جواهر الكلام - ج ٣١

الشيخ محمّد حسن النّجفي

فقال : لا بل الرجل قال : فان قالت المرأة لزوجها الذي طلقها : أنا أرضع ابني بمثل ما تجد من ترضعه فهي أحق به ».

وخبر داود بن الحصين (١) عنه عليه‌السلام أيضا في قول الله عز وجل ( وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ ) إلى آخره قال : « ما دام الولد في الرضاع فهو بين الأبوين بالسوية ، فإذا فطم فالأب أحق به من الأم ، فإذا مات الأب فالأم أحق به من العصبة ، فإن وجد الأب من يرضعه بأربعة دراهم وقالت الأم لا أرضعه إلا بخمسة دراهم فان له أن ينزعه منها ، إلا أن ذلك خير له وأرفق به أن يترك مع أمه » ‌إلى غير ذلك من النصوص الدالة على أحقية الأم إذا لم تكن مضارة بزيادة الطلب وإنما طلبت ما يطلب غيرها ، وأما لو طلبت زيادة كان للأب نزعه وتسليمه إلى غيرها للنهي (٢) عن المضارة وللنصوص (٣) السابقة المعتضدة بعدم الخلاف نقلا وتحصيلا أو الإجماع كذلك.

وحينئذ ف لو تبرعت أجنبية بإرضاعه فرضيت الأم بالتبرع فهي أحق به لما عرفت وإن لم ترض بذلك فللأب تسليمه إلى المتبرعة بل لعل ظاهر المصنف سقوط الحضانة أيضا كما ستسمع جزمه به فيما يأتي ، إنما الكلام فيما لو عصت به ولم تسلمه إلى الأب مع وجود المرضعة بالأقل فهل يسقط حقها أصلا ، لأنها تكون حينئذ كالأجنبية المتبرعة ، أو يسقط بالنسبة إلى ما طلبته من الزيادة؟ وجهان ، ظاهر الأصحاب والنصوص الأول ، لعدم الإذن حينئذ في رضاعها إياه شرعا ، ويحتمل قويا الثاني إن لم يكن إجماعا على عدمه ، بل يمكن تنزيل النص والفتوى عليه. فتأمل جيدا.

ثم إن الظاهر سقوط حقها مطلقا مع وجود المتبرعة مجانا ، وعن بعض العامة بل ربما حكى عن بعض منا أيضا أن مع رضاها بأجرة المثل تكون لها ، وجدت‌

__________________

(١) و (٣) الوسائل الباب ـ ٨١ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ١ ـ ٠

(٢) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٣٣.

٢٨١

المتبرعة أو لم توجد ، رضى الأب أو لم يرض ، لإطلاق قوله تعالى (١) ( فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ ) وغيره لكنه ـ بعد ما سمعت من النصوص ـ كالاجتهاد في مقابلة النص ، بل وقوله تعالى (٢) : « ( لا تُضَارَّ ). ( مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ ) » بل وفحوى قوله تعالى (٣) : ( وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى ).

( فرع : )

لو ادعى الأب وجود متبرعة وأنكرت الأم ف المحكي عن المبسوط أن القول قول الأب لأنه يدفع عن نفسه وجوب الأجرة فهو حينئذ منكر وهي مدعية وجوبها عليه ولكن على تردد كما عن التحرير ، لأصالة أحقية الأم كما سمعت النصوص (٤) الدالة عليه ، فوجود المتبرعة كالمانع الذي يحتاج مدعيه إلى البينة عليه ، خصوصا مع إمكان إقامتها عليه ، و‌قوله عليه‌السلام (٥) في النصوص « إلا أن يجد » ‌يراد منه إلا أن يوجد أو يعلم أنه يجد ، لا أن المراد إيكال ذلك إلى دعواه ، بل ينبغي الجزم به لو كانت الدعوى بعد حصول الرضاع ، فان عليه إقامة البينة على وجود المتبرعة حال رضاعها مع طلب انتزاعه منها وامتناعها ، ضرورة أصالة احترام عمل المسلم وماله ، والمراد من نحو المتن التداعي من أول الأمر ، مع أن الأقوى فيه أيضا ما سمعت ، نعم لو أقام بينة بعد ذلك أن المتبرعة كانت موجودة في ذلك الوقت الذي قلنا بتقديم قولها فيه سقطت أجرتها ، مع أنه قد يمنع مع فرض حصول اليمين وانقطاع الدعوى ، لذهاب اليمين بما فيها ، بل قد يحتمل ذلك مع عدم الحلف مع فرض عجزه عن البينة أو تساهله في إقامتها على دعواه ، فان عمل الامرأة ولبنها حينئذ محترم ، فيبقى على أصل الاحترام بعد فرض كون ذلك‌

__________________

(١) و (٢) سورة البقرة : ـ الآية ٢٣٣.

(٣) سورة البقرة : ـ الآية ٢٣٣.

(٤) و (٥) الوسائل الباب ـ ٨١ ـ من أبواب أحكام الأولاد ـ ٠ ـ ٢

٢٨٢

منها بالطريق الشرعي ، فتأمل جيدا ، والله العالم.

ويستحب أن يرضع الصبي بل المولود بلبن أمه فهو أبرك وأفضل من غيره لأنه أقرب إلى مزاجه ، ولقول الصادق عليه‌السلام في خبر طلحة بن يزيد (١) قال : « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : ما من لبن يرضع به الصبي أعظم بركة عليه من لبن أمه ».

كما أنه يستحب إرضاع المرضعة الولد من الثديين معا لخبر العباس بن الوليد عن أمه أم إسحاق بنت سليمان (٢) قالت : « نظر الصادق عليه‌السلام إلى وأنا أرضع أحد ابني محمد أو إسحاق فقال : يا أم إسحاق لا ترضعيه من ثدي واحد ، وأرضعيه من كليهما يكون أحدهما طعاما والأخر شرابا ».

وفي خبر جابر (٣) « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا وقع الولد في بطن أمه ـ إلى أن قال ـ : وجعل الله رزقه في ثدي أمه أحدهما شرابه والأخر طعامه » ‌الخبر.هذا ولكن ينبغي أن يعلم أن ظاهر استحباب الارتضاع بلبن الأم إنما هو من حيث الأمية المقابل بالأجنبية ، وإلا فقد تقتضي العوارض أولوية الارتضاع من غير الأم من حيث شرافة الأجنبية وطيب لبنها وخباثة الأم لكونها ذمية أو مجوسية أو غير عفيفة أو غير نقية أو نحو ذلك ، فالمراد حينئذ أنه مع تساوى المرضعات من كل الجهات الأمية جهة مرجحة ، والله العالم.

وأما الحضانة بالفتح والكسر فهي كما في القواعد والمسالك ولاية وسلطنة على تربية الطفل وما يتعلق بها من مصلحة حفظه وجعله في سريره وكحله وتنظيفه وغسل خرقه وثيابه ونحو ذلك ، وفيه أنه إن كان المراد أنها ولاية كغيرها من الولايات التي لا تسقط بالإسقاط وأنه تجب على الأم مراعاة ذلك على وجه لا تستحق عليه الأجرة ـ كما صرح به في المسالك ـ منهما ليس في شي‌ء من الأدلة‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦٨ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ٢ عن طلحة بن زيد وهو الصحيح.

(٢) و (٣) الوسائل الباب ـ ٦٩ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ١ ـ ٢

٢٨٣

ما يقتضي ذلك ، بل فيها ما يقتضي خلافه ، كالتعليق على مشيئتها والتعبير بالأحقية ، بل ظاهرها كون هذه الأحقية مثلها في الرضاع ، وحينئذ لا يكون ذلك واجبا عليها ، ولها إسقاطه والمطالبة بأجرته ، اللهم إلا أن يكون إجماعا ولم نتحققه ، بل لم نعثر على تحرير لأصل المسألة في كلماتهم ، نعم في الرياض « لا شبهة في كون الحضانة حقا لمن ذكر ، ولكن هل تجب عليه مع ذلك أم له إسقاط حقه منها؟ الأصل يقتضي ذلك ، وهو الذي صرح به الشهيد في قواعده فقال : لو امتنعت الأم من الحضانة صار الأب أولى ، ولو امتنعا معا فالظاهر إجبار الأب ، ونقل عن بعض الأصحاب وجوبها ، وهو حسن حيث يستلزم تركها تضييع الولد ، إلا أن حضانته تجب كفاية كغيره من المضطرين ، وفي اختصاص الوجوب بذي الحق نظر ، وليس في الأخبار ما يدل على غير ثبوت أصل الاستحقاق ، وهو لا يستلزم الوجوب » وهو كما ترى لا تحرير فيه ، بل ما ذكره من عدم إجبار الأب واضح الضعف ، والله العالم.

وعلى كل حال فأصله الحفظ والصيانة كما عن المقابيس ، ولعله يرجع إليه ما قيل من أنها من الحضن ، وهو ما دون الإبط إلى الكشح ، كما عن العين وغيره ، يقال :

حضن الطائر بيضه يحضنه إذا ضمه إلى نفسه ، ولا إشكال في أمرها كما في كشف اللثام إذا لم يفترق الزوجان بطلاق أو غيره ، فإذا افترقا فان كان الولد بالغا رشيدا تخير في الانضمام إلى من شاء منهما أو من غيرهما والتفرد ذكرا كان أو أنثى ، لأصالة عدم ولاية أحد على أحد المقتصر في خلافها على محل اليقين ، ولأنها إنما ثبتت مع ضعف المولى عليه ونقصه ، فإذا كمل فلا جهة للولاية عليه ، فلا عبرة بإطلاق بعض أخبار ما يوهم عموم ولاية الحضانة ، وهو جيد ، لكن قوله : « لا إشكال » إلى آخره فيه أنه لا فرق في حكم الحضانة بين الافتراق وعدمه ، اللهم إلا أن يريد من عدم الاشكال غلبة عدم التشاح والنزاع في الولد مع عدم الافتراق ، لا عدمه بالنسبة إلى الحكم ، والأمر سهل.

وإن كان صغيرا فالأم أحق بالولد مدة الرضاع ، وهي حولان ذكرا كان‌

٢٨٤

أو أنثى إذا رضعته هي بنفسها أو بغيرها بلا خلاف معتد به أجده فيه ، بل في الرياض « إجماعا ونصا وفتوى » لقوله تعالى (١) ( لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها ) وللنصوص (٢) السابقة الدالة على أحقية الأم ، ولمرسل المنقري (٣) « سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يطلق امرأته وبينهما ولد أيهما أحق؟ قال : المرأة أحق بالولد ما لم تتزوج » ورواه الصدوق عنه عن حفص بن غياث (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، وخبر أيوب بن نوح (٥) قال : « كتب إليه بعض أصحابه أنه كانت لي امرأة ولي منها ولد فخليت سبيلها ، فكتب : المرأة أحق بالولد إلى أن يبلغ سبع سنين إلا أن تشاء المرأة » وخبر داود الرقي (٦) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن امرأة حرة نكحت عبدا فأولدها أولادا ثم طلقها ، فلم تقم مع ولدها وتزوجت ، فلما بلغ العبد أنها تزوجت أراد أن يأخذ ولده منها ، وقال : أنا أحق بهم منك إذا تزوجت ، قال : ليس للعبد أن يأخذ منها ولدها وإن تزوجت حتى يعتق ، هي أحق بولدها منه ما دام مملوكا ، فإذا أعتق فهو أحق بهم منها ».

وخبر الفضيل بن يسار (٧) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « أيما امرأة حرة تزوجت عبدا فولدت منه أولادا فهي أحق بولدها منه ، وهم أحرار ، فإذا أعتق الرجل فهو أحق بولده منها لموضع الأب ».

وموثق جميل وابن بكير جميعا (٨) « في الولد من الحر والمملوكة ، قال : يذهب إلى الحر منهما » وخبر عبيد الله بن علي المروي عن الأمالي (٩) عن الرضا عن آبائه ، عن علي عليهم‌السلام « إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قضى بابنة حمزة لخالتها ، وقال : الخالة والدة ».

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٣٣.

(٢) و (٣) و (٥) الوسائل الباب ـ ٨١ ـ من أبواب أحكام الأولاد ـ ٠ ـ ٤ ـ ٦

(٤) أشار إليه في الوسائل الباب ـ ٨١ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ٤ وذكره في الفقيه ج ٣ ص ٢٧٥ الرقم ١٣٠٣.

(٦) و (٧) و (٨) و (٩) الوسائل الباب ـ ٧٣ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ٢ ـ ١ ـ ٣ ـ ٤

٢٨٥

وخبر أيوب بن نوح (١) قال : « كتب إليه مع بشار بن بشير : جعلت فداك رجل تزوج امرأة فولدت منه ثم فارقها متى يجب له أن يأخذ ولده؟ فكتب : إذا صار له سبع سنين فإن أخذه فله وإن تركه فله » ‌لكن عن ابن الفهد أن الحضانة مشتركة بين الأب والأم ، بل ادعى الإجماع ، وربما كانت الآية (٢) دالة عليه ، بل خبر داود بن الحصين (٣) السابق ظاهر فيه ، وفيه أن الإجماع موهون بمصير الأكثر إلى خلافه بل الكل ، ومعارضة صدر الخبر بذيله مع عدم وضوح المراد بالتسوية فيه ، إذ يمكن إرادة ذلك من جهة أن على الأم الرضاعة وعلى الأب الأجرة فتربيته بينهما بالسوية من هذه الحيثية ، وعلى كل حال فلا ريب في ضعفه.

نعم لا خلاف في اشتراط ذلك بما إذا كانت حرة مسلمة عاقلة وغير مزوجة بلا خلاف في الأربعة ف لا حضانة للأمة المقيدة بالرق المانع من ثبوت ولاية له باعتبار كونه كلا على مولاه لا يقدر على شي‌ء ، وكون المولى عليه لا يكون وليا بناء على أن الحضانة من الولايات ، وإلا كانت النصوص التي سمعتها هي الحجة ، مؤيدة بأن منافع الأمة مملوكة للسيد المقدم حقه على غيره ، من غير فرق في المملوك بين المدبر وأم الولد والمكاتب المشروط والمطلق إذا لم يتحرر منه شي‌ء أما المبعضة فيحتمل أن لها الحضانة بمقدار جزئها الحر في مدة المهاياة ، نحو ما في المسالك من أنه « لو كان نصف الولد رقا ونصفه حرا فنصف حضانته للسيد ونصفه للأم أو من يلي حضانة الحر من الأقارب ، فإن اتفقا على المهاياة أو على استئجار من يحصنه أو رضى أحدهما بالاخر فذاك وإن تمانعا لم يضيع واستأجر الحاكم من يحضنه ، وأوجب المئونة على السيد ومن يقتضي الحال الإيجاب عليه ، وليس هذا كتزاحم المتعددين في درجة على الحضانة كما سيأتي ، لأنه لا استحقاق‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٨١ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ٧ وفيه‌ « كتبت اليه مع بشر بن بشار. » ‌كما هو كذلك في السرائر ص ٤٧٩.

(٢) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٣٣.

(٣) الوسائل الباب ـ ٨١ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ١.

٢٨٦

هنا لكل واحد في مجموع الحضانة بخلاف ما يأتي ، فلا يتوجه القرعة » قلت : لكن يتوجه المهاياة بينهما في ذلك.

وكذا لا حضانة للكافرة مع الأب المسلم لكون الولد حينئذ مسلما بإسلام أبيه ( وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ) (١) بناء على أنها ولاية ، بل وإن قلنا : إنها أحقية ، فإن‌ « الإسلام يعلو ولا يعلى عليه » (٢) ‌والمسلم أحق من الكافر الذي يخشى على عقيدة الولد ببقائه عنده ونموه على أخلاقه وملكاته ، نعم لو كان الولد كافرا تبعا لأبويه فحضانته لها إلى أن يفطم إن ترافعوا إلينا ، بل في المسالك أنه لو وصف الولد الإسلام نزع من أهله ، ولم يمكنوا من كفالته ، لئلا يفتنوه عن الإسلام الذي قد مال إليه وإن لم يصح إسلامه ، وإن كان قد يناقش بأنه مخالف لمقتضى الأدلة التي لا يصلح الخروج عنها باعتبارات لا دليل عليها من الشرع.

ولا حضانة أيضا للمجنونة التي لا يتأتى منها الحفظ والتعهد ، بل هي في نفسها محتاجة إلى من يحضنها ، بل في المسالك « لا فرق بين أن يكون الجنون مطبقا أو منقطعا إلا إذا وقع نادرا أو لا يطول مدته ، فلا يبطل الحق ، بل هو كمرض يطرء ويزول » وفيه أن الأدواري وإن لم يكن نادرا لا يمنع جريان حكم المعاملة حال عدمه ، كما في نظائر المقام ، لإطلاق الأدلة ، بل قد يقال إن لم يكن إجماعا : إن الجنون وإن كان مطبقا لا يبطل حقها من الحضانة وإن انتقل الأمر حينئذ في تدبير ذلك إلى وليها كباقي الأمور الراجعة إليها ، ولعله لذا ترك المصنف اشتراطه ، وكأن من اشترطه نظر إلى كون الحضانة ولاية ، والمجنون معزول عنها ، وقد عرفت ما فيه.

ومنه يعلم ما في المسالك وغيرها من أن « في إلحاق المرض المزمن الذي‌

__________________

(١) سورة النساء : ٤ ـ الآية ١٤١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب موانع الإرث الحديث ١١ من كتاب المواريث.

٢٨٧

لا يرجى زواله كالسل والفالج بحيث يشغله الألم عن كفالته وتدبر أمره وجهين ، من اشتراكهما في المعنى المانع من مباشرة الحفظ ، وأصالة عدم سقوط الولاية مع إمكان تحصيلها بالاستنابة ، وبه يفرق بينه وبين الجنون » ضرورة أن السقوط مناف لإطلاق الأدلة على كل تقدير.

وكذا ما في المحكي عن قواعد الشهيد عن بعضهم من اشتراط أن لا يكون بها مرض معد من جذام أو برص مما يترتب على حضانتها من خوف الضرر على الولد ، وقد‌

قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) : « فر من المجذوم فرارك من الأسد » ‌ضرورة منافاة ذلك أيضا لإطلاق الأدلة ، خصوصا بعد‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) : « لا عدوى ولا طيرة » ‌على أنه يمكن التحرز عن ذلك بمباشرة غيرها بأمرها.

وكذا ما يحكى عنها أيضا من سقوط حضانتها أيضا بسفر الأب ، لجواز استصحابه الولد حينئذ فتسقط حضانتها ، وكذا ما يحكى عن مبسوط الشيخ من اعتبار كونها مقيمة فلو انتقلت إلى محل يقصر فيه الصلاة بطل حقها من الحضانة ، ثم حكى عن قوم أنه إن كان المنتقل هو الأب فالأم أحق به ، وإن كانت الأم‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب أحكام العشرة الحديث ٢ من كتاب الحج عن الصدوق ( قده ) بإسناده عن شعيب بن واقد عن الحسين بن زيد عن الصادق عن آبائه : في حديث المناهي قال : « وكره ان يكلم الرجل مجذوما ». ‌

الا أن هذه القطعة لم يذكر في حديث المناهي المروي في الفقيه ج ٤ ص ٢ بالسند المتقدم بعينه ، فما ذكره المعلق على الوسائل الطبع الحديث من أن في الاسناد وهم في غير محله ، فان سند حديث المناهي هو ذلك ، وهذه القطعة مذكورة في روايتين : الاولى في وصايا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي عليه‌السلام المروية في الفقيه ج ٤ ص ٢٥٨ الا أن السند غير السند المتقدم ، والثانية في ضمن المكروهات التي ذكرها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المروية في الفقيه أيضا ج ٣ ص ٣٦٣ بسند آخر.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب أحكام الدواب الحديث ١ من الحج.

٢٨٨

منتقلة فان انتقلت من قرية إلى بلد فهي أحق به ، وإن انتقلت من بلد إلى قرية فالأب أحق به ، لأن في السواد يقل تعليمه ، بل عنه أنه قواه.

والجميع كما ترى تهجس لا يجوز الخروج به عن إطلاق الأدلة ، ومن الغريب ذكرهم جملة من الأمور هنا بعنوان الشرطية لاستحقاق الحضانة ولم يذكروا شيئا منها في أحقية الرضاع مع اتحاد الوجه فيهما فتأمل.

وكذا الكلام في اعتبار العدالة التي من النادر حصولها في النساء باعتبار أن الفاسق لا ولاية له ، ولا يؤمن أن يخون في حفظه فلا حظ له في حضانتها إذ قد عرفت أنها ليست ولاية ، مع أن منشأها الشفقة التي هي من لوازم طبيعة كل حيوان ، ومن هنا قال في القواعد : « الأقرب عدم اشتراط العدالة » خلافا للمحكي عن مبسوط الشيخ وقواعد الشهيد وتحرير الفاضل ، فاشترطوا عدم الفسق.

وفي المسالك « أنه يمكن الجمع بين عدم اشتراط العدالة مع اشتراط عدم الفسق ، لثبوت الواسطة عند الأكثر ، ويجعل المانع ظهور الفسق لما يترتب عليه من الأخطار السابقة ، بخلاف غير من المستورين وإن لم تظهر عدالته بالمعنى الذي اعتبره المتأخرون » وفيه أن مقتضى إطلاق الأدلة أيضا خلاف ذلك ، خصوصا مع غلبة الفسق في النساء ، نعم لو ظهر عدم ائتمان المرأة على الولد أمكن حينئذ دعوى سقوط حضانتها وعدم شمول الإطلاقات لها ، بل في كشف اللثام أنه لا شبهة في ذلك.

أما اشتراط عدم التزويج فلا أجد فيه خلافا ، بل في الروضة الإجماع عليه ، وهو الحجة بعد مرسل المنقري (١) المنجبر بما عرفت ، بل وفحوى خبر داود الرقي (٢) معتضدا ذلك كله‌ بالنبوي (٣) العامي إنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « الأم أحق بحضانة ابنها ما لم تتزوج » وفي آخر (٤) « إن امرأة قالت يا رسول الله إن ابني هذا كان‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٨١ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ٧٣ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ٢.

(٣) المستدرك الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ٥.

(٤) سنن البيهقي ج ٨ ص ٤.

٢٨٩

بطني له وعاء وثديي له سقاء وحجري له حواء وإن أباه طلقني وأراد أن ينتزعه مني ، فقال لها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنت أحق به ما لم تنكحي » ‌وبأنها بالتزويج تشتغل بحقوق الزوج عن الحضانة ، وإذنه لا تجدي كإذن السيد لاحتمال رجوعه فيتشوش أمر الولد ، والعمدة النص والإجماع ، إذ حقوق الزوجية لا تنافي حق الحضانة وإلا لنافتها وهي في حباله ، على أن ظاهر النص والفتوى سقوط حق حضانتها بمجرد عقد النكاح وإن لم يحصل دخول يقتضي التشاغل في حق الزوج ، بل ظاهرهما ذلك أيضا ولو التزم الزوج الجديد بملزم شرعي لعدم الرجوع بالاذن لها وبما لا ينافي الحضانة أو فرض التزويج بحال لا ينافي الحضانة.

إنما الكلام في عود الحضانة لها بالطلاق وعدمه ، فعن الشيخ الأول ، لوجود المقتضي وفرض ارتفاع المانع ، وعن ابن إدريس الثاني ، لاستصحاب السقوط بعد عدم الدليل على العود ، قيل وعلى الأول أنه يعود بمجرد وقوعه إذا كان بائنا ، وإن كان رجعيا فبعد العدة ، ويحتمل عوده بمجرده أيضا ، لعدم الاشتغال بحقوق الزوجية معه وإن كان رجعيا.

بقي شي‌ء : وهو أن ما قلناه من الحضانة للأم مدة الرضاعة أي الحولين مشروط بارتضاعه منها ، فلو فطم قبل الحولين ترتفع حضانتها ، كما هو مقتضى‌ قوله عليه‌السلام (١) : « فإذا فطم فالأب أحق منها » ‌أو أن لها الحضانة في مدة تمام الحولين وإن فطم قبلهما ، وإنما ترتفع حضانتها بتمامهما وإن بقي يرتضع بعدهما؟ وجهان ، لا يخلو ثانيهما من قوة ، للأصل وإمكان تنزيل‌ قوله عليه‌السلام (٢) : « حتى يفطم » ‌على الغالب من الحولين ، فتأمل جيدا ، هذا كله في مدة الرضاعة أي الحولين.

ف أما إذا فصل الولد وانقضت مدة الرضاعة فالوالد أحق بالذكر والأم أحق بالأنثى حتى تبلغ سبع سنين من حين الولادة على الأشهر بل المشهور ، بل عن الغنية الإجماع عليه فيهما ، والسرائر في الأول لخبري الكناني (٣)

__________________

(١) و (٢) الوسائل الباب ـ ٨١ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ١ ـ ٢

(٣) الوسائل الباب ـ ٨١ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ٢.

٢٩٠

وداود بن الحصين (١) المتقدمين وإن شملا الأنثى إلا أن المراد منهما الذكر ، جمعا بينهما وبين ما دل على السبع من خبري أيوب بن نوح (٢) السابقين المنزلين على الأنثى ، والشاهد الإجماع المحكي فيهما المؤيد بالاعتبار ، إذ الوالد أنسب بتربية الذكر وتأديبه ، كما أن الوالدة أنسب بتربية الأنثى وتأديبها.

وقيل والقائل المفيد وسلار والقاضي فيما حكي عنهم الأم أحق بها حتى تبلغ تسعا إلا أنا لم نقف على مستنده اللهم إلا أن يقال : إنها لما كانت مستورة ولا بد للأب من التبرج كثيرا لم يكن بد من ولي يربيها إلى البلوغ ، وحده تسع سنين ، أو تستصحب الحضانة إليها بعد تنزيل خبري السبع على الذكر ، كما عن الخلاف والمبسوط وأبي علي والقاضي أيضا ، فيقتصر بهما على الخروج منه عليه خاصة ، فإنه وإن كان مطلقا إلا أن الأليق ولاية الأب عليه إذا بلغ سبعا والأنثى بخلافه ، إذ بلوغ السبع وقت التأديب والتربية لهما ، وتأديبه أليق بالأب وتربيتها بالأم ، وربما يؤيد النصوص (٣) الواردة في إهمال الصبي سبعا ، وضمه ولزومه للأب وتعليمه الكتاب سبعا ، وتعليمه الحلال والحرام سبعا ، بل منها مال في الحدائق إلى التوقيت بالسبع في الذكر والأنثى ، إلا أنه قد فاته ملاحظة نصوص (٤) التعليق على الفطام.

وقيل والقائل الصدوق في المحكي عن مقنعة وأبو علي فيما حكى عنه أيضا إن الأم أحق بها ما لم تتزوج الأم لمرسل المنقري (٥) وخبر حفص بن غياث (٦) السابق ، ولكن يمكن حمل الخبر وكلاميهما على ما قبل البلوغ على‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٨١ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٨١ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ٦ ـ ٧.

(٣) الوسائل الباب ـ ٨٢ و ٨٣ ـ من أبواب أحكام الأولاد.

(٤) و (٥) الوسائل الباب ـ ٨١ ـ من أبواب أحكام الأولاد ـ ٠ ـ ٤

(٦) راجع التعليقة (٤) من ص ٢٨٥.

٢٩١

ما يقتضيه الأصول ، كما عن صريح الخلاف ، فيوافق القول بالانتهاء إلى تسع سنين ، وعلى كل حال ف الأول أظهر لما عرفت. ثم يكون الأب أحق بها حينئذ.

وكذا قد عرفت أنه لو تزوجت الأم سقطت حضانتها عن الذكر والأنثى وكان الأب أحق بهما للنص (١) والإجماع السابقين ، لكن من المعلوم إرادة تزويجها بغير الأب وإلا لسقطت حضانتها وهي في حباله قبل أن تفارقه ، وهو معلوم العدم ، فمن الغريب ما في المسالك من احتمال ذلك.

نعم ينبغي أن لا يمنع الولد من زيارتها والاجتماع معها كما لا تمنع هي من زيارته والاجتماع معه ، لما في ذلك من قطع الرحم والمضارة بها ، فان كان ذكرا ترك يذهب إلى أمه ، وإن كانت أنثى أتتها هي زائره مع فرض الضرر عليها بخروجها وإلا مضت هي إليها ، والمراد عدم منع المواصلة بينهما مع فرض عدم التضرر على الطفل بها ، وخصوصا في حال مرضه أو مرضها أو موت كل منهما ، كما هو واضح ، هذا كله في الذكر والأنثى.

أما الخنثى المشكل ففي إلحاقه بالذكر أو بالأنثى قولان ، منشؤهما استصحاب حق حضانة الأم الثابت قبل تمام الحولين ، للشك في المزيل ، إذ هو الذكورة ولم تتحقق ، وكون استحقاقها مشروطا بالأنوثية ولم يعلم.

وفي المسالك وغيرها « الأقوى الأول لوجوب جريان أحكامها عليها من الستر ونحوه ، ودخوله في عموم الأخبار (٢) الدالة على استحقاقها الولد مطلقا ، خرج منه الذكر لمناسبة تربيته وتأديبه فيبقى الباقي » وفيه منع وجوب الستر عليها في غير متيقن الشغل ، كالصلاة المحتاجة إلى البراءة اليقينية ، وعموم أخبار السبع (٣) ليس بأولى من عموم أخبار التعليق على الفطام (٤) الذي لم يعلم خروج غير‌

__________________

(١) و (٢) الوسائل الباب ـ ٨١ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ٤ ـ ٠ ـ

(٣) الوسائل الباب ـ ٨١ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ٦ ـ ٧.

(٤) الوسائل الباب ـ ٨١ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ١ و ٢.

٢٩٢

الأنثى منه ، فالمتجه حينئذ الرجوع إلى إطلاق ولاية الأب على ولده المقتصر في تقييده على خصوص الحولين في حضانة الذكر والسبع في حضانة الأنثى ، فيبقى الخنثى في غير القدر المشترك أي الحولين تحت الإطلاق.

وكيف كان ف لو مات الأب بعد انتقال الحضانة إليه أو قبله كانت الأم أحق بهما من الوصي للأب ومن باقي أقاربه حتى أبيه وامه فضلا عن غيرهما ، كما أنها لو ماتت هي في زمن حضانتها كان الأب أحق بهما من وصيها ومن أبيها وأمها فضلا عن باقي أقاربها بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك ، بل ظاهرهم الإجماع عليه ، للأصل في بعض الصور متمما بعدم القول بالفصل ، ولأنها أشفق وأرفق ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ ) (١) ولما في‌ مرسل ابن أبي عمير عن زرارة (٢) عن الباقر عليه‌السلام المتقدم سابقا « وليس للوصي أن يخرجه من حجرها حتى يدرك ويدفع اليه ماله ».

وما في‌ خبر داود بن الحصين (٣) السابق أيضا « فإذا مات الأب فالأم أحق به من العصبة » ‌ولظهور قوله تعالى (٤) ( لا تُضَارَّ ) إلى آخره في كون الحق لهما دون غيرهما ، إلا أنه مع وجودهما كان تفصيل الأمر بينهما شرعا على ما عرفت ، أما مع موت أحدهما يبقى الآخر بلا معارض ، فلا يضار بأخذ الولد منه ، بل لعل ذلك ظاهر النصوص (٥) السابقة باعتبار إثبات الأحقية للأم في الذكر حتى يفطم فيكون الأب أحق به ، وفي الأنثى سبعا ، فيكون الأحق الأب ، فأصل الحق ثابت لكل منهما إلا أنه يكون غيره أحق منه ، ومن المعلوم أن ذلك يكون مع وجوده ، أما مع عدمه‌

__________________

(١) سورة الأنفال : ٨ ـ الآية ٧٥.

(٢) أشار إليه في الوسائل الباب ـ ٧١ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ٢ وذكره في التهذيب ج ٨ ص ١٠٦ الرقم ٣٥٦ الا أنه لم يتقدم هذا المرسل سابقا ، وانما ذكر لفظه في صحيح ابن سنان المتقدم في التعليقة (٣) من ص ٢٧٥.

(٣) و (٥) الوسائل الباب ـ ٨١ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ١ ـ ٠

(٤) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٣٣.

٢٩٣

فليس الحق حينئذ إلا لذي الحق ، ضرورة فرض عدم الأحق منه ، وكأن ذلك ونحوه منشأ اتفاق الأصحاب ، فما وقع من بعض الناس ـ من الإشكال في ذلك باعتبار خلو النصوص عن التعرض لذلك ـ في غير محله.

ومنه يعلم الوجه فيما يقتضيه إطلاق العبارة وغيرها من كونها حينئذ أحق حتى لو كانت متزوجة ، كما هو صريح المحكي عن إرشاد العلامة وتلخيصه ، لكن في المسالك « أن باقي عبارات الأصحاب في ذلك مجملة ، كعبارة المصنف محتملة لتقييدها بكونها غير مزوجة نظرا إلى أنه شرط في الحضانة مطلقا ، وإلى التعليل المذكور باشتغالها بحقوق الزوج ، فإنه آت هنا » ولا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرنا ، وبعد ما سمعته سابقا مما في التعليل المزبور الذي لا أثر له في شي‌ء من النصوص ، مضافا إلى ما عساه يستفاد من قول المصنف وغيره.

وكذا لو كان الأب مملوكا أو كافرا كانت الأم الحرة المسلمة أحق بهما وإن تزوجت بل لعله لا خلاف فيه ، إذ ليس ذاك إلا من جهة عدم حق لهما في الحالين ، فيبقى حقها حينئذ بلا معارض نحو ما سمعته في المقام ، بل هو منشؤ النصوص (١) السابقة المصرحة بأولوية الأم مع رقية الأب ، بل‌ في بعضها (٢) « وإن تزوجت ».

وأما الكافر فإنه وإن لم يكن فيه نص إلا أن من المعلوم عدم ولايته على المسلم وعدم معارضته له ، لأن‌ « الإسلام يعلو ولا يعلى عليه » (٣) فهو حينئذ أنقص من المملوك بالنسبة إلى ذلك ، فيكون أولى منه بالحكم المزبور.

ومن هنا يعلم أن ما اعتبر في الحضانة بالأم معتبر أيضا في الأب عدا التزويج إلا أن المصنف لما اقتصر هناك على الحرية والإسلام ذكرهما خاصة هنا ، وأما العقل وغيره مما سمعته فيما تقدم فالكلام فيها كالكلام هناك ، فالضابط حينئذ أن الأب إنما يكون أولى من الأم مع اجتماع شرائط الحضانة فيه التي منها الإسلام‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٧٣ ـ من أبواب أحكام الأولاد ـ ٠ ـ ٢

(٣) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب موانع الإرث الحديث ١١ من المواريث.

٢٩٤

والحرية قطعا ، بل في المسالك والعقل إجماعا وإن كان فيه الاحتمال السابق.

وأما الإقامة والحضر والسلامة من الأمراض المزمنة والمعدية فعلى البحث السابق ، فمتى اختل شرط من شروطها فيه كانت الأم أحق بالولد مطلقا إلى أن يبلغ ، ومتى اختل شرط من شروطها فيها فالأب أحق به مطلقا ، ومتى مات أحدهما انتقل الحق إلى الآخر مطلقا ، لما عرفته مفصلا ، واشتراط عدم تزويجها إنما يعتبر في ترجيحها على الأب مع اجتماع الشرائط ف يه خاصة.

نعم لو أعتق العبد كان حكمه حكم الحر بلا خلاف أجده فيه للنص (١) المتقدم ، ومثله ما لو أسلم الكافر أو عقل المجنون أو عدل الفاسق إلى غير ذلك من الشرائط السابقة بناء على اعتبارها ، ضرورة اتحاد الجميع في المدارك ، وهو أن الولاية ثابتة بالأصل وإنما تخلفت لفقد الشرط ، فإذا حصل ثبتت. أو أن هذه الأشياء موانع ، فإذا زالت أثرت لإطلاق ما دل (٢) على أن الأب مثلا أحق بالحضانة الشامل لمحل الفرض ، خصوصا بعد فحوى ما ورد (٣) في العبد من أنه لو أعتق كان أحق لموضع الأب المراد منه أن الأبوة المقتضية لأحقيته متحققة فيه ، إلا أنه كانت الرقية مانعة من تأثيرها ، فلما زالت اقتضت الأبوة مقتضاها ، وهو أمر جار في جميع نظائره ، كما هو واضح ، ولا ينافي ذلك عدم عودها بالطلاق بناء عليه ، لظهور الدليل في سقوط أحقيتها بأصل وقوع النكاح منها ، وهو متحقق منها وإن طلقت ، فتأمل والله العالم.

وكيف كان فان فقد الأبوان فالحضانة لأب الأب أي الجد للأب ، وفاقا للمحكي عن ابن إدريس والفاضل ، لأن أصل الحضانة للأب لأن له الولد انتقلت عنه إلى الأم مع وجودها بالنص والإجماع ، فإذا انتفيا انتقلت إلى أب الأب ، لأنه أب ومشارك للأب في كون الولد له ، وله الولاية عليه في المال وغيره ، وكذا في‌

__________________

(١) و (٣) الوسائل الباب ـ ٧٣ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٨١ ـ من أبواب أحكام الأولاد.

٢٩٥

الحضانة ، ولا يرد أن أم الأم وأم الأب يسميان بالأم فيشملهما ما دل على حضانة الأم ، لأنها لما خالفت الأصل اقتصرنا فيها على المتيقن.

فان عدم أي الأب للأب قيل كانت الحضانة للأقارب وترتبوا ترتب الإرث نظرا إلى أولوية الأرحام في الآية (١) وفيه تردد أو منع إذ المتجه حينئذ كون الحضانة للوصي للأب ثم للوصي للجد ، لكونهما نائبين عنهما وقائمين مقامهما ، ومنها حضانة الطفل وتربيته والسعي في مصالحه ومفاسده ، وربما استفيد من مرسل ابن أبي عمير (٢) ثبوت حق في الجملة للوصي وإن كانت الأم أحق منه ، لكن لم أجده قولا لأحد من الأصحاب مع كثرة أقوالهم في المسألة وتشتتها.

( فمنها ) ما سمعت من أنها للجد من الأب مع فقد الأبوين ، ومع عدمه فان كان للولد مال استأجر الحاكم من يحضنه وإلا كانت حكم حضانته حكم الإنفاق تجب على الناس كفاية كما عن ابن إدريس ، وربما قيل : إنه ظاهر المصنف أيضا ، وإن كان فيه ان تردده في انتقالها إلى الأرحام أعم من ذلك ، لإمكان صيرورتها إلى الوصي الذي سمعته أو إلى الحاكم بعده أو من أول الأمر باعتبار أنه ولي من لا ولي له ، فيحضنه حينئذ من بيت المال.

و ( منها ) أن حضانته بعد الأبوين للأولى بميراثه ، فان اتحد وإلا أقرع بينهم ، لأنه لاحظ للولد في الشركة به ، وهو الذي اعتمده في المسالك لاية ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ ) (٣).

و ( منها ) ما في محكي الإرشاد من أنها للأجداد دون من شاركهم في الإرث من الإخوة ، فإذا عدموا فالى باقي مراتب الإرث ، إلا أنه لم يفصل بين الأجداد للأب وللأم ، ولا بين القريب والبعيد.

و ( منها ) ما عن المفيد من أنها تكون لأم الأب ، فان لم تكن فلأبيه ، فإن‌

__________________

(١) سورة الأنفال : ٨ ـ الآية ٧٥.

(٢) راجع التعليقة (٢) من ص ٢٩٣.

(٣) سورة الأنفال : ٨ ـ الآية ٧٥.

٢٩٦

لم يكونا فلأم الأم.

و ( منها ) ما عن أبي علي من أنه من مات من الأبوين كان الباقي أحق به من قرابة الميت ، إلا أن يكون المستحق له غير رشيد ، فيكون من قرب إليه أولى به ، فان تساوت القرابات قامت القرابات مقام من هي له قرابة في ولايته ـ إلى أن قال ـ : والأم أولى به ما لم تتزوج ، ثم قرابتها أحق به من قرابة الأب ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) في ابنة حمزة : « يدفعها لخالتها دون أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه وجعفر » ‌إلى آخره. إلى غير ذلك من أقوالهم المنتشرة التي لم نقف لها على دليل معتبر ، إذ ليس فيما عثرنا عليه هنا مما يصلح مدركا ولو في الجملة إلا الآية وخبر بنت حمزة وإشعار‌ قوله عليه‌السلام في الخبر (٢) السابق : « الأم أحق به من العصبة » ‌كقوله في آخر : « أحق به من الوصي وولاية الجد للأب » ‌ونحو ذلك مما لا يستفاد منه شي‌ء من هذه الأقوال ، نعم دعوى عدم الحضانة لشي‌ء من الأرحام سوى الأب والأم والجد للأب كما عن ابن إدريس واضحة الضعف ، للاية وخبر بنت حمزة وما يشعر به قوله تعالى (٣) : ( وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ ) من معلومية هذا الحال في ذلك الزمان مضافا إلى فعل زكريا ، والذي يقوى في النظر كونها للجد من قبل الأب بعد فقد الأبوين ، ثم للوصي المتأخر موته منهما ، ثم للأرحام على مراتبهم في الإرث ، ثم للحاكم ، ثم للمسلمين كفاية ، والله العالم.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٧٣ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ٤ والمستدرك ـ الباب ـ ٥٢ ـ منها الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٨١ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ١.

(٣) سورة آل عمران : ٣ ـ الآية ٤٤.

٢٩٧

( فروع أربعة )

( على هذا القول : )

( الاول )

الأول قال الشيخ « ره » : إذا اجتمعت أخت لأب وأم أو لأب وأخت لأم كانت الحضانة للأخت من الأب نظرا إلى أن كثرة النصيب في الإرث تقتضي زيادة القرب ، فتكون أولى ، أو أن البنت من السببين أولى من السبب الواحد وقد سمعت الاشكال من المصنف في أصل الاستحقاق للحضانة ، للأصل واختصاص النص بالأب والأم وإرادة الأولوية بالإرث من الآية (١) وعلى تقديره فالإشكال في الترجيح أيضا ومنشؤهما تساويهما في الدرجة التي يستحقان بها الإرث ، وزيادة النصيب أعم من كونها للقرب المقتضي للاختصاص في الحضانة ، ومن هنا كان المحكي عنه في موضع من مبسوطه أنه قال : « وإن قلنا : إنهما سواء ويقرع بينهما كان قويا » بل ستسمع كلامه في الفرع الثالث.

وكذا قال في أم الأم مع الأب فخص الحضانة بالثانية لذلك أيضا وفيه الإشكال من الوجهين وإن كان قد عرفت ما في أولهما ، نعم هو لا يخلو من وجه في ثانيهما ، مع إمكان القول بأن ذلك مرجح لأحدهما على وجه يرفع القرعة المعتبر في محلها التساوي في الفردين من كل وجه ، وفيه منع كون ذلك مرجحا بعد أن‌

__________________

(١) سورة الأنفال : ٨ ـ الآية ٧٥.

٢٩٨

لم يكن عليه دليل شرعي ، على أنه يعارض في الثاني بأن أم الأم أم أو بمنزلتها ، فينبغي أن تكون مقدمة على من كان بمنزلة الأب خصوصا بعد المحكي عنه في‌ الفرع :

( الثاني : )

وهو أنه قال في جدة وأخوات : الجدة أولى لأنها أم فيشملها النص حينئذ وإن اتفق قلة نصيبها من الأخت ، وفيه منع كونها أما حقيقة ، ولذا يصح السلب عنها ، فيقال : ليست أما وإنما هي أم أم أو منع إرادتها منها هنا ولو للانسياق وإلا لقدمت على الأب ، ولعله لذا كان المحكي عنه في المبسوط تساويهما أي الأخوات والجدة في الاستحقاق لاشتراكهما في أصل الإرث فيتناولهما آية أولى الأرحام (١) ولعله الأقوى وفاقا لثاني الشهيدين ، وحينئذ فيقرع بينهما ، وللشافعي قول على ما قيل ترجيح (٢) الأخت ، لأنها ركضت مع المولود في رحم أو صلب.

الفرع ( الثالث )

قال : أي الشيخ أيضا إذا اجتمعت عمة وخالة فهما سواء مع زيادة نصيب العمة على الخالة ، وهذا مما يدل على اضطرابه في المسألة ، اللهم إلا أن يكون منشؤه تعارض الترجيح بزيادة النصيب مع التعليل في خبر (٣) بنت حمزة بأن الخالة أم فيتساويان ويقرع بينهما حينئذ.

__________________

(١) سورة الأنفال : ٨ ـ الآية ٧٥.

(٢) هكذا في النسخة الأصلية المبيضة الا أن الموجود في المخطوطة بخط المصنف طاب ثراه « بترجيح » وهو الصحيح.

(٣) الوسائل الباب ـ ٧٣ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ٤.

٢٩٩

( الفرع الرابع : )

قال : إذا حصل جماعة متساوون في الدرجة كالعمة والخالة أقرع بينهم لأنه لاحظ للصبي في الاشتراك بحضانته دفعة أو مهايأة وما يشعر به قصة مريم (١) وحيث يتعين أحد بالقرعة يستمر الاستحقاق إلى أن يموت أو يعرض عن حقه ، فينتقل إلى غيره إن اتحد ، وإلا افتقر إلى القرعة أيضا ، كما هو واضح.

ومن لواحق الحضانة ثلاث مسائل :

( الأولى )

قد سمعت النص (٢) والفتوى على أنه إذا طلبت الأم للرضاعة أجرة زائدة عن غيرها سواء كانت أجرة المثل أو أزيد فضلا عن وجود المتبرعة فله نزعه منها وتسليمه إلى الأجنبية ولكن في سقوط حضانة الأم حينئذ تردد ينشؤ من تبعيتها في العادة له ، بل العسر والحرج زمانا ومكانا في تفريقهما ، وظهور لفظ النزع في الخبر (٣) ومن كونهما حقين متغايرين لا يسقط أحدهما بالاخر ، ومن ذلك يعلم حينئذ حال العكس الذي لم أجد فيه خلافا وإن كان يمكن جريان التردد فيه.

وعلى كل حال ف السقوط هنا أشبه بأصول المذهب وقواعده ، ضرورة معلومية أصالة أحقية الوالد بولده المنسوب إليه إلا أنه خرج عنها الحضانة التابعة للرضاع لأنها المتيقنة من النص ، فيبقى غيرها على الأصل.

__________________

(١) سورة آل عمران : ٣ ـ الآية ٤٤.

(٢) و (٣) الوسائل الباب ـ ٨١ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ١.

٣٠٠