جواهر الكلام - ج ٣١

الشيخ محمّد حسن النّجفي

بقسميه عليه وذلك لأن الختان واجب في نفسه بالضرورة من المذهب والدين التي استغنت بذلك عن تظافر النصوص كغيرها من الضروريات ، على أن في‌ خبر السكوني (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « قال أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه : إذا أسلم الرجل اختتن ولو بلغ ثمانين » ‌ولا قائل بالفصل ، وكتب الرضا عليه‌السلام إلى المأمون (٢) « الختان سنة واجبة للرجال ومكرمة للنساء » ‌ومنه يظهر وجه الدلالة في المستفيض من النصوص (٣) أو المتواتر من كون الختان سنة ، وفي بعضها (٤) « السنة في الختان على الرجال ، وليس على النساء » وفي آخر (٥) « من الحنيفية الختان » وفي صحيح ابن سنان (٦) « ختان الغلام من السنة ، وخفض الجواري ليس من السنة ».

وفي‌ خبر السكوني (٧) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « خفض النساء مكرمة ليست من السنة ، وليست شيئا واجبا ، وأي شي‌ء أفضل من المكرمة » ‌فإن المراد بعد معلومية استحبابه في النساء نفي الوجوب ، فيدل على إرادة الواجبة من السنة في مقابلتها ، إلى غير ذلك من النصوص الدالة على كونه من الحنيفية التي أمرنا باتباعها ، وكونه من السنة الواجبة في نفسه ، لا لكونه شرطا في صحة الصلاة ، لعدم ثبوت ذلك.

فمن الغريب وسوسة المحدث البحراني عند ذلك كله وميلة إلى عدم الوجوب نعم في وجوبه على الولي قبل البلوغ خلاف ، والأشهر بل المشهور العدم ، للأصل‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥٥ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ٩.

(٣) الوسائل الباب ـ ٥٢ و ٥٤ و ٥٦ و ٥٨ ـ من أبواب أحكام الأولاد.

(٤) و (٦) الوسائل الباب ـ ٥٦ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ١ ـ ٢

(٥) الوسائل الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ٣ وفيه‌ « من الحنيفية الختن » ‌

(٧) الوسائل الباب ـ ٥٦ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ٣ وهو خبر مسعدة ابن صدقة.

٢٦١

وظهور ما تضمن خطاب الولي من النصوص السابقة في الاستحباب ، خصوصا المصرح فيها بجواز التأخير ، وخصوصا المشتمل منها على التعليل المناسب للاستحباب ، خلافا للمحكي عن الفاضل في التحرير فأوجبه ، بل في المسالك « أنه ظاهر عبارة المصنف ، لإطلاق حكمه عليه بالوجوب ، ولا ينافيه حكمه بالاستحباب يوم السابع لأن الوجوب على هذا القول موسع ، وأفضل أفراده السابع ، كما يقال يستحب صلاة الفريضة في أول وقتها وحينئذ يكون الوجوب متعلقا بالولي ، فان لم يفعل إلى أن بلغ الصبي أثم وتعلق الوجوب بالصبي » وفيه أن الأظهر في عبارة المصنف ما ذكرنا من الاستحباب على الولي قبل البلوغ والوجوب على الصبي بعده ، كما عرفت.

والخنثى المشكل يقوى عدم الوجوب عليه ، للأصل ، لكن في المسالك « في وجوبه وتوقف صحة صلاته عليه وجهان ، من الشك في ذكوريته التي هي مناط الوجوب معتضدا بأصالة البراءة ، ومن توقف حصول اليقين بصحة الصلاة عليه ، وتناول قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) : « اختنوا أولادكم يوم السابع » ‌خرج الأنثى منه خاصة ، فيبقى الباقي » وفيه ما لا يخفى بعد ما عرفت من عدم توقف صحة الصلاة عليه وكون عنوان الوجوب الذكر ، هذا كله في الذكر.

وأما في الإناث المعبر عنه في كلام الأصحاب ب خفض الجواري ف مستحب بلا خلاف ، بل الإجماع بقسميه عليه ، والنصوص (٢) مستفيضة فيه أو متواترة ، وقد تقدم جملة ، ولا يجب على الولي قبل البلوغ ولا عليهن بعده ، والظاهر أن وقته فيهن لسبع سنين ، بل في‌ خبر غياث بن إبراهيم (٣) عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما‌السلام « لا تخفض الجارية حتى تبلغ سبع سنين ».

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ٩ والباب ـ ٥٦ ـ منها الحديث ٣ والباب ـ ٥٨ ـ منها والباب ـ ١٨ ـ من أبواب ما يكتسب به من كتاب التجارة.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من أبواب ما يكتسب به الحديث ٣ وهو خبر وهب عن جعفر عن أبيه عن على عليهم‌السلام كما في التهذيب ج ٦ ص ٣٦٠ الرقم ١٠٣٣.

٢٦٢

كما أنه ينبغي عدم استئصال فيه ، لصحيح ابن مسلم (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « لما هاجرن النساء إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هاجرت فيهن امرأة يقال لها أم حبيب وكانت خافضة تخفض الجواري ، فلما رآها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لها : يا أم حبيب العمل الذي قد كان في يدك هو في يدك اليوم؟ قالت : نعم يا رسول الله إلا أن يكون حراما تنهاني عنه ، فقال : لا بل حلال ، فادني حتى أعلمك ، قال : فدنت منه ، فقال : يا أم حبيب إذا أنت فعلت فلا تنهكي أي لا تستأصلي ، وأشمي فإنه أشرق للوجه وأحظى للزوج ».

وعلى كل حال فقد ظهر لك مما ذكرنا الحال فيما لو أسلم كافر غير مختتن وجب أن يختن نفسه ولو كان مسنا وقد سمعت الخبر (٢) المشتمل عليه. وظهر لك أيضا فيما لو أسلمت امرأة وانه لم يجب ختانها ولكن استحب لها ذلك ، وفي‌ خبر أبي بصير (٣) « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الجارية تجي‌ء من أرض الشرك فتسلم فتطلب لها من يخفضها فلا تقدر على امرأة فقال : أما السنة في الختان على الرجال وليس على النساء ».

وأما ثقب الأذن فلا خلاف أجده في استحبابه ، بل الإجماع بقسميه عليه مضافا إلى السيرة المستمرة وإلى النصوص التي تقدم بعضها ، وفي‌ خبر السكوني (٤) قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يا فاطمة اثقبي أذني الحسن والحسين عليهما‌السلام خلافا لليهود » ‌وفي‌ خبر مسعدة بن صدقة (٥) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « إن ثقب أذن الغلام من السنة » ‌ونحوه صحيح عبد الله بن سنان (٦) فما وقع من بعض العامة من الوسوسة في ذلك باعتبار ما فيه من الإيذاء ، والتأليم اجتهاد في مقابلة النص ، ثم إنك قد سمعت اشتمال بعض (٧) النصوص على ثقب الأذنين بل على التفصيل في كيفية الثقب في‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من أبواب ما يكتسب به الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٥٥ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٥٦ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ١.

(٤) و (٥) و (٦) و (٧) الوسائل الباب ـ ٥١ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ٤ ـ ١ ـ ٣ ـ ٢

٢٦٣

اليمنى واليسرى ، وفي آخر (١) كالفتاوى ثقب الأذن ولا يبعد دعوى الاستحباب في كل منهما ، كما لا يبعد استحباب تلك الكيفية الخاصة ، والأمر سهل ، والله العالم.

هذا ويستحب الدعاء عند ختان الولد بما في‌ خبر مرازم بن حكيم (٢) عن الصادق عليه‌السلام « في الصبي إذا ختن تقول : اللهم هذه سنتك وسنة نبيك صلواتك عليه وآله ، واتباع منا لك ولنبيك بمشيتك وبإرادتك وقضائك لأمر أردته وقضاء حتمته وأمر أنفذته ، وأذقته حر الحديد في ختانه وحجامته لأمر أنت أعرف به منى ، اللهم فطهره من الذنوب ، وزد في عمره ، وادفع الأذيات عن بدنه والأوجاع عن جسمه ، وزده من الغناء ، وادفع عنه الفقر فإنك تعلم ولا نعلم ، وقال الصادق عليه‌السلام : أيما رجل لم يقلها عند ختان ولده فليقلها عليه قبل أن يحتلم ، فان قالها كفى حر الحديد من قتل أو غيره ».

وأما العقيقة فهي هنا الذبيحة التي تذبح للمولود وإن كان تقال أيضا للشعر الذي يولد عليه المولود آدميا كان أو غيره كالعقيق ، والعق بالكسر وقيل : إن أصل العق الشق ، يقال : عق ثوبه أي شقه ، ومنه عق الولد أباه أي عصى وشق ما أوجبه الله عليه من الطاعة ، وهمي به الشعر الذي على المولود باعتبار حلقه أو زواله ، والذبيحة باعتبار شق حلقومها ، أو لأنها تفعل لأجل العقيقة فأطلق اسم السبب على المسبب ، والأمر سهل.

وعلى كل حال ف قد ذكر غير واحد من الأصحاب أنه يستحب أن يعق عن الذكر ذكرا وعن الأنثى أنثى بل عن الخلاف إجماع الفرقة وأخبارهم عليه ، ولعله لخبر محمد بن مارد (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سألته عن العقيقة ، فقال : شاة‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥١ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٥٩ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ١.

(٣) ذكر صدره في الوسائل الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ١٣ وذيله في الباب ـ ٤٢ ـ منها الحديث.

٢٦٤

أو بقرة أو بدنة ، ثم يسم ويحلق رأس المولود في يوم السابع ، ويتصدق بوزن شعره ذهبا أو فضة ، فإن كان ذكرا عق عنه ذكرا وعن الأنثى أنثى » والمرسل (١) في الكافي عن الباقر عليه‌السلام « إذا كان يوم السابع وقد ولد لأحدكم غلام أو جارية فليعق عنه كبشا ، عن الذكر ذكرا وعن الأنثى مثل ذلك ».

لكن في أكثر النصوص التسوية ، ففي‌ صحيح منصور بن حازم (٢) عن الصادق عليه‌السلام « العقيقة في الغلام والجارية سواء ».

وفي‌ موثق سماعة (٣) « سألته عن العقيقة فقال : في الذكر والأنثى سواء » وفي خبر أبي بصير (٤) عن الصادق عليه‌السلام « عقيقة الغلام والجارية كبش » وفي خبر ابن مسكان (٥) عنه عليه‌السلام أيضا « سألته عن العقيقة فقال عقيقة الغلام كبش كبش » وفي خبر علي بن جعفر (٦) عن أخيه عليه‌السلام « سألته عن العقيقة الجارية والغلام فيها سواء قال : كبش كبش » وفي خبر يونس بن يعقوب (٧) « سألت أبا الحسن موسى عليه‌السلام عن العقيقة الغلام والجارية فيها سواء ، قال : نعم ».

وفي المسالك بعد أن اقتصر على المرسل في الدلالة على ما في المتن ، وذكر جملة من أخبار التسوية قال : « إن المرسل ليس صريحا في اعتبار المساواة ، بل الظاهر من‌ قوله عليه‌السلام : « والأنثى مثل ذلك » ‌أن المستحب كونه ذكرا في الذكر والأنثى ، فيكون موافقا لغيره من الأخبار الدالة على التسوية بينهما » قلت : لا ريب في إجزاء كل منهما في كل منهما ، وإنما الكلام في الأفضلية ، وما ذكره الأصحاب لا يخلو من قوة ، لما عرفت من الإجماع المحكي والخبر ، ونصوص التسوية يمكن إرادة ثبوت أصل استحباب العقيقة فيها ، أو إيراد بيان أصل الجواز.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ١١.

(٢) و (٣) و (٤) الوسائل الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ١ ـ ٢ ـ ٣

(٥) الوسائل الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ٤ وفيه‌ « عقيقة الجارية والغلام كبش كبش» ‌

(٦) و (٧ ) الوسائل الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ٥ ـ ٦

.

٢٦٥

ولعل الأصل في ذلك شدة التسامح في أمر العقيقة ، كما أومى إلى ذلك في‌ خبر منهال (١) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إن أصحابنا يطلبون العقيقة إذا كان إبان يقدم الأعراب فيجدون الفحولة ، وإن كان غير ذلك الإبان لم يوجد فيعز عليهم ، فقال : إنما هي شاة لحم ليست بمنزلة الأضحية ، يجزئ فيها كل شي‌ء » وفي خبر مرازم (٢) عنه عليه‌السلام أيضا « العقيقة ليست بمنزلة الهدي ، خيرها أسمنها » ‌وقد سمعت ما في خبر ابن مارد (٣) من إجزاء البقرة والشاة والبدنة.

وفي‌ خبر أبي بصير (٤) عن الصادق عليه‌السلام « إذا ولد لك غلام أو جارية فعق عنه يوم السابع شاة أو جزور » ‌وفي‌ خبر الفطحية (٥) عنه عليه‌السلام أيضا « يذبح عنه أي المولود كبش ، وإن لم يوجد كبش أجزأه ما يجزئ في الأضحية ، وإلا فحمل أعظم ما يكون من حملان السنة » ‌والمراد بالحمل ولد الضأنة في السنة الأولى ، كل ذلك للتساهل في أمر العقيقة ، وإن كان لا يبعد وجود جهة رجحان في مراعاة الذكر للذكر والأنثى للأنثى ، كما أنه لا يخلو عق الذكر عنهما معا لكونه أطيب لحما والأمر في ذلك سهل.

إنما الكلام في أنه هل تجب العقيقة؟ قيل كما عن الإسكافي والمرتضى وبعض متأخر المتأخرين نعم بل عن انتصار الثاني الإجماع عليه للأمر بها في جملة من النصوص (٦) بل في خبر علي بن أبي حمزة (٧) وخبر علي (٨) وموثق أبي بصير (٩) و‌صحيحه (١٠) « العقيقة واجبة » ‌مضافا إلى ما‌ ورد (١١) من « أن‌

__________________

(١) و (٢) الوسائل الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ١ ـ ٢

(٣) و (٤) و (٥ ) الوسائل الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ١٣ ـ ٧ ـ ٤

(٦) الوسائل الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ٧ و ٨ و ١١ و ١٢.

(٧) و (٨) و (٩) الوسائل الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ٥ ـ ٣ ـ ٤

(١٠) الوسائل الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ١٠ الا أن السند فيه موافق لسابقه.

(١١) الوسائل الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ١ و ٢ و ٦ و ٧.

٢٦٦

كل امرء أو مولود مرتهن بعقيقته ».

ولكن مع ذلك كله الوجه الاستحباب وفاقا للمشهور ، بل عن الخلاف الإجماع عليه الذي لا يعارضه ما سمعته من إجماع المرتضى بعد تبين حالهما ، والأمر بها في جملة من السنن المعلوم ندبها أوضح قرينة على كونه فيها أيضا كذلك ، بل ما سمعته من ذلك التساهل في أمرها كذلك ، والوجوب في النصوص يراد منه تأكد الندب ، كما يومئ إليه‌

صحيح عمر بن يزيد (١) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إني والله لا أدري أبي عق عني أو لا ، قال : فأمرني أبو عبد الله عليه‌السلام فعققت عن نفسي وأنا شيخ » وقال عمر (٢) : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول كل امرء مرتهن بعقيقته ، والعقيقة أوجب من الأضحية » ‌

فإن الأضحية مندوبة إجماعا على ما قيل ومنه يعلم المراد بالارتهان أيضا.

وبالجملة لا يخفى لسان الندب في ذلك كله على الفقيه الممارس ، بل يمكن إقامة قرائن كثيرة على ذلك على وجه يكون كالمقطوع به ، خصوصا ما دل (٣) من النصوص على إجزاء الأضحية عنها ، وأنه إذا جاز سبعة أيام فلا عقيقة له (٤) المعلوم إرادة نفي الكمال منها ، بقرينة ما دل (٥) من النصوص الكثيرة على بقاء ندبها إلى آخر العمر ، بل قد يستفاد من أخبار (٦) الارتهان العق عنه بعد الموت أيضا ، وأن هذا الوجوب إن كان على الولي فلا وجه لانتقاله ، كما لا يخفى على من له أدنى درية بالفقه ، فوسوسة بعض متأخري المتأخرين وجزم آخر في ذلك في غير محله ، وناش من عدم التعمق في الفقه.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٦٥ ـ من أبواب أحكام الأولاد.

(٤) الوسائل الباب ـ ٦٠ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ٢.

(٥) الوسائل الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب أحكام الأولاد والباب ـ ٦٥ ـ منها الحديث ١.

(٦) الوسائل الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب أحكام الأولاد.

٢٦٧

هذا و‌في بعض النصوص المروية في غيبة البحار (١) « أن أبا محمد عليه‌السلام عق عن صاحب الأمر عليه‌السلام بكذا وكذا شاة » ‌ومنه يستفاد استحباب التعدد فيها ، مضافا إلى أنها أوجب من الأضحية التي من المعلوم شرعية ذلك فيها ، بل قد يستفاد من تعارف تعاقب الذبح في الشياه المتعددة استحباب التكرار مع التسامح في الندب ، خصوصا في مثل الدماء التي يحب الله إراقتها ، والله العالم.

ولو تصدق بثمنها لم يجز في القيام بالسنة بلا خلاف ، للأصل ، ولأن الله يحب إراقة الدماء ، قال محمد بن مسلم (٢) : « ولد لأبي جعفر عليه‌السلام غلامان فأمر زيد ابن علي أن يشترى له جزورين للعقيقة ، وكان زمان غلاء ، فاشترى له واحدة وعسرت عليه أخرى فقال لأبي جعفر عليه‌السلام : عسرت على الأخرى فأتصدق بثمنها؟ فقال : لا ، أطلبها حتى لا تقدر عليها ، فان الله يحب إهراق الدماء وإطعام الطعام » وقال ابن بكير (٣) : « كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام فجاء رسول عبد الله بن علي فقال له : يقول عمك : إنا طلبنا العقيقة فلم نجد فما ترى نتصدق بثمنها؟ قال : لا ، إن الله يحب إطعام الطعام وإراقة الدم ».

وحينئذ لو عجز عنها أخرها حتى يتمكن لما عرفت من عدم قيام الصدقة بثمنها مقامها مع إطلاق الأدلة باستحبابها ، بل قد سمعت خبر عمر بن يزيد (٤) السابق المتضمن لعقة عن نفسه وهو شيخ ف لا يسقط حينئذ الاستحباب بالتأخير لعذر أو غير عذر ، لأنه مرتهن بها.

ويستحب أن يجتمع فيها شروط الأضحية من كونها سليمة من العيوب سمينة ، فإنها أوجب منها كما في خبر عمر بن يزيد (٥) وفي الموثق المتقدم (٦) « يذبح عنه كبش ، فان لم يوجد كبش ، أجزأه ما يجزى ، في الأضحية ،

__________________

(١) البحار ج ٥١ ص ٥ ط الحديث.

(٢) و (٣) الوسائل الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ٢ ـ ١

(٤) الوسائل الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ١.

(٥) الوسائل الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ١.

(٦) الوسائل الباب ـ ٤١ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ١.

٢٦٨

وإلا فحمل ، أعظم ما يكون من حملان السنة » ‌وما في بعض النصوص (١) من أنه إذا ضحى أو ضحى عنه فقد أجزأه عن العقيقة.

لكن قد سمعت ما في‌ خبر منهال (٢) من أنها « إنما هي شاة لحم ليست بمنزلة الأضحية » وما في خبر مرازم (٣) من أنها « ليست بمنزلة الهدي خيرها أسمنها » ‌ولعله لذا عنون الباب في الكافي بأنها ليست بمنزلة الأضحية ، وتبعه بعض المحدثين مدعيا عدم دليل في النصوص على ما ذكروه ، وقد عرفت الحال ، وأنه مقتضى الجمع بين النصوص اعتبار ذلك فيها وإن لم يكن متأكدا تأكده في الأضحية ، فتأمل والله العالم.

ويستحب أن يخص القابلة منها بالرجل والورك كما استفاضت به النصوص (٤) ولعل المراد إعطاء ثلثها كما في خبر أبى خديجة (٥) ودونه ربعها كما في غيره (٦) من النصوص وإن كان الأولى كون الثلث أو الربع ذلك ، وفي خبر عمار (٧) « وإن لم يكن قابلة فلأمه تعطيه من شاءت ».

ومنه يعلم الوجه في قوله ولو لم تكن قابلة أعطى الأم تتصدق به أي تعطيه من شاءت ولو الغنى ، ولو كانت القابلة يهودية لا تأكل ذبائح المسلمين أعطيت قيمة الربع ، كما رواه عمار (٨) نعم لو كانت القابلة أم الرجل أو من عياله فليس لها منه شي‌ء على ما رواه أبو خديجة (٩) عن الصادق عليه‌السلام كما ستسمعه.

ولو لم يعق الوالد استحب للولد أن يعق عن نفسه إذا بلغ بل لو شك‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦٥ ـ من أبواب أحكام الأولاد.

(٢) و (٣) الوسائل الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ١ ـ ٢

(٤) الوسائل الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب أحكام الأولاد.

(٥) الوسائل الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ١.

(٦) الوسائل الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ٤ و ١٠ و ١٥.

(٧) و (٩) الوسائل الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ٤.

(٩) الوسائل الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ١.

٢٦٩

في ذلك استحب له ذلك أيضا كما سمعته في خبر عمر بن يزيد (١) مضافا إلى ما دل (٢) على أنه مرتهن بعقيقته ، بل قد يستفاد من فحوى ذلك كونها كالدين في إجزاء العق عنه ولو من أجنبي.

ولو مات الصبي يوم السابع قبل الزوال سقطت ، ولو مات بعده لم يسقط الاستحباب لخبر إدريس بن عبد الله (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سألته عن مولود يولد فيموت يوم السابع يعق عنه ، قال : إن مات قبل الظهر لم يعق عنه وإن مات بعد الظهر عق عنه » ‌وقد يقال : إن المراد سقوط شدة الاستحباب ، لإطلاق الأدلة بالعق عنه بالولادة.

ويكره للوالدين أن يأكلا منها وكذا من في عيالهما حتى القابلة لو كانت منهم ، لقول الصادق عليه‌السلام (٤) : « لا يأكل هو ولا أحد من عياله من العقيقة وقال للقابلة ثلث العقيقة ، فإن كانت القابلة أم الرجل أو في عياله فليس لها منها شي‌ء ، وتجعل أعضاء ثم يطبخها ويقسمها ولا يعطيها إلا أهل الولاية ، وقال : يأكل من العقيقة إلا الأم » ‌والظاهر تأكد الكراهة بالنسبة إلى الأم ، لقول الصادق عليه‌السلام في حسن الكاهلي (٥) : « لا تطعم الأم منها شيئا » ‌بل في المحكي من كتاب‌ فقه الرضا عليه‌السلام (٦) « أنها إذا أكلت منها فلا ترضعه » ‌والأمر في الجميع سهل لكون الحكم من السنن ، إذ قد ورد في خبري أبي بصير (٧) السابقين أكل الأب منها ، بل في‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب أحكام الأولاد.

(٣) الوسائل الباب ـ ٦١ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ١.

(٤) و (٥) الوسائل الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ١ ـ ٢

(٦) المستدرك الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ١.

(٧) الوسائل الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ٧ وليس هناك لأبي بصير خبر آخر يتعرض فيه لأكل الأب من العقيقة.

٢٧٠

خبر يحيى بن أبي العلاء (١) عن الصادق عليه‌السلام في حديث عقيقة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الحسن والحسين عليهما‌السلام قال : « وعق عنهما شاة شاة ، وبعثوا برجل شاة إلى القابلة ونظروا ما غيره فأكلوا منه ، وهدوا إلى الجيران » الحديث.

وربما استفيد من‌ قول الصادق عليه‌السلام (٢) « تجعل أعضاء » وقوله عليه‌السلام (٣) « إذا قطع العقيقة جداول فاطبخها وادع عليها رهطا من المسلمين » ‌كراهة أن يكسر شيئا من عظامها ، بل تفصل أعضاء لكن هو كما ترى ، ضرورة أن الأمر بذلك لا يقتضي كراهة الكسر ، خصوصا بعد‌ خبر عمار (٤) « وسئل عن العقيقة إذا ذبحت هل يكسر عظمها؟ قال : نعم يكسر عظمها ، ويقطع لحمها ، وتصنع بها بعد الذبح ما شئت » ‌إلا أن الحكم من السنن ، والأمر فيها سهل ، سيما مع النهي عن الكسر في بعض النصوص (٥) كما قيل.

ويستحب الدعاء عند ذبحها بالمأثور (٦) ، وهو كثير ، كما أن المستفاد من النصوص (٧) التخيير بين تفريقها لحما وبين طبخها بماء وملح ، بل‌ في الفقيه « أنه أفضل أحوال طبخها » (٨) وبإضافة شي‌ء إليها من الحبوب أو غير ذلك من أنواع الطبخ ودعاء عشرة من المؤمنين إليها ، وإن زاد فهو أفضل ، يأكلون منها ويدعون للغلام (٩) وأما ما اشتهر بين السواد من استحباب لف العظام بخرقة بيضاء ودفنها فلم نقف عليه في شي‌ء مما وصل إلينا من نصوص الباب وفتاوى الأصحاب ، والله العالم.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ٨ مع اختلاف يسير.

(٤) و (٥) و (٦) الوسائل الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ١٧ ـ ٥ ـ ١٦

(٧) الوسائل الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب أحكام الأولاد.

(٨) الوسائل الباب ـ ٤٤ و ٤٧ ـ من أبواب أحكام الأولاد.

(٩) الوسائل الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ٤ و ١٢ و ١٥ والباب ٤٧ منها الحديث ١.

٢٧١

وأما الرضاع فلا يجب على الأم إرضاع الولد بلا خلاف أجد فيه بيننا للأصل ، ولظاهر قوله تعالى (١) ( فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) وقوله تعالى (٢) ( وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى ) وقوله تعالى (٣) ( لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها ) الشامل لاضرارها بالإجبار على إرضاعه لو كان واجبا ، ولخبر سليمان بن داود (٤) قال : « سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن الرضاع ، قال : لا تجبر المرأة على إرضاع الولد ، وتجبر أم الولد ».

نعم في المسالك وغيرها « أن عدم وجوب إرضاع الولد على الأم مشروط بوجود الأب أو وجود مال للولد ووجود مرضعة سواها وقدرته على دفع الأجرة إليها أو تبرعها ، وإلا وجب عليها إرضاعه ، كما يجب عليها الإنفاق عليه حيث يكون مفقودا أو معسرا » وفي الرياض « المعروف من مذهب الأصحاب بل كاد يكون إجماعا منهم أنه لا تجبر الأم الحرة ولا مملوكة الغير على إرضاع ولدها إلا إذا لم يكن للولد مرضعة أخرى سواها ، أو كانت ولم يتمكن لعدم وجود الأب أو إعساره أو عدم تمكنه منه مع عدم مال للولد يمكن به إرضاعه من غيرها ، فيجب عليها بلا خلاف ، لوجوب إنفاقها عليه في هاتين الصورتين ».

قلت : المراد من نحو عبارة المصنف عدم وجوب الإرضاع على الأم من حيث كونها أما ، فالتقييد المزبور في غير محله ، ضرورة وجوب الإرضاع عليها مع الانحصار إنما هو من حيث حفظ النفس المحترمة كغير الأم مع فرض الانحصار فيها ، على أن الظاهر عدم سقوط الأجرة من الأب الموسر أو مال الطفل في هذه الصورة ، ولا يجب إنفاقها عليه ، فلا وجوب عليها حينئذ في هذه الصورة من حيث كونها أما ، وأما الصورة الثانية فلا يجب عليها إرضاعها إياه ، إذ أقصاه وجوب‌

__________________

(١) و (٢) سورة الطلاق : ٦٥ ـ الآية ٦.

(٣) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٣٣.

(٤) الوسائل الباب ـ ٦٨ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ١.

٢٧٢

إنفاقها عليه ولو باستئجار مرضعة أخرى أو بالتماسها ، فلا وجوب حينئذ من حيث كونها أما ، وبذلك يظهر أنه لا حاجة إلى تقييد العبارة بذلك ، كما أن منه يظهر وجه استدلال الأصحاب بالآيتين وإن كان مساقهما في المطلقات ، إذ المراد عدم الوجوب من حيث الأمية التي لا تفاوت فيها بين المطلقة وغيرها ، فما في الحدائق والرياض من النظر في ذلك في غير محله.

بل الظاهر عدم تقييد نحو المتن بغير اللبأ ، وهو أول ما يحلب مطلقا أو إلى ثلاثة أيام ، لوجوب إرضاعه إياه ، لأنه لا يعيش بدونه ، كما أفتى به الفاضل والشهيد لعدم الدليل على وجوبه ، بل ظاهر إطلاق الأدلة خلافه ، ودعوى توقف الحياة عليه يكذبها الوجدان ، ومن هنا حملها بعض الناس على الغالب أو على أنه لا يقوى ولا تشتد بنيته إلا بذلك ، وحينئذ فلا وجه للوجوب ، ولو سلم فهو حينئذ من حيث الضرر لا من حيث كونها أما الذي هو محل البحث ، إذ يمكن ولادته وشربه اللبأ من غيرها مع فرض ولادة أخرى مقارنة لها.

ثم إن الظاهر عدم سقوط الأجرة على تقدير الوجوب ، إذ هو حينئذ كبذل الزاد للمضطر ، فلا يرد أنه لا يجوز أخذ الأجرة على الواجب.

وعلى كل حال بما ذكرنا يصرف ظاهر الطلب المطلق المنصرف إلى الوجوب في قوله تعالى (١) ( وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ ) إلى الاستحباب جمعا بين الأدلة ، وفي الرياض « ويمكن الجمع بحمله إما على الصورتين الأولتين أو على أم ولد المولى » قلت : لكنه كما ترى ، وقد يقال إن المراد من الآية بيان مدة الرضاع لمن أراد أن يتم الرضاعة لا بيان وجوب أصل الرضاع عليهن كما هو واضح بأدنى تأمل.

وكيف كان ف لها أي الأم المطالبة بأجرة رضاعه مع وجود المال له أو الأب الموسر بلا خلاف ولا إشكال ، ضرورة كون نفقته عليه أو على ماله ، ومنها رضاعه المتوقف حياته عليه ، بل قيل : ربما ظهر من إطلاق نحو العبارة‌

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٣٣.

٢٧٣

وجوب الأجرة على الأب ولو مع إعساره ، وفيه أنه مناف للأصل ، على أن الظاهر كون الأجرة من الإنفاق المعلوم عدم وجوبه في الفرض ، وإطلاق الآيتين إنما هو على حال الإنفاق ، فلا وجه للتوقف في ذلك ، بل ولا أظن فيه خلافا ، كما أنه لا وجه للتوقف في عدم الوجوب عليه مع وجود المال للولد وإن اقتضى ذلك إطلاق الآيتين المنزل على ذلك ، بل عن بعضهم وجوب ذلك على الأب وإن كان عند الولد مال ، نعم لو مات الأب وجب من مال الولد ، لصحيح ابن أبي يعفور (١) عن الصادق عليه‌السلام « إن أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه قضى في رجل توفي وترك صبيا فاسترضع له إن أجر رضاع الصبي مما يرث من أبيه وأمه » ومرسل ابن أبي عمير (٢) عنه أيضا « قضى علي عليه‌السلام في صبي مولود مات أبوه إن رضاعه من حظه مما ورث من أبيه » وصحيح ابن سنان (٣) السابق ، إلا أن الجميع كما ترى ، لا دلالة في شي‌ء منها على ما ذكروه ، وإنما هي دالة على أجرة رضاع الصبي من ماله حال عدم الأب وهو لا خلاف فيه ولا إشكال.

وعلى كل حال ف له استئجارها على الرضاع إذا كانت بائنا بلا خلاف ولا إشكال ، نعم قيل والقائل الشيخ منا لا يصح ذلك وهي في حباله وكذا لا يصح استئجارها لخدمته أو خدمة غيره وإرضاع ولد غيره ، لعدم القدرة على التسليم باعتبار ملك الزوج للاستمتاع بها ، وفيه ـ مع فرض كون المستأجر الزوج ـ أن المانع من قبله ، فهو في الحقيقة إسقاط منه لحقه ، بل هو أولى بالصحة من أجير أذن له المؤجر بالإجارة من غيره في مدة إجارته ، أما إذا كان‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٧١ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ٢.

(٢) أشار إليه في الوسائل الباب ـ ٧١ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ٢ وذكره في التهذيب ج ٧ ص ٤٤٧ الرقم ١٧٩٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٧١ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ١ ولم يتقدم هذا الصحيح سابقا والصواب « الاتى » فإنه ( قده ) يذكره بعد قليل.

٢٧٤

المستأجر الغير فلا ريب في تقييده بما إذا لم يناف حق الزوج ، كما هو واضح.

ومن هنا كان الوجه الجواز وفاقا للمشهور شهرة عظيمة ، بل لم نعرف فيه خلافا بيننا إلا ما سمعته من الشيخ للعمومات والإطلاقات.

كما لا خلاف ولا إشكال في أنه يجب على الأب بذل أجرة الرضاع مع يسره إذا لم يكن للولد مال لأنها من النفقة الواجبة عليه إجماعا ، بل هو مقتضي قوله تعالى (١) ( فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) بل وقوله تعالى (٢) ( وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ ) الذي هو كناية عن أجرة الرضاع ، بل في التعبير بالمولود له تنبيه حسن على كون الولد حقيقة له ، ولذا نسب إليه دون أمه ، ووجبت نفقته عليه ، أما إذا كان له مال فلا تجب نفقته عليه ، لأنه غني حينئذ.

ولأمه أن ترضعه بنفسها وبغيرها وعلى كل حال لها الأجرة لصحيح ابن سنان (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في رجل مات وترك امرأته ومعها منه ولد فألقته على خادمة لها فأرضعته ثم جاءت تطلب رضاع الغلام من الوصي؟ فقال : لها أجر مثلها وليس للوصي أن يخرجه من حجرها حتى يدرك ويدفع إليه ماله » ‌وحينئذ يكون ذلك حكما شرعيا ، وهو استحقاق الأم أجرة الرضاع وإن لم تقع معاملة بينها وبين الأب ، سواء أرضعته بنفسها أو عند غيرها.

لكن في المسالك حمل العبارة على معنى آخر قال : « إذا استأجرها للرضاعة فإن صرح بإرادة تحصيل رضاعه بنفسها وغيرها فلا شبهة في جواز الأمرين واستحقاقها الأجرة المسماة ، وإن شرط إرضاعه بنفسها تعين ، ولا يجوز لها إرضاعه من غيرها ، فان فعلت فلا أجرة لها ، وإن أطلق بأن استأجرها لارضاعه فهي مسألة الكتاب ، والمشهور جواز إرضاعها بنفسها وبغيرها ، لأنها حينئذ أمر مطلق ، ومن شأنه جواز تحصيل المنفعة بنفسه وغيره ، وقيل : لا يجوز لاختلاف المراضع في الحكم والخواص ، ودلالة العرف على مباشرتها حتى قيل : إنه يجب‌

__________________

(١) سورة الطلاق : ٦٥ الآية ٦.

(٢) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٣٣.

(٣) الوسائل الباب ـ ٧١ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ١.

٢٧٥

تعيين المرضعة في العقد لذلك ، فلا أقل من تعينها عند الإطلاق ، والأقوى الرجوع إلى العرف ، فان لم يتفق أو اضطرب جاز أن ترضعه بنفسها وغيرها ، ولا فرق في الغير بين أن يكون خادمها وغيره ، وحيث جاز استحقت الأجرة ، وإلا فلا » وتبعه على ذلك الفاضل الأصبهاني في شرح القواعد والمحدث البحراني.

لكن الجميع كما ترى إذ لا خصوصية لهذه المسألة في المقام ، ولا يليق التنبيه عليها ، وإنما المراد ما ذكر من بيان استحقاق الأم أجرة الرضاع ، سواء وقع معها عقد الإجارة أم لا ، كما هو مقتضى إطلاق الأدلة ، وسواء أرضعتها بنفسها أو بغيرها للصحيح (١) المزبور ، بل الظاهر عدم الفرق في الغير بين مملوكتها وغيرها ، وسواء أرضعته عند الغير بأجرة أو لا ، وهو حكم يليق التنبيه عليه مستفاد من الكتاب (٢) والسنة (٣) والفتاوى.

ولا يشكل بأنه لا وجه لرجوعها بالأجرة مع إرضاع الغير لها غير المملوكة والمستأجرة ، إذ ذاك ليس إلا لكون من يتبرع قد تبرع لها ، وأدى عنها ما يراد منها بتلبسه بالقيام ، فهو كالمتبرع عمن في ذمته عمل للغير بالعمل بعنوان كونه للأجير وعنه ، فتأمل جيدا ، والله العالم.

وللمولى إجبار أمته على الرضاع لولده منها أو من غيرها أو غيره ولده بلا خلاف ولا إشكال ، لأن جميع منافعها مملوكة له.

والأصل في نهاية الرضاع حولان للاية (٤) و‌للمروي (٥) في تفسير « لا رضاع بعد فطام » انه الحولان ، وفحوى ما دل (٦) على أن ليس للمرأة‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٧١ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ١.

(٢) سورة الطلاق : ٦٥ ـ الآية ٦.

(٣) الوسائل الباب ـ ٧١ ـ من أبواب أحكام الأولاد.

(٤) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٣٣.

(٥) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ٥.

(٦) الوسائل الباب ـ ٧٠ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ١.

٢٧٦

أن تأخذ في رضاع ولدها أكثر من حولين وإن جاز الزيادة عليها والنقصان ، فان ذلك لا ينافي الأصل المزبور ولذا قال المصنف وغيره : إنه يجوز الاقتصار على أحد وعشرين شهرا بلا خلاف أجده فيه ، للأصل و‌قول الصادق عليه‌السلام في خبر سماعة (١) « الرضاع أحد وعشرون شهرا ، فما نقص فهو جور ».

وفي‌ خبر عبد الوهاب بن الصباح (٢) « الفرض في الرضاع أحد وعشرون شهرا ، فما نقص عن أحد وعشرين شهرا فقد نقص المرضع ، فإن أراد أن يتم الرضاعة له فحولين كاملين » ‌قيل وظاهر قوله تعالى (٣) ( وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً ) بناء على المختار من أن التسعة أكثر الحمل وأنه الغالب المنزل عليه إطلاق الآية فيكون الباقي أحد وعشرون شهرا لكن قد ينافيه استدلالهم سابقا بهذه الآية مع قوله تعالى (٤) ( وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ ) أن أقل الحمل ستة أشهر ، فإنه يقتضي تنزيلها على كون المراد منها الوضع لأقل الحمل ، ويسهل الأمر في ذلك عدم انحصار الدليل فيها.

وعلى كل حال فظاهر الخبرين بعد الانجبار سندا ودلالة أنه لا يجوز نقصه عن ذلك وحينئذ ف لو نقص لغير ضرورة كان جورا محرما ، بل في كشف اللثام دعوى الاتفاق عليه ، ولعله ظاهر غيره أيضا ، فما عن بعض ـ من الجواز للأصل وظاهر قوله تعالى (٥) ( فَإِنْ أَرادا فِصالاً عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما )‌ والصحيح (٦) « ليس للمرأة أن تأخذ في رضاع ولدها أكثر من حولين كاملين ، فإذا أرادا الفصال قبل ذلك عن تراض منهما فحسن » ‌ـ واضح الضعف ، لوجوب تقييد ذلك بالمدة المذكورة للأدلة المزبورة.

وكيف كان فالمشهور بين الأصحاب أنه يجوز الزيادة على‌

__________________

(١) و (٢) الوسائل الباب ـ ٧٠ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ٥ ـ ٢

(٣) سورة الأحقاف : ٤٦ ـ الآية ١٥.

(٤) و (٥) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٣٣.

(٦) الوسائل الباب ـ ٧٠ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ١.

٢٧٧

الحولين للأصل وظاهر الصحيح السابق ، وأظهر منه‌ صحيح سعد بن سعد الأشعري (١) عن الرضا عليه‌السلام « سألته عن الصبي هل يرتضع أكثر من سنتين؟ فقال : عامين ، قلت : فان زاد على سنتين هل على أبويه من ذلك شي‌ء؟ قال : لا » ‌بل ظاهره كالأول عدم تحديد ذلك بأشهر والشهرين ، كما هو مقتضى الأصل ، بل عن جماعة الميل إليه ، إلا أن المشهور خلافه ، بل في الرياض « مستنده غير واضح ، إلا ما يقال من أن به رواية وفي الاعتماد على مثلها في تقييد ما مر من الأدلة مناقشة ، وإن كان ربما يتوهم كونها مرسلة مجبورة بالشهرة ، فترجح على تلك الأدلة ، وذلك لأن الرجحان بعد وضوح الدلالة وليس ، إذ يحتمل التوهم ، لكن مراعاة الاحتياط مطلوبة بالبداهة ».

قلت : قد يقال : إن مستنده حرمة الإرضاع بعد الحولين ، باعتبار حرمة شرب لبنها فيما خرج عن مدة الرضاع ، لكونه من فضلات ما لا يؤكل لحمه الممنوع أكلها ، بل الظاهر أن ذلك لكونه من الخبائث كالبصاق وباقي رطوباتها ، وكلما حرم على المكلف لخبثه يحرم إطعامه لغير المكلف كالدم ونحوه ، وحينئذ فالمحتاج إلى المستند جوازه بعد الحولين اللذين هما منتهى الرضاع كتابا (٢) وسنة (٣) وإجماعا.

نعم قد يستثنى الزيادة شهرا أو شهرين باعتبار صعوبة فصال الطفل دفعة واحدة على وجه يخشى عليه التلف ، لشدة تعلقه به ، وللمرسل المنجبر بالشهرة ، واحتمال التوهم يسد باب النقل بالمعنى ، إذ ليس ما يحكونه من الروايات إلا كما يرونه ، بل قد يدعى ظهور قوله عليه‌السلام « عامين » في صحيح سعد (٤) جوابا للسؤال المزبور في عدم جواز الزيادة ، بل والآية (٥) ولا ينافي ذلك ما في الدليل بعد احتمال‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٧٠ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ٤.

(٢) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٣٣.

(٣) و (٤) الوسائل الباب ـ ٧٠ ـ من أبواب أحكام الأولاد ٤.

(٥) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٣٣.

٢٧٨

إرادة أن ارتضاع الصبي في نفسه عند من يرضعه أزيد لا يؤثر على الأبوين حرمة ، لعدم كونه من فعلهما ، فتأمل ، والله العالم.

وكيف كان ف لا يجب على الوالد وغيره ممن وجب عليه إرضاع الصبي دفع أجرة ما زاد على حولين لأنهما منتهى الرضاعة الواجبة عليه وإن لم يرض ، لكونه حقا للولد عليه ونفقة له ، فأجرتهما جعل شرعي تستحقه الأم بإرضاعها للصبي بنفسها وبغيرها على الوجه الذي ذكرناه سابقا من غير حاجة إلى معاملة مع الأب وتراض ، بل الظاهر ذلك حتى مع عدم رضاه بأصل إرضاعها ، أما ما زاد على الحولين فلا تستحق عليه ذلك إلا بمعاملة معه ، وهو المراد من‌ قوله عليه‌السلام في الصحيح (١) السابق : « ليس للمرأة » ‌إلى آخره.

وبذلك يظهر أنه لا وجه للإشكال من جماعة في الحكم المزبور بأنه لا معنى لعدم استحقاقها الأجرة للزائد الذي هو بمنزلة النفقة الضرورية التي تجب على الولد ، ولا لدفعه في الرياض بأنه اجتهاد في مقابلة إطلاق النصوص المعتبرة المعتضدة بالأصل والشهرة ، بل والاتفاق كما يظهر من عبائر الأجلة ، لكن ربما يجاب عن النصوص وعبارات الأصحاب بالورود مورد الغالب ، وربما لا يخلو من مناقشة ، إلا أن الأحوط مراعاة الأجرة ، إذ الجميع كما ترى ، وخصوصا ما سمعته من الرياض مما هو ظاهر في عدم العض على المسألة بضرس قاطع ، وكان السبب في ذلك أنه تبع غيره في الإشكال المزبور الذي لا محل له بناء على كون المراد مما في النص والفتوى ما ذكرنا من أن أجرة المثل المضروبة للأم على الأب شرعا إنما هي في الحولين لا الأزيد ، فإن استحقاقها أجرتها محتاج إلى معاملة مع الزوج أو غيرها مما يقتضي استحقاقها إياه غير الإرضاع ، كما هو واضح عند التأمل.

نعم قد يشكل استحقاقها أجرة ما زاد على الواحد والعشرين شهرا مع عدم رضا الأب ، بل ومع سكوته ، باعتبار ما سمعت من أن الفرض عليه أحد وعشرون‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٧٠ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ١.

٢٧٩

شهرا ، فالزائد على ذلك حينئذ كالزائد على الحولين ، ويدفعه أن ظاهر قوله تعالى (١) : ( وَالْوالِداتُ ) والسنة (٢) والفتوى أن الأصل في منتهى الرضاعة شرعا الحولان ، وأما النقصان إلى الواحد والعشرين فهو مشروط بالتراضي منهما والتشاور ، وإلا فمع فرض إرادة الأب ذلك فصلا عن سكوته وعدم رضا الأم فالظاهر ثبوت الأجرة لها ، ضرورة ظهور الآية (٣) في اعتبار رضاهما وتشاورهما في رفع الجناح عن النقصان عن الحولين ، وهذا وإن خلت عنه كلمات الأصحاب وتصريحا إلا أنه ظاهرها ، بل هو ظاهر الكتاب بل هو صريح المقداد في الكنز فلا بأس بالفتوى به ، بل هو جيد جدا ، فتأمل والله العالم.

وكيف كان ف الأم أحق بإرضاعه بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه ، بل لعله المراد من قوله تعالى (٤) ( وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ ) خصوصا مع قوله تعالى بعد ذلك ( لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها ) مضافا إلى‌ الخبر (٥) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « الحبلى المطلقة ينفق عليها حتى تضع حملها ، وهي أحق بولدها أن ترضعه بما تقبله امرأة أخرى ، إن الله عز وجل يقول (٦) ( لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ ).

وخبر الكناني (٧) عنه عليه‌السلام أيضا « إذا طلق الرجل وهي حبلي أنفق عليها حتى تضع حملها ، فإذا وضعته أعطاها أجرها ولا يضارها إلا أن يجد من هو أرخص أجرا منها ، فإن هي رضيت بذلك الأجر فهي أحق به حتى تفطمه ».

وخبر البقباق (٨) قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : « الرجل أحق بولده أم المرأة؟

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٣٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ٧٠ ـ من أبواب أحكام الأولاد.

(٣) و (٤) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٣٣.

(٥) و (٧) و (٨) الوسائل الباب ـ ٨١ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ٥ ـ ٢ ـ ٣

(٦) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٣٣.

٢٨٠