جواهر الكلام - ج ٣١

الشيخ محمّد حسن النّجفي

عليه في الأولى أيضا ، وهي فيما لو ضارها حتى بذلت ولم يكن من قصده ذلك ، لكونه أشبه شي‌ء بعوض المحرم ، بل يمكن اندراجه في الآية أيضا.

ولا ينافيه قوله تعالى (١) ( وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً ) وذلك لما عرفت مما ورد في تفسير هذه الآية من النصوص (٢) التي فيها الصحيح وغيره أن المراد بها الامرأة التي تخشى الطلاق أو التزويج عليها أو كان الرجل يكرهها أو لا تعجبه أو نحو ذلك مما يؤدى إلى فراقها فأسقطت بعض حقوقها لإرادة إمساكها وعدم طلاقها ، وهذا غير المفروض الذي هو ترك حقوقها الواجبة عليه فبذلت له مالا للخلاص من يده ومن أسره ، إذ هي كالمظلوم في يد الظالم ، فيبذل له للتخلص من ظلمه ، فان ذلك لا ريب في حرمته على الظالم وإن لم يكن قد قصد بالظلم ذلك المبذول ، ولعله إلى ذلك أومأ العلامة في تقييد الحقوق بالمستحبة في القواعد.

كما أنه مما ذكرنا يظهر لك أيضا ما في كشف اللثام وغيره حتى من الرياض ، فإنه ـ بعد أن اعترف بعدم دلالة الآية والنصوص المفسرة لها على عموم الحكم من جواز الصلح ببذل حقها كما لو أخل الزوج ببعض حقوقها الواجبة أو كلها لظهور سياقها في غيره ـ قال : « نعم جاز له القبول هنا لو بذلته بطيب نفسها لا مطلقا ، للأصل وفقد الصارف عنه ، وهذا هو ظاهر العبارة والأكثر ، وربما منع منه من جوزه هنا لما قدمناه من اختصاص الآية والنص بالأول ، ولقبح تركها الحق من دون عوض بناء على لزومه عليه من دونه ، وفيهما نظر إذ اختصاص الكتاب والسنة بما ذكر لا يوجب المنع عن جريان الحكم الذي فيه في غيره بعد قضاء الأصل به ، والقبح ممنوع حيث يرجى حصول الحقوق الواجبة التي أخل بها بالبذل فتكون هي العوض الحاصل بالبذل ، ولزومه عليه غير ملازم ، للزوم صدورها عنه حتى ينتفي‌

__________________

(١) سورة النساء : ٤ الآية ١٢٨.

(٢) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب القسم والنشوز.

٢٢١

العوض حين البذل ، ثم على تقديره يصح منع القبح أيضا ، كيف لا ويجوز لها إبراء ذمة زوجها عن حقوقها بعضا أو كلا ابتداء مطلقا جدا ( وبالجملة ) لا وجه لتعليل المنع من الجواز بنحو هذا بعد طيبة نفسها في بذلها ، ومنه يظهر الجواز فيما لو بذلت بطيبة نفسها بعد إكراهها عليه وإن أطلق الأصحاب المنع حينئذ » فإنه كما ترى خروج عن موضوع البحث ، بل هو غير لائق لجعله عنوانا في كلام الأصحاب كما هو واضح بأدنى تأمل ، والله العالم.

( النظر الرابع )

( في أحكام الأولاد )

( وهي قسمان‌ )

( القسم الأول )

في إلحاق الأولاد ، والنظر في أولاد الزوجات دواما وانقطاعا والموطوءات بالملك والموطوءات بالشبهة‌ ( الأول ) أحكام ولد الموطوءة بالعقد الدائم وهم يلحقون بالزوج بشروط ثلاثة : الدخول بغيبوبة الحشفة أو مقدارها قبلا أو دبرا ، بل في كشف اللثام وغيره أنزل أو لا ، لإطلاق الفتاوى ونحوه‌ قول الباقر عليه‌السلام لأبي مريم الأنصاري (١) « إذا أتاها فقد طلب ولدها ».

لكن في الروضة « والمراد بالوطء ـ على ما يظهر من إطلاقهم وصرح به المصنف‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٠٣ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ١.

٢٢٢

في القواعد ـ غيبوبة الحشفة قبلا أو دبرا وإن لم ينزل ، ولا يخلو ذلك من إشكال إن لم يكن مجمعا عليه بانتفاء التولد عادة في كثير من موارده ، ولم نقف على شي‌ء ينافي ما نقلناه يعتمد عليه » وتبعه في الرياض وقال : « ولد الزوجة الدائمة التام خلقة يلحق بالزوج الذي يمكن التولد منه عادة ولو احتمالا مع شروط ثلاثة : أحدها الدخول منه بها دخولا يحتمل فيه ذلك ولو احتمالا بعيدا ، قبلا كان أو دبرا ، إجماعا ، وفي غيره إشكال وإن حكى الإطلاق عن الأصحاب ، واحتمل الإجماع ، مع أن المحكي عن السرائر والتحرير عدم العبرة بالوطء دبرا ، واستوجهه من المتأخرين جماعة ، وهو حسن إلا مع الإمناء واحتمال السبق وعدم الشعور به لا مطلقا ».

قلت : مع فرض إمكان سبق المنى وعدم الشعور به لا سبيل حينئذ للقطع بنفي الاحتمال ولو بعيدا مع تحقق مسمى الدخول ، على أنه يمكن التولد من الرجل بالدخول وإن لم ينزل ، ولعله لتحرك نطفة الامرأة واكتسابها العلوق من نطفة الرجل في محلها أو غير ذلك من الحكم التي لا يحيط بها إلا رب العزة ، ولذا أطلق أن‌ « الولد للفراش » (١) ‌المراد به الافتراش فعلا لا ما يقوله العامة من الافتراش شرعا ، بمعنى أنه يحل له وطؤها ، فلو ولدت وإن لم يفترشها فعلا ألحق به الولد ، إذ هو مع ما فيه من فتح باب الفساد للنساء أشبه شي‌ء بالخرافات.

وربما يومئ إلى بعض ما قلناه‌ خبر أبي البختري (٢) المروي عن قرب الاسناد عن جعفر بن محمد عن علي عليهم‌السلام قال : « جاء رجل إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : كنت أعزل عن جارية لي فجاءت بولد ، فقال : الوكاء قد ينفلت ، وألحق به الولد » ‌وفحوى‌ التوقيع المروي عن إكمال الدين وإتمام النعمة (٣) في جملة مسائل منها « استحللت بجارية وشرطت عليها أن لا أطلب ولدها ولم ألزمها منزلي ، فلما أتى لذلك مدة‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ١.

٢٢٣

قالت : قد حبلت ثم أتت بولد لم أنكره ـ إلى أن قال ـ : فخرج جوابها عن صاحب الزمان صلوات الله عليه : وأما الرجل الذي استحل بالجارية وشرط عليها أن لا يطلب ولدها فسبحان من لا شريك له في قدرته ، شرطه على الجارية شرط على الله تعالى ، هذا ما لا يؤمن أن يكون ، وحيث عرض له في هذا شك وليس يعرف الوقت الذي أتاها فليس ذلك يوجب البراءة من ولده ».

والثاني مضى ستة أشهر هلالية أو عددية أو ملفقة من حين الوطء لأنها أقل الحمل كتابا (١) وسنة (٢) مستفيضة أو متواترة وإجماعا محكيا كذلك بل في المسالك نسبة ذلك إلى علماء الإسلام ، بل ومحصلا ، فلا يلحق به إن وضعته حيا كاملا لأقل من ذلك ، وما عن المفيد بل والطوسي أيضا ـ من التخيير بين النفي والإقرار به ـ محجوج بما عرفت ، بل قيل : لا يظهر له وجه إلا‌ خبر أبان بن تغلب (٣) عن الصادق عليه‌السلام « رجل تزوج فلم تلبث بعد أن أهديت إليه أربعة أشهر حتى ولدت جارية ، فأنكرها وردها ، وزعمت هي أنها حبلت منه فقال : لا يقبل ذلك منها ، وإن ترافعا إلى السلطان تلاعنا ، ولم تحل له أبدا » ‌وهو مع الضعف يحتمل عدم حياة الولد أو تمامه وأن يتنازعا في المدة وفي غير الكامل مما تسقط المرأة ، ففي الرياض « يرجع في إلحاقه بالزوج حيث يحتاج إليه ـ ليجب عليه التكفين ومئونة التجهيز ونحو ذلك من الأحكام المترتبة على حياته ـ إلى المعتاد لمثله من الأيام والأشهر ، فإن أمكن عادة منه لحقه حكمه ، وإن علم عادة انتفاؤه عنه لغيبته عنه مدة تزيد عن تخلقه عادة انتفى عنه » وكان المراد إلحاقه به مع إمكانه ، وأنه لا ينفى عنه إلا مع العلم بانتفائه عنه.

والثالث أن لا يتجاوز اقصى الوضع ، وهو تسعة أشهر على الأشهر بل المشهور ، بل عن ظاهر الإسكافي والطوسي في المبسوط والخلاف إجماعنا عليه ،

__________________

(١) سورة الأحقاف : ٤٦ ـ الآية ١٥.

(٢) و (٣) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب أحكام الأولاد ٠ ـ ١٠

٢٢٤

للمعتبرة المستفيضة كمرسل عبد الرحمن بن سيابة (١) « أقصى مدة الحمل تسعة أشهر لا يزيد لحظة ، ولو زاد لحظة لقتل امه قبل أن يخرج » ‌وظاهر‌ خبر وهب (٢) عن الصادق عليه‌السلام عن أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه « يعيش الولد لستة أشهر ولسبعة ولتسعة ولا يعيش لثمانية » ‌وصحيح ابن الحجاج (٣) « سمعت أبا إبراهيم عليه‌السلام يقول : إذا طلق الرجل امرأته فادعت حبلا انتظر تسعة أشهر ، فإن ولدت وإلا اعتدت بثلاثة أشهر ، ثم قد بانت منه » ‌وخبر محمد بن الحكم (٤) عن أبي الحسن عليه‌السلام قلت له : « المرأة الشابة التي مثلها تحيض يطلقها زوجها ويرتفع حيضها كم عدتها؟ قال : ثلاثة أشهر؟ قلت : فإنها ادعت الحبل بعد الثلاثة أشهر ، قال : عدتها تسعة أشهر ، قلت : فإنها ادعت الحبل بعد تسعة أشهر ، قال : إنما الحبل تسعة أشهر ، قلت : تتزوج ، قال : تحتاط بثلاثة أشهر ، قلت : فإنها ادعت بعد ثلاثة أشهر ، قال : لا ريبة عليها تزوجت إن شاءت » وخبره الآخر (٥) عن أبي عبد الله عليه‌السلام أو أبي الحسن عليه‌السلام قلت له : « رجل طلق امرأته فلما مضت ثلاثة أشهر ادعت حملا ، فقال : ينتظر بها تسعة أشهر قال : قلت : فإنها ادعت بعد ذلك حبلا ، فقال : هيهات هيهات إنما يرتفع الطمث من ضربين ، إما حمل بين وإما فساد في الطمث ، ولكنها تحتاط بثلاثة أشهر » ‌مؤيدا ذلك بخبر أبان (٦) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « إن مريم عليها‌السلام حملت بعيسى عليه‌السلام تسع ساعات كل ساعة شهر ».

والخبر المروي في باب مبدء النشوء من الكافي (٧) فإن فيه « وللرحم‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب العدد الحديث ١ من كتاب الطلاق.

(٤) و (٥) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب العدد الحديث ٢ من كتاب الطلاق. وهما عن محمد بن الحكيم.

(٦) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ٧.

(٧) الكافي ج ٦ ص ١٥ كتاب العقيقة ( باب بدء خلق الإنسان وتقلبه في بطن أمه ) الحديث ٥.

٢٢٥

ثلاثة أقفال ، قفل في أعلاها مما يلي أعلى السرة من الجانب الأيمن ، والقفل الأخر وسطها ، والقفل الأخر أسفل من الرحم ، فما يوضع بعد التسعة أيام في القفل الأعلى فيمكث فيه ثلاثة أشهر ، فعند ذلك يصيب المرأة خبث النفس والتهوع ، ثم ينزل إلى القفل الأوسط ، فيمكث فيه ثلاثة أشهر ـ إلى أن قال ـ : ثم ينزل إلى القفل الأسفل فيمكث فيه ثلاثة أشهر ، فذلك تسعة أشهر ، ثم تطلق المرأة ».

لكن ظاهره زيادة تسعة أيام على تسعة أشهر ، ويمكن إدراجها في التسعة أشهر بضرب من التأويل بحمل‌ قوله عليه‌السلام : « في القفل الأول فيمكث » ‌إلى آخره على الثلاثة التي منها التسعة ، والشاهد عليه ذيل الرواية وباقي النصوص ، على أن إبقاءه على ظاهره مخالف للإجماع.

وقيل والقائل الشيخ في المحكي عن مبسوطة عشرة أشهر ، وهو حسن عند المصنف يعضده الوجدان في كثير والفاضل في أكثر كتبه على ما قيل ، إلا أنا لم نقف على ما يدل عليه بالخصوص فيما وصل إلينا من النصوص ، وإن حكي عن جماعة أن به رواية ، بل يعارض ما ذكر من الوجدان بما في المسالك ونهاية المرام ، بل وزماننا بوجدان الوضع إلى سنة ، فقصره حينئذ عليه دونه ليس في محله ، بل يمكن أن يكون ابتداء الحمل بالوجدان المزبور من التسعة ، ويكون حبس الطمث قبله لريبة ، كفساد الطمث ، كما سمعته في النصوص السابقة المشتملة على أن الثلاثة للريبة ، بل عن جماعة من الأصحاب منهم أبو الصلاح وابنا زهرة وشهرآشوب التصريح بذلك ، بل في كشف اللثام لا يبعد حمل كلام السيد عليه ، ويؤيده ما نقل عنه في الموصليات من أولوية التسعة ، ثم قال : « وبالجملة فلم يظهر لي صريح قول بالسنة ».

ومن ذلك يعرف ما في القول الثالث الذي أشار إليه المصنف بقوله وقيل : سنة ، وهو متروك وإن نسب إلى المرتضى في الانتصار مدعيا عليه الإجماع ، والجامع وأبي الصلاح ، ومال إليه في المختلف ، بل في المسالك أنه أقرب إلى الصواب ،

٢٢٦

إذ لم يرد دليل معتبر على كون أقصاه أقل من السنة ، فاستصحاب حكمه وحكم الفراش أنسب وإن كان خلاف الغالب ، وقد وقع في زماننا ما يدل عليه ، مع أنه يمكن تنزيل تلك الأخبار على الغالب ، كما يشعر به‌ قوله عليه‌السلام (١) : « إنما الحمل تسعة أشهر » ‌ثم أمر بالاحتياط نظرا إلى النادر ، ولكن مراعاة النادر أولى من الحكم بنفي النسب عن أهله ، بل يترتب ما هو أعظم من ذلك على المرأة مع قيام الاحتمال وتبعه على ذلك سبطه وبعض أتباعه.

ولا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرنا ، ضرورة أنه لو كان قدح في سند نصوص المشهور أو دلالتها فهو مجبور بما سمعت من الشهرة ، بل الإجماع الذي لا يعارضه المحكي من إجماع المرتضى المحتمل ما عرفت ، وأنه على النفي عن الأزيد لا أنه الأقصى ردا على العامة ، كما أفصح عنه الخبر (٢) السابق ، والحمل على الغالب ـ مع ما فيه من ظهور‌ قوله عليه‌السلام : « لو زاد ساعة لقتل أمه » ‌في نفيه ، ضرورة عدم كون الغالب منحصرا في التسعة الحقيقية التي لا تزداد ساعة ـ ليس بأولى مما ذكرناه الذي منه يعلم أولوية الاستدلال بالصحيح (٣) والخبر (٤) على المطلوب من الاستدلال بهما على السنة ، بل يمكن دعوى صراحتهما في نفي ذلك وأن الثلاثة أشهر للعدة تعبد ، أو لنفي الريبة ، أو لنحو ذلك ، بل يمكن إرادة العزم على طلاقها فادعت الحمل من قوله عليه‌السلام : « طلقها » فأخر ذلك حتى علم حالها ، فطلقها حينئذ واعتدت بثلاثة أشهر تعبدا ، كما في غيرها من العدد المشروعة للتعبد وللاحتياط في تعميم ذلك مراعاة للفروج وللإسرار التي لا يحيط بها إلا من شرع ذلك ، فمن الغريب الاستدلال بهما على السنة.

نعم في‌ خبر سلمة بن الخطاب (٥) بسنده عن علي صلوات الله وسلامه عليه‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ٥.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ٣.

(٣) و (٤) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب العدد الحديث ١ من كتاب الطلاق.

(٥) الفقيه ج ٣ ص ٣٣٠ ـ الرقم ١٦٠٠ وفي الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ١٥ « السنتين » ورواه في الوافي أيضا ـ ج ١٢ ص ٢١٧ ( الباب ـ ٢٢٨ ـ من كتاب النكاح ).

٢٢٧

« أدنى ما تحمل المرأة لستة أشهر وأكثر ما تحمل لسنة » لكن في الوافي وفي بعض « وأكثر ما تحمل لسنتين » ‌بل عن الوسائل أنه لم يذكر غير هذه النسخة ، وحينئذ فلا وجه إلا الحمل على التقية.

وفي المرسل (١) في قول الله تعالى (٢) ( يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ ) قال : « الغيض كل حمل دون تسعة أشهر ، وما تزداد كل شي‌ء تزداد على تسعة أشهر ، فكلما رأت المرأة الدم الخالص في حملها فإنها تزداد بعدد الأيام التي رأت في حملها من الدم » وفي المرفوع المروي عن نوادر المعجزات للراوندي عن سيدة النساء فاطمة عليها‌السلام « إنها ولدت الحسين عليه‌السلام عند تمام سنة من حملها به ».

لكنهما قاصران عن معارضة ما عرفت من وجوه بل الأول منهما بالنصوص (٣) الواردة في تفسير الآية المزبورة بخلاف ذلك ، بل يمكن إرادة ما لا ينافي الريبة التي سمعتها في النصوص (٤) السابقة ، كما أن المرسل الثاني معارض بغيره مما ورد (٥) بخلافه فلا محيص عن القول بالتسع.

والوجدان المدعي بخلافه على وجه ينفى الاحتمال الذي ذكرناه ممنوع على مدعيه ، خصوصا مع احتمال الوطء من غير الزوج ولو شبهة أو مع عدم علمها بذلك ، كما هو واضح.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ٦.

(٢) سورة الرعد : ١٣ ـ الآية ٨.

(٣) المستدرك الباب ـ ١٢ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ٦ وتفسير البرهان ـ ج ٢ ص ٢٨٢ ذيل الآية ١٣ من سورة الرعد.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب العدد من كتاب الطلاق.

(٥) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ٤ و ١٤ والمستدرك الباب ـ ١٢ ـ منها الحديث ٢ و ٣ و ٤.

٢٢٨

وحينئذ فالرجوع إلى الاستصحاب وإطلاق‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) : « الولد للفراش » ‌ونحو ذلك مما سمعت مما لا ينبغي الإصغاء إليه ، ضرورة عدم معارضة الأول منهما للدليل المزبور ، ووجوب حمل الثاني على المقيد ، والله العالم.

وعلى كل حال فلو لم يدخل بها لم يلحقه إجماعا بقسميه ونصوصا ، نعم قد يقال بعدم اعتبار العلم بالدخول مع ولادتها ما يمكن تولده منه تغليبا للنسب ، ولقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) : « الولد للفراش » ‌فان المراد به الزوج أو المرأة على تقدير مضاف ، أي ذي الفراش ، وعلى التقديرين يقتضي اللحوق ، خرج منه ما علم عدم الدخول لما عرفت ، ويبقى غيره ، وحينئذ يكون الأصل بعد وقوع العقد لحوق الولد بالزوج مع الإمكان ، ولا ينافي ذلك ذكر الدخول في عبارة المصنف وغيره بعنوان الشرطية المقتضية للشك في المشروط بالشك بها ، فإن الأصل الشرعي المزبور طريق للحكم بتحققها بالنسبة إلى الإلحاق المذكور.

ومن هنا فرع المصنف وغيره على الاشتراط المزبور العلم بعدم الدخول ، لا الولادة الممكنة اللحوق مع عدم العلم بالدخول ، لكن ستعرف في كتاب اللعان التحقيق في ذلك ، وإن جزم بالاحتمال المزبور في المسالك في كتاب اللعان ، والله العالم.

وكيف كان فيتحقق الدخول الموجب لإلحاق الولد وغيره من الأحكام بغيبوبة الحشفة خاصة أو قدرها من مقطوعها في القبل وإن لم ينزل ، كما هو صريح بعض النصوص (٣) الواردة في العزل وفي المتعة وغيرها ، بل يمكن دعوى تواتر النصوص فيه معنى ، ضرورة ترتيب ذلك فيها على الوطء المتحقق بما سمعت قطعا ، كما لا يخفى على من لاحظها ، بل عن الشهيد في قواعده أن الوطء في الدبر على هذا‌

__________________

(١) و (٢) الوسائل الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٠٣ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ١ والباب ـ ٣٣ ـ من أبواب المتعة والباب ـ ٥٩ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء والباب ١٦ ـ و ١٩ من أبواب أحكام الأولاد.

٢٢٩

الوجه يساوى القبل في هذا الحكم وغيره إلا في مواضع قليلة استثناها وفي المسالك « وما وقفت في كلام أحد على ما يخالف ذلك » قلت : لعل الوجه فيه أيضا ما عرفته من صدق مسمى الوطء المعلق عليه الحكم ، والدبر أحد المأتيين (١).

وكذا لو دخل بها وجاءت به لأقل من ستة أشهر حيا كاملا فإنه لا يلحق به على المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة ، بل لعل الإجماع بقسميه عليه وإن حكي عن الشيخين أنه خيراه بين نفيه وبين الاعتراف به للخبر السابق (٢) الذي قد عرفت الحال فيه لكنه شاذ لا يقدح في تحصيل الإجماع ، بل يمكن دعوى تواتر النصوص (٣) بخلافه ، وقد سمعت دعوى الإجماع من المؤمنين أو المسلمين على أن الستة أشهر أقل الحمل وغيرها من الأدلة على ذلك ، واحترز بالحياة والكمال عما ولدته في هذه المدة غير حي أو ناقص الخلقة ، فإنه يلحق به مع إمكان تولده منه عادة ، للأصل المزبور ، فتجب حينئذ عليه مئونة تجهيزه ، ويستحق ديته لو جني عليه ، إلى غير ذلك من الأحكام المترتبة على لحوقه به ، نعم لو لم يمكن في العادة لحوقه به لم يلحق به ، كما هو واضح.

والظاهر أنه يجري هنا ما سمعته في السابق من الحكم بعدم اللحوق في المتولد حيا كاملا لأقل من ستة إذا كان ذلك معلوما ، أما مع الجهل فالظاهر الحكم باللحوق للأصل الذي قدمناه ، بل لعله هنا أولى باعتبار تحقق الدخول الذي هو أصل في الحكم باللحوق حتى يعلم فساده بالعلم بالتولد للأقل ونحوه ، وستسمع لذلك تتمة إنشاء الله.

وكذا لو اتفقا على انقضاء ما زاد عن تسعة أشهر أو عشرة من زمان الوطء أو ثبت ذلك بغيبة متحققة تزيد عن أقصى الحمل ، ولا يجوز له إلحاقه بنفسه‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٧٣ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ٧.

(٢) و (٣) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ١٠ ـ ٠ ـ

٢٣٠

والحال هذه لما عرفت من عدم اللحوق مع التجاوز عن أكثر الحمل ، نعم ذلك كذلك مع العلم ، أما مع الشك فالظاهر اللحوق ، للأصل السابق على نحو ما سمعته سابقا ، وحينئذ فلا خلاف ولا إشكال في شي‌ء من الأحكام المزبورة إلا في ثبوت ذلك بل والسابقين بالاتفاق على عدم حصول الشرط ، ضرورة تعلق الحكم بغيرهما وهو الولد ، فلا يجدى اتفاقهما على نفيه عنه.

وربما وجه بأن الحق منحصر فيهما ، والفعل لا يعلم إلا منهما ، وإقامة البينة على ذلك متعذرة أو متعسرة ، فلو لم يكتف باتفاقهما عليه وألحقنا به الولد حتما نظرا إلى الفراش لزم الحرج والإضرار به ، حيث يعلم انتفاؤه عنه في الواقع ولا يمكنه نفيه ظاهرا ، ولأن الشارع أوجب نفيه عنه مع العلم بانتفائه ، وجعل له وسيلة مع إنكار المرأة اللعان ، فلا بد في الحكم من نصب وسيلة إلى نفيه مع تصادقهما ليثبت الحكم اللازم له شرعا ، ولا يمكن ذلك باللعان المشروط بتكاذبهما ، فلم يبق لانتفائه إلا الاتفاق المزبور ، وهو كما ترى.

بل عن الشهيد إشكاله بأنهما لو اتفقا على الزنا لم ينتف الولد ، ولحق بالفراش وكذا هنا ، وإن كان فيه أن مجرد الزنا غير كاف في انتفاء الولد عن الفراش إذا كان قد وطأ وطءا يمكن إلحاقه به ، لما ثبت شرعا من أن‌ « الولد للفراش وللعاهر الحجر » (١) وهذا بخلاف ما لو اتفقا على عدم الوطء في المدة المذكورة ، لأن الولد لا يمكن لحوقه بالزوج من دون الوطء في مدة الحمل ، ومن ثم اتفقوا على أنه لو ثبت عدم الوطء في المدة بالبينة حيث يمكن إثباتها كما لو اتفقت الغيبة انتفى عنه بغير إشكال بخلاف ما إذا ثبت زناها بالبينة ، فإنه لا يوجب نفيه عن الزوج ولا عن المرأة مع وجود الفراش الذي يمكن إلحاقه به ، فافترق الأمران ، اللهم إلا أن يريد الشهيد بالاتفاق على الزنا الاتفاق على كون الولد منه لا من وطء الفراش.

وعلى كل حال فالإشكال بما ذكرناه ـ من منع انحصار الحق في الزوجين‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء.

٢٣١

حتى يقبل تصادقهما فيه ، لأن للولد حقا في النسب ـ متجه خصوصا مع حكمهم كما قيل بأنه لو ادعى مدع مولودا على فراش غيره بأن ادعى وطءه بالشبهة وصدقه الزوجان فلا بد من البينة ، لحق الولد ، فلا يكفى تصديق الزوجين في دعوى الولد ، ومثل هذا آت هنا ، لكن في المسالك « أنه وافق المصنف على هذا المدعى ، إلا أنه يمكن منعه بما ذكرناه من الحرج والضرر ، وكيف يجتمع الحكم بعدم جواز إلحاقه ووجوب نفقته مع الحكم بعدم انتفائه عنه بوجه من الوجوه حيث يتعذر إقامة البينة » قلت : اختلاف الأحكام ظاهرا وواقعا غير عزيز ، فلا يكون ذلك دليلا على الدعوى ، نعم قد يقال : إن التصادق منهما مسقط حق التداعي بينهما ، أما الولد فإذا كبر كان له حق الدعوى ، ويمكن حمل كلام المصنف وغيره على ذلك ، والله العالم.

ولو وطأها واطئ فجورا ولو بعده كان الولد لصاحب الفراش فضلا عن تهمتها به مع فرض وطئه على وجه يمكن إلحاق الولد به ، فإنه أظهر أفراد‌ قوله (١) : « الولد للفراش وللعاهر الحجر » ‌المتفق على مضمونه ، فلا ينتفي عنه حينئذ إلا باللعان إذا لم يصرح باستناد النفي إليه ، وإلا لم ينتف به أيضا على ما في كشف اللثام وإن كان قد يشكل بإطلاق أدلة اللعان مع فرض إقدامه عليه ولو لاطمئنانه في السبب المزبور ، ولعله لذا أطلق المصنف وغيره ، وستسمع في كتاب اللعان التحقيق في ذلك إنشاء الله.

وعلى كل حال ف لا ينتفي عنه في الفرض المزبور إلا باللعان لأن الزاني لا ولد له ، وإنما له الحجر ، فلا يعارض وطؤه وطء ذي الفراش سبق أو تأخر وشابهه الولد في الخلق والخلق أو لا ، و‌خبر داود بن فرقد (٢) عن الصادق عليه‌السلام « أتى رجل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : يا رسول الله إني خرجت وامرأتي حائض ورجعت وهي حبلى ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من تتهم؟ ( قال : اتهم رجلين ) قال : ائت بهما ،

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٠٠ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ٢.

٢٣٢

فجاء بهما ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن يك ابن هذا فسيخرج قططا كذا وكذا ، فخرج كما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فجعل معقلته على قوم أمه وميراثه لهم » ‌مع الإرسال يحتمل طول الغيبة أو غير ذلك ، وما ورد في بعض الأخبار (١) من أن القيافة فضلة من النبوة ، والعمل عليها منهم عليهم‌السلام في بعض الأحيان (٢) محمول على ما لا ينافي المقام المجمع عليه نقلا وتحصيلا.

واحترز بالفجور عن الوطء شبهة على وجه يمكن تولده منهما ، فإنه يقرع بينهما ، ويلحق بمن تقع عليه القرعة ، لأنها حينئذ فراش لهما ، من غير فرق بين وقوع الوطءين في طهر وعدمه مع إمكان الإلحاق بهما ، نعم لو أمكن لأحدهما دون الأخر تعين له من دون قرعة ، كما أنه ينتفي عنهما بعدم إمكانه منهما ، وهو واضح.

ولو اختلفا في الدخول أي الوطء الموجب لإلحاق الولد وعدمه فادعته المرأة لتلحق به الولد وأنكره أو اتفقا ولكن اختلفا في ولادته فنفاها وادعى أنه أتت به من خارج فالقول قول الزوج مع يمينه للأصل ، ولأن الأول من فعله ، فيقبل قوله فيه ، والثاني يمكنها إقامة البينة عليه ، فلا يقبل قولها فيه بغيرها ، وكذا إذا كبر الولد فادعى كونه ولدا له.

ولو اتفقا عليهما واختلفا في المدة فادعى ولادته لدون ستة أشهر أو لأزيد من أقصى الحمل ففي اللمعة حلفت ، وفي الروضة « تغليبا للفراش ، ولأصالة عدم زيادة المدة في الثاني ـ لكن قال ـ : أما الأول فالأصل معه ، فيحتمل قبول قوله فيه عملا بالأصل ، ولأن مآله إلى النزاع في الدخول فإنه إذا قال لم تنقص الستة أشهر من حين الوطء فمعناه أنه لم يطأ منذ ستة أشهر ، وإنما وقع الوطء فيما دونها ،

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب ما يكتسب به الحديث ٢ من كتاب التجارة.

(٢) الوسائل الباب ـ ٥٥ ـ من أبواب نكاح والعبيد والإماء الحديث ٤ و ٥ والكافي ج ١ ص ٣٢٢ وصحيح مسلم ج ٤ ص ١٧٢.

٢٣٣

وربما فسر بعضهم النزاع في المدة بالمعنى الثاني خاصة ، فيوافق الأصل ، وليس ببعيد إن تحقق في ذلك خلاف ، إلا أن كلام الأصحاب مطلق » وكذا في المسالك وزاد أنه « لو نظر في تقديم قولها إلى أنها مع الاجتماع والخلوة يكون الظاهر الدخول لكان ذلك مشتركا بين المسألتين » إلى آخره.

قلت : في تحقيق الحال أن يقال : إن قاعدة الفراش حجة شرعية ، فالموافق لمقتضاها منكر على نحو قاعدة يد المسلم على المال ، فلو فرض كون النزاع بينهما بكون الولد له وعدمه على وجه إبراز التداعي على هذا الوجه فلا ريب في أن القول قول مدعي الإلحاق بيمينه ، نعم لو لم يقتصر في الدعوى ، بل أسنده إلى سبب خاص على وجه يكون لحوق الولد به تبعا ، كما لو ادعت الامرأة الدخول بها بحيث يلحق به الولد أو ادعت الولادة فأنكره كان القول قول المنكر ، نحو ما لو أسند المسلم ما في يده إلى سبب خاص يقتضي بطلان دعوى المدعى ، كما لو قال : « اشتريته منك » كان القول قول منكره بيمينه ، هذا كله فيما يتعلق بالمسألة الأولى.

أما الثانية وهي الاختلاف فالظاهر أن مبناها أصالة لحوق الولد بالوطء المحترم حتى يتبين فساد ذلك ، وهي قاعدة أخرى غير قاعدة « الولد للفراش » ولو لكونها أخص منها ، وحينئذ فمتى تحقق الوطء حكم شرعا بلحوق الولد إلا إذا علم العدم بالوضع لأقل الحمل أو لأقصاه أو لغير ذلك ، ففي الفرض الذي قد تحقق فيه الوطء واختلفا في المدة تكون المرأة منكرة على كل حال باعتبار موافقة دعواها الأصل المزبور ، من غير فرق بين دعوى الزوج الأزيد من أقصى الحمل أو الأقل من أدناه ، إذ هو على كل حال مدع ما ينافي أصالة لحوق الولد بالواطي ، ولعله لذا أطلق الحلف ، بل وأولى مما في كشف اللثام من تعليله بالرجوع إليها في العلوق بالولد فإنه من فعلها فيقدم قولها مطلقا.

وفي الرياض بعد أن حكى ما سمعته من الروضة قال : « لكن في الاكتفاء بمثله في الخروج عن الأصل إشكال إلا أن يعتضد‌ بعموم « الولد للفراش » (١) ولا‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء.

٢٣٤

ينتقض بصورة وقوع النزاع في الدخول ، لعدم ثبوت الفراش فيها بدون ثبوته ، بخلاف المقام ، لثبوته باتفاقهما عليه ، هذا مع إمكان المناقشة في الأصل الذي ادعى كونه مع الزوج ، كيف وهو معارض بأصالة عدم موجب للحمل لها غير دخوله ، وبعد التعارض لا بد من المصير إلى الترجيح ، وهو معها. للعموم المتقدم ، ولا ينتقض بالصورة المتقدم ذكرها ، لانتفاء المرجح المزبور فيها كما مضى ، فهذا أقوى ».

وفيه ( أولا ) أن المراد بالفراش المرأة كما عن بعضهم ، أو الزوج كما عن المصباح المنير ، ومعناه على الأول ان الولد الذي افتراش المرأة ، فيتحقق حينئذ بمطلق الدخول بالمرأة ولو الوطء الذي قد اتفقا على عدم التولد منه ، فيتجه شموله للصورة الأولى ، ولا مخلص منه إلا بما ذكرناه من إسناد دعواها إلى ما يقتضي الأصل نفيه من وطء زائد على ما تحقق به اسم الفراشية ، كما يقتضي به فرض كلامهم في الأعم من التي تحقق فيه الفراشية وعدمه ، بل هو في الثاني أظهر ، إذ ذاك مبنى على عدم قبول قولها مع فرض الخلوة ، ترجيحا للأصل على الظاهر مع احتمال العكس ، وكلامهم أجنبي عن ذلك هنا ، كما لا يخفى على من له أدنى نظر وتأمل وأما على الثاني فالمراد به واضح ، وعلى كل حال فلا يخرج منه إلا ما علم ولادته بلا وطء من الزوج.

و ( ثانيا ) أن أصل عدم موجب آخر للحمل لا يقتضي صحة دعواها من كون الوطء لأقل الحمل ، وإلا لاقتضى أصل عدم التولد من وطئه ثبوت وطء غيره نعم إن كان مراده بأصل عدم موجب للحمل الإشارة إلى ما ذكرنا من الأصل الشرعي في الحكم بلحوق الولد مع تحقق الوطء إلا أن يعلم فساده بالتولد لدون أقصى الحمل أو لأزيد من أقصاه أو لغير ذلك كان متجها.

ثم قال : « وحيث قدمنا قولها فالمتجه عند جماعة منهم شيخنا الشهيد في اللمعة توجه اليمين عليها ، وربما لاح من كلام بعض كما حكي عدمه ، ولا بأس به نظرا إلى الأصل وانتفاء المخرج ، بناء على أن تقديم قولها ليس لإنكارها حتى يتوجه عليها اليمين ، بل لتغليب جانب الفراش المستدل عليه بالعموم المتقدم ، وليس‌

٢٣٥

فيه اعتبار اليمين ، ولكن الأحوط اعتباره » وفيه أنها ليست إلا منكرة ، ولذا تقبل البينة في مقابل قولها ، وتغليب جانب الفراش لا ينافي توجه اليمين عليها ، لاحتمال نكولها واعترافها بعدم الدخول الذي يتسبب منه ( فيه خ ل ) الوطء.

وكيف كان فقد ظهر لك أنه مع الدخول وانقضاء أقل الحمل وعدم تجاوزه أقصاه لا يجوز له نفي الولد ، لمكان تهمة أمه بالفجور بل ولا مع تيقنه سواء ظن انتفاؤه عنه أو لا وحينئذ ف لو نفاه لم ينتف إلا باللعان إذ الفرض إمكان تولده منه ، وقد سمعت قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) : « الولد للفراش » ‌المتفق على مضمونه ، ولا يستثنى من ذلك إلا وطء الشبهة على حسب ما عرفت.

ولو طلقها فاعتدت ثم جاءت بولد ما بين الوطء الذي لحقه الفراق إلى أقصى مدة الحمل لحق به الولد إذا لم توطأ بعقد ولا شبهة وإن وطئت زنا بلا خلاف ولا إشكال ، لأنها فراشه ، ولم يلحقها فراش آخر يشاركه في الولد ، بل بناء على ما ذكرنا يلحق به أيضا لو لم يعلم الحال ، لقاعدة الفراش أيضا ، نعم لو كان بدون الأقل أو الأزيد من الأقصى انتفى عنه قطعا.

أما إذا لحقه فراش آخر بعقد أو شبهة فان لم يمكن لحوقه بالثاني فهو للأول ، وإن لم يمكن لحوقه بالأول فهو للثاني ، وإن لم يمكن لحوقه بواحد منهما انتفى عنهما ، وإن كان قابلا للالتحاق بكل منهما ففي ترجيح الثاني أو القرعة قولان ، قد تقدم الكلام فيهما سابقا ، ويأتي أيضا ، ولا ريب في أن الأقوى منهما ما هو المشهور بين الأصحاب من كونه للثاني للنصوص (٢) التي فيها الصحيح وغيره.

ولو زنى بامرأة فأحبلها ثم تزوج بها لم يجز إلحاقه به ، وكذا لو زنى بأمة فحملت ثم ابتاعها لما سمعت من النص (٣) والإجماع على أن للزاني الحجر ، وتجدد الفراش لا يقتضي إلحاق المحكوم بانتفائه إذ المراد من‌ « الولد للفراش » ‌المنعقد في الفراش لا المتولد مطلقا ، ولذا انتفى عنه ما كان منعقدا قبل الفراش ، ولم‌

__________________

(١) و (٣) الوسائل الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ١ و ١١ و ١٢ و ١٣.

٢٣٦

ينتف المنعقد فيه وإن زال عنه حال التولد بطلاق مثلا ، كل ذلك مضافا إلى‌ خبر علي بن مهزيار عن محمد بن الحسن القمي (١) قال : « كتب بعض أصحابنا على يدي إلى أبي جعفر عليه‌السلام : جعلت فداك ما تقول في رجل فجر بامرأة فحملت ، ثم إنه تزوجها بعد الحمل فجاءت بولد ، وهو أشبه خلق الله به؟ فكتب بخطه وخاتمه : الولد لغية لا يورث ».

وعلى كل حال فقد عرفت مما قدمنا سابقا أنه يلزم الأب الإقرار بالولد مع اعترافه بالدخول وولادة زوجته له على وجه يوجب إلحاقه به فلو أنكره والحال هذه لم ينتف عنه إلا باللعان كما هو واضح ، بل هو كالمستغنى عنه بما سبق ، بل قد ظهر مما قدمنا سابقا أن المتجه الحكم باللحوق بعد تحقق الفراشية وإن لم يعلم دخوله في المسبب لانعقاد الولد ، لقاعدة الفراش ، خصوصا على ما سمعته من المعنى الثاني ، وإنما قلنا بتقديم قوله بعدم الدخول مع فرض التداعي فيه لإرادة إلحاق الولد به لا مع عدم تداع فيه ، ولا ينافي ذلك ذكرهم له بعنوان الشرطية المقتضية للشك في المشروط بالشك في حصولها ، ضرورة أن ذلك طريق شرعي لما يستلزم الحكم شرعا بحصولها حتى يعلم العدم.

وكذا الكلام لو اختلفا في المدة على الوجه الذي قد عرفت تفصيل الحال فيه ، فلا حظ وتأمل.

وكذا عرفت الحال فيما لو طلق امرأته فاعتدت وتزوجت أو باع أمته فوطأها المشتري أو أعتقها فاعتدت ونكحت ثم جاءت بولد لدون ستة أشهر كاملا ، فهو للأول ، وإن كان لستة أشهر فصاعدا فهو للثاني ففي‌ خبر زرارة (٢) « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الرجل إذا طلق امرأته ثم نكحت وقد اعتدت ووضعت لخمسة أشهر فهو للأول ، وإن كان ولد أنقص من ستة فلأمه ولأبيه الأول ، وإن ولدت لستة أشهر فهو للأخير ».

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٠١ ـ من أبواب أحكام الأولاد.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ١١.

٢٣٧

ومرسل جميل (١) عن أحدهما عليهما‌السلام « في المرأة تزوج في عدتها ، قال : يفرق بينهما ، وتعتد عدة واحدة منهما جميعا ، وإن جاءت بولد لستة أشهر أو أكثر فهو للأخير ، وإن جاءت بولد لأقل من ستة أشهر فهو للأول » ‌وفي‌ خبر أبي العباس (٢) قال : « إذا جاءت بولد لستة أشهر فهو للأخير ، وإن كان أقل من ستة أشهر فهو للأول » وفي‌ صحيح الحلبي (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « إذا كان للرجل منكم الجارية يطؤها فيعتقها فاعتدت ونكحت فان وضعت لخمسة أشهر كان من مولاها الذي أعتقها ، وإن وضعت بعد ما تزوجت لستة أشهر فإنه لزوجها الأخير » ‌ومن ذلك كله يعلم ضعف القول بالقرعة ، مضافا إلى ما قيل من ظهور أدلة الفراش في الفعلي منه ، والله العالم.

وأما أحكام ولد الموطوءة بالملك ف إذا وطأ الأمة به فجاءت بولد لستة أشهر فصاعدا إلى أقصى الحمل لزمه الإقرار به إن لم تظهر أمارة الخلاف ، كما ستسمع الكلام فيه وإن لم نقل أنها فراش ، كما هو المشهور بلا خلاف ، بل في كشف اللثام اتفاقا كما يظهر منهم ، بل ولا إشكال ، لقاعدة لحوق الولد للوطء المحترم مع الإمكان ، ولصحيح سعيد بن يسار (٤) سأل الكاظم عليه‌السلام « عن الجارية تكون للرجل يطيف بها وهي تخرج فتعلق ، قال : أيتهمها الرجل أو يتهمها أهله؟ قلت : أما ظاهرة فلا ، قال : إذا لزمه الولد » وسأل الصادق عليه‌السلام في حديث آخر (٥) « عن رجل وقع على جارية له تذهب وتجي‌ء وقد عزل عنها ، ولم يكن منها إليها ، ما تقول في الولد؟ قال : أرى أن لا يباع هذا يا سعيد » قال : « وسألت أبا الحسن عليه‌السلام فقال : أيتهمها؟ فقلت : أما تهمة ظاهرة فلا ، قال : فيتهمها أهلك؟ فقلت : أما شي‌ء ظاهر فلا ، فقال : فكيف تستطيع أن لا يلزمك الولد؟ ».

ولكن لو نفاه انتفى ولم يحتج إلى أن يلاعن أمه ، وحكم‌

__________________

(١) و (٢) و (٣) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ١٣ ـ ١٢ ـ ١

(٤) و (٥) الوسائل الباب ـ ٥٦ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ٢ ـ ٥

٢٣٨

بنفيه عنه ظاهرا إجماعا بقسميه اقتصارا في اللعان المخالف للأصل على موضع النص (١) وهو الأزواج ، وإذا انتفى اللعان فيها لزم الانتفاء بالنفي ، إذ لم يبق طريق إليه غيره ، وهو بمنزلة فعله لا يعلم إلا منه ، فيقبل فيه قوله.

نعم لو اعترف به بعد ذلك الحق به لعموم إقرار العقلاء (٢) وفحوى صحيح الحلبي (٣) بمثله في ولد الملاعنة ، لكن الظاهر أنه أنما يترتب عليه من أحكام النسب ما عليه دون ما له أخذا بإقراريه كما صرحوا به في ولد الملاعنة وفاقا للأخبار (٤).

ولو وطأ الأمة المولى وأجنبي فجورا حكم بالولد للمولى للأصل السابق الذي لا يعارضه وطء الزاني الذي ليس له إلا الحجر ، وللأخبار كخبر سعيد الأعرج (٥) سأل الصادق عليه‌السلام « عن رجلين وقعا على جارية في طهر واحد لمن يكون الولد؟ قال : للذي عنده الجارية ، لقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الولد للفراش وللعاهر الحجر » ‌أما إذا كان الوطء شبهة فالقرعة ، لما عرفته سابقا.

ولو انتقلت الأمة إلى موال بعد وطء كل واحد منهم لها حكم بالولد لمن هي عنده إن جاء لستة أشهر فصاعدا منذ يوم وطئها ، وإلا كان للذي قبله إن كان لوطئه ستة أشهر فصاعدا ، وإلا كان للذي قبله ، وهكذا الحكم في كل واحد منهم بلا خلاف أجده فيه ، بل ولا إشكال في كونه للأخير منهم ، لما سمعته من النصوص (٦) ٢٧٣٦٤ ـ ٢٧٣٦٢ السابقة مضافا إلى‌ خبر الصيقل (٧) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سمعته يقول وسئل عن رجل اشترى جارية ثم وقع عليها قبل أن يستبرئ‌

__________________

(١) سورة النور : ٢٤ ـ الآية ٦.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من كتاب الإقرار الحديث ٢.

(٣) و (٤) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ميراث ولد الملاعنة الحديث ١ ـ من كتاب المواريث.

(٥) و (٧) الوسائل الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ٤ ـ ٢

(٦) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب أحكام الأولاد الحديث ١ و ١١ و ١٢ و ١٣.

٢٣٩

رحمها ، قال : بئس ما صنع ، يستغفر الله ولا يعود ، قلت : فان باعها من آخر ولم يستبرئ رحمها ثم باعها الثاني من رجل آخر فوقع عليها ولم يستبرئ رحمها فاستبان حملها عند الثالث. فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : « الولد للفراش وللعاهر الحجر » وعن الشيخ روايته بسند آخر عن الصيقل (١) قال : « سئل أبو عبد الله عليه‌السلام » وذكر مثله ، إلا أنه قال : « قال أبو عبد الله عليه‌السلام : الولد للذي عنده الجارية » وعن الفقه المنسوب إلى الرضا عليه‌السلام (٢) « وإن كانوا ثلاثة واقعوا جارية على الانفراد وبعد أن اشتراها الأول وواقعها ثم اشتراها الثاني وواقعها ثم اشتراها الثالث وواقعها كل ذلك في طهر واحد فأتت بولد لكان الحق أن يلحق الولد بالذي عنده الجارية ويصبر ، لقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الولد للفراش وللعاهر الحجر ، هذا مما لا يخرج في النظر وليس فيه إلا التسليم » ‌نعم ليس في الجميع إلحاقه بالذي قبله مع تعذره ولعله لأنه بتعذر الأخر يصير الاشكال فيما بينه وبين ما تقدمه ، فهو بمنزلة ما لو وقع الاشكال فيه قبل الانتقال إلى الثالث ، ولا يترتب في ترجيحه حينئذ ، لما سمعته من النصوص التي يستفاد منها نسخ اللاحق للسابق مع الإمكان ، والمقام منه ، والله العالم.

ولو وطأها المشتركون فيها في طهر واحد أو متعدد عالمين بالحرمة أو جاهلين ، أذن كل واحد منهم للآخر أولا فولدت ولدا على وجه يمكن لحوقه بكل واحد منهم وتداعوه أو سكتوا أقرع بينهم إذ من المعلوم عدم لحوقه بالجميع ، لأن التكون من أكثر من نطفة مندفع بالنص والإجماع فمن خرج اسمه ألحق به الولد وأغرم حصص الباقين من قيمة أمه وقيمته يوم سقط حيا ضرورة كون الجارية بالنسبة إليه أم ولد ، وكون الولد ولدا له ، فهو حينئذ كالجاني على حصصهم ، إذ قد سمعت فيما تقدم أن الأمة المشتركة إذا وطأها أحد‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ٣.

(٢) البحار ج ١٠٤ ص ٦٣ ط الحديث.

٢٤٠