جواهر الكلام - ج ٣١

الشيخ محمّد حسن النّجفي

المسألة ( الثانية )

لا خلاف في أنه إذا بلغ الولد رشيدا سقطت ولاية الأبوين عنه للأصل وكان الخيار إليه في الانضمام إلى من شاء منهما أو من غيرهما ، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه.

المسألة ( الثالثة )

قد عرفت الحال في أنه إذا تزوجت سقطت حضانتها فإن طلقها رجعية فالحكم باق مع احتمال العدم ، وإن بانت منه ثم رجعت إليه قيل والقائل ابن إدريس لم ترجع حضانتها ، والوجه عند المصنف وجماعة الرجوع فلاحظ وتأمل ، والله العالم.

( النظر الخامس )

( في النفقات )

فنقول : من المعلوم أنه لا تجب النفقة من حيث كونها نفقة لا من حيث توقف حفظ النفس المحترمة إلا بأحد أسباب ثلاثة : الزوجية والقرابة والملك بإجماع الأمة كما عن جماعة الاعتراف به ، والقول الآن في نفقة الزوجة المدلول عليها مضافا إلى ما عرفت بالكتاب والسنة المتواترة ( ذلِكَ

٣٠١

أَدْنى أَلاّ تَعُولُوا ) (١) و ( عَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) (٢) و ( لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ ، وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمّا آتاهُ اللهُ ) (٣) و ( عاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) (٤) ( الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ ) (٥) ( فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ ) (٦) و‌قال الصادق عليه‌السلام (٧) في قوله تعالى ( وَمَنْ قُدِرَ ) إلى آخره : « إن أنفق عليها ما يقيم ظهرها مع كسوة ، وإلا فرق بينهما » ‌والباقر عليه‌السلام في خبر أبي بصير (٨) « من كانت عنده امرأة فلم يكسها ما يواري عورتها ولم يطعمها ما يقيم صلبها كان حقا على الامام أن يفرق بينهما » وسئل أبو عبد الله عليه‌السلام (٩) « عن حق المرأة على زوجها قال : يشبع بطنها ، ويكسو جنبها ، وإذا جهلت غفر لها ».

وفي‌ خبر عنبسة (١٠) عنه عليه‌السلام أيضا « إذا كساها ما يوارى عورتها ويطعمها ما يقيم صلبها ، أقامت معه ، وإلا طلقها » ‌إلى غير ذلك من النصوص (١١) التي هي فوق حد التواتر ، ومنها ما‌ روى (١٢) « أن هند امرأة أبي سفيان جاءت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالت : إن أبا سفيان شحيح لا يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما آخذ منه سرا وهو لا يعلم ، فهل علي من ذلك شي‌ء؟ فقال : خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف ».

__________________

(١) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٣.

(٢) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٣٣.

(٣) سورة الطلاق : ٦٥ الآية ٧.

(٤) و (٥) سورة النساء : ٤ ـ الآية ١٩ ـ ٣٤

(٦) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٢٩.

(٧) و (٨) و (٩) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب النفقات الحديث ١ ـ ٢ ـ ٣

(١٠) و (١١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب النفقات الحديث ٤ ـ ٠ ـ

(١٢) كنز العمال ج ٨ ص ٣٠٣ ـ الرقم ٥١٧١.

٣٠٢

إنما الكلام في الشرط وقدر النفقة واللواحق ، و‌أما الشرط المتفق عليه ف اثنان الأول : أن يكون العقد دائما فلا نفقة لذات العقد المنقطع إجماعا بقسميه ، كما عرفته فيما تقدم.

والثاني : التمكين الكامل ، وهو التخلية بينها وبينه على وجه به يتحقق عدم نشوزها الذي لا خلاف في اعتباره في وجوب الإنفاق ، بل الإجماع بقسميه عليه فمتى مكنته على الوجه المزبور بحيث لا تخص موضعا ولا وقتا مما يحل له الاستمتاع بهما وجب عليه الإنفاق وإلا فلا.

فلو بذلت نفسها في زمان دون زمان أو في مكان دون آخر مما يسوغ فيه الاستمتاع لم يحصل له التمكين ولم تجب عليه النفقة قطعا لتحقق نشوزها حينئذ بذلك ، بل لو مكنته قبلا ومنعت غيره من الدبر أو سائر الاستمتاعات لا لعذر سقطت نفقتها أجمع في أقوى الوجوه ، بل في المسالك « أنه يمكن أن يكون المراد بالمكان في المتن ما يعم البدن كالقبل وغيره » وإن كان هو كما ترى ، نعم قد تقدم قوة سقوط نفقتها أجمع بذلك واحتمال التبعيض وعدم السقوط.

وعلى كل حال ففي المتن بعد ما عرفت وفي وجوب النفقة بالعقد أو بالتمكين تردد ، أظهره بين الأصحاب وقوف الوجوب على التمكين وفي القواعد « الأول في الشرط : إنما تجب النفقة بالعقد الدائم مع التمكين التام. فلا تجب بالمتعة ولا لغير الممكنة من نفسها كل وقت في أي موضع أراد ، فلو مكنت قبلا ومنعت غيره سقطت نفقتها ، وكذا لو مكنته ليلا أو نهارا أو في مكان دون آخر مما يجوز فيه الاستمتاع ، وهل تجب النفقة بالعقد بشرط عدم النشوز أو بالتمكين؟ فيه إشكال » وظاهرهما أو صريحهما بعد التأمل الجيد في كلامهما أنه لا كلام في اعتبار التمكين الذي هو ضد النشوز ، ولا يتحقق عدمه إلا به في وجوب الإنفاق ، ولذا فرعوا عليه ما يقتضي النشوز ، وإنما الكلام في اعتبار غيره فيه ، ولعله إلى ذلك أومأ في المسالك ، فإنه بعد أن ذكر كلام المصنف الأول قال : « فان جعلنا التمكين شرطا فظاهر ، وإن جعلنا النشوز مانعا كان ملحوظا في تحقق معناه ، فلذا بدأ به قبل تحقق محل‌

٣٠٣

الخلاف ـ ثم قال أيضا في شرح تردد المصنف : لا ريب في أن للنفقة تعلقا بالعقد والتمكين جميعا ، فإنها لا تجب قبل العقد وتسقط بالنشوز بعده ، واختلف في أنها بم تجب؟ فقيل بالعقد كالمهر ـ إلى أن قال ـ : وقيل : لا يجب بالعقد مجردا بل بالتمكين » إذ لو لم يرجع حاصله إلى ما ذكرناه كان بلا حاصل.

وكيف كان فغاية ما ذكروه دليلا لذلك أن اشتراط هذا الشرط معروف بين الأصحاب ، بل كاد يكون إجماعا ، مع أنا لم نقف على مخالف فيه صريحا ولا ظاهرا إلا ما ربما يستفاد من تردد المصنف واستشكال الفاضل في القواعد ، وهو بمجرده لا يوجب المخالفة ، مع تصريح الأول بأن اعتباره هو الأظهر بين الأصحاب بكلمة الجمع المفيد للعموم الظاهر في الإجماع ، ونحوه شيخنا الشهيد في المسالك ، وأظهر من كلامه ثم كلامه في الروضة ، فاختار المصير إلى اعتباره بعد المناقشة في دليله معتذرا بعدم ظهور مخالف فيه ، وجعله وسيلة لاختياره ، وهو ينادي باجماعيته ، فان دأبه عدم جعل الشهرة بل ولا عدم ظهور الخلاف بمجرده دليلا وإن وجد له من الأخبار الغير الصحيحة شاهدا فحكمه ثم بالمصير لأجله قرينة واضحة على بلوغه حد الإجماع ودرجته ، وهو الحجة فيه بعد الأصل المؤيد بل المعتضد بظاهر الأمر بالمعاشرة بالمعروف (١) الظاهر في اختصاص الأمر بالإنفاق بما تقتضيه العادة ، وليس من مقتضياتها الوجوب إلا بعد التمكين كما هو المشاهد من أهلها ، فإنهم ينكحون ويتزوجون من غير إنفاق إلى الزفاف مع عدم اختلاف من الزوجات وأهلهن فيه مع الأزواج المستمرين ، وربما يؤخذ ذلك من المسلمين إجماعا ، ويجعل مثله وفاقا وربما يحلق بالضرورة قطعا ، وقد جعل هذا من فروع التمكين ، ومع ثبوت حكمه يثبت غيره من الفروع جدا ، لعدم القائل بالفرق أصلا فتأمل جيدا.

وربما أيد اعتباره أيضا ، بل قيل : إنه لا يبعد جعله دليلا ما‌ روى عن النبي‌

__________________

(١) سورة النساء : ٤ ـ الآية ١٩.

٣٠٤

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) « إنه تزوج ثم دخل بعد سنين ولم ينفق ».

كل ذلك مضافا إلى ما قيل أيضا من أن العقد يوجب المهر عوضا ، فلا يوجب عوضا آخر ، وأن النفقة مجهولة ، والعقد لا يوجب مالا مجهولا.

وما‌ روى عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) من قوله : « واتقوا الله في النساء ، فإنهن عواري عندكم اتخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف » ‌فإنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أوجب لهن من الرزق والكسوة إذا كن عندهم.

لكن الجميع كما ترى ، ضرورة عدم عد ذلك من الإجماع المحكي الذي قام الدليل على حجيته ، كضرورة عدم ظهور الأمر بالمعاشرة بالمعروف في اشتراط التمكين ، وعدم الإنفاق إلا بعده بعد تسليمها أجنبية عن الدلالة على الاشتراط ، بل دعوى اتخاذ ذلك إجماعا أو ضرورة من غرائب الكلام ، وما كنا نرجو وقوع هذا الكلام من مثله ، كعدم الإنفاق الصادر من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع عدم علمنا بكيفية عدم صدوره منه ، وليست النفقة من الأعواض الواجبة بالعقد ، بل ولا من المال المجهول ، وإنما العقد أفاد كونها زوجة له ، والشارع أثبت النفقة للزوجة ، نحو شراء الدابة والعبد المملوك ، والخبر المزبور لا دلالة فيه على اشتراط النفقة بكونهن عندكم ، بل قد يقال : إن إطلاقه دليل على العدم.

ومن هنا قد اعترف في كشف اللثام بضعف هذه الأدلة غير الأصل ، قال : « وهو يكفينا ، فإن أدلة الوجوب مجملة ، فنقتصر على مدلولها على موضع اليقين » وتبعه على دعوى الإجمال في الرياض ، لكن في المسالك بعد أن أفسد جميع ما ذكر دليلا له قال : « وأما أصالة البراءة فإنما تكون حجة مع عدم دليل ناقل عنه ، لكنه موجود بالعمومات الدالة على وجوب نفقة الأزواج ، والأصل عدم التخصيص » ومراده على الظاهر إطلاق الكتاب والسنة الذي قد سمعته ، وهو حجة كالعموم ، ودعوى‌

__________________

(١) سنن النسائي ـ ج ٦ ص ١٣١.

(٢) سنن البيهقي ـ ج ٧ ص ٣٠٤.

٣٠٥

الاجمال واضحة الفساد ، ومن هنا جزم المحدث البحراني باختيار القول الثاني الذي لا يخفى عليك دليله بعد ما ذكرنا.

لكن قد يقال : إن ظاهر‌ النصوص المشتملة على بيان حق الزوج على الامرأة ـ وأن منه « أن تطيعه ولو كانت على ظهر قتب (١) ‌و « أن تلبس أحسن ثيابها ، وتتطيب بأحسن طيبها ، وتعرض نفسها عليه كل غدوة وعشية (٢) ‌و « أن لا تخرج من بيته بغير إذنه » (٣) وغير ذلك مما اشتملت عليه النصوص التي هي وإن كانت خالية عن ذكر اعتبار ذلك في النفقة ، إلا أنه قد يستفاد ذلك مما دل (٤) على سقوط نفقتها بخروجها من بيته بغير إذنه ونشوزها الذي هو مخالفة ما تضمنته النصوص الأولى المشتملة على بيان حقه عليها ـ كون النشوز مسقطا باعتبار تفويته الشرط الذي هو وجوب طاعتها وعرضها نفسها عليه ، وعدم خروجها من بيته بغير إذنه ، لا أنه مانع لوجوب النفقة الذي كان سبب وجوبها العقد مجردا ، كما هو واضح بأدنى التفات ، بل ربما يشم من قوله تعالى (٥) ( الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَى النِّساءِ ) ما يشبه معاوضة الاستمتاع بالإنفاق على نحو ما ورد (٦) من الإنفاق على الدابة عوض ما يستوفيه من منافع ظهرها ، كما أنه يشم من نصوص (٧) بيان حق كل منهما على الأخر مقابلة كل منهما لصاحبه.

نعم الإنصاف أن هذا المعنى المستفاد من النصوص المزبورة ليس هو اعتبار مطلق التمكين الذي فرعوا عليه الفروع المتجه بناء عليه سقوط النفقة لمن لم تمكن من ذلك ولو لعذر شرعي ، ضرورة عدم مدخلية العذر شرعا في صدق انتفائه المقتضي‌

__________________

(١) و (٢) و (٣) الوسائل الباب ـ ٧٩ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ١ ـ ٢ ـ ١

(٤) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب النفقات.

(٥) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٣٤.

(٦) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من كتاب الرهن الحديث ٢.

(٧) الوسائل الباب ـ ٧٩ و ٨٨ ـ من أبواب مقدمات النكاح والباب ـ ١ ـ من أبواب النفقات الحديث ٧ والباب ـ ٦ ـ منها الحديث ٢.

٣٠٦

لانتفاء مشروطه وإن كان لا إثم عليها به ، لأن الفرض معذوريتها شرعا ، فالمتجه حينئذ اعتبار الطاعة التي يكون عدمها نشوزا في وجوب الإنفاق ، وهو لا يكاد ينفك عن عدم النشوز ، فلا يتجه الفرق بين القول بكون التمكين شرطا وبين القول بكون النشوز مانعا بعد فرض إرادة ما ذكرناه من التمكين على الوجه المزبور الذي مرجعه إلى اتحاد مصداق المراد من مفهوم التمكين وعدم النشوز بالنسبة إلى وجوب الإنفاق ، فاتفاق صدق عدم النشوز في بعض الأفراد التي لا يتحقق فيها مصداق التمكين غير قادح بعد فرض عدم الاكتفاء بمثله في الإنفاق كما في الصغيرة ، كما أنه لا يقدح عدم صدق التمكين في بعض الأفراد التي لا نشوز فيها باعتبار العذر شرعا أو عقلا المانع عن الاستمتاع في وجوب الإنفاق الذي فرضنا كفاية صدق عدم التقصير من الامرأة فيما وجب عليها من حقوق الزوج فيه والفرض تحققه.

وكيف كان فما عن التحرير ـ من أنه لا بد من قول : « سلمت إليك نفسي في كل زمان ومكان شئت » في التمكين التام الذي هو شرط النفقة ، وفي كشف اللثام لأنه لا يتحقق بدونه إلا أن يكتفى بالتمكين مرة مع الوثوق ، أو بالوثوق وإن لم يحصل التمكين وإن بعد الفرض ـ واضح الفساد ، وكأنه أومأ إليه في المسالك حيث قال : « اعلم أن الظاهر من كلام المصنف وغيره بل صرح به بعضهم أن التمكين لا يكفي حصوله بالفعل ، بل لا بد من لفظ يدل عليه من قبل المرأة ، بأن تقول : « سلمت نفسي إليك حيث شئت أو أي زمان شئت » ونحو ذلك ، فلو استمرت ساكتة أو مكنته من نفسها بالفعل لم يكف في وجوب النفقة ، ولا يخلو ذلك من إشكال ».

قلت : بل واضح المنع ، ضرورة عدم دليل عليه ، وعدم توقف صدق الطاعة والانقياد عرفا عليه ، وعرض نفسها عليه كل غدوة وعشية لا يقتضي ذلك قطعا.

( وبالجملة ) من لاحظ مجموع كلماتهم في هذا المقام وفيما يأتي ـ من إيجابهم النفقة للمعذورة عقلا أو شرعا في عدم التمكين الذي يقتضي اعتباره شرطا فيها انتفاؤها بانتفائه ولو لعذر ، ضرورة عدم مدخلية الحكم التكليفي في الحكم‌

٣٠٧

الوضعي ـ يعلم أنها لا تخلو من تشويش واضطراب وأن جملة منها لا ترجع إلى حاصل ، ضرورة عدم دليل بالخصوص على استثناء ذلك من اعتبار التمكين ، وأنه لا محيص على القول بالاكتفاء في عدم التقصير فيما يجب عليها من حقوق الزوج في وجوب الإنفاق ، وذلك إنما يكون بتمكينها من نفسها وتخلية بينها وبينه مع عدم المانع شرعا أو عقلا ، وربما يأتي لذلك مزيد تحقيق.

وكيف كان فقد ذكروا أنه من ثمرات الخلاف ما لو تنازعا في النشوز وعدمه ، فان عليه بينة النشوز على القول بكونه مانعا ، لأن الأصل معها ، وهو وجوب النفقة وانتفاء المانع ، وعلى القول الأخر عليها إقامة البينة على التمكين ، لأن الأصل معه.

وقد يناقش في الأول بأن المانع يكفى فيه الأصل مع فرض كون عدمه على مقتضاه بلا معارضة شي‌ء آخر ، أما في المقام فقد يقال بمعارضة أصالة عدم طاعتها وعدم وصول حقه إليه ، والفرض انحصار الدعوى بينهما بالطاعة والنشوز على وجه يكون غير الناشزة وغير الطائعة معلوم خروجهما عن دعواهما ومقطوع بعدمهما.

كما أنه قد يناقش في الثاني في الاكتفاء في ثبوته بسبق حصوله مع فرضه ، أو أصالة عدم تقصير المسلم بما يجب عليه من تكليف ، على أن أصالة عدم حصول ذلك منها لا يكفي في سقوط النفقة عند القائلين باعتبار التمكين ، لما تسمعه من ثبوتها عندهم لغير الممكنة لعذر شرعي أو عقلي كالمريضة والمسافرة في واجب مضيق ونحوه ، فعدم تمكنها مع فرض كونه مقتضى الأصل لا يقتضي سقوط نفقتها إلا إذا كان على جهة النشوز ، وأيضا إقامة البينة على ذلك في الليل والنهار مما يتعذر أو يتعسر ، فيؤدى تكليفها بها إلى سقوط هذا الحق.

والتحقيق أنه ليس في شي‌ء مما ذكرناه وذكروه من أدلة التمكين ما يقتضي اعتباره شرطا على وجه تتفرع عليه الفروع التي ذكروها المعلوم توقفها على دليل يدل على شرطيته بقول مطلق ، وأقصى ما يستفاد من نصوص (١) الطاعة وحقيقة الزوج‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٧٩ و ٩١ ـ من أبواب مقدمات النكاح.

٣٠٨

أنه لا نفقة لها مع انتفاء الطاعة الذي يتحقق بنشوزها وتقصيرها في تأدية حقه.

كما أن الانصاف عدم إجمال فيما دل على وجوب الإنفاق على الزوج من الكتاب (١) والسنة (٢) ومعاقد الإجماعات ومن الغريب دعوى ذلك مما سمعته من كشف اللثام وفاضل الرياض والمحكي عن سيد المدارك ، مع أنهم لا مفر لهم عن التمسك بها في فاقدة التمكن لعذر شرعي أو عقلي ، فالمتجه حينئذ في مثل الفرض عدم الحكم بالنفقة ، للشك في حصول الطاعة ، لا لأن التمكن شرط ولم يتحقق ، فإنك قد عرفت أنه لا دليل على شرطيته كما هو واضح بأدنى تأمل وانصاف.

وبذلك يظهر لك الفرق بين قولنا والقول بأن النشوز مانع ، كما أنه يظهر لك فيما يأتي من الفروع الفرق بينه وبين القول بأن التمكين شرط ، فالمختار حينئذ واسطة بين القولين.

وعلى كل حال منه يظهر لك الحال أيضا فيما في المتن وغيره من أنه‌ من فروع التمكين أن لا تكون صغيرة يحرم وطء مثلها سواء كان زوجها صغيرا أو كبيرا ولو أمكن الاستمتاع منها بما دون الوطء لأنه استمتاع نادر لا يرغب إليه في الغالب فلا نفقة لها حينئذ ، من غير فرق بين تصريحها ببذل نفسها وتصريح وليها وعدمه ، ولا بين صغر الزوج وكبره ، لصدق انتفاء التمكين الكامل المفروض شرطيته أو كونه جزء السبب.

وفي كشف اللثام « ولا يفيد تمكينها مع حرمته أو عدمها بأن كان الزوج صغيرا ولا يحرم عليه ، فإنه تمكين غير مقصود شرعا والفرق بينها وبين الحائض أن الحائض أهل للاستمتاع بالذات ، وإنما المانع أمر طارئ بخلافها ، فإنها ليست أهلا للتمكين ، لصغرها ونقصها ، ولا عبرة بتسليم الولي ، لأنها ليست مالا بخلاف الحائض ، فإنها مسلمة لنفسها تسليما معتبرا لكمالها ، والإجماع على استثناء زمن‌

__________________

(١) تقدمت الايات الدالة على ذلك في ص (٣٠٢).

(٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب النفقات.

٣٠٩

الحيض ونحوه ، فالتمكين التام في الشرع هو التمكين في غير هذه الأحوال ، بخلاف حال صغرها ، فان استثناءه غير معلوم ، والأصل البراءة من النفقة ».

وفي المسالك « أنه لا يتحقق التمكين من الصغيرة سواء مكنت منه أم لا ، لتحريم وطئها شرعا ، وعدم قبولها لذلك ، وبهذا يفرق بينها وبين الحائض ، على أن الاستمتاع بالحائض ممكن حتى بالوطء على بعض الوجوه ، بخلاف الصغيرة ، فلا يجب على الزوج الإنفاق عليها ولا على وليه لو كان صغيرا ، لفقد الشرط ، والمعتبر في الصغير هنا من لا يصلح للجماع ولا يتأتى منه ولا يلتذ به ، وبالكبير من يتأتى منه ذلك ، لا ما يتعلق بالتكليف وعدمه ، فالمراهق كبير هنا ، ومحل الكلام فيما إذا عرضت الصغيرة نفسها أو وليها ، أما بدونه فلا مجال للبحث كالكبيرة ، إلا إذا جعلنا الموجب العقد وحده ».

قلت : هذا أقصى ما ذكروه في المقام ، وفيه منع عدم صدق اسم التمكين منها مع فرض بذلك نفسها نحو الكبيرة ، وحرمة وطئها لا مدخلية لها في صدق اسم التمكين منها المتحقق عند المصنف برفع المانع من جهتها كما تسمعه ، وخصوصا في المراهقة مع كبر الزوج أو كونه مراهقا على ما هو مقتضي إطلاق المتن وغيره الصغير المعلوم إرادة ما قبل البلوغ منه على وجه يندرج فيه المراهق ، وما سمعته من ثاني الشهيدين في تفسيره مجرد اقتراح لا شاهد له من كلماتهم ، وكأن الذي دعاه إلى ذلك أنه لا وجه لعدم كونه تمكينا من المراهقة.

كل ذلك مضافا إلى ما سمعته من عدم دليل على شرطية التمكين بحيث يتفرع عليها ذلك ، ولعله لذا قال ابن إدريس بوجوب النفقة لها إلا إذا كان الزوج صغيرا ، مع قوله بكون التمكن شرطا على ما حكي عنه ، وربما كان وجهه أنه يخص اشتراطه في ذات التمكين ، أي الكبيرة المطلوب منها ذلك ، بخلاف محل الفرض التي تبقى على إطلاق ما دل على النفقة ، وأنها لا تسقط إلا بالنشوز المعلوم عدمه هنا ، نعم لو كان الزوج صغيرا لم يكن لها نفقة ، لعدم وجوب شي‌ء عليه ، ولا عبرة بتسلمه ولا تسلم الولي فإن تسليم الزوجة منوط بالشهوة.

٣١٠

وبالجملة لا يخفى على من لاحظ كلماتهم في المقام شدة تشوشها ، وكأن السبب في ذلك عدم تحقيقهم كيفية اعتبار التمكن في النفقة ، وأنه على وجه يشمل مثل الفرض كي يتم لهم تفريعه أو لا ، وقد عرفت أن الانصاف عدم دليل لاعتبار اشتراط التمكين بحيث يترتب عليه عدم النفقة في مثل الفرض ، ضرورة أن نصوص (١) حقوق الزوج ونصوص (٢) النشوز وغيرها أجنبية عنه ، كما أن الانصاف الشك في تناول إطلاقات النفقة له إن لم يدع ظهوره في غيره ، فالتمسك حينئذ بأصل البراءة من النفقة لا بأس به ، وعلى كل حال فلا وجه لتفريعه على ذلك الأصل الذي قد عرفت حاله ، والله تعالى هو العالم ، هذا كله في الصغيرة.

وأما لو كانت كبيرة وزوجها صغيرا قال الشيخ في المحكي من خلافه ومبسوطة لا نفقة لها ونحوه عن الجامع والمهذب ، للأصل مع انتفاء التمكين بانتفاء التمكن.

ولكن في المتن فيه إشكال منشؤه تحقق التمكين من طرفها لأن المعتبر في استحقاق العوض التسليم من صاحب العوض الأخر وإن لم يتسلمه صاحبه الأول مع عموم أدلة النفقة ومن هنا كان الأشبه عند المصنف وفاقا للمحكي عن ابني الجنيد وإدريس وجوب الإنفاق وفيه منع تحقق التمكين بدون التمكن ، ولو سلم على أن الثابت اشتراطه بذل نفسها وعدم المانع من قبلها فقد يقال : إنه يشك في شمول الأدلة لذلك ، ضرورة ظهورها باعتبار أنها خطابات وتكاليف في غير الصغيرة ، وصرفها إلى الولي مدفوع بالأصل ، بل قيل : إنه مستلزم إما حصرها فيه أو استعمالها في متغايرين ، ولذا كان قول الشيخ هو المتجه كما اعترف به كشف اللثام والرياض ومحكي نهاية المرام ، كما أن منه يعلم عدم الوجه في تفريعه على اشتراط التمكين ، لما عرفت من خروج هذا الموضوع عن المنساق‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٧٩ ـ من أبواب مقدمات النكاح.

(٢) الوسائل الباب ـ ٨٠ و ٩١ ـ من أبواب مقدمات النكاح والباب ـ ٦ ـ من أبواب النفقات.

٣١١

من الأدلة ، فيبقى أصل البراءة سالما عن المعارض ، نحو ما سمعته في الصغيرة ، والله العالم.

ولو كانت مريضة أو قرناء أو رتقاء لم تسقط النفقة بلا خلاف أجده فيه ، بل وفي كل ما امتنع الاستمتاع فيه لعذر شرعي أو عقلي ، لللأصل وعموم أدلة الإنفاق وإمكان الاستمتاع بما دون الوطء قبلا وظهور العذر فيه فإسقاط النفقة حينئذ به من غير المعاشرة بالمعروف ، ولأنه إن لم تجب النفقة مع دوام عذرها لزم دوام الزوجية بلا نفقة ، وهو ضرر عظيم ، وأيام المرض كأيام الحيض في ظهور العذر وتوقع الزوال ورضاه لما تزوج ، فإن الإنسان لا ينفك عنه دائما ، فاستثناؤها لا ينافي تمامية التمكين ، خصوصا مع علمه وإقدامه على التزويج بمن يتعذر الاستمتاع بها بالوطء ، فكأنه أسقط حقه من التمكين من الوطء ورضى بما عداه فهو التمكين التام في حقه ، إلى غير ذلك مما ذكروه في المقام.

وفيما لو اتفق الزوج عظيم الإله وهي ضعيفة أو كانت ضئيلة وهو غيل يضر وطؤه بها وإن لم يكن عظيم الإله بالنسبة إلى غيره من أنه إذا كان الحال كذلك منع من وطئها ولم تسقط النفقة وكانت كالرتقاء لما عرفت.

لكن لا يخفى على كل ناظر لكلماتهم هنا وضوح التجشم والتهجس عليها ، وأنها لا ترجع إلى دليل شرعي ، خصوصا بعد أن ذكروا أن الموجب لها هو التمكين من الوطء ولا عبرة بغيره من الاستمتاعات ، فإنها مقصودة بالتبع ، وكل ذلك دخل عليهم من دعوى شرطية التمكين المقتضية انتفاء المشروط بانتفائه ولو لعذر عقلي أو شرعي ، ضرورة عدم مدخلية العذر في ذلك بعد عدم الدليل عليه بالخصوص ، وخصوصا من ادعى منهم إجمال الإطلاقات ، أما على ما ذكرناه ـ من أن الثابت من شرطيته الطاعة فيما وجب عليها من حقوق الزوجية الذي يكون انتفاؤه بالنشوز وما عداه يكون داخلا تحت إطلاق الأدلة الذي قد عرفت أنه لا إجمال فيه ـ فالأمر واضح ، والظاهر أنه هو المدرك لهذه الأحكام كلها ، وهذا كله ناش من عدم التأمل في تنقيح الشي‌ء على وجهه وجميع ما يتفرع عليه ، بل يحفظ شيئا ويغيب عنه أشياء‌

٣١٢

ويبقى يتمحل ويتجشم في الخروج عما ينافي ما سبق إلى بادئ النظر ، والله هو الحافظ والمؤيد والمسدد.

ومن ذلك ما ذكره بعضهم في المريضة من أنها معذورة في الامتناع من التخلية إذا كان الوطء يضرها في الحال أو فيما بعد ، ولا يؤمن الرجل في قوله لا أطؤها لكن قال : « في وجوب النفقة حينئذ لها نظر ، لامتناعها من سائر الاستمتاعات الممكنة ـ ثم قال ـ : نعم لا يظهر خلاف في استحقاق النفقة أيام المرض إذا تمكن من الاستمتاع بها بغير الوطء لقضاء العادة باستثنائها مع بقاء الائتلاف والاستمتاع بسائر الوجوه ».

قلت : بل العادة قاضية بذلك وإن تعذر عليه سائر وجوه الاستمتاع ، لكونها زوجة غير مقصرة فيما وجب عليها من حقوق الزوج بعد فرض معذوريتها شرعا.

نعم لو أنكر التضرر بالوطء رجع إلى أهل الخبرة من الرجال والنساء ، نحو ما ذكروه فيما لو ادعت قرحة في فرجها تمنع الوطء ونحوها من أنها تفتقر مع إنكاره إلى شهادة أربع من النساء ، ولو فرضت شهادة رجلين بذلك فالظاهر الحكم بها ، وإن تعذرت الشهادة أحلفته إن ادعت عليه العلم ، وإن ادعت كبر آلته وضعفها عنها أمر النساء بالنظر إليهما وقت إرادة الجماع ليقض عليه وهو جائز للحاجة ، وربما اكتفى بواحدة بناء على أنه من باب الإخبار ، ولكن ضعفه واضح ، فتأمل جيدا في أصل المسألة ، فإنه من مزال الأقدام ، وقد مضى ويأتي له أيضا مزيد تحقيق.

ومنه أيضا ما ذكروه فيما لو سافرت الزوجة بإذن الزوج فإنه لا خلاف بينهم في أنه لو فعلت كذلك لم تسقط نفقتها سواء كانت في واجب أو مندوب أو مباح متعلق به أو بها إلا ما احتمل في الأخير من سقوطها ، إلا أن الذي استقر عندهم أجمع عدم الالتفات إلى هذا الاحتمال ، وأنه لا فرق مع سفرها باذنه بين أن يكون لمصلحته أو مصلحتها ، معللين ذلك بأن الإذن منه إسقاط لحقه ، فيبقى حينئذ مقتضى حقها بحاله ، وفيه أن المتجه ـ بناء على ما ذكروه من شرطية التمكين ـ السقوط أيضا لصدق انتفائه ، والاذن إنما تفيد عدم نشوزها ، لا تخلف‌

٣١٣

أثر الحكم الوضعي الذي لا مدخلية للإذن فيه.

وكذا الكلام فيما ذكروه أيضا فيما لو سافرت في واجب مضيق بغير إذنه كالحج الواجب ونحوه من أنها تستحق النفقة ، لكونها معذورة‌ و « لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق » (١) نعم هو متجه بناء على المختار ، ضرورة عدم حق للزوج عليها مع الاذن أو تضييق الوجوب كي تكون مقصرة فيه ، فتبقى مندرجة في إطلاق أدلة الإنفاق.

أما لو سافرت بغير إذنه في مندوب أو مباح سقطت نفقتها على كل حال بلا خلاف ولا إشكال ، لأنه من حقه عليها أن لا يقع ذلك منها إلا بإذنه ، بل الظاهر ذلك وإن لم يناف الاستمتاع لغيبة منه أو غيرها ، بل هي من الناشزة لا نفقة لها ، وقد سمعت التصريح في النص (٢) بسقوط نفقتها بالخروج من بيته بغير إذنه ولو لغير سفر فضلا عما كان له كما هو واضح.

بل لا يبعد القول بسقوط نفقتها أيضا في السفر بغير إذنه في الواجب الموسع ، لتضييق حقه ، فلا يعارضه الموسع ، ودعوى كون الواجب مستثنى بالأصل وتعينه منوط باختيارها شرعا وإلا لم يكن موسعا واضحة المنع ، فما عساه يظهر من المتن بل هو المحكي عن بعضهم بل هو خيرة ثاني الشهيدين من عدم اعتبار الاذن فيه كالمضيق لا يخلو من منع.

ومن ذلك يعلم الحال فيما لو صلت أو صامت أو اعتكفت بإذنه أو في واجب وإن لم يأذن مضيق أو مطلقا وأنه لم تسقط نفقتها لكن قد صرح هنا غير واحد بأنه لا خلاف في عدم الفرق في الصلاة الواجبة بين كون وقتها موسعا أو مضيقا في جواز فعلها بدون إذنه ، وعدم تأثيره في سقوط النفقة ، بخلاف‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥٩ ـ من أبواب وجوب الحج الحديث ٧ والفقيه ج ٤ ص ٢٧٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب النفقات الحديث ١.

٣١٤

الصوم ونحوه ، فان في الموسع منه البحث السابق.

وكأن وجه الفرق ما قيل من أن الوقت لها بالأصالة بخلاف ما يثبت بالنذر وبأن الأمر بها في قوله تعالى (١) ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ ) عام فصارت كالصوم المعين ، وأن الصلاة قيل بوجوبها في أول الوقت الذي هو رضوان الله تعالى بخلاف آخره الذي هو عفو الله (٢) وأن زمان الصلاة يسير لا يستوعب اليوم بخلاف الصوم ، إلا أن الجميع كما ترى.

نعم يمكن القطع بالسيرة المستمرة وغيرها أنه لا تحتاج في المبادرة إلى ذلك إلى الاذن ، أما مع فرض طلب الاستمتاع منها في أول الوقت فالظاهر وجوب طاعتها له ، لعدم معارضة الموسع للمضيق ، اللهم إلا أن يكون إجماعا ولم أتحققه ، بل الظن أن مراد مدعيه الصورة التي ذكرناها ، وكفى بها فرقا بينها وبين غيرها من الواجب الموسع المحتاج إلى سفر مثلا كالحج ونحوه ، فإنه لا يجوز لها المبادرة له إلا مع الاذن.

وكذا لك لا تسقط نفقتها لو بادرت إلى شي‌ء من ذلك ونحوه ندبا من دون إذنه ، بل ومع نهيه إذا فرض عدم منافاته لما يريده منها من الاستمتاع ولو لأن له فسخه فلو صامت حينئذ ندبا بدون إذنه أو مع نهيه لم تسقط نفقتها ، لأنه غير مانع من التمكين ، نعم لو طلب الاستمتاع فمنعته سقطت لذلك لا لأجل العبادة ، خلافا للمحكي عن مبسوط الشيخ من السقوط بذلك وأنها تكون ناشزا إذا طلب منها الإفطار وامتنعت ، ويمكن إرادته طلب الاستمتاع بها المقتضي للإفطار فامتنعت ، وإلا فلا ريب في أن مخالفتها بترك الأكل والشرب من حيث كونهما كذلك لا يعد نشوزا ، لأنه لا يجب عليها طاعته فيهما ، والوطء يمكن بدونهما.

__________________

(١) سورة الإسراء : ١٧ ـ الآية ٧٨.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب المواقيت الحديث ١٦ من كتاب الصلاة.

٣١٥

وما يقال ـ : من أن الصوم عبارة عن توطين النفس على ترك المفطرات التي من جملتها الوطء ، وهو مستلزم لعزمها على منع الزوج عن الوطء الذي هو عين النشوز ـ يدفعه ( أولا ) أنه مناف لدعوى الشيخ التي هي تعليق نشوز بالامتناع من الإفطار الذي طلبه منها ، وهو يقتضي تحقق النشوز بمجرد نية الصوم أو بدخول أول النهار وإن لم يطالب. و ( ثانيا ) ما في المسالك من أن نية النشوز ليست نشوزا ، إذ هو الخروج عن الطاعة ومنعه من الاستمتاع والخروج بغير إذنه أو نحو ذلك ، لا نيته حتى لو نوت أن تخرج عن طاعته ولم تفعل لم يكن نشوزا ، وإن كان قد يناقش فيه بأنه لو سلم عدم كونه نشوزا لكنه للتمكين الذي هو عبارة عن التصريح بالبذل في أي مكان وأي زمان مع عدم ظهور مناف منها له ، وهو الشرط في وجوب النفقة.

فالأولى في دفعه أن يقال : إنه لا تلازم بين نية الصوم وبين بقائها على التمكين بمعنى أنها عازمة عليه ما لم يحصل المنافي له ، لا أنه يستلزم العزم على عصيان الزوج لو أراد الاستمتاع منها ، لا بما سمعت ، ولا بما قيل من أن منع الصوم مستلزم للدور من حيث إن كونه مانعا يستلزم صحة المستلزم ، لكونه عذرا فلا يسقط به النفقة ، ولا يكون مانعا ، بل يلزم من إسقاطه لها عدم إسقاطه ، ضرورة أن مدعى إسقاطه للنفقة لا يتوقف على إثبات كونه مانعا ، لأن النشوز يتحقق بحصول الامتناع من جهة المرأة وإن قدر الزوج على قهرها عليه ، والشيخ بناء على أن مراده ما عرفت قائل بأن الصوم ندبا نشوز من جانب المرأة من حيث امتناعها منه وإعراضها عنه بما ليس بواجب وإن قدر الزوج معه على الاستمتاع المقتضى لفساده.

ومما ذكرنا ظهر لك أن المراد بقول المصنف ولو استمرت مخالفة تحقق النشوز وسقطت النفقة لاستمرارها على الامتناع من تمكينها نفسها ، لا أن المراد بقاؤها على إظهار العزم على الصوم وترك الأكل والشرب ونحو ذلك ، وإلا كان فيه ما عرفت ، والله العالم.

وتثبت النفقة للمطلقة الرجعية كما تثبت للزوجة بلا خلاف ، بل الإجماع‌

٣١٦

بقسميه عليه ، مضافا إلى‌ قول أبي جعفر عليه‌السلام في خبر زرارة (١) « إن المطلقة ثلاثا ليس لها نفقة على زوجها ، إنما ذلك للتي لزوجها عليها رجعة » وصحيح سعد بن أبي خلف (٢) « سألت أبا الحسن موسى عليه‌السلام عن شي‌ء من الطلاق ، فقال : إذا طلق الرجل امرأته طلاقا لا يملك فيه الرجعة فقد بانت منه ساعة طلقها ، وملكت نفسها ، ولا سبيل له عليها ، وتعتد حيث شاءت ، ولا نفقة لها ، قال : قلت : أليس الله يقول : ( لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ ) (٣) قال : فقال : انما عنى بذلك التي تطلق تطليقة بعد تطليقة فتلك التي لا تخرج ولا تخرج حتى تطلق الثالثة ، فإذا طلقت الثالثة فقد بانت منه ، ولا نفقة لها ، والمرأة التي يطلقها الرجل تطليقة ثم يدعها حتى يحل أجلها فهذه أيضا تعتد في منزل زوجها ، ولها النفقة والسكنى حتى تنقضي عدتها » ‌وإطلاق‌ خبر علي بن جعفر (٤) عن أخيه موسى عليه‌السلام المروي عن قرب الاسناد « سألته عن المطلقة ألها نفقة على زوجها حتى تنقضي عدتها؟ قال : نعم » ‌المنزل على ذلك.

نعم قد استثنى بعضهم منها آلة التنظيف ، لعدم انتفاع الزوج بها ، مع أن المحكي عن آخر عدمه فلعل الله يحدث بعد ذلك أمرا ، بل في الحدائق هو المؤيد بالأخبار الكثيرة‌ ، كالموثق (٥) عن أحدهما عليهما‌السلام « في المطلقة تعتد في بيتها وتظهر له زينتها لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا » وخبر محمد بن قيس (٦) عن أبي جعفر عليه‌السلام

__________________

(١) و (٣) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب النفقات الحديث ٢ ـ ١

(٣) سورة الطلاق : ٦٥ ـ الآية ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب النفقات الحديث ١١.

(٥) الوسائل الباب ـ ٢١ ـ من أبواب العدد الحديث ١ من كتاب الطلاق في النسخة الموجودة عندي عن أبي عبد الله عليه‌السلام الا أن الموجود في الكافي ج ٦ ص ٩١ والتهذيب ج ٨ ص ١٣١ عن أحدهما عليهما‌السلام.

(٦) الوسائل الباب ـ ٢١ ـ من أبواب العدد الحديث ٤ وفيه‌ « تسوق لزوجها » ‌وفي الكافي ج ٦ ص ٩١‌ « تشوفت لزوجها ». ‌

٣١٧

« المطلقة تشوق زوجها ما كان له عليها رجعة ، ولا يستأذن عليها » وخبر زرارة (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « المطلقة تكتحل وتختضب وتلبس ما شاءت من الثياب ، فان الله تعالى يقول ( لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً ) (٢) لعلها أن تقع في نفسه فيراجعها » ‌وإن كان فيه أن ذلك كله لا يدل على كون آلة الزينة منه ، ولعل الأولى الاستدلال عليها بالإطلاق السابق.

وفي القواعد « استثناء وطئها للشبهة في العدة ـ سواء حملت أولا ـ وتأخرت عدة الزوج عن عدتها وقلنا لا رجوع له في الحال ، فلا تجب النفقة على إشكال » ولعله من أنها إنما تجب للزوجة ومن في حكمها وهي من في العدة الرجعية ، لكونها بمنزلة الزوجة الممكنة لأنه له الرجوع إليها متى شاء والأمران منتفيان ، ومن بقاء حكم الزوجية وإن امتنع الرجوع الان لمانع ، كما تجب النفقة على الزوجة الصائمة والمحرمة مع امتناع الاستمتاع بها ، وإطلاق النص ، وفي كشف اللثام « هذا إذا كانت الشبهة منها أو من الواطئ أيضا ، وإن اختصت بالواطي فالأظهر عدم النفقة فإنها التي سببت لامتناع الرجوع ، فهي كالناشز ».

قلت : لو فرض توبتها عن ذلك كانت كغيرها ، بل قد يمنع صدق النشوز بذلك ، اللهم إلا أن يدعى أولويته منه في إسقاطه النفقة والظاهر بناء الحكم في هذه المسألة على الحكم في الزوجة إذا وطئت شبهة ، فإنه لا فرق بينهما ، لكن في القواعد الإشكال في نفقتها أيضا ، قال : « والمعتدة عن ( في خ ل ) شبهة إن كانت في نكاح فلا نفقة لها على الزوج على إشكال » ولعله من انتفاء التمكين ، ومن العذر كالمريضة وربما فرق بينهما بوجود النص (٣) على الإنفاق في المطلقة بخلاف الباقية في النكاح ، إلا أنه كما ترى ، ضرورة أولويتها منها بذلك ، والاتفاق على الإنفاق على الباقية‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢١ ـ من أبواب العدد الحديث ٢.

(٢) سورة الطلاق : ٦٥ ـ الآية ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب النفقات.

٣١٨

في النكاح ، وهو إن لم يكن أقوى من النص فلا يقصر عنه ، على أن ما دل من الكتاب (١) والسنة (٢) على النفقة للزوجة كاف ، وعلى كل حال فالأقوى وجوب الإنفاق عليها مع عدم اختصاص الشبهة بالواطي ، بل ومعه أيضا في وجه قوى.

ثم إنه لا فرق في الرجعية بين الحرة والأمة والحائل والحامل في معاملتها معاملة الزوجة في ثبوت النفقة وسقوطها بما تسقط به ، وتستمر إلى انقضاء العدة بوضع الحمل أو غيره ، ولو ظهر بها أمارات الحمل بعد الطلاق على وجه تحصل به الطمأنينة عرفا فعليه النفقة حينئذ إلى أن تضع أو يبين الحال ، فإن أنفق ثم بان أنه لم يكن حمل فله استرداد المدفوع إليها بعد انقضاء العدة في الأقوى وإن لم تكن مدلسة كما تسمع الكلام فيه إن شاء الله وتسأل حينئذ عن قدر الأقراء ، فإن عينت قدرا صدقت باليمين إن كذبها الزوج ، وبلا يمين إن صدقها وإن قالت : لا أعلم متى انقضت العدة سئلت عن عادة طهرها وحيضها فان ذكرت عادة مضبوطة عمل عليها ، وإن ذكرت أنها مختلفة أخذ بأقل عادتها ، ورجع الزوج فيما زاد ، لأنه المتيقن الذي لا تدعي زيادة عليه ، وإن قالت نسيت عادتي ففي البناء على أقل ما يمكن انقضاء العدة به ، لأصالة البراءة من الزائد أو على ثلاثة أشهر بناء على الغالب وجهان منشؤهما تعارض الأصلين المعتضدين بالظاهر والمتيقن.

وإن بانت حاملا وأتت به لمدة يمكن أن يكون منه فالولد له والنفقة عليه إلى حين الوضع لأنها بحكم الزوجة ، وإن أتت به لمدة لا يمكن لحوقه به انتفى عنه بغير لعان ، ولا تنقضي عدتها به عنه ، بل تكون بالأقراء ، فإن نسبته إلى غير الزوج وادعت أنه وطأها بعد الأقراء استعيد الفاضل ، وإن قالت بعد قرءين فلها نفقتهما ، ولا شي‌ء لها عن مدة الحمل بناء على ما سمعت ، وعليها تتمة الاعتداد بالقرء الثالث بعد الوضع ، ولها نفقته ، وإن قالت عقيب الطلاق فعدتها بعد الوضع ثلاثة أقراء ، ولا نفقة لها عن مدة الحمل ، والله العالم.

__________________

(١) تقدمت الايات الدالة على ذلك في ص (٣٠٢).

(٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب النفقات.

٣١٩

وتسقط نفقة البائن وسكناها سواء كان عن طلاق أو فسخ تبين به ، كما إذا كان بردته عن فطرة أو قبل الدخول أو بعيب فيها أو بنحو ذلك ، بلا خلاف أجده في شي‌ء منه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى الأصل بعد انقطاع الزوجية ، وإلى تظافر النصوص في المطلقة كصحيح ابن سنان أو موثقه (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سألته عن المطلقة ثلاثا على السنة هل لها سكنى أو نفقة؟ قال : لا » وخبر أبي بصير (٢) عنه عليه‌السلام أيضا سأل « عن المطلقة ثلاثا إلها سكنى ونفقة؟ قال : حبلي هي؟ قلت : لا ، قال : لا» وموثق سماعة (٣) قلت : « المطلقة ثلاثا إلها سكنى أو نفقة؟ فقال : حبلي هي؟ قلت : لا ، قال : ليس لها سكنى ولا نفقة » ‌على وجه لا يعارضها‌ صحيح ابن سنان (٤) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المطلقة ثلاثا على العدة لها سكنى أو نفقة؟ قال : نعم » ‌المحمول على الاستحباب أو كونها حاملا ، كالمروي عن قرب الاسناد (٥) عن « المطلقة إلها نفقة على زوجها حتى تنقضي عدتها؟ قال : نعم » ‌المحتمل زيادة على ذلك التقييد بالرجعية.

نعم لو كانت المطلقة بائنا حاملا لزمه الإنفاق عليها حتى تضع ، وكذا السكنى بلا خلاف أجده فيه أيضا ، بل الإجماع بقسميه عليه ، كالنص كتابا (٦) وسنة (٧) بل في القواعد ثبوتها للحامل البائنة بالفسخ على إشكال وإن كان الذي يقوى عدمه ، للأصل السالم عن المعارض حتى إطلاق الآية (٨) التي هي في ذيل أحكام المطلقات ، نعم لو قلنا بأن النفقة للحمل أمكن حينئذ وجوبها ، بل في القواعد الجزم به ، بل ظاهر كشف اللثام نفي الاشكال عنه وإن كان فيه ما ستعرفه.

__________________

(١) و (٢) و (٣) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب النفقات الحديث ٥ ـ ٦ ـ ٣

(٤) و (٥) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب النفقات الحديث ٨ ـ ١١

(٦) سورة الطلاق : ٦٥ ـ الآية ٦.

(٧) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب النفقات.

(٨) سورة الطلاق : ٦٥ ـ الآية ٦.

٣٢٠