثال المرأة والخادمة ، وكأن المصنف أخذ وجوبه من الكسوة ، وهو كما ترى بالنسبة إلى اللحاف ، وكذا ما تحتاجه من الفراش في اليقظة ، ولو لا ما ذكرناه لأشكل وجوب ذلك كله ، وعليه فلا ينحصر تعداد أفراده ، ومن هنا حصل الزيادة والنقصان في التعدد في كلامهم المبنى على مراعاة عادة أمكنتهم وأزمنتهم وأحوالهم.

وقد عرفت فيما مضى أيضا أنه تزاد إذا كانت من ذوي التجمل زيادة على ثياب البذلة ما يتجمل أمثالها به للمعاشرة بالمعروف وإطلاق الإنفاق وانصراف ستر العورة إليه ، مضافا إلى ما ذكرناه من الضابط السابق الذي بعد الإحاطة به وبما قدمناه في جميع هذا المبحث يظهر لك الحال في أطراف المسألة.

٣٤٠